أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف11%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111346 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

من مبلغ الرسل أن رأس ابن سيدها

في مجلس الراح بين اليم والزير(١)

وهل درت هاشم أن ابن بجدتها

لقى تزمله هوج الاعاصير

ومن معزي الهدى في شمس دارته

إذ سامها القدر الجاري بتكوير

وهل درى البيت بيت الله أن هدمت

منه عتاة قريش كل معمور

وفتية من رجال الله قد صبروا

على الجلاد وعانوا كل محذور

حتى تراءت لهم عدن بزينتها

مآ تماكن عرس الخرد الحور

وان رزءاً بكت عين النبي له

لذاك في الدين كسر غير مجبور

ورب ذات حداد من كرائمه

تخاطب القوم في وعظ وتذكير

تدعو وتعلم ما في الناس مستمع

لكنها نفثة من قلب مصدور

الله في رحم للمصطفى قطعت

من بعده وذمام منه مخفور

ما ظنكم لو رأى المختار أسرته

بالطف ما بين مقتول ومأسور

من عاطش شرقت صم الرماح به

وذى براثن في الاصفاد مشهور

وثاكل من وراء السجف قائلة

يا جدغوثا فرزئي فوق مقدوري

أمثل شمر لحاه الله يحملنا

شعث النواصي على الاقتاب والكور

ويولغ السيف في نحر ابن فاطمة

لله ما صنعت أيدي المقادير

بنات آكلة الاكباد في كلل

والفاطميات تصلى في الهياجير

وذات شجو لها في الصدر ثائرة

تشب في كل ترويح وتبكير

تقول والنفس قد جاشت غواربها

والدمع ما بين تهليل وتحدير

يا والدي من يسوس المسلمين ومن

يقوم بالامر في حزم وتدبير

ومن تركت على الإسلام يكلؤه

من كل مبتدع بالكفر مغمور

وهل جعلت على التنزيل مؤتمناً

يقيه من رب تحريف وتغيير

إليه بالعتاق القب ضابحة

بكل اشوس فلال المباتير

__________________

١ - البم: العود والوتر. والزير: مخالطة النساء.

٢٦١

والباترات تجلت عن مشارقها

ولا مغارب إلا في المناحير

والزاغبية تحت النقع لامعة

لمع الثواقب في آناء ديجور

لولا انتظار ليوم لا خلاف به

لشطر الوجد قلبي أي تشطير

يوم أرى الملة البيضاء مسفرة

عن كل أبيض ذي جدٍ وتشمير

وموكب تحمل الأملاك رايته

أمام ملك على الازمان منصور

ملك إذا ركب الذيال تحسبه

نوراً تجلى لموسى من ذرى الطور

فتى يروقك منه حين تنظره

لألاء فرق بنور الله محبور

وكم اجال العقول العشر خابطة

في كنهه بين تعريف وتنكير

وان من يقتدي عيسى المسيح به

لذاك يكبر عن تحديد تفكير

كأنني بجنود الله محدقة

من حوله بين تهليل وتكبير

والجن والإنس والاملاك خاضعة

له فاكبر بتصريف وتسخير

والمسلمون أعز الله جانبهم

في ظله بين مغبوط ومسرور

٢٦٢

الشيخ محمد رضا الازري

ولد سنة ١١٦٢ وتوفي ١٢٤٠ في بغداد، درس العلوم العربية على أخيه الشيخ يوسف الازري وعلى غيره من فضلاء عصره وولع بحفظ القصائد الطوال من شعر العرب فقد رووا عنه انه كان يحفظ المعلقات السبع وقسماً كبيراً من أشعار الجاهلية والإسلام مضافاً إلى الخطب والاحاديث المروية عن العرب. وكان نشيطاً مفتول الساعدين قوي البنية معدوداً من أبطال الفتوة بين اقرانه وهو أصغر أخوته.

أهم شعره في رثاء أهل البيت، وقد حدثت في زمانه واقعة الوهابيين المعروفة في التاريخ حينما احتلو كربلاء ونهبوها وقتلوا من أهلها ما يزيد على خمسة آلاف نسمة وذلك سنة ١٢١٦ فنظم على أثرها ثلاث قصائد تشتمل على مائتين وستين بيتا ذكر بها الواقعة المذكورة وختم كلاً منها بتأريخ وإذا لاحظنا تواريخ قصائده رأينا اكثرها نظمت بعد وفاة أخيه الشيخ كاظم الأزري.

ورأيت له قصيدة يرثي بها السيد جواد العاملي صاحب كتاب مفتاح الكرامة في الفقه ومؤرخاً في كل شطر منها عام وفاته، والقصيدة أولها:

أنخها على الاعلام واعقل ونادها

وسل آية جاست ركاب جوادها

رواها الشيخ علي كاشف الغطاء في سمير الحاظر.

وللشيخ محمد رضا الأزري يصف بطولة العباس بن أمير المؤمنين يوم كربلاء:

أو ما أتاك حديث وقعة كربلاء

أنى وقد بلغ السماء قتامها

يوم أبو الفضل استجاربه الهدى

والشمس من كدر العجاج لثامها

__________________

رواها الشيخعلي كاشف الغطاء في سمير الحاظو ج ٢ ص ١٠٠.

٢٦٣

والبيض فوق البيض تحسب وقعها

زجل الرعود إذا اكفهر غمامها

فحمى عرينته ودمدم دونها

ويذب من دون الشرى ضرغامها

من باسل يلقى الكتيبة باسماً

والشوس يرشح بالمنية هامها

وأشم لا يحتل دار هضيمة

أو يستقل على النجوم رغامها

أو لم تكن تدري قريش أنه

طلاع كل ثنية مقدامها

بطل أطل على العراق مجلياً

فاعصوصبت فرقاً تمور شآمها

وشأى الكرام فلا ترى من أمة

للفخر إلا ابن الوصي إمامها

هو ذاك موئلها يرى وزعيمها

لو جل حادثها ولد خصامها

وأشدها بأساً وأرجحها حجى

لو ناص موكبها وزاغ قوامها

من مقدم ضرب الجبال بمثلها

من عزمه فتزلزلت أعلامها

ولكم له من غضبة مضرية

قد كاد يلحق بالسحاب ضرامها

أغرى به عصب ابن حرب فانثنت

كلح الجباه مطاشة أحلامها

ثم انبرى نحو الفرات ودونه

حلبات عادية يصل لجامها

فكأنة صقر بأعلى جوها

جلى فحلق ما هناك حمامها

أو ضيغم شئن البرائن ملبد

قد شد فانتشرت ثبى أنعامها

فهنا لكم ملك الشريعة واتكى

من فوق قائم سيفه قمقامها

فأبت نقيبته الزكية ريها

وحشى ابن فاطمة يشب ضرامها

وكذلكم ملأ المزاد وزمها

وانصاع يرفل بالحديد همامها

حتى إذا وافى المخيم جلجلت

سوداء قد ملأ الفضا إرزامها

فجلا تلاتلها بجاش ثابت

فتقاعست منكوسة أعلامها

ومذ استطال اليهم متطلعاً

كالأيم يقذف بالشواظ سمامها

حسمت يديه يد القضاء بمبرم

ويد القضا لم ينتقض إبرامها

واعتقاه شرك الردى دون الشرى

ان المنايا لا تطيش سهامها

الله اكبر أي بدر خر من

أفق الهداية فاستشاط ظلامها

فمن المعزي السبط سبط محمد

بفتى له الاشراف طأطأ هامها

٢٦٤

وأخ كريم لم يخنه بمشهد

حيث السراة كبا بها أقدامها

تالله لا أنسى ابن فاطم إذ جلا

عنه العجاجة يكفهر قتامها

من بعد أن حطم الوشيج وثلمت

بيض الصفاح ونكست أعلامها

حتى إذا حم البلاء وانما

أيدي القضاء جرت به أقلامها

وافى به نحو المخيم حاملاً

من شاهقي علياء عز مرامها

وهوى عليه ما هنالك قائلاً

اليوم بان عن اليمين حسامها

اليوم سار عن الكتائب كبشها

اليوم غاب عن الصلاة إمامها

اليوم آل إلى التفرق جمعنا

اليوم حل من البنود نظامها

اليوم خر من الهداية بدرها

اليوم غب عن البلاد غمامها

اليوم نامت أعين بك لم تنم

وتسهدت أخرى فعز منامها

أشقيق روحي هل تراك علمت إذ

غودرت وانثالت عليك لئامها

إن خلت أطبقت السماء على الثرى

أو دكدكت فوق الربى أعلامها

لكن أهان الخطب عندي أنني

بك لاحق أمراً قضى علامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه

قد غاض زاخرها وزال شمامها

من مبلغ أشياخ مكة انه

قد شل ساعدها وفل حسامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه

قد دق مارنها وجب سنامها

الله أكبر أي غاشية علت

بيت الرسالة واستمر قتامها

الله أكبر ما أجل رزية

مضت الدهو وما مضت أيامها

يوم به وتر النبي وحيدر

وبنو العواتك شيخها وغلامها

وقلوب صبيتهم بقلبها الظما

والماء عائثة به أنعامها

وبنوهم أسرى يعض متونهم

غل السلاسل تارة وسقامها

ورؤوسهم فوق الرماح شوارع

وعلى البطاح خواشع أجسامها

هذي المصائب لا مصائب اليعقوب

وإن صدع الهدى إلمامها

هذا جزاء محمد من قومه

فلبئس ما قد أخلفته طغامها

سمعا أبا الفضل الشهيد قصيدة

أزرية مسكاً يفوح ختامها

٢٦٥

ومن شعره في أهل البيتعليهم‌السلام :

ومن يبصر الدنيا بعين بصيرة

يرى الدهر يوماً سوف ينجاب عن غد

ولست أرى عز العزيز بمانع

ولست أرى ذل الذليل بمخلد

لمن يرفع المرء العماد مشيدا

وها هادم اللذات منه بمرصد

وهل دارع الا كآخر حاسر

إذا ما رمى المقدور سهم مسدد

فصاحب لمن تهوى اصطحاب مفارق

وفي الكل رجع نظرة المتزود

إذا لم يكن عقل الفتى مرشد الفتى

فليس إلى حسن الثناء بمرشد

واني أرى الايام شتى صروفها

وأعظمها تحكيم عبد بسيد

ويا رب وتر عند باغ لذى تقى

ولكن لا وتر كوتر محمد

رموا بيته بالمرجفات وهدموا

قواعده بعد البناء الموطد

فسل كربلا ماذا جرى يوم كربلا

مصاب متى الأفلاك تذكره ترعد

وانى وتلكم حمرة في جبينها

إلى الآن من ذاك الجوي المتوقد

وما ظهرت من قبل ذلك في الاولى

لراء ولم تعرف قديماً وتعهد

ولو جل رزء في النبيين مثله

لبانت وفي هذا بلاغ لمهتدي

وهاتيكم اللاتي تسير على المطا

حقائقه يشهرن في كل مشهد

وتلك النفوس السائلات على القنا

تقاطر منه من أكف وأكبد

وأسرته في حالة لو يراهم

بها هرقل لاستقرع الناب باليد

فمن بين مقطوع الوتين وفاحص

بكفيه عن نزع وبين مصفد

وكم ذي حشى حرانة لو تمكنت

لعطت حواياها وطارت لمورد

ومرضعة مذهولة عن رضيعها

مخافة سلب يكشف الستر عن يد

فمن يبلغن الرسل ان زعيمها

لذو عبرة جياشية عن توقد

٢٦٦

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

المتوفي ١٢٤١

أنزهو وقد ترنو بياض المفارق

وقد مر مسود الشباب المفارق

أجدك في اللهو الذي أنت خائض

وداعي الفنا يدعوك في كل شارق

تضاحكك الأيام في نيلك المنى

كفعل نصوح للدعابة وامق

وما بسطت آمالها لك عن رضى

ولا ضحكت سنا إلى كل عاشق

ولكن لكي تصطاد من أم قصدها

بما نصبته من شراك البوائق

فلا تثقن من وعدها إن وعدها

كما قد جرت عاداتها غير صادق

كأن المنايا ملكتها صروفها

فتطرق من شاءت بشر الطوارق

لذاك أحلت بالحسين مصائبا

بها تضرب الأمثال في كل خارق

غداة أناخت بالطفوف ركابه

بكل فتى للحتف في الله تائق

سلامي على أرواحهم، ودماؤهم

تضوع بطيب في ثرى الأرض عابق

خليلى زرهم وانتشق لقبورهم

تجد تربها كالمسك من غير فارق

ويصف فيها شجاعة الحسينعليه‌السلام :

فكم فلقت ضرباته من جماجم

وكم فرقت صولاته من فيالق

فأقرب ما قد كان لله اذ هوى

صريعا بلا جرم وعطشان ما سقي

وطفل رضيع بالسهام فطامه

وذبح غلام بالحسام مراهق

٢٦٧

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

ولد بالمطير من الإحساء في شهر رجب سنة ١١٦٦ هـ كان من العلماء الراسخين في العلم، والفلاسفة الحكماء العارفين المتأهلين المطلعين وقد ترك ١٤٠ كتاباً ورسالة، وأجوبة بلغت ٥٥٠ تقريباً. ومؤلفاته تربو على المائة مؤلف في مختلف العلوم الاسلامية نشرت أسماءها مكتبة العلامة الحائري العامة بكربلاء بكراسة خاصة، كما نشرت له رسائل في كيفية السلوك إلى الله تعالى.

هاجر إلى كربلاء - العراق وهو ابن عشرين سنة وحضر بحث الوحيد البهبهاني الاغا باقر والسيد الميرزا مهدي الشهرستاني والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، وفي النجف على الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره، ثم حدث طاعون جارف ألجأ الناس إلى مغادرة الاوطان فعاد المترجم إلى بلاده وتزوج بها وبعد زمن انتقل بأهله إلى البحرين وسكنها أربع سنين، وفي سنة ١٢١٢ عاد إلى العتبات المقدسة بالعراق وبعد الزيارة رجع فسكن البصرة في محلة ( جسر العبيد ) ثم تنقل إلى عدة أماكن وذهب إلى ايران ثم عزم على الحج وتوفي بالحجاز قبل وصوله مدينة الرسول ( بثلاث مراحل وذلك في يوم الأحد ثاني ذي القعدة حرام ١٢٤١ فنقل للمدينة ودفن بالبقيع مقابل بيت الأحزان.

وجاء في أنوار البدرين: العلامة الفاضل الفهامة الوحيد في علم التوحيد وأصول الدين الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي المطيرفي(١) وهو صاحب

__________________

١ - قرية من قرى الاحساء كثيرة المياه.

٢٦٨

جوامع الكلم مجلدان كبيران مشتملان على جملة من الرسائل وكثير من التحقيقات وله شرح الزيارة الجامعة الكبرى وله شرح العرشية والمشاعر لملا صدر الدين الشيرازي ( ره ) تعرض فيما عليه وعلى تلميذه الملا محسن الكاشاني ( ره ) وله جملة من المصنفات وحاله أشهر من أن يذكر وقد ذكر أحواله بالبسط والبيان السيد المعاصر السيد محمد باقر الأصفهاني في كتابه ( روضات الجنات ). توفي ( قده ) مهاجراً لزيارة رسول الله (ص) وأئمة البقيععليهم‌السلام سنة اثنين وأربعين ومائتين والف من الهجرة وله الاجازة من جملة من المشائخ العظام واساطين الاسلام منهم السيد السند بحر العلوم ومجدد آثار الايمان والرسوم السيد محمد مهدي الطباطبائي والسيد الأجل السري السيد مير علي الطباطبائي صاحب الرياض والشيخ الافخر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وابنه الأجل الانور الشيخ موسى والعلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور وأخيه الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد آل عصفور والسيد الأجل الأمجد السيد محمد الشهرستاني والفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن العالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني وغيرهم وقد وقفت على أكثر اجازاتهم له وفيها تفخيم له عظيم ويروي عنه جماعه من فحول العلماء منهم المحقق الشيخ محمد حسن ( صاحب الجواهر ) والسيد كاظم الرشتي والمحقق الحاج ابراهيم الكرباسي صاحب الاشارات وغيرهم قدس الله أرواحهم.

اقول وللشيخ الاحسائي قدس الله نفسه قصائد في الامام الشهيد الحسين سماها بـ ( الأثني عشرية ) وقد طبعت مع ترجمتها للغة الفارسية.

٢٦٩

السيد حسن الاصم - العطار

قال مشطراً بيتي السيد عمر رمضان

لفظت الخيزرانة من يميني

وإن كانت مهفهفة القوام

فأبغض أن الامسها بكفي

وأكره أن أشاهدها أمامي

ولست بممسك ما عشت عوداً

ولو أني عجزت عن القيام

أأمسك عود سوء في يميني

بها نكثت ثنايا ابن الامام(١)

__________________

١ - عن سمير الحاظر ومتاع المسافر مخطوط المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء ج ١ ص ٥٦١.

٢٧٠

السيد حسن العطار البغدادي

المتوفي ١٢٤١

هو السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد العطار الحسني البغدادي عالم أديب وشاعر مجيد. وآل العطار بيت علم وفقه وأدب وشعر نبغ فيه غير واحد من اجلاء العلماء وعباقرة الشعراء، وشهرة رجالهم بالأدب والشعر أكثر منها في الفقه، مع أن فيهم بعض الفقهاء المتبحرين الذين لا يستهان بهم، ولقب العطار لحق جدهم السيد محمد لسكناه في سوق العطارين ببغداد.

والمترجم له كان عالماً فاضلاً أديباً وشاعراً مجيداً له ديوان شعر مرصوف وكان يعرف بالاصم، ذكره عصام الدين عثمان الموصلي العمري في ( الروض النضر ) في تراجم أدباء العصر المخطوط الموجود في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد، وذكره الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) فاطراه وذكر بعض شعره توفي سنة ١٢٤١ ويوجد بخطه ديوان العلامة السيد حسين بن مير رشيد الهندي تلميذ السيد نصر الله الحائري، فرغ من كتابته في ١٢٢٤ واستنسخ عنه العلامة السماوي.

فمن شعره:

من لصب أغرق الطرف بكاء

وعراه من هواكم ما عراه

مسه الضر وأمسى شجا

ما له ظل إذ الشوق براه

٢٧١

قوض السفر وما نال من الـ

ـنفر الماضين في جمع مناه

يا أهيل الحي هل من نظرة

ينجلي فيها من الطرف قذاه

فعدوني بوصال منكم

فعسى يشفي من القلب ضناه

وارحموا حال معنى مغرم

مستهام شمتت فيه عداه

يا رعى الله زماناً معكم

فيه قد البسنا آلاس رداه

نجتني من قربكم عند اللقا

ثمر الوصل وقد طاب جناه

قد تقضى وانقضت أيامه

ومحيا الوصل قد زال بهاه

شابهت ضيفاً بطيف زارنا

ثم ولى حيث لم نخش قراه

٢٧٢

الشيخ علي الاعسم

كان حياً ١٢٤٤

قال يخاطب أبا الفضل العباس - وقد ألم مرض نال الزائرين

أبا الفضل ليس الهم سقمي وعلتي

ولكن همي أن يلم بكم عار

أخاف مقال الجاهلين لجهلهم

لقد عطب القوم الذين لهم زاروا

وأعلم حقاً أن ذاك بشارة

لزائركم أن لا تمر به النار

٢٧٣

الشيخ علي الاعسم

هو الشيخ علي ابن الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ محمد علي الشهير بالاعسم النجفي مولداً ومسكناً ومدفناً ذكره صاحب الحصون في ج ٢ ص ٤٦٦ فقال: كان شاعراً بليغاً وله إلمام في الجملة بنكت ودقايق الشعر الفارسي وكان ينظم بعض معانيه أحياناً بتكلف وكان شعره دون شعر أبيه ومن في طبقته ومن شعره قوله:

وغادة هويت ابراز طلعتها

لناظري فنهاها الخوف واللمم

فأسفرت قبل المرآة فانطبعت

تلك المحاسن فيها وهي تبتسم

قوله:

تواضع قوم فظن الجهول

برتبتهم أنهم وضع

وقوم تساموا على غيرهم

بغير اتصاف بما يرفع

فهم كالغصون إذا ما خلت

تسامت وان أثمرت تخضع

وله في واقعة اتفقت لبعضهم في بغداد:

وساترة الخدين عنا بأنمل

تفوق على عقد الجمان عقودها

لقد بخلت لكن أرتنا أناملا

وذلك يكفينا فللبخل جودها

وله أبيات في الرد على بعض العلماء في مقالته أن مرض زوار عرفة علامة عدم قبول زيارتهم وذلك سنة ١٢٤٤ هـ. الأبيات التي تقدمت وقوله:

قد كنت أرجو أن أنال بودهم

ما يرتجيه من الفتى خلطاؤه

٢٧٤

فبدت لي السحناء حتى قيل لي

( ويل لمن شفعاؤه خصماؤه )

ولم أقف على سنة وفاته سوى أنه كان في أواسط القرن الثالث عشر. وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص ١٩٧ فقال: ومن تصانيفه مناهل الأصول في عدة مجلدات شرح على تهذيب الوصول للعلامة مجلده الثالث من العام والخاص إلى آخر الظاهر والمأول فرغ منه في عام ١٢٣٩ وهو موجود عند الشيخ محمد جواد الأعسم وهو والد الشيخ محمد حسين بن الأعسم الشهيد في الدغارة عام ١٢٨٨ هـ. ورأيت بخطه المجلد الاول من شرح اللمعتين تأليف الشيخ جواد ملا كتاب في عام ١٢٣٢ هـ.

٢٧٥

الشيخ علي نقي الاحسائي

المتوفي ١٢٤٦

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين

هل للطول الخاليات بلعلع

بعد التفرق والنوى من مرجع

لم تبتسم بعهاد وكاف الحيا

كلا ولا طربت لورق سجع

لا ينفعن الدار بعد قطينها

وكف السحاب وسقي فيض المدمع

وابك الأولى نزحوا بعاطلة الضبا

إن كنت مكتئباً بقلب موجع

وقال في أخرى

يا سعد لا رقصت في ربعك الابل

ولا انثنى مدلجاً ركب به عجل

ولا سرى موهناً برق وغادية

ولا سقاك ملثاً واكف هطل

لم يشجنى ربعك العافي الذي درست

مر الرياح وفيه يضرب المثل

ولا تذكر سكان العقيق ولا

ماء العذيب وروض ناعم خضل

بلى رماني البلا منه بقارعة

فمهجتي بلظى الأحزان تشتعل

ومقلتي لم تزل تذري الدموع على

ربع الذين بأرض الطف قد قتلوا

ما إن جرى ذكر رزء السبط في خلدي

إلا وشب بقلبي النار والشعل

بقي ثلاثة أيام على عفر

بالطف لا كفن لهفي ولا غسل

مزملا بدماه ليت عينك يا

جداه تنظره في الترب منجدل

٢٧٦

هو ابن الشيخ الاوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي. ولد في الاحساء وتتلمذ على أبيه ونال حظاً كبيراً من العلوم العقلية والنقلية، وكان يقول:

إني أحفظ أثني عشر ألّف حديث بأسانيدها، وألف في مختلف العلوم منها:

١ - نهج المحجة في اثبات إمامة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام في مجلدين، طبع الأول بمطابع النجف سنة ١٣٧٠ هـ، وطبع الثاني في تبريز سنة ١٣٧٣ هـ.

٢ - منهاج السالكين في السلوك والأخلاق، طبع في تبريز سنة ١٣٧٤ هـ.

٣ - مشرق الأنوار في الحكمة.

٤ - رسالة في تفسير قاب قوسين.

٥ - كشكول في مجلدين.

٦ - ديوان شعر جمعه في حياته يتضمن مختلف النواحي الشعرية من غزل ونسيب ومدح ورثاء وأمثال وحكم وفخر وحماسه، وهو عالم أكثر منه شاعر واليك روائع من شعره قاله في مناسبات

إني عجبت وكم في الدهر من عجب

وكم رماني من الأيام بالعطب

أجلت طرفي فلا خلأ أواصله

ولا صديقا اليه منتهى حربي

والدهر شتت آمالي وفرقها

فصرت والدهر والأخوان في لعب

كأنما كانت الأخوان نائية

من الزمان رماها الدهر بالنوب

تباعدوا ولكم أبدوا وكم ستروا

حقداً وكم صرموا حبلي بلا سبب

توفي صبح الأحد ٢٣ ذي الحجة الحرام سنة ١٢٤٦ في كرمنشاه ودفن في خارج البلدة في طريق الزائرين الذين يقصدون كربلاء، وكان ذلك بوصية منه. عاش بعد والده خمس سنوات وأحد عشر يوماً.

٢٧٧

السيد سليمان داود الحلي

المتوفي سنة ١٢٤٧

أرى العمر في صرف الزمان يبيد

ويذهب لكن ما نراه يعود

فكن رجلا إن تنض أثواب عيشه

رثاثا فثوب الفخر منه جديد

وإياك أن تشري الحياة بذلة

هي الموت والموت المريح وجود

وغير فقيد من يموت بعزة

وكل فتى بالذل عاش فقيد

لذاك نضا ثوب الحياة ابن فاطم

وخاض عباب الموت وهو فريد

ولاقى خميسا يملأ الأرض زحفه

بعزم له السبع الطباق تميد

وليس له من ناصر غير نيف

وسبعين ليثا ما هناك مزيد

سطت وأنابيب الرماح كأنها

أجام وهم تحت الرماح أسود

ترى لهم عند القراع تباشراً

كأن لهم يوم الكريهة عيد

وما برحوا يوماً عن الدين والهدى

إلى أن تفانى جمعهم وأبيدوا

ويسطو العفرني حين أفرد صولة

أبيد بها للظالمين عديد

وقد كاد يفنيهم ولكنما القضا

على عكس ما يهوى الهدى ويريد

فأصمى فواد الدين سهم منية

فهد بناء الدين وهو مشيد

بنفسي تريب الخد ملتهب الحشى

عليه المواضى ركع وسجود

بنفسي قتيل الطف من دم نحره

غدا لعطاشى الماضيات ورود

٢٧٨

بنفسي راس الدين ترفع رأسه

رفيع العوالي السمهرية ميد

تخاطبه مقروحة القلب زينب

فتشكو له أحوالها وتعيد

أخي كيف ترضى أن نساق حواسراً

ويطمع فينا شامت وحسود

أخي إن قلبي بات للوجد عنده

مواثيق لم تنقض لهن عهود

إذا رمت إخفاء الدموع ففي الجوى

مع الدمع مني سائق وشهيد

أيصبح ثغري بعد يومك باسماً

وينكت ثغر الفخر منك يزيد

وتؤنسني تربي وأنت بمهمه

أنيسك عسلان الفلاة وسيد

فلا در بعد السبط در غمامة

ولا لنبات الأرض شب وليد(١)

__________________

١ - لواعج الأشجان للسيد الأمين

٢٧٩

السيد سليمان داود الحلي

السيد سليمان بن داود بن سليمان بن داوود بن حيدر حيدر بن أحمد بن محمود الحسيني الحلي والد السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ولد سنة ١٢٢٢ توفي سنة ١٢٤٧ بالحلة ودفن بالنجف الأشرف.

كان أديباً شاعراً شريف النفس عالي الهمة وقورا له إلمام ببعض العلوم وله أرجوزة في النحو. وله شعر في الحسينعليه‌السلام (١) نظم الشعر وهو ابن اثنتي عشرة سنة(٢) .

في البابليات: أبو حيدر سليمان بن داود بن سليمان بن داود الحسيني ذكرنا جماعة من أسرته فيما مضى وسنذكر الباقين فيما يأتي ممن نظم في الحسين (ع) كان يلقب بالصغير وجده يلقب بسليمان الكبير دفعا لما يوشك أن يقع من الإيهام والإلتباس عند ذكرهما وكان مولده ١٢٢٢ هـ وابتدأ يقول الشعر وهو ابن ١٢ سنة كما في مجموعة الشيخ محمد بن نظر علي وهو من مجاوري السيد ومعاصريه،

__________________

١ - أقول وفي ج ٣٥ من أعيان الشيعة ص ٣١٤ ترجمة لجد المترجم له. أي للسيد سليمان ابن داوود بن حيدر المتوفى سنة ١٢١١ بالحلة.

٢ - توفى بالوباء الذي هم العراق وفتك بالناس فتكا عظيما وذلك سنة ١٢٤٧ هـ وقد جاء تاريخ الوباء ( مرغز ) وكذلك لما عاد أرخوه مرغزان ١٢٩٨.وفي المرة الثالثة أرخوه ( عاد ) مرغز ١٣٢٢.

٢٨٠

في يد الـمُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده؟ إن قلنا : إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب(١) ، كان مضموناً عليه ، وإلّا فلا. وليس له استعماله إجماعاً.

وهذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ على وجه السوم.

لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة : إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض ؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ(٢) .

وقال غيره : الأصحّ كهو في العارية(٣) .

وهذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.

مسألة ١١٨ : لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال‌ ، مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس ، فالوجه : ضمان العين وقت التلف ؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ ، والإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلى استعمالٍ غير مُتلفٍ ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء ؛ لأنّه إتلاف استند إلى فعلٍ مأذونٍ فيه(٤) .

وعلى الأوّل لهم وجهان :

أحدهما : كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف ، وهو آخر حالات التقويم.

____________________

(١) الظاهر : « ضمانَ الغصب ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

٢٨١

والثاني : إنّه تُضمن العين بجميع أجزائها(١) .

مسألة ١١٩ : قد مضى البحث في ضمان العين‌ ، وأمّا ضمان الأجزاء فإن تلف منها شي‌ء بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللُّبْس المأذون فيه ، لم يلزم الـمُستعير ضمانه ؛ لحدوثه عن سببٍ مأذونٍ فيه ، وهو قول الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يلزمه الضمان ؛ لأنّ العارية مؤدّاة ، فإذا تلف بعضها فقد فات ردّه ، فيضمن بدله(٣) .

والمعتمد : الأوّل.

وأمّا إن تلف من الأجزاء شي‌ء بغير الاستعمال ، فإن كانت العين مضمونةً كان الـمُستعير ضامناً للأجزاء ، وإلّا كانت أمانةً كالعين ، كما لو تلفت العين بأسرها ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه لا يجب ضمانها على الـمُستعير ، كما لو تلفت بالاستعمال ، ويكتفى بردّ الباقي(٤) .

واعلم أنّ تلف الدابّة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثوب ، وتعيّبها بالركوب أو الحمل وشبهه كالانسحاق.

ولو قرّح ظهرها بالحمل وتلفت منه ، قال بعض الشافعيّة : يضمن ، سواء كان متعدّياً بما حمل أو لا ؛ لأنّه إنّما أذن له في الحمل ، لا في الجراحة ، وردُّها إلى المالك لا يُخرجه عن الضمان ؛ لأنّ السراية تولّدت من مضمونٍ ، فصار كما لو قرّح دابّة الغير في يده(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٢

وفيه نظر.

مسألة ١٢٠ : المستأجر يملك المنفعة ملكاً تامّاً‌ ، ولهذا جاز له أن يؤجر العين مدّة إجارته ، والمنفعة قابلة للنقل ، فجاز أن يعيرها ، فإذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ، كان حكمها حكم العارية من المالك في الضمان وعدمه.

والشافعي القائل بالضمان في مطلق العارية له هنا قولان :

أحدهما : إنّه يضمن الـمُستعير هنا ، كما لو استعار من المالك.

والثاني - وهو الأصح عنده - : إنّه لا يضمن ؛ لأنّ المستأجر لا يضمن ، وهو نائب المستأجر ، ألا ترى أنّه إذا انقضت مدّة الإجارة ارتفعت العارية واستقرّت الإجارة على المستأجر بانتفاع الـمُستعير.

ومئونة الردّ في هذه الاستعارة على الـمُستعير إن ردّ على المستأجر ، وعلى المالك إن ردّ عليه ، كما لو ردّ عليه المستأجر(١) .

مسألة ١٢١ : إذا استعار من الغاصب العينَ المغصوبة وكان عالماً أو جاهلاً ثمّ قامت البيّنة بالغصب ، لم يجز له ردّها على الـمُعير‌ ؛ لأنّه ظالم ، ووجب عليه ردّها إلى مالكها ، فإن كان قد استعملها الـمُستعير مدّةً لمثلها أُجرة كان للمغصوب منه الرجوعُ بأُجرة مثلها على أيّهما شاء.

وكذا إن نقص شي‌ء من أجزائها ، فله الرجوع بقيمة ذلك ؛ لأنّ الغاصب ضمنها باليد المتعدّية ، والـمُستعير أتلف منافع الغير بغير إذنه ، وأتلف أجزاء عينه.

فإن رجع على الـمُستعير ، فالأقرب : إنّه لا يرجع على الـمُعير ؛ لأنّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٣

التلف وقع في يده ، ولأنّه ضمن ما أتلفه ، ولا يرجع به على غيره ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه غرّه بأنّه دخل في العارية على أنّه لا يضمن المنفعة والأجزاء(١) .

وإن رجع على الـمُعير ، فهل يرجع الـمُعير على الـمُستعير؟ يبنى على القولين ، إن قلنا : لو رجع على الـمُستعير رجع به على الـمُعير ، فإنّ الـمُعير لا يرجع به ، وإن قلنا : لو رجع على الـمُستعير لم يرجع به ، فإنّ الـمُعير يرجع به.

فأمّا إن تلفت العين في يد الـمُستعير ، فإنّ لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما بقيمتها ، و [ قرار ](٢) الضمان على الـمُستعير ؛ لأنّ المال حصل في يده بجهةٍ مضمونة.

ثمّ إن تساوت القيمة في يده ويد الغاصب فلا بحث ، وإن تفاوتت فإن كانت قيمتها في يد الـمُستعير يوم التلف أكثر ، فإن رجع المالك بها على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير بها على الـمُعير قولاً واحداً ؛ لأنّ العارية مضمونة على الـمُستعير.

وإن كانت قيمتها في يد الـمُعير أكثر ، لم يطالب المالكُ الـمُستعير بالزيادة ؛ لأنّها تلفت في يد الـمُعير ولم يحصل في يده ، وإنّما يطالب بالزيادة الـمُعير ؛ لأنّها تلفت في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، وانظر : المغني ٥ : ٤١٤ - ٤١٥ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٢٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ث » : « من ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « من أنّ ». وكلاهما ساقط في « خ ، ر ». والمثبت من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٤

وإذا طالَب المالك بغرامة المنافع ، فإن طالَب الـمُستعير غُرْمها ، فالمنفعة التي تلفت تحت يده قرار ضمانها على الـمُعير ؛ لأنّ يد الـمُستعير الجاهل في المنافع ليست يدَ ضمانٍ ، والتي استوفاها بنفسه الأقوى : إنّ الضمان يستقرّ عليه ؛ لأنّه مباشر للإتلاف ، وهو أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّ الضمان على الـمُعير ؛ لأنّه غرّه(١) .

والـمُستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم الـمُستعير من الغاصب إن قلنا بأنّ الـمُستعير من المستأجر ضامن ، وإلّا فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ، ويرجع المستأجر على الغاصب.

مسألة ١٢٢ : لو أنفذ وكيله إلى موضعٍ وسلّم إليه دابّةً ليركبها إليه في شغله‌ فتلفت الدابّة في يد الوكيل من غير تعدٍّ ، لم يكن عليه ضمان ، وهو ظاهرٌ عندنا ؛ فإنّا لا نوجب الضمان على الـمُستعير.

وأمّا الشافعي القائل بالضمان فإنّه نفاه هنا أيضاً ؛ لأنّ الوكيل لم يأخذ الدابّة لغرض نفسه ، بل لنفع الموكّل ، فالـمُستعير في الحقيقة المالك(٢) .

وكذا لو سلّم الدابّة إلى الرائض ليروضها(٣) فتلفت ، لم يضمن ؛ لأنّه في مصلحة المالك.

وكذا لو كان له عليها متاع فأركب إنساناً غيره فوق ذلك المتاع ليحفظه ويحترز عليه ، فتلفت الدابّة ، لم يكن على الراكب ضمان ؛ لأنّه في شغل المالك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) راض الدابّة يروضها : وطّأها وذلّلها أو علّمها السير. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

٢٨٥

ولو وجد ماشياً في الطريق قد تعب من المشي فأركبه دابّته ، فعندنا لا ضمان إذا لم يتعدّ ؛ بناءً على أصلنا من عدم تضمين العارية.

وأمّا عند الشافعي فالمشهور أنّ الراكب يضمن ، سواء التمس الراكب الركوبَ للاستراحة ، أو ابتدأ المالك بإركابه ؛ لأنّها عارية محضة ، والعارية على أصله مضمونة(١) .

وقال الجويني من الشافعيّة : إنّه لا يضمن الراكب ؛ لأنّ القصد من هذه العارية التصدّق والقربة ، والصدقات في الأعيان تفارق الهبات ، ألا ترى أنّه يرجع في الهبة ولا يرجع في الصدقة ، فلذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواريّ في الضمان(٢) .

ولو أركبه مع نفسه ، فلا ضمان عندنا على الرديف. وعلى قول الشافعي إنّه يضمن النصف(٣) .

وقال الجويني : لا يلزمه شي‌ء ؛ تشبيهاً له بالضيف(٤) .

وعلى الأوّل لو وضع متاعه على دابّة غيره وأمره أن يسيّر بالدابّة ففعل ، كان صاحب المتاع مستعيراً من الدابّة بقسط متاعه ممّا عليها ، حتى لو كان عليها مثل متاعه وتلفت ضمن نصف الدابّة(٥) .

ولو لم يقل صاحب المتاع : سيِّرها ، ولكن سيَّرها المالك ، لم يكن صاحب المتاع مستعيراً ، وضمن صاحب الدابّة المتاعَ ؛ لأنّه كان من حقّه أن‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

٢٨٦

يطرح المتاع.

ولو كان لأحد الرفيقين في السفر متاع وللآخَر دابّة ، فقال صاحب المتاع للآخَر : احمل متاعي على دابّتك ، ففَعَل ، فصاحب المتاع مستعير لها.

ولو قال صاحب الدابّة : أعطني متاعك لأضعه على الدابّة ، فهو مستودع للمتاع.

ولا تدخل الدابّة في ضمان صاحب المتاع في الصورتين عندنا ، وفي الثانية عند الشافعي(١) .

مسألة ١٢٣ : تجوز استعارة الدابّة للركوب والحمل‌ ، سواء أطلق أو قيّد بالزمان أو المنفعة ، وأن يستعيرها ليركبها ؛ لأنّه تجوز إجارتها لذلك ، والإعارة أوسع ؛ لجوازها فيما لا تجوز إجارته ، فإن استعارها إلى موضعٍ فتجاوزه فقد تعدّى في العارية من وقت المجاوزة ، وكان ضامناً من حين العدوان ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) ، فإذا استعارها من بغداد إلى الحلّة فتجاوزها إلى الكوفة ، فعليه أُجرة ما بين الحلّة والكوفة ذهاباً وعوداً.

وهل تلزمه الأُجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان - وهو الحلّة - إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه ، وهو بغداد؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : اللزوم ؛ لأنّ ذلك الإذن قد انقطع بالمجاوزة(٣) . وهو ممنوع.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٧

إذا عرفت هذا ، فلو شرط الضمان في العارية أو أطلق وقلنا بضمان العواري ، فإنّ الدابّة تكون مضمونةً عليه إلى الحلّة ضمانَ العارية ، ولا أُجرة عليه ؛ لأنّه مأذون له في ركوبها ، فإذا جاوز ضمنها ضمانَ الغصب ، ووجب عليه أُجرة منافعها ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) .

وأبو حنيفة يقول : إنّها أمانة إلى الحلّة ، فإذا جاوزها كانت مغصوبةً ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل ضمان الغصب ، بخلاف قوله في الوديعة إذا أخرجها من حرزها ثمّ ردّها إليه(٢) .

إذا ثبت هذا ، فعلى قول الشافعي بانقطاع الإذن من حين التعدّي ليس له الركوب من الحلّة إلى بغداد ، بل يسلّم الدابّة إلى حاكم الحلّة الذي استعار إليه(٣) .

مسألة ١٢٤ : إذا دفع إليه ثوباً وقال : إن شئت أن تلبسه فالبسه‌ ، فهو قبل اللُّبْس وديعة ، وبعده عارية ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر مخرَّج من السوم ؛ لأنّه مقبوض على توقّع الانتفاع ، فكما أنّ المأخوذ على سبيل السوم مقبوض على توقّع عقد ضمانٍ ، كذا هنا.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٤ ، وراجع أيضاً الهامش (٢) من ص ١٦٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٨

قال هذا القائل : لو قيل : لا ضمان في السوم أيضاً تخريجاً ممّا نحن فيه ، لم يبعد(١) .

ولو استعار صندوقاً فوجد فيه شيئاً ، فهو أمانة عنده ، كما لو طيّر الريح الثوبَ في داره ، فلا ضمان فيه وإن كانت العارية مضمونةً ، إلّا مع التفريط أو التعدّي.

مسألة ١٢٥ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يستعير الصيد‌ ، فإن استعاره من الـمُحلّ لم يجز ، فإن قبضه ضمنه لله تعالى بالجزاء ، ولصاحبه ضمان العارية.

فإن استعار مُحلٌّ من مُحْرمٍ صيداً كان يملكه قبل أن يُحرم ، كان ذلك مبنيّاً على القولين في زوال ملكه عنه بالإحرام.

فإن قلنا : لـمّا أحرم زال ملكه عنه بالإحرام ، فقد وجب عليه إرساله ، فإذا دفعه إلى الـمُحلّ لم يجز له ، إلّا أنّ الـمُحلّ لا يضمنه له ؛ لأنّه ليس يملكه ، ولا يضمنه لله تعالى ؛ لأنّه مأذون له في إتلاف الصيد ، إلّا أنّه إذا تلف ضمنه الـمُحْرم ؛ لأنّه تلف بسببٍ من جهته ، وهو تسليمه إلى الـمُحلّ.

وإن قلنا ببقاء ملك الـمُحْرم فيه ، جاز له إعارته ، ويكون مضموناً على الـمُحلّ ضمانَ العارية لصاحبه.

ولو كان الـمُحْرم في الحرم والصيد فيه ، لم يجز له إعارته ، ولا للمُحلّ استعارته.

مسألة ١٢٦ : إذا ردّ الـمُستعير العاريةَ إلى مالكها أو إلى وكيله ، برئ من ضمانها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٩

وإن ردّها إلى ملك مالكها بأن حمل الدابّةَ إلى اصطبل المالك وأرسلها فيه ، أو ردّ آلةَ الدار إليها ، لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) ، بل عندنا إن لم تكن العارية مضمونةً فإنّها تصير بهذا الردّ مضمونةً ؛ لأنّه لم يدفعها إلى مالكها ، بل فرّط بوضعها في موضعٍ لم يأذن له المالك بالردّ إليه ، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها فتلفت قبل أن يتسلّمها المالك ؛ لأنّه لم يردّها إلى صاحبها ولا إلى مَنْ ينوب عنه ، فلم يحصل به الردّ ، كما لو ردّها إلى أجنبيٍّ.

وقال أبو حنيفة : إذا ردّها إلى ملك المالك ، صارت كأنّها مقبوضة ؛ لأنّ ردّ العواري في العادة يكون إلى أملاك أصحابها ، فيكون ذلك مأذوناً فيه من طريق العادة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه يبطل بالسارق إذا ردّ المسروق إلى الحرز ، ولا نعرف العادة التي ذكرها ، فبطل ما قاله.

المبحث الثالث : في التنازع.

مسألة ١٢٧ : إذا اختلف المالك والـمُستعير ، فقال المالك : آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا‌ ، وقال الـمُستعير : بل أعرتنيها ، والعين باقية بعد انقضاء المدّة بأسرها أو بعضها ممّا له أُجرة في العادة ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣ / ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٩١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٣.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٢ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٩ / ٦٧٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

٢٩٠

القول قول الـمُستعير - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّهما اتّفقا على أنّ تلف المنافع كان على ملك الـمُستعير ؛ لأنّ المالك يزعم أنّه ملَّكها بالإجارة ، والـمُستعير يزعم أنّه مَلَكها بالاستيفاء ؛ لأنّ الـمُستعير يملك بذلك ، وقد ادّعي عليه عوض ما تلف على ملكه ، والأصل عدم وجوبه ، فكان القولُ قولَه ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، والمالك يدّعي شغلها ، فيحتاج إلى البيّنة(٢) .

وقال مالك : القول قول المالك مع اليمين ؛ لأنّ المنافع جارية مجرى الأعيان ، وقد ثبت أنّه لو كان أتلف عليه عيناً كما لو أكل طعامه وقال : كنتَ أبحتَه لي ، وأنكر المالك ، فإنّ القول قول المالك ، أو كانت في يده وادّعى أنّه وهبها منه وأنكر صاحبها ذلك وادّعى أنّه باعها منه : إنّ القول قول صاحبها ، كذا هنا ، ولأنّ المنافع تابعة للأعيان في الملك ، فهي بالأصالة لمالك العين ، فادّعاء الـمُستعير التفرّدَ بالملكيّة لها على خلاف الأصل ، فيحتاج إلى البيّنة(٣) .

وأمّا الشافعي فقد قال في كتاب العارية : إنّه إذا اختلف مالك الدابّة وراكبها ، فقال صاحبها : آجرتكها بكذا ، وقال الراكب : أعرتنيها ولا أُجرة لك علَيَّ ، فالقول قول الراكب(٤) .

____________________

(١) روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، البيان ٦ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٨٨ ، المسألة ٣ من كتاب العارية.

(٣) النوادر والزيادات ١٠ : ٤٦٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١.

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ١١٦ و ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، =

٢٩١

وقال في كتاب المزارعة : ولو اختلف الزارع وصاحب الأرض ، وادّعى صاحب الأرض أنّه آجره إيّاها ، وادّعى الزارع أنّه أعاره إيّاها : إنّ القولَ قولُ صاحب الأرض(١) .

واختلف أصحابه في ذلك :

فقال أبو إسحاق وجماعة : إنّه لا فرق بين المسألتين ، وإنّ فيها قولين ، ونقلوا جوابه من كلّ واحدةٍ منهما إلى أُخرى(٢) .

ومنهم مَنْ قال : إنّ المسألتين مختلفتان ، وفرّق بينهما بأنّ العادة جارية بأنّ الدوابّ تُعار ، فكان الظاهر مع الراكب ، ولم تَجْر العادة بإعارة الأرضين ، فكان الظاهر مع صاحبها(٣) .

قال الأوّلون : هذا ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ مثل هذه العادة لا اعتبار بها في التداعي ، ولهذا لو اختلف العطّار والدبّاغ في آلة العطر لا يُرجّح قول العطّار‌

____________________

= الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٩.

(١) مختصر المزني : ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣٢٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ - ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ و ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠.

٢٩٢

وإن كانت العادة جاريةً بأنّ آلة العطّار لا تكون للدبّاغ.

وفرّقوا بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسّال أو خاطه خيّاط ثمّ قال : فعلتُه بالأُجرة ، وقال المالك : بل فعلتَ ذلك مجّاناً ، فإنّ القول قول المالك مع يمينه قولاً واحداً ؛ لأنّ الغسّال فوّت منفعة نفسه ثمّ ادّعى لها عوضاً على الغير ، وهناك المتصرّف فوّت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه ، فلم يُقبل(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : القول قول الـمُستعير ، فحلف على نفي الإجارة ، كفاه ، وسقط عنه المطالبة ، وردّ العين ، وإن نكل حلف المالك ، واستحقّ بيمينه المسمّى ؛ لأنّ اليمين مع النكول إمّا أن تكون بمنزلة البيّنة أو الإقرار ، وأيّهما كان يثبت به المسمّى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يستحقّ أُجرة المثل ؛ لأنّ الناكل ينفي أصل الإجارة ، فتقع يمين المدّعي على إثباته(٣) .

وليس هذا الوجه عندي بعيداً من الصواب.

وإن قلنا : القول قول المالك مع يمينه ، فإنّه يحلف على نفي الإعارة التي تدّعى عليه ، ولا يتعرّض لإثبات الإجارة ؛ لأنّه مدّعٍ فيها ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

فحينئذٍ إذا حلف على نفي الإعارة ، فالأقوى عندي : إنّ الـمُستعير يحلف على نفي الإجارة ، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من أُجرة‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢.

(٣) البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٣

المثل والمسمّى ؛ لأنّه إن كانت أُجرة المثل أقلَّ فهو لم يُقم حجّةً على الزيادة ، وإن كان المسمّى أقلَّ فقد أقرّ بأنّه لا يستحقّ الزيادة.

وقال بعض الشافعيّة : إذا حلف المالك على نفي الإعارة ، استحقّ أقلَّ الأمرين من أُجرة المثل والمسمّى إن لم يحلف الـمُستعير.

قال : وإن قلنا : إنّ المالك يحلف على إثبات الإجارة ونفي الإعارة ويجمع بينهما في يمينه ، ففيما يستحقّه وجهان :

أحدهما : المسمّى إتماماً لتصديقه.

وأظهرهما - وهو مقتضى منصوص الشافعي في الأُم(١) - أُجرة المثل ؛ لأنّهما لو اتّفقا على الإجارة واختلفا في الأُجرة كان الواجب أُجرة المثل ، فإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولى(٢) .

والجويني حكى الوجه الثاني على غير ما ذكر ، بل حكى بدله : إنّه يستحقّ أقلَّ الأمرين ؛ لما(٣) تقدّم.

قال : والتعرّض للإجارة على هذا ليس لإثبات المال الذي يدّعيه ، لكن لينتظم كلامه من حيث إنّه اعترف بأصل الإذن ، فحصل فيما يستحقّه ثلاثة أوجُه(٤) .

ولو نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه ، لم تُردّ اليمين على الراكب والزارع ؛ لأنّهما لا يدّعيان حقّاً على المالك حتى يُثبتاه باليمين ، وإنّما يدّعيان الإعارة ، وليست حقّاً لازماً على الـمُعير.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٣) الظاهر : « كما » بدل « لما ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

٢٩٤

وقال بعض الشافعيّة : إنّها تُردّ ؛ ليتخلّص من الغرم(١) .

مسألة ١٢٨ : لو وقع هذا الاختلاف عقيب العقد قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أجر‌ ، فالقول هنا قول الـمُستعير مع اليمين ، فإذا حلف على نفي الإجارة سقط عنه دعوى الأُجرة ، واستردّ المالك العين ، وإن نكل حلف المالك اليمينَ المردودة ، واستحقّ الأُجرة.

وهذا قول الشافعي أيضاً ، ولا قول له سواه ؛ لأنّ الراكب هنا لا يدّعي لنفسه حقّاً ولا أتلف المنافع على المالك ، والمدّعي في الحقيقة هنا هو المالك ، وإذا تمحّضت الدعوى له لم يتعدّد قوله كما يتعدّد في الصورة الأُولى ؛ لأنّ المنافع هناك تلفت تحت يد الراكب ، وكان القول بسقوطها مجّاناً بعيداً ، فلهذا كان له في الصورة الأُولى قولان(٢) .

مسألة ١٢٩ : لو حصل هذا الاختلاف بعد تلف العين‌ ، فإن تلفت عقيب الأخذ قبل أن يثبت لمثلها أُجرة وشرط في العارية الضمان أو قلنا به على مذهب القائلين بضمان العارية ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّ صاحبها يدّعي الإجارة وقد انفسخت بتلفها ، والـمُستعير يُقرّ بالقيمة ويعترف باستحقاقها في ذمّته ، والمالك ينكرها ، فليس للمالك حينئذٍ المطالبة بها.

ولو لم نقل بالضمان في العارية ولا شرطه المالك ، فلا بحث هنا ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعترف ببراءة ذمّة الـمُستعير.

وإن تلفت بعد مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة مع شرط الضمان أو القول به ، فالـمُستعير يُقرّ بالقيمة ، والمالك ينكرها ويدّعي الأُجرة ، فيبنى على الخلاف بين العامّة في أنّ اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٥

إن قلنا : نعم ، سقطت القيمة بردّه ، والقول في الأُجرة قول المالك أو الـمُستعير على الخلاف الذي تقدّم في الحالة الأُولى.

وإن قلنا : إنّ اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ ، فإن كانت الأُجرة مثلَ القيمة أو أقلَّ أخذها بغير يمينٍ ، وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة ، وفي المصدّق في الزيادة الخلافُ المتقدّم(١) .

مسألة ١٣٠ : لو انعكس هذا الاختلاف ، فادّعى المالكُ الإعارةَ ، والمتصرّفُ الإجارةَ‌ ، فإن كانت العين باقيةً وكان الاختلاف عقيب التسليم قبل مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة ، كان القولُ قولَ المالك ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي عليه عقداً واستحقاق منفعةٍ ، والمالك ينكره ، وإذا لم تكن بيّنة كان القولُ قولَ المنكر مع اليمين ، ثمّ تُستردّ العين.

وإن نكل حلف المتصرّف ، واستحقّ المنفعة المدّة والإمساك طولها.

وإن كان بعد مضيّ مدّة الإجارة ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّهما اتّفقا على وجوب ردّها ، والمتصرّف يُقرّ للمالك بالأُجرة ، والمالك ينكرها.

وإن كان بعد مضيّ بعض المدّة ، فالقول قول المالك ؛ لأنّ الأصل عدم استحقاق الغير منفعة مال الغير ، فإذا حلف على نفي الإجارة أخذ العين ، وليس له مطالبته بالأُجرة عمّا مضى من المدّة ؛ لأنّه ينكرها والمتصرّف معترف له بها.

هذا إذا كان الاختلاف والعين باقية ، وأمّا إن اختلفا والعين تالفة ، فإن كان الاختلاف عقيب القبض قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك هنا يدّعي قيمتها على المتصرّف مع شرط الضمان عندنا ، ومطلقاً عند‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٦

الشافعي(١) ، والمتصرّف ينكرها ، فيُقدَّم هنا قول المالك مع اليمين ؛ لأنّهما اختلفا في صفة القبض ، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمانُ ؛ لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة ، فالمتصرّف يُقرّ بالأُجرة ، والمالك يدّعي عليه القيمة في المضمونة ، فإن كانت القيمة بقدر الأُجرة دفع إليه من غير(٣) يمينٍ ؛ لاتّفاقهما على استحقاق ذلك المقدار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا تثبت الأُجرة ؛ لأنّه لا يدّعيها ، ويكون القولُ قولَه في وجوب القيمة(٥) .

وإن كانت أقلَّ ، كان في قدرها الوجهان.

وإن كانت أكثر ، كان قدر الأُجرة منهما على الوجهين ، والباقي يستحقّه بيمينه.

وإن كان التلف في أثناء المدّة ، فقد أقرّ له ببعض الأُجرة ، وهو يدّعي القيمة ، والحكم في ذلك على ما ذكر.

مسألة ١٣١ : لو ادّعى المالكُ الغصبَ ، والمتصرّفُ الإعارةَ والعين باقية قائمة ، ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فلا معنى لهذا الاختلاف‌ ؛ إذ لم تفت العين ولا المنفعة ، ويردّ المتصرّفُ العينَ إلى المالك.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : إنّ القولَ قولُ المالك مع‌

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢)

(٣) في « ج » : « بغير » بدل « من غير ».

(٤ و ٥) البيان ٦ : ٤٧٦.

٢٩٧

يمينه ؛ لما تقدّم(١) من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان في التملّك ، فالقول قول مَنْ يدّعيها مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة وبراءة ذمّته من التصرّف في مال الغير ، فعليه البيّنة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : القول قول المتصرّف - وهو أحد أقوال الشافعي نقله المزني عنه(٢) - لأنّ المالك يدّعي عليه عوضاً ، والأصل براءة ذمّته منه ، ولأنّ الظاهر من اليد أنّها بحقٍّ ، فكان القولُ قولَ صاحبها(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لما بيّنّا من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان ، ولأصالة عدم الإذن ، وكما أنّ الظاهر أنّ اليد بحقٍّ ، كذا الظاهر التبعيّة.

ولأصحاب الشافعي هنا ثلاثة طُرق :

أظهرها : إنّ الحكم هنا على ما تقدّم في المسألة السالفة ، فيُفرّق بين الدابّة والأرض على طريقٍ ، ويُجعلان على قولين في طريقٍ ؛ لأنّ المالك ادّعى أُجرة المثل هنا ، كما ادّعى المسمّى في الإجارة هناك ، والأصل براءة الذمّة.

والثاني : القطع بأنّ القول قول المالك ، بخلاف تلك المسألة ؛ لأنّهما متّفقان على الإذن هناك ، وهنا المالك منكر له ، والأصل عدمه. ومَنْ قال بهذا خطّأ المزني في النقل.

قال أبو حامد : لكنّه ضعيف ؛ لأنّ الشافعي نصّ في الأُمّ على ما رواه‌

____________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، المغني ٥ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٨٩ ، المسألة ٥ من كتاب العارية.

٢٩٨

المزني(١) .

والثالث : القطع بأنّ القول قول المتصرّف ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يتصرّف إلّا على وجهٍ جائز(٢) .

هذا إذا تنازعا والعين باقية.

مسألة ١٣٢ : لو وقع هذا الاختلاف وقد تلفت العين‌ ، فإن هلكت بعد انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة بجهة الغصب ، والمتصرّف يُنكر الأُجرة ويُقرّ بالقيمة بجهة العارية إن كانت مضمونةً ، فالحكم في الأُجرة على ما تقدّم عند بقاء العين.

وأمّا القيمة فإنّه يُحكم فيها بقول المتصرّف ؛ لأصالة براءة ذمّته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا على الغاصب أعلى القِيَم.

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا : إنّ اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، فلا يأخذ المالك إلّا باليمين. وإن قلنا : لا يمنع فإن قلنا : العارية تُضمن ضمانَ الغصب ، أو لم نقل به لكن كانت قيمته يوم التلف أكثر ، أخذها باليمين ، وإن كانت قيمته يوم التلف أقلَّ ، أخذها بغير يمينٍ ، وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين(٣) .

وإن هلكت عقيب القبض قبل مضيّ وقتٍ يثبت لمثله أُجرة ، لزمه القيمة.

ثمّ قياس القول الأوّل أن يقال : إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، وراجع الأُم ٣ : ٢٤٥ ، ومختصر المزني : ١١٦.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٩

الأخذ ، حلف ، وإلّا أخذ بغير يمينٍ.

وقضيّة ما قاله الجويني في مسألة التنازع بين الإجارة والعارية : إنّه لا يُخرّج على ذلك الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضيّ مدّةٍ يثبت لمثلها أُجرة.

قال : لأنّ العين متّحدة ، ولا وَقْع للاختلاف في الجهة مع اتّحاد العين(١) .

والظاهر : الأوّل عندهم(٢) .

وإن كانت العارية غيرَ مضمونةٍ ، فإنّ القولَ قولُ المالك في عدم الإعارة ، وقولُ المتصرّف في عدم الغصب لئلّا يضمن ضمانَ الغصب ، ثمّ يثبت على المتصرّف بعد حلف المالك على نفي الإعارة قيمتُها وقت التلف.

مسألة ١٣٣ : لو انعكس الفرض ، فقال المالك : أعرتُكها ، وقال المتصرّف : بل غصبتُها ، فلا فائدة في هذا الخلاف‌ ؛ لأنّ المتصرّف يُقرّ بالضمان ، والمالك يُنكره إن كانت العارية غير مضمونةٍ ، وإن كانت مضمونةً فإنّه يُنكر ضمان الغصب.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالمالك ينفي استحقاق العوض عنها ، والمتصرّف يعترف له بها.

ولو قال المالك : غصبتَها ، وقال المتصرّف : بل آجرتني ، فإن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : التحالف.

أمّا حلف المتصرّف على نفي الغصب : فلنفي زيادة الضمان إن‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336