أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111317 / تحميل: 8321
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

لا كان يومك يا ابن المرتضى فلقد

قضى علينا برق بعد تحرير

إذا تذكرته خر الحشى صعقا

كأنما كان يوم النفخ في الصور

وهاكم يا بني الزهراء مرثية

كالروض يبكي بإحداق الأزاهير

وكيف أشقى وأهل الكهف كلبهم

تاج ولست لديكم دون قطمير

عليكم صلوات الله ما لعبت

أيدي السرى بقداح الخيل والعير

وقال يمدح الامام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، وقد التزم الشاعر فيها الجناس بين كل بيتين في القافية.

يا نزولا بين جمع والمصلى

قتل مثلي في هواكم كيف حلا

عقد الصب بكم آماله

ليت شعري من لذاك العقد حلا

قال لي العاذل أضناك الهوى

فانتجع غير هوهم قلت كلا

فانثنى عني وما زال المنى

من فتى أمسى على الأحباب كلا

أيها البارق سلهم عن دمي

إن توسطت حماهم كيف طلا

واسق جيران اللوى والمنحنى

وابلا تحيا به الأرض وطلا

لا ترم مني سلواً بعدهم

نأيهم والهجر سل الصبر سلا

ما على طيفهم لو زارني

وأماط الحزن عن قلبي وسلى

لي قلب سبق الناس إلى

حبهم واعتاقه السقم فصلى

عجباً كيف استباحوا مهجتي

وهي مغنى خير من صام وصلى

حسن الأخلاق سبط المصطفى

مفزع الناس إذا ما الخطب جلا

طالما أذهب عن ذي فاقة

بنداه ظلمة الفقر وجلى

ماجد تسري المعالي إن سرى

وتنادي بحلول حيث حلا

رفع الله به قدر العلى

وبه جيد الهدى والدين حلى

أي راع لا يراعي أحداً

غير من يرعى لدين الله الا

حجة الله الامام المجتبى

ذو الأيادي خير خلق الله إلا

٦١

خير حبل مده الله لمن

صده الشيطان عنه وأزلا

نشر العدل فكم من ظبية

تمتطي في مهمه ذئبا أزلا

ذو بنان كشآبيب الحيا

أنهل الحران منهن وعلا

خفض البخل ومن دان به

وبناء الجود والإحسان على

رفعته قدرة الله الى

ما تمنى فدنا ثم تدلى

دوحة العلم الإلهي التي

فرعها في جنة الخلد تدلى

سيدي يا حجة الله الذي

لأمور الإنس والجن تولى

فاز والله وما خاب فتى

بكم يا خيرة الله تولى

حبكم شغل فؤادي في الملا

ونجي القلب مني ان تخلى

مفزعي أنتم إذا ما مفزعي

صد عني يوم حشري وتخلى

ألحق الله بكم أشياعكم

وأعاديكم جحيم النار صلى

وسقى صوب الحيا أجداثكم

وعليكم سلم الله وصلى

وزار مشهد السيدة زينب الكبرى بدمشق الشام - قرية راوية - فكتب على حائط المشهد.

مقام لعمر الله ضم كريمة

زكا الفرع منها في البرية والاصل

لها المصطفى جد وحيدرة أب

وفاطمة أم وفاروقهم بعل

وقال يمدحها ويتخلص لمدح السيدين: السيد حسين والسيد علي من آل المرتضى.

يا دوحة بسقت في المنبت الزاكي

حيا الحيا ربعك السامي وحياك

حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملا

أباً وأماً وكان الفضل للحاكي

أبوك حيدرة والأم فاطمة

والجد أحمد والسبطان صنواك

فخر لعمر العلى ما ناله أحد

إلاك يا بضعة الزهراء إلاك

٦٢

لك المقام الذي ما زال مشتملا

على ملائكة غر واملاك

يقبلون ضريحاً ضم ناسكة

ترعرعت بين زهاد ونساك

يبكون من خيفة والثغر مبتسم

من المسرة يا للضاحك الباكي

ويصدرون وفي أيديهم سبب

من المحامد موصول بذكراك

أولاك مولاك مجداً لا يرام فما

أحراك بالغاية القصوى وأولاك

لجيد مجدك أطواق الثنا خلقت

جل الذي بجلى الفضل حلاك

طوبى لمن شم يوماً من حماك شذا

لأن من جنة الفردوس رياك

اني لاغبط مخدومين قد خدما

مثواك يا قدس الرحمن مثواك

هما لعمر العلى بدران تمهما

وحسن حالهما من بعض حسناك

من كالحسين وقد أمسيت عمته

فلو دعوت أمس الناس لباك

ومن يداني عليا وهو منتسب

للمرتضى وهو مولاه ومولاك

تقاسما خطط العلياء وارتضعا

ثدي العلى حافلا في ظل مغناك

غيثان لا يعدم المضطر غوثهما

لأن جودهما من فيض جدواك

وحسب هذين فخراً أن ذكرهما

يا درة التاج مقرون بذكراك

اليك يا مفزع الراجي مددت يدي

وأنت أدرى بما يرجوه مولاك

وكيف لا يطلب الدنيا وضرتها

مولاكم وهما أدنى عطاياك

٦٣

السيد احمد العطار

المتوفى ١٢١٥

أي طرف منا يبيت قريراً

لم تفجر أنهاره تفجيراً

أي قلب يستر من بعد من كان

لقلب الهادي النبي سرورا

آه واحسرتا عليه وقد أخرج

عن دار جده مقهوراً

كاتبوه فجاءهم يقطع البيداء

يطوي سهولها والوعورا

أخلفوه ما عاهدوا الله من قبل

وجاءوا إذ ذاك ظلماً وزورا

أخلفوا الوعد أبدلوا الود خانوا

العهد جاروا عتوا عتوا كبيرا

فأتاهم محذرا ونذيرا

فأبى الظالمون إلا كفورا

وأصروا واستكبروا ونسوا

يوماً عبوساً على الورى قمطريرا

لست أنسى إذ قام في صحبه

ينثر من فيه لؤلؤاً منثورا

قائلا ليس للعدى بغية

غيري ولا بد أن أردى عفيرا

اذهبوا فالدجى ستير وما الوقت

هجيراً ولا السبيل خطيرا

فأجابوه حاش لله بل نفديك

والموت فيك ليس كثيرا

٦٤

لا سلمنا إذن إذا نحن أسلمـ

ـناك وتراً بين العدى موتورا

أنخليك في العدو وحيداً

ونولى الأدبار عنك نفورا

لا أرانا الإله ذلك واختا

روا بدار البقاء ملكاً كبيراً

بذلوا الجهد في جهاد الأعادي

وغدا بعضهم لبعض ظهيرا

ورموا حزب آل حرب بحرب

مأزق كان شره مستطيرا

كم أراقوا منهم دماً وكأي

من كحي قد دمروا تدميرا

فدعاهم داعي المنون فسروا

فكأن المنون جاءت بشيرا

فأجابوه مسرعين إلى القتل

وقد كان حظهم موفورا

فلئن عانقوا السيوف ففي مقـ

ـعد صدق يعانقون الحورا

ولئن غودروا على الترب صرعى

فسيجزون جنة وحريرا

وغداً يسربون كأساً دهاقاً

ويلقون نظرة وسروراً

كان هذا لهم جزاء من

الله وقد كان سعيهم مشكورا

فغدا السبط بعدهم في عراص

الطف يبغي من العدو نصيرا

كان غوثاً للعالمين فأمسى

مستغيثاً يا للورى مستجيرا

فأتاه سهم مشوم به

انقض جديلا على الصعيد عفيرا

فأصاب الفؤاد منه لقد

أخطأ من قد رماه خطأ كبيرا

فأتاه شمر وشمر عن سا

عد أحقاد صدره تشميرا

وارتقى صدره اجتراء على

الله وكان الخب اللئيم جسورا

وحسين يقول إن كنت من يجهل

قدري فاسأل بذاك خبيرا

فبرى رأسه الشريف وعلاه

على الرمح وهو يشرق نورا

ذبح العلم والتقى إذ براه

وغدا الحق بعده مقهورا

عجباً كيف تلفح الشمس شمساً

ليس ينفك ضوءها مستنيرا

٦٥

عجباً للسماء كيف استقرت

ولبدر السماء يبدو منيرا

كيف من بعده يضي أليس

البدر من نور وجهه مستعيرا

غادروه على الثرى وهو ظل الله

في أرضه يقاسي الحرورا

ثم رضوا بالعاديات صدوراً

لأناس في الناس كان صدورا

قرعوا ويلهم ثغور رجال

بهم ذو الجلال يحمي الثغورا

هجروا في الهجير أشلاء قوم

أصبح الذكر بعدهم مهجورا

أظلم الكون بعدهم حيث قد

كانوا مصابيح للورى وبدورا

استباحوا ذاك الجناب الذي قد

كان حصناً للمستجير وسورا

أضرموا في الخيام ناراً تلظى

فسيصلون في الجحيم سعيرا

بعد أن أبرزوا النساء سبايا

نادبات ولا يجدن مجيرا

مبديات الأسى على من بسيف الظـ

ـلم قد بات نحره منحورا

من يصلى عن المصلين من

يدفن تحت التراب تلك البدورا

من يقيم العزاء حزناً على من

رزؤهم احزن البشير النذيرا

من لأسد قد جزروا كالأضاحي

يشتكون الظما وكانوا بحورا

من لزين العباد إذ صفدوه

بقيود وأوثقوه أسيرا

عجباً تجتري العبيد على من

كان للناس سيداً وأميرا

من لطود هوى وكان عظيما

من لغصن ذوى وكان نضيرا

من لبدر أضحى له اللحد برجاً

من لشمس قد كورت تكويرا

من لجسم في الترب بات تريبا

من لرأس فوق السنان أديرا

وجباه ما عفرت لسوى اللـ

ـه على الترب عفرت تعفيرا

وخدود شريفة لم تصعر

قط للناس وسدوها الصخورا

ووجوه مصونة هتكوها

وأباحوا حجابها المستورا

٦٦

وبيوت برفعها أذن الله

غدت بعد ساكنيها دثورا

يا له فادحاً تضعضع ركن الد

ين من عظمه ورزءاً خطيرا

ومصاباً ساء النبي ومولا

نا علياً وشبرا وشبيرا

وخطوبا يطوى الجديد ولا

يفتاً في الناس حزنها منشورا

أو يقوم المهدي حامي حمى الإسلام

ساقي الأعداء كأساً مريرا

رب بلغه ما يؤمله وافتح

له من لدنك فتحاً يسيرا

ليت شعري متى نرى داعي الله

إلى الحق والسراج المنيرا

أو ما آن أن يرى ظاهراً في

يده سيف جده مشهورا

أو ما آن أن يرى ولواء

النصر من فوق رأسه منشورا

أو ما آن أن يحور فيستأصل

من كان ظن أن لا يحورا

أو ما آن أن نروح ونغدو

في ابتهاج والعيش يغدو قريرا

أو ما آن أن ينادي مناديه

عن الله في الأنام بشيرا

ذاك يوم للمؤمنين سرور

وعلى الكافرين كان عسيرا

يا بني الوحي والألى فيهم قد

أنزل الله هل أتى والطورا

دونكم من سليلكم أحمد

دراً نظيماً ولؤلؤاً منثورا

يبتغي منكم به جنة لم

ير فيها شمساً ولا زمهريرا

خسر المادحون غيركم

والمدح فيكم تجارة لن تبورا

وعليكم من ربكم صلوات

عطر الكون نشرها تعطيرا

٦٧

وله أيضاً:

ما هاج حزني بعد الدار والوطن

ولا الوقوف على الآثار والدمن

ولا تذكر جيران بذي سلم

ولا سرى طيف من أهوى فأرقني

ولم أرق في الهوى دمعاً على طلل

بال ولا مربع خال ولا سكن

نعم بكائي لمن أبكى السماء فلا

تزال تنهل منها أدمع المزن

كأنني بحسين يستغيث فلا

يغاث إلا بوقع البيض واللدن

وذمة لرعاة الحق ما رعيت

وحرمة لرسول الله لم تصن

أعظم بها محنة جلت رزيتها

يرى لديها حقيراً أعظم المحن

يا باب حطة يا سفن النجاة ويا

كنز العفاة ويا كهفي ومرتكني

يا عصمة الجار يا من ليس لي أمل

إلا ولاء إذا أدرجت في كفني

هل نظرة منك عين الله تلحظني

بها وهل عطفة لي منك تدركني

إن لم تكن آخذاً من ورطتي بيدي

ومنجدي في غدي يا سيدي فمن

وكيف تبرأ مني في المعادوقد

محضت ودك في سري وفي علني

أم كيف يعرض يوم العرض عني من

بغير دبن هواه القلب لم يدن

وهل يضام معاذ الله أحمدكم

ما هكذا الظن فيكم يا ذوي المنن

إليكم سادتي حسناء فائقة

في حسن بهجتها من سيد حسني

عليكم صلوات الله ما ضحكت

حديقة لبكاء العارض الهتن

٦٨

السيد أحمد بن محمد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار

وأسرته تعرف بـ ( الحيدرية ) توفي سنة ١٢١٥ في النجف الأشرف ودفن في الإيوان الكبير قرب مقبرة العلامة الحلي أعلى الله مقامه.

فيكون عمره قد تجاوز السبعين وأرخ وفاته الحاج محمد رضا الأزري.

كان فاضلاً فقيهاً أصولياً رجالياً محدثاً زاهداً ناسكا صاحب كرامات أديباً شاعراً علماً من أعلام عصره هاجر من وطن أبيه بغداد إلى النجف الأشرف وعمره عشر سنوات فقرأ العلوم العربية وغيرها حتى برع فيها ثم قرأ في الأصول والفقه على مشاهير ذلك العصر وكانت له خزائن كتب نفيسة تلمذ على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، له مؤلفات في الفقه والأدب والعبادة وديوان شعر يزيد على خمسة آلاف بيت ومن مؤلفاته:

١ - كتاب سماه التحقيق في الفقه وجد منه كتاب الطهارة بخطه في أربع مجلدات.

٢ - كتاب في أصول الفقه في مجلدين.

٣ - رياض الجنان في أعمال شهر رمضان ( مطبوع ).

٤ - منظومة في الرجال ( مطبوعة ).

٥ - الرائق في الشعر والأدب استفدنا منه كثيراً وروينا عنه في هذه

٦٩

الموسوعة(١) .

رثاه جملة من شعراء عصره منهم السيد ابراهيم ومنهم الشيخ محمد رضا الأزري. وفاته في السابع من شهر شعبان سنة ١٢١٦ هـ. قال الشيخ الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) رأيت بخط حفيدة العلامة السيد راضي بن الحسين بن أحمد، على كتاب ( رياض الجنان ) للمترجم المطبوع، أنه ولد في النجف ربيع الأول ١١٢٨ ورأيت أرجوزته الرجالية الموجودة في النجف عند السيد محمد البغدادي، وكانت له اليد الطولى في الأدب بل كان من شيوخ الأدب في عصره وله ديوان شعر كبير جمعه بنفسه حوى مختلف الأنواع وضم جملة من مدائح أقطاب العلم ومراثيهم انتهى. أقول ورأيت ديوان السيد أحمد العطار في مكتبة كاشف الغطاء العامة - قسم المخطوطات.

__________________

١ - وقد سجل في الراثق مجموعة كبيرة من شعره، وإليك مطلع بعض القصائد:

١ - مرثية لأهل البيت أولها:

لا تأمن الدهر إن الغدر شيمته

وخفض قدر أولي العلياء همته

٢ - في مدح الامامين العسكريين أولها:

هي سامراء قد فاح شذاها

وتراءى نور أعلام هداها

٣ - في ص ٣٤٦ من الجزء الثاني تعجيز قصيدة وتثليثها في قبة الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام: والتي أولها أنظر إليها تلوح كالقبس

٧٠

جاء في كتاب ( دار السلام فيما يتعلق بالرؤيا ) والمنام للميرزا النوري قال:

رأيت في بعض الدواوين أن رجلا من الصلحاء رأى في منامه سيدتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فأمرته أن يأمر أحد الشعراء من مواليها السعداء بنظم قصيدة في رثاء سيد الشهداءعليه‌السلام يكون أولها « من غير جرم الحسين يقتل » فامتثل اللبيب اللوذعي السيد نصر الله الحسني على منوال ما أمرت، ولما وقف السيد أحمد بن السيد محمد(١) على قصيدة السيد المذكور صدرها وعجزها رجاء أن ينتظم في سلك من امتثل أمر سيدة النساءعليها‌السلام فما كان من الأبيات عليها علامة فهو للسيد نصر الله وما لم يكن كذلك فهو للسيد أحمد بن السيد محمد وهي هذه:

« من غير جرم الحسين يقتل »

وجده الهادي النبي المرسل

ويقطع الشمر جهاراً رأسه

« وبالدماء جسمه يغسل »

« وينسج الأكفان من عفر الثرى »

لجسمه العاري السليب القسطل

أفدي سليباً نسجت ملابساً

« له جنوب وصباً وشمال »

« وقطنه شيبته ونعشه »

اللدن وغسله الدموع الهمل

ورأسه يشهره بين الملا

« رمح له الرجس سنان يحمل »

« ويوطئون صدره بخيلهم »

تصعد طوراً فوقه وتنزل

أعظم به صدراً يداس قسوة

« والعلم فيه والكتاب المنزل »

« ويشتكي حر الظما والسيف من »

فيض نجيع نحره يبلل

يدعو ألا هل شربة والترب من

« أوداجه يروى دماً وينهل »

__________________

١ - أقول هو السيد أحمد بن السيد محمد العطار وهو صاحب ( الرائق ) المخطوط.

٧١

« والمرتضى الساقي على الحوض غدا »

والده وهو الإمام الأفضل

وكيف يقضي عطشاً من مثل ذا؟

« أبوه والجد النبي المرسل »

« وأمه الطهر الفرات مهرها »

وهو لدى الجود سحاب هطل »

فيا له بحراً قضى من ظمأ؟

« وكفه كم فاض منها جدول »

« والمسلمون لا يبالون بما »

كان كأن لم يسمعوا أو يعقلوا

هذا ودمع المصطفى جرى لما

« وجرى وقد خرت لذاك الأجبل »

« وهد ركن العرش مما ناله »

حزناً وعين الشمس أضحت تهمل

وهدمت لذاك أركان الهدى

« والأرضون أصبحت تزلزل »

« وقد بكى جفن السموات دماً »

فلم يزل دمع السحاب يهطل

وأنجم السماء قد تكدرت

« وأمست الأفلاك فيها تعول »

« والمرتضى وفاطم والحسن »

الزكي قد ناحوا أسى وأعولوا

والمرسلون والنبيون على السبط

« بكوا مما دهى وولولوا »

« أفديه فرداً ما له من ناصر »

غير ضجيج نسوة تولول

يدعو ولا غوث له بين الورى

« سوى أسى وعبرة تسلسل »

« قد حرموا الماء عليه قسوة »

هذا وكم قد حللوا ما حللوا؟!

يرنو إليه السبط حيران الحشا

« وهو لذؤبان الفلا يحلل »

« وصرعوا أصحابه من حوله »

وذبحوا رجاله وقتلوا

وجدلوا فوق الثرى أسرته

« فيا لشهب في التراب تأفل »

« ويالآساد عليها قد سطت »

كلاب حرب ودهتها الغيل

سقتهم كأس الردى على الظما

« بنو كلاب لاسقاها منهل »

« واركبوا نسوانه عارية »

شعثاً وقد أودى بهن الثكل

٧٢

يحملن بعد العز في مذلة

« على مطايا ليس فيها ذلل »

« ونسوه الطاغي يزيد في حمى »

عز وقد تم لهن الجذل

يسحبن أذيال الهنا وهن في

« أمن عليهن السجوف تسبل »

« وأرضعوا ثدي المنايا طفلة »

لادر درهم بما قد فعلوا

وصيروا نسج السوافي قمطه

« ومهده صخورها والجندل »

« وأطلقوا دمعاً على ابن له »

إذ أسروه مدنفا وكبلوا

فلم يزل يرسف في قيد الضنا

« وكيف لا وهم له قد غللوا؟! »

« فيا لهيف القلب لا تطف ولو »

أمست بك الاحشاء وجداً تشعل

ولا تملي الدمع يا عيني ولو

« أهمى من الدمع سحاب هطل »

« ويا لساني جد بأنواع الرثا »

إن الرثاء في الحسين يجمل

« وواس بنت المصطفى في نوحها »

« على إمام قد بكتة الرسل »

« وساعد الزهراء إن نوحها »

على قتيل الطف لا يحتمل

وكيف يقوى قلبها على اسى!؟

« عليه منه يذبل يقلقل »

« كيف بها إذا أتت وشعرها »

من دم مولانا خضيب خضل

« وفي يديها ثوبه مضمخ »

دماً طريا والدموع همل

فعندما يؤتى به مخضبا

« بالدم والأعداء طراً ذهل »

« وهو بلا رأس فتبدي صرخة »

وتصرخ الأملاك حين يمثل

ثم تضج ضجة عالية

« منها جميع العالمين تذهل »

« فيأمر الجبار نارا اسمها »

« هبهب قد أظلم منها المدخل »

فحبسهم سجناً بما قد فعلوا

هبهب قد أظلم منها المدخل

« فتلقط الأرجاس عن آخرهم »

بما جنوه بعد أن يقتلوا

وتستغيث النار من عذابهم

« فيصهلون وسطها وتصهل »

٧٣

« يا آل طه أنتم ذخيرتي »

ومن عليهم أبداً أعول

لا أبتغي كلا بكم من بدل

« وليس لي سوى ولاكم موئل »

« فاتحفوني في غد بشربة »

من سلسل قد طاب منه المنهل

فحزنكم أذكى فؤادي فعسى

« تطفى بها نار بقلبي تشعل »

« صلى عليكم ربنا ما ارقلت »

قصداً إلى البيت الحرام مرقل

وما حدى الحادون أو ما وجدت

« شوقاً إلى قصد حماكم مرقل »

٧٤

السيد محمد زيني

المتوفى سنة ١٢١٦

سرين بنا يتركن بحر الفلا رهوا

لها الوخد مرعى لاغثاء ولا أحوى(١)

وجدت بقطع الدو حتى حسبتها

ستقطع في إرقالها الأفق والجوا

حداها من الأشواق حاد فأصبحت

تهاوى بأيديها إلى ربع من تهوى

وما شاقها وادي العقيق ولا اللوى

ولا رامة رامت ولا يممت حزوى

ولكنها وافت بنا أرض كربلا

أجل أنها وافت بنا الغاية القصوى

إلى حضرة القدس التي لثم تربها

لنا شرف نسعى إليه ولو حبوا

نزلنا بها والركب شتى شؤونهم

فمن سائل عفواً ومن آمل جدوى

دخلنا حماها آمنين وحسبنا

دخول ديار عندها جنة المأوى

حمى ابن نجيب الله من ولد آدم

حسين الذي لولاه ما ولدت حوّا

امام حباه الله حكمة حكمه

وان له الإثبات في الأمر والمحوا

وجيه فإن نسأل به الله منة

ينزل علينا أفضل المن والسلوى

أحاديث علم الله من بيته تروى

وإن ضماء العلم من بحره تروى

أتيتك يا ابن المصطفى بادي الشكوى

لما نابني من فادح الضر والبلوى

__________________

١ - عن ديوانه المخطوط في مكتبتنا ( المكتبة الشبرية ).

٧٥

فقد صال هذا الدهر صولة ثائر

وشن علينا صرفه غارة شعوا

أتيتك ضيفاً ابتغي عندك القرى

ومجتدياً لم أرج من غيرك الجدوى

علمت يقيناً إذ طويت لك الفلا

بأن كتابي يوم انشر لي يطوى

أناجيك ملهوفاً وأعلم انني

أناجي بسري عالم السر والنجوى

عمدت إليكم ساهياً عن جنايتي

ويا لك عمداً قد محا العمد والسهوا

كتمت ولائي فيك خيفة مبغض

وقد يظهر السر الخفي من الفحوى

إذا ما لوى عني الزمان عنانه

فإن عناني عن ودادك لا يلوى

فاياك استجدي فمن رفدك الجدوى

وإياك استعدي فمن عندك العدوى

وله أيضاً:

هل المحرم فاستهلت أدمعي

وتسعرت نار الأسى في أضلعي

كيف السبيل إلى العزا وهلاله

مفتاح باب توجع وتفجع

يا شهر عاشورا خلقت كآبة

منها فؤادي لا يفيق ولا يعي

يا شهر عاشورا أصبت حشاشة

دفت الزلال لها بسم منقع

__________________

عن ديوانه المخطوط في المكتبة الشبرية.

٧٦

السيد محمد زيني البغدادي(١) :

المتولد سنة ١١٤٨ والمتوفى سنة ١٢١٦.

محمد بن أحمد زين الدين ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن السبط. شاعر شهير وعالم جليل. ولد في النجف الأشرف بتاريخ ٨ جمادى الأول سنة ١١٤٨ ونشأ بها على والده والذي هاجر من بغداد إلى النجف من أجل الانتهال من نمير علمها الصافي وهكذا برع ولده على يد السيد المغفور له السيد مهدي بحر العلوم وقد أجاد الفارسية ونظم بها كثيراً. عثرت على ديوانه واستملكته أقول ورثاه ولده السيد جواد المعروف: ( بسياه بوش ).

قال السيد الأمين في الأعيان ج ٤٣ ص ٤٦٧. كان من مشاهير علماء النجف الأشرف وأدبائها وشعرائها في القرن الثاني عشر من معاصري بحر العلوم الطباطبائي وأحد أصحاب وقعة الخميس وكان متزوجاً بنت السيد حسين ابن أبي الحسن العاملي. له ديوان شعر رأيته في بغداد في مكتبة الشيخ محمد رضا الشبيبي وكان له اليد الطولى في نقل الشعر من الفارسيه إلى العربية بدون أن يتغير منه شيء غالباً وهو جد السادة المعروفين في النجف اليوم بآل زيني. حكى الشيخ ميرزا حسين النوري في كتابه دار السلام عن الشيخ جواد نجف عن والده الشيخ حسين نجف قال: كان السيد محمد زيني أحد العلماء المبرزين والفقهاء المكرمين إلى آخر ما ذكره، ثم قال وكان قد توسل السيد محمد زيني في حال رمده بأبيات أنشأها وهي قوله:

__________________

١ - أقول وأسرة آل زيني من الأسر العلوية المعروفة بحسن السمعة ولا تزال تسكن النجف وكربلاء.

٧٧

ربي بجاه المصطفى وآله

خير الورى من غائب وشاهد

أعد بعيني الضياء عاجلا

يا خير عواذ بخير عائد

أربعة وعشرة جعلتهم

وسائلا إليك في الشدائد

يكفي جميع الناس جاه واحد

فعافني بجاه كل واحد

ومن شعره:

أبا حسن يا عصمة الجار دعوة

على أثرها حث الرجاء ركابه

شكوتك صرف الدهر قدما وانك الـ

ـمذل من أرجاء الخطوب صعابه

فما باله قد فوق الدهر سهمه

وصب على قلب الحزين عذابه

أبا حسن والمرء يا ربما دعا

كريماً فلباه وزاد ثوابه

فإن كنت ترعاه لسوء فعاله

فبرك يرعى فيك منك انتسابه

وله مخمسا بيتي الصاحب بن عباد في بعض الشعراء وجعلها لهمعليهم‌السلام :

ولما زهت للناظرين قبوركم

وأشرق منها للسماوات نوركم

ومن زاركم أولاه فضلا مزوركم

أتيناكم من بعد دار نزوركم

وكم منزل بكر لنا وعوان

ولا يهتدى إلا بنهج سبيلكم

ولا يجتدى إلا نوال منيلكم

فكيف وقد نلنا المنى من جميلكم

نسائلكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لا بملء جفان

٧٨

وقال مشطراً:

جعلت ولائي آل أحمد قربة

إلى الله حتى صرت لا اختشي ذنبا

ولي من عداهم ما حييت براءة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

وما سال المختار أجراً على الهدى

سوى حبهم طوبى لمن محض الحبا

ولا رام في يوم الغدير من الورى

بتبليغه إلا المودة في القربى(١)

وله في مدح الإمام أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

علام وما كنت الخؤون بصاحب

تحاول بت الوصل مني حبائبي

وفيم وقلبي خير مأوى لقاطن

تجشم تلك العيس طي السباسب

تسير قلوب شرد البين رشدها

وقلبي لها حاد بإثر الركائب

قفوا عللوا الربع المحيل لبينهم

فإن به ما بي لبين الربائب

سقتنا النوى سما فأضحت طلوله

وجسمي مما نابه خط كاتب

ابشر قلبي كل يوم بوصلهم

وما وصلهم إلا رجوع الشبائب

هم واصلوا بين الغضا وحشاشتي

كما فرقوا بين الليان وجانبي

مراد الفتى صعب المنال وإنما

أعلل نفسي بالأماني الكواذب

إلى مَ أقاسي كربة بعد كربة

وحتى َم أخشى نائباً بعد نائب

وأبعث آمالي واعلم أنها

ستصدر نحوي خائباً أثر خائب

إذا كان طرف الدهر يرقب حازما

فأبعد شيء منه نيل المطالب

ونفس تظن الموت المام ساحة

وأخفض ما ترنوه ظهر الكواكب

دعتني إلى نيل المعالي ودونها

سمام الأفاعي بعد لسع العقارب

__________________

وأخيراً قد كتب أحد أسرة آل زيني وهو السيد رضا زيني، ترجمة للسيد محمد زيني في مجلة صوت الإسلام عدد ٨ - ١٢ السنة الأولى.

١ - عن الديوان المخطوط.

٧٩

سأبعثها وهي البروق إذا سرت

أتتني بوبل من بلوغ الرغائب

تؤم بنا أصل الكرام ومن سما

به كل فرع من لوي بن غالب

علياً أميرالمؤمنين وسيد الو

صيين خير الخلق نسل الأطائب

وحتى رسول الله والنص واضح

وإن عميت عنه قلوب الكواذب

فتى لم ينل ما ناله من فضائل

عجائب كانت في عيون العجائب

كريم إذا انهلت سحائب جوده

أراك قليل الصوب صوب السحائب

إذا عد جود فهو أكرم واهب

وان عد بأس فهو حتف المحارب

معرف فرسان الوغى ان حتفها

بملقاه من دون القنا والقواضب

إذا اسود ليل النقع منه ومكنت

قنا الخط من طعن الذرى والغوارب

يجر خميساً من ثواقب رأيه

عزائمه فيها جياد السلاهب

فسل خيبراً من كان أورد مرحبا

حياض المنايا من بديع المضارب

فلا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى

سواه إذا صالت قروم الكتائب

ولولا غلو في هواه وصفته

بوصف غنى في الوجود وواجب

عجبت لمن ظن المناصب فخره

وموطى خفيه سنام المناصب

يصدك ضوء الشمس عن درك ذاتها

وهيبته تغنيه عن كل جانب

هو العروة الوثقى لمستمسك به

هو الغاية القصوى لرغبة راغب

تنال جميل الصفح منه مغاضباً

كنيلك منه النجح غير مغاضب

يزيد عطاء حين يرتاح للندى

فتحسب ان البذل دعوة طالب

نوافيه للجدوى خفافاً عيابنا

ونصدر من مغناه بجر الحقائب

ولو لم يكن للمصطفى غير حيدر

غرايب أغنى عن ظهور الغرائب

نعم ملة الإسلام منجى وإنما

ولايته العظمى محك التجارب

وماذا عسى أن يبلغ الوصف في فتى

بدا ممكنا للناس في زي واجب

فيا آية الله التي ردت الهدى

نهاراً وليل الكفر مرخى الذوائب

نصرت رسول الله في كل موطن

دعاك به القهار رب العجائب

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين ، [ و ](١) صوموا الواحد وثلاثين »(٢) .

مسألة ٨٤ : ولا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم للرؤية والفطر للرؤية)(٣) .

ولأصالة براءة الذمة.

وقال بعض مَن لا يعتد به : إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية ، وإن غاب قبله فهو لليلته(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين »(٥) .

ونمنع صحة سنده. ونعارضه بالأحاديث الدالّة على حصر الطريق في الرؤية والشهادة ومضيّ الثلاثين.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا إنّما يكون أمارةً على اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمةً ، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق وبتطوّق الهلال ، فأمّا مع زوال العلّة فلا(٦) .

إذا ثبت هذا ، فلا يجوز التعويل أيضاً على تطوّق الهلال.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين »(٧) .

____________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٣٦ نحوه.

(٤) قال به الصدوق في المقنع : ٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٣ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ - ١٧٩.

(٧) الكافي ٤ : ٧٨ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٩.

١٤١

ونمنع صحة سندها.

مسألة ٨٥ : لا اعتبار بعدِّ خمسة أيام من الماضية(١) ؛ عملاً بالأصل ، وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين ، فعلى هذا لو غمّ هلال الشهور كلّها ، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً.

وقد روى عمران الزعفراني عن الصادقعليه‌السلام : قلت له : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى(٢) السماء ، فأيّ يوم نصوم؟

قال : « اُنظر(٣) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وصُم يوم الخامس »(٤) .

وسأل عمران أيضاً ، الصادقعليه‌السلام : قلت : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى سماءً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : « اُنظر(٥) اليوم الذي صُمت من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصُم يوم الخامس »(٦) .

والأول مرسل. وفي طريق الثاني : سهل بن زياد ، وهو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول.

ولو قيل بذلك بناءً على العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها ، كان وجهاً.

ولو غُمّ هلال رمضان وشعبان ، عدّدنا رجب ثلاثين ، وكذا شعبان ، فإن غُمّت الأهلّة بأسرها ، فالأقرب : الاعتبار برواية الخمسة بناء على العادة ، وهو‌

____________________

(١) أي : السنة الماضية.

(٢) في « ن » : لا ترى.

(٣ و ٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : أفطر. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصادر.

(٤) الكافي ٤ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣٠.

(٦) الكافي ٤ : ٨١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣١.

١٤٢

اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

وأكثر علمائنا قالوا : تعدّ(٢) الشهور ثلاثين ثلاثين(٣) .

مسألة ٨٦ : لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة ، كالمحبوس ، أو اشتبهت عليه الشهور ، كالأسير مع الكفّار‌ إذا لم يعلم الشهر ، وجب عليه أن يجتهد ويُغلّب على ظنّه شهراً أنّه من رمضان ، فإن حصل الظنّ بنى عليه.

ثم إن استمرّ الاشتباه ، أجزأه إجماعاً - إلّا من الحسن بن صالح بن حي(٤) - لأنّه أدّى فرضه باجتهاده ، فأجزأه ، كما لو ضاق الوقت واشتبهت القبلة.

وإن لم يستمرّ ، فان اتّفق وقوع الصوم في رمضان ، أجزأه إجماعاً ، إلّا من الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه قال : لا يجزئه(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدّى العبادة باجتهاده ، فإذا وافق الإِصابة أجزأه ، كالقبلة إذا اشتبهت عليه.

ولأنّه مكلّف بالصوم إجماعاً ، والعلم غير ممكن ، فتعيّن الظنّ.

احتجّ : بأنّه صامه على الشك ، فلا يجزئه ، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان(٦) .

والفرق : أنّ يوم الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقاً اليه.

وإن وافق صومه بعد رمضان ، أجزأه أيضاً عند عامّة العلماء(٧) ، إلّا الحسن بن صالح بن حي ، فإنّه قال : لا يجزئه(٨) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٢) في « ن » : بدل تعدّ : بعدّ.

(٣) منهم : المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٠.

(٤) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤ ، المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٦) كما في المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢ ، والمجموع ٦ : ٢٨٥.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

١٤٣

وليس بجيّد ؛ لأنّه أدّى العبادة في أحد وقتيها - أعني وقت القضاء - فأجزأه ، كما لو فعلها في الوقت الآخر ، وهو وقت الأداء ، وكما لو دخل الوقت وهو متلبّس بالصلاة.

ولأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل أسرته الروم ، ولم يَصُم شهر رمضان ، ولم يَدر أيّ شهر هو ، قال : « يصوم شهراً يتوخّاه ، ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعده أجزأه »(١) .

وإن وافق صومه قبل رمضان ، لم يجزئه عند علمائنا - وبه قال أبو ثور ومالك وأحمد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه فعل العبادة قبل وقتها ، فلا يقع أداء ولا قضاء ، فلم يجزئه ، كالصلاة يوم الغيم.

ولرواية عبد الرحمن ، وقد تقدّمت(٣) .

والثاني للشافعي : الإِجزاء ، لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه ، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله(٤) .

ونمنع حكم الأصل.

مسألة ٨٧ : لو لم يغلب على ظنّ الأسير شهر رمضان ، لزمه أن يتوخّى شهراً ويصومه‌ ويتخيّر فيه - وبه قال بعض الشافعية(٥) - لأنّه مكلّف بالصوم ، وقد فقد العلم بتعيّن الوقت ، فسقط عنه التعيين ، ووجب عليه الصوم في شهر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٨٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٣) تقدّمت آنفاً.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢ - ١٣.

(٥) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤.

١٤٤

يتوخّاه ، كما لو فاته الشهر مع علمه ولم يصمه ، فإنّه يسقط عنه التعيين ، ويتوخّى شهراً يصومه للقضاء ، وكما لو اشتبهت القبلة وضاق الوقت.

ولرواية عبد الرحمن(١) .

وقال بعض الشافعية : لا يلزمه ذلك ؛ لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنّه ، فلا يلزمه الصيام ، كما لو شك في دخول وقت الصلاة ، فإنّه لا يلزمه الصلاة(٢) .

والفرق ظاهر ؛ لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر.

ولو وافق بعضه الشهر دون بعض ، صحّ ما وافق الشهر وما بعده دون ما قبله.

ولو وافق صومه شوّال ، لم يصحّ صوم يوم العيد ، وقضاه ، وكذا ذو الحجّة.

وإذا توخّى شهراً ، فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله وبعده.

وإذا وافق صومه بعد الشهر ، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته ، سواء وافق ما بين هلالين أم لا ، وسواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين.

نعم لو كان رمضان تاماً ، فتوخّى شهراً ناقصاً ، وجب عليه إكمال يوم.

وقال بعض الشافعية : إذا وافق شهراً بين هلالين ، أجزأه مطلقاً ، وإن لم يوافق ، لزمه صوم ثلاثين وإن كان رمضان ناقصاً ، لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين وإن كان ناقصاً(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّه يلزم قضاء ما ترك ، والاعتبار بالأيام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) تقدمت في المسألة السابقة.

(٢) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤‌

(٣) لم نقف عليه في كتب الشافعية ، ونسب هذا القول في المغني ٣ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣ ، الى ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة ، فلاحظ.

١٤٥

( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) .

والإِجزاء في النذر ؛ لأنّ اسم الشهر يتناوله ، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام.

ولو صام شوّالاً وكان ناقصاً ورمضان ناقص أيضاً ، لزمه يوم عوض العيد.

وقال بعض الشافعية : يلزمه يومان(٢) . وليس بجيّد.

وإذا صام على سبيل التخمين من غير أمارة ، لم يجب القضاء ، إلّا أن يوافق قبل رمضان.

ولو صام تطوّعاً ، فبان أنّه رمضان ، فالأقرب : الإِجزاء - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ نية التعيين ليست شرطاً ، وكما لو صام يوم الشك بنيّة التطوّع وثبت أنّه من رمضان.

وقال الشافعي : لا يجزئه. وبه قال أحمد(٤) .

مسألة ٨٨ : وقت وجوب الإِمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء‌.

قال الله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٥) .

ويجوز له الأكل والشرب الى أن يطلع الفجر.

وأمّا الجماع فيجوز الى أن يبقى للطلوع مقدار الغسل.

ويجب الاستمرار على الإِمساك إلى غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب.

ولو اشتبه عليه الغيبوبة ، وجب عليه الإِمساك ، ويستظهر حتى يتيقّن ،

____________________

(١) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) المغني ٣ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) البقرة : ١٨٧.

١٤٦

لأصالة البقاء.

ويستحب له تقديم الصلاة على الإِفطار ، إلّا أن يكون هناك مَن ينتظره للإِفطار ، فيقدِّم الإِفطارَ معهم على الصلاة.

سئل الصادقعليه‌السلام عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن كان معه قوم يخشى أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر »(١) .

البحث الثاني: في شرائطه.

وهي قسمان :

الأول : شرائط الوجوب‌

مسألة ٨٩ : يشترط في وجوب الصوم : البلوغ وكمال العقل‌ ، فلا يجب على الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه إجماعاً ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب على الصبي الصوم إذا أطاقه(٢) ، وبه قال عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي(٣) .

وقال الأوزاعي : إذا أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور(٤) منهن ولا يضعف ، حُمّل(٥) صوم رمضان(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٥١٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢.

(٤) خار الحرّ والرجل : ضعف وانكسر. الصحاح ٢ : ٦٥١.

(٥) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : حل. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

١٤٧

وقد تقدّم(١) بطلانه.

فلو بلغ الصبي قبل الفجر ، وجب عليه الصوم إجماعاً ، ولو كان بعد الفجر ، لم يجب ، واستحبّ له الإِمساك ، سواء كان مفطراً أو صائماً بلغ بغير المفطر ، ولا يجب عليه القضاء ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه )(٢) .

وقال(٣) : يجب عليه الإِمساك ، ولا يجب عليه القضاء ، لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلاً ، فيجزئه كالبالغ.

ولا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلاً وباقية فرضاً ، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعاً ثم نذر إتمامه.

وقال بعض الحنابلة : يلزمه القضاء ؛ لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها ، فلزمه إعادتها ، كالصلاة والحجّ إذا بلغ بعد الوقوف.

وهذا لأنّه ببلوغه يلزمه صوم جميعه ، والماضي قبل بلوغه نفل ، فلم يجزئ عن الفرض ، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم ، لزمه القضاء(٤) .

وأمّا ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه ، وسواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٥٧.

(٢) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٩٤ بتفاوت يسير.

(٣) كذا في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية. وفي المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣١٢ ، والمنتهى للمصنّف : ٥٩٦ : قال أبو حنيفة. وفي المغني ٣ : ٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦ : قال القاضي : يتمّ صومه ولا قضاء عليه ؛ مع اتّفاق الدليل المذكور لما في المغني والشرح الكبير ، فلا حظ.

وقد وافق الحكم رأي الأحناف كما في الجامع الصغير للشيباني : ١٣٩ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، والنتف ١ : ١٤٩ ، والاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٧.

(٤) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

١٤٨

وقال الأوزاعي : يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه زمن مضى في حال صباه ، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه ، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان.

وإن بلغ الصبي وهو مفطر ، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم ولا قضاؤه.

وعن أحمد روايتان في وجوب الإِمساك والقضاء(٢) .

وقال الشافعي : إن كان أفطر ، استحبّ له الإِمساك ، وفي القضاء قولان.

وإن كان صائماً فوجهان : أحدهما : يتمّه استحباباً ، ويقضيه وجوباً ؛ لفوات نية التعيين. والثاني : يتمّه وجوباً ، ويقضيه استحباباً(٣) .

مسألة ٩٠ : العقل شرط في الصوم‌ ، فلا يجب على المجنون بالإِجماع ، وللحديث(٤) .

ولو أفاق في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام ما بقي إجماعاً ، ولا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه - وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد ، وأحمد(٥) - لأنّه معنى يزيل التكليف ، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر.

وقال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية : يجب قضاء ما فات وإن مضى عليه سنون ، لأنّه معنى يزيل العقل ، فلم يمنع وجوب الصوم كالإِغماء(٦) .

والأصل ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إن جُنّ جميع الشهر ، فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في‌

____________________

(١ و٢ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ و ١٧٥.

(٤) تقدم الحديث مع الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٨٩).

(٥) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

١٤٩

أثنائه ، قضى ما مضى(١) .

ولو تجدّد الجنون في أثناء النهار ، بطل صوم ذلك اليوم.

ولو أفاق قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه إجماعاً ، وإن أفاق في أثنائه ، أمسك بقية النهار استحباباً لا وجوباً ، وحكم المغمى عليه حكم المجنون.

مسألة ٩١ : الإِسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه‌.

ولو أسلم في أثناء الشهر ، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي - وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله)(٣) .

وقال عطاء : يجب عليه قضاؤه(٤) . وعن الحسن كالمذهبين(٥) .

وهو غلط ، إلّا أن يكون مرتدّاً ، فيجب عليه القضاء إجماعاً.

واليوم الذي يُسْلم فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره ، وجب عليه صيامه ، وإن كان بعده ، أمسك استحبابا ، لأنّ عيص بن القاسم روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا(٦) قبل طلوع الفجر »(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ بتفاوت.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٦) في الطبعة الحجرية والفقيه زيادة : « فيه ».

(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب من أسلم في شهر رمضان ) الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ / ٣٥٧ التهذيب ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩.

١٥٠

وقال أحمد : يجب عليه إمساكه - وبه قال إسحاق - لأنّه أدرك جزءاً من وقت العبادة فلزمته ، كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة(١) .

والأصل ممنوع. ووافقنا مالك وأبو ثور وابن المنذر.

ولو طرأ الكفر في آخر النهار ، بطل الصوم.

مسألة ٩٢ : السلامة من المرض شرط في الصحة‌ ، فلو كان المريض يتضرّر بالصوم ، لم يصح منه.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإِفطار : ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يتباطأ البُرء معه لو صام عند أكثر العلماء.

وحكي عن قوم لا عبرة بهم : إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ، لعموم قوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) (٢) (٣) .

وهو مخصوص ، كتخصيص السفر بالطاعة ، وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة(٤) ، فقال( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٥) وقال : « ذلك اليه هو أعلم بنفسه »(٦) .

وكلّ الأمراض مساوية في هذا الحكم ، سواء كان وجع الرأس أو حُمى ولو حُمّى يوم ، أو رمد العين وغير ذلك ، فإن صامه مع حصول الضرر به ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادة(٧) يدلّ على الفساد ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) المغني ٣ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨.

(٤) في الكافي والاستبصار زيادة : قائماً. وفي التهذيب : من قيام.

(٥) القيامة : ١٤.

(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧١.

(٧) في الطبعة الحجرية : العبادات.

١٥١

عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة.

وقال بعض العامة : إذا تكلّف ، صحّ صومه وإن زاد في مرضه وتضرّر به(٢) . وليس بجيّد.

أمّا الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم ، فإنّه لا يباح له الإِفطار. وكذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ اُنثياه.

ولو خافت المستحاضة من الصوم التضرّر ، أفطرت ؛ لأنّ الاستحاضة مرض.

ولو جَوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به ، الإِفطار ، وأمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم، وجب عليه ذلك.

فإن لم يمكنه إلّا بإفساد الصوم ، فإشكال ينشأ : من تحريم الإِفطار لغير سبب ، ومن مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة ، كالحامل والمرضع ، فإنّهما يفطران خوفاً على الولد ، فمراعاة النفس أولى.

ولو كان له امرأتان : حائض وطاهر ، واضطرّ الى وطء إحداهما ، وجوّزنا له ذلك ، فالوجه وطء الطاهر ؛ لأنّ الله تعالى حرّم وطء الحائض(٣) .

وقال بعض العامة : يتخيّر. وليس شيئاً.

وكذا لو أمكنه استدفاع الأذى بفعل محرَّم كالاستمناء باليد ، لم يجز ، خلافاً لبعضهم(٤) .

مسألة ٩٣ : الإِقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني‌ ، فلا يجب الصوم على المسافر سفراً مخصوصاً بإجماع العلماء.

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٨٨ - ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨ - ١٩.

(٣) البقرة : ٢٢٢.

(٤) المغني ٣ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

١٥٢

قال الله تعالى( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) والتفصيل قاطع للشركة ، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضا لازماً ، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيّقاً ، وإذا وجب عليه القضاء مطلقا ، سقط عنه فرض الصوم.

وروى العامة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إنّ الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) قال : « ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو صام المسافر في سفره المبيح للقصر ، لم يجزئه إن كان عالماً عند علمائنا أجمع ، وكان مأثوماً - وبه قال أبو هريرة وستّة من الصحابة ، وأهل الظاهر(٥) . قال أحمد : كان عمر وأبو هريرة يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر(٦) . وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، أنّه قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر(٧) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٨) أوجب عدّةً من أيام اُخر ، فلم يجز صوم‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) سنن النسائي ٤ : ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٤ - ٧١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٤ ، ومسند أحمد ٥ : ٢٩.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٦ ( باب كراهية الصوم في السفر ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٧.

(٥) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المحلّى ٦ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ والخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٠١ ، المسألة ٥٣ ، والمعتبر للمحقق الحلّي : ٣١٢.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩.

(٧) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، وسنن النسائي ٤ : ١٨٣.

(٨) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

١٥٣

رمضان في السفر.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ليس من البر الصيام في السفر )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( الصائم في السفر كالمفطر في الحضر )(٢) .

وأفطرصلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر ، فلمـّا بلغه أنّ قوماً صاموا ، قال : ( اُولئك العصاة )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر »(٥) .

وقال باقي العامة : إنّ صومه جائز(٦) . واختلفوا في الأفضل.

فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وأبو ثور : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإِفطار(٧) .

____________________

(١) المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٧ - ٢٤٠٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦ بتفاوت.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ / ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ / ٦٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١.

(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٩.

١٥٤

وقال أحمد والأوزاعي وإسحاق : الإِفطار أفضل - وبه قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر(١) - لما روت عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سأله عن الصوم في السفر : ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )(٢) .

وقال أنس : سافرنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يَعِبِ الصائمُ على المـُفطر ولا المـُفطرُ على الصائم(٣) .

ولأنّ الإِفطار في السفر رخصة ، ومن رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض.

والحديثان لو صحّا ، حملا على صوم النافلة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

والتخيير ينافي الأفضلية وقد اتّفقوا على أفضلية أحدهما وإن اختلفوا في تعيينه.

ونمنع الحكم في المريض فيبطل(٤) القياس.

تذنيب : لو صام مع علمه بوجوب القصر ، كان عاصياً‌ ؛ لما تقدّم ، وتجب عليه الإِعادة ؛ لأنّه منهي عن الصوم ، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد.

أمّا لو صام رمضان في السفر جاهلاً بالتحريم ، فإنّه يجزئه الصوم ، لأنّه معذور.

ولأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام : قلت له : رجل صام في السفر ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٩ / ١١٢١ ، سنن الترمذي ٣ : ٩١ / ٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣١ / ١٦٦٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٨ - ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٧ / ١١١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٦ / ٢٤٠٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٤.

(٤) في « ط ، ن » : فبطل.

١٥٥

فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك ، فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه ، فلا شي‌ء عليه »(١) وغير ذلك من الأخبار.

مسألة ٩٤ : وإنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة ، أو مباحاً‌ ، فإن كان سفر(٢) معصية أو لصيد لهو وبطر ، لم يجز له الإِفطار عند علمائنا أجمع ، لأنّ في رخصة الإِفطار إعانةً له على المعصية وتقوية له عليها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « من سافر قصَّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره في الصيد أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصي الله ، أو في طلب شحناء(٣) ، أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين »(٤) .

وجاء رجلان الى الرضاعليه‌السلام بخراسان ، فسألاه عن التقصير ، فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان »(٥) .

إذا ثبت هذا فإنّما يجوز التقصير في مسافة القصر ، وهي : بريدان : ثمانية فراسخ ، لقول الصادقعليه‌السلام في التقصير : « حدّه أربعة وعشرون ميلاً »(٦) .

وسئل الصادقعليه‌السلام في كم يقصّر الرجل؟ فقال : « في بياض يوم أو بريدين »(٧) وقد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من صام في السفر بجهالة ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ - ٢٢١ / ٦٤٣.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : سفره.

(٣) الشحناء : العداوة. لسان العرب ١٣ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٠ / ٦٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ / ٨٣٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٢١ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٨.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٩.

(٨) تقدم في ج ٤ ص ٣٦٩ المسألة ٦١٨.

١٥٦

وإنّما يجوز التقصير إذا قصد المسافة ، فالهائم لا يترخّص وإن سار أكثر من المسافة ، وقد تقدّم(١) .

ولو نوى المسافر الإِقامة في بلدة عشرة أيام ، وجب عليه التمام ، وانقطع سفره.

ومن كان سفره أكثر من حضره لا يجوز له الإِفطار ؛ لأنّ وقته مشغول بالسفر ، فلا مشقة له فيه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام ، يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان »(٢) .

ولو أقام أحدهم في بلده عشرة أيام ، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم على إقامتها ، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة ، لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادقعليه‌السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم ويُتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإِفطار »(٣) .

ولو تردّد في السفر ولم يَنو المقام عشرة أيام ، وكان ممّن يجب عليه التقصير في السفر ، وجب عليه التقصير الى شهر ثم يتمّ بعد ذلك.

مسألة ٩٥ : شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس يفترق التقصير والإِفطار ، فمن قصّر فليفطر »(٤) .

____________________

(١) تقدّم في ج ٤ ص ٣٧٤ المسألة ٦٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ ( باب من لا يجب له الإِفطار والتقصير ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢١.

١٥٧

وهل يشترط تبييت النية من الليل؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم ، فلو بيّت نيته على السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار ، وجب عليه التقصير والقضاء. ولو خرج بعد الزوال ، أمسك وعليه القضاء.

وإن لم يبيّت نيته من الليل ، لم يجز له التقصير ، وكان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج ، إلّا أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر ، فإنّه يجب عليه الإِفطار على كلّ حال.

ولو قصّر ، وجب عليه القضاء والكفّارة(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : المعتبر خروجه قبل الزوال ، فإن خرج قبله ، لزمه الإِفطار ، فإن صامه ، لم يجزئه ، ووجب عليه القضاء ، ولو خرج بعد الزوال ، أتمّ ، ولا اعتبار بالنية. وبه قال أبو الصلاح(٢) .

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : يفطر ولو خرج قبل الغروب(٣) - وهو قول علي بن بابويه(٤) رحمه‌الله - ولم يعتبر التبييت.

والمعتمد : قول المفيدرحمه‌الله ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) وهو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية.

ومن طريق العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة عام‌

____________________

(١) النهاية : ١٦١ - ١٦٢ ، وحكاه أيضاً ابن إدريس في السرائر : ٨٩.

(٢) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وعن المفيد ، ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، وراجع : المقنعة : ٥٦ ، والكافي في الفقه : ١٨٢.

(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ - ٥٦ حيث قال : شروط السفر الذي يوجب الإِفطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها. وهو يشعر بما نسب اليه.

وحكاه عنه أيضاً الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٤) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٨٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣١٠.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٨

الفتح ، فلمّا بلغ الى كُراع الغَمِيمِ(١) أفطر(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال : « إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه »(٣) .

ولأنّه إذا خرج قبل الزوال ، صار مسافراً في معظم ذلك النهار ، فاُلحق بالمسافر في جميعه ، ولهذا اعتبرت النية فيه لناسيها ، وأمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضى على الصوم ، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب ، كما لم يعتدّ بالنية فيه.

احتجّ الشيخرحمه‌الله : بقول الكاظمعليه‌السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه بالليل في السفر ، أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه »(٤) .

وفي الطريق ضعف ، مع احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال.

احتجّ السيد : بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) (٥) وهو عام في صورة النزاع.

____________________

(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة : وهو واد أمام عُسفان بثمانية أميال.

معجم البلدان ٤ : ٤٤٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٥ / ١١١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٩ - ٩٠ / ٧١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٦ نقلاً بالمعنى.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ - ٢٢٩ / ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١.

(٤) الاستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

١٥٩

وبما رواه عبد الأعلى في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل »(١) .

والآية مخصوصة بالخبر الذي رويناه. والحديث ضعيف السند ومقطوع.

وأمّا العامة فنقول : المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة :

أحدها : أن يدخل عليه شهر رمضان وهو في السفر ، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له(٢) .

الثاني : أن يسافر في أثناء الشهر ليلاً ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم(٣) .

وقال عبيدة السلماني وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر مَن سافر بعد دخول الشهر ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهده(٤) .

ولا حجّة فيها ؛ لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه ، وهذا لم يشهده كلّه.

ويعارض بما روى ابن عباس ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد(٥) فأفطر وأفطر الناس(٦) .

الثالث : أن يسافر في أثناء اليوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني حكم مَن سافر ليلاً.

وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه قولان :

أحدهما : أنّه لا يجوز له فطر ذلك اليوم - وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٣٢٤.

(٤-٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ ، والآية ١٨٤ من سورة البقرة.

(٥) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة. معجم البلدان ٤ : ٤٤٢.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨٤ / ١١١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336