أدب الطف الجزء ٨

أدب الطف0%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 355

أدب الطف

مؤلف: العلامة السيد جواد شبر
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 355
المشاهدات: 109812
تحميل: 7724


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109812 / تحميل: 7724
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

السيد جواد الهندي

المتوفى 1333

رحلتم وما بيننا موعد

وإثركم قلبيَ المكمد

وبتّ بداري غريب الديار

فلا مونس لي ولا مسعد

وفارق طرفيَ طيب الرقاد

وفي سهده يشهد المرقد

أُعللّه نظرة في النجوم

وشهب النجوم له تشهد

أقوم اشتياقاً لكم تارة

واخرى على بعدكم أقعد

بكفي اكفكف دمعي الغزير

فيرسله طرفي الأرمد

يطارح بالنوح ورق الحمام

بتذكاركم قلبي المنشد

وما كان ينشد من قبلكم

فقيداً فلا والذي يعبد

سوى من بقلبي له مضجع

ومن بالطفوف له مشهد

ومن رزؤه ملأ الخافقين

وان نفد الدهر لا ينفد

فمن يسأل الطف عن حاله

يقصّ عليه ولا يجحد

بأن الحسين وفتيانه

ظمايا بأكنافه استشهدوا

أبا حسن يا قوام الوجود

ويا من به الرسل قد سددوا

دريت وأنت نزيل الغري

وفوق السما قطبها الأمجد

بأن بنيك برغم العلى

على خطة الخسف قد بددوا

مضوا بشبا ماضيات السيوف

وما مُدّ للذلّ منهم يد

٢٦١

السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي الخطيب. ولد سنة 1270. وتوفي بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة 1333 ودفن فيها كان فاضلاً تلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في الفقه وكان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديباً شاعراً. نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده، حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام ـ وهو استاذ الفن(1) ـ قال: كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء فلا يكاد يملك السامع دمعته، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ويتعجب أن يكون مثل هذا من خطيب لم تزل اللكنة ظاهرة على لسانه.

رأيت له عدة مراثي لأهل البيت فاخترتُ منها ما وقع نظري عليه يقول الأخ السيد سلمان هادي الطعمة في ( شعراء من كربلاء ) كان مولد المترجم له في كربلاء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، ونشأ وترعرع في ظل اسرة علوية تنتسب للامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، بدأ تحصيله العلمي بدراسة الفقه على العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري وغيره من علماء عصره، وحين ما وجد في نفسه الكفاءة والقدرة على الخطابة تخصص بها وأعانه صوته الجهوري مضافاً إلى معلوماته التاريخية وجودة الالقاء فدعته بيوت العلماء للخطابة فيها واعتزّت به وأكرمته، قال الشيخ السماوي في إرجوزته المسماة ( مجالي اللطف بأرض الطف ):

وكالخطيب السيد الجواد

والصارم الهندي في النجاد

فكم له شعر رثى الحسينا

أورى الحشى فيه وأبكى العينا

بكى وأبكى وحوى الصفات

فأرخوه ( أكمل الخيرات )

__________________

1 ـ خطيب شهير خدم المنبر الإسلامي ردحاً من الزمن كما خدم المبدأ وهو من شعراء الحسينعليه‌السلام .

٢٦٢

وذكره السيد الأمين في الأعيان، قال: رايته في كربلاء وحضرت مجالسه، وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لاداء فريضة الحج ومن شعره قوله:

الا هل ليلة فيها اجتمعنا

وما إن جاءنا فيها ثقالُ

ثقال حيثما جلسوا تراهم

جبالا، بل ودونهم الجبال

ترجم له الخطيب اليعقوبي في حاشية ديوان أبي المحاسن وقال في بعض ما قال: وما رأيتُ ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك، توفي ليلة الأحد عاشر ربيع الأول 1333 وعمره يربو على الستين، له ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت فاستمع إلى قوله في سيد الشهداء ابي عبد الله من قصيدة مطوّلة:

غريب بأرض الطف لاقى حمامه

فواصله بين الرماح الشوارع

أُفدّيه خواض المنايا غمارها

بكل فتى نحو المنون مسارع

كماة مشوا حرّى القلوب إلى الردى

فلم يردوا غير الردى من مشارع

فمن كل طلاع الثنايا شمردل

طلوب المنايا في الثنايا الطوالع

ومن كل قرم خائض الموت حاسراً

ومن كل ليث بالحفيظة دارع

تفانوا ولما يبق منهم أخو وغىً

على حومة الهيجا لحفظ الودائع

فلم أنس لما أُبرزت من خدورها

حرائر بيت الوحى حسرى المقانع

سوافر ما أبقوا لهن سواتراً

تسترّ بالأردان دون البراقع

وسيقت إلى الشامات نحو طليقها

نكابد أقتاب النياق الظوالع

وكافلها السجاد بين عداته

يصفّد في أغلالهم والجوامع

تلوح له فوق العواسل أرؤسٌ

تعير ضياها للنجوم الطوالع

٢٦٣

وله جملة من المراثي يجمعها ديوانه المخطوط، وحين وافاه الأجل رثاه جملة من شعراء عصره منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن ومطلع قصيدته:

ليومك في الأحشاء وجدٌ مبرّح

برحت ولكن الأسى ليس يبرح

سبب اشتهاره بالهندي لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند والله أعلم، وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية، وأعقب ولداً وهو السيد كاظم المتوفى 1349 ه‍ وهو أيضاً من خطباء المنبر الحسيني وقد شاهدته بكربلاء.

وللسيد جواد الهندي في الحسين:

اقاسي من الدهر الخؤن الدواهيا

ولم ترني يوماً من الدهر شاكيا

لمن أظهر الشكوى ولم أرَ في الورى

صديقاً يواسي أو حميماً محاميا

وإني لأن أُغضي الجفون على القذى

وأمسي وجيش الهم يغزو فؤاديا

لأجدر من أن أشتكى الدهر ضارعاً

لقوم بهم يشتد في القلب دائيا

ويا ليت شعري أيّ يوميه اشتكى

أيوماً مضى أم ما يكون أماميا

تغالبني أيامه بصروفها

وسوف أرى أيامه واللياليا

إباءً به أسمو على كل شاهق

وعزماً يدك الشامخات الرواسيا

وإني من الأمجاد أبناء غالب

سلالة فهر قد ورثت إبائيا

أباة أبوا للضيم تُلوى رقابهم

وقد صافحوا بيض الضبا والعواليا

غداة حسين حاربته عبيده

ورب عبيد قد أعقت مواليا

لقد سيرتها آل حرب كتائباً

بقسطلها تحكي الليالي الدياجيا

فناجزها حلف المنايا بفتيةٍ

كرام يعدون المنايا أمانيا

فثاروا لهم شمّ الأنوف تخالهم

غداة جثوا للموت شماً رواسيا

ولفّوا صفوفاً للعدو بمثلها

بحدّ ظبى تثني الخيول العواديا

٢٦٤

بحيث غدت بيض الظبا في أكفهم

بقاني دم الأبطال حمراً قوانيا

واعطوا رماح الخط ما تستحقها

فتشكر حتى الشحر منهم مساعيا

إلى أن ثووا صرعى ملبين داعياً

من الله في حرّ الهجير أضاحيا

وعافوا ضحى دون الحسين نفوسهم

ألا أفتدي تلك النفوس الزواكيا

وماتوا كراماً بالطفوف وخلّفوا

مكارم ترويها الورى ومعاليا

وراح أخو الهيجا وقطب رجائها

بأبيض ماضي الحد يلقى الأعاديا

وصال عليهم ثابت الجأش ظامياً

كما صال ليثٌ في البهائم ضاريا

فردت على أعقابها منه خيفة

وقد بلغت منها النفوس التراقيا

وأورد في ماء الطلى حدّ سيفه

وأحشاه من حرّ الظماء كما هيا

إلى أن رُمي سهماً فأصمى فؤادَه

ويا ليت ذاك السهم أصمى فؤاديا

فخرّ على وجه الصعيد لوجهه

تريب المحيا للاله مناجيا

وكادت له الأفلاك تهوي على الثرى

بأملاكها إذ خرّ في الأرض هاويا

تنازع فيه السمر هندية الظبا

ومن حوله تجري الخيول الأعاديا

وما زال يستسقي ويشكو غليله

إلى أن قضى في جانب النهر ضامياً

قضى وانثنى جبريل ينعاه معولاً

ألا قد قضى من كان للدين حاميا

فلهفي عليه دامي النحر قد ثوى

ثلاث ليال في البسيطة عاريا

وقد عاد منه الرأس في ذروة القنا

منيراً كبد التمّ يجلو الدياجيا

وللسيد جواد الحائري مرثية مطولة اخترنا منها:

أيّ طرف يلذّ طيب الرقاد

في مصاب أقرّ طرف الأعادي

ما أرى للكرام أذكى لهيب

في الحشا من شماتة الحساد

ولذا منهم النفوس الزاكي

طربت للجلاد يوم الجلاد

سيما المصطفين فتيان فهر

سادة الخلق حاظراً بعد بادي

٢٦٥

الملاقون بابتسام وبشر

وابتهاج ركائب الوفاد

وأولوا العزم والبسالة والحزم،

وحلم أرسى من الأطواد

إن ريب المنون شتتهم في الأرض

بين الأغوار والأنجاد

من طريح على المصلى شهيد

قد بكته أملاك سبع شداد

يا بن عمّ النبي يا واحد الدهر

وكهف الورى ويا خير هادي

أنت كفؤ البتول بين البرايا

يا عديم الأشباه والأنداد

عجباً للسماء كيف استقرت

ولها قد أُميل أقوى عماد

والثرى كيف ما تصدّع شجواً

وبه خرّ أعظم الأطواد

وقلوب الأنام لم لا أُذيبت

حين جبريل قام فيهم ينادي

هدّ ركن الهدى وأعلام دين

الله قد نكست بسيف المرادي

واصيب الإسلام والعروة الوثقى

وروح التقى وزين العباد

إن أتقى الأنام أرداه أشقى الخلق

ثاني أخي ( ثمودَ وعاد )

فلتبكّيه عين كل يتيم

وعيون الأضياف والوفاد

يا لرزء قد هدّ ركن المعالي

حيث سرّ العداة في كل نادي

عدّه الشامتون في الشام عيداً

أموياً من أعظم الأعياد

ومصاب أبكى الأنام حقيق

فيه شق الأكباد لا الأبراد

وقتيل بالسيف ملقى ثلاثاً

عافر الجسم في الربى والوهاد

لستُ أنساه إذ أتته جنود

قد دعاها لحربه ابن زياد

فغدا يحصد الرؤوس ويؤتي

سيفه حقه بيوم حصاد

كاد أن يهلك البرية لولا

أن دعاه الآءله في خير نادي

بأبي ثاويا طريحاً جريحاً

فوق أشلائه تجول العوادي

وبأهليَ من قد غدا رأسه للشام

يهدى على رؤوس الصعاد

ونساء تطارح الورق نوحاً

فوق عجف النياق حسرى بوادي

٢٦٦

السيد باقر القزويني

المتوفى 1333

أفدي قتيلاً بالعرى

مُلقى على وجه الثرى

يا أكرم الناس أباً

وواحد الدهر إبا

رزؤك يا بن النُجبا

أوهى من الدين عُرى

أوهى عُرى الدين وقد

هزّ من العرش العَمد

لم يجدني فيه الجَلد

فكيف والدمع جرى

وأعظم الرزء كمد

نساء خير الخلق جد

تُسبى لذي كلّ أحد

تُهدى إلى شرّ الورى

لا كافلٌ، ولا ولي

قد سلبوهنّ الحلي

تندبُ نوحاً يا ( علي )

هذا حسينٌ بالعرى

هاتيك يا رب الابا

عترة أصحاب العَبا

أفناهم حزّ الضبا

يا ليت عينيك ترى

لهنّ ما بني العدى

نَوحٌ يُذيبُ الجلمدا

تدعو إذا الصبح بَدا

يا صبح لا عُدتَ تُرى

وله هذا البند في الإمام الحسين (ع) وقد قرئ في دارهم بالحلة والهندية في العشرة الاولى من المحرم في مجلس عامر بمختلف الطبقات.

٢٦٧

ألا يا أيها الراكب يفري كبد البيد، بتصويب وتصعيد، على متن جواد أتلع الجيد، نجيب تخجل الريح بل البرق لدى الجري، إلى الحلبة في السبق ذراعاه مغاراً، عج على جيرة أرض الطف، وأسكب مزن الطرف، سيولاً تبهر السحب لدى الوكف، وعفر في ثراها المندل الرطب بل العنبر خديك، ولجها بخضوع وخشوع بادي الحزن قد ابيضت من الأدمع عيناك، فلو شاهدت من حلّ بها يا سعد منحوراً شهيداً لتلظيت أُوارا، فهل تعلم أم لا يا بن خير الخلق سبط المصطفى الطهر، عليه ضاق برّ الأرض والبحر، أتى كوفان يحدو نحوها النجب، وقد كانوا اليه كتبوا الكتب، وقد أمّهم يرجو بمسراه إلى نحوهم الأمن، فخفّت أهلها بابن زياد وحداها سالف الضغن، وأمّت خيرة الناس ضحى بالضرب والطعن، هناك ابتدرت للحرب أمجاد بهاليل، تخال البيض في أيديهم طيراً ابابيل، فدارت بهم دائرة الحرب وبانت لهم فيها أفاعيل، وقد أقبلت الأبطال من آل علي لعناق الطعن والضرب، ونالت آل حرب بهم الشؤم بل الحرب، كما قد غبروا في أوجه القوم وغصت منهم بالسمر والبيض رحى الحرب، كرام نقباء نجباء نبلاء فضلاء حلماء حكماء علماء، وليوث غالبية، وحماة هاشمية، بل شموس فاطمية وبدور طالبية، فلقد حاموا خدورا، ولقد أشفوا صدورا، ولقد طابوا نجاراً أسد مذ دافعوا عن حرم الرحمن أرجاس، فما تسمع إلا رنة السيف على الطاس، من الداعين للدين هداة الخلق لا بل سادة الناس، ولو تبصر شيئاً لرأيت البيض قد غاصت على الرأس، ففرت فرق الشرك ثباً من شدة البأس، ولا تعرف ملجى لا ولا تعقل منجى، لا ولا تدري إلى أين تولي وجهها منهم فرارا ولم يرتفع العثير إلا وهم صرعى مطاعين، على الرمضاء ثاوين، بلا دفن وتكفين تدوس الخيل منهم عقرت أفئدة المجد، ومجّت منهم البوغا دماً عزّ على المختار أحمد، ففازوا بعناق الحور إذ حازوا علاءً وفخارا، ولم يبق سوى السبط وحيداً بين

٢٦٨

أعداه، فريداً يا بنفسي ما من يتفداه، وإذ قد علم السبط بأن لا ينفع الأقوام إنذار، ولا وعظ وتحذير وإزجار، تلقاهم بقلب ثابت لا يعرف الرعب وسيف طالما عن وجه خير الخلق طراً كشف الكرب، وناداهم إلى أين عبيد الامة اليوم تولون، وقد أفنيتم صحبي وأهلي فإلى أين تفرون.

وقد ذكرهم فعل علي يوم صفين، وفي جمعهم قد نعبت أغربة البين، وما تنظر أن صال على الجمع سوى كف كميٍّ نادر أو رأس ليث طائر في حومة البيد، ترى أفئدة الفرسان والشجعان والأقران من صولته في قلب رعديد ولما خطّ في اللوح يراع القدر المحتوم أن السبط منحور، هوى قطب رحى العالم للارض كما قد خرّ موسى من ذرى الطور، صريعاً ضامياً والعجب الأعجب أن يظمى وقد سال حشاه بالدم المهراق حتى بلغ السيل زبى الطف، لقىً ينظر طوراً عسكر الشرك وطوراً لبنات المصطفى يرمق بالطرف، هناك الشمر قد أقبل ينحو موضع اللثم لخير الخلق يا شلت يدا شمر، فكان القدر المقدور واصطك جبين المجد إذ شال على الرمح محيّا الشمس والبدر، وداست خيلهم يا عرقبت من معدن العلم فقار الظهر والصدر، طريحاً بربى الطف ثلاثاً يا بنفسي لن يوارى، وأدهى كل دهماء بقلب المصطفى الطاهر توري شرر الوجد، هجوم الخيل والجند، على هتك خدور الفاطميات وإضرام لهيب النار في الرحل بلا منع ولا صدّ، وقد نادى المنادى يا لحاه الله بالنهب، وقد جاذبت الأعداء أبراد بنات الوحي بالسلب، فيا لله للمعشر من هاشم كيف استوطنوا الترب، وقرّت فوق ظهر الذل والهون وقد أبدت نساهم حاسرات بربى البيد بنو حرب، على عجف المطايا بهم تهتف بالعتب، أفتيان لوي كيف نسري معهم ليس لنا ستر، ومنا تصهر الشمس وجوها بكم لم تبرح الخدر، ألا أين الحفاظ اليوم والغيرة والباس، ألا أين أخو النخوة والغيرة عباس، أتسبى لكم مثل سبايا الترك والديلم ربات خدور ما عهدنا لكم عن مثله صبر،

٢٦٩

ونستاق أُسارى حسراً بين عداكم ليزيد شارب الخمر، لقد خابت فغضّت بصراً عن عتبهم إذ حال ما بينهم الموت، ونادت بعلي هتفاً مبحوحة الصوت، على مثل بني المختار يا عين فجودي واسكبي أدمعك اليوم غزارا، ويا قلب لآل المرتضى ويحك فاسعدني أوارا، فعليهم عدد الرمل سلام ليس يحصى وثناء لا يُجارى.

هو السيد باقر ابن السيد هادي ابن السيد ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني. ودوحة آل القزويني كل أغصانها شعراء وعلماء وادباء فكلهم أهل فضل وأدب وكرم. أرسله والده مع اخوته في عنفوان صباه إلى النجف لتحصيل العلم وما كانوا يفارقونها إلا في شهور التعطيل، وقد برع المترجم له فأتقن العلوم العربية بمدة وجيزة على جماعة من الأساتذة وكان آية في الذكاء مؤهلاً لنيل المقامات العالية التي بلغها أسلافه الكرام، وجلّ ما حصل عليه من الأدب هو من عمه السيد أحمد وعم أبيه السيد محمد، ولما اقترن بإحدى كرائم خاله السيد موسى بن جعفر عقدت له مهرجانات أدبية ألقيت فيها القصائد والتهاني.

ولد في ربيع الاول سنة 1304 وتوفي في جمادى الثانية سنة 1333. قال عنه أخوه العلامة السيد مهدي القزويني في مقدمة ديوانه المخطوط الذي سماه ب‍ اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم ـ كان عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً، حديد الذهن جيد الفهم، حلو التعبير وسل مَن به خبير: له منظومة في الصرف محلاة بأحلى بيان، ومتن مختصر في المعاني والبيان ومنظومة في نسبه الشريف. قال الشاب البحاثة السيد جودت القزويني: وقفت على نسخة بالية طمست أكثر أوراقها من منظومته في الصرف وهي تنيف على 500 بيتِ، أولها:

قال فقير الزاد للمعاد

محمد الباقر نجل الهادي

٢٧٠

ومن مؤلفاته مجموع في ( الأدعية والاحراز ) جمع فيه ما رواه عن مشايخه في الحديث والاجازة وعلى رأسهم عمّ والده أبو المعز السعيد محمد القزويني وجدّه الميرزا صالح القزويني، ويروي عنه بواسطة:

أوله: قد جمعت في هذه الأوراق صور أدعية واحراز وبعض الأخبار المروية جميعاً عن أهل بيت العصمة الواصلة إليّ إجازة روايتها وقراءتها حذراً على شموسها من الافول وإشفاقاً على أوراقها من الذبول.

أخبرني السيد جودت القزويني أن نسخة الأصل عند السيد عبد الحميد القزويني التي أضاف اليها ما استجدّ له من الاحراز، قال رأيته في مكتبته في قضاء ( طويريج ) وله أرجوزة في المنطق لم يعثر عليها، أما ديوانه الذي ينيف على الألف وخمسمائة بيت في أغراض مختلفة فتوجد نسخة منه أو أكثر في مكتبات آل القزويني، فمن نتفه ونوادره قوله في العتاب متضمناً قاعدة منطقية:

أمن المروءة أن تبيح لعاذل

وصلا وتهجر مدنفاً مشتاقا

خلفتني بجفاك ( مفهوم ) الضنى

وغدا فؤادي للجوى ( مصداقا )

وقال متضمناً قاعدة اصولية:

وآعد بالوصل إذ تحقق

أني بطول الهوى مطوق

فقمتُ بالانتظار حولا

لعلّ باب الوفاء يطرق

تعبداً بالدليل ( صرفا )

لأن لفظ الدليل ( مطلق )

وله في الجناس:

وشادن قلت له

صلني، فلما وصلا

لم يُبق، لي لا والهوى

بالوصل صومٌ ( وصلا )

ومن ثنائياته قوله:

السيف قد ينبو ـ أخا المجد ـ والـ

جواد قد يكبو، وقد يعثر

والماجد الحبر إذا زلّت الـ

أقدام في صاحبه يعذر

٢٧١

وله:

لما رأى نار وجدي

قد أضرمتها شجوني

أباح رشف لماه

وقال ( يا نار كوني )

ومن طرائفه قوله مشطرا:

( يقول أنا الكبير فوقروني )

وأكبر منه جثمان البعير

أكلّ كبير جسم عظموه

( ألا ثكلتك أمك من كبير )

( إذا لم تأت يوم الروع نفعاً )

ولا في السلم تسمح باليسير

ولا تسمو بعلم أو بخلق

( فما فضل الكبير على الصغير )

وقال مخمساً، والاصل لبعض الادباء:

عاشرت أبناء الورى فهجرتهم

وبلوت جلّ قبيلتي فعرفتهم

فغدوت منفرداً وقد ناديتهم

يا إخوة جرّبتهم فوجدتهم

من إخوة الأيام لا من إخوتي

فاخترت من حسن التجنب عنهم

ما لو سئلت لكنت أجهل مَن هم

هيهات أطمع بعد ذلك فيهم

فلأنفضنّ يديّ يأساً منهم

نفض الأنامل من تراب الميت

ومن نوادره ما رسمه بخطه قائلاً: تطرق ديارنا تصوير سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين معكوساً عما وجد في خزائن اليونان، مصوراً بالقلم في ماضي الأزمان، فأمر عمي السيد محمد(1) سلمه الله جمعاً من الادباء بأن ينظم كل بيتين. وبعد أن نظم هو حرسه الله، أمرني وأمر ابن عمي السيد محسن بأن ينظم كلانا، فخدمنا تلك الحضرة إذ امتثلنا أمره، والذي يحضرني منها بيتاه ـ حفظه الله وهي هذه:

__________________

1 ـ هو أبو المعز السيد محمد القزويني المتوفى 1335 ه‍.

٢٧٢

هو تمثال حيدر الطهر فأعجب

ليدٍ صوّرت له تمثالا

زره وألثمه واستلمه وعظّم

شكل تمثاله تنل آمالا

وبيتاي هما:

قيل لي في مثال حيدر شرّف

نور عينيك إنه نبراس

قلتُ عن ضمّه العوالم ضاقت

عجباً كيف ضمه القرطاس

وتقدم في هذا الكتاب بيتان للشيخ يعقوب النجفي المتوفى 1329 حول هذا التصوير المقدس.

ومن شعره في الغزل:

كم تمنيت والمحال قريني

أن يكون الحبيب طوع يميني

كم تحدثت باسم ليلى شجوناً

وهو القصد في حديث شجوني

ما تخيلت أن فيه شبابي

ينقضي بين زفرة وأنين

فلي الله من قتيل لحاظ

من عيون فديتها بعيونِ

وله:

ضاقت عليَّ مساكن البلد

مذ بان عني منية الكبد

أحبيب بعدك لم أجل أبداً

عينيّ من وجد على أحد

ما كنت أعلم قبل بينكم

أن النوى يوهي قوى جلدي

هل لي بأوباتٍ أفوز بها

منكم وابذل جلّ ما بيدي

وأرسل كتاباً إلى والده الهادي من النجف عن لسانه ولسان إخوته يستعطفونه فيه بزيادة رواتبهم التي خصصها لهم في كل شهر، أثناء دراستهم وذلك سنة 1325 نثبت قدر الحاجة منه: أدام الله مولانا وحرسه وحفظ ذلك الغصن الذي أثمر العز مذ غرسه وجعله مفتاحاً لكل فضل ارتجت أبوابه ومصباحاً تستضيء به أرباب العلم وطلابه، أي ومننك السابقة وأياديك اللاحقة لأنت الذي لبست للندى غلالته والله أعلم حيث يجعل رسالته، نعوذ

٢٧٣

بك من إفلاس صال علينا بجنوده، وفاجأنا بعدته وعديده، يبتغي قتل كل معسر ويرتّل ربي يسر ولا تعسر، فتحصّن منه مَن تحصن وما لنا حصن سواك، وتطامن للذل من تطامن وكيف يتطامن مَن يؤمل جدواك:

وأنت لنا درع حصين وصارم

بهن على الدهر الشديد نصول

ونلقى جيوش العدم فيك فتنثني

رماح لها مفلولة ونصول

فيا بقيت يا جمّ المناقب وزعيم العز من آل غالب منهلاً للوارد ومنتجعاً للوافد، ترشد بهداك الساري وتكسو بفيض أناملك العاري، فوفر أرزاقنا بما أنت أهله فإنك فرع الكرم وأصله، فإنا لا نرجو بعد الله سواك ولا نقبل إكرام كل مكرم إلاك، ولك الفضل أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً:

وارع لغرس أنت أنهضته

لولاك ما قارب أن ينهضا

وقد صدر هذه الرسالة بقصيدة طويلة مدرجة في ديوانه المخطوط. وهذه قطعة من شعره الذي أبّن فيه عمّ والده وهو السيد حسين ابن السيد مهديقدس‌سره :

اعاتب دهراً ليس يصغي لعاتب

بجيش المنايا لا يزال محاربي

اعاتب دهراً جبّ غارب هاشم

وغالب غلباً من نزار وغالب

ولفّ لواء من لويٍّ ونال من

قصيّ العلا أقصى المنى والمآرب

وغار على بيت المكارم والهدى

فأرداه ما بين النوى والنوائب

وأفجع في فقد الحسين محمداً

وآل أبيه خير ماش وراكب

مصائبنا لم تحص عداً وهونت

مصيبتك الدهماء كل المصائب

نعتك السما يا بدرها نعي ثاكل

إلى البلد القاصي بدمع السحائب(1)

فقدناك عيشاً إن تتابع جد بها

فقدناك غوثاً للامور الصعائب

__________________

1 ـ يشير إلى هطول الأمطار يوم وفاته.

٢٧٤

الشيخ باقر حيدر

المتوفى 1333

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسينعليه‌السلام وهي من القصائد المطولة:

إن لم أكن باكياً يوم الحسين دما

لا والهوى لم أكن أرعى له ذمما

لا أشكر العين إلا إن بكت بدم

أولا فياليتها تشكو قذى وعمى

وأنت يا قلب إن لم تنتثر قطعاً

في أدمعي لم تكن في الحب منتظما

إن كنت مرتضعاً من حبّ فاطمة

لا تترك الدمع من أحشاك منفطما

فقد جرت لحسين دمعها بدم

فجارها في البكا وابك الحسين دما

ونكبة زلزلت في الارض ساكنها

وأوقفت في السما أفلاكها عظما

تنسي الحوادث في الدنيا إذا قَدُمت

وحادث الطف لا يُنسى وإن قدما

يا بن النبي الذي في نور طلعته

زان الهدى وأزال الظلم والظلما

أصات ناعيك في الدنيا فأوقرها

مسامعاً واشتكت أسماعها صمما

قد جلّ رزؤك حتى ليس يعظم لي

في الدهر من بعد رزءٌ وإن عظما

لك الفرات أباح الله مورده

ففيم تصدر عنه ظامياً ولما

إن كال قيل ـ ولا ذنب أتيت به ـ

فما لطفلك منه لم يبلّ ظما

* * *

الشيخ باقر حيدر هو ابن الشيخ علي بن حيدر ولد في النجف ونشأ على الفضيلة واشتغل بطلب العلم الديني ورحل إلى سوق الشيوخ وهذه المنطقة تدين

٢٧٥

بالولاء لهذا البيت، فكان المترجم له موضع تقدير واحترام من كافة الطبقات. ترجم له صاحب الحصون، وفي الطليعة: كان فاضلاً مشاركاً مصنفاً هاجر من بلده سوق الشيوخ إلى النجف فحضر على علمائها ثم هاجر إلى سامراء فحضر على السيد ميرزا حسن الشيرازي ثم عاد إلى النجف بعد وفاة السيد الشيرازي ثم عاد إلى محله واستقلّ بالزعامة وكان أديباً له مطارحات مع بعض الشعراء وله مراث للائمة الأطهار، ومن آثاره حاشية على القوانين في مجلدين، وتقريرات استاذه الشيرازي ومنظومة في الأصول. توفي في سوق الشيوخ سنة 1333 ونقل نعشه إلى النجف الأشرف وأعقب ثلاثة أولادهم، الشيخ جعفر، والشيخ محمد حسن والشيخ صادق، وللمترجم له ديوان شعر يحوي فنون النظم وهذا نموذج من نظمه. مرثية للشهيد الحسينعليه‌السلام وهذا المقطع الأول منها.

سرى البرق يحدو المثقلات من الوطف

فأقلت عزاليها وخفّت على الطف

ولو أن ماء العين يشفي ربوعها

بكيت دماً لكنّ دمعي لا يشفي

فلله ما ضمته أكناف كربلا

من الجود والمجد المؤثل والعرف

لقد حسد المسك الفتيت ترابها

فما مثله الداري من المسك في العرف

فلهفي لقوم صرعوا في عراصها

عطاشى على الشاطي وقلّ لهم لهفي

بها أرخصوا الأرواح وهي عزيزة

فدىً لهم روحي وما ملكت كفي

فما تضرب الهامات إلا تنصّفت

وخير الظبا ما يقسم الهام بالنصف

بأيمانهم يستأنس السيف في اللقا

كما في التلاقي يأنس الالف بالالف

٢٧٦

الشيخ طاهر السوداني

المتوفى 1333

هلّ المحرم فاستهل بكائي

فيه لمصرع سيد الشهداء

ماعدت يا عاشور الا عاد لي

كمدي وهجتَ لواعج البرحاء

لهفي على تلك الجسوم على الثرى

تصلى بحرّ حرارة الرمضاء

أسفاً على تلك الوجوه كأنها

الأقمار قد تُربِّن في البوغاء

من كل وضاح الجبين لهاشم

يُنمى لرأس الفخر والعلياء

الشيخ طاهر ابن الشيخ حسن أديب معروف وعالم فاضل، ولد في النجف 1260 ونشأ بها ودرس عند الشيخ حسن المامقاني وكانت عشيرة السودان في لواء ميسان تعتز به وتفتخر بعلمه وأدبه، وكان ولده الشاعر الشهير الشيخ كاظم يتحدث عن شعر أبيه وعن ديوانه الذي يضم أكثر من ستة آلاف بيت غير أنه فقد في بعض أسفاره ولم يبق لديه إلا سبع قصائد في رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام ، وللمترجم له شهرة أدبية. توفي في ميسان سنة 1333 ه‍ ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في وادي السلام، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال: كان من أهل الفضل والأدب، جميل اللفظ حسن المحاورة بديهي النظم وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وروى جملة من أشعاره من رثاء وغزل ومراسلات.

أقول ورأيت في مخطوطة بمكتبة ( حسينية الشوشترية ) رقم 132 خزانة 131 جملة من المراثي الحسينية من نظم الشاعر المترجم له وهذه أوائل القصائد:

1 ـ أمن دمنتي نجران عيناك تهمل

لك الخير لا يذهب بحلمك منزل

2 ـ فيا ثاوياً والذل لم يلو جيده

وردت الردى كالشهد عذب الموارد

3 ـ لا غمضت هاشم أجفانها

إن لم تسل بالطعن إنسانها

4 ـ اليك الوغى يابن الوغى تعلن الندبا

فلبّ الندا منها فيا خير مَن لبّى

٢٧٧

الشيخ جواد الحلي

المتوفى 1334

من شامخات المجد دك رعانها

خطب أطاش من الورى أذهانها

ومنها:

ما آمنت بالله لمحة ناظر

مذ خالفته وحالفت أوثانها

ودعت لبيعتها ابن مَن بحسامه

لله أذعنت الورى إذعانها

من معشر لهم العلى ووليدهم

يسقى غداة رضاعه ألبانها

لهم الفواضل والفضائل ناطق

فيها الكتاب مفصّل تبيانها

في هل أتى جاءت نصوص مديحهم

ما كان أوضح للمريب بيانها

وبآية التطهير محكم ذكرها

قد خصها شرفاً وأعلى شانها

يا ما أجلّ مكانها بذرى العلى

بذرى العلى يا ما أجلّ مكانها

فسرى لحربهم بأكرم فتية

يذكي لهيب سيوفهم نيرانها

مرهوبة السطوات إن هي جردت

بيض السيوف وكسّرت أجفانها

كرهوا الحياة على الهوان وإنما

يتصعب الشهم الأبيّ هوانها

فجلوا دجى الهيجاء بالغرر التي

قد علّمت شمس الضحى لمعانها

بأبي الاولى قد عانقوا أسل القنا

والبيض حتى وزعت جثمانها

وثوت كما يهوى الحفاظ لأنفس

دون الهدى قد فارقت أبدانها

نهبت جسومهم الصفاح ومنهم

تخذت رؤوسهم القنا تيجانها

٢٧٨

وفي آخرها:

ما بال اسد نزار وهي إذا سطت

تخشى الأسود ضرابها وطعانها

رقدت وما ثارت إلى ثاراتها

بالخيل تحمل للوغي فرسانها

لا أدركت بشبا القواضب مطلباً

في المجد إن هي حاولت سلوانها

لم يغنها عن قرع واتر مجدها

بالبيض قرع بنانها أسنانها

ألويّ دونك فالبسي حلل الجوى

وبفيض دمعك فاصبغي أردانها

هذا أبو السجاد غير مشيع

بثرى الطفوف مصافحاً كثبانها

الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي ترجم له اليعقوبي في ( البابليات ) فقال: سمعت من جماعة من شيوخ الحلة ان هذا الشاعر انحدر من اصل فارسي وإنما استوطن أجداده الحلة قبل قرنين أو أكثر وكانت ولادة المترجم له ونشأته في الحلة، وحين رأى أبوه استعداده ورغبته بالعلم والأدب أرسله إلى النجف وهو ابن خمس عشرة سنة من اجل طلب العلم الديني فسكن مدرسة ( المهدية ) قرب مسجد الطوسي ومكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط وافر من الفضل والأدب ثم هو يتردد على مسقط رأسه الحلة حتى إذا كانت سنة 1334 قدم الفيحاء جرياً على عادته وعداته فمرض ولازم الفراش وتوفي آخر ذي الحجة من السنة المذكورة وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف، وعمره يوم وفاته يقارب الخمسين سنة.

كان المترجم له ناظما مكثراً جمع ديوان شعره في حياته وصار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم، وله قطعة يهنيء بها العلامة الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء بزفاف ولده الشيخ محمد رضا، وقصيدة يتوسل فيها بالنبي وآله أولها:

أبيتُ ونار الوجد ملء الحيازم

أكفكف من فيض الدموع السواجم

تساورني أفعى الهموم بناقع

من السم تخشى منه رقش الأراقم

٢٧٩

وله اخرى لامية في التهنئة أيضاً رواها الخاقاني في ( شعراء الحلة ).

وترجم له هناك فقال: كانت له صحبة وعلاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام وبينهما مساجلات شعرية، والمترجم له كان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة قال الخطيب قسام: كنت احتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الامام الحسين، وكان قصير القامة نحيف البدن خفيف العارضين.

ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) في كتابه ( سمير الحاضر ) وروى له طائفة من أشعاره في مختلف المناسبات، وهذه إحدى روائعه:

كم تغاضيك على الجور احتمالا

ولقد هدّ تغاضيك الجبالا

أيها الغائب كم تشكو الورى

لك من طول تخفّيك اعتلالا

قطعت أكبادها الشكوى أما

آن أن تمنحها منك وصالا

أترى الأرض عليك اتسعت

وعليها ضاقت الدنيا مجالا

أين عنها لك قد طاب الثوى

ولماذا دونك المقدار حالا

كل يوم لك منها ألسنٌ

بفنون العتب ينشرن المقالا

كلما زادتك عتباً في النوى

زدتها في وَعدِ لقياك مطالا

هل للقياك لها من منهج

كيف علّمها للقياك احتيالا

أو ما ترنو إلى صبح الهدى

فوقه امتدّ دجى الغيّ وطالا

لك كم ضجّ الهدى يا غوثه

وشكا الدين الحنيفيّ انتحالا

يستغيثان إلى عدلك من

أهل جور فيهما ساؤوا فعالا

يستثيرانك في ثارهما

ومن الضرّ يبثانك حالا

صرخا عن لوعة واستنهضا

خير ندب ثبتا فيه اعتدالا

أو ما ينهضك العزم الذي

ناره أذكى من الجمر اشتعالا

هل أبى سيفُك في يوم الوغى

والقنا الخطيّ سلّا واعتقالا

٢٨٠