أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119609 / تحميل: 9568
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

اتهمل ثارها البيض المواضي

وتمنع فيئها الاسد الغضاب

اقول ولهذه القصيدة بقية. وقال يرثى الفقيه السيد محمد العطار الحسني البغداديقدس‌سره المتوفى سنة ١١٧١ واولها

خطب تظل به النفوس تصعد

والناس من حرق تقوم وتقعد

وقالرحمه‌الله في الوعظ والمناجاة

ايا ربي ومعتمدي

ويا سندي ويا ذخري

عساك اذ تناهت بي

اموري وانقضى عمري

واسلمني احبائي

ومن يعنيهم امري

الى قفراء موحشة

تهيج بلابل الصدري

وحيدا ثاويا في الترب

للخدين والنحر

واوحش بين اصحابي

مقامي وانمحى ذكري

وقمت اليك من جدثي

على وجل بلا ستر

ذليلا حاملا ثقلي

واوزاري على ظهري

افكر ما عسى تجري

علي بها ولا ادري

ترى متجاوزاً عما

جنيت وراحما ضري

وتلطف بي لقىً قد

عيل من ألم الجوى صبري

ومغسولاً على حدباء

بلكافور والسيدر

ومحمولاً على الاعواد

يسعى بي الى القبر

وتؤنس وحشتي اذ لا

انيس سواك في قبري

وتنجيني من الأهوال

يوم الحشر والنشر

وتحميني من النيران

ذات الوقد والسجر

وتلحقني من أهوى

بأل المصطفى الغر

بساداتي ومن أعددتهم

للبؤس والضر

ملوك الحشر والنشر

وأهل النهي والأمر

١٨١

وتسقيني بكأسهم

زلالا مثلجا صدري

وتأمر بي إلى الجنات

بالنعماء والبشر

إلى حور وولدان

وانهار بها تجري

ولست ارى يقوم بحمل

ما استحقبت من وزري

سوى لقياك في صف

نعت ذويه في الذكر

فيسرني لذلك يا

رجاي ومالكا امري

وخذ في ثأر من اضحى

قتيل عصابة الكفر

حسين سبط احمد وابن

حيدرة الرضا الطهر

بجيش القائم المهدى

ذي الإقبال والنصر

وبحر العلم والجدوى

وفخر المجد والفخر

وظل الله منبسطاً

بلا قبض مدى الدهر

على اصناف خلق الله

في بحر وفي بر

وعين الله ترعى الناس

في سر وفي جهر

وترقبهم بما يأتون من

خير ومن شر

وأيدني ومن علي

في السراء بالشكر

وفي الضراء بالايمان

والتسليم والصبر

ولا تقطع رجائي منك

في عسر وفي يسر

وجملني بسترك إن

أخذت أميط من ستري

وجللني بعافية

تصاحبني مدى الدهر

وله في مدح جده أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

هل الفضل إلا ما حوته مناقبه

أو الفخر إلا ما رقته مراتبه

أو الجود إلا ما أفادت يمينه

أو المجد إلا ما استفادت مكاسبه

شهاب هدى جلى دجى الغي نوره

وقد طبقت كل الفجاج غياهبه

وبحر ندى عذب الموارد زاخر

سوى انه لا يرهب الموت راكبه

١٨٢

وفرع طويل من لؤي بن غالب

وسيف صقيل لا تفل مضاربه

وربع خصيب بالمسرة آنس

وطود منيع قط ما ذل جانبه

وأنى له فيها مثيل وانما

ضربنا مثالا قد تمحل ضاربه

علي أميرالمؤمنين وسيد

الوصيين بل نفس النبي ونائبه

ومنها:

وسل أحداً لما توازرت العدا

وضاقت على الجيش اللهام مهاربه

ترى أيهم واسى النبي بنفسه

وقد أسلمته للاعادي كتائبه

ويوم حنين إذ أباد جموعهم

وبدرا وما لاقى هناك محاربه

وخيبر لما أن تزلزل حصنها

ومرحب إذ وافته منه معاطبه

وقد نكصا خوفاً براية أحمد

دعاها فان الموت وعر مساربه

وتلك التي شدت عليه يحفها

الطغام ويحدوها من الغي ناعبه

وصفين إذ مدت به الحرب باعها

طويلا وما عانى ابن هندو صاحبه

وما لقيت أجنادهم من رماحه

وما فعلت ليل الهرير قواضبه

فمن ذا الذي لم يأل في النصح جهده

لأحمد فيها أو تقوم نوادبه

١٨٣

الشيخ نصر الله يحيى

المتوفى ١٢٣٠

لله أية مقلة جفت الكرى

واستبدلت عن نومها بسهادها

هيهات لا كرب كوقعة كربلا

كلا ولا جهد كيوم جهادها

إذ طاف يوم الطف آل أمية

بالسبط في الأرجاس من أوغادها

دفعته عن دفع الفرات بمهجة

حرى ووحش البر من ورادها

بكت السماء دماً وأملاك السما

تبكي له من فوق سبع شدادها

وأغبرت الآفاق من حزن له

والأرض قد لبست ثياب حدادها

رزء يقل من العيون له البكا

بدمائها وبياضها وسوادها

من مبلغ المختار أن سليله

أمسى لقى بين الربى ووهادها

ومنابر الهادي تظل أمية

تنزو كلابهم على أعوادها

ابني النبي مصابكم لا تنقضي

حسراته أبداً مدى آبادها

وعليكم يا سادتي قد عولت

نفسي إذا حضرت إلى ميعادها

ألقن ( نصر الله ) يرجو نصركم

في معشره والفوز في اشهادها

لا اختشي نار الجحيم وحبكم

لي عدة أعددت في اخمادها

صلى الإله عليكم يا خير من

ترجوهم نفسي لنيل مرادها

١٨٤

الشيخ نصر الله بن ابراهيم بن يحيى العامل الطيبي:

ولد في جمادى الثانية سنة ١١٨٣ وتوفي في قرية عيثرون = قضاء بنت جبيل في حدود سنة ١٢٣٠ ذكر السيد الأمين في الأعيان جملة من أشعاره. كان عالماً فاضلاً أديبا شاعراً جيد الخط. له شعر في الامام الحسين (ع) ومنه القصيدة التي أولها:

ذرني وشاني فلا أصغي إلى شاني

أذري الدموع على الخدين من شاني

وقال متوسلا بأهل البيتعليهم‌السلام :

إلهي بحق المصطفى ووصيه

علي وبالزهراء والحسنين

وبالتسعة الغر الذين ولاهم

وطاعتهم فرض على الثقلين

أنلني بهم قبل المماة وعنده

ومن بعده يا رب قرة عين

١٨٥

السيد ابراهيم العطار

المتوفى سنة ١٢٣٠

لم أبك ذكر معالم وديار

قد أصبحت ممحوة الآثار

واستوحشت بعد الأنيس فما ترى

فيهن غير الوحش من ديار

كلا ولا وصل العذارى شاقني

فخلعت في حبي لهن عذاري

كلا ولا برق تألق من ربى

نجد فهيج مذ سرى تذكاري

لكن بكيت وحق أن أبكي دماً

لمصاب آل المصطفى الأطهار

وإذا تمثلت الحسين بكربلا

أصبحت ذا قلق ودمع جار

لم أنسه فرداً يجول بحومة الهيجاء

كالأسد الهزبر الضاري

لاغرو إن أضحى يكر على العدى

فهو ابن حيدرة الفتى الكرار

حتى أحيط به وغودر مفرداً

خلواًَ من الأعوان والأنصار

يا للحماة لمصعب تقتاده

أيدي الردى بأزمة الأقدار

يا للملا لدم يطل محللا

بمحرم لمحمد المختار

وبنوه صرعى كالأضاحي حوله

ما بين بدر دجى وشمس نهار

١٨٦

أين الخضارمة القماقم من بني

مضر وأين ليوث آل نزار

كم من مخدرة لآل محمد

قد أبرزت حسرى من الأستار

نحر له الهادى النبي مقبل

أضحت تقبله شفاه شفار

صدر يرضض بالخيول وإنه

كنز العلوم وعيبة الأسرار

يا جد هل خبرت أن حماتنا

قد أصبحوا خبراً من الأخبار

يا مدرك الأوتار أدركنا فقد

عظم البلا يا مدرك الأوتار

فاليك ياغوث العباد المشتكى

مما ألم بنا من الأشرار

والمؤمنون على شفا جرف الردى

فبدار يا ابن الأكرمين بدار

يا سيداً بكت الوحوش عليه في

الخلوات والأطيار في الأشجار

يا منية الكرار بل يا مهجة المختار

بل يا صفوة الجبار

أتزل بي قدم ومثلك آخذ

بيدي وأنت غداً مقيل عثاري

ويذوق حر النار من ينمى

إلى الكرار وهو غداً قسيم النار

أو يختشي منها ونار سمية(١)

بكم خبت في سالف الأعصار

ولقد بذلت الجهد في مدحي لكم

طمعاً بأن تمحى بكم أوزاري

صلى الإله عليكم وأحلكم

دار السلام فنعم عقبى الدار

وقال:

لهفي لتلك الرؤوس يرفعها

على رؤوس الرماح أوضعها

لهفي لتلك الجسوم عارية

وذاريات الصبى تلفعها

لهفي لتلك الصدور توطأ

بالخيل ومنها العلوم أجمعها

__________________

١ - يشير إلى عمار بن ياسر رضوان الله عليه لما جعلت كفار قريش تعذبه وأمه سمية وأباه ياسر بالنار والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمر عليهم فيقول: صبراً آل ياسر، يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على ابراهيم.

١٨٧

لهفي لتلك الأسود قد ظفرت

بها كلاب الشقا وأضبعها

لهفي لتلك الأوصال تنهبها

السمر وبيض الظبا تقطعها

لهفي لتلك البدور تأفل في الترب

وأوج الجمال مطلعها

لهفي لتلك البحور قد نضبت

وكم طما دافقاً تدفعها

لهفي لتلك الجبال تنسفها

من عاصفات الضلال زعزعها

لهفي لتلك الغصون ذاوية

ومن أصول التقى تفرعها

لهفي لتلك الديار موحشة

تبكي لفقد الأنيس أربعها

١٨٨

السيد ابراهيم العطار

المتوفى سنة ١٢٣٠

هو السيد ابراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين ابن رميئة بن رضا الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف من أمراء مكة، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن من جهة الأب ومن الأم إلى الإمام الحسين (ع). من مشاهير الشعراء العلماء.

ولد ببغداد ونشأ بها على والده الذي كان من الأعلام، فعني بتربيته وغذاه بسيرته وبقي ملازماً له حتى توفي عام ١١٧١ هـ، هاجر إلى النجف مقتفياً أثر سيرة آبائه وإخوانه فحضر على أعلام عصره وأختلف على حلقة السيد محمد مهدي بحر العلوم، واتصل بفريق مشاهير الشعراء أمال النحوي، والزيني، والفحام، والشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي، وبذلك بزغ نجمه بينهم، واحتل مكانة في صفوفهم، ورمقه الأخدان، واحترمه الأقران.

كف بصره في أواخر حياته، إذ أعرب عن ذلك في قصيدة له استنجد بها الأئمة (ع) وأظهر شكواه من مرض عينيه بقوله:

أيبريني السقام وحسن ظني

ببرئي فيكم لابل يقيني

وأخشى أن أضام وفي يقيني

وعلمي أن حبكم يقيني

١٨٩

ومنها:

على م صددتم عني وأنتم

على الإحسان قد عودتموني

لقد عجزت أطبائي ومالي

سواكم منقذ فاستنقذوني

ومنها:

أبيت وللأسى نار بقلبي

فهل من قائل يا نار كوني

متى يجلى قذى عيني وتحظى

عقيب الفحص بالفتح المبين

فدونكم بني الزهراء نظماً

يفوق قلائد الدر الثمين

أروم به جلاء العين منكم

بعين عناية الله المعين

عليكم أشرف الصلوات ما أن

شدت ورق على ورق الغصون

وما سارت مهجنة إليكم

وسار بذكر كم حادي الظعون

ذكره فريق من الأعلام منهم الشيخ النقدي في الروض النضير ص ٣٤٦ فقال: كان من ذوي الفضيلة والكمال، أديباً جيد الشعر، حي الشعور له مطارحات كثيرة مع أهل عصره، وشعره الغالب عليه الحسن والرقة.

وذكره السيد الأمين في الأعيان ج ٥ ص ٤٣٧ وساق نسبه الكامل وقال توفي عام ١٢١٥ هـ وهو غير صحيح.

والمترجم له والد السيد باقر العطار وابن السيد محمد الذي كان أحد أعلام العراق في وقته، اشتهر بين فطاحل العلماء، ومشاهير الشعراء، وكان مهيباً عند آل عثمان.

وذكره السماوي في الطليعة فقال: كان فاضلاً فقيهاً مشاركاً، وتقياً زاهداً

١٩٠

ناسكاً، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة، ومحاضرات لأدباء وقته كالسيد محمد زيني توفي عام ١٢٤٠ هـ.

توفي في شهر شعبان من عام ١٢٣٠ هـ.

خلف من الآثار الأدبية ديوان شعره الذي جمعه بعده ولده السيد حيدر الكاظمي جد الأسرة المعروفة، وفيه ما يقارب الأربعة آلاف بيت وهو اليوم موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري.

نماذج من شعره:

والسيد العطار شاعر مجيد معروف، تجول في مختلف أغراض الشعر وأصاب منها الحظ الأوفر، وشعره يوقفك على علاقاته مع العلماء والأسر، ويطلعك على كثير من الصور التي قد لا تجدها عند غيره، وإليك نماذج متنوعة من شعره، منها ما قرظ وأرخ به عام تخميس الشاعر المعروف الشيخ محمد رضا النحوي لبردة البوصيري فقال:

فرائد در ليس تحصى عجائبه

وقد بهرت منا العقول غرائبه

وآيات نظم يهتدي المهتدي بها

كما يهتدي بالنجم في الليل ساربه

ويهتز من إنشادها كل ساطع

سروراً كما يهتز للخمر شاربه

ترى كل قطر من شذا طيب نشرها

معطرة أرجاؤه وجوانبه

عرائس أفكار برزن مرقة

عليهن أثواب البها وجلابيه

شوارق مذ ذرت على الدهر أشرقت

مشارقه من نورها ومغاربه

فلو أن ياقوتاً يشاهد درها النظيم

لأضحى وهو بالتبر كاتبه

مزايا أبي تمام يقصر دونها

وتغدو مزاياه وهن مثالبه

وما السحر لو فكرت في كنه وصفها

يشاكل معنى لفظها ويقاربه

١٩١

أزاهير لفظ زدتهن نضارة

فأضحت كروض باكرته سحائبه

وألبستها برداً من الفضل فاخراً

به يمتطي هام المجرة ساحبه

وقلدتها أسنى فرائد لو بها

يقاس نفيس الدر بانت معايبه

ووفيتها - لله درك - حقها

وذلك حق قد تأكد واجبه

بذلت لها لمجهود للأجر طالباً

فأدركت منه فوق ما أنت طالبه

ومن لرسول الله كان مديحه

فآثاره محمودة وعواقبه

ليسم بما أثنى محمد الرضا

محلاً تسامى النيرات مراتبه

ويعجز عمن قد أتاه مفاخراً

به وليغالب من أتاه يغالبه

ويحمد إله العرش جل فإنها

مواهب من ذى العز جلت مواهبه

جواد رهان ليس يدرك شأوه

وصارم عزم لا تفل مضاربه

وبدرد جي لو هدى حالك الدجى

بأنواره كانت نهاراً غياهبه

تعود كسب الفضل مذ كان يافعاً

ألا هكذا فليطلب الفضل كاسبه

وجلى بمضمار السباق مبرزاً

فقصر عن إدراكه من يغالبه

وأقسم لو لا منشئآت كماله

لقامت على أهل الكمال نوادبه

فيا واحد الآحاد يا من بذكره

الجميل حدا الحادي وسارت ركائبه

ومن كرمت أخلافه وفعاله

وجلت مزاياه وجلت مناقبه

رويدك هل أبقيت في الفضل مطلباً

ينال به أقصى المطالب طالبه

أجدك هل ألقى النظام قياده

بكفك فانقادت إليك مصاحبه

فحسب ولاة الفضل أنك منهم

فخاراً وحسب الفضل أنك صاحبه

لأنت بمضمار السباق كميته

وقد أحجمت فرسانه وسلاهبه

نظمت عقوداً أنت ثاقب درها

وما كل من قد نظم الدر ثاقبه

١٩٢

وكم ظهرت في الشعر منك معاجز

بها منهج الآداب أوضح لاحبه

فإن يك بحر الفضل ساغ مشارباً

ففيك لعمر الله ساغت مشاربه

كذا فليكن نظم القريض قلائداً

كذا فليزن أفق الكمال كواكبه

ولله تخميس به نلت رتبة

كما نالها بالأصل من قبل صاحبه

تحلى به جيد الزمان فأرخوا

( فرائد در ليس تحصى عجائبه )

أقول: ديوان المترجم له مخطوط بخط صديقنا الوجيه السيد عبدالعزيز ابن السيد عباس ابن السيد ابراهيم ابن السيد حيدر ابن الناظم، ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة:

بكت عيني وقل لها بكاها

ولو مزجت بأدمعها دماها

وقال في مطلع قصيدة أخرى:

هي كربلاء فقف بأربعها معي

نبك الشهيد بأعين لم تهجع

١٩٣

الشيخ محمد علي الاعسم

المتوفى ١٢٣٣

ديار تذكرت نزالها

فرويت بالدمع أطلالها

وكانت رجاء لمن أمها

بها تبلغ الوفد آمالها

وكم منزل قد سمى بالنزيل

ولو طاولته السما طالها

بنفسي كراماً سخت بالنفوس

بيوم سمت فيه أمثالها

وصالوا كصولة أسد العرين

رأت في يد القوم أشبالها

ترى أن في الموت طول الحياة

فكادت تسابق آجالها

إلى أن أبيدوا بسيف العدى

ونال السعادة من نالها

ولم يبق للسبط من ناصر

يلاقي من الحرب أهوالها

بنفسي فريداً أحاطت به

عداه فجاهد أبطالها

ويرعى الوغى وخيام النسا

فعين لهن وأخرى لها

إلى أن هوى فوق وجه الثرى

وزلزلت الأرض زلزالها

وشيلت رؤوسهم في الرماح

فشلت يدا كل من شالها

١٩٤

وما أنس لا أنس زين العباد

عليلا يكابد أغلالها

وما للنساء ولي سواه

يليها ويكفل أطفالها

ونادى منادي اللئام الرحيل

يريدون للشام إرسالها

بكين وأعولن كل العويل

فلم يرحم القوم إعوالها

قد استأصلوا عترة المصطفى

ولم يخلق الكون إلا لها

وكم آية أنزلت في الولاء

لهم شاهد القوم إنزالها

ولو أهمل الأمة المصطفى

لكان قد اختار إضلالها

إليكم بني أحمد غادة

أتت من ولي لكم قالها

رجا في القيامة أن تؤمنوه

إذا خافت النفس أهوالها

وقال:

ذكر الطفوف ويوم عاشوراء

منعا جفوني لذة الإغفاء

لم أنسه لما سرى من يثرب

بعصابة من رهطه النجباء

حتى أتوا أرض الطفوف بنينوى

أرض الكروب أرض كل بلاء

حطوا الرحال فذا محط خيامنا

وهنا تكون مصارع الشهداء

وبهذه يغدو جوادي صاهلا

مرخي العنان يجول في البيداء

وبهذه أغدو لطفلي حاملاً

في الكف أطلب جرعة من ماء

أمجدل الأبطال في يوم الوغى

ومنكس الرايات في الهيجاء

هذا حبيبك بالطفوف مجدل

عار تكفنه يد النكباء

١٩٥

الشيخ محمد علي الاعسم

الشيخ محمد علي الأعسم المتولد في النجف عام ١١٥٤ هـ تقريباً وهو ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد الزبيدي النجفي.

توفي سنة ١٢٣٣ في النجف الأشرف ودفن في المقبرة التي تنسب إليهم في الصحن الشريف المرتضوي.

وآل الأعسم أسره نجفية كبيرة عريقة في العلم والفضل والأدب، أصلها من الحجاز من نواحي المدينة المنورة وجاء جدهم الأعلى إلى النجف الأشرف وتوطنها، وقيل له الأعسم لكونه من العسمان فخذ من حرب إحدى قبائل الحجاز المعروفة.

كان صاحب الترجمة عالماً فاضلاً فقيهاً ناسكاً أديباً شاعراً له ديوان شعر وله مراث كثيرة في الحسينعليه‌السلام ومدائح في أهل البيت وبعضه في أستاذه بحر العلوم. له منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث وثالثة في العدد ورابعة في تقدير دية القتل وخامسة في آداب الطعام والشراب المستفادة من الأخبار، وقد شرح المنظومات الثلاث الأولى ولده الشيخ عبدالحسين وله ينظم حديث: إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا بئس العلماء وبئس الملوك.

ملك يعاتب عالماً في تركه

لزيارة فأجابت العرفاء

يخشى مقال الناس حين يرونه

بئس الملوك وبئست العلماء

١٩٦

جاء في معارف الرجال أنه تتلمذ على الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي وكان من أخلص أصحابه ومدح الشيخ أستاذه بعدة قصائد ومدح أنجاله الأعلام أيضاً، حج مكة المكرمة سنة ١١٩٩ هـ مع أستاذه كاشف الغطاء بركابه مع العلماء الأعلام، وحضر الفقه على السيد مهدي بحر العلوم النجفي كما أجازه أن يروي. وقد عرضت على المترجم له منظومة بحر العلوم المسماة بـ ( الدرة ) وقد قرضها بقوله:

درة علم هي ما بين الدرر

فاتحة الكتاب ما بين السور

ترى على أبياتها طلاوة

كأنما استقت من التلاوة

لذاك فاقت كل نظم جيد

وسيد الأقوال قول السيد

وقال في الطليعة: أخبرني السيد محسن الكاظمي الصائغ عن أبيه السيد هاشم الحسينيرحمه‌الله قال: نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم قصيدته في الحسين (ع) التي مطلعها:

قد أوهنت جلدي الديار الخالية

من أهلها ما للديار وما ليه

ثم عرضها على ولده الشيخ عبدالحسين فقال: أنظرها فنظرها ثم قال: هذه قافيه قاسية فتركها ناظمها تحت مصلاه فما كان إلا أن طرق الباب سحراً وإذا بالخطيب الشيخ محمد علي القاري الشهير(١) وكان ممتازاً بإنشاد الشعر الحسيني في محافل الحسينعليه‌السلام قال: إني رأيت البارحة كأني دخلت الروضة الحيدرية فرأيت أمير المؤمنين جالساً فسلمت عليه فأعطاني ورقة فيها قصيدة وقال: أقرأ لي هذه القصيدة في رثاء ولدي الحسين، فقرأتها وهو يبكي،

__________________

١ - وهو من الجوابر وأسرته في النجف يعرفون بآل الجابري وأكثرهم من خدام المنبر الحسيني.

١٩٧

فانتبهت وأنا أحفظ منها:

قست القلوب فلم تلن لهداية

تباً لهاتيك القلوب القاسية

فبهت الشيخ وأخرج له الورقة التي تحت مصلاه فدهش الشيخ محمد علي القاري وقال: والله إنها نفس الورقة بل هي هي التي أعطانيها أمير المؤمنين انتهى أقول والمشهور أن هذه القصيدة لولده.

وللشيخ محمد علي الأعسم يد طولى في الرجز فقد نظم عدة منظومات في مختلف العلوم، فواحدة في الفقه والأصول وطبع قسم منها مشروحاً في مطابع النجف الأشرف سنة ١٣٤٩ ثم سبق وأن نظم في المواريث منظومة أولها:

نحمدك اللهم يا من شرعا

ديناً به النبي طاها صدعا

أما منظومته في المطاعم والمشارب فهي خير ما قيل وقد ضمنها نصوص الأخبار والأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وإليك بعض فصولها:

الحمد لله وصلى الباري

على النبي أحمد المختار

وآله الأطهار أرباب الكرم

ومن بهم تمت على الخلق النعم

وبعد فالعبد الفقير المحتمي

بظل آل المصطفى ابن الأعسم

قال نظرت في كتاب الأطعمة

من الدروس ما اقتضى أن أنظمه

مما به روي من الآداب

عند حضور الأكل والشراب

مكتفياً بذاك أو أذكر ما

رواه في ذلك بعض العلما

مقتصراً فيه على متن الخبر

أو نص من لم يفت إلا عن أثر

١٩٨

فضل الخبز وآدابه

الفضل للخبز الذي لولاه

ما كان يوماً يعبد الإله

أفضله الخبز من الشعير

فهو طعام القانع الفقير

ما حل جوفا قط إلا أخليا

من كل داء وهو قوت الأنبياء

له على الحنطة فضل سامي

كفضل أهل البيت في الأنام

ما من نبي لا عتناء فيه

إلا وقد دعى لآكليه

فأكرم الخبز ومن إكرامه

ترك انتظار الغير من أدامه

والحفر للرغيف والابانه

بمدية فهي له إهانة

وصغر الرغفان دع أن تتركه

فإن في كل رغيف بركه

- آداب الأكل ـ

إبدأ بأكل الملح قبل المائدة

وأختم به فكم به من فائدة

فإنه شفاء كل داء

يدفع سبعين من البلاء

سم على المأكول في ابتداء

وفي الأخير أحمد وفي الاثناء

ويستحب الغسل لليدين

قبلا وبعداً تغسل الثنتين

فإن فيه مع دفع الغمر

زيادة العمر ونفي الفقر

وامسح أخيراً بنداوة اليد

عينيك والوجه لدفع الرمد

والجلب للرزق وإذهاب الكلف

وامسح بمنديل إذا لم يك جف

فإن هذا بخلاف الاول

أتى به النهي عن التمندل

والأكل والشراب باليسار

يكره إلا عند الاضطرار

واستثني الرمان منها والعنب

فالأكل باليدين فيهما أحب

١٩٩

ويكره الاكل على الشبع إذا

لم يؤذ والمحظور ما فيه الأذى

والأكل مشياً ومعارض نقل

على البيان للجواز قد حمل

فعل النبي مرة في الزمن

في كسرة مغموسة باللبن

والأتكاء حالة الأكل اترك

ما أكل النبي وهو متكي

وأبن اليسار وهو بعض العمد

روى جواز الاتكا على اليد

وبعده استلق على قفاكا

ضع رجلك اليمنى على يسراكا

والأكل مما لا يليك اجتنب

فيما عدا الثمار مثل الرطب

والترك للعشاء يفسد البدن

لا سيما لو كان شيخاً قد أسن

وليلة السبت وليلة الأحد

إذا تتابعا فمن ضر الجسد

يذهب بالقوة كلها ولا

تعود أربعين يوماً كملا

وليترك النفخ ولا ينظر إلى

أكل ( رقيق ) معه قد أكلا

ولا يقرب رأسه إليه

وليتجنب نفضه يديه

دع السكوت فهي سيرة العجم

وجود المضغ وصغر اللقم

لا تحتمي في صحة بلا غرض

فهو كترك الاحتما حال المرض

- خواص بعض المأكولات من الفاكهة ـ

الاكل للبطيخ فيه أجر

لمن نواه وخصال عشر

أكل شراب يغسل المثانة

فاكهة باهية ريحانة

مدر بول وأدام حلوى

إن يأكل العطشان منه يروى

وقد أتانا في علاج العلل

ما استشفت الناس بمثل العسل

وسيد الفواكه الرمان

يأكله الجائع والشبعان

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الثاني : تحديد الضرر المنفي ب‍ ( لا ضرر ) بملاحظة طبيعة معناه التركيبي ـ علىٰ المختار ـ ويملاحظة اقترانه ب‍ ( لا ضرار ) بنحولا يقتضي نفي الضرر أصلاً في جملة من الموارد المذكورة.

اما الجزء الأَوّل : فيظهر بملاحظة امرين :

الأَمر الأَوّل : في التدقيق في مفهوم الضرر. ان الضرر في الشيء كالمال ـ مثلاً ـ ليس مطلق عروض النقص عليه بل كونه أنقص عما ينبغي ان يكون عليه من الكمية أو المالية ، كما لوعرضت علىٰ المال آفة توجب نقص ماليته ، أو نقصت كميته بضياع أو سرقة أو غصب أو بصرف المالك له فيما لا يعدّ مؤونه له ولا يعود منه فائدة عليه ، فاما لو صرف فيما يرجع إلىٰ مؤونة الشخص وشؤونه أو ينتفع منه بنحو مناسب معه فانه لا يكون ذلك ضرراً عليه ، ولذا لا يعتبر صرف المال في مؤونته ومؤونة عياله فيما يحتاجون اليه ـ من المأكل والمشرب والملبس والعلاج والوقاية والتنظيف وسائرحاجاتهم ـ إضراراً بالمال لا لغة ولا عرفاً ، وكذلك صرف المال في اداء الحقوق العرفية للغير وسائر الرغبات العقلائية كالسفر إلىٰ مكان آخر لغرض ثقافي أو اجتماعي ، وهكذا لو اشترك الشخص في مشروع عام أو جهة عامة يعم الانتفاع بها.

وبالجملة : فصرف الشخص المال في الشؤون المتعلقة بتعيش نفسه وعياله بحسب مستواه من العرف والعادة لا يعدّ ضرراً ، لان شأن المال ان يصرف في مثل هذه الامور بل عدم صرفه في مثل الانفاق علىٰ العيال يعدّ إضراراً بهم وظلماً عليهم.

واذا لم يكن صرف المال في ذلك إضراراً فلا ينقلب ضرراً بالالزام الشرعي ليكون الحكم الشرعي ضررياً.

وعلى ضوء هذا البيان : يظهر عدم صدق الضرر في جملة من الموارد

٢٢١

السابقة ، كما تنبّه له جمع من المحققين :

منها : ايجاب صرف المال فيما عليه من الحقوق بحسب العرف كالانفاق علىٰ من يجب الانفاق عليه عرفاً كالزوجة والاولاد وبعض الاقرباء بل المواشي ونحوها ، وكذلك صرف المال لتفريغ ذمته عما اشتراه من غيره ، أو اشتغلت به ذمته من جهة اتلافه لمال الغير أو بدلاً عن الانتفاع به.

ومنها : ايجاب الخمس والزكاة ـ في الجملة ـ فانها تصرف في مصارف عمدتها التحفظ علىٰ النظام والمصالح الاجتماعية العامة.

ومنها : ايجاب صرف المال في ازالة كثير من القذارات العرفية التي يحسن الاجتناب عنها. إلىٰ غير ذلك من الموارد المختلفة.

ويمكن ضبط الموارد الخارجة عن حدود الضرر ـ علىٰ ضوء البيان الذي ذكرناه ـ بنحو عام في حالات ثلاث :

الأُولى : أن يكون الحكم الشرعي في مورد لا يكون صرف المال فيه ضرراً عرفاً ، فانّه لا يكون الحكم حينئذٍ ضررياً وهذه الحالة هي التي يندرج تحتها أكثر الموارد السابقة.

الثانية : أن يكون الحكم الشرعي بملاحظة كشف الشارع عن كون المورد مصداقاً لجهة لا يعتبر صرف المال في تلك الجهة ضرراً ، فانه حينئذٍ يكون خارجاً عن الضرر تخصصاً وان لم تعرف مصداقية المورد لتلك الجهة لدى العرف ، نظير ما لو انكشفت مصداقية المورد من قبل غير الشارع كما في القذارات المستكشفة بالوسائل الحديثة فان صرف المال في ازالتها لا يعدّ ضرراً كما هو واضح رغم عدم تعرّف العرف علىٰ المصداق فيها أيضاً.

الثالثة : ان يكون الحكم الشرعي في مورد قد اعتبر القانون حقاً من الحقوق في ذلك المورد فلا يكون صرف المال فيه ضرراً ، فإنّ الاعتبار

٢٢٢

الشرعي لتلك الجهة يوجب انتفاء الضرر علىٰ نحو الورود.

الأَمر الثاني : ان قسماً من الأحكام المذكورة لا يوجب ضرراً في الحقيقة وانما يرجع إلىٰ عدم النفع أو تحديده ، وبين الضرر وعدم النفع فرق واضح ، فإن الضرر هو انتقاص الشيء الموجود ، وعدم النفع إنما هو عدم تحقّق الزيادة عليه ، فتوهم صدق الضرر في ذلك من قبيل توهّم صدقه علىٰ الحكم بعدم تملك الربا ـ وهو المقدار الزائد في المعاملة الربوية ـ.

واظهر موارد هذا القسم تشريع الخمس والزكاة.

١ ـ اما تشريع الخمس من الغنيمة بمعناها الاعم ـ وهو الظفر بالمال بلا عوض مادّي ـ فانه تحديد لنفع المغتنم لا اضرار به ، لان اعتبار الشارع الاغتنام سبباً للملكية يرجع إلىٰ توفير نفع للمغتنم ، فاذا فرضنا انَّ الشارع قد اعترف اولا بكون الاغتنام سبباً لملكية جميع الغنيمة كان ايجاب دفع خمسه بعد ذلك تنقيصا لماله وضرراً به. واما اذا لم يعترف منذ البدء بكون الاغتنام سبباً للملكية الا بالنسبة إلىٰ اربعة اخماس الغنيمة ـ فلا يكون ايجاب دفع الخمس إلىٰ من فرضه الشارع له ضرراً بالمغتنم لأنّه لم يملكه أصلاً.

ولتوضيح ذلك نتعرض لبعض موارد الخمس في الغنيمة :

منها : الغنيمة القتالية وهي التي يسيطر عليها المقاتلون المسلمون في قتال الكفّار ، فقد جعل الشارع اخذها سبباً للملكية ، إمضاءً لقانون الاغارة الذي كان قبل الإسلام علىٰ ان يقسم بين المقاتلين ومن بحكمهم ، واستثنى من ذلك الخمس علىٰ ان يكون للعناوين الخاصة ، ولو انه لم يجعل شيئاً للمغتنم ، لم يكن ذلك ضرراً عليه أصلاً فضلاً عن استثناء الخمس ، لعدم حق لهم لولا الجعل الشرعي أصلاً. وربما كان استثناء الخمس بعنوان انه حق الرئاسة كما كان هذا الحق متعارفاً في الجاهلية أيضاً حيث كان ربع الغنيمة التي يحصلون عليها بالاغارة لرئيس القبيلة أو العشيرة ويسمى

٢٢٣

مرباعاً(١) .

ومنها : المعادن وهي على المختار وفاقاً للمشهور من الانفال فيكون ملكاً للامام ، ومرجع جعل الخمس فيها إلىٰ الاذن في استخراجها وتمليك أربعة اخماسها للمستخرج توسعة على المؤمنين ، ويحق لوليّ الأَمر ان لا يأذن في استخراجها ، فينحصر حق استخراجها بالدولة ويصرف جميعها في سبيل مصالح المسلمين.

ومنها : الأرباح الزائدة وهي ـ بحسب الدقة والتحليل ـ احد مصاديق الغنيمة بمعناها اللغوي ، أي الفوز بالمال بلا عوض مالي. وقد اختلف فيها المنهج الرأسمالي والاشتراكي علىٰ طرفي افراط وتفريط ، والحلّ الوسط في ذلك ما تضمّنه فقه أهل البيتعليهم‌السلام من اقرار الرابح على اربعة اخماس ، واعتبار الخمس الباقي للعناوين الخاصّة.

ان قيل : ان هذا ضرر على الناس لان لكل انسان ان يحصل على ما يشاء من الاموال بأية وسيلة وعلى اي نهج فمنع التملك لمقدار الخمس سلب لهذا الحق.

قيل : انه لم يثبت مثل هذا الحق بشيء من الأَدلة ، فانه ليس مدركاً بالعقل النظري ولا من قضاء الوجدان والضمير الانساني ، ولا مما بنى عليه العقلاء بناءً عاماً ، أما الاولان فواضح واما الثالث فلاختلاف القوانين في حدود قانون الملكية الفردية حسب تقييم العقلاء للمصالح الفردية والاجتماعية وتنبههم لها.

واما تشريع الزكاة : ففيما يتعلق بالغلات الأَربع لا يمكن اعتباره حكماً ضررياً بعد ملاحظة ان شأن الزارع والفلاخ ليس الا اتخاذ بعض

__________________

(١) لسان العرب ٨ / ١٠١ ( ربع ).

٢٢٤

المعدات ، واما التنمية فانما هي بعوامل طبيعية خلقها الله تعالىٰ من الماء والمطر والشمس والجو وصلاحية التربة وغير ذلك حتى ان لبعض الطيور تأثيراً في ذلك بدفع الحشرات الضارة ، وقد اُشير إلى بعض هذه الجهات في سورة الواقعة حيث قال تعالى :( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ *ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ *إِنَّا لَمُغْرَمُونَ *بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) (١) ومفاده ان عمل الانسان انما يقتصر على الحرث وهو من مقدمات الزرع من كراب الارض والقاء البذر وسقي المبذور ، واما نفس الزرع وهو الإنبات فانه من فعله تعالى بما قدّره من عوامل مختلفة ولولا فعله سبحانه لأَصبح الزرع هشيماً لا يُنتفع به.

وكذلك لا تعتبر زكاة الأَنعام الثلاثة ضرراً بعد ملاحظة اختصاصها بالسائمة منها. وربّما لوحظ في فرض الزكاة عليها بعد حلول الحول عدم اجتماعها لدى صنف خاصّ من الناس وتيسر وقوعها في متناول من يريد اقتناءها لحوائجه الشخصية أو للتنمية.

وهكذا فرض الزكاة في الذهب والفضة المسكوكين مع حلول الحول عليهما ، فإنه ربما كان للزجر عن تجميعها أو غرامة على ذلك بملاحظة انهما كانا في العهد السابق نقداً ، وخاصة النقد كونه ميزاناً للمالية ووسيلة سهلة للتبادل بين الأَمتعة ، ولولاه لكان التبادل بينهما أمراً صعباً ومعرضاً للضرر والغبن وتوفر النقود وتداولها من وسائل ازدهار التجارة ونموها وذلك مورد اهتمام الشارع وعنايته كما لعله احد اسباب تحريم ( ربا الفضل ) ـ كما ذكرناه في بحث الربا ـ.

يضاف إلى ما ذكرنا ما يترتب على تشريع الخمس والزكاة من المصالح

__________________

(١) الواقعة ٥٦ : ٦٣ ـ ٦٧.

٢٢٥

الاجتماعية العامة ـ كما اشرنا اليه أوّلاً ـ بل هذا التشريع مما توجبه العدالة من جهة استفادة الجميع من الجهات العامة التي توفرها الدولة كبناء القناطر وتعبيد الطرق وتحقيق الأمن وغير ذلك.

فظهر ان التدقيق في ( الضرر ) مفهوماً وانطباقاً يوجب دفع دعوى التخصيص بالنسبة إلى جملة من الاحكام التي عدت ضررية بطبعها.

واما الجزء الثاني من هذا الحل ـ وهو تحديد الضرر المنفي ب‍ ( لا ضرر ) ـ فهو يتضمن جهات ثلاث.

الأَولى : ان الضرر المنفي منصرف عن كل ضرر تثبته الأَحكام الجزائية ، وذلك لأن الحكم المولوي لا بُدّ ان يدعمه قانون جزائي يثبت ضرراً على مخالفته سواء كان ضرراً دنيوياً أو اخروياً ، والاّ لم يكن حكماً مولوياً أصلاً بل كان حكماً ارشادياً ، اذ الحكم المولوي ـ على ما اوضحناه سابقاً ـ يتقوّم بما يستبطنه من الوعيد فاذا لوحظ الضرر الذي يولده الحكم الجزائي الذي يندمج في الحكم الشرعي فان الأَحكام الشرعيّة كلها ضررية ، اذ لا فرق في ذلك بين الضرر الدنيوي الذي يثبته مثل قوله سبحانه( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (١) وبين الضرر الاخروي الذي يثبته مثل قوله تعالىٰ :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (٢) وعلى هذا فنفي التسبيب إلى الضرر من المقنن إنما ينصرف إلى الضرر الابتدائي على الشخص دون ما كان جزاءاً على مخالفة القانون ، هذا ما ينبغي ملاحظته.

كما ينبغي أن يلاحظ أيضاً ان اضرار الحاكم لا يندرج تحت عنوان

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨.

(٢) النساء : ٤ / ١٠.

٢٢٦

( الضرار ) أيضاً لان الضرار بحسب كونه من باب المفاعلة يقتضي ان يكون بمعنى انهاء الضرر إلى الغير المستتبع لنسبة مماثلة من نفس الفاعل أو من الغير ولو بالقوة ، فلا ينطبق ذلك في مورد اضرار الحاكم لأنّه لا يستتبع إضراراً آخر لا من الحاكم لأَنّ عمله محدود بحد قانوني ، ولا من قبل المتضرر لان الحاكم بملاحظة الحماية القانونية له ليس في معرض أن يقع عليه ضرر ممن أجرى عليه الحكم كما هو واضح.

الجهة الثانية : ان الحديث بحسب المراد التفهيمي منه على المختار لا يشمل جملة من الاضرار فان المراد التفهيمي له هو نفي الزام المكلف بتحمل الضرر ، وعليه فلا ينفى الحكم الشرعي فيما لو أقدم المكلف بنفسه على تحمل الضرر كما اذا اشترى شيئاً مع اسقاط جميع الخيارات أو كان عالماً بالغبن أو العيب أو صالح صلحاً محاباتياً أو ألزم نفسه شيئاً بالنذر والعهد واليمين ، ففي مثل ذلك لا يعدّ إمضاء الشارع لما أنشأه المكلف تسبيباً من قبله لتحمل المكلف للضرر ، وانما الشخص هو الذي حمّل نفسه الضرر ابتداءً والشارع انما أقره على ذلك.

ولا يقال : ان المكلف في مورد العلم بالغبن ونحوه وان كان اقدم على الضرر ابتداءً ، لكنه لم يقدم عليه بقاءً وانما الشارع الزمه به بسبب حكمه باللزوم ـ كما ذكره غير واحد من المحققين ـ.

فانه يقال : إن اللزوم ليس حكماً تأسيسياً شرعياً وانما ينتزع من اطلاق المنشأ لما بعد الفسخ في موارد عدم الشرط ولو ارتكازاً ، وإنما الشارع أمضى ما انشأه المنشئ بحدوده.

الجهة الثالثة : إن اقتران ( لا ضرر ) ب‍ ( لا ضرار ) يمنع عن شموله لجملة من الاضرار ، وذلك لان ( لا ضرار ) كما تقدّم بحسب معناه التفهيمي يثبت عدة انواع من الأَحكام الضررية دفعاً لوقوع الاضرار :

٢٢٧

منها : احكام جزائية يستتبعها الاضرار بالمجتمع من قبيل حد السرقة والمحاربة وحد القصاص والتعزير.

ومنها : حق مكافحة الاضرار ولو بانزال الضرر على الغير كما في بعض مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومنها : فروض مالية مقابل الإضرار كضمان الاتلاف وأروش الجنايات والديات التي تفرض على نفس الجاني.

ومنها : أحكام تمهيدية مانعة عن تحقيق الاضرار كحق الشفعة.

فالضرر الذي توجبه هذه الأَحكام غير مشمول ل‍ ( لا ضرر ) لان اقترانه ب‍ ( لا ضرر ) الذي يثبت مثل هذه الأَحكام يكون قرينة متصلة على تحديد مدلوله ومانعة عن شموله لمثل ذلك.

وهكذا يتضح بمجموع ما ذكرناه : عدم اتجاه ما ادعي من لزوم تخصيص الحديث في اكثر مدلوله بناءً على تفسيره بنفي الحكم الضرري.

الطريق الثاني : ـ في جواب الإِشكال ـ ان يقال ان ( لا ضرر ) ليس ظاهراً الا في نفي الحكم الذي ربما يترتب على امتثاله ضرر ، دون ما كان بطبعه ضررياً من قبيل الموارد المذكورة كالخمس والزكاة والحج وغيرها ، فهي خارجة عن مصب الحديث تخصصاً ، وذلك بأحد وجوه :

الوجه الأول : ما ذكره المحقق النائيني من ان قاعدة ( لا ضرر ) ناظرة إلى الأَحكام ومخصّصة لها بلسان الحكومة ، ولازم الحكومة ان يكون المحكوم بها حكماً لا يقتضي بطبعه ضرراً لأنّه لو اقتضى بطبعه ضرراً لوقع التعارض بينهما(١) .

وتوضيحه : ان قاعدة ( لا ضرر ) انما سيقت للحكومة على الأَدلة

__________________

(١) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني ص ٢١١.

٢٢٨

الواقعية ولا معنى للحكومة بالنسبة إلى الادلة التي تثبت أحكاماً ضررية بحسب طبعها ، لان النسبة بين ( لا ضرر ) وبينها هي التباين. والحكومة التضييقية ـ كالتخصيص ـ لا تعقل إلا مع كون النسبة بين الدليلين عموماً من وجه أو عموماً مطلقاً ، فإنها لا تفترق عن التخصيص الا بحسب اللسان حيث ان لسان الحكومة هو لسان مسالمة مع الدليل الآخر ، ولسان التخصيص لسان معارضة معه والا فهما يشتركان في المحتوى وهو تحديد حجية الدليل الآخر ؛ ولذلك لا تعقل الحكومة الا في مورد يعقل فيه التخصيص وبما ان التخصيص لا يعقل في مورد كون النسبة هي التباين فانه لا تعقل الحكومة معها ايضاً.

وليس المقصود بذلك أن كل مورد لم يحكم فيه بالتخصيص لا يحكم فيه بالحكومة ، اذ في بعض موارد العامين من وجه يلتزم بحكومة أحدهما على الآخر ولا يلتزم بتخصيصه به بل يتعارض الدليلان في المجمع فيتساقطان ، وإنّما المراد أن كل ما لا يعقل فيه التخصيص لا تعقل فيه الحكومة.

ويرد علىٰ ذلك أوّلاً : انّه لم يثبت كون ( لا ضرر ) مسوقاً للحكومة علىٰ الأدلة الأُخرىٰ ابتداءً حتىٰ يقال بموجبه انّه ناظر إلىٰ خصوص الأدلة التي تثبت بإطلاقها أو عمومها حكماً ضررياً ، لطرو عوارض خارجيّة ، ويحدّد مفاده بنفي الحكم الذي لا يكون بطبعه ضررياً ، بل الظاهر منه هو نفي التسبيب إلىٰ تحمل الضرر مطلقاً سواء كان الحكم المسبّب إلىٰ الضرر موجباً له بالذات أو بعروض عارض ، بل شموله للأول أوضح لأنّه أجلىٰ الأفراد فيكون إخراجه منه تخصيصاً في مفاده ويعود الإشكال.

وثانيا : انّ مبناه في تقريب نفي الحديث للحكم الضرري هو جعل الضرر عنواناً للحكم فيكون مصب النفي في الحديث نفس الحكم مباشرة ، وعلىٰ هذا المبنى لا يمكن اعتبار ( لا ضرر ) حاكماً علىٰ الأدلة الأوليّة ـ علىٰ

٢٢٩

ما سيتضح في التنبيه الثالث ـ لأنّ لسان نفي الحكم المثبت للموضوع في الدليل الآخر لسان معارضة مع لسان ذاك الدليل ، فإنّ الدليل يثبت الحكم للموضوع و ( لا ضرر ) ينفي ذلك الحكم عن موضوعه ولا معنىٰ للحكومة في مثل ذلك.

نعم يمكن تصوير الحكومة علىٰ المختار في مفاد الحديث من أنّه ينفي التسبيب الشرعي إلىٰ تحمل الضرر فيكون نفياً للتسبيب بالحكم الضرري بلسان نفي الضرر كناية ، لكن هذا اللسان إنما ينتج تقديم الدليل فيما أمكن الجمع الدلالي بينه وبين الدليل الآخر ليكون هذا حاكماً وذاك محكوماً به ، وذلك كما في مورد يكون ( لا ضرر ) فيه أخص من الدليل الآخر ولو في الجملة ، وأمّا إذا لم يمكن الجمع الدلالي بينهما بذلك بأن كانت النسبة بينهما هي التباين ـ كما هو الحال في مورد ( لا ضرر ) مع أدلة الأحكام الضررية بحسب طبعها ـ فلا وجه لتقدم الدليل الوارد بهذا اللسان علىٰ غيره كما هو واضح.

الوجه الثاني : ما عن السيد الأُستاذ (قده) من أن ( لا ضرر ) إنّما هو ناظر إلىٰ العمومات والاطلاقات الدالة علىٰ التكاليف التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ضررية فيحدّدها بما إذا لم تكن ضررية ولا يتعرض للتكاليف التي هي بطبعها ضررية ، والشاهد علىٰ ذلك ان وجوب الحج والجهاد وغيرهما من الأحكام الضررية كانت ثابتة عند صدور هذا الكلام من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضيّة سمرة ، ومع ذلك لم يعترض عليه أحد من الصحابة بجعل هذه الأحكام الشرعيّة(١) .

ويرد علية : أولاً : ان الاستشهاد يبتني علىٰ تصوّر أن الصحابة جميعاً

__________________

(١) لاحظ الدراسات ص ٣٣٢.

٢٣٠

فهموا مغزىٰ هذا الحديث علىٰ النحو الذي استظهرناه ، مع أن الشواهد المختلفة تدلّ علىٰ انّ أكثرهم لم يكونوا بهذه المنزلة ، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته التي خطبها في مسجد الخيف ـ وقد نقلها الفريقان ـ ( نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه ، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلىٰ من هو أفقه منه )(١) . وفي الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( وليس كل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسأله الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ويستفهمه ، حتىٰ أنهم كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتىٰ يسمعوا )(٢) . بل كانت معرفتهم بالقرآن كذلك وقد أوضحنا ذلك في بعض مباحث حجية ظواهر الكتاب ومقدمة بحث حجية خبر الواحد وذكرنا جملة من شواهد ذلك من روايات الفريقين.

وثانيا ً : انّه علىٰ تقدير فهمهم لمعنىٰ الحديث وثبوت عدم اعتراضهم أو سؤالهم أو بدعوىٰ أنّه لو كان لَنُقِلَ ـ لِتَوّفر الدواعي علىٰ نقله ـ فمن الممكن أن يكون الوجه في ذلك تنبّه فقهاء الصحابة للطريق السابق في حل الاشكال من عدم نفي ( لا ضرر ) لكل ضرر من جهة عدم صدق الضرر في كثير من هذه الموارد علىٰ ما سبق توضيحه. وما يبقى منها ـ من موارد قليلة ـ فإنّه ربما خصّص الحديث بالنسبة إليها لأنّ الخاص حيث وجد يتقدم علىٰ العام ، وإن كان يدور بين أن يكون ناسخاً أو مخصّصاً إلا انّه يحمل علىٰ الثاني بحسب المتفاهم العرفي ، فيمكن أن يكون الوجه في عدم اعتراضهم

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة ١ / ٢٢٩ / ح ٣٤٧.

(٢) جامع احادبث الشيعة ١ / ١٦ / ح ٦٢.

٢٣١

بذلك تنبههم لهذا النحو من الجمع العرفي ولا شهادة في عدم الاعتراض بنفسه علىٰ اختصاص الضرر المنفي بما كان طارئاً.

وربما كان مقصوده بهذا الكلام ما يأتي في الوجه الثالث.

الوجه الثالث : ما يبتني علىٰ جهتين :

الأُولى : ان مورد هذه الكبرىٰ في قضية سمرة إنّما كان هو الضرر الطارئ لأن ملكية النخلة في ملك الغير تستتبع حق الاستطراق إليها متىٰ شاء مالكها ، كما ورد في الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قضىٰ في رجل باع نخله واستثنىٰ نخلة فقضىٰ له ( بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها )(١) إلاّ أن عموم هذا الحق في مورد قضية سمرة للدخول بدون الاستئذان كان ضرراً علىٰ الأنصاري ، لأنّ البستان ـ الذي كانت فيه النخلة ـ كان محل سكناه وسكن أهله ، فكان الدخول بدون استئذان موجباً لهتك حرمتهم. وعلىٰ هذا : فالضرر الطارئ هو القدر المتيقن من مفاد الحديث لكونه مورداً لالقائه في جهته.

والجهة الأُخرىٰ : انَّ الأحكام التي هي بطبعها ضررية كانت من مشهورات أحكام الإسلام وحيث ان الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام فكانوا يحسّون بثقل ذلك ومشقته ، ولم ينقل عن أحد منهم تصور شمول الحديث لهذه الأحكام ، فكان ذلك قرينة متصلة للكلام علىٰ أن المنفي شرعاً إنما هو خصوص الضرر الطارئ فلا ينعقد له ظهور في العموم.

التنبيه الثالث : في وجه تقديم ( لا ضرر ) علىٰ ادلة الأحكام الاولية.

وقد ذكر في ذلك وجوه كثيرة الا أن المشهور بين المحققين أنّه على نحو الحكومة التضييقية وهو الصحيح ، وحيث شاع لديهم التعرض لحقيقة

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة ابواب احكام العقود ١٨ / ٩١ / ح ٢٣٢١٩.

٢٣٢

الحكومة في المقام فلا بأس بالبحث عنها أوّلاً ، فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأَوّل : في حقيقة الحكومة التضييقية.

ويلاحظ انَّ الحكومة تُطلق على معنيين فتارة يراد بها الخصوصية التي توجد في الدليل الحاكم التي توجب تقديمه على الدليل الآخر متى لم يكن هناك مانع من ذلك ، وبهذا المعنى تعد الحكومة من المزايا الدلالية لأحد المتعارضين. واُخرى يراد بها التحكيم وهو العلاج الخاص بين الدليلين المتعارضين حيث يكون احدهما بأسلوب الحكومة كما يراد بالتخصيص أيضاً نوع علاج خاص بين العام والخاص أو العامّين من وجه وحقيقة هذا العلاج الحكم بأوسعية مقام الاثبات عن مقام الثبوت في الدليل الآخر تقديماً للدليل المتضمن لاسلوب الحكومة ، فيقابل النسخ وغيره من وجوه التقديم. وهذا المعنى من شؤون المعنى الأَوّل وآثاره ، ونحن نبحث أوّلاً عن حقيقة الحكومة بالمعنى الأول ثم نتعرض لوجه تقديم الحاكم على المحكوم وكيفيته وشرائطه. وذلك في ضمن جهات :

الجهة الأولى : في ذكر تقسيمات الحكومة ومحل البحث من اقسامها :

التقسيم الأَوّل : ان محتوى الدليل ـ بحسب المراد الاستعمالي ـ يكون على أحد نوعين :

١ ـ ان يكون محتواه اعتباراً ادبياً تنزيليّاً وذلك من قبيل اثبات الحكم بلسان اثبات موضوعه أو نفيه بلسان نفيه كأن يقال بعد الأمر باكرام العلماء مثلاً ( المتقي عالم ) و ( الفاسق ليس بعالم ) فان الأَوّل يثبت وجوب الاكرام للمتقي بلسان تحقّق موضوع الوجوب وهو العالم ، كما أن الثاني ينفي وجوب الاكرام عن العالم الفاسق بلسان نفي تحقّق موضوعه. ومن الواضح ان اندراج المتقي تحت العالم وخروج العالم الفاسق عنه اعتبار ادبي تنزيلي.

٢٣٣

وسيجيء توضيح هذا القسم في التقسيم الثاني.

٢ ـ ان يكون محتواه اعتباراً حقيقياً متأصلاً. وقد يمثل لذلك بحكومة الامارات على الأَحكام التي اخذ العلم أو عدمه حداً لها كالاصول العملية وذلك على القول بأن مفاد ادلة حجية الامارات ـ كخبر الثقة أو الخبر الموثوق به ـ هو تتميم كشفها باعتبارها علماً. وذلك ليس على سبيل التنزيل والاعتبار الأَدبي ليكون تقدمها على الأصول العملية ونحوها على نحو الحكومة التنزيلية ، وإنما على سبيل الاعتبار المتأصل بملاحظة أن للعلم عند العقلاء قسمين : قسما تكوينياً وقسما اعتبارياً وقد أمضى الشارع ـ بما انه رئيس العقلاء ـ العلم الاعتباري العقلائي.

فعلى هذا الرأي اذا فسرنا عدم العلم المأخوذ في موضوع جريان الأَصل مثلاً ك‍ ( رفع ما لا يعلمون ) بعدم العلم التكويني وقامت امارة كخبر الثقة على الحرمة فان هذه الحالة تخرج عن حدود الأَصل بنحو الحكومة ، لأَن العقلاء يرون انفسهم عالمين علماً قانونياً فلا يجدون انفسهم مشمولين ك‍ ( رفع ما لا يعلمون ) رغم تفسير العلم بالعلم التكويني.

ولا يمكن اعتبار ذلك من قبيل الورود لتوقف الورود على انتفاء الموضوع في الدليل الأَوّل وجداناً بمؤونة من التعبد ، وعدم العلم التكويني الموضوع في دليل الأَصل حسب الفرض لا ينتفي وجداناً بوجود علم اعتباري ( نعم ) لو كان موضوع الأَصل عدم العلم الجامع بين العلم التكويني والعلم الاعتباري ، لكان تقدّم الامارة عليه بنحو الورود لانتفاء الموضوع حينئذٍ حقيقة بمعونة الاعتبار.

ويلاحظ : ان هذا النوع من الحكومة تترتب عليه آثار التضييق والتوسعة معاً فانه يوجب تضييق الدليل المحكوم بحسب المراد التفهيمي ، ان كان موضوعه كالأَصل عدم الماهية ، وتوسعته ان كان موضوعه وجود

٢٣٤

الماهية كما في جواز الاخبار عما يعلم ونحوه.

هذا الا ان ثبوت هذا النوع من الحكومة محل تأمل.

وعلى تقديره فهو خارج عما هو المقصود بالبحث في المقام فان ( لا ضرر ) ليس بمندرج في هذا القسم.

وتحقيق القول في هذا القسم من الحكومة ( في وجه تقديم الامارات على الأصول ) قد تعرضنا له في محلّه من علم الاصول.

التقسيم الثاني : ان مفاد الدليل الحاكم اما توسعة في الدليل المحكوم أو تضييق فيه ، وبهذا الاعتبار تنقسم الحكومة إلى قسمين :

١ ـ الحكومة على نحو التوسعة. وهي في الاعتبارات الأَدبية عبارة عن تنزيل شيء منزلة شيء آخر ليترتب عليه الحكم الثابت لذلك الشيء ، اثباتاً للحكم بلسان جعل موضوعه. واختيار هذا الاسلوب من قبل المتكلم قد يكون لأَجل إثارة نفس الاهتمام الثابت للحكم الأَوّل من جهة تكراره والتأكيد عليه بالنسبة إلىٰ الحكم الثاني ، فيعدل المتكلم عن الاسلوب الصريح إلى هذا الاسلوب الذي يظهره بيان حدود موضوع الحكم الأَوّل استغلالاً للتأثير النفسي الثابت للمنزل عليه لتحقيق مثله بالنسبة إلى المنزل.

ومثال ذلك : ما ورد من ان الفقاع خمر فان اعتبار الفقاع خمراً تنزيلاً إنما يقصد به تفهيماً كونه حراماً أيضاً كالخمر ، ولكن اختير هذا التعبير بدلاً عن أن يقال ( ان الفقاع حرام ) لكي يوجد تجاهه نفس الاحساس الموجود تجاه الخمر ، لأَنّ الخمر من جهة التشديدات المؤكدة حولها قد اكتسبت طابعاً خاصاً من المبغوضية والحرمة ، واعتبار الفقاع خمراً يثير في نفس المخاطب نفس الاحساس الموجود تجاه الخمر بالنسبة اليه.

وما ذكرناه هو النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية من قبيل اعتبار زيدٍ اسداً ، فان العدول عن التصريح بشجاعته في ذلك انما هو لاثارة نفس

٢٣٥

المشاعر التي يثيرها عنوان الاسد عند المخاطب تجاه زيد ، وقد أوضحنا ذلك في بعض مباحث الأَلفاظ في علم الاصول.

وهذا القسم أيضاً ليس بمقصود بالبحث فان ( لا ضرر ) ليس من هذا القبيل بالنسبة إلى ادلة الأَحكام.

٢ ـ الحكومة على نحو التضييق. وهي ان يكون مؤدى الدليل الحاكم تحديد ثبوت الحكم لموضوعه نافياً لتصورثبوته له بنحو عامّ ، وذلك كأن ينفي موضوع الحكم أو متعلقه بغرض نفي نفس الحكم على سبيل الكناية كقولهعليه‌السلام : ( لا ربا بين الوالد والولد ) فان المقصود من نفي الربا هو نفي حرمته لا نفي حقيقته ولكنه تعرض لذلك بلسان نفي الموضوع على نحو الكناية دون التصريح.

وهذا القسم هو المقصود بالبحث في المقام.

الجهة الثانية : في أقسام الحكومة التنزيلية. ومواردها واختلاف مؤدى الدليل الحاكم بحسبها.

ان الحكومة التنزيلية تنقسم إلىٰ قسمين :

الأَوّل : ان يكون بلسان الاثبات ومفاده اعطاء شيء حدّ شيء اخر وتنزيله منزلته ، كما اذا قام الدليل على ان ( ولد المسلم مسلم ) فان الإسلام بما انه عبارة عن عقيدة خاصة فلا يتصف به غير المميّز ، ولكن الدليل المذكور ينزِّل ولد المسلم منزلة المسلم فيضيق دائرة الدليل الدال على ان غير المسلم نجس مثلاً.

الثاني : ان يكون بلسان النفي ، وهو الأَكثر تداولا في الأَدلة.

وللنفي التنزيلي ـ باعتبار مصبّه ـ موارد يختلف بحسبها نوع المراد التفهيمي من الدليل الحاكم :

١ ـ ان يكون المنفي موضوعاً لدى العقلاء لاعتبار متأصّل كالعقود

٢٣٦

والايقاعات. والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك نفي الآثار القانونية التي ينشأ المعنى بداعي ترتيبها ، كحصول الفراق بالطلاق ، واذا كان المنفي حصة من الطبيعي الموضوع للحكم كقوله : ( لا طلاق إلا باشهاد ) كان مقتضاه اشتراط ترتب تلك الآثار بحصول الشرط المذكور.

٢ ـ ان يكون المنفي موضوعاً لأحكام شرعية ك‍ ( لا شك لكثير الشك ) و ( لا شك للامام مع حفظ المأموم ) والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك عدم ترتب ذلك بالنسبة إلىٰ الحصة الخاصّة.

٣ ـ ان يكون المنفي متعلقاً للحكم ك‍ ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) و ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة ) ، و ( لا ربا بين الوالد والولد ) والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك نفي ثبوت الحكم لها ايجاباً أو تحريماً ، ومرجعه إلى اشتراط المتعلّق بالشرط المذكور.

٤ ـ أن يكون المنفي نفس الحكم الشرعي كما في ( كل شيء لك حلال ) و ( رفع ما لا يعلمون ) بناء على كون ( ما ) كناية عن الحكم الواقعي ، اذ لا يراد بمثل هذه الأَلسنة التصويب ودوران الاحكام مدار علم المكلف وجهله ، ولا ثبوت حكم ظاهري في مورد الجهل بالحكم الواقعي ـ كما عليه كثير من الاصوليين ـ بل مفادها عدم ترتب اثر الحكم ، كاستحقاق العقوبة على مخالفته في ظرف الجهل بوجوده ارشاداً إلى عدم كون الحكم بحد من فسّر بحيث يكون احتمال وجوده منجزاً له. وقد أوضحنا ذلك في مبحث اصالة البراءة.

٥ ـ ان يكون المنفي انتساب المعنى إلى المكلّف ـ كما في حديث الرفع ـ اذا كانت ( ما ) كناية عن الفعل دون الحكم ، وذلك بناءً على المختار من أنه لا يعني رفع الفعل في حدّ نفسه ، ولذلك لا يرتفع الحكم فيما كان الأَثر مترتباً على نفس الفعل من دون اعتبار صدوره من الفاعل ، كما لو القى

٢٣٧

النجس في الماء عن اكراه ، فإنه ينجس الماء حينئذٍ لكون نجاسة الماء اثراً لنفس الملاقاة بالمعنى اسم المصدري. وانما المقصود بذلك نفي انتسابه إلى المكلف فيرتفع الأَثر المترتب على ذلك كبيع المكره وطلاقه.

٦ ـ ان يكون المنفي طبيعة توهم تسبيب الشارع إلى تحقّقها سواء كانت متعلقاً للحكم أو معلولاً له في وعاء الخارج ، من قبيل ما لو قيل : ( لا حرج في الدين ) فان الحرج ليس متعلقاً للحكم ، وانما هو امر يترتب علىٰ الحكم فيكون المقصود بنفي الطبيعة حينئذٍ نفي جعل الحكم المؤدي اليها ، ولكن عبر عن نفيه تنزيلاً بنفي تحقّق الطبيعة خارجاً.

هذه هي موارد النفي التنزيلي وما ذكرناه انما هو خصوص ما كان منها من قبيل الحكومة ، بأن كان نظر المتكلم في نفيه التنزيلي للمعنى إلىٰ فكرة مخالفة لمؤدى الكلام ـ على ما هو معيار الحكومة على التحقيق كما يأتي ـ.

وهناك مورد سابع لا يندرج في الحكومة وهو حيث يستفاد منه الزجر والتحريم المولوي من قبيل قوله تعالى :( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (١) وضابطه ـ كما يظهر مما تقدّم ـ أن يكون مصب النفي طبيعة تكوينية ذات آثار خارجيّة يرغب المكلفون فيها لانسجامها مع القوى الشهوية أو الغضبية للنفس ، من دون ان يكون هذا الخطاب مسبوقاً بحكم مخالف له ولو توهماً كالأمر بعد الحظر أو بعد توهمه.

ووجه عدم اندراج هذا المورد في الحكومة كونه مقيداً بعدم سبق حكم مخالف له ولو توهماً ، ومع هذا القيد لا يمكن ان يتوفّر فيه الشرط السابق من نظر المتكلم إلى فكرة مخالفة ، ووجه تقييده بذلك انه لو سبق الخطاب حكم آخر ، كان مفاده هدم ذلك الحكم ونفي التسبيب إلى الطبيعة ، فيندرج حينئذٍ

__________________

(١) البقرة : ٢ / ١٩٧.

٢٣٨

في المورد السادس من الموارد السابقة.

ويلاحظ ان سرّ اختلاف المحتوى في اكثر هذه الموارد قد تقدّم ايضاحه مفصّلاً في ذكر الضابط العامّ لاختلاف محتوى صيغ الحكم عند ذكر المسلك المختار في الحديث ، ويظهر الحال في الباقي أيضاً على ضوء ذلك.

هذا وهناك تقسيم اخر لموارد الحكومة يتردّد في كلمات المحقق النائيني ومن وافقه(١) وملخصه : ان الدليل الحاكم على قسمين :

١ ـ ان يكون شارحاً لعقد الوضع من الدليل المحكوم ، والمراد بعقد الوضع ما يعمّ موضوع الحكم ومتعلقه كحديث ( لا ربا بين الوالد والولد ) بالنسبة إلى دليل حرمة الربا وفساده ، فان الربا متعلق للحرمة وموضوع للفساد.

٢ ـ ان يكون شارحاً لعقد الحمل منه ـ وهو الحكم ـ ومثّل له ب‍ ( لا ضرر ) بناءً علىٰ مختاره (قده) من ان الضرر عنوان ثانوي للحكم ، وقد ذكر أن هذا القسم اظهر افراد الحكومة ، لأن هدم الموضوع يرجع بالواسطة إلى التعرض للحكم.

ولكن هذا التقسيم غير تامّ.

اما أوّلاً : فلانّ كون القسم الثاني من قبيل الحكومة مبني على مبناه من ان مناط الحكومة هو النظر إلى دليل آخر ، وأما على المختار من ان مناطه ان يكون لسان الدليل لسان مسالمة مع العامّ فلا يكون منها لان لسان الدليل في هذا القسم لا محالة لسان معارضة ، لأنّه ينفي ما يثبته العامّ صريحاً ، مع ان التمثيل لهذا القسم بحديث ( لا ضرر ) انما يتجه على مبناه وهو غير تام

__________________

(١) لاحظ رسالة ( لا ضرر ) تقريرات المحقق النائيني : ٢١٣ وفوائد الأصول ٤ : ٥٩٢ ـ ٥٩٣ مفصلاً ، وأجود التقريرات ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ و ٥٠٥ ـ ٥٠٧ ، ومصباح الأصول ٢ / ٥٤١ ـ ٥٤٢.

٢٣٩

كما مرّ ، وسيتضح القول في ذلك تفصيلاً.

وامّا ثانياً : فلان القسمة غير حاصرة ، إذ لا يشمل مثلاً ما اذا كان الدليل الحاكم متعرضاً لنفي ما يكون معلولاً للحكم في الخارج ك‍ ( لا حرج في الدين ).

الجهة الثالثة : في حقيقة الحكومة التضييقية مع المقارنة بينها وبين التخصيص.

ان الصفات التي يتصف بها الدليل ـ كالحكومة والورود والتزاحم والتعارض ـ تنقسم إلى قسمين :

ففئة منها يتصف بها الدليل بلحاظ محتواه ـ أعني مدلوله التفهيمي ـ كحالة التعارض والورود ، فانّ التعارض مثلاً ليس الاّ حالة تصادم بين المدلولين التفهيميين للدليلين ، ولذا لا يتحقق التعارض بين قولين يتحد المدلول التفهيمي لهما وان اختلف المراد الاستعمالي فيهما ك‍ ( زيد جواد ) و ( زيد كثير الرماد ) وكذلك الورود فان ورود احد الدليلين على الآخر انما هو باعتبار واقع مؤداه من غير اعتبار باسلوب الدليل.

وهناك فئة اُخرى يتصف بها الدليل بلحاظ أسلوبه ولسانه في التعبير عن المعنى ، لا بلحاظ واقع مؤداه ومحتواه ، ولذلك يمكن ان يتصف الدليلان المتماثلان في المحتوى بوصفين متقابلين من هذه الفئة لمجرد الاختلاف في الاسلوب.

ومن هذه الفئة على ما نراه هي الحكومة والتخصيص.

فحقيقة الحكومة إنما هي تحديد العموم بأسلوب مسالم معه وهو اسلوب التنزيل والكناية ـ الذي هو اداء للمعنى بلسان غير مباشر ـ كنفي الملزوم استعمالاً مع ارادة نفي ما يتوهّم لازماً له. وانما كان ذلك اسلوب مسالمة لأنّ الدليل الحاكم الذي يصاغ بهذا الاسلوب لا يمثل محتواه

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336