الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي6%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172563 / تحميل: 7360
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

١

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن أبي سعيد عقيصا قال : قلت للحسن بن علي ابن أبي طالبعليه‌السلام : يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته؟ قالعليه‌السلام : علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل.

أقول : معنى ذلك ان السبب الموجب للصلحين واحد ، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح ثم وحدة الظرف الموجب له ثم وحدة الموقف ازاءه ثم وحدة النتائج المترتبة وقد تكفلت بحوث الكتاب في تجلية ذلك.

وقد اعترض بعض الباحثين الشيعة على عنوان كتاب صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين قائلا : ان الحسنعليه‌السلام لم يصالح بل هادن ، وهو اعتراض لا وجه له ، لان (الهدنة) في اللغة تعني (الصلح) ، قال ابن منظور في لسان العرب مادة (هدن) ويقال للصلح بعد القتال والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين : هُدْنَةٌ ، وربما جعلت للهُدْنة مُدّة معلومة ، فإذا انقضت المدة عادوا إلى القتال ، وبذلك فان هادن وصالح مترادفان كما ورد في الرواية اعلاه في سؤال ابي سعيد ثم اجاب الامامعليه‌السلام بقوله علة مصالحتي لمعاوية ...

٥
٦

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

استضافتي جماعة العلماء العراقية في مدينة قم سنة ١٤١٠ هجرية لإلقاء محاضرة في موسم ثقافي أقامته في شهر رمضان واخترت ليلة الخامس عشر منه ليكون الحديث عن صلح الحسنعليه‌السلام حيث لم أكن سابقا قد بحثته ، وأمضيت أربع عشرة ليلة ابحث في المصادر الأساسية.

ورأيت نفسي :

أمام قضية جديدة لم يشر إليها أحد من الباحثين قبلي وهي أن كلَّ ما سجّلتْه كتب التاريخ من ترويع وقتل وسجن وتهجير لشيعة الكوفة من قبل ولاة معاوية لم يكن قد وقع أيام الحسنعليه‌السلام بل كان بعد وفاته ، وهذا يعني ان عشر سنوات من حياة الحسنعليه‌السلام بعد الصلح كانت سنوات أمان تام للشيعة لم يُروَّع فيها شيعي واحد.

استوقفتني هذه الحقيقة ؛ الكبيرة ؛ المغيَّبة ؛ لأكثر من اثني عشر قرنا. وقد علق استاذي العلامة العسكريرحمه‌الله في حينها لما عرضت عليه ذلك قائلا : لقد جئت بشيء جديد من أسرار صلح الحسنعليه‌السلام .

ورأيت نفسي أيضا أمام معلومات أخرى لم تأخذ طريقها عند الباحثين في تأسيس الرؤية المناسبة حول موقف العراقيين من الحسنعليه‌السلام من قبيل قوله حين ترك الكوفة :

وما عن قلى فارقت دار معاشري

هم المانعون حوزتي وذماري

٧

ومن قبيل قول عبد الله بن الزبير لمعاوية لما اشتكى من قلة تردده عليه عند قدومه إلى المدينة : أنَّ مع الحسن مائة ألف سيف لو شاء لضربك بها ، وقوله : والله ان أهل العراق لأبَرّ بالعراق من أم الحوار بحوارها.

وأمام رواة عرفوا بوضع الأخبار ؛ أمثال عوانة بن الحكم الذي روى عنه الطبري قصة الصلح ؛ التي تؤكد : أنَّ هدف الحسنعليه‌السلام من الصلح هو مسألة الحصول على الأموال! وان السبب الذي دعاه للصلح هو خيانة الجيش! وان الذي حصل على أمان الشيعة هو قيس بن سعد! وليس الحسنعليه‌السلام !

وأدركت من خلال ذلك أنني أمام (مشروع قراءة جديدة للصلح) تستند على معلومات جديدة وليس مجرد رأي وتحليل للمعلومات القديمة ، ثم فرضت هذه القراءة نفسها عليَّ أن أواصل متابعتها بحثاً ومناقشةً ومحاضرةً مدة ثلاث وعشرين سنة تقريبا في مناسبات شهر رمضان وغيره من الشهور في مدينة قم ولندن وسوريا ، وأسبانيا وبغداد واخيرا النجف الأشرف والحلة الفيحاء ونشرت خلالها ملخصا للبحث في صحيفة الراصد سنة ٢٠٠٣ م التي كانت تصدر في بغداد وجريدة البقية ومجلة النجف الاشرف التي تصدر في النجف عن مؤسسة المرتضى للثقافة والإرشاد ثم نشرت ملخصاً في كراس مستقل طبع عدة مرات.

أثارت القراءة الجديدة ردود فعل كان أكثرها إيجابيا ، ولا زلت أذكر حماسة العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمة الله عليه لطبعه مبكرا وقوله : «إنها قراءة جديدة سوف تهدم أمورا كثيرة تسالم عليها الباحثون». ولم أكن في حينها عجولا في نشر البحث التفصيلي ؛ رغم أني كنت أصحر بالقراءة الجديدة في المناسبات كما أسلفت لعلي أفوز بملاحظة أو مناقشة تغير من وجهة البحث.

ثم حانت الفرصة لمراجعة فصول البحث التي كتبت في فترات زمنية مختلفة لتقديمه للطبع ، فاضفت فصلا آخر الى الباب الثاني وبابا آخر بخمسة فصول ولا يفوتني ان اشكر قرة عيني ولدي السيد حسين الذي اشرف على اخراج الكتاب وتصحيحه وطباعته ، وأخيرا ليس لي إلا أن أقول بقول العلامة المحقق الشيخ راضي آل ياسينرحمه‌الله في مقدمة كتابه :

٨

(وهي ـ بعد ـ بضاعتي المزجاة التي لا أريد منها إلا أن تكون مفتاح بحوث جديدة ، من شأنها أن تكشف كثيرا من الغموض الذي دار مع قضية الحسنعليه‌السلام في التاريخ. فان هي وُفِّقَتْ إلى ذلك ، فقد أوتيتُ خيراً كثيرا. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب).(١)

السيد سامي البدري

١٤٣٣ هـ / حي الكرامة / النجف الاشرف

__________________

(١) آل ياسين ، الشيخ راضي ، صلح الحسنعليه‌السلام ص ٢٢.

٩

المدخل

التمهيد وسير البحث

١٥ تمهيد

١٦ خلاصة الرؤية المشهورة في تعليل الصلح

٢٣ ثلاث ملاحظات أساسية حول الرؤية المشهورة

٢٧ صلح الحسنعليه‌السلام في الاعلام الاموي والعباسي وروايات اهل البيتعليهم‌السلام

٣٣ الرؤية الجديدة

٣٩ أبواب البحث وفصوله

١٠
١١

تمهيد

تعد قضية صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية / كما تصورها لنا المصادر التاريخية الأولى / من أشد القضايا غموضا وتشوها في تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام من جهة ، وفي تاريخ العراق الإسلامي المبكر من جهة أخرى ، وذلك لان القراءة الأولية للمصادر التاريخية الإسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ ان يخرج بانطباعين سلبيين هما :

الأول : الانطباع السلبي الشديد عن العراقيين الأوائل الذين عاصروا عليا والحسن والحسينعليهما‌السلام في الكوفة خاصة ، وهو الانطباع السائد لدى كل من درس الموضوع أو كتب فيه ، وهو : كونهم متفرقين متخاذلين / طالما تمنى عليعليه‌السلام فراقهم / غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية ، بل كان بعض العراقيين / كما في بعض الروايات / يفكر بتسليم الحسنعليه‌السلام حيا إلى معاوية ، ولذلك اضطر الحسنعليه‌السلام إلى تسليم الأمر لمعاوية ، وهذا الانطباع يستوي فيه القراءة المسلمون بغض النظر عن مذاهبهم.

الثاني : الانطباع السلبي عن شخصية الحسنعليه‌السلام لدى القارئ الذي لا تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته أو رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه لأنه من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أوجب الله تعالى مودتهم ، كالمستشرقين وقد كادوا يجمعون على كون الحسنعليه‌السلام شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعليعليه‌السلام وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته.

١٢

أما القارئ المؤمن بعصمة الإمام الحسنعليه‌السلام فلم يؤثر عليه ذلك الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسنعليه‌السلام منزَّه عن ذلك وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل أعدائه لتشويه صورته.

ويعد كتاب صلح الحسنعليه‌السلام (١) للباحث المحقق الشيخ راضي آل ياسينرحمه‌الله الذي صدرته الطبعة الأولى منه سنة ١٣٧٢ هـ ـ ١٩٥٢ م افضل واشهر كتاب معاصر في الموضوع ، وقدم له في وقته الحجة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدينرحمه‌الله صاحب التآليف القيمة بكلمة تصدرت الكتاب زادت من قيمته وأهميته ، ومن ثَمَّ سادت الرؤية التي قدمها الكتاب في النقد والتحليل وأخذ بها كلُّ من جاء بعده من الباحثين الشيعة.

ولما كنت في دراستي التي أعرضها بين يديك أيها القارئ الكريم قد خرجت برؤية مخالفة للرؤية السائدة بل هادمة لمرتكزاتها ، مع نتائج جديدة للصلح وأَلَقٍ كبيرٍ في شخصية الحسنعليه‌السلام وإمامتمه الإلهية رأيت ان ألخص الرؤية القديمة للصلح بقلم علمين كبيرين من أعلامنا ثم اعرض خلاصة الرؤية الجديدة قبل البدء ببحوث الكتاب.

خلاصة الرؤية المشهورة

في تعليل الصلح

قال العلامة الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه‌الله : «ومن الغريب بقاء الناس في عشواءَ غمّاءَ من هذا الصلح إلى يومهم هذا ، لا يقوم أحد منهم في بيان وجهة الحسن في صلحه ، بمعالجة موضوعية مستوفاة ببيانها وبيناتها ، عقلية ونقلية ، وكم كنت أحاول ذلك ، لكن الله عز وجل شاء بحكمته أن يختص بهذه المأثرة من هو أولى بها ، وأحق بكل فضيلة ، ذلك هو مؤلف هذا السفر البكر «صلح الحسن» فإذا هو في موضوعه فصل الخطاب ، ومفصل الصواب ، والحد الفاصل بين الحق والباطل. أما المؤلف (أي الشيخ راضي آل ياسين) ـ أعلى الله مقامه ـ فإنك تستطيع أن تستشف ملامحه ، وافر الذهن ، غزير الفهم والعلم ، واسع الرواية ، عليما زاخرا بعلوم آل محمد ، علامة بحاثة ، أمعن

__________________

(١) ظهرت الطبعة الأولى منه سنة ١٣٧٢ هـ ١٩٥٢ م.

١٣

في التنقيب عن أسرارهم ، يستجلي غوامضها ، ويستبطن دخائلها ، لا تفوته منها واردة ولا شاردة ، إلى خصائص في ذاته وسماته يمثلها كتابه هذا بجلاء».

ثم قالرحمه‌الله يلخص الرؤية السائدة عن الصلح :

«ومن أمعن فيما اشتمل عليه هذا الكتاب ، من أحوال الحسن ومعاوية ، علم انهما لم ترتجلهما المعركة ارتجالا ، وإنما كانا في جبهتيهما خليفتين ، استخلفهما الميراث على خُلُقين متناقضين.

وقد وقف الحسن والحسين من دهاء (معاوية) ومكره إزاء خطر فظيع ، يهدد الإسلام باسم الإسلام ، ويطغى على نور الحق باسم الحق ، فكانا في دفع هذا الخطر ، أمام أمرين لا ثالث لهما : اما المقاومة ، واما المسالمة. وقد رأيا أن المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلى فناء هذا الصف المدافع عن الدين وأهله ، والهادي إلى الله عز وجل ، والى صراطه المستقيم. إذ لو غامر الحسن يومئذ بنفسه وبالهاشميين وأوليائهم ، فواجه بهم القوة التي لا قِبَل لهم بها(١) مصمما على التضحية ، تصميم أخيه يوم «الطف» لانكشفت المعركة عن قتلهم جميعا ، ولانتصرت «الأموية» بذلك نصرا تعجز عنه إمكانياتها.

ومن هنا رأى الحسنعليه‌السلام أن يترك معاوية لطغيانه ، ويمتحنه بما يصبو إليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد الصلح ، أن لا يعدو الكتاب والسنة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه ومقوية سلطانه ، وأن لا يطلب أحدا من الشيعة بذنب أذنبه مع الأموية ، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين ، وأن ، وأن ، وأن. إلى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن عالما بأن معاوية لا يفي له بشيء منها وأنه سيقوم بنقائضها.

وبالجملة فان هذه الخطة ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بد ، أملاها ظرف الحسن ، إذ التبس فيه الحق بالباطل ، وتسنى للطغيان فيه سيطرة مسلحة ضارية. ما كان الحسن ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها ، بل أخذها فيما أخذه من إرثه ، من صلح «الحديبية» فيما أُثِر من سياسة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله فيه أسوة حسنة ،

__________________

(١) كما أوضحه الشيخ آل ياسين في كتابه صلح الحسنعليه‌السلام .

١٤

إذ أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه ، كما أنكر على الحسن صلح «ساباط» بعض الخاصة من أوليائه ، فلم يهن بذلك عزمه ، ولا ضاق به ذرعه.

تهيأ للحسن بهذا الصلح أن يغرسَ في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيُرديه ، وتسنى له به أن يُلغم نصرَ الأموية ببارود الأموية نفسها. فيجعل نصرها جفاءا ، وريحا هباءا. لم يطل الوقت حتى انفجرت أولى القنابل المغروسة في شروط الصلح ، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره ، إذ انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة. فقال ـ وقد قام خطيبا فيهم ـ : «يا أهل العراق ، إني والله لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ، ولا لتزكوا ، ولا لتحجوا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون!. ألا وان كل شيء أعطيته للحسن بن علي جعلته تحت قدمي هاتين!»(١) .

فلما تمت له البيعة خطب فذكر عليا فنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : «على رسلك يا أخي». ثم قامعليه‌السلام فقال : «أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا!» فقالت طوائف من أهل المسجد : «آمين».

ثم تتابعت سياسة معاوية ، تنفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الإسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين ، وتأييدا للمفسدين الذين جعلهم وزراء دولته ، كابن العاس ، وابن شعبة ، وابن سعيد ، وابن أرطأة ، وابن جندب ، وابن السمط ، وابن الحكم ، وابن مرجانة ، وابن عقبة ، وابن سمية الذي نفاه عن أبيه الشرعي عُبيد ، وألحقه بالمسافح أبيه أبي أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويفرقهم عباديد ، تحت كل كوكب ، ويحرق بيوتهم ، ويصطفي أموالهم ، لا يألو جهدا في ظلمهم بكل طريق. ختم معاوية منكراته هذه

__________________

(١) سيأتي التعليق على هذه الرواية والتي بعدها.

١٥

بحمل خليعة المهتوك على رقاب المسلمين ، يعيث في دينهم ودنياهم ، فكان من خليعه ما كان يوم الطف ، ويوم الحَرَّة ، ويوم مكة إذ نصب عليها العرادات والمجانيق!. هذه خاتمة أعمال معاوية ، وانها لتلائم كل الملاءمة فاتحة أعماله القاتمة. وبين الفاتحة والخاتمة تتضاغط شدائد ، وتدور خطوب ، وتزدحم محن ، ما أدري كيف اتسعت لها مسافة ذلك الزمن ، وكيف اتسع لها صدر ذلك المجتمع؟ وهي ـ في الحق ـ لو وزعت على دهر لضاق بها ، وناء بحملها ، ولو وزعت على عالم لكان جديرا أن يحول جحيما لا يطاق.

ومهما يكن من أمر ، فالمهم أن الحوادث جاءت تفسر خطة الحسن وتجلوها.

وكان أهم ما يرمي إليه سلام الله عليه ، أن يرفع اللئام عن هؤلاء الطغاة ، ليحول بينهم وبين ما يبيتون لرسالة جده من الكيد. وقد تم له كل ما أراد ، حتى برح الخفاء وآذن أمر الأموية بالجلاء والحمد لله رب العالمين.

الفضل في كشف هذه الحقيقة انما هو لمولانا ومقتدانا علم الأمة ، والخبير بأسرار الأئمة ، حجة الإسلام والمسلمين ، شيخنا المقدس الشيخ راضي آل ياسين أعلى الله مقامه. ذلك لان أحدا من الاعلام لم يتفرغ لهذه المهمة تفرغه لها في هذا الكتاب الفذ الذي لا ثاني له ، وها هو ذا مُشرِف من القمة على الأمة ، ليسُدَّ في مكتبتها فراغا كانت في فاقة إلى سده ، فجزاه الله عن الأمة وعن الأئمة ، وعن غوامض العلم التي استجلاها ، ومخبآته التي استخرجها ، ومحص حقائقها ، خير جزاء المحسنين ، وحشره في أعلى عليين [مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا].

حرر في صور (جبل عامل). في الخامس عشر من رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة (١٩٥٢ م). انتهى كلام العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي.

وقال العلامة الشيخ راضي آل ياسين رحمه‌الله في مقدمة كتابه صلح الامام الحسن عليه‌السلام : «... هأنذا مقدم ـ الآن ـ بين يدي قارئي الكريم ، عصارة بحوث تستملي حقايقها من صميم الواقع غير مدخول بالشكوك ، ولا خاضع للمؤثرات عن الحقبة المظلومة التاريخ ، التي

١٦

لم يحفل في عرضها ، بما تستحق ـ مؤرخونا القدامى ، ولم يعن في تحليلها ـ كما يجب ـ كتابنا المحدثون.

تلك هي قطعة الزمن التي كانت عهد خلافة الحسن بن علي في الإسلام والتي جاءت بين دوافع الأولين ، وتساهل الآخرين ، صورة مشوهة من صور التاريخ.

وتعرضت في مختلف أدوارها لما كان يجب ان يتعرض له أمثالها من الفترات المطموسة المعالم ، المنسية للحقائق ، المقصودة ـ على الأكثر ـ بالإهمال أو بالتشويه.

فإذا بالحسن بن علي (عليه وعلى أبيه أفضل الصلاة والسلام) في عرف الأكثرين من المتسرعين بأحكامهم ـ من شرقيين وغربيين ـ الخليفة الضعيف السياسة! المتوفر على حب النساء! الذي باع «الخلافة» لمعاوية بالمال!! إلى كثير من هذا الهذر الظالم ، الذي لا يستند في مقاييسه على منطق ، ولا يرجع في تحكماته إلى دليل ، ولا يعنى في ارتجالياته بتحقيق أو تدقيق.

وعَمَدَتْ هذه الفصول إلى تفلية هذه الحقبة القصيرة من الزمن بما هي ظرف احداث لا تقل بأهميتها ـ في ذاتها ـ ولا بموقعها «الاستراتيجي» في التاريخ ـ إذا صح هذا التعبير ـ عن أعظم الفترات التي مر بها تاريخ الإسلام منذ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى يوم الناس ...

لأنها بداية اقرار القاعدة الجديدة في التمييز بين السلطات الروحية والسلطات الزمنية في الإسلام.

ولأنها الفترة التي تبلورت فيها الحزازات الطائفية لأول مرة في تاريخ العقائد الإسلامية.

كانت النقود التي جَرح بها وُقّاح الرأي سياسةَ الحسنعليه‌السلام ، أبعد ما يكونون ـ في تجريحهم ـ عن النَّصَف والعمق والإحاطة بالظرف الخاص ، هي التي نسجت كيان المشكلة التاريخية في قضية هذا الامامعليه‌السلام ، وكان للشهوة الحزبية من بعض ، ولمسايرة السياسة الحاكمة من آخر ، وللجهل بالواقع من ثالث ، أثره فيما أسفَّ به المتسرعون إلى أحكامهم. ونظروا إليه نظرتهم إلى زعيم أخفق في زعامته.

وفاتهم أن ينظروا إلى دوافع هذا الإخفاق المزعوم ، الذي كان ـ في حقيقته ـ

١٧

انعكاسا للحالة القائمة في الجيل الذي قدر للحسن أن يتزعمه في خلافته ، بما كان قد طغى على هذا الجيل من المغريات التي طلعت بها الفتوح الجديدة على الناس.

وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فَسَدَ جيلُه ، أو خانته جنودُه ، أو فقد مجتمعُه وجدانه الاجتماعي. وفاتهم ـ بعد ذلك ـ أن ينظروا إليه كألمع سياسي يدرس نفسيات خصومه ونوازع مجتمعه وعوامل زمنه ، فيضع الخطط ويقرر النتائج ، ويحفظ بخططه مستقبل أمة بكاملها ، ويحفر ـ بنتائجه ـ قبور خصومه قبرا قبرا ، ويمر بزوابع الزمن من حوله رسول السلام المضمون النجاح ، المرفوع الرأس بالدعوة إلى الإصلاح. ثم يموت ولا يرضى أن يهرق في أمره محجمة دم ترى ، فأي عظمة أجل من هذه العظمة لو أنصف الناقدون المتحذلقون؟.

وان كتابنا هذا ليضع نقاط هذه الحروف كلها ، مملاة عن دراسة دقيقة سيجدها المطالع ـ كما قلنا ـ أقرب شيء من الواقع ، أو هي الواقع نفسه ، مدلولا عليه بالمقاييس المنطقية ، وبالدراسات النفسية ، وبالشواهد الشوارد من هنا وهناك. كل ذلك هو عماد البحث في الكتاب ، والقاعدة التي خرج منها إلى احكامه بسهولة ويسر ، في سائر ما تناوله من موضوعات أو حاوله من آراء ...

وسيجد القارئ أن الكتاب ليس كتابا في أحوال الامام الحسنعليه‌السلام ، بوجه عام ، وإنما هو كتاب مواقفه السياسية فحسب.

وان موضوعا من العمق والعسر كموضوعنا ، وبحثا فقير المادة قصير المدة كبحثنا ـ ونحن نتطلع إليه بعد ١٣٢٨ من السنين ـ لحري بأن لا يدُرُّ على كاتبه بأكثر مما دَرَّت به هذه الفصول ، احرص ما تكون توفرا على استقصاء المواد ، وتنسيق عناصر الموضوع ، وتهذيبها من الزائف والدخيل.

ونحن إذ نومئ إلى «فقر المادة» وأثره على البحث ، لا نعني بالمادة الا هذه «الموسوعات» التي كان بإمكاننا التعاون معها على تجلية موضوعنا بما هي عليه من تشويش للتناسق أو تشويه للحقايق.

اما المؤلفات الكثيرة العدد التي وردت أسماؤهم في معاجم المؤلفين الأولين ، مما كتب عن قضية الحسنعليه‌السلام فقد حيل بيننا وبين الوقوف عليها. وكانت مع الكثير من تراثنا

١٨

القديم قيد المؤثرات الزمنية ، وطعمة الضياع والانقراض أخيرا. وكان ذلك عصب النكبة في الصحيح الصحيح من تاريخ الإسلام ، وفي المهم المهم من قضاياه الحساسة أمثال قضيتنا ـ موضوع البحث ـ. فلم نجد ـ على هذا ـ من مصادر الموضوع : كتاب (صلح الحسن ومعاوية لأحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن السبيعي الهمداني المتوفى سنة ٣٣٣ هجري) ، ولا كتاب [(صلح الحسن عليه السالم لعبد الرحمن بن كثير الهاشمي (مولاهم)] ، ولا كتاب (قيام الحسنعليه‌السلام لهشام بن محمد بن السائب) ، ولا كتاب (قيام الحسنعليه‌السلام ، لإبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي المتوفى سنة ٢٨٣ هجري) ولا (كتاب عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري في أمر الحسنعليه‌السلام ) ، ولا كتاب (اخبار الحسنعليه‌السلام ووفاته ، للهيثم بن عدي الثعلبي المتوفى سنة ٢٠٧ هجري) ، ولا كتاب (اخبار الحسن بن عليعليه‌السلام ، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الأصفهاني الثقفي)(١) ، ولا نظائرها.

اما هذه المصادر التي قُدِّرَ لنا ان لا نجد غيرها سندا ، فيما احتاجت به هذه البحوث إلى سند ما ، فقد كان أعجب ما فيها انها تتفق جميعها في قضية الحسنعليه‌السلام على ان لا تتفق في عرض حادثة ، أو رواية خطبة ، أو نقل تصريح ، أو الحكم على إحصاء ، بل لا يتفق سندان منها ـ على الأكثر ـ في تأريخ وقت الحادث أو الخطبة من تقديم أو تأخير ، ولا في تعيين اسم القائد مثلا ، أو ترتيب القيادة بين الاثنين أو الثلاثة ، ولا في رواية طرق النكاية التي أريدت بالحسنعليه‌السلام في ميادينه ، أو في التعبير عن صلحه ، أو في قتله أخيرا ، ولا في كل صغيرة أو كبيرة من اخبار الملحمة ، من ألفها إلى يائها. وللمؤثرات التي تحكمت في رقبة هذه المصادر ، عند نقاطها الحساسة اثرها المحسوس في الكثير الكثير من عروضها.

وإذا كان من أصعب مراحل هذا التأليف ، إرجاع هذه الحقائق إلى تسلسلها

__________________

(١) تجد ذكر هذه المؤلفات ضمن تراجم مؤلفيها في كتب الرجال ، كفهرست ابن النديم والنجاشي وغيرهما. وستجد معها أسماء كتب أخرى تخص موضوع الحسنعليه‌السلام في صلحه وفي مقتله ، لا نريد الإطالة باستقصائها بعد ان أصبحت أسماء بلا مسميات.

١٩

الصحيح الذي يجب ان يكون هو واقعها الأول ، فقد كان من أيسر الوسائل إلى تحقيق هذا الغرض ، الاستعانة عليه بقرائن الأحوال ، وتناسق الأحداث ، اللذين لا يتم بدونهما حكم على وضع. وكان من حسن الصدف ، ان لا نخرج في اختيار النسق المطلوب عن الشاهد الصريح ، الذي بعثرته هذه المصادر نفسها ، في اطواء رواياتها الكثيرة المضطربة ، فكانت ـ بمجموعها ـ وعلى نقص كل منها ، أدلتنا الكاملة على ما اخترناه من تنسيق أو تحقيق ، وذلك أروع ما نعتز به من التوفيق. ووقفنا في فلسفة الموقف ـ عند مختلف مراحله ـ وقفاتنا المتأنية المستقرئة الصبور ، التي لا تستلم للنقل أكثر مما تحتكم للعقل. ورجعنا في كثير مما التمسنا تدقيقه ، إلى التصريحات الشخصية التي جاءت أدل على الغرض من روايات كثير من المؤرخين».(١) انتهى كلام العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسينرحمه‌الله .

ثلاث ملاحظات أساسية حول الرؤية المشهورة :

أوردتُ من كلمات ذينك العَلَمين الجليلين ما يغنيني عن ذكر أهمية البحث وصعوبته وضرورته ، وما اودُّ التعليق عليه من الكلمات التي عبرت عن مفاصل الرؤية السائدة والمشهورة ثلاث تعليقات هي :

الأولى : انها لم تميز بين سنوات الصلح العشر زمن حياة الحسنعليه‌السلام التي كانت سنوات أمان وحركة نشيطة لشيعة عليعليه‌السلام في نشر أَخبار سيرته المشرقة وأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أهل بيتهعليهم‌السلام ، وسنوات المحنة بعد وفاته ، السنوات التي أَعاد فيها معاوية إِعلامه الكاذب ضد عليعليه‌السلام بأشد ما يكون ، وفرض على الناس في كل مكان لعنه ، ومعاقبة المخالف وكان اشدُّ الناس ابتلاءً أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام . وليس من شك فان اكتشاف هذه الحقيقة سوف يفرض على التحليلات التي كانت قد أغفلتها ان تغير من وجهتها. ومن ابرز هذه التحليلات ان الشروط لم يلتزم بها معاوية منذ اليوم الأول ، اما الرواية التي تقول ان معاوية خطب في الكوفة في اليوم الأول من الصلح ونال من عليعليه‌السلام وهو يسمع ، وأَعلن عن ردِّه للشروط فهي

__________________

(١) آل ياسين ، الشيخ راضي ، صلح الحسنعليه‌السلام ، المقدمة ص ٢٢.

٢٠

رواية موضوعة في العهد العباسي لتشويه العمل العظيم الذي قام به الحسنعليه‌السلام نكاية بالحسنيين الثائرين من ولدهعليه‌السلام على العباسيين وقد بحثناها في كتابنا هذا ، وفي تقديرنا ان قول معاوية ان صحت الرواية قد قاله بعد وفاة الحسنعليه‌السلام وبعد تعقُّبِه شيعةَ عليعليه‌السلام سجنا ونفيا وقتلا.(1)

الثانية : انطلقت الرؤية المشهورة من فكرة مفادها : انَّ الموقف المطلوب أساسا هو الحرب ، ولمَّا لم يكن للحسنعليه‌السلام / كما تصور لنا الروايات الموضوعة / جيش كفوء يعتمد عليه لإيقاف خصمه المتستِّر بالإسلام اضطُرَّ إلى الصلح لفضحه ، ثم جعلت الرؤية السائدة الاستفادة من درس صلح الحديبية هو تأسي الحسنعليه‌السلام بجده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه أَمر الصلح ، كما أنكر على الحسن صلح «ساباط» بعض الخاصة من أوليائه.

وفي تقديرنا ان الاستفادة كانت أَعمق من ذلك : إذ أَنَّ الموقف الذي أَسَّسه صلح الحديبية هو إِفهام الناس أَنَّ الحرب ليست هي القاعدة العامة لحل المشكلات والأزمات ، بل قد يكون الموقف المطلوب الذي يفتح الطريق للهداية أو لحل الأزمة المستعصية هو الصلح والتنازل المحدود المشروط. وقد استهدف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلح الحديبية هذا الموقف لتحقيق الأمان في الجزيرة العربية المقرون بفضح إعلام قريش التي كانت تدَّعي انها تعمل على احترام البيت الحرام وزوّاره وان محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يحترم البيت الحرام وما يرتبط به من قوافل أهله التجارية فقد تعرض لها في الطريق وأخافها ، وقد كانت العرب في ال جاهلية تحترمها وتحرسها احتراما للبيت الحرام ، مضافا إلى هذه المكسب فقد انطلقت الاخبار الصحيحة عن سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تشق طريقها إلى الناس الذين اكتشفوا انهم كانوا مخدوعين بالإعلام القرشي الكاذب. ومن هنا رأينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج في تظاهرة كبيرة هو وأصحابه مُحرِمين يسوقون الهديَ لزيارة البيت وعرض

__________________

(1) ولنا ان نقول أيضا وهو الأصوب ان معاوية لم يكن ليعلن ذلك في أول ملكه ولما يحل بعد المشكلات الأمنية الداخلية من الخوارج والخارجية من الروم ، ومعاوية قدير على ضبط اعصابه وإخفاء حقده لوقت استقرار ملكه وحينئذ لا يعلن عن ذلك تنفيذيا ، بل يلعنه إمامة دينية وخلافة إلهية وقد وضعت روايات في حقه من قبيل ما نسبوه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه دعا له (اللهم اهد به واجعله هاديا مهديا) كما سيأتي في البحث.

٢١

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على قريش الصلحَ فقبلت بعد تردد ورفض واشترطت أَنْ يرجع عامَه ذاك وقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، وعرفت العرب انَّ قريشا هي التي تصدُّ عن البيت الحرام وليس محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فافتضح إعلامها الكاذب ، واختلط المسلمون مع الناس ونقلوا اليهم صورا رائعة من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الهادية وبذلك تبدلت الصورة السيئة التي إشاعتها قريش المشركة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحي من حيَّ عن بينة ، واستجابت القبائل ودخلت الإسلام أفواجا ومن ثم سمى القرآنُ الصلحَ مع ما يحفه من التنازل ب (الفتح المبين).

والأمر نفسه تكرر مع (قريش الأبناء) بقيادة معاوية لما تخندقوا في الشام واستطاعوا ان يعبثوا الشام بإعلام كاذب وإعطاء صورة سيئة عن عليعليه‌السلام ، وكونه يطلب الملك بالحرب وسفك الدماء وانه مفسد في دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغير ذلك من التهم الباطلة ، ويجئ الصلح بشروط الحسنعليه‌السلام فاضحا لمعاوية وإعلامه وفاتحا الطريق لإمامة عليعليه‌السلام الإلهية يحمل أخبارها ونصوصها النبوية التاسيسية شيعة عليعليه‌السلام من الكوفيين وغيرهم يحدِّثون بها أهلَ الشام مدة عشر سنوات من الأمان. ومن ثم فان صلح الحسن لا تبعد عنه تسمية (الفتح المبين) لما حققه من فضح معاوية وإعلامه الكاذب وانتشار اخبار سيرة عليعليه‌السلام المشرقة ومعرفة موقعه من الرسالة عبر حديث الغدير والثقلين والكساء وغيرها التي لم يكن أهل الشام قد سمعوا بها آنذاك.

وهذا الفهم هو المناسب لقول الحسنعليه‌السلام (علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة النبي لقريش) لان نتائج الصلح هنا هي نتائج الصلح هناك ، توحدت العلة وتوحد الأثر.

الثالثة : نجح المؤلف الحجة الشيخ راضي آل ياسين رحمة الله عليه في تجلية شخصية الحسنعليه‌السلام والدفاع عنه كما يليق به إماما من أئمة الهدى ، ولكنه فيما يتعلق بأهل الكوفة وقع / في تقديرنا / تحت ضغط الاخبار الموضوعة التي استهدفت تشويههم كما استهدفت نظائرها تشويه شخصية الحسنعليه‌السلام ، وكان المترقب من دراسة مستوعبة كالتي نهض بها العلم الكبير ان تصنف الاخبار بخصوص أهل الكوفة إلى مجموعتين ، ثم ترجح احدهما بالمرجحات العلمية المعروفة عند تعارض الاخبار. وقد شخصنا ثلاثة مرجحات للأخبار المادحة وإسقاط القادحة وهي :

1. ان المصادر التي عرضت الاخبار المادحة ورواتها هي مصادر الخاصة أعني

٢٢

المصادر الشيعية والرواة الشيعة ، اما المصادر التي عرضت الاخبار الطاعنة فهي عامية ورواتها عُرِف الكثير منهم بممالئتهم لخلفاء الجور من العباسيين.

2. ان الاخبار الطاعنة تعارضها حقيقة الأمان في السنوات العشر الأولى من الصلح إذ لم يروَّع شيعي واحد في هذه الفترة وهي حقيقة كشف عنها بحثنا الجديد هذا.

3. ان العباسيين بعد قضائهم على ثورة الأخوين محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن المثنى (رض) اتجهوا في إعلامهم العام وجهة تسقيط الحسنيين بتشويه سيرة جدهم الحسن المجتبىعليه‌السلام فوضعوا اخبارا من قبيل : انه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته ، ووضعوا اخبارا أخرى تشوه سيرة الكوفيين وانهم تفرقوا عن الحسنعليه‌السلام وتفرقوا عن أبيه من قبل ، ووضعوا على لسان الحسن أحاديث تؤكد ذلك.

٢٣

صلح الحسن عليه‌السلام في الاعلام الاموي والعباسي

وروايات اهل البيت عليهم‌السلام

وجدت من الناحية التاريخية ثلاثة اطروحات عرَّفت بالحسنعليه‌السلام ودوافع صلحه ونتائجه وهي :

اطروحة الاعلام الاموي : أنَّ تنازل الحسنعليه‌السلام عن السلطة بخطة من معاوية :

لا نملك مصادر اموية تتحدث عن صلح الامام الحسنعليه‌السلام ، وانما الذي بين ايدينا مصادر عباسية تنقل عن رواة مخضرمين عاشوا العهدين العباسي والاموي امثال معمر بن راشد اليماني (ت 154 هـ) ويونس الايلي (ت 160 هـ) وعبيد الله بن ابي زياد الرصافي (ت 158 هـ) وضمرة بن ربيعة القرشي الحمصي الفلسطيني (ت 202 هـ) الذين رووا عن الزهري قصة الصلح ، وعوانة بن الحكم (ت 158 هـ) وعثمان الطرائفي (ت 203 هـ) ومحمد بن عبيد (ت 202 هـ) وسفيان بن عيينة (ت 198 هـ) ، وقد نصت كتب الرجال في ترجمة عوانة بن الحكم انه كان يضع الاخبار لبني امية. ومن المؤكد ان الزهري كان يضع الاخبار لبني امية وولاتهم وقد طلب منه والي العراق خالد القسري ان يكتب السيرة ولا يذكر فيها عليا الا ان يجده في قعر الجحيم! وقد روى معمر روايات السيرة عن الزهري واوردها كاملة عبد الرزاق الصنعاني وقد جاءت خالية من ذكر عليعليه‌السلام . وفي ضوء ذلك فان قصة صلح الحسنعليه‌السلام بروايات هؤلاء عن الزهري وغيره تعكس الرؤية الاموية لا محالة. والبادئ للصلح في روايتهم هو معاوية ، وهي قضية صحيحة اساسا ، ولكن ما الذي طلبه معاوية من الحسنعليه‌السلام ؟

هل طلب معاوية من الحسنعليه‌السلام ان يتنازل عن السلطة مقابل اموال يغدقها عليه؟ كما في رواية البخاري عن ابن عيينة (اعرضا عليه) اي المال. واعتمدها المؤرخون

٢٤

السلفيون الذهبي وابن كثير وغهما ، والمحدثون ، ابن حجر والعيني وغيرهما في شرحهما للبخاري وقد استنبطوا منها رافة معاوية بالمسلمين وقدرته في تدبير الملك!

ام طلب معاوية من الحسنعليه‌السلام ان توقف الحرب وان يكون الحسنعليه‌السلام حاكما في العراق والبلاد التي بايعته وان يكون معاوية حاكما في الشام والبلاد التي بايعه؟ وهو الصحيح فقد طلب معاوية ذلك من علي بعد التحكيم ، ورفضه علي ، لان معاوية باغ وحكم البغاة هو قتالهم ولا يجوز الصلح معهم الا لمفاوضات املاً بان يرجع البغاة عن بغيهم. ثم كرر الطلب معاوية بعد عليعليه‌السلام وقد انقسمت الامة باختيارها فبايعت في الشام معاوية وبايعت في العراق الحسنعليه‌السلام ، وفي ظل هذه الوضع الجديد لا يمكن لمعاوية ان يعرض على الحسنعليه‌السلام غير ما عرضه على ابيه عليعليه‌السلام في حياته بان يبقى كل على بلده الذي بايعه واعتقد بامامته ، لانه يعلم حق العلم ان علياعليه‌السلام / ومن بعده الحسنعليه‌السلام / له مشروعه في احياء سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي عطلها الخلفاء ، وقد تبناه اهل العراق كما تبنى اهل الشام معاوية في السير على نهج عثمان والشيخين.

وقد رفض الحسن طلب معاوية ذلك لانه يؤدي الى تكريس الانشقاق في الامة وتكريس جهل اهل الشام بمشروع عليعليه‌السلام ، وعرض عليه الحسنعليه‌السلام مشروعه الذي لم يخطر في باله ، ولا بال احد من رجالاته ، عرض عليه توحيد الامة وتوحيد حكومتها بنظام يحدده الحسنعليه‌السلام وهو الكتاب والسنة دون سيرة الشيخين وبشروط اضافية من قبيل امان شيعة عليعليه‌السلام في العراق ، وان يكون الامر للحسنعليه‌السلام بعد معاوية وان لا يذكر علياعليه‌السلام الا بخير وغير ذلك وان يكون الحاكم هو معاوية وبعد موته يكون الحسنعليه‌السلام وهكذا كان الامر لعشر سنوات حيث عاشت الامة افضل ايامها من الامان والحرية في العبادة.

لقد غيب الاعلام الاموي الانجاز العظيم للحسنعليه‌السلام الذي بشر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ان ابني هذا سيد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وجعلوه صلحا ، كان الداعي اليه معاوية الذي بذل الاموال لسد دين الحسنعليه‌السلام ومعالجة حالات كانت بحاجة الى المال! ومن هنا كان الحسنعليه‌السلام مرضيا لدى المحدثين والسلفيين قاطبة لانه اثر حقن الدماء على الحرب مستجيبا لمعاوية الرؤوف بالمسلمين!

٢٥

اطروحة الاعلام العباسي : أنَّ الحسنعليه‌السلام تنازل عن السلطة رغبة في المال والحياة المترفة :

ثار الحسنيون على العباسيين سنة 144 هـ بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة ثم قتل وقام من بعده اخوه ابراهيم بن عبد الله بن الحسن في البصرة ثم قتل بسهم طائش في معركة بين البصرة والكوفة ووجد العباسيون انفسهم بحاجة الى توجيه الاعلام وجهة تسقيطية للحسنيين من خلال ترويج ما اسسه الاعلام الاموي في الحسنعليه‌السلام مع تطوير واضافات تقتضيها المرحلة وكانت هذه الاضافات هي تسقيط الكوفة بوصفها قلعة المؤيدين للحسنيين وللامام الصادقعليه‌السلام وقد وضع الخليفة الدوانيقي ابي جعفر الخطوط العريضة لهذا الاعلام فقال :

... ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن عليعليه‌السلام ، فو الله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.

وفيما يخص الكوفيين قال :

(ثمَّ قام من بعده الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المدرة السوء ، / وأشار إلى الكوفة / فو الله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق الله بيني وبينها فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قتل.

ثمَّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب ، وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّرهرحمه‌الله غدر أهل الكوفة ، فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقتل وصلب بالكناسة).(1)

__________________

(1) المسعودي ، مروج الذهب ج 3 ص 301 ، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك روى

٢٦

ولما قتل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن امر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة 145 هجرية وخطب قائلا :

(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه سبئية(1) ، خشبية(2) ، قاتل يقول : جاءت الملائكة وقائل يقول جاء جبريل ...

لَلَعَجَب لبني امية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتُلوا مقاتلتَكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم.

أما والله يا اهلَ المَدَرَة الخبيثة لئن بقيت لكم لأذلنكم).(3)

لقد انتج الاعلامان الاموي والعباسي كمية هائلة من الروايات الكذب في قضية الصلح لم تتسبب في ظلم الامام الحسنعليه‌السلام وظلم العراقيين حسب ، بل تسببت في تشويه الرؤية الاسلامية الصحيحة في مسالة (لو بايعت الامة لحاكمين) ، وتغييب اخبار تجربة وعهد هو من اروع العهود الاسلامية بعد عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد الامام عليعليه‌السلام امتاز بالامان التام والحوار الصادق والتعددية المذهبية المبنية على القناعة وظهور المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة متفرغة الى عمل الخير وتعليم الناس ، وانصراف الدولة الى وظيفتها الاساسية من تحقيق الامان داخليا وخارجيا وتوزيع الحقوق على اهلها دون التدخل في الشؤون الدينية للافراد العهد الذي تتوق اليه وتتطلع نحوه كل شعوب العالم بلا استثناء.

__________________

البلاذري فيانساب الاشراف ج 3 ص 150 ، قال : قال المدائني : (كتب ابو مسلم الى ابي العباس : أن اهل الكوفة قد شاركوا شيعة امير المؤمنين في الاسم ، وخالفوهم في الفعل ، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه امير المؤمنين ، يؤتى فسادهم من قبلهم باغوائهم اياهم واطماعهم فيما ليس لهم ، فالحظهم يا امير المؤمنين بلحظة بوار ، ولا تؤهلهم لجوارك ، فليست دارهم لك بدار. واشار عليه ايضا عبد الله بن علي بنحو من ذلك فابتنى مدينته بالانبار وتحول اليها وبها توفي).

(1) اي اتباع عبد الله بن سبأ الذي ادعي له انه مبتدع الوصية لعليعليه‌السلام المشابهة لوصية موسى ليوشععليه‌السلام الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه.

(2) فيالنهاية لابن الاثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويقال لضرب من الشيعة : الخشبية. وفي المشتبه للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف.أقول : وسياتي في ترجمة المختار الروايات التي وضعوها في حقه للغض من شخصيته.

(3) البلاذري ،أنساب الاشراف ج 3 ص 269.

٢٧

الحسنعليه‌السلام في روايات اهل البيت عليهم‌السلام امام هدى عالج الانشقاق وفتح الطريق لهداية اهل الشام ان ارادوا الهداية :

لا بد من التمييز بين روايات اهل البيت والمصادر الشيعية التي الفت للاحتجاج باحاديث العامة عليهم فما ورد في كتاب الارشاد للشيخ المفيد في قصة اساسه روايات ابي الفرج في كتابه مقاتل الطالبيين ، وما فيه من اخبار مقتل الحسين اساسه روايات ابي مخنف في كتابه مقتل الحسين الذي رواه الطبري ، فان هذه الروايات لا يغير من واقعها رواية الشيخ المفيد لها ، فهي تبقى روايات عامية ، والذي نريده بروايات اهل البيتعليهم‌السلام هو ورودها عنهم وفي مصادر امامية معتبرة ، وفي هذا الصدد فاننا نجد صلح الحسنعليه‌السلام وشخصيته واهل الكوفة في رواياتهم بصورة اخرى تغاير ما عليه الاعلام الاموي والعباسي.

فالحسنعليه‌السلام احد الائمة الهداة المعصومين الاثني عشر الذين عينهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهداية الامة من بعده في قصة المباهلة وحديث الكساء وغيرها ، اما سيرته الشخصية فقد تحدث عنها حفيده الامام الصادقعليه‌السلام يصفه كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ، وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار.

اما دوافع الصلح عند الحسنعليه‌السلام فقد بينها بوضوح تام حين ساله ابو سعيد وقد اوردنا الرواية في اول الكتاب مستقلة ، حين قال علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة النبي لقريش ، وبذلك وضع مقياسا دقيقا لدراسة الصلح ودوافعه واهدافه وانجازاته.

وقد ذكر الامام الباقرعليه‌السلام صلح الحسن فقال فيه : (والله لَلذي صنعه الحسن بن علي كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والقمر).

ان هذه الصيغة من الكلام تشير الى ان : نتائج الصلح هي من سنخ الهداية التي

٢٨

يقول فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : (وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي).(1)

لقد حفظ الحسنعليه‌السلام بصلحه وحدة القبلة ووحدة الكتاب الى يوم القيامة ، ثم اوصل احاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في امامة علي واهل بيتهعليهم‌السلام الالهية ، واخبار سيرة عليعليه‌السلام المشرقة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده وفي الكوفة ايام حكمه ، وفتح باب الاهتداء بعلي لمن اراد من اهل الشام الى يوم القيامة فاي خير اعظم من هذا الخير!

وقد انطلق البحث في هذا الكتاب من قول الامام الحسنعليه‌السلام نفسه وانتهى الى الخير الذي انتجه الصلح واشارت اليه رواية الامام الباقرعليه‌السلام .

__________________

(1) الكليني ،الكافي ، ج 5 ص 28. الطوسي ، تهذيب الاحكام ج 6 ص 141.

٢٩

الرؤية الجديدة

اما النتائج الجديدة فتتعلق بوضع أهل الكوفة في السنوات العشر من الصلح حيث كانوا امنين ولم يروع شيعي واحد منهم بسبب ولائه لعلي بل الفرصة متاحة لهم لينشروا ما وعوه وحملوه عن عليعليه‌السلام من علم وسيرة مشرقة بين أهل الشام ، هذا في قبال الرؤية السائدة التي تقول ان معاوية اعلن عن نقضه لشروط الحسن منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الكوفة وانه بدأ بترويعهم وملاحقتهم.

اما الرؤية الجديدة في مبررات الصلح فخلاصتها : ان الحسن كان قد صالح عن قوة وليس عن ضعف فهو أشبه بصلح الحديبية بل امتداد له في الهدف والأسلوب ، وتوضيح ذلك :

ان معاوية بعد ان بايعه أهل الشام بادر يطلب الصلح من الإمام الحسن الذي بايعه أهل العراق حاكما خلفا لابيه علي وهو ان يبقى الحسنعليه‌السلام على البلاد التي بايعه أهلها وهو النصف الشرقي للبلاد الإسلامية ، وان يبقى معاوية على النصف الغربي من البلاد الإسلامية حيث بايعه أهلها على الحكم.

ومبررات هذا الصلح واضحة لدى معاوية فهو بين ضغط حلقات الخوارج الخفية من الداخل التي تستهدف اغتياله وضغط الروم على الحدود الشمالية الشرقية وجيشهم على أهبة الاستعداد لغزو الشام ، ولم يكن معاوية ليجمد شن الغارات على أطراف علي دون مكسب سياسي يسجله لصالحه ، ومن هنا عرض على الحسن / وقد عبأ جيشه للقتال مضافا إلى تعبئة أبيه عليعليه‌السلام / لكي يؤمّن جهته بالمصالحة ويتفرغ للمشكلتين الآنفتي الذكر.

فكان امام الحسنعليه‌السلام احد خيارين :

٣٠

الأول : قبول أطروحة الصلح بالصيغة التي عرضها معاوية واهم مبررات قبولها بالنسبة للحسنعليه‌السلام هو تجميد الصراع مع معاوية ليتفرغ للإرهاب الداخلي هذا هو التفكير الباده لمن يهمه بناء دولة وحكم خاص به. ولكن هذا الخيار يكرس الانشقاق الأموي مع إعلامه الكاذب في عليعليه‌السلام إذ يعرضه رأس الفساد والإلحاد في دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو رأس مشروع الهداية في المجتمع بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : رفض الصلح واللجوء إلى الحرب بصفته وارث مشروع أبيه علي مشروع إحياء السنة النبوية في مجتمع الفتوح الذي حرم منها ، المشروع الذي نجح في النصف الشرقي من البلاد الإسلامية وصارت الكوفة مركزا له ، وانغلقت البلاد الغربية عنه وتحولت الشام إلى مركز يعمل على تطويقه ووأده ، لإحياء المشروع القرشي بقيادة أموية فكانت معركة الجمل في البصرة بتخطيط أموي وتنفيذ قرشي ومعركة صفين في الشام التي اعد لها معاوية عدتها منذ سنين ، ثم نتجت عنها معركة النهروان في العراق ، وهذا نظير تحول مكة في بدء الإسلام إلى مركز يصد عن دعوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بقيادة أموية فكانت معركة بدر التي قادت إلى معركة احد وهي انتجت معركة الخندق.

ولكن الحسنعليه‌السلام وهو العارف بحكمة الحرب والصلح في دين جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أدرك ان خيار الحرب ليس بصالح مشروع أبيه عليعليه‌السلام ، والسر في ذلك هو ان الحرب بين عليعليه‌السلام ومعاوية قد أفرزت إعلاما أمويا كاذبا في حق عليعليه‌السلام تحول إلى معتقد لدى أهل الشام ومن ثم فان خيار الحرب سوف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإعلام الكاذب في حق عليعليه‌السلام ثم إلى مزيد من التكريس لمعتقد أهل الشام الخاطئ فيه ، ومن ثم مزيد من الحجب عن مشروع علي الإحيائي للسنة النبوية.

تماما كما كان الأمر بين النبي وقريش فلم يكن خيار النبي ان تستمر الحرب مع قريش بعد معركة الخندق مع ان قريشا وحلفاءها قد انهزموا شر هزيمة ، وذلك لان الحرب بين النبي وقريش قد أفرزت إعلاما قرشيا كاذبا في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تحول إلى معتقد لدى العرب المتحالفة مع قريش ومن ثم فان الحرب سوف لن تزيدهم إلا تكريسا لإعلامهم الكاذب ثم تكريسا لمعتقدهم الخاطئ في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبالتالي لن تزيدهم الحرب الا بعدا عن الهداية التي بعث النبي لأجلها.

٣١

وكما عدل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيار الصلح بوصفه الحل الوحيد لقلب المعادلة مع قريش وفتح الطريق أمام مشروع الهداية الذي جاء به كذلك لا بد للحسنعليه‌السلام ان يعدل من خيار الحرب إلى الصلح بوصفه الأسلوب الوحيد لقلب المعادلة مع معاوية وفتح الشام لمشروع الهداية الذي نهض به عليعليه‌السلام ، ولكنه صلحٌ بصيغة جديدة لا تمت إلى الصيغة التي عرضها معاوية بصلة ، بل هو صلح يستمد روحه وهدفه وفلسفته من صلح جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قريش حين اوضح للقبائل المتحالفة مع قريش بما لا يقبل الشك ان قريشا هي التي تصد عن بيت الله وليس محمدا كما كانت تزعم في إعلامها الكاذب ، وان محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعظم بيت الله ودين إبراهيم بما لم يعظمه به احد من العرب ولا من قريش آنذاك.

وكذلك الحسنعليه‌السلام في صلحه فانه يريد ان يوضح لأهل الشام بما لا يقبل التأويل ان معاوية ومن قبل الخلفاء الثلاثة كان يصدون عن سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو واضح في قصة حج التمتع ، بل ان معاوية وأباه كانا على رأس من يصد عن دعوة النبي ويقاتله وانَّ عليا هو الذي إحيا سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو واضح في قصة حج التمتع بل لعلي مواقف وتاريخ يكشف عن اتباعه للنبي ونصرته له بما لا يضاهيه احد من المسلمين.

وهكذا فاجأ الحسنعليه‌السلام خصمَه معاوية بصيغة صلح لم تدُر في خَلَدِه بل لم يكن تكوينه الجشع ورغبته الجامحة للسلطة وأصوله الجاهلية لتسمح له ان يفكر بها ، استمد الحسن روح صلحه المبتكر وشروطه من تجربة جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلح الحديبية مع قريش وهي تجربة مبتكرة أيضا إذ لم يكن يدر في خلد قريش / لحميتها الجاهلية / ان يقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لمصالحتها بعد ان سجل انتصارا ساحقا في معركة الخندق ، وحقق الحسن بذلك فتحا مبينا بكل معنى الكلمة كما حقق النبي (ص) في صلحه فتحا مبينا بكل معنى الكلمة ، وقد تمثل هذا الفتح المبين لعلي بالصلح الحسني كما تصوره الرؤية الجديدة :

ـ بفضح معاوية أمام أهل الشام / جنده المطيع له طاعة مطلقة / بانه كان ظالما لعلي في قتاله إياه وانه كان يقاتله من اجل الملك وليس من اجل مبدأ أو الأخذ بثار دم عثمان كما كان يزعم.

ـ اتضاح حقيقة عليعليه‌السلام انه لم يكن الذي كان منه منازعة في سلطان أو لالتماس

٣٢

شيء من فضول الحطام بل كان لأجل المظلومين من عباد الله وإحياء سنة النبي التي عطلتها وحرفتها سلطة قريش المسلمة قبل عليعليه‌السلام .

ـ توحيد شِقَّي البلاد الإسلامية واختلاط العراقيين مع الشاميين من موقع المحبة والشفافية.

ـ إرجاع هيبة الأمة في قلوب أعداءها / الروم الشرقيين على الجبهة الشمالية الشرقية / الذين كانوا قد اعدوا العدة للهجوم على الأمة بعد ان أكلتهم الحروب الداخلية.

ـ إنقاذ الكوفة عاصمة مشروع النهضة الإحيائية لعليعليه‌السلام ومركز رجالاتها من إرهاب داخلي كانت على أبوابه يتبنى أسلوب الاغتيال قام به الخوارج التكفيريون وقد نفذوه أولاً في عليعليه‌السلام . ومن ثم انطلاقة الكوفيين لنشر أخبار هذه النهضة وموضوعها في أهل الشام.

وساد الأَمان في الأُمة كلِّها عشر سنوات بعد توقيع وثيقة الصلح ، وبرز الحسنعليه‌السلام مرجعا دينيا الهيا ومن قبله أبوه عليعليه‌السلام ومن بعده وأخوه الحسين نصت عليهم الأحاديث النبوية ، ليأخذ عنهم دين الله الذي جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ، وعرف الشاميون وغيرهم من عبادة الحسن وعلمه وحسن خلقه وكرمه واهتمامه بقضاء حوائج الناس ما جعلهم يذكرون به أباه عليه وجده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم غدر معاوية بالحسنعليه‌السلام بعد عشر سنوات غدراً مبيناً حين دشَّ له السم ونقض شروطه ولاحق شيعة العراق بما هو معروف وواضح في كتب التاريخ.

وخرجت الرؤية الجديدة بحقيقة أخرى وهي ان الروايات التي تسببت في تكوين الرؤية المشهورة هي روايات أصولها أموية وفروعها عباسية تبناها الإعلام العباسي ليواجه بها خصمين كبيرين للعباسيين كانا ينغصان عليهم رغبتهم في استمرار ملكهم وحفظ ولاء الأمة لهم ، هذا الخصمان هما :

ـالحسنيون الثائرون الذين يملكون الشعبية في قبال بني العباس لكونهم ذرية المصلح الكبير الحسن صاحب الفتح المبين في إنقاذ الأمة من سفك الدماء بطريقة بارعة تكشف عن جدارة خاصة بحكم الأمة ورعايتها ، ويملكون الشرعية لان العباسيين كانوا قد اعطوا بيعة مسبقة لزعيم الحسنيين محمد بن

٣٣

عبد الله بن الحسن في مؤتمر عام لبني هاشم وقد انتشر خبر هذا المؤتمر والبيعة في المجتمع.

ـمرجعية الإمام الصادق عليه‌السلام التي تقوم على فكرة إمامة عليعليه‌السلام وأهل بيته المعصومين بوصية من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو.

ـ وكانت الكوفة هي القاعدة الشعبية لكلا الخصمين.

وفي ضوء ذلك لم يكن أمام العباسيين الحاكمين / لضمان استمرار ملكهم / الا ان يحذوا حذوَ الأمويين بتحريف تاريخ خصومهم / الحسنيين ، الكوفة ، الشيعة / وتحويل حسناتهم وامتيازاتهم إلى عار يلاحقهم ابد الدهر بروايات كذب يضعونها فيهم ليربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير.

فهل هناك عار في تاريخ الحسنيين كعار أَبيهم الحسنعليه‌السلام / كما عرضه الإعلام الأموي والعباسي / تبايعه الأمة على الحكم ثم يبيعه إلى معاوية بدراهم يُغدِقُها فيما بعد على محظياته يتزوج واحدة ويطلق أخرى؟ وهل تكون ذريةُ مثل هذا الإنسان جديرة بحكم الأمة؟.

وهل هناك عارٌ كعارِ الكوفة / كما عرضه الإعلام العباسي / تدعو الحسينعليه‌السلام لنصرته ثم تخذِلُه ثم تقتُله ثم تحمل رأسه ورؤوس أصحابه هدية إلى يزيد مقرونة بسوق أُسرة الحسين سبايا ، الحال التي يرق لها يزيد فتدمع عيناه ويلعن الكوفة وأَميرَها ابنَ مرجانة؟ ويقول انه لو كان صاحبه أي الحسين ما صنع به ذلك!.

وهل هناك عارٌ كعارِ الشيعة الأوائل من صحابة وتابعين / كما عرضه الإعلام العباسي / استجابوا لعبد الله بن سبا يهودي مزعوم من أهل اليمن اسلم على عهد عثمان ليتلقوا منه عقيدتهم بعلي إماما الهيا شبيها بإمامة هارون ويوشع بن نون؟

ثم عالجوا مرجعية الإمام الصادقعليه‌السلام بأَمرين :

الأول : تبنّي مرجعية مالك بن انس وفرضها على الناس ، وتبنّي طلابه ليكونوا قضاة وأَئمة جمعة.

الثاني : إِشاعة الشك في مرويات الإمام الصادقعليه‌السلام وتضعيف شخصيته وسلب الوثاقة عنه.

٣٤

قال ابن سعد : (جعفر بن محمد كثير الحديث ويستضعف).

وقال يحيى بن سعيد القطان : (مجالد احب إلي منه (أي من الصادق) وقال الذهبي يعلق على كلام القطان وهذه زلقة من ابن القطان.

هذا مع ملاحقة أصحابه وسجن الإمام من بعده ولده الكاظمعليه‌السلام .

وفي ضوء ذلك كله فان ظهور هذا الكم الهائل من الروايات الطاعنة في الإمام الحسن وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا وكما تفرضه طبيعة الأشياء ولا نحتاج معه إلى بحث أسانيد هذه الروايات الطاعنة مع وجود الروايات المادحة وذلك لان هذا المبرر / وهو حقيقة تاريخية ثابتة / وحده كافٍ في إسقاطها جملة وتفصيلا. ومع ذلك فإننا لم نغفل بعض الأسانيد لأجل تقديم شاهد آخر على صحة الأطروحة.

٣٥

أبواب البحث وفصوله

قسمت البحث إلى أربعة أبواب واربعة وعشرين فصلا :

تناولت في الباب الأول :

الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح وقد جعلتها في فصلين.

كرست الفصل الأول لأقوال المستشرقين ان الحسن شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.

وكرست الفصل الثاني لأقوال الإسلاميين من القدامى والمحدثين ان الكوفيين ضعفاء متخاذلون مع وجود خط في الكوفة يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته وانتهى البحث في هذا الباب إلى ان وجهة النظر بقسميها تستند إلى روايات في تاريخ الطبري وانساب الأشراف للبلاذري وطبقات ابن سعد وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها من مصادر التاريخ الإسلامي المعتبرة وبعض هذه الروايات ينسب إلى الحسنعليه‌السلام نفسه.

وتناولت في الباب الثاني :

الرؤية الجديدة التي تنبهتُ إليها من خلال قول الامام الحسنعليه‌السلام نفسه حين قال : (ان علة مصالحته لمعاوية علة مصالحة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقريش) وبالتالي فإنَّ السبب الوحيد للصلحين هو واحد ، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح ثم وحدة الظرف الموجبة له ثم وحدة الموقف إزاءه ثم وحدة النتائج المترتبة. ولم تنطلق الرؤية الجديدة من هذه الرواية حسب بل كانت لها شواهد وروايات كثيرة تؤكدها. وقد تم بحث ذلك من خلال ثمانية فصول.

٣٦

كرست الفصل الأول لبحث خلفيات الصلح وظرفه الموجب للصلح بالصياغة الحسنية.

وكرست الفصل الثاني للسنوات العشر من الصلح من سنة 41 هـ إلى سنة 51 هـ لبيان معالم الفتح المبين للصلح حيث عادت للامة وحدتها واختلط الناس بعضهم ببعض وانطلق العراقيون امنين يحدثون أهل الشام بأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام عن سيرته المشرقة وكيف عرف أهل الشام ان معاوية كان ظالما لعلي وان الحق مع علي في حروبه وان عليا امتداد للنبي في إمامته الهادية وعرضت نماذج من نشاطات أصحاب الحسن وحواراتهم مع معاوية.

وعقدت الفصل الثالث بمبحثين الأول تناول نشاطات الامام الحسنعليه‌السلام في سنوات الصلح والثاني يبحث عن مراحل سير الحسن منذ ولادته والى وفاته لاستكمال الصورة عن شخصية الحسنعليه‌السلام .

وكرست الفصل الرابع لبحث الغدر المبين الذي قام به معاوية وأهل الشام في السنوات العشر التالية بعد وفاة الحسنعليه‌السلام بدءا بدس السم للحسنعليه‌السلام .

وكرست الفصل الخامس لهوامش على موارد من كتاب صلح الامام الحسنعليه‌السلام للعلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين.

وكرست الفصل السادس لبحث مسار الإمامة الدينية التي أسس الحسنعليه‌السلام بصلحه فصلها عن السلطة الزمنية وكيف ان الله تعالى قد حصر الإمامة الدينية بأنبيائه وأوصياءه اما السلطة الزمنية ففي زمن النبي وأوصياءه تكون لهم ، وكيف ان قريش اغتصبت السلطة الزمنية ممن هي حقه بالنص ومارست إلى جانب ذلك الإمامة الدينية مما أدى إلى تعطيل السنة وتحريفها وكيف ان علياعليه‌السلام نهض لإحياء السنة وفتح الطريق لإمامته الدينية التي أمر بها الله ورسوله.

وكرست الفصل السابع لدراسة ظرف صلح الحديبية ومقارنته مع ظرف صلح الحسن واكتشاف وحدتهما كما أشار الامام الحسنعليه‌السلام إلى ذلك ، ثم بيان وحدة الموقف المترتب على وحدة الظرف ووحدة الآثار التي ينتجها الموقف الموحد ثم وحدة التسمية بالفتح المبين.

٣٧

وكرست الفصل الثامن لعرض مقتطفات من سير الكوفة الفكري من سنة تمصيرها إلى سنة 136 هجرية وكيف انها حملت مشروع علي وثبتت عليه رغم محاولات الأمويين والزبيريين والمروانيين لإنهائه واستئصاله.

وتناولت في الباب الثالث :

تفسير وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الذي انتج رؤية الانهيار المبين وكونه من وضع العباسيين لمواجهة الحسنيين الثائرين عليهم ، ومرجعية الامام الصادق الديني الآخذة بالتوسع ، والكوفة القلعة التاريخية لكلا الخطين تمدهما بالقاعدة الشعبية وقد عقدت لذلك ثمانية فصول.

كرست الفصل الأول لبحث : تحريف الأمويين للسنة النبوية والسيرة العلوية واقتفاء العباسيين اثرهم والاستفادة من تجربتهم.

وكرست الفصل الثاني لدراسة انشقاق العباسيين عن الحسنيين والأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام إذ كانوا في بدء الأمر جزء من حركة العلويين ثم انشقوا عنها.

وكرست الفصل الثالث لعرض وثائق الاعلام العباسي السلبية ضد الحسن والكوفة والتشيع من خلال خطب أبي العباس السفاح وأبي جعفر الدوانيقي والشعر والمحاورات.

وكرست الفصل الرابع لترجمة سيف بن عمر وعبد الرحمن بن مالك بن مغول بوصفهما قد وضعا اخبارا في تفسير التشيع لعلي بما ينفِّر الناس عنه ويدعوهم للبراءة منه.

وكرست الفصل الخامس لكتاب أبي مخنف الذي استهدف تحميل أهل الكوفة تبعة قتل الحسين تعبيرا عن خذلانهم وضعف إرادتهم بخلاف ما بيَّنه أهل البيت فيهم.

وكرست الفصل السادس لعرض الاخبار الطاعنة في الكوفيين على لسان علي والحسن ودراستها من الناحية السندية والكشف عن وضعها من إخباريين عباسيين.

وكرست الفصل السابع : الروايات الطاعنة في شخصية الحسنعليه‌السلام وهي اخبار رفضها الشيعة والسنة على السواء.

الفصل الثامن : الروايات الطاعنة في الكوفيين وهي من وضع الأخباريين العباسيين أيضا.

٣٨

ثم انهيت البحث بالباب الرابع :

وهو خلاصة بحوث الكتاب بترتيب آخر مع خاتمة ولا بد من تنبيه القارئ الكريم ان بحوث الخلاصة لم تكن مجرد اختصار بل احتوت على اخبار وأفكار إضافية رأيت ان أضيفها ولم يتيسر لي ان ادرجها في الفصل الذي يناسبها ولا بد لي من انبه أيضا أنني كررت بعض الوثائق المهمة في اكثر من فصل بسبب اقتضاء طبيعة البحث ذلك.

وفيما يلي أبواب البحث وفصوله.

٣٩

الباب الأول

الرؤية المشهورة في تعليل الصلح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول 46 المستشرقون : الحسنعليه‌السلام شخصية ضعيفة منهارة

الفصل الثاني 51 الإسلاميون : الكوفيون متفرقون متخاذلون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611