أدب الطف الجزء ٨

أدب الطف0%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 355

أدب الطف

مؤلف: العلامة السيد جواد شبر
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 355
المشاهدات: 101221
تحميل: 6358


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101221 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

يسطو فتصعق من بوارقه

وبعزمه كف الردى يسطو

يا روضة الدنيا وبهجتها

ودليلها إن راعها خبط

تقضي ظماً والماء تشربه

عصب الشقا والوحش والرط

الله أكبر أيّ نازلة

بالدين قام بعبئها السبط

سلبت من الدنيا أشعتها

وبها السماء اغتالها الشط

يقضي ابن فاطمة ولا رفعت

سوداء ملؤ إهابها سخط

وهذا نموذج من شعره في الغزل ـ وهذه القطعة من الروضة:

سل عن جوى كبدي لظى أنفاسي

تخبرك عنه وما له من آس

سفك الغرام دمي ولا من ثائر

كمهلهل فيه على جساس

سيان حدّ السيف والمقل التي

بسوادها يبيض شعر الراس

سرّ الهوى أودعت قلبا واثقاً

لولا الدموع وحرقة الأنفاس

سأقول إن عدنا وعاد حديثنا

واها لقلبك من حديد قاسي

ومن غزله قوله:

أهلاً بها بعد الصدود

هيفاء واضحة الخدود

بكر كغصن البان

باكره الصبا بربى زرود

تختال في برد الصبا

أحبب بهاتيك البرود

فسكرتُ في نغماته

وطربت فيه بغير عود

حتى إذا صال الصبا

ح على الدجنّة في عمود

ألوى فقمتُ معانقا

شغفا به جيداً بجيد

مضنى الحشاشة قائلاً

حذر القطيعة والصدود

عُدلي بوصلك وادّكر

يا ظبي ( أوفوا بالعقود )

حتى تريح من الجوى

قلباً به ذات الوقود

فرنا إليّ بمقلة

تصطاد هاصرة الاسود

١٤١

متلفتاً كالريم حلأ

ه الرماة عن الورود

حذر الوشاة فليتهم

فزعوا لقاطعة الوريد

وتذكر العهد القديم

فجاد بالوصل الجديد

ترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة ضافية وقال: جمع ديوانه بنفسه وبخطه الجيد ويبلغ خمسة عشر الف بيت كله من الرصين المحكم وأكثره في مدايح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام كما ضمّنه مفاكهات ومراسلات مع العلماء من أحبابه والادباء والاشراف من أترابه، أقول وكان الشيخ السماوي يحتفظ بنسخة من الديوان ويقول البعض أنها مستنسخة من نسخة المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي، وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة.

جاء في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 صفحة 430: الشيخ حسين الحلي، هو الشيخ حسين بن مصبح الحلي النجفي فاضل جليل. كان من فضلاء عصره في النجف، ويظهر من بعض الخصوصيات أنه كان من الأجلاء. استعار بعض الكتب العلمية في حدود (1240) كما على ظهر ( إثبات الهداة ) في النصوص والمعجزات في مكتبة السيد اغا التستري في النجف، فالظاهر أن وفاته بعد التاريخ، وهو جد الشاعر الشهير الشيخ حسن مصبح الحلي ابن حسين ابن المترجم، المولود في حدود (1246) المتوفى في 1317 ه‍ كما ترجمناه في ( نقباء البشر ) م 1 صفحة 429.

١٤٢

الشيخ محمد نظر علي

المتوفى 1317

قال من قصيدة يرثي بها الحسين (ع):

لهفي لزينب بعد الصون حاسرة

بين اللئام ومنها الخدر مبتذل

تقول وآضيعتا بعد الحسين أخي

من لي وقد خاب مني الظن والأمل

وأخرجوا السيد السجاد بينهم

يساق قسراً وبالاغلال يعتقل

إذا وَنى قنّعوه بالسياط وإن

مشى أضرّ به من قيده ثقل

وقد سروا ببنات المصطفى ذللا

تسرى بها في الفيافي الأنيق البزل

ما بين باكية للخدّ لاطمة

وبين ثاكلة أودى بها الثكل

وبين قائلة يا جدنا فعلوا

بنا علوج بني مروان ما فعلوا

وقال:

يا قلب ذب كمداً لما

قد ناب أبناء النبيّ

أيلومني الخالي بهم

أين الخليّ من الشجيّ

قد جرعتني علقما

أرزاء نهر العلقميّ

أجسامهم فوق الثرى

ورؤوسهم فوق القنيّ

وعقائل المختار تسبى

بعدهم لابن الدعيّ

وحملن من بعد الخدور

سوافراً فوق المطيّ

* * *

هو ابن الشيخ جعفر بن نظر علي، وبجده هذا يعرف بين الحليين فيعبرون عنه ب‍ ( الشيخ محمد بن نظر علي ) ويلقبونه بالمحدث أيضاً لطول باعة وسعة

١٤٣

أطلاعه في علم الحديث، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار خصوصاً ما ورد منها في صحاح الإمامية وما ألف بعدها من الكتب المعتبرة وقد استفاد كثيراً في هجرته من الحلة إلى النجف من منبر العلامة المتأله الشيخ جعفر التستري ومن ثمة اشتهر أمره بالصلاح والورع وحسن الأساليب في مواعظه وخطابته المنبرية، ودرس عنده جماعة منهم الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي، وقد ترك جملة من الاثار والمجاميع المخطوطة كان قد دوّن فيها ما وعاه من مشايخه وما انتخبه من أُمهات الكثب في سيرة أهل البيت وآثارهم وقد تلف قسم منها وبقي بعضها عند صهريه على كريمتيه، الأول منهما خطيب الفيحاء الشيخ محمد آل الشيخ شهيب ( والد الدكتور محمد مهدي البصير ) والثاني السيد جعفر ابن السيد محمد حسن آل السيد ربيع ـ من أطباء العيون في النجف ـ وكان المترجم لهرحمه‌الله يحب العزلة ولا يغشى أندية الفيحاء على كثرتها يوم ذاك عدا نادي آل السيد سلمان في عهد المرحوم السيد حيدر وعمه السيد مهدي بن السيد داود لقرب بيته من بيوتهم. وما زال منقطعاً إلى التهجد والاذكار في مسجدهم الواقع تجاه داره وهو المعروف بمسجد ( أبو حواض ). كانت ولادة المترجم له في الحلة سنة 1259 على التقريب ونشأ وتأدب فيها وكان يقضي شهري المحرم وصفر في البصرة للوعظ والارشاد في المحافل الحسينية كغيره من الخطباء فعاد في آخر سنيّ حياته منها وقد أُصيب فيها بمرض الحمى النافضة ( الملاريا ) فلم تمهله إلا أياماً حتى أجاب داعي ربه سنة 1317 ه‍ أو قبلها بسنة، ورثاه جماعة من شعراء الفيحاء الذين كانوا معجبين بفضله ونسكه منهم الأديب الحاج عبد المجيد الشهير بالعطار والشاعر الفحل الحاج حسن القيم ـ فمن قصيدة القيم قوله:

بادرا في بردة النسك أدرجاه

واعقدا اليوم على التقوى رداه

لي بقايا كبد بينكما

بالبكا يا ناظريّ اقتسماه

وهذا الشيخ وان كان ذا موهبة شعرية ولكنه لا ينظم إلا في اهل البيتعليهم‌السلام . ( انتهى عن البلابليات )

١٤٤

الشيخ محمد العوّامي

المتوفى 1318

مصائب عاشورا تهيج تضرمي

فلله من يوم بشهر محرم

بها المجد ينعى مصدر الفيض إذ غدا

بلا قيّم يأوى إليه وينتمى

ومن قصيدة أخرى:

فيا مضر الحمرا ويا أُسد الشرى

ويا غوث مَن يبغي الندا ويريد

وأمنع مَن في الأرض جاراً وجانبا

وأمنتح مَن أمّت اليه وفود

فيا مطعمي الأضياف يوم مجاعة

ويا خير مَن يبنى العلا ويشيد

ويا مخمدي نار الوغى إن تضرّمت

وشبّ إلى الحرب العوان وقيد

وبدر واحد يشهدان لهاشم

ورب السما من فوق ذاك شهيد

ولما بدت من آل حرب ضغائن

لثارات بدر أظهرت وحقود

وأخرجت المولى الحسين مروّعاً

وقد سبقت منكم اليه عهود

فلهفي عليه من وحيد مضيّع

على الماء يقضي وهو عنه بعيد

بني مضر ماذا القعود عن العدا

وفي كربلا مولى الوجود فريد

وكيف بقى ملقى ثلاثاً على الثرى

تواريه من نسج الرياح برود

١٤٥

الشيخ محمد بن عز الدين الشيخ عبد الله العوامي القطيفي. اشتهر بأبي المكارم لمكارم أخلاقه، ولدرحمه‌الله سنة 1255 ه‍ ثالث شهر شعبان وبدت طلائع النبوغ على أساريره ونمت مداركه ومعارفه فأصبح منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه، حج سنة 1317 ه‍ فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه، وعندما تشرف بزيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه الله اليه في عصر يوم السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318 وعمره ثلاث وستون سنة فدفع بالبقيع، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل، أما آثاره العلمية فهي:

1 ـ أجوبة المسائل النحوية، كتاب مختصر.

2 ـ المناظرات في مسائل متفرقة.

3 ـ المسائل الفقهية.

4 ـ ديوان شعره يحتوي على: منظومة في عقائد الاصول، من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد.

شكوى وعتاب:

ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من ادباء البحرين والاحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد الله في العلم والأدب والتشيع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وادبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

١٤٦

الشيخ حسن القيِّم

المتوفى 1318

قال يرثي الامام الحسين (ع):

إن تكن جازعاً لها أو صبورا

فلياليك حكمها أن تجورا

تصحبنك الضدين ما دمت حياً

نوبا تارة وطوراً سرورا

ربما استكثر القليل فقير

وغنيٌ بها استقل الكثيرا

فكأن الفقير كان غنياً

وكأن الغني كان فقيرا

فحذاراً من مكرها في مقام

ليس فيه تحاذر المحذورا

نذرت أن تسيء فعلاً فأمست

في بني المصطفى تقضّي النذورا

يوم عاشور الذي قد أرانا

كل يوم مصابه عاشورا

يوم حفت بابن النبي رجال

يملؤن الدروع بأساً وخيرا

عمروها في الله أبيات قدس

جاورت فيه بيته المعمورا

ما تعرّت بالطف حتى كساها

الله في الخلد سندساً وحريرا

لم تعثّر أقدامها يوم أمسى

قدم الموت بالنفوس عثورا

بقلوب كأنما البأس يدعو

هالقرع الخطوب كوني صخورا

رفعت جرد خيلهم سقف نقع

ألف الطير في ذراه الوكورا

حاليات يرشحن بالدم مرجاناً

ويعرقن لؤلؤاً منثورا

عشقوا الغادة التي أنشقتهم

من شذاها النقع المثار عبيرا

فتلقوا سهامها بصدور

تركوهن للسهام جفيرا

١٤٧

لازموا الوقفة التي قطّرتهم

تحت ظل القنا عفيراً عفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بدوراً

وهووا أجبلا وغاضوا بحورا

من صريع مرمل غسّلته

من دماء السيوف ماء طمورا

ومعرى على الثرى كفنته

أُمّه الحرب نقعها المستثيرا

عفّر الترب منهم كل وجه

علّم البدر في الدجا أن ينيرا

ونساء كادت بأجنحة الرعب

شظايا قلوبها أن تطيرا

قد أداروا بسوطهم فلك الضرب

عليهنّ فاغتدى مستديرا

صرن في حيث لو طلبن مجيراً

بسوى السوط لم يجدن مجيرا

لو يروم القطا المثار جناحاً

لأعارته قلبها المذعورا

يا لحسرى القناع لم تلف إلا

آثماً من أمية أو كفورا

أوقفوها على الجسوم اللواتي

صرن للبيض روضة وغديرا

فغمرن النحور دمعاً ولو لم

يك قانٍ غسلن تلك النحورا

علّ مستطرقاً يرى الليل درعاً

وعلى نسجه النجوم قتيرا

يبلغن المهديّ عني شكوى

قلّ في أنها تضيق الصدورا

قل له إن شممت تربة أرض

وطأت نعله ثراها العطيرا

وتزودت نظرة من محيّا

تكتسي من بهائه الشمس نورا

قم فأنذر عداك وهو الخطاب

الفصل أن تجعل الحسام نذيرا

كائناً للمنون هارون في البعث

لموسى عوناً له ووزيرا

قد دجا في صدورهم ليل غي

فيه يهوى نجم القنا أن يغورا

أو ما هزّ طود حلمك يوم

كان للحشر شره مستطيرا

يوم أمسى الحسين منعفر الخد

ين فيه ونحره منحورا

أفتديه مخدّراً صار يحمي

بشبا السيف عن نساء الخدورا

ليس تدري محبوكة الدرع ضمّت

شخصه في ثباته أم ثبيرا

١٤٨

أعدت السيف كفه في قراها

فغدا في الوغى يضيف النسورا

صار موسى وآل فرعون حرباً

والعصى السيف والجواد الطورا

وأصريعاً بثوب هيجاء مدرو

جاً وفي درع صبره مقسورا

كيف قرت في فقد مسكنها الأر

ض وقد آذنت له أن تمورا

وقضى في الهجير ظام ولكن

بحشى حرها يذيب الهجيرا

صار سدراً لجسمه ورق البيض

ونقع الهيجا له كافورا

أحسين تقضي بغير نصير

مستظاماً فلا عدمت النصيرا

بأبي رأسك المشهرّ أمسى

يحمل الرمح منه بدراً منيرا

* * *

الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره. كان شاعراً بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم، في شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده. كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح. والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها:

لمن الطلول كأنهنّ رقوم

تصحو لعينك تارة وتغيم

بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنّت بواديه الخماص الهيم

ولد سنة 1278 ه‍ فاحتضنه أبوه، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد والحلة، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي، والشيخ حمادي نوح من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية. ثم كان له من حانوته الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية المعروفة ب‍ ( الحُيُص ) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي يعلق على هذا الزعم بقوله:

١٤٩

وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍ وعثرت أخيراً على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد القزويني قال:

هي نفس تقدست فحباها

محض تقديسها عُلا لا يُضاهى

كيف منها الردى استطاع دنواً

وبأسد الشرى يُحاط خباها

يا لنفس لها نفائس أوصاف

بها الله للملائك باهى

سكنت خدرها المنيع إلى أن

سكنت خير مرقد واراها

فهب اللحد في ثراه طواها

أفهل يستطيع طيّ علاها

شكرت أجرها صحيفتها الملآى

بما قدمت فيا بشراها

فمضت والعفاف يتبعها بالنوح

والنسك ثاكلا ينعاها

يا خطوب الزمان إن خلت أن لا

عاصم اليوم للعلى من أساها

فقد استعصمت ببأس ( أبي

القاسم ) من كل معضل يغشاها

بدر علم وطودُ حلم ولجيّ

صفات جلّت فلا تتناهى

نير المحتد الذي تتجلى الشمس

فيه فيستشف ضياها

طاهر البرد معدن الرشد سامي

المجد غوث الأنام في بأساها

فالقوافي بنعته انشقتنا

نفحات يحيى النفوس شذاها

جمع الله فيه شمل المعالي

وأعزّ الاله فيه حماها

سادة العالمين آل معز الدين

فيكم سمت شريعة طه

فبكم تكشف الحوادث عنا

وتنال النفوس أقصى مُناها

ولنا تُرسل السحائب من أنملكم

حفّلا يفيض نداها

والينا شوارق العلم منكم

تتجلّى فنهتدي بهداها

١٥٠

وجميل اصطباركم بشّر الله

به الصابرين في أُخراها

قدس الله تربة عطّرتها

بنت خير الورى بنشر تقاها

لا عداها صوب الغوادي لأني

قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )

وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها:

تخطّى الردى في فيلق منه جرار

اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال: أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن ـ ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.

توفيرحمه‌الله سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول، فأكثر من الهذيان إلى أن قال: أكثر ما يؤذيك شدّة الحر ـ وكان الفصل صيفاً ـ فأجابه شاعرنا قائلاً: وكثرة الهذيان.

١٥١

ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنت بواديه الخماص الهيم

وتذكرت بالأنعمين مرابعاً

خضر الأديم ونبتهن عميم

أيام مرتبع الركائب باللوى

خضل وماء الواديين جميم

ومن العذيب تخب في غلس الدجى

بالمدلجات مسومات كوم

والركب يتبع ومضة من حاجر

فكأنه بزمامها مخطوم

سل أبرق الحنّاء عن أحبابنا

هل حيهم بالأبرقين مقيم

والثم ثرى الدار التي بجفونها

يوم الوداع ترابها ملثوم

واحلب جفونك ان طفل نباتها

عن ضرع غادية الحيا مفطوم

عجباً لدار الحي تنتجع الحيا

وأخو الغوادي جفني المسجوم

ومولّع باللوم ما عرف الجوى

سفهاً يعنف واجداً ويلوم

فأجبته والنار بين جوانحي

دعني فرزئي بالحسين عظيم

أنعاه مفطور الفؤاد من الظما

وبنحره شجر القنا محطوم

جمّ المناقب منه يضرب للعلا

عرق بأعياص الفخار كريم

فلقد تعاطى والدماء مدامة

ولقد تنادم والحسام نديم

في حيث أودية النجيع يمدّها

بطل بخيل الدارعين يعوم

يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه

قبل الفرار أمامه مهزوم

لبّاس محكمة القتير مفاضة

يندق فيها الرمح وهو قويم

يعدو وحبات القلوب كأنها

عقد بسلك قناته منظوم

ومضى يريد الحرب حتى أنه

تحت اللواء يموت وهو كريم

واختار أن يقضي وعمّته الضبا

فيها وظِلته القنا المحطوم

وقضى بيوم حيث في سمر القنا

قِصدٌ وفي بيض الضبا تثليم

ثاوٍ بظل السمر يشكر فعله

في الحرب مصرعه بها المعلوم

١٥٢

فدماؤه مسفوكة وحريمه

مهتوكة وتراثه مقسوم

عجباً رأى النيران بابن قسيمها

برداً خليل الله ابراهيم

وابن النبي قضي بجمرة غلة

منها يذيب الجامدات سموم

وكريمة الحسبين بابن زعيمها

هتفت عشية لا يجيب زعيم

هتكوا الحريم وأنت أمنع جانباً

بحميةٍ فيها تصان حريم

ترتاع من فزع العدو يتيمة

ويأن من ألم السياط يتيم

تطوي الضلوع على لوافح زفرة

خرساء تقعد بالحشا وتقوم

في حيث قدر الوجد يوقد نارها

ملؤ الجوانح زفرة وهموم

فتعج بالحادي ومن أحشائها

جمعت شظايا ملؤهن كلوم

إما مررت على جسوم بني أبي

دعني ولولوث الأزار أقيم

وأرواح ألثم كل نحرٍ منهم

قبلي بأفواه الضبا ملثوم

وأشمّ من تلك النحور لطائماً

فيهن خفاق النسيم نموم

وبرغمهم أسري وأترك عندهم

كبداً ترف عليهم وتحوم

أنعى بدوراً تحت داجية الوغى

يطلعن فيها للرماح نجوم

أكل الحديد جسومهم ومن القنا

صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم

ماتوا ضرباً والسيوف بوقفة

فيها لأظفار القنا تقليم

ومشوا لها قدماً وحائمة الردى

لهم بأجنحة السيوف تحوم

وقضوا حقوق المجددون مواقف

رعفت بهنّ أسنة وكلوم

* * *

١٥٣

وله في الامام الحسينعليه‌السلام :

بأيّ حمى قلب الخليط مولع

وفي أي واد كاد صبرك ينزع

وقفن بها لكنها أيّ وقفة

وجدن قلوباً قد جرت وهي ادمع

ترجّع ورقاء الصدى في عراصها

فتنسيك مَن في الأيك باتت ترجّع

مضت ومضى قلب المشوق يؤمها

فلا نأيها يدنو ولا القلب يرجع

فأسرعت دمعي فيهم حيث أسرعوا

وودعت قلبي فيهم حيث ودعوا

كأن حنيني وانصباب مدامعي

زلازل إرعاد به الغيث يهمع

جزعت ولكن لا لمن كان ركبهم

ولولاك يوم الطف ما كنت أجزع

قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية

سقتها العدى كأس الردى وهو مترع

بيوم أهاجوا للهياج عجاجة

تضيّع وجه الشمس من حيث تطلع

بفيض نجيع الطعن والسمر شرّع

ويسود ليل النقع والبيض لمّع

بخيل سوى فرسانها ليس تبتغي

وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع

تجرد فوق الجرد في كل غارة

حداد سيوف بينها الموت مودع

عليها من الفتيان كل ابن بجدة

يردّ مريع الموت وهو مروع

أحب اليها في الوغى ما يضرها

إذا كان من مال المفاخر ينفع

وما خسرت تلك النفوس بموقف

يحافظ فيها المجد وهي تضيع

تُدفّع من تحت السوابق للقنا

نفوساً بغير الطعن لا تتدفع

كأن رماح الخط بين أكفهم

أراقم في أنيابها السمّ منقع

ولما أبت إلا المعالي بمعرك

به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع

هوت في ثرى الغبرا ولكن سما لها

على ذروة العلياء عزٌ مرفّع

فبين جريح فهو للبيض أكلة

وبين طعين وهو للسمر مرتع

ثوت حيث لا يدري بيوم ثوائها

اصيبت اسود ام بنو الوحي صرّع

فمنعفر خداً وصدر مرضض

ومختضبٌ نحراً وجسم مبضع

١٥٤

كأني بها في كربلا وهي كعبة

سجود عليها البيض والسمر ركع

فيا لوجوه في ثرى الطف غيبت

ومن نورها ما في الأهلة يسطع

ولما تعرّت بالعراء جسومها

كساها ثياباً مجدها ليس ينزع

وظمآنة كادت تروي غليلها

بأدمعها لو كان يروي وينقع

فذا جفنها قد سال دمعاً وقلبها

بكف الرزايا بات وهو موزع

هوت فوق أجساد رأت في هوّيها

حشاشتها من قلبها فهي وقّع

تبيت رزايا الطف تأسر قلبها

وتطلقه أجفانها وهي أدمع

فيا منجد الاسلام إن عز منجد

ويا مفزع الداعي إذا عزّ مفزع

حسامك من ضرب الرقاب مثلّمٌ

ورمحك من طعن الصدور مصدّع

فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى

بهام الأعادي موجه المتدفع

إذا حسرت سود المنايا لثامها

وللشمس وجه للغبار مقنع

ولم أدر يوم الطعن في كل موقف

قناتك ام طير القرى فيه اطمع

فجمعت شمل الدين وهو مفرق

وفرقت شمل الشرك وهو مجمع

إذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى

خطيباً على هاماتهم وهو مصقع

له شعلة لو يطلب الأفق ضوءها

لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع

ولو كان سمعٌ للصوارم لاغتدى

مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع

وقفتَ وقد حمّلتَ ما لو حملنَه

الجبال الرواسي أوشكت تتصدع

ورحّبتَ صدراً في امور لو أنها

سرت بين رحب ضاق وهو موسّع

بحيث الرماح السمهريات تلتوي

عليك وبيض المشرفيات تلمع

فلا عجب من هاشم حيث لم تكن

تذب بيوم الطف عنك وتدفع

إذا ضيعوا حتى الوصي ولم تقم

بنصرته فاليوم حقك أضيع

تشيّع ذكر الطف وقعتك التي

بقيت لديها عافراً لا تشيّع

لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا

بجنبك يوم الطعن فيهن ضلّع

١٥٥

فنحرك منحور وصدرك موطأ

ورأسك مشهور وجسمك مودع

إذا لم تضيّع حق عهد جفوننا

عليك فعهد الصبر منا مضيع

وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا

لهن عيون في مصابك تدمع

وإن أدركت بالطف وترك هاشم

فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع

تروّي القنا الخطار وهي عواطش

وتشبع ذؤبان الفلا وهي جوّع

تدافع عن خدر التي قد تقنعت

بسوط العدى اذلا حماة تقنّع

أموقع يوم الطف أبقيت حرقة

لها كل آن بين جنبيّ موضع

سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت

فلي مقلة عبرى وقلب مفجّع

بنفسي أوصال المكارم واصلت

سيوف العدى حتى انحنت تتقطع

مصارعها في كربلا غير أنها

لها كل آنٍ نصب عينيّ مصرع

* * *

١٥٦

الشيخ محمد سعيد السكافي

المتوفى 1319

يقلّ لدمعي دماً أن يصوبا

وللقلب مني أسىً أن يذوبا

لما قد ألمّ بآل النبي

فأجرى الدموع وأورى القلوبا

ولا مثل يومهم في الطفوف

فقد كان في الدهر يوماً عصيبا

غداة حسين وخيل العدى

تسدّ عليه الفضاء الرحيبا

دعته لينقاد سلس القياد

وتأبى حميته أن يجيبا

فهبّ لحربهم ثائراً

بفتيان حرب تشبّ الحروبا

فمن كل ليث وغىً تتقي

له في الوغى الاسد بأساً مهيبا

وأروع يغشى الوغى باسما

ووجه المنية يبدي قطوبا

فكم ثلمت للمواضي شبا

وكم حطمت للعوالي كعوبا

إلى أن ثوت في الثرى جثّما

تضوّع من نشرها الترب طيبا

وأضحى فريداً غريب الديار

بنفسي أفدي الفريد الغريبا

فراح يخوض غمار الحتوف

ونار حشاه تشبّ لهيبا

وأضحى بجنب العرى عاريا

كسته الأعاصير برداً قشيبا

وسيقت حرائره كالإماء

تجوب حزونا وتطوي سهوبا

ويا رب نادبة والحشى

يكاد بنار الجوى أن يذوبا

أريحانة المصطفى هل ترى

درى المصطفى بك شلواً سليبا

يعز على المصطفى أن يرى

على الترب خدك أمسى تريبا

١٥٧

يعزّ على المصطفى أن يرى

بقاني الدما لك شيباً خضيبا

يعزّ على المصطفى أن يرى

بأيدي العدى لك رحلاً نهيبا

ألانت قناتي يد الحادثا

ت وقد كان عود قناتي صليبا

فهل لليالي بهم أوبة

وهيهات ما قد مضى أن يؤوبا

* * *

الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه‍ ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال: الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر، الجامع لاشتات المفاخر، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله:

وأخ وفيٌ لا أُطيق فراقه

حكم الزمان بأن أراه مفارقي

بان الأسى مذبان وابيضت أسى

لنواه سود نواظري ومفارقي

ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب‍ ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت

١٥٨

التي تقطن النجف زهاء الف عام، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال:

تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا

فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى

وأومض من وادي الغضا لمع بارق

فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا

فيا حبذا تلك المغاني وإن نأت

وياما أُحيلى العيش فيها وإن مرّا

فيا طالما بالانس كانت أواهلا

وان هي أمست بعد موحشة قفرا

عشية عاطاني المدامة شادن

أغنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا

حكى الغصن قداً والجأذر لفتة

وعين ألمها عيناً وبيض الضبا نحرا

فبتنا وقد مدّ الظلام رواقه

علينا وأرخى من جلابيبه سترا

وقد هدأت عنا العيون وهوّمت

سوى أن عين النجم ترمقنا شزرا

من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى

وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا

لقد هنت قدراً في هواك وإنني

لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا

ويا رب لاح قط ما خامر الهوى

حشاه ولا فاضت له مقلة عبرى

يلوم فلم أرع المسامع عذله

كأن باذني عند تعنيفه وقرا

وهيهات يصغى للملامة وامق

معنّى الحشى مضنى أخو كبد حرى

وقائلة مالي أراك مشمراً

لجوب القفار البيد توسعها مسر

تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً

فلم تتئد أن تقطع البر والبحرا

١٥٩

فقلت لها كفيّ الملامة إنما

هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا

سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا

وأقطع من أجوازها السهل والوعرا

لأمنية أحظى بها أو منية

فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخرى

وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه‍ ودفن في صحن الإمام الحسين (ع) وكان عمره 69 عاماً.

ومن رثائه للحسين (ع):

معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى

سقاهن وجافّ الغمام إذا همى

وقفت بها كيما أبثّ صبابتي

فكان لسان الدمع عنها مترجما

دهتها صروف الحادثات فلم تدعد

بها أثراً إلا طلولاً وأرسما

بلى إنها الأيام شتى صروفها

إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى

وليس كيوم الطف يوم فإنه

أسال من العين المدامع عندما

غداة استفزت آل حرب جموعها

لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما

فلست ترى إلا أصمّ مثقفاً

وأبيض إصليتا وأجرد أدهما

أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى

وباعت هداها يوم باعته بالعمى

أتحسب أن يستسلم السبط ملقياً

اليها مقاليد الامور مسلّما

ليوث وغىً لم تتخذ يوم معرك

بها أجماً إلا الوشيج المقوّما

ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت

لدى الروع مشحوذ الغرارين مخذما

ومذ عاد فرد الدهر فرداً ولم يجد

له منجداً إلا الحسام المصمما

رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق

يردّ لُهام الجيش أغبر أقتما

١٦٠