أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111330 / تحميل: 8322
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

ومن مساجلاته مع أستاذه السيد صادق الفحام وهو في قرية ( الحصين ) قوله(١) :

يا أديباً على الفرزدق قد

ساد بأحكام نظمه وجرير

وبسر الحديث آثره الله

فأوفى علا على ابن الأثير

وبعلم اللغات فاق كثيراً

من ذويها فضلا عن ابن كثير

بك روض الآداب عاد أريضاً

ذا غدير يروي الظما نمير

ورقيق القريض أضحى رقيقا

لك لا ينتهي إلى تحرير

وإذا ما حررت طرزت بترداً

ظل عنه المطرزي والحريري

حجج قصر ابن حجة عنها

ودجا ليلها على ابن منير

لك نثر سما الدراري ونظم

فاق در المنظوم والمنثور

حلم قيس واحنف نجل قيس

طلت فيه العلى ورأي قصير

خلق كالرياض دبجها الطل

بند فعبرت عن عبير

وعلوم لو قيست الأبحر

السبعة فيها ازرت بفيض البحور

ومزايا لو رمت إحصاء ما أو

ليت منها لم أحص عشر العشير

فقليلي ولو حرصت سواء

حين أسمو لعدها وكثيري

فتجشمت خطة لو سما

الطرف إليها لرد أي حسير

عالماً أنني وإن طال مدحي

وثنائي عليك ذو تقصير

غير أني أقول لا يسقط

الميسور فيما يراد بالمعسور

فخذ العفو وأعف عوفيت عنى

لقليل أنهيته من كثير

__________________

١ - شعراء الحلة للخاقاني ج ٥ ص ٣٢.

١٦١

فكتب له الجواب على الروي والقافية:

أيها الناقد البصير ولا فخر

وما كل ناقد ببصير

والمجلي لدى السباق إذا صالت

جياد المنظوم والمنثور

والذي قد طوى بنشر بديع

النظم ذكر الطائي دهر الدهور

وبه باقلا غدا مثل سحبان

وأمثال جرول وجرير

وبه ابن العميد بات عميداً

ذا غناء كالعاشق المهجور

وبه أصبح ابن عباد في الآداب

عبداً لم يسم للتحرير

وابن هاني لم يهنه العيش واسود

منير الرجا من ابن منير

وغدا ابن النبيه غير نبيه

وتحامى البوصيرة البوصيري

والتهامي راح يتهم الفس

بدعوى التبرير في التحبير

والسلامي لم يعد بسلام

بعد تعريفه من التنكير

والرضي الشريف لم يرض في

ملحمة النظم غيره من أمير

والصفي الحلي لم ير عيشا

مذ نشا صافياً من التكدير

وابن حجر الكندي ألقم فيه

حجراً بعد سبقه المشهور

ومعيد الذماء(١) من بارع الآداب

بعد انطماسه والدثور

وربيب المجد الذي دان

في الفضل له كل فاضل نحرير

ومجلي غياهب الشك واللبس

بنود البيان والتحرير

وجواداً للسبق جلى أخيراً

فشأى كل أول وأخير

قد أتانا منكم فريد نظام

تتحلى به نحور الحور

كيف قلدتم به جيد من لم

يك في العير لا ولا في النفير

ذاك فضل منكم وإن كثيراً

ما بعثتم إلى الأقل الحقير

__________________

١ - الذماء: بقية الروح.

١٦٢

وقال مراسلا(١) :

كتبت وكم تحدر من دموعي

على وجنات قرطاسي سطور

إلى عين الحياة حياة نفسي

ومن هو في سواد العين نور

عتبت عليك يا أملي وإني

عليك بما عتبت به جدير

جفوت وكنت لا تجفو ولكن

هي الأيام دولتها تدور

وغيرك الزمان وجل من لا

تغيره الحوادث والدهور

وغرك ما ازدهاك وكنت نعم

الخليل المصطفى لولا الغرور

سأصبر ما أطاق الصبر قلبي

فإن الحر في البلوى صبور

فلا تغتر فليس الدهر يبقى

على حال سيعدل أو يجور

فإن الليل يظلم حين يبدو

ويسفر بعده صبح منير

وإن الماء يكدر ثم يصفو

ويخبو ثم يلتهب السعير

وإن الغصن يذبل ثم يزهو

وتنكسف البدور وتستنير

وإن الهم يقتل حين يبقى

ويعقبه فيقتله السرور

ومقصوص الجناح يمر يوم

عليه من الزمان به يطير

وقال:

قفوا قبل لوشك البين يبعدكم عنا

نودعكم والقلب من أجلكم مضنى

قفوا نسكب الدمع الهتون صبابة

على صبوة نلنا بها الأرب ألاهنا

__________________

١ - شعراء الحلة، للخاقاني ج ٥ ص ٣٤.

١٦٣

هلموا إلى العهد الذي كان بيننا

قديماً فإن حلتم فوالله ما حلنا

رحلتم فجسمي مبعد معذب

عقيبكم والقلب عندكم رهنا

بعدتم فلا ندري أبالوصل نحتضي

أم الفصل محتوم فياليت ما كنا

فجودوا وعودوا وارحموا اليوم حالنا

فما عنكم مغنا ولا شاقنا مغنى

ساذكركم حتى أموت وإنني

أحن إذا ما الليل بي سحراً جناً

أيا سائق الأضعان مزقت خاطراً

رويداً لعلي باللقا ساعة أهنا

فيامهجتي ذوبي أسى لفراقهم

ويا مقلتي سحي الدماء لهم حزنا

رحلتم أحبائي وكنت بإنسكم

أنيساً وإني الآن خلفكم مضنى

فلو تعلمون اليوم حالي رحمتم

نحيلاً أقاسي الموت ياليتني أفنى

فما الليل إلا من غمومي سواده

وذا الغيم من دمعي غدا يسكب المزنا

وما الفجر إلا من بياض مفارقي

وما الورق إلا من حنيني قد حنا

وقد سائني لما وقفت بداركم

أظنكم فيها فأخلفتم الظنا

فعاينتها قفرا أضر بها النوى

فقمت بها أبكيكم بدم أقنا

فياطول حزني بعدكم وصبابتي

فما عبرتي ترقى ولا مقلتي وسنا

كفى حزناً ان الشرايع عطلت

وأن عداة الشرع أفنوكم ضغنا

بني الوحي عودوا للمساجد والدعا

وقوموا بها بالذكر في الليلة الدجنا

بني الوحي عودوا للمدارس أصبحت

دوارس فيها اليوم بعدكم سكنا

بني الوحي عودوا اللمنابر وانظروا

عليها العدا تهديكم السب واللعنا

بني الوحي جرعنا بفاضل صابكم

ونلنا العنا لما بكم سادتي لذنا

فنستر ما قلتم ونبدي خلافه

كأن إله العالمين له سنا

سأندبكم حتى تقوم قيامتي

وأعدل من عذل العذول إذا شنا

١٦٤

وقال يمدح الامام المهديعليه‌السلام وقد أنشأها في سر من رأى:

أريحا فقد أودى بها السير والوخد

وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو

طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها

سراب وبرد العيش في ظلها وقد

تحن إلى نجد وأعلام رامة

وما رامة فيها مرام ولا نجد

وتلوي على بان الغدير ورنده

ولا البان يلوي البين عنها ولا الرند

وتصبو إلى هند ودعد على النوى

وما هند تشفي ما أجنت ولا دعد

( هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى )

وما قصدها حيث اختلفنا هو القصد

هم آل ياسين الذين ضفا لهم

من المجد يرد ليس يسمو له برد

ربينا بنعماهم وقلنا بظلهم

وعشنا بهم والعيش في ظلهم رغد

إليكم بني الزهراء أمت مغذة

عراب المهارى والمسومة الجرد

قطعن بها غور الفلاة ونجدها

فيخفضنا غور ويرفعنا نجد

فقبلن أرضا دون مبلغها السما

وسفن ترابا دون معبقه الند

فيا بن النبي المصطفى وسميه

ومن بيديه الحل في الكون والعقد

ومن عنده علم الذي كان والذي

يكون من الإثبات المحو من بعد

اليك حثثناها خفافاً عيابها

على ثقة أن سوف يوقرها الرفد

فألوت على دار أناخ بها الندى

وألقى عليها فضل كلكله الجد

إلى خلق كالروض وشحه الحيا

يغار إذا استنشقته الغار والرند

فعوجا فهذا السر من سر من رأى

يلوح فقدتم الرجا وانتهى القصد

وهاتيك ما بين السراب قبابهم

فآونة تخفى وآونة تبدو

فعرج عليها حيث لا روض فضلها

هشيم ولا ماء الندى عندها ثمد

١٦٥

ورد دارها المخضلة الربع بالندى

ترد جنة للوفد طاب بها الخلد

وطف حيث ما غير الملائك طائف

لديها وجبريل بأفنائها عبد

وسل ما تشامن سيب نائلهم فما

لسائلهم إلا بنيل المنا رد

هم القوم آثار المعارف منهم

على جبهات الدهر ما برحت تبدو

هم علة الإيجاد بدءاً ومنتهى

وما قبلهم قبل وما بعدهم بعد

تباعدت عنكم لا ملالا ولا قلى

ولكن برغمي عنكم ذلك البعد

وجئتكم والدهر عضت نيوبه

علي وعهدي وهي عني بكم درد

فكن لي يا اسكندر العصر معقلا

وكهفا يكن بيني وبين الردى سد

إلى كم نعادي من وددناه رقبة

وخوفا ونصفي الود من لا له ود

( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى )

صديقا يعاديه لخوف عدى تعدو

وانكد من ذا أن يبيت مصادقا

( عدواً له ما من صداقته بد )(١)

وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها

وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد

فدونكما فضفاضة البرد ما سما

بنعتك ( بشار ) إليها ولا ( برد )

على أنها لم تقض حقاً وعذرها

بأن المزايا الغر ليس لها حد(٢)

__________________

١ - البيت من أمثال المتنبي.

٢ - عن الجزء الخامس من شعراء الحله أو البابليات للخاقاني ص ٢٩ كما رواها السيد الأمين في الأعيان، أما الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) فقد نسبها للشيخ أحمد النحوي.

١٦٦

وقال مخمساً قصيدة السيد نصر الله الحائري التي قالها في بناء قبة أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

إلى كم تصول الرزايا جهارا

و توسعنا في الزمان انكسارا

فيا من على الدهر يبغى انتصارا

إذا ضامك الدهر يوما وجارا

فلذ بحمى امنع الخلق جارا

تمسك بحب الصراط السوي

أخي الفضل رب الفخار الجلي

إمام الهدى ذو البهاء البهي

علي العلي وصنو النبي

وغيث الولي وغوث الحيارى

جمال الجمال جلال الجلال

جميل الخصال حميد الخلال

بعيد المنال عديم المثال

هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

فياقبة زانها مشهد

لمن فضله الدهر لا يجحد

سنا نورها في الورى يوقد

هي الشمس لكنها مرقد

لظل المهيمين عز اقتدارا

هي الشمس من غير حر يذيب

ولا ضير للمنتأي والقريب

لقد طالعتنا بأمر عجيب

هي الشمس لكنها لا تغيب

ولا يحسد الليل فيها النهارا

هي الشمس جلت ظلام العنا

وبشرنا سعدها بالمنى

فلا الليل يسترها إن دنا

ولا الكسف يحجب منها السنا

ولم تتخذ برج نحس مدارا

١٦٧

هي الشمس تبهر في حسنها

وتهدي لذي اليمن في يمنها

وتمحو دجى الخوف من أمنها

هي الشمس والشهب في ضمنها

قناديلها ليس تخشى استتارا

بدت وهي تزهو بتبرية

منمقة أرجوانية

شقيقة حسن شقيقة

عروس تحلت بوردية

ولم ترض غير الدراري نثاراً

هوت نحوها الشهب غب ارتفاع

لتعلو بتقبيل تلك البقاع

ولم ترعن ذا الجناب اندفاع

فها هي في قربها والشعاع

جلاها لعينيك در صفارا

عروس سبت حسن بلقيسها

وعم الورى ضوء مرموسها

زهت فزها حسن ملبوسها

بدت تحت أحمر فانوسها

لنا شمعة نورها لا يوارى

هي الشمع ضاء بأبهى نمط

وقد قميص الدياجي وقط

كفانا سنا النور منها نقط

هي الشمع ما احتاج للقط قط

ولا النفخ اطفأه مذ أنارا

جلا للمحب جلا كربه

وأهدى الضياء إلى قلبه

ترفرف شوقا إلى قربه

ملائكة الله حفت به

فراشاً ولم تبغ عنه مطارا

فيا قبة شاد منها المحل

بعزفق للأعادي أذل

ولا عجب حيث فيها استقل

هي الترس ذهب ثم استظل

به فارس ليس يخشى النفارا

١٦٨

غمامة تبر جلت غمة

اطلت وكم قد هدت امة

ومرجانة بهرت قيمة

وياقوته خلطت خيمة

على ملك فساق كسرى ودارا

عقيق يفوق الحلى في حلاه

غداة تسامى بأعلى علاه

الى حيدر ليس تبغي سواه

ولم يتخذ غير عرش الآله

له معدناً وكفاه فخاراً

فكم قد عرتنا بها زهوة

لدى سكرة مالها صحوة

فقلت ولي نحوها صبوة

حميا الجنان لها نشوة

تسر النفوس وتنفي الخمارا

فيالك صهباء في ذا الوجود

تجلت أشعتها في السعود

ترى عندها الناس يقظى رقود

إذا رشفتها عيون الوفود

تراهم سكارى وما هم سكارى

هي الطود طالت بأعلى العلا

ولم ترض غير السهى منزلا

غدت لعلي العلى موئلاً

عجبت لها إذ حوت يذبلا

وبحراً بيوم الندى لا يبارى

فيا أيها التبر لما استتم

فخارا وركن العلى فاستلم

فما زلت أطلب برهان لم

وكنت أفكر في التبر لم

غلا قيمة وتسامى فخارا

وكيف غدا وهو مستطرف

وبين السلاطين مستظرف

مطل على هامهم مشرف

إلى أن بدا خوفها يخطف

النواظر مهما بدا واستنارا

فثم تسامى إلى نسبة

تسامى ونال علا رتبة

١٦٩

ولم يخش في الدهر من سبة

وما يبلغ الدهر من قبة

بها علم الملك زاد افتخارا

فيا قبة نلت عزاً وجاه

وعين النضار بك اليوم تاه

ومع حسنها فهي عين الحياه

ومذ كان صاحبها للأله

يدان يدا نعمة واقتدارا

يرى الركب ان ضل حاديهم

يداً في علاها تناديهم

لها آية الفتح تهديهم

يد الله من فوق أيديهم

بدت فوق سر طوقها لا تبارى

يد ربح البذل في سوقها

ترى البذل أحسن معشوقها

تسامت إلى أوج عيوقها

وقد رفعت فوق سرطوقها

تشير إلى وافديها جهارا

١٧٠

السيد جواد العاملي

وافى المشيب مهجهجاً ومخبراً

اني بلغت من الطريق الأكثرا

فلئن صبوت لاصبون تكلفاً

ولئن جذلت لأجذلن مكدراً

وخدور مثلك يا أميم هجرتها

وصحوت من سكر الهوى متبصرا

قد غرني دهري فنلت جرائماً

والدهر من عاداته أن يغدرا

أبكي وما في العمر ما يسع البكا

فالحزن أن أبكي الحسين لتغفرا

هذا الحسين ابن النبي وسبطه

أمسى طريحاً في الطفوف معفرا

هذي بنات محمد ووصيه

أمست سبايا ضائعات حسرا

أبكي على الأيتام عز كفيلها

مرعوبة يا للورى مما ترى

لهفي لزين العابدين مصفداً

يرنو النساء ولا يطيق المنظرا

لو أن فاطمة تشاهد ما جرى

أجرت من الآماق دمعاً أحمرا

فلتلبس الدنيا ثياب حدادها

فالنور نور الله غيب في الثرى

١٧١

السيد محمد جواد العاملي النجفي المتوفى ١٢٢٦.

هو السيد محمد جواد ابن السيد محمد بن محمد العاملي الشقرائي النجفي من كبار علماء الأمامية وفطاحل فقهائهم في هذا القرن.

ولد في شقراء من قرى جبل عامل في حدود ١١٦٠ ونشأ هنالك فقرأ بعض مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق ولما ورد كربلاء على عهد الوحيد البهبهاني حضر على السيد الطباطبائي صاحب ( الرياض ) ثم حضر على الأستاذ الوحيد البهبهاني لازم بحثهما مدة حتى حصل قسطاً وافراً من العلم وعرف بالفضل وأجيز من البهبهاني فجاء إلى النجف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف بقى ملازماً لأبحاثهم زمناً طويلاً، وكتب له المحقق القمي صاحب « القوانين » إجازة من قم بتاريخ (١٢٠٦) والمعروف عنه إنه كان كثير الإنكباب على الاشتغال، ولا يقدم على ذلك عملاً من الأعمال ولم تشغله حتى الحوادث. فقد صرح في آخر بعض مؤلفاته أنه فرغ والوهابي محاصر للنجف وأهلها مشغولون مع سائر العلماء بالدفاع وكانت له يد معهم في مباشرة الأمور وتهيئة اللوازم حتى انه كتب رسالة في ذلك. أخذ اسم المترجم يشتهر يوماً فيوماً حتى أصبح من مراجع عصره واستقل بالتدريس فتخرج عليه جم غفير من الأعلام الأجلاء كالشيخ جواد ملا كتاب والشيخ محمد حسن صاحب « الجواهر » والشيخ محسن الأعسم والشيخ الأغا محمد علي الهزار جريبي والسيد صدر الدين العاملي والشيخ مهدي ملا كتاب والسيد علي الأمين من بني عمه وولده السيد محمد وسبطه الشيخ رضا بن زين العابدين الأسدي الحلي والميرزا عبدالوهاب المجاز منه باجازة تاريخها (١٢٢٥) وغيرهم ممن لا يحصى، قضى عمره الشريف بالتصنيف والتأليف والدرس والبحث وخدمة الدين إلى أن توفي

١٧٢

في (١٢٢٦) في النجف ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف من الجهة القبلية بين بابي الفرج والقبلة وترك آثاراً جليلة تدل على تحقيقه وتدقيقه وتبحره في الفقه والأصول وتتبعاته لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين وما امتاز به من ضبط واتقان مع جودة الخط وأهم آثاره وأشهرها ( مفتاح الكرامة ) في شرح ( قواعد العلامة ) من خيرة أسفار المتأخرين جمع أكثر أبواب الفقه بأسلوب جيد وهو في اثنين وثلاثين مجلداً ألفه بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه كما صرح به في أوله قال: امتثلت فيه أمر أستاذي الإمام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله فداه إلخ طبع أكثر هذا الكتاب في ثمان مجلدات ضخام، سبع منها في مصر وطبع الثامن في دمشق بسعي العلامة السيد محسن بن عبدالكريم الأمين العاملي من أقارب المترجم في « ١٣٣٣ » وترجمة مفصلاً في آخر مجلد المتاجر وسرد نسبه إلى عيسى بن يحيى المحدث بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وله أيضاً شرح كتاب الطهارة من « الوافي » ألفه من تقريرات درس أستاذه الطباطبائي، وألف من تقريره أيضاً حاشيته على كتاب التجارة من ( القواعد ) وجاشية كتاب الطهارة من المدراك وهي تقرير درس الشيخ حسين نجف وحاشية الدين والرهن من القواعد من تقرير أستاذه كاشف الغطاء وله حاشية أول ( تهذيب الأصول ) رأيت هذه الخمسة الأخيرة في مجموعة عند حفيده السيد عبدالحسين بن محمد ابن الحسن بن محمد ابن المؤلف وله رسالة في حكم العصيرين العنبي والتمري ألفهما بأمر أستاذه كاشف الغطاء وقرضها أستاذه الشيخ حسين نجف و ( الرحمة الواسعة ) في المضايقة والمواسعة ألفه بأمر أستاذه صاحب ( الرياض ) وحاشية على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والوصايا والنكاح والطلاق وهي على بعض ما مر غير تامة ورسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الأفراد عند الضيق وشرح ( الوافية ) في الأصول مجلدان ورسالة في الشك في الشرطية والجزئية وأخرى في مناظرة شيخه كاشف الغطاء مع المحقق السيد محسن الأعرجي ومكاتباتهما في المسائل العلمية وتعليقه على مقدمة

١٧٣

الواجب من ( المعالم ) ورسالة في التجويد وأخرى في رد الإخباريين وثالثة في وجوب الذب عن النجف لأنها بيضة الإسلام وأخرى في حكم المقيم الخارج عن الترخص و ( أهل البراءة ) رأيته في ( مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ) كما فصلته في ( الذريعة ) ج ٢ ص ١١٣ إلى غير ذلك وكان شاعراً له مدائح لأساتذته وأراجيز ثلاث في الخمس والزكاة والرضاع ذكرناها في الجزء الأول من ( الذريعة ) وذكر مشايخه في الرواية في إجازته للأغا محمد علي الهزار جريبي ورأيت إجازته للشيخ حسن بن محمد علي العبودي بخطه أشركه فيها مع ولده الشيخ محمد طاهر بن الحسن وتاريخها (١٢٢٥) وخلفه من ولده العلامة السيد محمد المذكور فقد خلف (١) السيد عباس الذي لم يعقب و (٢) السيد حسين و (٣) السيد حسن والد السيد جواد المعاصر الذي حدثني بذلك.

شعره في الرثاء:

تساور رزء فادح الخطب فاقم

فخرت من الدين القويم القوائم

سلوا يوم حفت بالحسين خيامهم

وليس لها إلا الرماح دعائم

فتى الحرب يغنيه عن الجيش بأسه

ويكفيه عن نصر النصير العزائم

يخرون لا لله إن كر سجداً

ولكن لماضيه تخر الجماجم

لك الله تستبقي وتردي جحافلاً

كأنك في الأعمار قاض وحاكم

لك الله مكثوراً أضر به الظما

ولا ورد إلا المرهفات الصوارم

فللسمر في الجنبين منه مشارع

وللنبل في الجنبين منه مطاعم

وفي الجسم منه للنصول مدارع

وفي الهام منه للمواضي عمائم

فخر على عفر الثرى عن جواده

وقامت عليه في السماء مآتم

وقد طبق الافلاك رزءاً مصابه

فما أحد منهم - خلا الله - سالم

وجل جلال الله ما ينبغي له

ولكن قلباً قد حوى الله واجم

فمن مبلغ الزهراء أن بناتها

أسارى حيارى ما لها اليوم راحم

أفاطم قومي يا بنة الطهر واندبي

يتاماك أو قتلاك فالخطب فاقم

١٧٤

ولسيدنا قصائد في الكتب المتضمنة لمرائي أهل البيت، منها في الحسين قصيدته التي أولها:

زموا الركائب للرحيل وأزمعوا

فذرى الدموع مودع ومودع

وأخرى أولها:

عواد على الإسلام صال بها الكفر

فحتى م حتى م التجلد والصبر

وثالثة كان مطلعها:

صال الزمان بماضي الغرب مطرور

فأوسع المجد جرحاً غير مسبور

١٧٥

السيد محسن الاعرجي

المتوفي سنة ١٢٢٧

دموع بدا فوق الخدود خدودها

ونار غدا بين الضلوع وقودها

أتملك سادات الأنام عبيدها

وتخضع في أسر الكلاب أسودها

وتبتز أولاد النبي حقوقها

جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودها

ويمسي حسين شاحط الدار دامياً

يعفره في كربلاء صعيدها

وأسرته صرعى على الترب حوله

يطوف بها نسر الفلاة وسيدها

قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم

شرائع لكن ما أبيح ورودها

غدوا نحوهم من كل فج يقودهم

على حنق جبارها وعنيدها

يعز على المختار أحمد أن يرى

عداها عن الورد المباح تذودها

تموت ظماً شبانها وكهولها

ويفحص من حر الاوام وليدها

تمزق ضرباً بالسيوف جسومها

وتسلب عنها بعد ذاك برودها

وتترك في الحر الشديد على الثرى

ثلاث ليال لا تشق لحودها

وتهدى إلى نحو الشئام رؤوسها

وينكتها بالخيزران يزيدها

أتضربها شلت يمينك إنها

وجوه لوجه الله طال سجودها

ويسرى بزين العابدين مكبلا

تجاذبه السير العنيف قيودها

بنفسي أغصاناً ذوت بعد بهجة

واقمار تم قد تولت سعودها

وفتيان صدق لا يضام نزيلها

وأسياف هند لا تفل حدودها

حدا بهم الحادي فتلك ديارهم

طوامس ما بين الديار عهودها

١٧٦

كأن لم يكن فيها أنيس ولم تكن

تروح لها من كل أوب وفودها

أبا حسن يا خير من وطئ الثرى

وسارت به قب المهاوي وقودها

أتصبح يا مولى الورى عن مناصب

الخلافة مدفوعاً وأنت عميدها

واين بنو سفيان من ملك أحمد

وقد تعست في الغابرين جدودها

أتملك أمر المسلمين وقد بدا

بكل زمان كفرها وجحودها

ألا يا أبن هند لا سقى الله تربة

ثويت بمثواها ولا أخضر عودها

أتسلب أثواب الخلافة هاشماً

وتطردها عنها وأنت طريدها

وتقضي بها ويل لأملك قسوة

إلى فاجر قامت عليه شهودها

فواعجباً حتى يزيد ينالها

وهل دابه إلا المدام وعودها

وواحزناً مما جرى لمحمد

وعترته من كل أمر يكيدها

يسودها الرحمن جل جلاله

وتأبى شرار الخلق ثم تسودها

فما عرفت تالله يوماً حقوقها

ولا رعيت في الناس يوماً عهودها

وما قتل السبط الشهيد ابن فاطم

لعمرك إلا يوم ردت شهودها

يميناً برب النهي والأمر ما أتت

بما قد أتوه عادها وثمودها

وما أن أرى يطفي الجوى غير دولة

تدين لها في الشرق والغرب صيدها

تعيد علينا شرعة الحق غضة

وتزهر بها الدنيا وتعلو سعودها

أما والذي لا يعلم الغيب غيره

لئن ذهبت يوماً فسوف يعيدها

وتقدم من أرض الحجاز جنودها

وتخفق في أرض العراق بنودها

فعجل رعاك الله ان قلوبنا

يزيد على مر الليالي وقودها

وتلك حدود الله في كل وجهة

معطلة ما أن تقام حدودها

عليك سلام الله ما انسكب الحيا

وأبقلت الأرضون واخضر عودها

١٧٧

السيد محسن الاعرجي

السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق الكاظمي والمحقق البغدادي صاحب المحصول والوسائل، توفي سنة ١٢٢٧ وقد ناف على التسعين وقيل في تاريخ وفاته: بموتك محسن مات الصلاح. ودفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه قبة.

عالم فقيه محقق مدقق مؤلفاته مشهورة زاهد عابد تقي ورع جليل القدر وهو صاحب كتاب ( المحصول في الأصول ) و ( الوافي في شرح وافية ملا عبدالله التوني ) و ( شرح مقدمات الحدائق ) وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال:

السيد محسن بن السيد حسن بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله بن زرزور ابن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن عماد بن الفضل بن محمد بن أحمد البن بن محمد الأشتر(١) الحسيني الأعرجي الكاظمي. ولد ببغداد سنة ١١٣٠ هـ وكان من العلماء المحققين والفقهاء المقدسين الزاهدين العابدين. أخفى علمه الجم وجود أقطاب العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام، وكان أديباً شاعراً له نظم كثير مثبت في المجاميع المخطوطة ومن شعراء العلماء الثمانية عشر الذين قرضوا القصيدة الكرارية لابن فلاح الكاظمي في مدح أميرالمؤمنين، حج بيت الله الحرام سنة ١١٩٩ هـ وكان سفره مع العلماء الذين ساروا بركب الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومن العلماء السيد

__________________

١ - ابن عبيدالله بن علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الامام زين العابدين علي ابن الحسين.

١٧٨

محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ محمد علي الأعسم ونظرائهم.

أساتيذه:

تتلمذ على الأغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ وعلى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي واجازه. وتتلمذ عليه جمهرة من العلماء منهم الشيخ عبدالحسين الأعسم المتوفى سنة ١٢٤٦ هـ والشيخ إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة ١٢٦١ هـ.

مؤلفاته:

ألف كتاب الرسائل في الفقه في عدة مجلدات وهو كتاب متين وكانت أساتذتنا تقول: هو أحسن ما كتب وكتاب المحصول وكتاب الوافي وشرح مقدمات الحدائق والعدة في الرجال لم يتم، خرج منه الفوائد الرجالية.

توفي في الكاظمية ودفن بها في داره سنة ١٢٢٧ هـ.

وفي الذريعة - قسم الديوان: ديوان السيد محسن بن الحسن الشهير بالمقدس الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول والعدة في الرجال وغيرهما من التصانيف ترجمة سيدنا الحسن الصدر في ( ذكرة المحسنين ) وقال: إن في ديوانه أشعار رائقة في المراثي وغيرها، كما كتب السيد الخوانساري عنه في ( روضات الجنات ) وكتب عنه البحاثة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه الله في مجلة البلاغ الكاظمية عدد ٧ من السنة الرابعة وذكر له ٢٠ مؤلفاً.

وجاء في بعض المجاميع المخطوطة قصيدته الميمية مقرضاً بها الكرارية مطلعها:

فضل تكل بحصره الأقلام

وتهيم في بيدائه الأوهام

ومناقب شهد العدو بفضلها

فضل الامام فما عليك ملام

قد حزت آيات السباق بأسرها

طفلا وما أعيى عليك مرام

وشأوت أرباب القريض جميعهم

فغدوا وليس لهم سواك إمام

١٧٩

وسلكت فجاً ليس يسلك مثله

ولطالما زلت به الأقدام

يهدي العقول عقول أرباب النهى

نثر نثرت عليهم ونظام

وقصائد لله كم نفدت لها

بقلوب أرباب النفاق سهام

لا سيما المثل الذي سارت به

الركبان وازدانت به الأيام

مدح الامام المرتضى علم الهدى

مولى اليه النقض والابرام

نفثات سحر ما بها آثام

وعقود در مازها النظام

هذا هو السحر الحلال وغيره

من نظم أرباب القريض حرام

ومدامة حليت ببابل فانتشت

مصر لها وتهامة والشام

كم ليلة بتنا سكارى ولها

طرباً بها والحادثات نيام

ما الروضة الغناء باكرها الحيا

فتعطرت من طيبها الآكام

ما الغادة الحسناء حار بخدها

ماء الشباب وفي القلوب أوام

خطرت تميس بعطفها فغدا لها

في كل قلب حسرة وغرام

الخ ....

وقال في رثاء الحسينعليه‌السلام :

فؤاد لا يزال به اكتئاب

ودمع لا يزال له انصباب

على من أورث المختار حزناً

تذوب لوقعة الصم الصلاب

ومات لموته الاسلام شجواً

وذلت يوم مصرعه الرقاب

وأرجفت البلاد ومن عليها

وأوشك أن يحل بها العذاب

يقبل نحره المختار شوقاً

وتدميه الأسنة والحراب

فيا لله من رزء جليل

وهت منه الشوامخ والهضاب

ديار لم تزل مأوى اليتامى

سوام كيف صاح بها الغراب

وكيف تعطلت رتب المعالي

بهن وقوضت تلك القباب

كأن لم تلف أمناً من مخوف

ولم تحلل بساحتها الركاب

فيا غوث الانام وصبح داجي

الظلام ومن به عرف الصواب

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أحدهما أولى من الآخَر.

ولبعض الشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه كمالٍ في يد ثالثٍ يتداعاه اثنان ؛ لأنّه لم يثبت لأحدهما يدٌ عليه(١) .

فإن قلنا بالأوّل فإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً أو حلفا أو نكلا فهو بينهما ، وإن أقام أحدهما البيّنةَ أو حلف ونكل صاحبه قُضي له.

وإن قلنا بالثاني لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فعلى الخلاف في تعارض البيّنتين ، وإن نكلا أو حلفا وُقف المال بينهما.

وسواء قلنا بالوجه الأوّل أو الثاني فإنّ المال يُترك في يد المدّعى عليه إلى أن تنفصل الحكومة بينهما على أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه لا بدّ من وضعه عند أمينٍ ، وهذا أمين لم تظهر منه خيانة ، والثاني : إنّه يُنزع منه ؛ لأنّ مطالبتهما بالردّ تتضمّن عزله(٢) .

وهذان القولان للشافعيّة فيما إذا طلب أحدهما الانتزاعَ والآخَر التركَ ، فأمّا إن اتّفقا على أحد الأمرين فإنّ الحاكم يتبع رأيهما(٣) .

ويمكن أن يكون هذا مبنيّاً على أنّه يجعل المال كأنّه في يدهما ، وإلّا فيتبع الحاكم رأيه.

هذا إذا صدّقاه في النسيان ، وإن كذّباه فيه وادّعى كلّ واحدٍ منهما علمَه بأنّه المالك ، وقالا : إنّك تعلم لـمَن الوديعة منّا ، فالقول قول المستودع مع يمينه ، ويحلف ؛ لأنّه لو أقرّ بها لأحدهما كانت له ، فإذا ادّعي عليه العلم سُمعت دعواه ، ويحلف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢١

فإن حلف ، كفاه يمين واحدة على نفي العلم - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المدّعى شي‌ء واحد ، وهو علمه بعين المال ، فكفاه يمين واحدة.

وقال أبو حنيفة : يحلف يمينين لكلّ واحدٍ منهما يميناً ، كما لو أنكر أنّها لهما(٢) .

والفرق : إنّه إذا أنكرهما فقد أنكر دعويين ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي عليه أنّها له ، فهنا دعويان ، فإذا حلف كان كأنّهما صدّقاه.

وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدّعه الخصمان؟ للشافعيّة وجهان(٣) .

ثمّ إذا حلف المدّعى عليه ، فالحكم كما لو صدّقاه في النسيان من أنّه يُقرّ في يده ؛ لأنّه لا فائدة في نقله ، فإنّه مستودع ، ولم تظهر منه خيانة ، أو يُنقل عنه ؛ لأنّه قد اعترف بأنّه لا حقّ له فيها(٤) فيُنقل عنه.

وقال بعضهم : إنّه يُنزع المال منه هنا وإن لم يُنزع هناك ؛ لأنّه خائن عندهما بدعوى النسيان(٥) .

وإن نكل عن اليمين ، رُدّت اليمين عليهما ، فإن نكلا فإمّا أن نقول : يُقسم المال بينهما ، أو يُوقف حتى يصطلحا على الخلاف ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر قُضي بها للحالف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٢ / ١٨٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤) أي : في الوديعة. والظاهر بحسب السياق : « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٢

وإن حلفا ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقسم بينهما ؛ لأنّه في أيديهما - وهو الأصحّ عند الشافعيّة - كما لو أقرّ بها لهما.

والثاني : يُوقف حتى يصطلحا - وبه قال ابن أبي ليلى - لأنّه لا يعلم المالك منهما(١) .

وعلى القول بالقسمة فإنّ المستودع يغرم القيمة ، وتُقسَم بينهما أيضاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أثبت بيمين الردّ جميعَ العين ولم يحصل له سوى نصفها(٢) .

هذا أشهر ما قاله الشافعيّة فيما إذا نكل المستودع(٣) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ المستودع إذا نكل لا تُردّ اليمين عليهما ، بل يوقف ؛ بناءً على أنّهما لو حلفا يوقف المال بينهما ، فلا معنى لعرض اليمين(٥) .

وإن قلنا بردّ اليمين ، فالأقرب : إنّ الحاكم يُقدّم مَنْ رأى تقديمه منهما في الحلف.

ويحتمل القرعة بينهما.

وإذا حلفا وقُسّمت العين بينهما والقيمة ، فإن لم ينازع أحدهما الآخَر فلا بحث ، وإن نازع وأقام البيّنة على أنّ جميع العين له سُلّمت إليه ، ورُدّت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١ ، المغني ٧ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٣

القيمة على المستودع.

وإن لم تكن بيّنة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحقّ العين ، فيردّ نصفَ القيمة الذي أخذه ؛ لأنّه عاد إليه المُبدل ، والناكل لا يردّ ما أخذ ؛ لأنّه استحقّه بيمينه على المستودع ، ولم يعد إليه الـمُبدل ، ونكوله كان مع صاحبه ، لا مع المستودع.

مسألة ٧٠ : لو قال المستودع في الجواب : هذا المال وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أو لأحدكما أو لغيركما‌ ، وادّعيا عليه العلمَ ، كان القولُ قولَه مع اليمين ، فإذا حلف على نفي العلم تُرك في يده إلى أن تقوم بيّنة ، وليس لأحدهما تحليف الآخَر ؛ لأنّه لم يثبت لواحدٍ منهما فيه يدٌ ولا استحقاق ، بخلاف الصورة الأُولى.

ولو ادّعى عليه اثنان غصبَ مالٍ في يده ، كلّ واحدٍ منهما يقول : غصبتَه منّي ، فقال : غصبتُه من أحدكما ولا أعرف عينه ، فالقول قوله مع اليمين أيضاً ، فعليه أن يحلف لكلّ واحدٍ منهما على البتّ على أنّه لم يغصب(١) ، فإذا حلف لأحدهما تعيّن المغصوب للثاني ، فلا يحلف له.

مسألة ٧١ : تشتمل على فروع متبدّدة :

لو تعدّى في الوديعة ثمّ بقيت في يده مدّة ، لزمه أُجرة مثلها عن تلك المدّة ؛ لأنّه خرج عن الأمانة ، ودخل في الخيانة من حين التعدّي ، فكان كالغاصب عليه عوض المنافع وإن لم ينتفع.

ولو دخل خاناً فجعل حماره في صحن الخان ، وقال للخاني : احفظه كي لا يخرج ، وكان الخاني ينظر إليه ، فخرج في بعض غفلاته ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قصّر في الحفظ بالغفلة.

وقال القفّال من الشافعيّة : لا يضمن ؛ لأنّه لم يقصّر في الحفظ‌

____________________

(١) الظاهر : « لم يغصب منه » أو « لم يغصبه ».

٢٢٤

المعتاد(١) .

وهو ممنوع.

ولو وقع في خزانة المستودع حريق ، فبادر إلى نقل الأمتعة وقدّم أمتعته على الوديعة ، فاحترقت الوديعة ، لم يضمن ، كما لو لم يكن فيها إلّا ودائع فأخذ في نقلها كلّها فاحترق ما تأخّر نقله.

ولو ادّعى ابن مالك الوديعة أنّ أباه قد مات وأنّ المستودع علم بذلك ، وطلب الوديعة ، فأنكر المستودع ، فللولد تحليفه على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي.

ولو مات المالك وطلب الوارث الوديعةَ ، فامتنع المستودع من الدفع إليه ليتفحّص ويبحث هل في التركة وصيّة؟ ففي كونه متعدّياً ضامناً إشكال أقربه ذلك.

ولو وجد لقطةً وعرف مالكها ولم يُخبره حتى تلفت ، ضمن.

وكذا قيّم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يُخبر الحاكم حتى تلف المال ، كان ضامناً.

ومَنْ كان قيّماً لصبيٍّ أو مجنونٍ أو سفيهٍ ولم يبع أوراق شجره التي تُقصد بالبيع حتى يمضي وقتها ، كان ضامناً ، أمّا لو أخّر البيع لتوقّع زيادةٍ لم يضمن.

وكذا قيّم المسجد في أشجاره.

ولو دفع إلى رسوله خاتماً علامةً ليمضي إلى وكيله(٢) ويقبض منه شيئاً ، وقال : إذا قبضتَه تردّ الخاتمَ علَيَّ ، فقبض المأمور بقبضه ولم يردّ الخاتم بل وضعه في حرزه ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قبضه على أنّه يردّه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « خاتماً ليمضي إلى وكيله علامةً ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٢٥

فإذا لم يردّه كان ضامناً.

ويحتمل عدمه ؛ لأنّه ليس عليه الردّ ولا مئونته ، بل عليه التخلية.

ولو دفع قبالةً إلى غيره وديعةً ففرّط فيها ، ضمن قيمة الكاغذ مكتوباً ، ولا شي‌ء عليه ممّا في القبالة.

وكذا لو أودع إنساناً وثيقةً وقال : لا تردّها إلى زيدٍ حتى يدفع ديناراً ، فردّها قبله ، فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغذ وأُجرة الورّاق.

مسألة ٧٢ : لو دخل الحمّام فنزع ثيابه وسلّمها إلى الحمّامي ، وجب عليه حفظها ، فإن فرّط ضمن ، وإن لم يفرّط لم يضمن.

وإن لم يسلّم إليه الثياب ، لم يضمن ، سواء احتفظها أو غفل عنها ولم يراعها وكان مستيقظاً ، عند علمائنا ؛ لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ، ولم يأخذه على حفظ الثياب ، ولم يستودع شيئاً ، وصاحبها لم يودعه ثيابه ، وخَلْعُه في المسلخ والحمّامي جالس في مكانه مستيقظاً ليس استيداعاً.

وقد روى من طريق الخاصّة غياث بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي بصاحب حمّامٍ وُضعت عنده الثياب فضاعت ، فلم يُضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين »(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا سُرقت الثياب والحمّامي جالس في مكانه مستيقظ ، فلا ضمان عليه ، فإن نام أو قام من مكانه ولا نائب هناك ضمن وإن لم يستحفظه المالك عليها ؛ قضاءً للعادة(٢) .

وهو خطأ ؛ لما تقدّم.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٩٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٣.

٢٢٦

لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ولم يأخذه على الثياب »(١) .

مسألة ٧٣ : لو ادّعى صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده ، وادّعى المالك الإقراض(٢) ، قُدّم قول المالك مع اليمين‌ ؛ لأنّ المتشبّث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير ، فكان القولُ قولَ المالك.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخَر : إنّما كانت عليك قرضاً ، قال : « المال لازم له ، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهذا التنازع إنّما تظهر فائدته لو تلف المال ، أو كان غائباً لا يعرفان خبره ، أو لا يتمكّن من دفعه إلى مالكه ، ولو كان باقياً يتمكّن مَنْ هو في يده من تسليمه فلا فائدة فيه.

ولو انعكس الفرض ، فادّعى المالكُ الإيداعَ والقابضُ الإقراضَ ، قُدّم قول المالك ؛ لأنّ المال إن كان باقياً فالأصل استصحاب ملكيّة المالك ، وإن كان تالفاً فالأصل براءة ذمّة القابض ، وقد وافق المالك الأصل.

مسألة ٧٤ : ولا فرق بين الذهب والفضّة وبين غيرهما من الأموال في هذا الحكم‌ ، وهو عدم الضمان مع عدم التفريط ، وثبوته معه ، بخلاف العارية على ما سيأتي ؛ لأنّ الاستئمان لا يستعقب الضمان.

ولما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن وديعة الذهب والفضّة ، قال : فقال : « كلّ ما كان من وديعةٍ ولم تكن‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٤ / ٨٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « الاقتراض ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨.

٢٢٧

مضمونةً فلا تلزم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالبضاعة أمانة في يد العامل ؛ لأصالة البراءة ، وحكمها في عدم الضمان مع عدم التفريط حكم الوديعة ؛ للأصل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

مسألة ٧٥ : إذا استودع مالاً واتّجر به بغير إذن صاحبه‌ ، فإن كانت التجارة بعين المال فالربح للمالك إن أجاز المعاوضات ، وإلّا بطلت بأسرها ، وإن كانت في الذمّة ونقد مال الوديعة عن دَيْنٍ عليه فالربح للعامل ، وعليه ردّ المال.

وقد روى أبو سيار مسمع عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، فقال لي : إنّ هذا مالك فخُذْه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتُها في مالك ، فهي لك مع مالك واجعلني في حلٍّ ، فأخذتُ منه المال وأبيتُ أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعته وأتيت أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : « خُذْ نصف الربح ، وأعطه النصف ، وحلِّه ، إنّ هذا رجل تائب ، والله( يُحِبُّ التَّوّابِينَ ) »(٣) .

وهذه الرواية محمولة على الإرشاد على فعل الأولى بقرينة قوله : « فما ترى؟ » والإمامعليه‌السلام أرشده إلى المعتاد بين الناس من قسمة ربح التجارة نصفين.

مسألة ٧٦ : مَن استودع من اللّصّ مال السرقة ، لم يجز له ردّها عليه ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩٣.

٢٢٨

بل يردّها على مالكها إن عرفه بعينه ، فإن كان قد مات ردّها على ورثته ، ولو لم يعرف مالكها أبقاها في يده أمانةً إلى أن يظهر المالك ، فإن لم يمكن معرفته كان بمنزلة اللقطة يُعرّفها سنةً ، فإن تعذّر المالك تصدّق بها عنه ، وكان عليه ضمانها ، وإن شاء حفظها لمالكها ؛ لما رواه حفص بن غياث عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ من المسلمين أودعه رجلٌ من اللّصوص دراهم أو متاعاً واللّصّ مسلمٌ هل يردّ عليه؟ قال : « لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فَعَل ، وإلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيُعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلّا تصدّق بها ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز ، لم يجز للمستودع حبسها ، ووجب عليه ردّ الجميع إليه.

ويحتمل عندي ردّ قدر ما يملكه اللّصّ ، واحتفاظ الباقي لمالكه. والقسمة هنا ضروريّة.

ولو خاف من الظالم لو منعها عنه ، جاز له ردّها عليه.

مسألة ٧٧ : يجب ردّ الوديعة إلى مالكها وإن كان كافراً‌ ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .

وقد روى الفضيل عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر على أن لا يعطيه شيئاً ، والمستودع رجل خبيث خارجيّ شيطان ، فلم أدع شيئاً ، فقال : « قل له : يردّ عليه ، فإنّه ائتمنه عليه بأمانة الله » قلت : فرجل‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ - ١٨١ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠.

(٢) النساء : ٥٨.

٢٢٩

اشترى من امرأةٍ من بعض العبّاسيّين بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً : قد قبضت المال ، ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : « يمنعها أشدّ المنع ، فإنّما باعته ما لم تملكه »(١) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨١ / ٧٩٥.

٢٣٠

٢٣١

المقصد الثاني : في العارية‌

وفيه فصلان :

الأوّل : الماهيّة والأركان‌

فهنا بحثان :

الأوّل : الماهيّة.

العاريّة - بتشديد الياء - عقد شُرّع لإباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال على جهة التبرّع. وشُدّدت الياء كأنّها منسوبة إلى العار ؛ لأنّ طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح(١) .

وقال غيره : منسوبة إلى العارة ، وهي مصدر ، يقال : أعار يعير إعارةً وعارةً ، كما يقال : أجاب إجابةً وجابةً ، وأطاق إطاقةً وطاقةً(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من « عار يعير » إذا جاء وذهب ، ومنه قيل للبطّال : العيّار ؛ لتردّده في بطالته ، فسُمّيت عاريةً ؛ لتحوّلها من يدٍ إلى يدٍ(٣) .

وقيل : إنّها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو أن يتداول القوم الشي‌ء بينهم(٤) .

وقال الخطّابي في غريبه : إنّ اللغة العالية : العاريّة ، وقد تُخفّف(٥) .

____________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦١ « عور ».

(٢) كما في « الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي » المطبوع في مقدّمة « الحاوي الكبير » : ٣٠٠.

(٣) قاله الأزهري في الزاهر : ٣٠٠ ، وراجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والمغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨.

(٥) إصلاح الغلط - للخطّابي - : ٤٦ - ٤٧ / ٣٤ ، وحكاه عن غريبه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والنووي في روضة الطالبين ٤ : ٧٠.

٢٣٢

مسألة ٧٨ : العارية سائغة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (١) والعارية من جملة البرّ.

وقال تعالى :( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٢) قال أبو عبيدة(٣) : الماعون اسم لكلّ منفعةٍ وعطيّةٍ ، وأنشد فيه :

بأجود منه بماعونه

إذا ما سماؤهم لا تغم(٤)

وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنّهما قالا : الماعون العواريّ(٥) .

وفسَّر ذلك ابن مسعود فقال : ذلك القِدْر والدلو والميزان(٦) .

وروي عن عليٍّعليه‌السلام و [ ابن ](٧) عمر أنّهما قالا : الماعون : الزكاة(٨) .

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن أبي أُمامة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في‌

____________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الماعون : ٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبو عبيد ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) مجاز القرآن ٢ : ٣١٣ ، والبيت للأعشى ، راجع ديوانه : ٨٩ / ٣٩.

(٥) جامع البيان ٣٠ : ٢٠٤ - ٢٠٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٦) المحلّى ٩ : ١٦٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) النكت والعيون ٦ : ٣٥٢ ، المحرّر الوجيز ١٦ : ٣٧١ ، معالم التنزيل ٥ : ٦٣٣ ، زاد المسير ٩ : ٢٤٦ ، جامع البيان ٣٠ : ٢٠٣ ، التفسير الكبير ٣٢ : ١١٥ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ٣ : ٥١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٢٠ : ٢١٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٤٧٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠.

٢٣٣

خطبته عام حجّة الوداع : « العارية مؤدّاة ، والمِنْحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(١) .

وعن أُميّة بن صفوان(٢) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار منه يوم خيبر(٣) أدراعاً(٤) ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة ، فاستعار منه سبعين درعاً بأطراقها(٦) ، قال : فقال : غصباً يا محمّد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة »(٧) .

وعن سلمة عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام قال : « جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة فسأله سلاحاً ثمانين درعاً ، فقال له صفوان : عارية مضمونة أو غصباً؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة ، فقال : نعم »(٨) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٦ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨١ / ١٤٧٩٦ ، و ٩ : ٤٨ - ٤٩ / ١٦٣٠٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٥٩ - ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٢) في المصادر زيادة : « عن أبيه ».

(٣) فيما عدا مسند أحمد من المصادر : « حنين » بدل « خيبر ».

(٤) في « ث ، خ ، ر » : « أدرعاً » وكذا في بعض المصادر.

(٥) البيان ٦ : ٤٥١ ، وفي مسند أحمد ٤ : ٤٠٠ / ١٤٨٧٨ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦٢ ، وسنن البيهقي ٦ : ٨٩ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ بدون كلمة « مؤدّاة ».

(٦) واحدتها : الطراق ، وهي البيضة التي توضع على الرأس. القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ « طرق ».

(٧) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٣.

(٨) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٨٠٢.

٢٣٤

وأمّا الإجماع : فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ، ولأنّه لـمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ، ولذلك صحّت الوصيّة بالأعيان والمنافع جميعاً.

مسألة ٧٩ : العارية مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها‌ ؛ لأنّ اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته(١) يدلّ على شدّة الحثّ عليها والتزهيد في منعها والترغيب في فعلها ، ولأنّها من البرّ وقد أمر الله تعالى بالمعاونة فيه(٢) .

وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم(٣) ؛ للأصل.

ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أدّيتَ زكاة مالك فقد قضيتَ ما عليك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة »(٥) .

وسأله الأعرابي فقال له : ما ذا افترض الله علَيَّ من الصدقة؟ قال : « الزكاة » قال : هل علَيَّ غيرها؟ قال : « لا ، إلّا أن تتطوّع »(٦) .

وقيل : إنّها واجبة ؛ للآية(٧) ، ولما رواه أبو هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي حقّها » الحديث ، قيل : يا رسول الله وما حقّها؟ قال : « إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحة لبنها يوم وردها »(٨)

____________________

(١) الماعون : ٦ و ٧.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٤ / ٦١٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٨ ، و ٣ : ٢٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤١ / ١١ ، سنن أبي داوُد ١ : ١٠٦ / ٣٩١ ، سنن النسائي ١ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

(٧) الماعون : ٧.

(٨) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

٢٣٥

فذمّ الله تعالى مانعَ العارية ، وتوعّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما ذكره في خبره(١) .

والجواب : المراد زيادة الترغيب ، على أنّ قول عليٍّعليه‌السلام حجّة في تفسيره الماعونَ بالزكاة(٢) ، ولا ريب في وجوبها.

ولو حملناها على العارية ، فالتوعّد إنّما وقع على الثلاث ، قال عكرمة : إذا جمع ثلاثتها فله الويل : إذا سها عن الصلاة ، وراءى ، ومنع الماعون(٣) .

البحث الثاني : في الأركان.

وهي أربعة :

الأوّل : الـمُعير‌.

وله شرطان : ملكيّة المنفعة ، وأهليّة التصرّف التبرّعيّة ، فلا تصحّ إعارة الغاصب للعين ؛ لأنّه منهيّ عن التصرّف في الغصب ، والإعارة تصرّف.

ولا فرق بين أن يكون غاصباً للعين أو للمنفعة في أنّه يحرم عليه إعارتها ، ولا يباح للمُستعير التصرّف ، فإن علم وتصرّف كان مأثوماً ضامناً للعين والمنفعة بلا خلاف.

ولا يشترط ملكيّة العين في الـمُعير ، بل ملكيّة المنفعة ، فلو استأجر عيناً جاز له أن يعيرها لغيره ، إلّا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه ، فيحرم عليه حينئذٍ الإعارة ، ولو لم يشرطه جاز ؛ لأنّه مالك للمنفعة ، ولهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة.

____________________

(١) كما في المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٢) راجع الهامش (٨) من ص ٢٣٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، الوسيط - للواحدي - ٤ : ٥٥٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

٢٣٦

وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما أن يعيراهما.

مسألة ٨٠ : وليس للمُستعير أن يعير‌ - وبه قال أحمد بن حنبل والشافعيّة في أصحّ الوجهين(١) - لأنّ الأصل عصمة مال الغير وصيانته عن التصرّف ، فلا يباح للمُستعير الثاني إلّا بدليلٍ ولم يثبت ، ولأنّه غير مالكٍ للمنفعة ، ولهذا لا يجوز له أن يؤجّر ، وإنّما أُبيح له الانتفاع ، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره ، كالضيف الذي أُبيح له الطعام ليس له أن يُبيحه لغيره.

وقال أبو حنيفة : يجوز للمُستعير أن يعير - وهو الوجه الآخَر للشافعيّة - لأنّه تجوز إجارة المستأجر للعين ، فكذا يجوز للمُستعير أن يعير ؛ لأنّه تمليك على حسب ما مَلَك(٢) .

والفرق : إنّ المستأجر مَلَك بعقد الإجارة الانتفاعَ على كلّ وجهٍ ، فلهذا مَلَك أن يملكها ، وأمّا في العارية فإنّه مَلَك المنفعة على وجه ما أُذن له ، فلا يستوفيه بغيره ، فافترقا.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٤ ، المغني ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، المغني ٥ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز للمُستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه وبوكيله ، ولا يكون ذلك إعارةً للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه.

مسألة ٨١ : وشرطنا في الـمُعير جواز التصرّف ، فلا بدّ وأن يكون بالغاً عاقلاً جائز التصرّف‌ ، فلا تصحّ عارية الصبي ؛ لأنّه ممنوع من التصرّفات التي من جملتها الإعارة ، ولا عارية المجنون ، ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس ؛ لأنّ هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرّعات ، والإعارة تبرّع.

وكذا ليس للمُحْرم إعارة الصيد ؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه ، بل وليس مالكاً له عند الأكثر.

ولو أسلم عبد الكافر تحت يده ، وجب بيعه من المسلمين ، فيجوز للكافر إعارته للمسلم مدّة المساومة.

وكذا لو ورث أو مَلَك - إن قلنا بصحّة البيع - مصحفاً.

الركن الثاني : الـمُستعير.

وشرطه أن يكون معيّناً أهلاً للتبرّع عليه بعقدٍ يشتمل على إيجابٍ وقبولٍ ، فلو أعار أحد هذين ، أو أحد هؤلاء ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، وكلّ واحدٍ لا يتعيّن للإعارة ؛ لصلاحيّة الآخَر لها ، واستباحة منافع الغير لا تكون إلّا بوجهٍ شرعيّ ؛ لأنّ الأصل تحريم منافع الغير على غيره إلّا بإذنه ، ولم يثبت.

ولو عمّم الـمُستعير ، جاز ، سواء كان التعميم في عددٍ محصور ، كقوله : أعرتُ هذا الكتاب لهؤلاء العشرة ، أو في عددٍ غير محصورٍ ، كقوله : لكلّ الناس ، ولأيّ أحدٍ من أشخاص الناس ، أو : لمن دخل الدار.

وبالجملة ، الكلّيّ معيّن وإن لم يكن عامّاً ك‍ « أيّ رجل » و « أيّ داخل ». و « أحد الشخصين » مجهول.

٢٣٨

مسألة ٨٢ : شرطنا أن يكون أهلاً للتبرّع عليه‌ ؛ لأنّ من الأعيان ما لا يجوز لبعض الأشخاص الانتفاع بها ، فلا تجوز إعارتها لهم ، وذلك مثل الكافر يستعير عبداً مسلماً ، أو أمةً مسلمةً على إشكالٍ ينشأ : من جواز إعارتهم ، ومن السلطنة عليهم والتسلّط وإثبات السبيل ، وقد نفاه الله تعالى بقوله :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) بخلاف استئجاره الذي هو في مقابلة عوضٍ.

والأقرب : الكراهة.

وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره ؛ تكرمةً للكتاب العزيز ، وصيانةً عمّن لا يرى له حرمةً.

وأمّا استعارة أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث أهل بيته الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فإنّها مبنيّة على جواز شرائهم لها ، فإن منعناه منعنا من الإعارة ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٣ : لا يحلّ للمُحْرم استعارة الصيد من الـمُحْرم ، ولا من الـمُحلّ ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه الـمُحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرّد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه ، وضمن لله تعالى.

ولو استعار الـمُحْرم صيداً من مُحْرمٍ ، وجب على كلّ واحدٍ منهما الفداء لو تلف.

ولو كان الصيد في يد مُحْرمٍ فاستعاره الـمُحلّ ، فإن قلنا : الـمُحْرم يزول ملكه عن الصيد ، فلا قيمة له على الـمُحلّ ؛ لأنّه أعاره ما ليس ملكاً‌

____________________

(١) النساء : ١٤١.

٢٣٩

له ، وعلى الـمُحْرم الجزاء لو تلف في يد الـمُحلّ ؛ لتعدّيه بالإعارة ، فإنّه كان يجب عليه الإرسال.

وإن قلنا : لا يزول ، صحّت الإعارة ، وعلى الـمُحلّ القيمة لو تلف الصيد عنده.

ولو تلف الصيد عند الـمُحلّ الـمُستعير من الـمُحْرم ، لم يضمنه الـمُحلّ ؛ لزوال ملك الـمُحْرم عنه بالإحرام ، وعلى الـمُحْرم الضمان ؛ لأنّه تعدّى بالإعارة لما يجب إرساله.

مسألة ٨٤ : الـمُستعير هو المنتفع قوّةً أو فعلاً بالعين المستحقّة للغير بإذنٍ منه بغير عوضٍ.

وقال بعض الشافعيّة : الـمُستعير كلّ طالبٍ أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاقٍ(١) .

وزاد بعضهم ، فقال : من غير استحقاقٍ وتملّكٍ(٢) .

وقصد بهذه الزيادة الاحترازَ عن المستقرض ، وقصد بنفي الاستحقاق الاحترازَ عن المستأجر.

واعتُرض عليه بوجهين :

الأوّل : ينتقض بالمستام والغاصب.

الثاني : التعرّض لكونه طالباً غير جيّدٍ ؛ للاستغناء عنه ، إذ لا فرق بين أن يلتمس الـمُستعير العارية ، وبين أن يبتدئ الـمُعير بها ، ولا تجوز الزيادة في الحدود(٣) .

____________________

(١) الغزالي في الوجيز ١ : ٢٠٤ ، والوسيط ٣ : ٣٧١.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336