الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي0%

الاقتصاد الإسلامي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 140

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف: الشهيد آية الله محمد حسين بهشتي
تصنيف:

الصفحات: 140
المشاهدات: 32726
تحميل: 3951

توضيحات:

الاقتصاد الإسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32726 / تحميل: 3951
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

مؤلف:
العربية

١٢١

١٢٢

هذا عنوان محاضرة ألقيت في شهر تير من عام ١٣٥٩ ه ش. (حزيران / ١٩٨٠ م) في ندوة الضمان الاجتماعي وتنشر لأول مرة ضمن هذه المجموعة.

١٢٣

كلمة في الحاضرين

تعتبر اقامة مثل هذه البحوث من ضروريات نمو مجتمع معين، فلا شك في وجوب مواصلة هذه البرامج بأوسع ما يكون وفي مختلف المسائل، مع المساهمة الفعالة والمبدعة لجميع أصحاب الرأي. ولهذا ومع ضيق الوقت الذي أعاني منه فانني اشتركت بكل شوق ورغبة في اجتماعكم هذا وندوتكم هذه بسبب رغبتي القلبية، والضرورة الاجتماعية، والدور المؤثر الذي نجده لهذه البرامج في تقدم مجتمعنا، لكي ألقي حديثاً قصيراً.

في ثقافتنا المعاصرة، حينما يقال : أصحاب الرأي فلا يقصد بذلك أصحاب الشهادات، بل يقصد بالتأكيد أولئك الذين لهم خبرة في المسائل الحيوية المعاصرة لمجتمعنا، ولو لم يكونوا قد أكملوا دراسات منتظمة، ولم يحصلوا على وثائق وألقاب خاصة(١) .

____________________

(١) سيكون ذلك من أوائل ضرورات ثورتنا الثقافية، فالشهادة ذات قيمة بلا شك فهي توضح وجود مقدار من المعلومات وتأييداً لقدر من التجرية والمهارة ولكنها ليست كل شيء، فهي ليست لا شيء كما انها ليست كل شيء، فكلا هاتين التسميتين نوع من الافراط، وحين نقول : إنه لا ينبغي لمجتمعنا أن يفكر في الشهادة فليس الغرض من ذلك أن الشهادة لا تعني شيئاً، إذ سوف نرى أن أي مجتمع لا يستطيع العيش دون شهادات، ولكن لا ينبغي للشهادة كذلك أن تكون كل شيء، بل ينبغي لها أن تكون (حقاً) شهادة على القيم والمعلومات والمعارف والمهارات. ان ما نواجهه اليوم هو أن الشهادات قلماً تدل على المعارف والقيم والمهارات، فقد أصبحت الشهادات في نظامنا الاجتماعي والثقافي المتردي - وللأسف - في اكثر الأحوال، شهادة على مجموعة من المحفوظات الذهنية المعطاة للاستاذ والتي فرت من الأذهان بعد عدة سنوات، وهناك ما نملكه من شهادات حقيقية، ولكنها شهادات على ما لا يحتاج اليه المجتمع، ومع أن هذا الموضوع يتناسب مع الثورة الثقافية ولكني أوردته فقط لتوضيح عبارة «أصحاب الرأي».

١٢٤

لا أعرف هل دعي الذين لهم علاقة بالضمان (ويجب أن يبدوا وجهة نظرهم حول تأثير الضمان في حياتهم وكيف ينبغي أن يكون هذا التأثير) لحضور هذه الجلسة التي يجري فيها النقاش حول الضمان. أم لا ؟ هل دعي أحد من العمال ليبين ما هي العينية الخارجية لضمان العمال في ايران حالياً ؟ هل دعي أحد من الطلاب والتلاميذ ليوضح لنا ما هي العينية الخارجية لضمان الطلاب والتلاميذ في مجتمعنا وماذا يفهم هؤلاء من الضمان ؟ أو من المعلمين لكي يوضح لنا معنى ضمان السلك التعليمي، وكذلك من موظفي الدولة وأصحاب الحرف والمهن الحرة وأولئك المبتلين بالضمان في أعمال البيع والشراء ؟ هل جاء أحد من أصحاب وسائط النقل ليتحدث حول مسألة الضمان هيكل السيارة وضمان الشخص الثالث ؟ هل دعي أحد من الذين يطلق عليهم في الاصطلاح الشائع أصحاب الرأي - وليس أنا الذي لي علاقة مختصرة بالأمر - أم لا ؟ فاذا لم يُدعَ هؤلاء فاني أرى مكانهم خالياً في هذه الندوة.

تعريف الضمان

الضمان هو بالضبط ما نطلق عليه ب«التأمين» وهي الترجمة الدقيقة لمرادفاتها الاوروبية المختلفة مثل ( Insurance ) و ( Versicherung )، ويمكن حقاً معرفة كثير من مجالات أهميته من اسمه فقط، فحياة الانسان الاجتماعية المليئة بالحركة والنشاط تحتاج في كل الأحوال الى شكل من أشكال التأمين والأمن في الابعاد المختلفة للحياة.

الأمن ذو أبعاد مختلفة

حينما يطلب من عامل البناء مثلاً أن يتسلق بنايه ليصل الى طابقها

١٢٥

السابع فيعمل باللحام، أو الدهان، أو تنظيف الزجاج، أو نصب المظلات، فانه يشعر منذ شروعه بالتسلق بأنه قد أقدم على عمل خطر، وهو بحاجة الى شيء من راحة البال لكي ينجز هذا العمل برغبة أكبر، فيطمئن على مستقبل زوجته وأطفاله فيما لو تسلق البناية ثم سقط الى الأرض، وكذلك يحتاج مسؤول شركة البناء الذي يطلب من هذا العامل تسلق البناية، الى الأمن، قد يحدث في مؤسسة لديها (١٠٠) عامل أن يعمل (٨٠) من عمالها أعمالاً محفوفة بالمخاطر، فلو تضرر هؤلاء العمال باستمرار، وأراد صاحب المؤسسة التأمين عليهم من جيبه الخاص فلنحسب كم يجب أن يتقاضى عن كل عمل ينجزه ليتحمل مسؤولية الأخطار المتوقعة ؟ والذي يريد قيادة واسطة النقل في الشوارع المختلفة - وخاصة شوارعنا التي تشبه القيادة فيها لعبة جر الحبل وهي أكثر منها شبهاً بقيادة السيارات - فانه يفكر في ما ينبغي له عمل لو اصطدم بسيارة في مكان، أو صدمت سيارته سيارة أخرى، أو شرد ذهنه فدهس أحد المارة، إذ لا يمكن له أن لا يبالي بهذه الأمور وحتى لو لم يبال هو فان ذلك هو فان ذلك الشخص أو ورثته لن يرضوا عنه، وسوف يقولون له : ما دمت قد ألحقت به فانه لو بقي حياً وجب عليك دفع مصاريف علاجه واذا توفي - لا سمح اللّه - فلا بدّ أن تدفع فديته وتساعد ورثته.

فالذي لا يملك هذه الامكانات ويريد قيادة السيارة في الشوارع، وذلك الشخص المار يحتاجان كلاهما الى راحة البال، فمن الأمور التي تنظم المرور تنظيماً ذاتياً - في الدول التي انتظمت حياتها أكثر - هو الضمان الاجتماعي الموجود هناك. بمعنى أن سائق السيارة حين يجلس خلف مقود السيارة ويسير وفقاً للتعليمات ثم يصطدم بسيارةٍ ما فلن يُزعجه التفكير في اتلاف الكثير من الوقت، فهو يقول في نفسه : لو اصطدمت بسيارة وكان سائقها هو المقصر فان كل شيء عندي مضمون، فمصاريف سيارتي ينبغي دفعها من قبل المؤمن على تلك السيارة، وكذلك أجور أو دخل كل يوم أبقى فيه عاطلاً وحتى الساعة التي أتعطل فيها - لكي يشخص الوضع - وحتى لو حدث ضرر ما وجب على شركة التأمين دفعه، ولكنه لو كان ضرراً بالغاً يكمن فيه خطر شديد على الحياة فقد خسرت أنا، وعليه فانه يتحرك بجرأة أكبر، ولا يجد ضرراً من الاصطدام بالآخرين، وبالنتيجة يسعى الطرف الآخر أيضاً الى أن لا يواجه وضعاً كهذاً، ولقد لاحظت بنفسي وبكل دقة ان هذه الجرأة المتولدة لدى كل سائق على التحرك وفقاً للتعليمات من

١٢٦

العوامل التي تجعل الآخرين كذلك يتحركون وفقاً لها ولا شك في أن هذا الأمن وراحة البال ومعرفة الانسان أنه في كثير من المسائل لن يتركوه وشأنه - قائلين له : في أمان اللّه - من ضرورات الحياة الاجتماعية.

وكما تعلمون فقد انبثقت فكرة التأمين في العالم - وعلى مر التاريخ - من نوعين من الشعور أحدهما الشعور بحب الخير، والآخر الشعور بالمصير المشترك والشعور المهني، فقد كان الذين يرسلون بضائعهم من «فينيسيا»(١) بواسطة البواخر الى أرجاء العالم المختلفة يعرفون أنهم قد وضعوا رؤوس أموالهم ومدّخراتهم على الماء عرضة للأمواج الزاخرة، فليس رجوعها من الأمور المؤكدة لذا فقد فكروا في أنه : لو وضع أحد زملائنا رأسماله في الباخرة وعلى الماء ولم يعد اليه وأصبح لا يملك شيئاً، فماذا ينبغي لنا صنعه من أجله ؟ يجب أن نجتمع الى بعضنا ويدفع كل منا مقداراً معيناً من المال فنجمعه ثم نقدمه له ليكون مالكاً لرأسمال معين. واعجباه !! اذن يمكن أن تجمع مجموعة من الناس كمية من المال لتخلص انساناً متضرراً من الافلاس والفناء وهي طريقة عملية، فإن كان الأمر كذلك فما أحرانا أن نعمد الى توسيع هذا الأمر أكثر لكي نعمل قبل وقوع الحادث، وهكذا دفع كل منهم مبلغاً من المال وأوجدوا صندوقاً للتأمين على هذه الخسائر المحتملة فأصبح هذا الأمر تدريجياً أرضية لنوع من التأمين.

وقد كانت هناك أرضيات متوفرة بأشكال مختلفة في المجتمعات المختلفة، وكذلك جرى الوضع حالياً في قراناً بحيث لو أراد فتى وفتاة الزواج، فلن يحملوا قدراً كبيراً من هموم إعداد المستلزمات اللازمة لذلك، فقد جرت العادة على أنه لو أراد الولد والبنت الاقدام على الزواج وفّر أهل القرية - وفق سنة متبعة لديهم - لوازم البيت ومصاريف العروس والعريس والذي يساهم في الأمر اليوم يعرف أن ولده وبنته سوف ينتفعان من هذه السنّةِ وسوف يتصرف الآخرون معه التصرف الرؤوف نفسه الذي يتصرفه اليوم تجاه زواج ابن جاره وقريبه وبنتهما، وهذه تمثل أرضية طبيعية للضمان.

الضمان في الحقيقة عبارة عن دفع مبالغ جزئية (ولكن على مستوى واسع وكثير الانتشار) لتوفير صندوق من أجل بعث الاطمئنان لدى أولئك الذين

____________________

(١) من المدن والموانئ التجارية القديمة الواقعة في شرق ايطاليا.

١٢٧

يحتمل أن يلحق بهم ضرر أو خسارة في العمل والتجارة وتشغيل رأس المال، والمرور والحركة والسفر، والحرائق والغرق وأمثال ذلك. ومن أطرف أنواع التأمين التي لم تبرز الى الوجود في ايران لحد الآن ويصعب بروزها قريباً، هو التأمين ضد السرقة والحريق والغريق وأمثالها. أتذكر أن في أحد أنواع التأمين كانت هناك سبعة أنواع من التأمين مجتمعة معاً، فمثلاً لو انكسرت أنبوب المياه وجرى الماء في البيت، أو حطموا الباب وسرقوا أثاث البيت ولو حدث حريق أو تحطم الزجاج المطل على الشارع فسقط منها أحدهم الى الأرض وأصابه ضرر الى غير ذلك من أمور لا اتذكرها الآن، لأصبح مجموع ما يدفع من المال مقابل كل هذه الأنواع من التأمين لعائلة واحدة (تملك ما يعادل ٥٠ ألف تومان من الأثاث) ما يعادل سنوياً (٩٠) ألف تومان، أي أن أحدهم كان يدفع (٩٠) ألف تومان للتأمين ضد جميع هذه الحوادث، وعليه لم تعد به هناك حاجة الى الحارس أثناء السفر، بل كان يغلق الباب ويذهب، فلا بد اذن لجهاز معين أن يعمل بكل جد في المجتمع بحيث لو كسر باب البيت وسرق أثاث البيت كله فلن يخسر مالكه أي شيءٍ من ثمنه (فشركة التأمين ملزمة بتعويضه الثمن كاملاً)، ومن أجل تأمين كهذا - مع جميع ما ذكر من أرقام - يعتبر مبلغ ال(٩٠) ألف تومان ضئيلاً حقاً، فكم يا ترى يصبح الضمان مفيداً ومؤثراً في مجال الاطمئنان وراحة البال بالنسبة لشخص يملك داراً أو شقة ذات ثلاث غرف وكمية من لوازم البيت، وتراوده شكوك الحريق والسرقة وتحطم الزجاج وأمثال ذلك أثناء غيابه أو سفره، وعلى هذا الاساس فالضمان، أي التأمين وايجاد نوع من الأمن تجاه الحوادث المضرة والقاصمة للظهور، ضرورة من ضرورات الحياة.

ولو طبق التأمين الصحي في مجتمع ما تطبيقاً جيداً فسوف يكون ذلك من النعم العظيمة حقاً، لا أحد يقول : إن الناس جميعاً يمكنهم توفير مبلغ من المال تحسباً للحوادث الطارئة المؤسفة والعلاجات الباهظة الثمن، فهناك بالتأكيد، الكثير من الأشخاص لا يسدُّ مجموع دخلهم الشهري وحتى السنوي نفقات علاج مرض خطر يحتاج الى الرقاد في المستشفى واجراء عملية جراحية وأمثال ذلك، فالنظام الذي يطمئن فيه الفرد بعد دفع (٥٠) الى (١٠٠) تومان شهرياً الى أنه لو مرض هو أو زوجته وأولاده فسوف يعالجون حتماً ويدخلونهم المستشفى ويضعون تحت تصرفهم الطبيب والامكانات العلاجية الجيدة، لهو حقاً نظام ينفع كثيراً في

١٢٨

توفير المعيشة والحياة الهانئتين وعليه فلا ريب في أن الضمان بمعنى التأمين كنظام يبعث على الاطمئنان وراحة البال ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، أما كشيء آخر فاننا نشك فيه بشدة وبسبب هذا الشك فقد أقرَّهُ الشعب مادةً في دستور الجمهورية الاسلامية في ايران. السؤال هنا يقول : هل يبنغي للضمان أن يكون خاصاً ؟ أم عاماً ؟ أم وطنياً ؟ لقد أثبتت تجارب العالم الرأسمالي أن شركات التأمين - وخاصة على ضوء التأمين الاجباري - هي من أغنى الوحدات الاقتصادية دخلاً، ولا شك أن (وجود) هذا التأمين الاجباري أمر ضروري، ولكنه أصبح مصدراً لدخل فاحش لشركات التأمين، لقد اتبعت شركات التأمين نظاماً للتبادل فيما بينها مع ما لها من شبكات اضطرت الى انشائها في انحاء العالم، فهي تعمل في العالم بنظام ونسب خاصة في شكل شبكة تشبه الشبكة المصرفية. وكما أن الشبكة المصرفية تشبه مضخة ماصة تمتص - بفروعها المنتشرة في انحاء العالم كالأوعية الشعرية الدموية - كمية كبيرة من دماء الناس وترسلها الى مستودع الدم لكي يتم هناك سد مجاري الدم والتحكم بالموت الاقتصادي، كذلك الحال بالنسبة لشركات التأمين التي أصبحت اليوم في شكل مضخات ماصة قوية من أجل الحصول على مبالغ التأمين من الافراد، واعطاء مبالغ أقل بكثير مما تحصل عليه. ان شركات التأمين تتعاون مع شرطة الحراسة فتؤثر في ايجاد الأمن الاجتماعي في مجال السرقة، وتتعاون مع شرطة المرور فتؤثر في ايجاد الأمن في الطرق والشوارع، وتتعاون مع المؤسسات الصحية فتؤثر حقاً في توسيع الخدمات العلاجية، وتتعاون بجد مع اجهزة اطفاء الحرائق فتؤثر كثيراً في تقليل حدوث الحرائق والاسراع في اطفائها حين حدوثها، ولكنها في مقابل هذه الخدمات الجيدة جداً تتقاضى مبالغ باهظة جداً أيضاً، وينبغي أن نعالج هذا الأمر كما نعالج بقية الأمور الجيدة التي نرضى بجودتها ولا نرضى بالنهب منها. إننا حين وضعنا الدستور جعلنا الضمان ضمن قطاع الاقتصاد العام والحكومي، ولا ندري هل أحسنا صنعاً في ذلك أم لا. ولكنها على أية حال تجربة واختبار.

كان هناك حديث يدور قبل ما يقارب ال(٢٥) عاماً مفاده أن شركة التأمين الايرانية من شركاتنا الجيدة (لا أعرف شيئاً عن وضعها في الوقت الحاضر) وتعمل جيداً، ولا اتذكر بالضبط النظام الذي كانت تعمل وفقه هذه الشركة، وسوف يوضح ذلك أصدقاؤنا الذين لديهم اطلاع على هذا الأمر، وفي

١٢٩

الوقت نفسه كانت (شركة التأمين الايرانية) مؤسسة حكومية ووطنية عامة. فلو كانت هناك تجربة مؤقتة في مرحلة زمنية معينة تثبت أن التأمين يمكنه أن يكون حكومياً وجيداً في آن واحد، فماذا يضر لو عممنا هذه المسألة في الجمهورية الاسلامية وقطعنا الطريق على التأمين الخاص ؟ من المسائل التي يحسن البحث فيها بدقة في هذه الندوة لتكون لدينا بحوث توجيهية وارشادية وتوضيحية مسألة الدور الذي يلعبه التأمين الخاص والعام والحكومي في تحقيق أهداف التأمين، وأيّ من هذه الوحدات اكثر فعالية في العالم، ويمكنه تحقيق الهدف الأصلي من التأمين بشكل أفضل، سواء من حيث الخدمات أو الادارة أو سرعة العمل أو امكانية اقامة علاقات دولية، إذ لا تسهل عملية التأمين حالياً دون علاقات دولية، أي ان جزءاً كبيراً من التأمين لا يمكن تحقيقه دون الاشتراك في شبكة تأمين دولية، أو هذا ما أفهمه أنا من الأمر على أقل تقدير. لو كان ضمن جدول أعمالكم بحث موضوع حدود أمكانية بقاء التأمين العام والوطني والشعبي تحت تصرف الدولة في نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، وعدم ذهاب النفع الحاصل عنه الى جيوب الأفراد، واستمرار اشتراكه الفعال والخلاق في هذه الشبكات بحيث لا يرسل أمثال هؤلاء الممثلين الذاهبين للترفيه باشتراكهم في هذه الوحدات الدولية، فيجب الاستمرار في هذا البحث بدقة أكبر، وتأكيد أكثر، لأن ذلك من المسائل الجادة التي سنواجهها في اقتصادنا المستقبلي.

الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي

من السهل جداً مناقشة مسألة الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي، ومن المحفزات التي يمكن وجودها في مجتمع اسلامي معين لتأميم الضمان، كون تحقق مشروعية هذا الضمأن أسهل من غيرها في حالة تأميمه، فالسؤال حول مشروعية الضمان الخاص أو عدم مشروعيته سؤال معقد نسبياً وفقاً لمعاييرنا الفقهية، واني أقول لكم بإجمال ان أسس مشروعية الضمان فقهياً تحظى في الأقل بتأييد عدد من الفقهاء والمراجع المعاصرين، وعليه فاني لا أملك الفرصة الكافية لأطرح عليكم الأمور الفقهية الدقيقة المتعلقة بهذا الموضوع، كما أنكم لم تجتمعوا هنا من أجل ذلك، ولذا فسوف اعتمد فقط على أن عدداً من المراجع أصحاب الفتوى في زماننا اعتبروا الضمان واحداً من المعاملات الصحيحة، ومن

١٣٠

المسائل المهمة التي آمل أن تدرج في جدول أعمالكم مسألة هل ينبغي لبعض أنواع التأمين أن تكون من الخدمات المجانية للحكومة، أم ينبغي أن تتخذ حتماً شكل الضمان ؟ فمثلاً هل العلاج بطريق التأمين أفضل أم العلاج الحكومي المجاني ؟ وما الفرق بين الاثنين في حالة التأمين الصحي الحكومي ؟ ماذا سيكون الفرق بين الخدمات العلاجية للتأمين أو مشروع التأمين الحكومي وبين الخدمات العلاجية المجانية للمؤسسات الصحية الحكومية ؟ هذه المسألة أيضاً من المسائل التي ينبغي البحث بشأنها بدقة، ولو عرضت نتيجة البحث فسوف تؤثر كثيراً في الخطط المستقبلية لنظام الجمهورية الاسلامية. هناك بعض انواع التأمين ضد الأخطار المحتملة يجب فيها على المؤمن أن يدفع نسبة تزداد بازدياد احتمال الخطر، وأحياناً توجه بعض الاشكالات حول المشروعية الفقهية للعلاقة بين نسبة التأمين ونسبة الخطر وحجمه، اننا حين نعتبر أصل التأمين أمراً مشروعاً فسوف لا يبقى اشكال حول هذه الأبعاد أيضاً، فهو بيع معقول من حيث العرف والعقل وكذلك من حيث الموازين الفقهية حيث تؤيد ذلك وتصححه الأسس الفقهية نفسها التي تؤيد أصل التأمين.

كانت هذه النقاط تمثل بعض المواضيع التي خطرت ببالي لكي أعرضها بمناسبة ابتداء هذه الندوة، آمل أن تكون هذه الآراء شأنها شأن سائر الآراء المطروحة في بحث الضمان الواسع، مفتاحاً لمشروع أفضل وأكمل واكبر تأثيراً وأمناً وباعثاً على مقدار أكبر من الثقة والاطمئنان لمجتمعنا الاسلامي.

أسئلة وأجوبة

س - نظراً لكون دعاوى التأمين تنتهي أحياناً الى التحكيم والمحاكم، ومع أن التأمين في ايران يحظى بأربعين سنة من العمر، فاننا نواجه في المحاكم دوماً اضطراب القضاة وتحيرهم بسبب عدم اطلاعهم على هذا الأمر، فماذا يمكن فعله بهذا الصدد ؟

ج - ليس في الدستور أي مانع من ايجاد محاكم يتخصص فيها القضاة في فرع معين، ولا مانع منه من حيث الأسلوب القضائي السائد في العالم، وينبغي تطبيق هذا الأمر في محاكمنا المستقبلية بصورة أوسع.

س - هل يجب ايجاد التأمين طبقاً للقوانين الاسلامية في شكل صندوق

١٣١

أم في شكل شركة، أم يمكن اختيار النوعين معاً ؟

ج - انني لم أفهم الفرق بين الصندوق والشركة، فلا بد من توضيح ذلك لأن الشركة تملك صندوقاً بالنتيجة، قد يكون المقصود كون التأمين حكومياً أو خاصاً، فمن حيث الأسس الفقهية قد أفتى السادة المراجع بجواز التأمين الخاص والحكومي، ولكني شخصياً أفضل - وفقاً للأسس الكلية التي نملكها في الاقتصاد الاسلامي - أن يكون التأمين حكومياً شريطة أن لا يكون أقل فعالية من الوحدات الخاصة، وهذه مسألة من المسائل المهمة.

س - اننا مضطرون في الحسابات الخاصة بالتأمين على الحياة الى تعيين فائدة مقدارها ٦ % مثلاً لكي نستطيع الحصول على غطاء مادي كاف، فماذا يجب فعله تجاه هذه الفائدة ؟

ج - الفائدة في هذا الجانب حرام في الاسلام، والربح المضمون فائدة فهو حرام أيضاً، وهذه مشكلة موجودة الآن في المحاكم أيضاً، ولقد قلت هنا مرة بأننا نأمل في القضاء قريباً على نظام الفوائد المتبع في نظامنا المالي والمصرفي، ولكن هذا الأمر لم يتحقق بعد مع كل الأسف(١) . ان اليوم الذي طرح فيه هذا البحث في لجنة الاقتصاد التابعة لمجلس الثورة كان قد بعث فيّ الفرحة والأمل بامكانية حل هذه المسألة بعون اللّه، ولكنها وللأسف لم تحل لحد الآن.

س - ما هو مفهوم التأمين في الاقتصاد الاسلامي ؟.

ج - التأمين عبارة عن عقد بين المؤمِّن والمؤمَّن له، بحيث يتمكن المؤمّن ضمان تعويض الأخطار المحتملة التي يتعرض لها المؤمَّن له، وهو بهذا الشكل خال من أي إشكال إذ هو اتفاق وعقد بين طرفين، والاشكال الوحيد هو أن أحد طرفي الاتفاق غير مؤكد وهذه هي الشبهة الفقهية الوحيدة الموجودة بهذا الشأن، وقد حلت هذه الشبهة ببعض العقود التي وردت في الفقه الاسلامي مؤكداً (مثل الجعالة)، على كل حال اسمحوا لنا أن لا نبحث هنا بحثاً فقهياً.

س - هل تهتم برامج الدولة بالتأمين التعاوني أكثر حيث يتعامل به كل الناس أم بالتأمين التجاري ؟

ج - ينبغي للدولة أن تبادر الى أي تأمين يسهل إدارة عجلة أعمال

____________________

(١) في عام ١٣٦٢ ه. ش (١٩٨٣ م) أقر مجلس الشورى الاسلامي قانون إلغاء الفائدة المصرفية.

١٣٢

المجتمع بشكل أكثر.

س - هل سوف يُهتم أكثر بالتأمين الضروري أم بالتأمين الكمالي ؟

ج - الدولة تعتبر نفسها مسؤولة فيما يخص التأمين الضروري، أما فيما يخص التأمين الكمالي فيجب الاهتمام به بدفة أكبر.

س - الامام الخميني - كما تعلمون - قد أجاز التأمين الخاص في فتاواه التي وردت في المسألتين (٢٨٦٢) و(٢٨٦٦) من رسالة توضيح المسائل(١) ، مع ما يدره من ربح ودون أي قيد أو شرط، فلو كان هذا الأمر نوعاً من الرأسمالية ويوجد قيمة اضافية فما هي وجهة نظركم حوله ؟

ج - في فتاوى الامام هذه، وكذلك في فتاوى الفقهاء الآخرين، الكثير من الأمور الأخرى ولا تقتصر على هذه المسألة، فقد وردت في تلك الرسالة فتاوى حول البيع والشراء، والايجار والاستثمارات، وكثير من أمثال ذلك، وهذه الفتاوى تعتمد على أساس أرضية المعاملات وادارة عجلة الاقتصاد لمجتمع معين بغض النظر عن كثرة الربح الناتج عنها أو قلته، وينبغي طرح حل شامل لمسألة الربح الفاحش، ويدخل التأمين ضمن ذلك، وقد ورد في الدستور أن التأمين يمكنه أن يكون من تلقاء نفسه خاصاً أو حكومياً، ولكن مصلحة الجمهورية الاسلامية تقتضي أن يكون التأمين حكومياً، وعليه فانكم تجدون بأنه في حد ذاته وحسب ما نعبر عنه ب«الأحكام الأولية» لا إشكال فيه ولكن حسب «الأحكام الثانوية» التي تعني ضرورة التحول الاجتماعي في المجتمع نقول بوجود عموميته، وهذا عمل يشبه الأعمال الأخرى كأنواع الانحصار الحكومي الأخرى. وقد وردت عن الامام في رسالته المسماة تحرير الوسيلة مسألتان بهذا الصدد، فالذين لم

____________________

(١) تنص هاتان المسألتان على ما يلي :

المسألة ٢٨٦٢ : التأمين عقد واتفاق بين المؤمن وبين الشركة أو الشخص الذي يقبل التأمين وهذا العقد شأنه شأن سائر العقود يحتاج الى الايجاب والقبول وتسري عليه الشروط المعتبرة في ايجاب سائر العقود وقبولها وعقدها، ويمكن اجراء هذا العقد بأية لغة.

المسألة ٢٨٦٦ : الظاهر صحة جميع أنواع التأمين مع توفر الشروط المذكورة آنفاً سواء كانت تأميناً على الحياة، أو على البضائع التجارية، أو العمارات والسفن والطائرات، أو على موظفي الدولة والمؤسسات المختلفة، أو على أهل قرية معينة أو مدينة مّا، والتأمين عقد مستقل يمكن إجراؤه كبعض العقود من قبيل عقد الصلح.

١٣٣

يطلعوا على فنون الفقه وتحولاته ولا يعرفون شيئاً عن دور الأحكام الأولية والثانوية ومسألة تطبيق حكم الفقيه والحاكم وولي الأمر يقولون بأن هاتين المسألتين متناقضتان مع بعضهما في الوقت الذي لا مناقضة أبداً بين هذين الكلامين، فهو يقول في المسألة الأولى : في الأحوال الاعتيادية ما زالت لم تحدث مسائل جديدة، فهكذا الحال في مرحلة زمنية معينة وفي الظروف الطبيعية، ولكن بمجرد أن تكون هذه الأمور مسببة لمشاكل اقتصادية واجتماعية للمجتمع يحق حينئذ لامام المسلمين تحديد الأسعار، ويمنع البيع بأكثر من السعر المقرر، شريطة أن يكون تحديد الأسعار لصالح المسلمين. والمسألة المهمة المطروحة هنا هي : هل يمكن كبح جماح الأسعار عن طريق تحديدها واجبار الباعة على مراعاة الأسعار المقررة، أم لا ؟ هذه مسألة اقتصادية فنية لا يتدخل فيها الفقيه، لأن هذا السؤال ليس له جواب مطلقاً، إذ يجب أن نحدد في أي نظام ؟ وأين ؟ وتحت أية ظروف انتاج وعرض وطلب ؟ فالظروف تختلف من حالة الى أخرى، ولا يمكن عرض حل ومعادلة ذات وتيرة واحدة لجميع الأماكن والأزمنة والظروف، وعليه فان ما قيل في المسألة الأولى يشمل المسير والنسق الطبيعي. أما ما يقال في المسألة الثانية فهو أنّ ولي المسلمين لو رأى مصلحة في تحديد الأسعار، أو رأى ضرورة الانحصار (الحكومي) في هذه المسألة، أي انه ينبغي أن يكون للدولة فقط فعل ذلك، وما جاء في الدستور بهذا الصدد جاء باعتبار تطبيق الولاية، وقد شخص واضعو الدستور أنه لو قيل في هذه المرحلة الزمنية من تاريخ ايران بضرورة كون التأمين حكومياً بشكل عام فإن ذلك سيكون من صالح المجتمع، هكذا كان تشخيصهم، ولو تبين يوماً أنهم أخطأوا في هذا التشخيص فمن الطبيعي أن نعيد النظر في ذلك.

س - هل يجوز لوكيل التأمين عرض محفزات كاذبة ليرغب بها المؤمَّن عليه في التأمين ؟

ج - الوكلاء في كل الأحوال فريقان : فريق من الوكلاء الذين يصدقون الحديث وهم قليلون جداً. وفريق من الوكلاء الكاذبين وما اكثرهم، ان عرض المحفزات الكاذبة، يعني أنهم يكذبون وأني لا أوافقهم في ذلك بأي شكل من الأشكال. النقطة الأخرى التي أذكر بها هي أن الوكيل و(الفزتر : الزائر) من الاصطلاحات الجديدة، ولكن هذه مسألة قديمة في ثقافتنا وتعني الدلال، فالدلال عبارة عن الوكيل نفسه، ترى ما هو عمل الدلال في السوق والشارع ؟ انه يعمل

١٣٤

العمل نفسه الذي يعمله الوكيل، أي انه يأخذ نموذجاً من البضاعة ويدور به على التجار ويعرضه عليهم ويقول عندي مثلاً رز بهذه المواصفات (النوع الفلاني من الرز يباع الكليوغرام الواحد منه بمبلغ كذا) أو عندي النوع الفلاني من القماش (الذي يباع المتر الواحد منه بالسعر الفلاني) فالوكيل اذن ليس أمراً جديداً بل يعني الدلاَّل بالضبط، ولكن الدلاّل يعني الدليل وهي كلمة تبدو أروع من كلمة الوكيل (الباحث عن الأسواق) التي تشم منها في نظري رائحة المال فقط، أما كلمة الدلال فتشم منها رائحة الخدمة أيضاً، و(الفزتر) أيضاً تعني الزائر الذي يطلب منك استقباله أيضاً.

س - هل يمكن للوحدات والمؤسسات الحكومية ضمان الخدمات الشعبية؟

ج - لكي أكون منصفاً لا بد لي أن أقول: إننا لا نملك تجربة ايجابية في هذا المجال، واننا ذاهبون الى ميدان التجربة لنرى ماذا سيحدث. نسألُ اللّه أن تكون هذه التجربة تجربة ايجابية.

س - الى الحد الذي نعرفه، فقد عملت شركة التأمين الايرانية لصالحها فقط وليس لصالح الناس، فأي زمان قصدت بحديثك عنها؟.

ج - ان كلامي يعود الى ما قبل (٢٤) عاماً مضت، فقد تقرر أن أجري قبل ما يقارب (٢٤) سنة بعض المطالعة والتحقيق حول الخدمات التعاونية، وقد كان هذا الفرع يقسم الى تعاونيات الاغاثة والتعاونيات الاقتصادية، وقد كان موضوع تحقيقي هو الخدمات الاقتصادية للتعاونيات الاقتصادية التي يدخل ضمنها التأمين وأمثاله والشركات التعاونية وأمثالها، ولكني بحثت في تعاونيات الاغاثة أيضاً، ومن أفضل أيامي ذلكما الشهران أو الثلاثة التي كنت أتنقل فيها بين الوحدات المختلفة لغرض الحصول على مصادر مكتوبة ومصادر عينية لهذه التعاونيات، ومن الذكريات الرائعة التي ما زلت أحتفظ بها، أنني كنت معمماً وقصدت هذا النوع من البحث والتحقيق، فكنت في كل مكان تقريباً أواجه مساعدة خالصة وتعاوناً جاداً من الذين كنت أطلب منهم المصادر والاحصائيات وأمثالها، وكنت أيضاً أواجه مسألة تمثلت في أن الوحدات التي كانت تعمل في المؤسسات الحكومية تحت عنوان: «الاحصاء ومصادر المعلومات» لم تنجز الا القليل من الأعمال، فكلتا هاتين المسألتين ما زالتا في ذاكرتي، احداهما بسبب المودة التي

١٣٥

كان يبديها الناس، والثانية بسبب النقص الكبير الذي كان موجوداً في أعمالنا الاحصائية ولم يزل كذلك، فقد ذهبت الى وزارة العمل من أجل الحصول على بعض الاحصائيات فأحالوني الى وحدة الاحصاء، فواجهت هناك اخلاص العاملين الذين وضعوا تحت تصرفي كل ما كان لديهم ولكن صدقوا أن ما كان لديهم كان يقارب الصفر وهي مسألة أزعجتني كثيراً.

س - هل ينبغي في نظركم ادارة التأمين في الاقتصاد الاسلامي بصورة تعاونية أم بصورة اقتصادية؟

ج - لو صار التأمين حكومياً فسوف يتخذ شكلاً آخر، فالتأمين الحكومي نوع من الضرائب في الحقيقة، فالحكومة الشعبية تسعى دائماً لاستحصال الضرائب بحدود تعرض في مقابلها الخدمات بشكل يحقق الصالح لعامة الشعب.

س - الآن وبعد أن صوت الشعب الايراني باغلبية ساحقة لصالح دستور الجمهورية الاسلامية الذي تنص المادة (٤٤) منه على أن التأمين ينبغي أن يكون حكومياً، ألا تتصورون طرح مسألة فوائد التأمين الخاص أمراً غير مرغوب فيه، ويؤدي الى شكوك غير لائقة؟ وخاصة أن فعالية المؤسسات الحكومية يمكن معرفتها بسهولة؟

ج - حول مسألة كون هذا البحث مناسباً أو غير مناسب يجب أن نقول: إننا حين نتحدث عن وجود اللّه تعالى اعتدنا أن نقول: «وماذا لو قال أحدهم إن اللّه غير موجود»؟ وعليه فان مسألة تأميم التأمين التي ليست أكثر رسوخاً في مجتمعنا من مسألة وجود اللّه، لو بحثت فسوف تؤدي الى اضطرابات، فيجب علينا أن نعتاد البحث والنقاش، فالايمان لا يمنع من البحث والتنقيب في الاسلام، وفضل الاسلام يكمن في وجود الايمان وقطعيته، والصمود في العقيدة، والدافع القوي في الاعتقاد القلبي وتجسده في العمل الصالح، وكذلك القدرة على التحليل الذي يسمح لنا بسماع الأفكار والآراء المناقضة لايماننا وبحثها وتحليلها لنبلغ التكامل في المعرفة، وهذه من أمور الاسلام الرائعة جداً. وعليه فاني لا أجد أية سلبية في هذا البحث، أما القول: بأن فعالية المؤسسات الحكومية يمكن معرفتها بسهولة، فإني أقول كما يقول العامة: «ليسمع اللّه من لسانك» واني أؤمن وآمل كثيراً بأننا سوف نبلغ هذا الهدف باتباع أسلوب سليم، وسواء كان التأميم حكومياً أو خاصاً، فاننا نملك مجموعة من المؤسسات الحكومية التي لو فعلنا شيئاً بشأنها فسوف نفعل

١٣٦

الشيء نفسه بالتأمين.

س - نطلب منكم أن توصوا بالاستفادة من الشباب على مستوى اتخاذ القرار وتنفيذه ورفض أنواع الاحتكار في هذا الجانب الاقتصادي، لأن التأمين في طريقه الى الفناء بسبب عدم الاهتمام به، في الوقت الذي يوجد الكثير من الأفراد الذين يمكنهم التأثير في ذلك ولكنهم لا يجدون الى ذلك سبيلاً.

ج - انني لم أوصِ بهذا فحسب، بل هو شيء عملت به دوماً، فأينما ذهبت في تلك الوحدات رافقت مجموعة من هؤلاء الشباب غير الناضجين وغير المجربين لكي أكون قد عملت بما أوصيتُ به، وقد كانت النتيجة في ذلك ايجابية في جميع المجالات، وهؤلاء الشباب منتشرون الآن ويؤلفون شبكة واسعة، حيث يشكلون النواة الأصلية لدوران عجلة العمل في عدة وحدات. الوحدة الأولى كانت أمانة سر مجلس قيادة الثورة، حيث قلت فور ذهابي الى هناك: اننا نريد انشاء أمانة سر مجلس الثورة بمجموعة من الشباب غير الناضجين، أولئك الأصدقاء الذين لم تكن لديهم أية خبرة بهذه الأعمال المكتبية بل كان عملهم يعتريه شيء من النقص أيضاً، ولو أدى ذلك الى ضياع أربع لوائح قانونية فليكن، فهذا هو معنى الثورة، وما أكثر الذين جاؤونا قائلين: إن اللائحة الفلانية قد ضاعت وتلك وصلت متأخرة، ولكني لم أواجه أولئك الأصدقاء الا بمنطق واحد لا أكثر وهو أن الشباب غير الناضجين منشغلون بعملهم، ولكننا الآن نجني ثمار ذلك وهي أنهم استطاعوا النفوذ في ثلاث أو أربع وحدات أوجدوا فيها الحركة وبثوا فيها الثقة اذ لا بدّ لنا من شبان يبادرون للعمل لكي يتعلموه. أية ثورة هذه التي صنعت جميع قواها وكوادرها من قبل، ثم خزنتهم في مستودع كبير حسب الأرقام، لكي تعلن بمجرد انتصارها أن الشخص المرقم (١٤٥٠) مثلاً مطلوب لانجاز العمل الفلاني؟ فالثورات عامة بهذا الشكل، فكيف الحال بثورتنا مع ما تتميز به من خصوصيات؟ يجب علينا أن ندخل الجيل الشاب المؤمن الى ميدان العمل وننضجهم لنلتذ ببنائهم ذواتهم ونوكل اليهم أمر المستقبل، اذ لا وجود لأي حلٍّ آخر نصلح به مؤسساتنا الادارية.

س - استناداً الى ما أشرتم ايه حول انحصار التأمين، هل تؤيدون الانحصار بالشكل المتبع في الدول الاشتراكية والشرقية؟

ج - كلا. اننا قلنا بأن يكون اسلامياً، الاسلام لا شرقي ولا غربي، اننا

١٣٧

نملك مجموعة قليلة من التجارب وسوف تكون لدينا تجارب أكثر بعون اللّه، آمل أن تنجح تجاربنا الى درجة تجعل العالم يأتي الينا ويسألنا عما فعلناه فأسعدنا به مجتمعنا، وسوف يكون ذلك أفضل تبليغ للاسلام، اتذكر تلك السنين التي ذهبت فيها الى ألمانيا لممارسة النشاطات الاسلامية بدعوة من مراجع التقليد، فقد كنت مع أصدقائنا الشباب نعتمد على النقطة التي تقضي بأن أفضل تبليغ للاسلام هي ايجاد مجتمع اسلامي نموذجي في أي مكان كان من العالم، افعلوا ذلك ليأتي الجميع اليكم ولن تحتاجوا بعد ذلك الى مصاريف التبليغ هذه، رجائي من جميع الاخوة والأخوات أن يكون لدينا تعاون، وتفكير مشترك يؤديان بنا الى بناء مجتمع اسلامي نموذجي.

مصادر البحث

البينات : نشرة تصدرها الجمعية الاسلامية للعاملين في وزارة الاقتصاد والمالية - طهران شهر تير عام ١٣٦٠ ه ش (حزيران / ١٩٨٣ م).

تحرير الوسيلة : الامام الخميني، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

التهذيب : الشيخ الطوسي ج ٧ ط ٣ دار الكتب الاسلامية طهران.

شرائع الاسلام : المحقق الحلي ج ٢ ط ١ مطبعة الآداب، النجف ١٣٨٩ هجري ق

دستور الاتحاد السوفياتي : الناشر (مجهول) طهران، ١٣٥٨ ه ش.

وسائل الشيعة : ج ٤ ، ط ٢ ، المكتبة الاسلامية، طهران، ١٣٨٧ ه ق.

مكتب تشيع : مجموعة من الكتاب، السنة السادسة ١٣٤٣ ه ق. قم.

مواقفنا : الحزب الجمهوري الاسلامي، ١٣٦٠ ه ش. طهران.

المكاسب : الشيخ مرتضى الانصاري، مطبعة اطلاعات تبريز.

دستور الجمهورية الاسلامية في ايران.

رسالة الأحكام : الامام الخميني.

شرح اللمعة : الشهيد الثاني، ج٢ ، منشورات الطباطبائي، قم.

١٣٨

الفهرس

الاقتصاد الإسلامي تأليف الشهيد آية الله محمّد حسين بهشتي١

مقدمة٥

الملكية في الاسلام تعريف الملكية٦

تعريف المال والملك تعريف القيمة الاستهلاكية٩

ملكية اللّه ومصدرها١١

حدود ملكية اللّه ملكية الانسان ومصدرها وحدودها١٣

مصادر ملكية الانسان ١٥

الخدمات والملكية٢٥

ثلاثة مصادر أخرى للملكية٢٦

أنواع الملكية٣١

ما يترتب على الملكية٣٣

رأس المال ٣٩

أنواع رأس المال ٤٠

الربح الناتج عن الأشكال الثلاثة لرأس المال ٤٣

وجهة نظر الاسلام حول الارباح ورأس المال التجاري ٤٦

البيع والربا ٤٨

الأرباح ونسبة التضخم٤٩

مشاكلنا الاقتصادية وطرق حلها٥٧

خلاصة البحث ٦٠

العمليات المصرفية والقوانين المالية في الاسلام (الربا في الاسلام)٦٣

البنك ٦٨

نتيجة البحث ٧٥

١٣٩

الضرائب في الاسلام٧٥

الضرائب في الاسلام٧٩

كيفية فرض الضرائب ٨٩

ملاحظة لأصحاب الرأي ٩١

أسئلة وأجوبة٩٢

الابعاد الاساسية لفصل الاقتصاد في دستور الجمهورية الاسلامية٩٦

مساهمة الافراد في القضايا الاجتماعية١١٤

بحث في الضمان الاجتماعي ١٢٠

الأمن ذو أبعاد مختلفة١٢٥

الأسس الفقهية والاسلامية للضمان الحكومي ١٣٠

مصادر البحث ١٣٨

الفهرس ١٣٩

١٤٠