أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف23%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111345 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

ومن مساجلاته مع أستاذه السيد صادق الفحام وهو في قرية ( الحصين ) قوله(١) :

يا أديباً على الفرزدق قد

ساد بأحكام نظمه وجرير

وبسر الحديث آثره الله

فأوفى علا على ابن الأثير

وبعلم اللغات فاق كثيراً

من ذويها فضلا عن ابن كثير

بك روض الآداب عاد أريضاً

ذا غدير يروي الظما نمير

ورقيق القريض أضحى رقيقا

لك لا ينتهي إلى تحرير

وإذا ما حررت طرزت بترداً

ظل عنه المطرزي والحريري

حجج قصر ابن حجة عنها

ودجا ليلها على ابن منير

لك نثر سما الدراري ونظم

فاق در المنظوم والمنثور

حلم قيس واحنف نجل قيس

طلت فيه العلى ورأي قصير

خلق كالرياض دبجها الطل

بند فعبرت عن عبير

وعلوم لو قيست الأبحر

السبعة فيها ازرت بفيض البحور

ومزايا لو رمت إحصاء ما أو

ليت منها لم أحص عشر العشير

فقليلي ولو حرصت سواء

حين أسمو لعدها وكثيري

فتجشمت خطة لو سما

الطرف إليها لرد أي حسير

عالماً أنني وإن طال مدحي

وثنائي عليك ذو تقصير

غير أني أقول لا يسقط

الميسور فيما يراد بالمعسور

فخذ العفو وأعف عوفيت عنى

لقليل أنهيته من كثير

__________________

١ - شعراء الحلة للخاقاني ج ٥ ص ٣٢.

١٦١

فكتب له الجواب على الروي والقافية:

أيها الناقد البصير ولا فخر

وما كل ناقد ببصير

والمجلي لدى السباق إذا صالت

جياد المنظوم والمنثور

والذي قد طوى بنشر بديع

النظم ذكر الطائي دهر الدهور

وبه باقلا غدا مثل سحبان

وأمثال جرول وجرير

وبه ابن العميد بات عميداً

ذا غناء كالعاشق المهجور

وبه أصبح ابن عباد في الآداب

عبداً لم يسم للتحرير

وابن هاني لم يهنه العيش واسود

منير الرجا من ابن منير

وغدا ابن النبيه غير نبيه

وتحامى البوصيرة البوصيري

والتهامي راح يتهم الفس

بدعوى التبرير في التحبير

والسلامي لم يعد بسلام

بعد تعريفه من التنكير

والرضي الشريف لم يرض في

ملحمة النظم غيره من أمير

والصفي الحلي لم ير عيشا

مذ نشا صافياً من التكدير

وابن حجر الكندي ألقم فيه

حجراً بعد سبقه المشهور

ومعيد الذماء(١) من بارع الآداب

بعد انطماسه والدثور

وربيب المجد الذي دان

في الفضل له كل فاضل نحرير

ومجلي غياهب الشك واللبس

بنود البيان والتحرير

وجواداً للسبق جلى أخيراً

فشأى كل أول وأخير

قد أتانا منكم فريد نظام

تتحلى به نحور الحور

كيف قلدتم به جيد من لم

يك في العير لا ولا في النفير

ذاك فضل منكم وإن كثيراً

ما بعثتم إلى الأقل الحقير

__________________

١ - الذماء: بقية الروح.

١٦٢

وقال مراسلا(١) :

كتبت وكم تحدر من دموعي

على وجنات قرطاسي سطور

إلى عين الحياة حياة نفسي

ومن هو في سواد العين نور

عتبت عليك يا أملي وإني

عليك بما عتبت به جدير

جفوت وكنت لا تجفو ولكن

هي الأيام دولتها تدور

وغيرك الزمان وجل من لا

تغيره الحوادث والدهور

وغرك ما ازدهاك وكنت نعم

الخليل المصطفى لولا الغرور

سأصبر ما أطاق الصبر قلبي

فإن الحر في البلوى صبور

فلا تغتر فليس الدهر يبقى

على حال سيعدل أو يجور

فإن الليل يظلم حين يبدو

ويسفر بعده صبح منير

وإن الماء يكدر ثم يصفو

ويخبو ثم يلتهب السعير

وإن الغصن يذبل ثم يزهو

وتنكسف البدور وتستنير

وإن الهم يقتل حين يبقى

ويعقبه فيقتله السرور

ومقصوص الجناح يمر يوم

عليه من الزمان به يطير

وقال:

قفوا قبل لوشك البين يبعدكم عنا

نودعكم والقلب من أجلكم مضنى

قفوا نسكب الدمع الهتون صبابة

على صبوة نلنا بها الأرب ألاهنا

__________________

١ - شعراء الحلة، للخاقاني ج ٥ ص ٣٤.

١٦٣

هلموا إلى العهد الذي كان بيننا

قديماً فإن حلتم فوالله ما حلنا

رحلتم فجسمي مبعد معذب

عقيبكم والقلب عندكم رهنا

بعدتم فلا ندري أبالوصل نحتضي

أم الفصل محتوم فياليت ما كنا

فجودوا وعودوا وارحموا اليوم حالنا

فما عنكم مغنا ولا شاقنا مغنى

ساذكركم حتى أموت وإنني

أحن إذا ما الليل بي سحراً جناً

أيا سائق الأضعان مزقت خاطراً

رويداً لعلي باللقا ساعة أهنا

فيامهجتي ذوبي أسى لفراقهم

ويا مقلتي سحي الدماء لهم حزنا

رحلتم أحبائي وكنت بإنسكم

أنيساً وإني الآن خلفكم مضنى

فلو تعلمون اليوم حالي رحمتم

نحيلاً أقاسي الموت ياليتني أفنى

فما الليل إلا من غمومي سواده

وذا الغيم من دمعي غدا يسكب المزنا

وما الفجر إلا من بياض مفارقي

وما الورق إلا من حنيني قد حنا

وقد سائني لما وقفت بداركم

أظنكم فيها فأخلفتم الظنا

فعاينتها قفرا أضر بها النوى

فقمت بها أبكيكم بدم أقنا

فياطول حزني بعدكم وصبابتي

فما عبرتي ترقى ولا مقلتي وسنا

كفى حزناً ان الشرايع عطلت

وأن عداة الشرع أفنوكم ضغنا

بني الوحي عودوا للمساجد والدعا

وقوموا بها بالذكر في الليلة الدجنا

بني الوحي عودوا للمدارس أصبحت

دوارس فيها اليوم بعدكم سكنا

بني الوحي عودوا اللمنابر وانظروا

عليها العدا تهديكم السب واللعنا

بني الوحي جرعنا بفاضل صابكم

ونلنا العنا لما بكم سادتي لذنا

فنستر ما قلتم ونبدي خلافه

كأن إله العالمين له سنا

سأندبكم حتى تقوم قيامتي

وأعدل من عذل العذول إذا شنا

١٦٤

وقال يمدح الامام المهديعليه‌السلام وقد أنشأها في سر من رأى:

أريحا فقد أودى بها السير والوخد

وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو

طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها

سراب وبرد العيش في ظلها وقد

تحن إلى نجد وأعلام رامة

وما رامة فيها مرام ولا نجد

وتلوي على بان الغدير ورنده

ولا البان يلوي البين عنها ولا الرند

وتصبو إلى هند ودعد على النوى

وما هند تشفي ما أجنت ولا دعد

( هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى )

وما قصدها حيث اختلفنا هو القصد

هم آل ياسين الذين ضفا لهم

من المجد يرد ليس يسمو له برد

ربينا بنعماهم وقلنا بظلهم

وعشنا بهم والعيش في ظلهم رغد

إليكم بني الزهراء أمت مغذة

عراب المهارى والمسومة الجرد

قطعن بها غور الفلاة ونجدها

فيخفضنا غور ويرفعنا نجد

فقبلن أرضا دون مبلغها السما

وسفن ترابا دون معبقه الند

فيا بن النبي المصطفى وسميه

ومن بيديه الحل في الكون والعقد

ومن عنده علم الذي كان والذي

يكون من الإثبات المحو من بعد

اليك حثثناها خفافاً عيابها

على ثقة أن سوف يوقرها الرفد

فألوت على دار أناخ بها الندى

وألقى عليها فضل كلكله الجد

إلى خلق كالروض وشحه الحيا

يغار إذا استنشقته الغار والرند

فعوجا فهذا السر من سر من رأى

يلوح فقدتم الرجا وانتهى القصد

وهاتيك ما بين السراب قبابهم

فآونة تخفى وآونة تبدو

فعرج عليها حيث لا روض فضلها

هشيم ولا ماء الندى عندها ثمد

١٦٥

ورد دارها المخضلة الربع بالندى

ترد جنة للوفد طاب بها الخلد

وطف حيث ما غير الملائك طائف

لديها وجبريل بأفنائها عبد

وسل ما تشامن سيب نائلهم فما

لسائلهم إلا بنيل المنا رد

هم القوم آثار المعارف منهم

على جبهات الدهر ما برحت تبدو

هم علة الإيجاد بدءاً ومنتهى

وما قبلهم قبل وما بعدهم بعد

تباعدت عنكم لا ملالا ولا قلى

ولكن برغمي عنكم ذلك البعد

وجئتكم والدهر عضت نيوبه

علي وعهدي وهي عني بكم درد

فكن لي يا اسكندر العصر معقلا

وكهفا يكن بيني وبين الردى سد

إلى كم نعادي من وددناه رقبة

وخوفا ونصفي الود من لا له ود

( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى )

صديقا يعاديه لخوف عدى تعدو

وانكد من ذا أن يبيت مصادقا

( عدواً له ما من صداقته بد )(١)

وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها

وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد

فدونكما فضفاضة البرد ما سما

بنعتك ( بشار ) إليها ولا ( برد )

على أنها لم تقض حقاً وعذرها

بأن المزايا الغر ليس لها حد(٢)

__________________

١ - البيت من أمثال المتنبي.

٢ - عن الجزء الخامس من شعراء الحله أو البابليات للخاقاني ص ٢٩ كما رواها السيد الأمين في الأعيان، أما الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) فقد نسبها للشيخ أحمد النحوي.

١٦٦

وقال مخمساً قصيدة السيد نصر الله الحائري التي قالها في بناء قبة أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

إلى كم تصول الرزايا جهارا

و توسعنا في الزمان انكسارا

فيا من على الدهر يبغى انتصارا

إذا ضامك الدهر يوما وجارا

فلذ بحمى امنع الخلق جارا

تمسك بحب الصراط السوي

أخي الفضل رب الفخار الجلي

إمام الهدى ذو البهاء البهي

علي العلي وصنو النبي

وغيث الولي وغوث الحيارى

جمال الجمال جلال الجلال

جميل الخصال حميد الخلال

بعيد المنال عديم المثال

هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

فياقبة زانها مشهد

لمن فضله الدهر لا يجحد

سنا نورها في الورى يوقد

هي الشمس لكنها مرقد

لظل المهيمين عز اقتدارا

هي الشمس من غير حر يذيب

ولا ضير للمنتأي والقريب

لقد طالعتنا بأمر عجيب

هي الشمس لكنها لا تغيب

ولا يحسد الليل فيها النهارا

هي الشمس جلت ظلام العنا

وبشرنا سعدها بالمنى

فلا الليل يسترها إن دنا

ولا الكسف يحجب منها السنا

ولم تتخذ برج نحس مدارا

١٦٧

هي الشمس تبهر في حسنها

وتهدي لذي اليمن في يمنها

وتمحو دجى الخوف من أمنها

هي الشمس والشهب في ضمنها

قناديلها ليس تخشى استتارا

بدت وهي تزهو بتبرية

منمقة أرجوانية

شقيقة حسن شقيقة

عروس تحلت بوردية

ولم ترض غير الدراري نثاراً

هوت نحوها الشهب غب ارتفاع

لتعلو بتقبيل تلك البقاع

ولم ترعن ذا الجناب اندفاع

فها هي في قربها والشعاع

جلاها لعينيك در صفارا

عروس سبت حسن بلقيسها

وعم الورى ضوء مرموسها

زهت فزها حسن ملبوسها

بدت تحت أحمر فانوسها

لنا شمعة نورها لا يوارى

هي الشمع ضاء بأبهى نمط

وقد قميص الدياجي وقط

كفانا سنا النور منها نقط

هي الشمع ما احتاج للقط قط

ولا النفخ اطفأه مذ أنارا

جلا للمحب جلا كربه

وأهدى الضياء إلى قلبه

ترفرف شوقا إلى قربه

ملائكة الله حفت به

فراشاً ولم تبغ عنه مطارا

فيا قبة شاد منها المحل

بعزفق للأعادي أذل

ولا عجب حيث فيها استقل

هي الترس ذهب ثم استظل

به فارس ليس يخشى النفارا

١٦٨

غمامة تبر جلت غمة

اطلت وكم قد هدت امة

ومرجانة بهرت قيمة

وياقوته خلطت خيمة

على ملك فساق كسرى ودارا

عقيق يفوق الحلى في حلاه

غداة تسامى بأعلى علاه

الى حيدر ليس تبغي سواه

ولم يتخذ غير عرش الآله

له معدناً وكفاه فخاراً

فكم قد عرتنا بها زهوة

لدى سكرة مالها صحوة

فقلت ولي نحوها صبوة

حميا الجنان لها نشوة

تسر النفوس وتنفي الخمارا

فيالك صهباء في ذا الوجود

تجلت أشعتها في السعود

ترى عندها الناس يقظى رقود

إذا رشفتها عيون الوفود

تراهم سكارى وما هم سكارى

هي الطود طالت بأعلى العلا

ولم ترض غير السهى منزلا

غدت لعلي العلى موئلاً

عجبت لها إذ حوت يذبلا

وبحراً بيوم الندى لا يبارى

فيا أيها التبر لما استتم

فخارا وركن العلى فاستلم

فما زلت أطلب برهان لم

وكنت أفكر في التبر لم

غلا قيمة وتسامى فخارا

وكيف غدا وهو مستطرف

وبين السلاطين مستظرف

مطل على هامهم مشرف

إلى أن بدا خوفها يخطف

النواظر مهما بدا واستنارا

فثم تسامى إلى نسبة

تسامى ونال علا رتبة

١٦٩

ولم يخش في الدهر من سبة

وما يبلغ الدهر من قبة

بها علم الملك زاد افتخارا

فيا قبة نلت عزاً وجاه

وعين النضار بك اليوم تاه

ومع حسنها فهي عين الحياه

ومذ كان صاحبها للأله

يدان يدا نعمة واقتدارا

يرى الركب ان ضل حاديهم

يداً في علاها تناديهم

لها آية الفتح تهديهم

يد الله من فوق أيديهم

بدت فوق سر طوقها لا تبارى

يد ربح البذل في سوقها

ترى البذل أحسن معشوقها

تسامت إلى أوج عيوقها

وقد رفعت فوق سرطوقها

تشير إلى وافديها جهارا

١٧٠

السيد جواد العاملي

وافى المشيب مهجهجاً ومخبراً

اني بلغت من الطريق الأكثرا

فلئن صبوت لاصبون تكلفاً

ولئن جذلت لأجذلن مكدراً

وخدور مثلك يا أميم هجرتها

وصحوت من سكر الهوى متبصرا

قد غرني دهري فنلت جرائماً

والدهر من عاداته أن يغدرا

أبكي وما في العمر ما يسع البكا

فالحزن أن أبكي الحسين لتغفرا

هذا الحسين ابن النبي وسبطه

أمسى طريحاً في الطفوف معفرا

هذي بنات محمد ووصيه

أمست سبايا ضائعات حسرا

أبكي على الأيتام عز كفيلها

مرعوبة يا للورى مما ترى

لهفي لزين العابدين مصفداً

يرنو النساء ولا يطيق المنظرا

لو أن فاطمة تشاهد ما جرى

أجرت من الآماق دمعاً أحمرا

فلتلبس الدنيا ثياب حدادها

فالنور نور الله غيب في الثرى

١٧١

السيد محمد جواد العاملي النجفي المتوفى ١٢٢٦.

هو السيد محمد جواد ابن السيد محمد بن محمد العاملي الشقرائي النجفي من كبار علماء الأمامية وفطاحل فقهائهم في هذا القرن.

ولد في شقراء من قرى جبل عامل في حدود ١١٦٠ ونشأ هنالك فقرأ بعض مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق ولما ورد كربلاء على عهد الوحيد البهبهاني حضر على السيد الطباطبائي صاحب ( الرياض ) ثم حضر على الأستاذ الوحيد البهبهاني لازم بحثهما مدة حتى حصل قسطاً وافراً من العلم وعرف بالفضل وأجيز من البهبهاني فجاء إلى النجف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف بقى ملازماً لأبحاثهم زمناً طويلاً، وكتب له المحقق القمي صاحب « القوانين » إجازة من قم بتاريخ (١٢٠٦) والمعروف عنه إنه كان كثير الإنكباب على الاشتغال، ولا يقدم على ذلك عملاً من الأعمال ولم تشغله حتى الحوادث. فقد صرح في آخر بعض مؤلفاته أنه فرغ والوهابي محاصر للنجف وأهلها مشغولون مع سائر العلماء بالدفاع وكانت له يد معهم في مباشرة الأمور وتهيئة اللوازم حتى انه كتب رسالة في ذلك. أخذ اسم المترجم يشتهر يوماً فيوماً حتى أصبح من مراجع عصره واستقل بالتدريس فتخرج عليه جم غفير من الأعلام الأجلاء كالشيخ جواد ملا كتاب والشيخ محمد حسن صاحب « الجواهر » والشيخ محسن الأعسم والشيخ الأغا محمد علي الهزار جريبي والسيد صدر الدين العاملي والشيخ مهدي ملا كتاب والسيد علي الأمين من بني عمه وولده السيد محمد وسبطه الشيخ رضا بن زين العابدين الأسدي الحلي والميرزا عبدالوهاب المجاز منه باجازة تاريخها (١٢٢٥) وغيرهم ممن لا يحصى، قضى عمره الشريف بالتصنيف والتأليف والدرس والبحث وخدمة الدين إلى أن توفي

١٧٢

في (١٢٢٦) في النجف ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف من الجهة القبلية بين بابي الفرج والقبلة وترك آثاراً جليلة تدل على تحقيقه وتدقيقه وتبحره في الفقه والأصول وتتبعاته لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين وما امتاز به من ضبط واتقان مع جودة الخط وأهم آثاره وأشهرها ( مفتاح الكرامة ) في شرح ( قواعد العلامة ) من خيرة أسفار المتأخرين جمع أكثر أبواب الفقه بأسلوب جيد وهو في اثنين وثلاثين مجلداً ألفه بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه كما صرح به في أوله قال: امتثلت فيه أمر أستاذي الإمام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله فداه إلخ طبع أكثر هذا الكتاب في ثمان مجلدات ضخام، سبع منها في مصر وطبع الثامن في دمشق بسعي العلامة السيد محسن بن عبدالكريم الأمين العاملي من أقارب المترجم في « ١٣٣٣ » وترجمة مفصلاً في آخر مجلد المتاجر وسرد نسبه إلى عيسى بن يحيى المحدث بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وله أيضاً شرح كتاب الطهارة من « الوافي » ألفه من تقريرات درس أستاذه الطباطبائي، وألف من تقريره أيضاً حاشيته على كتاب التجارة من ( القواعد ) وجاشية كتاب الطهارة من المدراك وهي تقرير درس الشيخ حسين نجف وحاشية الدين والرهن من القواعد من تقرير أستاذه كاشف الغطاء وله حاشية أول ( تهذيب الأصول ) رأيت هذه الخمسة الأخيرة في مجموعة عند حفيده السيد عبدالحسين بن محمد ابن الحسن بن محمد ابن المؤلف وله رسالة في حكم العصيرين العنبي والتمري ألفهما بأمر أستاذه كاشف الغطاء وقرضها أستاذه الشيخ حسين نجف و ( الرحمة الواسعة ) في المضايقة والمواسعة ألفه بأمر أستاذه صاحب ( الرياض ) وحاشية على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والوصايا والنكاح والطلاق وهي على بعض ما مر غير تامة ورسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الأفراد عند الضيق وشرح ( الوافية ) في الأصول مجلدان ورسالة في الشك في الشرطية والجزئية وأخرى في مناظرة شيخه كاشف الغطاء مع المحقق السيد محسن الأعرجي ومكاتباتهما في المسائل العلمية وتعليقه على مقدمة

١٧٣

الواجب من ( المعالم ) ورسالة في التجويد وأخرى في رد الإخباريين وثالثة في وجوب الذب عن النجف لأنها بيضة الإسلام وأخرى في حكم المقيم الخارج عن الترخص و ( أهل البراءة ) رأيته في ( مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ) كما فصلته في ( الذريعة ) ج ٢ ص ١١٣ إلى غير ذلك وكان شاعراً له مدائح لأساتذته وأراجيز ثلاث في الخمس والزكاة والرضاع ذكرناها في الجزء الأول من ( الذريعة ) وذكر مشايخه في الرواية في إجازته للأغا محمد علي الهزار جريبي ورأيت إجازته للشيخ حسن بن محمد علي العبودي بخطه أشركه فيها مع ولده الشيخ محمد طاهر بن الحسن وتاريخها (١٢٢٥) وخلفه من ولده العلامة السيد محمد المذكور فقد خلف (١) السيد عباس الذي لم يعقب و (٢) السيد حسين و (٣) السيد حسن والد السيد جواد المعاصر الذي حدثني بذلك.

شعره في الرثاء:

تساور رزء فادح الخطب فاقم

فخرت من الدين القويم القوائم

سلوا يوم حفت بالحسين خيامهم

وليس لها إلا الرماح دعائم

فتى الحرب يغنيه عن الجيش بأسه

ويكفيه عن نصر النصير العزائم

يخرون لا لله إن كر سجداً

ولكن لماضيه تخر الجماجم

لك الله تستبقي وتردي جحافلاً

كأنك في الأعمار قاض وحاكم

لك الله مكثوراً أضر به الظما

ولا ورد إلا المرهفات الصوارم

فللسمر في الجنبين منه مشارع

وللنبل في الجنبين منه مطاعم

وفي الجسم منه للنصول مدارع

وفي الهام منه للمواضي عمائم

فخر على عفر الثرى عن جواده

وقامت عليه في السماء مآتم

وقد طبق الافلاك رزءاً مصابه

فما أحد منهم - خلا الله - سالم

وجل جلال الله ما ينبغي له

ولكن قلباً قد حوى الله واجم

فمن مبلغ الزهراء أن بناتها

أسارى حيارى ما لها اليوم راحم

أفاطم قومي يا بنة الطهر واندبي

يتاماك أو قتلاك فالخطب فاقم

١٧٤

ولسيدنا قصائد في الكتب المتضمنة لمرائي أهل البيت، منها في الحسين قصيدته التي أولها:

زموا الركائب للرحيل وأزمعوا

فذرى الدموع مودع ومودع

وأخرى أولها:

عواد على الإسلام صال بها الكفر

فحتى م حتى م التجلد والصبر

وثالثة كان مطلعها:

صال الزمان بماضي الغرب مطرور

فأوسع المجد جرحاً غير مسبور

١٧٥

السيد محسن الاعرجي

المتوفي سنة ١٢٢٧

دموع بدا فوق الخدود خدودها

ونار غدا بين الضلوع وقودها

أتملك سادات الأنام عبيدها

وتخضع في أسر الكلاب أسودها

وتبتز أولاد النبي حقوقها

جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودها

ويمسي حسين شاحط الدار دامياً

يعفره في كربلاء صعيدها

وأسرته صرعى على الترب حوله

يطوف بها نسر الفلاة وسيدها

قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم

شرائع لكن ما أبيح ورودها

غدوا نحوهم من كل فج يقودهم

على حنق جبارها وعنيدها

يعز على المختار أحمد أن يرى

عداها عن الورد المباح تذودها

تموت ظماً شبانها وكهولها

ويفحص من حر الاوام وليدها

تمزق ضرباً بالسيوف جسومها

وتسلب عنها بعد ذاك برودها

وتترك في الحر الشديد على الثرى

ثلاث ليال لا تشق لحودها

وتهدى إلى نحو الشئام رؤوسها

وينكتها بالخيزران يزيدها

أتضربها شلت يمينك إنها

وجوه لوجه الله طال سجودها

ويسرى بزين العابدين مكبلا

تجاذبه السير العنيف قيودها

بنفسي أغصاناً ذوت بعد بهجة

واقمار تم قد تولت سعودها

وفتيان صدق لا يضام نزيلها

وأسياف هند لا تفل حدودها

حدا بهم الحادي فتلك ديارهم

طوامس ما بين الديار عهودها

١٧٦

كأن لم يكن فيها أنيس ولم تكن

تروح لها من كل أوب وفودها

أبا حسن يا خير من وطئ الثرى

وسارت به قب المهاوي وقودها

أتصبح يا مولى الورى عن مناصب

الخلافة مدفوعاً وأنت عميدها

واين بنو سفيان من ملك أحمد

وقد تعست في الغابرين جدودها

أتملك أمر المسلمين وقد بدا

بكل زمان كفرها وجحودها

ألا يا أبن هند لا سقى الله تربة

ثويت بمثواها ولا أخضر عودها

أتسلب أثواب الخلافة هاشماً

وتطردها عنها وأنت طريدها

وتقضي بها ويل لأملك قسوة

إلى فاجر قامت عليه شهودها

فواعجباً حتى يزيد ينالها

وهل دابه إلا المدام وعودها

وواحزناً مما جرى لمحمد

وعترته من كل أمر يكيدها

يسودها الرحمن جل جلاله

وتأبى شرار الخلق ثم تسودها

فما عرفت تالله يوماً حقوقها

ولا رعيت في الناس يوماً عهودها

وما قتل السبط الشهيد ابن فاطم

لعمرك إلا يوم ردت شهودها

يميناً برب النهي والأمر ما أتت

بما قد أتوه عادها وثمودها

وما أن أرى يطفي الجوى غير دولة

تدين لها في الشرق والغرب صيدها

تعيد علينا شرعة الحق غضة

وتزهر بها الدنيا وتعلو سعودها

أما والذي لا يعلم الغيب غيره

لئن ذهبت يوماً فسوف يعيدها

وتقدم من أرض الحجاز جنودها

وتخفق في أرض العراق بنودها

فعجل رعاك الله ان قلوبنا

يزيد على مر الليالي وقودها

وتلك حدود الله في كل وجهة

معطلة ما أن تقام حدودها

عليك سلام الله ما انسكب الحيا

وأبقلت الأرضون واخضر عودها

١٧٧

السيد محسن الاعرجي

السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق الكاظمي والمحقق البغدادي صاحب المحصول والوسائل، توفي سنة ١٢٢٧ وقد ناف على التسعين وقيل في تاريخ وفاته: بموتك محسن مات الصلاح. ودفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه قبة.

عالم فقيه محقق مدقق مؤلفاته مشهورة زاهد عابد تقي ورع جليل القدر وهو صاحب كتاب ( المحصول في الأصول ) و ( الوافي في شرح وافية ملا عبدالله التوني ) و ( شرح مقدمات الحدائق ) وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال:

السيد محسن بن السيد حسن بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله بن زرزور ابن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن عماد بن الفضل بن محمد بن أحمد البن بن محمد الأشتر(١) الحسيني الأعرجي الكاظمي. ولد ببغداد سنة ١١٣٠ هـ وكان من العلماء المحققين والفقهاء المقدسين الزاهدين العابدين. أخفى علمه الجم وجود أقطاب العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام، وكان أديباً شاعراً له نظم كثير مثبت في المجاميع المخطوطة ومن شعراء العلماء الثمانية عشر الذين قرضوا القصيدة الكرارية لابن فلاح الكاظمي في مدح أميرالمؤمنين، حج بيت الله الحرام سنة ١١٩٩ هـ وكان سفره مع العلماء الذين ساروا بركب الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومن العلماء السيد

__________________

١ - ابن عبيدالله بن علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الامام زين العابدين علي ابن الحسين.

١٧٨

محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ محمد علي الأعسم ونظرائهم.

أساتيذه:

تتلمذ على الأغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ وعلى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي واجازه. وتتلمذ عليه جمهرة من العلماء منهم الشيخ عبدالحسين الأعسم المتوفى سنة ١٢٤٦ هـ والشيخ إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة ١٢٦١ هـ.

مؤلفاته:

ألف كتاب الرسائل في الفقه في عدة مجلدات وهو كتاب متين وكانت أساتذتنا تقول: هو أحسن ما كتب وكتاب المحصول وكتاب الوافي وشرح مقدمات الحدائق والعدة في الرجال لم يتم، خرج منه الفوائد الرجالية.

توفي في الكاظمية ودفن بها في داره سنة ١٢٢٧ هـ.

وفي الذريعة - قسم الديوان: ديوان السيد محسن بن الحسن الشهير بالمقدس الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول والعدة في الرجال وغيرهما من التصانيف ترجمة سيدنا الحسن الصدر في ( ذكرة المحسنين ) وقال: إن في ديوانه أشعار رائقة في المراثي وغيرها، كما كتب السيد الخوانساري عنه في ( روضات الجنات ) وكتب عنه البحاثة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه الله في مجلة البلاغ الكاظمية عدد ٧ من السنة الرابعة وذكر له ٢٠ مؤلفاً.

وجاء في بعض المجاميع المخطوطة قصيدته الميمية مقرضاً بها الكرارية مطلعها:

فضل تكل بحصره الأقلام

وتهيم في بيدائه الأوهام

ومناقب شهد العدو بفضلها

فضل الامام فما عليك ملام

قد حزت آيات السباق بأسرها

طفلا وما أعيى عليك مرام

وشأوت أرباب القريض جميعهم

فغدوا وليس لهم سواك إمام

١٧٩

وسلكت فجاً ليس يسلك مثله

ولطالما زلت به الأقدام

يهدي العقول عقول أرباب النهى

نثر نثرت عليهم ونظام

وقصائد لله كم نفدت لها

بقلوب أرباب النفاق سهام

لا سيما المثل الذي سارت به

الركبان وازدانت به الأيام

مدح الامام المرتضى علم الهدى

مولى اليه النقض والابرام

نفثات سحر ما بها آثام

وعقود در مازها النظام

هذا هو السحر الحلال وغيره

من نظم أرباب القريض حرام

ومدامة حليت ببابل فانتشت

مصر لها وتهامة والشام

كم ليلة بتنا سكارى ولها

طرباً بها والحادثات نيام

ما الروضة الغناء باكرها الحيا

فتعطرت من طيبها الآكام

ما الغادة الحسناء حار بخدها

ماء الشباب وفي القلوب أوام

خطرت تميس بعطفها فغدا لها

في كل قلب حسرة وغرام

الخ ....

وقال في رثاء الحسينعليه‌السلام :

فؤاد لا يزال به اكتئاب

ودمع لا يزال له انصباب

على من أورث المختار حزناً

تذوب لوقعة الصم الصلاب

ومات لموته الاسلام شجواً

وذلت يوم مصرعه الرقاب

وأرجفت البلاد ومن عليها

وأوشك أن يحل بها العذاب

يقبل نحره المختار شوقاً

وتدميه الأسنة والحراب

فيا لله من رزء جليل

وهت منه الشوامخ والهضاب

ديار لم تزل مأوى اليتامى

سوام كيف صاح بها الغراب

وكيف تعطلت رتب المعالي

بهن وقوضت تلك القباب

كأن لم تلف أمناً من مخوف

ولم تحلل بساحتها الركاب

فيا غوث الانام وصبح داجي

الظلام ومن به عرف الصواب

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

في يد الـمُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده؟ إن قلنا : إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب(١) ، كان مضموناً عليه ، وإلّا فلا. وليس له استعماله إجماعاً.

وهذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ على وجه السوم.

لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة : إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض ؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ(٢) .

وقال غيره : الأصحّ كهو في العارية(٣) .

وهذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.

مسألة ١١٨ : لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال‌ ، مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس ، فالوجه : ضمان العين وقت التلف ؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ ، والإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلى استعمالٍ غير مُتلفٍ ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء ؛ لأنّه إتلاف استند إلى فعلٍ مأذونٍ فيه(٤) .

وعلى الأوّل لهم وجهان :

أحدهما : كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف ، وهو آخر حالات التقويم.

____________________

(١) الظاهر : « ضمانَ الغصب ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

٢٨١

والثاني : إنّه تُضمن العين بجميع أجزائها(١) .

مسألة ١١٩ : قد مضى البحث في ضمان العين‌ ، وأمّا ضمان الأجزاء فإن تلف منها شي‌ء بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللُّبْس المأذون فيه ، لم يلزم الـمُستعير ضمانه ؛ لحدوثه عن سببٍ مأذونٍ فيه ، وهو قول الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يلزمه الضمان ؛ لأنّ العارية مؤدّاة ، فإذا تلف بعضها فقد فات ردّه ، فيضمن بدله(٣) .

والمعتمد : الأوّل.

وأمّا إن تلف من الأجزاء شي‌ء بغير الاستعمال ، فإن كانت العين مضمونةً كان الـمُستعير ضامناً للأجزاء ، وإلّا كانت أمانةً كالعين ، كما لو تلفت العين بأسرها ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه لا يجب ضمانها على الـمُستعير ، كما لو تلفت بالاستعمال ، ويكتفى بردّ الباقي(٤) .

واعلم أنّ تلف الدابّة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثوب ، وتعيّبها بالركوب أو الحمل وشبهه كالانسحاق.

ولو قرّح ظهرها بالحمل وتلفت منه ، قال بعض الشافعيّة : يضمن ، سواء كان متعدّياً بما حمل أو لا ؛ لأنّه إنّما أذن له في الحمل ، لا في الجراحة ، وردُّها إلى المالك لا يُخرجه عن الضمان ؛ لأنّ السراية تولّدت من مضمونٍ ، فصار كما لو قرّح دابّة الغير في يده(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٢

وفيه نظر.

مسألة ١٢٠ : المستأجر يملك المنفعة ملكاً تامّاً‌ ، ولهذا جاز له أن يؤجر العين مدّة إجارته ، والمنفعة قابلة للنقل ، فجاز أن يعيرها ، فإذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ، كان حكمها حكم العارية من المالك في الضمان وعدمه.

والشافعي القائل بالضمان في مطلق العارية له هنا قولان :

أحدهما : إنّه يضمن الـمُستعير هنا ، كما لو استعار من المالك.

والثاني - وهو الأصح عنده - : إنّه لا يضمن ؛ لأنّ المستأجر لا يضمن ، وهو نائب المستأجر ، ألا ترى أنّه إذا انقضت مدّة الإجارة ارتفعت العارية واستقرّت الإجارة على المستأجر بانتفاع الـمُستعير.

ومئونة الردّ في هذه الاستعارة على الـمُستعير إن ردّ على المستأجر ، وعلى المالك إن ردّ عليه ، كما لو ردّ عليه المستأجر(١) .

مسألة ١٢١ : إذا استعار من الغاصب العينَ المغصوبة وكان عالماً أو جاهلاً ثمّ قامت البيّنة بالغصب ، لم يجز له ردّها على الـمُعير‌ ؛ لأنّه ظالم ، ووجب عليه ردّها إلى مالكها ، فإن كان قد استعملها الـمُستعير مدّةً لمثلها أُجرة كان للمغصوب منه الرجوعُ بأُجرة مثلها على أيّهما شاء.

وكذا إن نقص شي‌ء من أجزائها ، فله الرجوع بقيمة ذلك ؛ لأنّ الغاصب ضمنها باليد المتعدّية ، والـمُستعير أتلف منافع الغير بغير إذنه ، وأتلف أجزاء عينه.

فإن رجع على الـمُستعير ، فالأقرب : إنّه لا يرجع على الـمُعير ؛ لأنّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٣

التلف وقع في يده ، ولأنّه ضمن ما أتلفه ، ولا يرجع به على غيره ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه غرّه بأنّه دخل في العارية على أنّه لا يضمن المنفعة والأجزاء(١) .

وإن رجع على الـمُعير ، فهل يرجع الـمُعير على الـمُستعير؟ يبنى على القولين ، إن قلنا : لو رجع على الـمُستعير رجع به على الـمُعير ، فإنّ الـمُعير لا يرجع به ، وإن قلنا : لو رجع على الـمُستعير لم يرجع به ، فإنّ الـمُعير يرجع به.

فأمّا إن تلفت العين في يد الـمُستعير ، فإنّ لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما بقيمتها ، و [ قرار ](٢) الضمان على الـمُستعير ؛ لأنّ المال حصل في يده بجهةٍ مضمونة.

ثمّ إن تساوت القيمة في يده ويد الغاصب فلا بحث ، وإن تفاوتت فإن كانت قيمتها في يد الـمُستعير يوم التلف أكثر ، فإن رجع المالك بها على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير بها على الـمُعير قولاً واحداً ؛ لأنّ العارية مضمونة على الـمُستعير.

وإن كانت قيمتها في يد الـمُعير أكثر ، لم يطالب المالكُ الـمُستعير بالزيادة ؛ لأنّها تلفت في يد الـمُعير ولم يحصل في يده ، وإنّما يطالب بالزيادة الـمُعير ؛ لأنّها تلفت في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، وانظر : المغني ٥ : ٤١٤ - ٤١٥ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٢٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ث » : « من ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « من أنّ ». وكلاهما ساقط في « خ ، ر ». والمثبت من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٤

وإذا طالَب المالك بغرامة المنافع ، فإن طالَب الـمُستعير غُرْمها ، فالمنفعة التي تلفت تحت يده قرار ضمانها على الـمُعير ؛ لأنّ يد الـمُستعير الجاهل في المنافع ليست يدَ ضمانٍ ، والتي استوفاها بنفسه الأقوى : إنّ الضمان يستقرّ عليه ؛ لأنّه مباشر للإتلاف ، وهو أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّ الضمان على الـمُعير ؛ لأنّه غرّه(١) .

والـمُستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم الـمُستعير من الغاصب إن قلنا بأنّ الـمُستعير من المستأجر ضامن ، وإلّا فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ، ويرجع المستأجر على الغاصب.

مسألة ١٢٢ : لو أنفذ وكيله إلى موضعٍ وسلّم إليه دابّةً ليركبها إليه في شغله‌ فتلفت الدابّة في يد الوكيل من غير تعدٍّ ، لم يكن عليه ضمان ، وهو ظاهرٌ عندنا ؛ فإنّا لا نوجب الضمان على الـمُستعير.

وأمّا الشافعي القائل بالضمان فإنّه نفاه هنا أيضاً ؛ لأنّ الوكيل لم يأخذ الدابّة لغرض نفسه ، بل لنفع الموكّل ، فالـمُستعير في الحقيقة المالك(٢) .

وكذا لو سلّم الدابّة إلى الرائض ليروضها(٣) فتلفت ، لم يضمن ؛ لأنّه في مصلحة المالك.

وكذا لو كان له عليها متاع فأركب إنساناً غيره فوق ذلك المتاع ليحفظه ويحترز عليه ، فتلفت الدابّة ، لم يكن على الراكب ضمان ؛ لأنّه في شغل المالك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) راض الدابّة يروضها : وطّأها وذلّلها أو علّمها السير. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

٢٨٥

ولو وجد ماشياً في الطريق قد تعب من المشي فأركبه دابّته ، فعندنا لا ضمان إذا لم يتعدّ ؛ بناءً على أصلنا من عدم تضمين العارية.

وأمّا عند الشافعي فالمشهور أنّ الراكب يضمن ، سواء التمس الراكب الركوبَ للاستراحة ، أو ابتدأ المالك بإركابه ؛ لأنّها عارية محضة ، والعارية على أصله مضمونة(١) .

وقال الجويني من الشافعيّة : إنّه لا يضمن الراكب ؛ لأنّ القصد من هذه العارية التصدّق والقربة ، والصدقات في الأعيان تفارق الهبات ، ألا ترى أنّه يرجع في الهبة ولا يرجع في الصدقة ، فلذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواريّ في الضمان(٢) .

ولو أركبه مع نفسه ، فلا ضمان عندنا على الرديف. وعلى قول الشافعي إنّه يضمن النصف(٣) .

وقال الجويني : لا يلزمه شي‌ء ؛ تشبيهاً له بالضيف(٤) .

وعلى الأوّل لو وضع متاعه على دابّة غيره وأمره أن يسيّر بالدابّة ففعل ، كان صاحب المتاع مستعيراً من الدابّة بقسط متاعه ممّا عليها ، حتى لو كان عليها مثل متاعه وتلفت ضمن نصف الدابّة(٥) .

ولو لم يقل صاحب المتاع : سيِّرها ، ولكن سيَّرها المالك ، لم يكن صاحب المتاع مستعيراً ، وضمن صاحب الدابّة المتاعَ ؛ لأنّه كان من حقّه أن‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

٢٨٦

يطرح المتاع.

ولو كان لأحد الرفيقين في السفر متاع وللآخَر دابّة ، فقال صاحب المتاع للآخَر : احمل متاعي على دابّتك ، ففَعَل ، فصاحب المتاع مستعير لها.

ولو قال صاحب الدابّة : أعطني متاعك لأضعه على الدابّة ، فهو مستودع للمتاع.

ولا تدخل الدابّة في ضمان صاحب المتاع في الصورتين عندنا ، وفي الثانية عند الشافعي(١) .

مسألة ١٢٣ : تجوز استعارة الدابّة للركوب والحمل‌ ، سواء أطلق أو قيّد بالزمان أو المنفعة ، وأن يستعيرها ليركبها ؛ لأنّه تجوز إجارتها لذلك ، والإعارة أوسع ؛ لجوازها فيما لا تجوز إجارته ، فإن استعارها إلى موضعٍ فتجاوزه فقد تعدّى في العارية من وقت المجاوزة ، وكان ضامناً من حين العدوان ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) ، فإذا استعارها من بغداد إلى الحلّة فتجاوزها إلى الكوفة ، فعليه أُجرة ما بين الحلّة والكوفة ذهاباً وعوداً.

وهل تلزمه الأُجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان - وهو الحلّة - إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه ، وهو بغداد؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : اللزوم ؛ لأنّ ذلك الإذن قد انقطع بالمجاوزة(٣) . وهو ممنوع.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٧

إذا عرفت هذا ، فلو شرط الضمان في العارية أو أطلق وقلنا بضمان العواري ، فإنّ الدابّة تكون مضمونةً عليه إلى الحلّة ضمانَ العارية ، ولا أُجرة عليه ؛ لأنّه مأذون له في ركوبها ، فإذا جاوز ضمنها ضمانَ الغصب ، ووجب عليه أُجرة منافعها ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) .

وأبو حنيفة يقول : إنّها أمانة إلى الحلّة ، فإذا جاوزها كانت مغصوبةً ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل ضمان الغصب ، بخلاف قوله في الوديعة إذا أخرجها من حرزها ثمّ ردّها إليه(٢) .

إذا ثبت هذا ، فعلى قول الشافعي بانقطاع الإذن من حين التعدّي ليس له الركوب من الحلّة إلى بغداد ، بل يسلّم الدابّة إلى حاكم الحلّة الذي استعار إليه(٣) .

مسألة ١٢٤ : إذا دفع إليه ثوباً وقال : إن شئت أن تلبسه فالبسه‌ ، فهو قبل اللُّبْس وديعة ، وبعده عارية ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر مخرَّج من السوم ؛ لأنّه مقبوض على توقّع الانتفاع ، فكما أنّ المأخوذ على سبيل السوم مقبوض على توقّع عقد ضمانٍ ، كذا هنا.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٤ ، وراجع أيضاً الهامش (٢) من ص ١٦٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٨

قال هذا القائل : لو قيل : لا ضمان في السوم أيضاً تخريجاً ممّا نحن فيه ، لم يبعد(١) .

ولو استعار صندوقاً فوجد فيه شيئاً ، فهو أمانة عنده ، كما لو طيّر الريح الثوبَ في داره ، فلا ضمان فيه وإن كانت العارية مضمونةً ، إلّا مع التفريط أو التعدّي.

مسألة ١٢٥ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يستعير الصيد‌ ، فإن استعاره من الـمُحلّ لم يجز ، فإن قبضه ضمنه لله تعالى بالجزاء ، ولصاحبه ضمان العارية.

فإن استعار مُحلٌّ من مُحْرمٍ صيداً كان يملكه قبل أن يُحرم ، كان ذلك مبنيّاً على القولين في زوال ملكه عنه بالإحرام.

فإن قلنا : لـمّا أحرم زال ملكه عنه بالإحرام ، فقد وجب عليه إرساله ، فإذا دفعه إلى الـمُحلّ لم يجز له ، إلّا أنّ الـمُحلّ لا يضمنه له ؛ لأنّه ليس يملكه ، ولا يضمنه لله تعالى ؛ لأنّه مأذون له في إتلاف الصيد ، إلّا أنّه إذا تلف ضمنه الـمُحْرم ؛ لأنّه تلف بسببٍ من جهته ، وهو تسليمه إلى الـمُحلّ.

وإن قلنا ببقاء ملك الـمُحْرم فيه ، جاز له إعارته ، ويكون مضموناً على الـمُحلّ ضمانَ العارية لصاحبه.

ولو كان الـمُحْرم في الحرم والصيد فيه ، لم يجز له إعارته ، ولا للمُحلّ استعارته.

مسألة ١٢٦ : إذا ردّ الـمُستعير العاريةَ إلى مالكها أو إلى وكيله ، برئ من ضمانها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٩

وإن ردّها إلى ملك مالكها بأن حمل الدابّةَ إلى اصطبل المالك وأرسلها فيه ، أو ردّ آلةَ الدار إليها ، لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) ، بل عندنا إن لم تكن العارية مضمونةً فإنّها تصير بهذا الردّ مضمونةً ؛ لأنّه لم يدفعها إلى مالكها ، بل فرّط بوضعها في موضعٍ لم يأذن له المالك بالردّ إليه ، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها فتلفت قبل أن يتسلّمها المالك ؛ لأنّه لم يردّها إلى صاحبها ولا إلى مَنْ ينوب عنه ، فلم يحصل به الردّ ، كما لو ردّها إلى أجنبيٍّ.

وقال أبو حنيفة : إذا ردّها إلى ملك المالك ، صارت كأنّها مقبوضة ؛ لأنّ ردّ العواري في العادة يكون إلى أملاك أصحابها ، فيكون ذلك مأذوناً فيه من طريق العادة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه يبطل بالسارق إذا ردّ المسروق إلى الحرز ، ولا نعرف العادة التي ذكرها ، فبطل ما قاله.

المبحث الثالث : في التنازع.

مسألة ١٢٧ : إذا اختلف المالك والـمُستعير ، فقال المالك : آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا‌ ، وقال الـمُستعير : بل أعرتنيها ، والعين باقية بعد انقضاء المدّة بأسرها أو بعضها ممّا له أُجرة في العادة ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣ / ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٩١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٣.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٢ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٩ / ٦٧٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

٢٩٠

القول قول الـمُستعير - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّهما اتّفقا على أنّ تلف المنافع كان على ملك الـمُستعير ؛ لأنّ المالك يزعم أنّه ملَّكها بالإجارة ، والـمُستعير يزعم أنّه مَلَكها بالاستيفاء ؛ لأنّ الـمُستعير يملك بذلك ، وقد ادّعي عليه عوض ما تلف على ملكه ، والأصل عدم وجوبه ، فكان القولُ قولَه ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، والمالك يدّعي شغلها ، فيحتاج إلى البيّنة(٢) .

وقال مالك : القول قول المالك مع اليمين ؛ لأنّ المنافع جارية مجرى الأعيان ، وقد ثبت أنّه لو كان أتلف عليه عيناً كما لو أكل طعامه وقال : كنتَ أبحتَه لي ، وأنكر المالك ، فإنّ القول قول المالك ، أو كانت في يده وادّعى أنّه وهبها منه وأنكر صاحبها ذلك وادّعى أنّه باعها منه : إنّ القول قول صاحبها ، كذا هنا ، ولأنّ المنافع تابعة للأعيان في الملك ، فهي بالأصالة لمالك العين ، فادّعاء الـمُستعير التفرّدَ بالملكيّة لها على خلاف الأصل ، فيحتاج إلى البيّنة(٣) .

وأمّا الشافعي فقد قال في كتاب العارية : إنّه إذا اختلف مالك الدابّة وراكبها ، فقال صاحبها : آجرتكها بكذا ، وقال الراكب : أعرتنيها ولا أُجرة لك علَيَّ ، فالقول قول الراكب(٤) .

____________________

(١) روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، البيان ٦ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٨٨ ، المسألة ٣ من كتاب العارية.

(٣) النوادر والزيادات ١٠ : ٤٦٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١.

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ١١٦ و ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، =

٢٩١

وقال في كتاب المزارعة : ولو اختلف الزارع وصاحب الأرض ، وادّعى صاحب الأرض أنّه آجره إيّاها ، وادّعى الزارع أنّه أعاره إيّاها : إنّ القولَ قولُ صاحب الأرض(١) .

واختلف أصحابه في ذلك :

فقال أبو إسحاق وجماعة : إنّه لا فرق بين المسألتين ، وإنّ فيها قولين ، ونقلوا جوابه من كلّ واحدةٍ منهما إلى أُخرى(٢) .

ومنهم مَنْ قال : إنّ المسألتين مختلفتان ، وفرّق بينهما بأنّ العادة جارية بأنّ الدوابّ تُعار ، فكان الظاهر مع الراكب ، ولم تَجْر العادة بإعارة الأرضين ، فكان الظاهر مع صاحبها(٣) .

قال الأوّلون : هذا ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ مثل هذه العادة لا اعتبار بها في التداعي ، ولهذا لو اختلف العطّار والدبّاغ في آلة العطر لا يُرجّح قول العطّار‌

____________________

= الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٩.

(١) مختصر المزني : ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣٢٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ - ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ و ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠.

٢٩٢

وإن كانت العادة جاريةً بأنّ آلة العطّار لا تكون للدبّاغ.

وفرّقوا بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسّال أو خاطه خيّاط ثمّ قال : فعلتُه بالأُجرة ، وقال المالك : بل فعلتَ ذلك مجّاناً ، فإنّ القول قول المالك مع يمينه قولاً واحداً ؛ لأنّ الغسّال فوّت منفعة نفسه ثمّ ادّعى لها عوضاً على الغير ، وهناك المتصرّف فوّت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه ، فلم يُقبل(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : القول قول الـمُستعير ، فحلف على نفي الإجارة ، كفاه ، وسقط عنه المطالبة ، وردّ العين ، وإن نكل حلف المالك ، واستحقّ بيمينه المسمّى ؛ لأنّ اليمين مع النكول إمّا أن تكون بمنزلة البيّنة أو الإقرار ، وأيّهما كان يثبت به المسمّى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يستحقّ أُجرة المثل ؛ لأنّ الناكل ينفي أصل الإجارة ، فتقع يمين المدّعي على إثباته(٣) .

وليس هذا الوجه عندي بعيداً من الصواب.

وإن قلنا : القول قول المالك مع يمينه ، فإنّه يحلف على نفي الإعارة التي تدّعى عليه ، ولا يتعرّض لإثبات الإجارة ؛ لأنّه مدّعٍ فيها ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

فحينئذٍ إذا حلف على نفي الإعارة ، فالأقوى عندي : إنّ الـمُستعير يحلف على نفي الإجارة ، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من أُجرة‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢.

(٣) البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٣

المثل والمسمّى ؛ لأنّه إن كانت أُجرة المثل أقلَّ فهو لم يُقم حجّةً على الزيادة ، وإن كان المسمّى أقلَّ فقد أقرّ بأنّه لا يستحقّ الزيادة.

وقال بعض الشافعيّة : إذا حلف المالك على نفي الإعارة ، استحقّ أقلَّ الأمرين من أُجرة المثل والمسمّى إن لم يحلف الـمُستعير.

قال : وإن قلنا : إنّ المالك يحلف على إثبات الإجارة ونفي الإعارة ويجمع بينهما في يمينه ، ففيما يستحقّه وجهان :

أحدهما : المسمّى إتماماً لتصديقه.

وأظهرهما - وهو مقتضى منصوص الشافعي في الأُم(١) - أُجرة المثل ؛ لأنّهما لو اتّفقا على الإجارة واختلفا في الأُجرة كان الواجب أُجرة المثل ، فإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولى(٢) .

والجويني حكى الوجه الثاني على غير ما ذكر ، بل حكى بدله : إنّه يستحقّ أقلَّ الأمرين ؛ لما(٣) تقدّم.

قال : والتعرّض للإجارة على هذا ليس لإثبات المال الذي يدّعيه ، لكن لينتظم كلامه من حيث إنّه اعترف بأصل الإذن ، فحصل فيما يستحقّه ثلاثة أوجُه(٤) .

ولو نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه ، لم تُردّ اليمين على الراكب والزارع ؛ لأنّهما لا يدّعيان حقّاً على المالك حتى يُثبتاه باليمين ، وإنّما يدّعيان الإعارة ، وليست حقّاً لازماً على الـمُعير.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٣) الظاهر : « كما » بدل « لما ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

٢٩٤

وقال بعض الشافعيّة : إنّها تُردّ ؛ ليتخلّص من الغرم(١) .

مسألة ١٢٨ : لو وقع هذا الاختلاف عقيب العقد قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أجر‌ ، فالقول هنا قول الـمُستعير مع اليمين ، فإذا حلف على نفي الإجارة سقط عنه دعوى الأُجرة ، واستردّ المالك العين ، وإن نكل حلف المالك اليمينَ المردودة ، واستحقّ الأُجرة.

وهذا قول الشافعي أيضاً ، ولا قول له سواه ؛ لأنّ الراكب هنا لا يدّعي لنفسه حقّاً ولا أتلف المنافع على المالك ، والمدّعي في الحقيقة هنا هو المالك ، وإذا تمحّضت الدعوى له لم يتعدّد قوله كما يتعدّد في الصورة الأُولى ؛ لأنّ المنافع هناك تلفت تحت يد الراكب ، وكان القول بسقوطها مجّاناً بعيداً ، فلهذا كان له في الصورة الأُولى قولان(٢) .

مسألة ١٢٩ : لو حصل هذا الاختلاف بعد تلف العين‌ ، فإن تلفت عقيب الأخذ قبل أن يثبت لمثلها أُجرة وشرط في العارية الضمان أو قلنا به على مذهب القائلين بضمان العارية ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّ صاحبها يدّعي الإجارة وقد انفسخت بتلفها ، والـمُستعير يُقرّ بالقيمة ويعترف باستحقاقها في ذمّته ، والمالك ينكرها ، فليس للمالك حينئذٍ المطالبة بها.

ولو لم نقل بالضمان في العارية ولا شرطه المالك ، فلا بحث هنا ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعترف ببراءة ذمّة الـمُستعير.

وإن تلفت بعد مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة مع شرط الضمان أو القول به ، فالـمُستعير يُقرّ بالقيمة ، والمالك ينكرها ويدّعي الأُجرة ، فيبنى على الخلاف بين العامّة في أنّ اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٥

إن قلنا : نعم ، سقطت القيمة بردّه ، والقول في الأُجرة قول المالك أو الـمُستعير على الخلاف الذي تقدّم في الحالة الأُولى.

وإن قلنا : إنّ اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ ، فإن كانت الأُجرة مثلَ القيمة أو أقلَّ أخذها بغير يمينٍ ، وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة ، وفي المصدّق في الزيادة الخلافُ المتقدّم(١) .

مسألة ١٣٠ : لو انعكس هذا الاختلاف ، فادّعى المالكُ الإعارةَ ، والمتصرّفُ الإجارةَ‌ ، فإن كانت العين باقيةً وكان الاختلاف عقيب التسليم قبل مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة ، كان القولُ قولَ المالك ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي عليه عقداً واستحقاق منفعةٍ ، والمالك ينكره ، وإذا لم تكن بيّنة كان القولُ قولَ المنكر مع اليمين ، ثمّ تُستردّ العين.

وإن نكل حلف المتصرّف ، واستحقّ المنفعة المدّة والإمساك طولها.

وإن كان بعد مضيّ مدّة الإجارة ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّهما اتّفقا على وجوب ردّها ، والمتصرّف يُقرّ للمالك بالأُجرة ، والمالك ينكرها.

وإن كان بعد مضيّ بعض المدّة ، فالقول قول المالك ؛ لأنّ الأصل عدم استحقاق الغير منفعة مال الغير ، فإذا حلف على نفي الإجارة أخذ العين ، وليس له مطالبته بالأُجرة عمّا مضى من المدّة ؛ لأنّه ينكرها والمتصرّف معترف له بها.

هذا إذا كان الاختلاف والعين باقية ، وأمّا إن اختلفا والعين تالفة ، فإن كان الاختلاف عقيب القبض قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك هنا يدّعي قيمتها على المتصرّف مع شرط الضمان عندنا ، ومطلقاً عند‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٦

الشافعي(١) ، والمتصرّف ينكرها ، فيُقدَّم هنا قول المالك مع اليمين ؛ لأنّهما اختلفا في صفة القبض ، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمانُ ؛ لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة ، فالمتصرّف يُقرّ بالأُجرة ، والمالك يدّعي عليه القيمة في المضمونة ، فإن كانت القيمة بقدر الأُجرة دفع إليه من غير(٣) يمينٍ ؛ لاتّفاقهما على استحقاق ذلك المقدار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا تثبت الأُجرة ؛ لأنّه لا يدّعيها ، ويكون القولُ قولَه في وجوب القيمة(٥) .

وإن كانت أقلَّ ، كان في قدرها الوجهان.

وإن كانت أكثر ، كان قدر الأُجرة منهما على الوجهين ، والباقي يستحقّه بيمينه.

وإن كان التلف في أثناء المدّة ، فقد أقرّ له ببعض الأُجرة ، وهو يدّعي القيمة ، والحكم في ذلك على ما ذكر.

مسألة ١٣١ : لو ادّعى المالكُ الغصبَ ، والمتصرّفُ الإعارةَ والعين باقية قائمة ، ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فلا معنى لهذا الاختلاف‌ ؛ إذ لم تفت العين ولا المنفعة ، ويردّ المتصرّفُ العينَ إلى المالك.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : إنّ القولَ قولُ المالك مع‌

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢)

(٣) في « ج » : « بغير » بدل « من غير ».

(٤ و ٥) البيان ٦ : ٤٧٦.

٢٩٧

يمينه ؛ لما تقدّم(١) من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان في التملّك ، فالقول قول مَنْ يدّعيها مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة وبراءة ذمّته من التصرّف في مال الغير ، فعليه البيّنة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : القول قول المتصرّف - وهو أحد أقوال الشافعي نقله المزني عنه(٢) - لأنّ المالك يدّعي عليه عوضاً ، والأصل براءة ذمّته منه ، ولأنّ الظاهر من اليد أنّها بحقٍّ ، فكان القولُ قولَ صاحبها(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لما بيّنّا من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان ، ولأصالة عدم الإذن ، وكما أنّ الظاهر أنّ اليد بحقٍّ ، كذا الظاهر التبعيّة.

ولأصحاب الشافعي هنا ثلاثة طُرق :

أظهرها : إنّ الحكم هنا على ما تقدّم في المسألة السالفة ، فيُفرّق بين الدابّة والأرض على طريقٍ ، ويُجعلان على قولين في طريقٍ ؛ لأنّ المالك ادّعى أُجرة المثل هنا ، كما ادّعى المسمّى في الإجارة هناك ، والأصل براءة الذمّة.

والثاني : القطع بأنّ القول قول المالك ، بخلاف تلك المسألة ؛ لأنّهما متّفقان على الإذن هناك ، وهنا المالك منكر له ، والأصل عدمه. ومَنْ قال بهذا خطّأ المزني في النقل.

قال أبو حامد : لكنّه ضعيف ؛ لأنّ الشافعي نصّ في الأُمّ على ما رواه‌

____________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، المغني ٥ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٨٩ ، المسألة ٥ من كتاب العارية.

٢٩٨

المزني(١) .

والثالث : القطع بأنّ القول قول المتصرّف ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يتصرّف إلّا على وجهٍ جائز(٢) .

هذا إذا تنازعا والعين باقية.

مسألة ١٣٢ : لو وقع هذا الاختلاف وقد تلفت العين‌ ، فإن هلكت بعد انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة بجهة الغصب ، والمتصرّف يُنكر الأُجرة ويُقرّ بالقيمة بجهة العارية إن كانت مضمونةً ، فالحكم في الأُجرة على ما تقدّم عند بقاء العين.

وأمّا القيمة فإنّه يُحكم فيها بقول المتصرّف ؛ لأصالة براءة ذمّته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا على الغاصب أعلى القِيَم.

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا : إنّ اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، فلا يأخذ المالك إلّا باليمين. وإن قلنا : لا يمنع فإن قلنا : العارية تُضمن ضمانَ الغصب ، أو لم نقل به لكن كانت قيمته يوم التلف أكثر ، أخذها باليمين ، وإن كانت قيمته يوم التلف أقلَّ ، أخذها بغير يمينٍ ، وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين(٣) .

وإن هلكت عقيب القبض قبل مضيّ وقتٍ يثبت لمثله أُجرة ، لزمه القيمة.

ثمّ قياس القول الأوّل أن يقال : إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، وراجع الأُم ٣ : ٢٤٥ ، ومختصر المزني : ١١٦.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٩

الأخذ ، حلف ، وإلّا أخذ بغير يمينٍ.

وقضيّة ما قاله الجويني في مسألة التنازع بين الإجارة والعارية : إنّه لا يُخرّج على ذلك الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضيّ مدّةٍ يثبت لمثلها أُجرة.

قال : لأنّ العين متّحدة ، ولا وَقْع للاختلاف في الجهة مع اتّحاد العين(١) .

والظاهر : الأوّل عندهم(٢) .

وإن كانت العارية غيرَ مضمونةٍ ، فإنّ القولَ قولُ المالك في عدم الإعارة ، وقولُ المتصرّف في عدم الغصب لئلّا يضمن ضمانَ الغصب ، ثمّ يثبت على المتصرّف بعد حلف المالك على نفي الإعارة قيمتُها وقت التلف.

مسألة ١٣٣ : لو انعكس الفرض ، فقال المالك : أعرتُكها ، وقال المتصرّف : بل غصبتُها ، فلا فائدة في هذا الخلاف‌ ؛ لأنّ المتصرّف يُقرّ بالضمان ، والمالك يُنكره إن كانت العارية غير مضمونةٍ ، وإن كانت مضمونةً فإنّه يُنكر ضمان الغصب.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالمالك ينفي استحقاق العوض عنها ، والمتصرّف يعترف له بها.

ولو قال المالك : غصبتَها ، وقال المتصرّف : بل آجرتني ، فإن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : التحالف.

أمّا حلف المتصرّف على نفي الغصب : فلنفي زيادة الضمان إن‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336