حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء ١

حياة الامام الحسين عليه السلام0%

حياة الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 442

حياة الامام الحسين عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 141772
تحميل: 3672


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141772 / تحميل: 3672
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسين عليه السلام

حياة الامام الحسين عليه السلام الجزء 1

مؤلف:
العربية

إنّ حديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبويّة وأوفرها صحّة ، وقد ذكر المناوي عن السمهودي أنه قال : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة(1) ، وكلّهم قد رووا هذا الحديث. وقال ابن حجر : ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بعض وعشرين صحابيّاً(2) .

ويدلّ هذا الحديث دلالة صريحة واضحة على حصر الإمامة في أهل البيت (عليهم السّلام) وعلى عصمتهم من الآثام والأهواء ؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن الطبيعي أنّ أيّ انحراف منهم عن الدين يعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز.

وقد صرّح (صلّى الله عليه وآله) بعدم افتراقهما حتّى يردا عليه الحوض ، فدلالته على العصمة ظاهرة جلية لا خفاء فيها ، كما أكّد النبي (صلّى الله عليه وآله) في هذا الحديث على اُمّته أن لا تتقدّم عليهم ، وأن تسلّم إليهم قيادتها ؛ لئلاّ تهلك في مجال هذه الحياة. والبحث عن معطيات هذا الحديث الشريف يستدعي وضع كتاب خاص فيه ، وقد عرض جماعة من العلماء بصورة موضوعية وشاملة للبحث عنه(3) .

7 ـ روى أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ؛ مَن ركبها نجا ، ومَن تخلّف عنها غرق. وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ؛ مَن دخله غُفر له»(4) .

__________________

(1) فيض القدير 3 / 14.

(2) الصواعق المحرقة / 136.

(3) يراجع في ذلك المراجعات / 49 ـ 52 ، الاُصول العامة للفقه المقارن / 164 ـ 187.

(4) مجمع الزوائد 9 / 168 ، ورواه الحاكم في مستدركه 2 / 43

٨١

وفي هذا الحديث دعوة خلاّقة وملزمة إلى التمسّك بالعترة الطاهرة ؛ فإنّه ضمان لنجاة الاُمّة وسلامتها ، كما أنّ في البُعد عنها غواية وهلاكاً ، يقول الإمام شرف الدين في بيان هذا الحديث :

وأنت تعلم أنّ المراد من تشبيههم (عليهم السّلام) بسفينة نوح أنّ مَن لجأ إليهم في الدين ، فأخذ فروعه وأصوله عن أئمّته ، نجا من عذاب النار ، ومَن تخلّف عنهم كان كمَن آوى " يوم الطوفان " إلى جبل ليعصمه من أمر الله ، غير أنّ ذاك غرق في الماء ، وهذا في الحميم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم (عليهم السّلام) بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سبباً للمغفرة

هذا وجه الشبه. وقد حاوله ابن حجر إذ قال بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها :

ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ مَن أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة شرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومَن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان إلى أن قال : وباب حطّة ـ يعني ووجه تشبيههم بباب حطّة ـ أنّ الله جعل دخول ذلك الباب ، الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس ، مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل

__________________

عن حنش عن أبي ذر ، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 2 / 19 بسنده عن أنس بن مالك ، ورواه أبو نعيم في الحلية 4 / 306 بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ورواه المتقي في كنز العمال بسنده عن ابن الزبير وابن عباس ، ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبى / 20 بسنده عن علي ، ورواه الطبراني في كتابيه الأصغر والأوسط عن أبي سعيد الخدري.

٨٢

لهذه الاُمّة مودّة أهل البيت سبباً لها(1) .

واستدلّ المتكلّمون من الشيعة بهذا الحديث على حصر الإمامة في أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) جعلهم كسفينة نوح تميزاً لهم عن غيرهم ، فالرجوع إليهم سبب للنجاة والتخلّف عنهم سبب للضلالة والهلاك.

8 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «معرفة آل محمد براءة من النار ، وحبُّ آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»(2) .

9 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «مَن مات على حبّ آل محمد مات شهيداً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد فُتح في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد جعل قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومَن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله»(3) .

لقد دعا الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى موالاة عترته ، وأن نُكنّ لهم في أعماق

__________________

(1) المراجعات / 54.

(2) المراجعات / 54.

(3) المراجعات / 59 ، نقله عن الثعلبي في تفسير آية المودة من تفسير الكبير.

٨٣

نفوسنا أصدق آيات الحبّ والولاء ، وأن يكون ذلك مستمراً حتّى آخر لحظة من حياتنا.

10 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين»(1) .

11 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «لا تزول قدما عبد ـ يوم القيامة ـ حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه ، وعن محبّتنا أهل البيت»(2) .

12 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليّه ، وليعتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، ورُزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي»(3) .

13 ـ قال علي (عليه السّلام) : «أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّ أوّل مَن يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم»(4) .

14 ـ روى أبو سعيد الخدري أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السّلام) ، قفال : «إنّي وإيّاكِ وهذا النائم ـ يعني علياً ، وهما ـ يعني الحسن والحسين ـ لفي مكان واحد يوم القيامة»(5) .

__________________

(1) المراجعات / 58 ، نقله عن الشرف المؤبد / 58.

(2) المراجعات نقله عن السيوطي في إحياء الميّت ، والنبهاني في أربعينه.

(3) كنز العمال 6 / 217.

(4) مستدرك الحاكم 3 / 151.

(5) مستدرك الحاكم 3 / 137.

٨٤

هذه بعض الأحاديث التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في فضل عترته ، والمتأمّل فيها يطلّ على الغاية التي ينشدها (صلّى الله عليه وآله) وهي جعل القيادة الإسلامية بيد أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين آثروا طاعة الله على كل شيء ؛ حتّى لا تزيغ الاُمّة في مسيرتها عن طريق الهدى والصلاح ، ولا تنحرف عن سلوكها عمّا أمر الله به وتشيع في أوساطها العدالة والحق ، وينسدّ الطريق أمام القوى الباغية من أن تنزو على منابر الحكم والخلافة الإسلامية.

الطائفة الثانية :

وحفلت مصادر السيرة النبويّة والأحاديث بحشد كبير من الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّ السبطين (عليهم السّلام) ، ومدى أهمّيتهما ومقامهما الكريم عنده ، ونتعرض فيما يلي لبعضها :

1 ـ روى أبو أيوب قال : دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين (عليهما السّلام) يلعبان بين يديه (أو في حجره) ، فقلت : يا رسول الله ، أتحبّهما؟ فقال : «وكيف لا اُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما!»(1) .

وقد أضفى الرسول (صلّى الله عليه وآله) عليهما لقب الريحانتين في مواطن عديدة ونشير إلى بعضها :

أ ـ روى سعيد بن راشد قال : جاء الحسن والحسين (عليهما السّلام) يسعيان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه ، ثمّ جاء الآخر فضمّه

__________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 181 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 2 / 189 مع تغيير يسير ، مختصر صفة الصفوة / 62 ، تاريخ ابن عساكر 13 / 39.

٨٥

إلى إبطه الاُخرى وقال : «هذان ريحانتاي من الدنيا ، مَن حبّني فليحبّهما»(1) .

ب ـ قال سعد بن مالك : دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين يلعبان على ظهره ، فقلت : يا رسول الله ، أتحبّهما؟ فقال : «وما لي لا اُحبّهما ، وإنّهما ريحانتاي من الدنيا!»(2) .

ج ـ روى أنس بن مالك قال : دخلت (أو ربما دخلت) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين يتقلّبان على بطنه ، ويقول : «ريحانتي من هذه الاُمّة»(3) .

د ـ روى أبو بكرة قال : كان الحسن والحسين (عليهما السّلام) يثبان على ظهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الصلاة فيمسكهما بيده حتّى يرفع صلبه ، ويقومان على الأرض ، فلمّا فرغ أجلسهما في حجره ، ثمّ قال : «إنّ ابنَي هذين ريحانتاي من الدنيا»(4) .

هـ ـ روى جابر أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب (عليه السّلام) : «سلام عليك يا أبا الريحانتين ، اُوصيك بريحانتي من الدنيا خيراً ؛ فعن قليل ينهدّ ركناك ، والله خليفتي عليك». قال : فلمّا قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) قال علي (عليه السّلام) : «هذا أحد الركنين اللَّذَين قال النبي (صلّى الله عليه وآله)». فلمّا ماتت فاطمة (عليها السّلام) قال علي (عليه السّلام) : «هذا الركن الآخر الذي قال النبي (صلّى الله عليه وآله)»(5) .

و ـ روى البخاري بسنده عن ابن أبي نعم قال : كنت شاهداً

__________________

(1) ذخائر العقبى / 124.

(2) كنز العمال 7 / 110.

(3) خصائص النسائي / 37 ، وفي مسند الإمام زيد / 469 «الولد ريحانة ، وريحانتي الحسن والحسين».

(4) كنز العمال 7 / 109.

(5) حلية الأولياء 3 / 201.

٨٦

لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض ، فقال : ممّن أنت؟ فقال : من أهل العراق. قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وسمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول : «هما ريحانتاي من الدنيا»(1) !

2 ـ روى انس بن مالك قال : سُئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين». وكان يقول لفاطمة (عليها السّلام) : «ادعي ابنَيَّ». فيشمّهما ويضمّهما إليه(2) .

3 ـ روى ابن عباس قال : بينا نحن ذات يوم مع النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ أقبلت فاطمة (عليها السّلام) تبكي ، فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «فداك أبوك! ما يبكيك؟». قالت : «إنّ الحسن والحسين خرجا ، ولا أدري أين باتا». فقال لها رسول (صلّى الله عليه وآله) : «لا تبكين ؛ فإنّ خالقهما ألطف بهما منّي ومنك». ثمّ رفع يديه وقال : «اللّهمّ احفظهما وسلمّهما». فهبط جبرئيل وقال : يا محمد ، لا تحزن فإنّهما في حظيرة بني النّجار نائمان ، وقد وكّل الله بهما ملكاً يحفظهما.

فقام النبي (صلّى الله عليه وآله) ومعه أصحابه حتّى أتى الحظيرة ، فإذا الحسن والحسين (عليهما السّلام) معتنقان نائمان ، وإذا الملك الموكّل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما يظلّهما ، فأكبّ النبي (صلّى الله عليه وآله) يقبّلهما حتّى انتبها من نومهما ، ثمّ جعل الحسن على عاتقه الأيمن ، والحسين على عاتقه الأيسر ، فتلقّاه أبو بكر وقال : يا رسول الله ، ناولني أحد الصبيين أحمله عنك. فقال (صلّى الله عليه وآله) : «نِعم المطيّ مطيهما ، ونِعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما». حتّى أتى المسجد ، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على قدميه ، وهما على عاتقيه ، ثمّ قال :

__________________

(1) صحيح البخاري ـ كتاب الأدب ، فضائل الخمسة من الصحاح السّتة 3 / 183.

(2) صحيح الترمذي 2 / 306 ، فيض القدير 1 / 148.

٨٧

«معاشر المسلمين ، ألا أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّة؟».

فقالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين جدّهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خاتم المرسلين ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد سيّدة نساء أهل الجنة».

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) : «ألا أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟».

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب».

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) : «أيها الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟».

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينت بنت رسول الله».

ثمّ قال (صلى الله عليه وآله) : «اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، ومَن أحبّهما في الجنّة ، ومَن أبغضهما في النار»(1) .

وهذا الحديث الشريف دلّ بوضوح على مدى حبّه (صلى الله عليه وآله) لسبطيه ، وأنّهما أحبّ أهل بيته إليه ، كما أنّهما أفضل الناس نسباً وحسباً ، وأنّ مَن أحبّهما ينزل معهم مقاماً كريماً في الفردوس.

4 ـ روى عمر قال : رأيت الحسن والحسين (عليهما السّلام) على عاتقي النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقلت : نِعم الفرس تحتكما ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : «ونِعم الفارسان هما»(2) . وبهذا المضمون روى جابر

__________________

(1) ذخائر العقبى / 130.

(2) مجمع الزوائد 9 / 182 ، كنز العمال 7 / 108.

٨٨

قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين على ظهره وهو يقول : «نِعم الجمل جملكما ، ونِعم العدلان أنتما»(1) .

وقد نظم ذلك السّيد الحميري بقوله :

أتى حسناً والحسينَ الرسول

وقد برزا ضحوةً يلعبانِ

فضمّهما وتفدّاهما

وكانا لديهِ بذاك المكانِ

ومرّا وتحتهما عاتقاهْ

فنعمَ المطيةُ والراكبانِ

5 ـ روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(2) .

6 ـ روى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «الحسن والحسين ابناي ، مَن أحبّهما أحبّني ، ومَن أحبّني

__________________

(1) كنز العمال 7 / 108 ، مجمع الزوائد 9 / 182.

(2) صحيح الترمذي 2 / 306 ، مختصر صفة الصفوة / 62 ، مسند أحمد بن حنبل 3 / 62 ، حلية الأولياء 5 / 71 ، تاريخ بغداد 9 / 231. ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 167 بسنده عن ابن عمر ، قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما».وبهذا النص ورد في مسند الإمام زيد ، وفي الإصابة 1 / 266 روى جهم قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ؛ مَن أحبّهما فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني». وفي الجامع الكبير للسيوطي ، عن ابن عساكر بسنده ، عن حذيفة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : «أتاني ملك فسلّم عليّ ، نزل من السماء لم ينزل قبلها ، فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة».

٨٩

أحبّه الله ، ومَن أحبّه الله أدخله الجنّة. ومَن أبغضهما أبغضني ، ومَن أبغضني أبغضه الله ، ومَن أبغضه الله أدخله النار»(1) .

7 ـ كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يخطب ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران ، وهما يمشيان ويعثران ، فنزل (صلّى الله عليه وآله) عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، وقال : «صدق الله إذ يقول : أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ. لقد نظرت إلى هذين الصبيين وهما يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما»(2) .

8 ـ روى يعلى بن مرة قال : جاء الحسن والحسين يستبقان إلى

__________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 166 ، وبتغيير يسير رواه الهيثمي في معجمه 9 / 111 ، وكذلك رواه المتقي في كنز العمال 6 / 221. وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مَن أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني». وفي تهذيب التهذيب في ترجمة نصر بن علي الأزدي ، روى علي بن الصواف ، عن عبد الله بن أحمد : إنّ نصراً حدّث أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين فقال : «مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة». فلما سمع ذلك المتوكّل أمر بضربه ألف سوط ، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد ، وجعل يقول له : هذا من أهل السنّة ، فلم يزل به حتّى تركه.

(2) صحيح الترمذي 2 / 306 ، سنن النسائي 1 / 201 ، مستدرك الحاكم 1 / 287 ، سنن أبي داود 6 / 110 ، مسند أحمد بن حنبل 5 / 354 ، سنن البيهقي 3 / 218 ، اُسد الغابة 2 / 12 ، كنز العمال 7 / 168 ، سنن النسائي 3 / 108.

٩٠

رسول الله فضمّهما ، وقال : «إنّ الولد مبخلة مجبنة»(1) .

9 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سبطان(2) من الأسباط»(3) .

10 ـ روى أنس أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : «أحبّ أهل بيتي إليّ الحسن والحسين»(4) .

11 ـ روى أنس قال : سُئل النبي (صلّى الله عليه وآله) : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : «الحسن والحسين». وكان يقول لفاطمة (عليها السّلام) : «ادعي لي ابنيَّ». فيشمّهما ويضمّهما إليه(5) .

12 ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا»(6) .

__________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 168 ، مسند أحمد بن حنبل 4 / 172 ، ومعنى الحديث أنّ الولد يحمل أباه على البخل والجبن.

(2) السبطان : تثنية سبط ، وفي لسان العرب 9 / 181 أنّ السبط أمّة من الاُمم في الخير.

(3) كنز العمال 6 / 221 ، الصواعق المحرقة / 114 ، الأدب المفرد ، وفي صبح الأعشى 1 / 430 : إنّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) أوّل مَن سُمّيا بالسبطين في الإسلام.

(4) صحيح الترمذي.

(5) تيسير الوصول لابن الديبغ 3 / 376.

(6) بحار الأنوار 1078 ، وفي نزهة المجالس 2 / 184 : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال للحسن والحسين (عليهما السّلام) : «أنتما الإمامان ، ولاُمّكما الشفاعة». وورد هذا الحديث في الإتحاف بحبّ الأشراف / 129.

٩١

لقد أضفى النبي (صلّى الله عليه وآله) على ريحانتيه حلّة الإمامة ، وجعلها من ذاتيّاتهما ؛ سواء أقاما بالأمر وتقلّدا شؤون الخلافة أم لا.

الولاء العميق :

وذكر الرواة بوادر كثيرة تدلّ على مدى تعلّق النبي (صلّى الله عليه وآله) بسبطيه وشدّة حبّه لهما ، وفيما يلي بعض منها :

1 ـ إنّه كان إذا غاب عنه الحسن والحسين اشتدّ شوقه إليهما ، وأمر بمَن يدعوهما إليه فيأخذهما ويشمّهما ، ويضمّهما إلى صدره(1) .

2 ـ قال عبد الله بن جعفر : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا قفل من سفر تلقّى بي أو بالحسن أو بالحسين(2) .

3 ـ وبلغ من حبّه (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه أنّه قَبِل بيعتهما له ضمن الثلاثة الصغار الذين بايعوه من أهل البيت ، هما مع ابن عمّهما عبد الله بن جعفر ، ولم يبايع صغيراً قط إلاّ هُم(3) .

4 ـ وكان (صلّى الله عليه وآله) يحملهما على دابّته ، فيجعل أحدهما قدامه والآخر خلفه(4) .

5 ـ وبلغ من حنانه (صلّى الله عليه وآله) وعطفه على سبطيه أنّه كان يصلّي العشاء ، فإذا سجد وثبا على ظهره ، فإذا رفع رأسه أخذهما أخذاً رقيقاً فيضعهما

__________________

(1) صحيح الترمذي.

(2) سنن الدارمي 2 / 285.

(3) العقد الفريد 2 / 243.

(4) صحيح مسلم 5 / 191.

٩٢

على الأرض ، فإذا عاد عادا ، حتّى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه(1) .

لقد أولى النبي (صلّى الله عليه وآله) سبطيه رعايته ومحبّته ؛ ليري المسلمين مدى مكانتهما عنده حتّى تخفض لهما جناح المودّة ، وتقلّدهما قيادتها الروحية والزمنية ؛ ليسيرا بها إلى مدارج الحياة الكريمة التي يجد فيها الإنسان جميع ما يصبو إليه.

الطائفة الثالثة :

وتواترت الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في فضل ريحانته الإمام الحسين (عليه السّلام) وهي تحدّد معالم شخصيته ، كما تحمل جانباً كبيراً من اهتمام الرسول (صلّى الله عليه وآله) به ، وفيما يلي بعضها :

1 ـ روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مَن أراد أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين بن علي»(2) .

2 ـ روى أبو هريرة قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو حامل الحسين بن علي ، ويقول : «اللّهمّ إنّي اُحبّه فأحبه»(3) .

3 ـ روى يعلى بن مرة قال : خرجنا مع النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى طعام دعونا له ، فإذا حسين يلعب بالسكّة ، فتقدّم النبي (صلّى الله عليه وآله) وبسط يديه ، فجعل الغلام يفرّ ها هنا وها هنا ، ويضاحكه النبي (صلّى الله عليه وآله) ،

__________________

(1) مسند الإمام أحمد.

(2) تاريخ ابن عساكر 13 / 50 ، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين ، سير أعلام النبلاء 3 / 190.

(3) مستدرك الحاكم 3 / 177 ، وفي نور الأبصار / 129 : لفظ الحديث «اللّهمّ إنّي اُحبّه ، وأحبّ كلَّ مَن يحبّه».

٩٣

حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والاُخرى في فأس رأسه(1) ، فقبّله وقال : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً. حسين سبط من الأسباط»(2) .

ودلّل النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذا الحديث الشريف على مدى الصلة العميقة التي بينه وبين وليده ، وأكبر الظنّ أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يعنِ بقوله : «حسين منّي» الرابطة النسبية التي بينه وبينه ، وإنّما عنى أمراً آخر هو أدقّ وأعمق. فالحسين منه ؛ لأنّه يحمل روحه وهَديه ، ويحمل اتجاهاته العظيمة الهادفة إلى إصلاح الإنسان ورفع مستواه ، وتطوير وسائل حياته على أساس الإيمان بالله الذي يحمل جميع مفاهيم الخير والسلام في الأرض. كما عنى (صلّى الله عليه وآله) بقوله : «وأنا من حسين» أنّ ما يبذله السّبط العظيم من التضحية والفداء في سبيل الدين ، وما تؤدّيه تضحيته من الفعاليات الهائلة في تجديد رسالة الإسلام ، وجعلها نابضة بالحياة على مرّ الأجيال الصاعدة ، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك حقّاً من الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فهو المجدّد لدينه ، والمنقذ له من شرّ تلك الطغمة الحاكمة التي جهدت على محو الإسلام من خريطة هذا الكون ، وإعادة مفاهيم الجاهليّة وخرافاتها على مسرح الحياة. وقد نسف الإمام بنهضته أحلام الاُمويِّين ، وأعاد للإسلام نضارته وحياته ، ورفع رايته عالية خفّاقة في جميع الأجيال.

__________________

(1) وفي رواية : فوضع إحدى يديه تحت قفاه ، والاُخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه وهو يقول : «حسين منّي ...» إلخ.

(2) سنن ابن ماجة 1 / 51 ، مسند أحمد بن حنبل 4 / 172 ، اُسد الغابة 2 / 19 ، تهذيب الكمال / 71 ، تيسير الوصول 3 / 276 ، مستدرك الحاكم 3 / 177 ، أنساب الأشراف ج 1 ق 1.

٩٤

كما دلّل (صلّى الله عليه وآله) على عظمة حفيده بأن أضفى عليه كلمة السّبط ، وأراد بها أنّه أمّة من الاُمم بذاته ، ومستقل بنفسه ، فهو أمّة من الاُمم في الخير ، وأمّة من الشرف في جميع الأجيال والآباد.

5 ـ روى الصحابي العظيم سلمان الفارسي قال : دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي على فخذه ، وهو يلثم فاه ، ويقول : «أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأبو الأئمة ، وأنت حجّة الله وابن حجّته ، وأبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم»(1) .

6 ـ قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أخو إمام ، أبو أئمة تسعة»(2) .

7 ـ روى أبو العباس قال : كنت عند النبي (صلّى الله عليه وآله) وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، والنبي تارة يقبّل هذا وأخرى يقبّل هذا ، إذ هبط عليه جبرئيل بوحي من رب العالمين ، فلمّا سرى عنه قال (صلّى الله عليه وآله) : «أتاني جبرئيل من ربّي فقال لي : يا محمد ، إنّ ربّك يقرؤك السّلام ويقول لك : لست أجمعهما لك ، فافْدِ أحدهما بصاحبه».

فنظر النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى إبراهيم فبكى ، ثمّ قال : «إنّ إبراهيم متى مات لم يحزن عليه غيري ، واُمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمّي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي ، وحزن ابنُ عمّي ، وحزنت أنا عليه ، وأنا اُوثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل ، يُقبض إبراهيم ، فديتُ الحسين بإبراهيم». وقُبض إبراهيم بعد ثلاث ، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا رأى الحسين مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ، ورشف ثتاياه ، وقال : «فديتُ مَن فديته بابني إبراهيم»(3) .

__________________

(1) المراجعات / 228.

(2) منهاج السنّة 4 / 210.

(3) تاريخ بغداد 2 / 204.

٩٥

8 ـ روى ابن عباس قال : كان النبي (صلّى الله عليه وآله) حامل الحسين على عاتقه ، فقال له رجل : نِعم المركب ركبت يا غلام. فأجابه الرسول (صلّى الله عليه وآله) : «ونِعم الراكب هو»(1) .

9 ـ روى يزيد بن أبي زياد قال : خرج النبي (صلّى الله عليه وآله) من بيت عائشة ، فمرّ على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي ، فالتاع (صلّى الله عليه وآله) من ذلك فقال لفاطمة : «ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني؟»(2) .

10 ـ روى عبد الله بن شداد عن أبيه قال : سجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سجدة أطالها ، حتّى ظنّنا أنّه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليه ، فسألناه عن ذلك ، فقال : «كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتّى يقضي حاجته»(3) .

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في ريحانته ، وهي أوسمة شرف ومجد قلّده بها ؛ إشعاراً منه بأنّ ظلّه وحقيقته ستمثّل في هذا الطفل ، وسيكون صورة فذّة لإنسانيّته العليا ، وأسراره العظمى.

__________________

(1) التاج الجامع للاُصول 3 / 218.

(2) مجمع الزوائد 9 / 201 ، سير أعلام النبلاء 3 / 191 ، المعجم الكبير للطبراني ، ذخائر العقبى / 143.

(3) تهذيب التهذيب 2 / 346 ، تيسير الوصول إلى جامع الاُصول 3 / 285 ، سنن النسائي.

٩٦

إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) بمقتله :

وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) أصحابه علماً بمقتل ريحانته وسبطه ، وأذاع ذلك بين المسلمين ، حتّى بات عندهم من الاُمور المتيقّنة التي لم يخالجهم فيها أدنى شكّ ، يقول ابن عباس : ما كنّا نشكّ ـ وأهل البيت متوافرون ـ أنّ الحسين بن علي يقتل بالطفِّ(1) .

وقد بكى النبي (صلّى الله عليه وآله) أمرّ البكاء وأفجعه ـ في غير موطن ـ على ما سيحلّ بريحانته من الخطوب والكوارث التي تذوب منها القلوب ، وفيما يلي عرضاً لتلك الأخبار.

1 ـ روت أُمّ الفضل بنت الحارث قالت : كان الحسين في حجري فدخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد حملت معي الحسين ، فوضعته في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع ، فقلت له :

ـ يا نبي الله ، بأبي أنت واُمّي ما لك؟!

ـ «أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا».

وذعرت اُمّ الفضل ، فانبرت تقول :

ـ تقتل هذا؟! وأشارت إلى الحسين.

ـ «نعم ، وأتاني جبرئيل بتربة من تربته حمراء»(2) .

__________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 179.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 176 ، وفي رواية ابن عساكر 13 / 62 ، عن اُمّ الفضل قالت : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل عليّ يوماً وحسين معي ، فأخذه وجعل يلاعبه ساعة ثمّ ذرفت عيناه ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : «هذا جبرئيل يخبرني أنّ اُمّتي تقتل ابني هذا».

٩٧

وغرقت اُمّ الفضل بالبكاء ، وهامت في تيّارات مذهلة من الأسى والحزن.

2 ـ روت السّيدة اُمّ سلمة قالت : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو خاثر(1) ، ثمّ اضطجع فاستيقظ وهو خاثر دون ما رأيت به المرّة الاُولى ، ثمّ اضطجع فاستيقظ ، وفي يده تربة حمراء وهو يقبّلها فقلت له : ما هذه التربة يا رسول الله؟

ـ «أخبرني جبرئيل أنّ هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض العراق ، فقلت لجبرئيل : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها ، فهذه تربته»(2) .

3 ـ وروت اُمّ سلمة قالت : كان النبي (صلّى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم في بيتي ، فقال : «لا يدخلنّ عليّ أحد». فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي ، فإذا الحسين في حجره (أو إلى جنبه) يمسح رأسه وهو يبكي ، فقلت له : والله ما علمت حتّى دخل. فقال لي : «إنّ جبرئيل كان معنا في البيت ، فقال : أتحبّه؟ فقلت : نعم. فقال : إنّ اُمّتك ستقتله بأرض يقال لها كربلاء». فتناول جبرئيل من ترابها ، فأراه النبي(3) .

4 ـ روت عائشة قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يوحى إليه ، فنزا على رسول الله وهو منكب ، فقال جبرئيل : أتحبّه يا محمد؟ قال : «وما لي لا اُحبّ ابني؟». قال : فإنّ اُمّتك ستقتله

__________________

(1) الخاثر : المضطرب.

(2) مستدرك الحاكم 4 / 398 ، كنز العمال 7 / 106 ، سير أعلام النبلاء 3 / 15 ، ذخائر العقبى / 148.

(3) كنز العمال 7 / 106 ، المعجم الكبير للطبراني.

٩٨

من بعدك ، فمدّ جبرئيل فأتاه بتربة بيضاء ، فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا ، واسمها الطفّ ، فلمّا ذهب جبرئيل من عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والتربة في يده وهو يبكي ، فقال : «يا عائشة ، إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني حسيناً مقتول في أرض الطفِّ ، وإنّ اُمّتي ستفتن بعدي».

ثمّ خرج إلى أصحابه وفيهم علي ، وأبو بكر وعمر ، وحذيفة وعمار وأبو ذر ، وهو يبكى ، فبادروا إليه قائلين : ما يبكيك يا رسول الله؟!

ـ «أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفِّ ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه»(1) .

5 ـ روت زينب بنت جحش زوج النبي (صلّى الله عليه وآله) قالت : كان النبي نائماً عندي ، وحسين يحبو في البيت ، فغفلت عنه حتّى أتى النبي فصعد على بطنه ، ثمّ قام النبي يصلّي واحتضنه ، فكان إذا ركع وسجد وضعه ، وإذا قام حمله ، فلمّا جلس جعل يدعو ويرفع يديه ويقول فلمّا قضى الصلاة قلتُ له : يا رسول الله ، لقد رأيتك تصنع اليوم شيئاً ما رأيتك تصنعه؟ فقال : «إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ ابني يُقتل ، قلت : فأرني إذاً ، فأتاني بتربة حمراء»(2) .

6 ـ روى ابن عباس قال : كان الحسين في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله) ،

__________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 187 ، وفي تهذيب الكمال / 71 : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أخذ التربة التي جاء بها جبرئيل فجعل يشمّها ويقول : «ويح كرب وبلاء».

(2) مجمع الزوائد 9 / 189.

٩٩

فقال جبرئيل : أتحبّه؟ فقال : «كيف لا اُحبّه وهو ثمرة فؤادي؟!». فقال : إنّ اُمّتك ستقتله. ألا اُريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء(1) .

7 ـ روى أبو أمامة قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تبكوا هذا الصبي» ـ يعني حسيناً ـ. قال : وكان يوم اُمّ سلمة فنزل جبرئيل فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الداخل ، وقال لاُمّ سلمة : «لا تدعي أحداً يدخل عليّ». فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبي في البيت أراد أن يدخل فأخذته اُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه ، وتسكنه ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال جبرئيل للنبي : إنّ اُمّتك ستقتل ابنك هذا.

ـ «يقتلونه وهم مؤمنون بي؟!».

ـ نعم يقتلونه.

وتناول جبرئيل تربة ، فقال له : بمكان كذا وكذا يقتل ، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ قد احتضن حسيناً ـ وهو كاسف البال مغموم ، فظنّت اُمّ سلمة أنّه غضب من دخول الصبي عليه ، فقالت : يا نبي الله جعلت لك الفداء! إنّك قد قلت لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك ، فجاء فخلّيت عنه ، فلم يجِبها النبي بشيء ، وخرج إلى أصحابه ، وهو غارق في الهَمّ والأسى ، فقال لهم : «إنّ اُمّتي يقتلون هذا» ـ وأشار الحسين ـ.

فانبرى إليه أبو بكر وعمر فقالا له :

يا نبي الله ، وهم مؤمنون؟!(2) .

__________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 191.

(2) مؤمنون : أي مسلمون.

١٠٠