الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173310 / تحميل: 7423
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

1 ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

2 ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

3 ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(1)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

1 ـ لاحظ عدة الأُصول : 1 / 366.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى 381 هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم 1049 ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(1) .

2 ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم 211 ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(2) ، والمتوفّى سنة 423 هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(3) .

3 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة 249 هـ والمتوفّى سنة 333 هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(4)

__________________

1 ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة 495 ، الرقم 25 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 156 ، تحت الرقم 695 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 184 ، تحت الرقم 709.

2 ـ رجال الشيخ : 450 ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

3 ـ الفهرس : 4 ـ 6 ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم 7 و « الطبعة الثانية » : 27 ـ 29.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 44 ، الرقم 30 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص 28 ،

٤٣

4 ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام 280 هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(1)

5 ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 207 ) والشيخ الطوسي(2) وتوفّي سنة 401 هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

6 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(3) .

7 ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة 350 هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم 223 ) ، له كتاب « الطبقات ».

8 ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 236 ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(4) .

9 ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام 149 هـ ، والمتوفّى عام 224 هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم 76 ، وفي « الطبعة الثانية » ص 52 ، تحت الرقم 86 ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233.

1 ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم 196 ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 24 ، تحت الرقم 63 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 48 ، تحت الرقم 73 ، وفي الرجال في الصفحة 453 ، الرقم 90.

2 ـ رجال الشيخ : 449 ، الرقم 64 ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 33 ، تحت الرقم 89 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 57 ، تحت الرقم 99.

3 ـ ترجمه الشيخ في رجاله : 456 ، الرقم 108 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 37 ، تحت الرقم 107 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 61 ، تحت الرقم 117.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 454 ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة 29 ، تحت الرقم 78 : « توفي سنة 346 هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة 53 ، تحت الرقم 88.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(1) .

10 ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة 254 هـ ، وقيل 260 هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (2) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(3) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(4) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

1 ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : 347 ، الرقم 9 والصفحة 372 ، الرقم 11 والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 46 ، تحت الرقم 151 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 72 ، تحت الرقم 162.

2 ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 124 ، تحت الرقم 552 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 150 ، تحت الرقم 564 ، وفي الرجال في الصفحة 420 ، الرقم 1 ، والصفحة 434 ، الرقم 2.

3 ـ الخلاصة : 251 ، طبع النجف.

4 ـ طبع الكتاب عام 1378.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(1) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (2) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (4) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (5) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(1) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ـ 12 ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الثمانية.

2 ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام 219 هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(1) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

1 ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

1 ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(1) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(2) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(3) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1018.

2 ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة 141 ، الرقم 604 ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة 167 الرقم 615.

3 ـ رجال الشيخ : 497.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(1) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(2) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(3) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

1 ـ راجع رجال النجاشي : الرقم 944.

2 ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

3 ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 34 ، الرقم 90 ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة 58 ، الرقم 100.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(1) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

2 ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(3) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 17.

2 ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

3 ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء 12 ، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٣. أثارت شروط قريش حفيظة أصحاب النبي حيث خفيت عليه حكمة الصلح مما تسبب في شكهم بالنبوة وقام بعضهم بتشويشات. قال عمر : ارتبت ارتياباً لم ارتبه منذ أسلمت إلّا يومئذ ، وراجعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ مراجعة ما راجعته(١) مثلها قط ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة(٢) ، (وفي رواية مائة على مثل رأيي) تخرج عنهم رغبةً عن القضية لخرجت.(٣)

٤. ثم أمر رسول الله المسلمين أصحبه أن يحلِقوا وينحَروا هَدْيَهم في الحِلّ ، فحلق رجال وقصَّرَ آخرون(٤) منهم عثمان بن عفان(٥) . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يرحم الله المحلِّقين. قالوا : والمقصِّرين يا رسول الله؟ قال : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قال : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قالعليه‌السلام : والمقصرين ، قالوا : يا رسول الله فلم ظاهرت الترحم للمحلقين(٦) دون المقصرين؟ قالعليه‌السلام : لأنَّهم لم يشكُّوا(٧) . قال مالك بن ربيعة : وأنا محلوق يومئذ فما سرَّني حمر النَّعم أو خطر عظيم.(٨)

٥. انصرف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة وفي الطريق نزلت سورة الفتح. روى البخاري أنَّ عمر بن الخطاب كان يسير مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يُجِبْهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر : ثكلتك أُمّك يا عمر نَزَرْتَ(٩) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبُك ،

قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمتُ أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن ،

__________________

(١) يريد انه كان يرد عليه الكلام ولا يقبل منه.

(٢) ومنهى ذلك كان لديه استعداد لو وجد مائة على رأيه لخرج على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

(٣) الواقدي ،المغازي ، ج ٢ ص ٦٠٧. أي لوجدت اناسا يؤيدوني لتركنا الصلح وتمردنا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٤) ابن كثير ،البداية والنهاية ج ٤ ص ١٦٩.

(٥) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠٤. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٣ ص ٨٩ حديث ١١٨٦٥.

(٦) أي لم قويت جانب المحلقين بالترحم عليهم دون المقصرين.

(٧) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج ٢ ص ٦٣٧. وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ٤ ص ١٦٩. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ، ج ١ ص ٣٥٣ حديث ٣٣١١.

(٨) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٢ ص ١٢٤.

(٩) أي الحَّ عليه ليكلمه فلم يكلمه واعرض عنه.

٢٨١

فما نَشِبْتُ(١) أن سمعت صارخاً يصرُخ بي قال : لقد خشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن ، فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسلمت عليه ، فقال : لقد أُنزِلت عليَّ الليلة سورة لَهِيَ أحبُّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ( إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) .(٢)

قال مُجَمَّع بن جارية : شهدت الحديبية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما انصرفنا عنها إذ الناس يوجِفون(٣) الأباعر(٤) فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس؟ قالوا : أوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فخرجنا نوجِف مع الناس حتى وجدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفا عند كُراع الغَميم(٥) ، فلما اجتمع إليه بعض من يريد من الناس قرأ عليهم( إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) ، قال رجل من أصحاب محمد : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : أي والذي نفسي بيده إنّه لفتح.(٦)

قال ابن عُقْبَة : وأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحديبية راجعاً فقال رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما هذا بفتح ، لقد صُدِدُنا(٧) عن البيت وصُدَّ هّدْيُنا وردَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رجلين من المسلمين كانا خرجا إليه ، فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قول أولئك فقال : بئس الكلام بل هو أعظم الفتح(٨)

٦. قال سَلَمة بن الأكْوَع : بينما نحن قافِلون(٩) من الحديبية نادى منادي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها الناس البيعة ، البيعة ، قال : فسرنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو تحت شجرة سَمُرة(١٠) فبايعناه ، وذلك قول الله تعالى( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )

__________________

(١) أي ما لبثتُ.

(٢) ابن كثير ،البداية والنهاية ، ج ٤ ص ١٧٦. المقريزي ،امتاع الأسماع ، دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٩ م ، ص ٣٠٢.

(٣) أي يحثون الاباعر لتسرع في السير.

(٤) أوجف دابّته : إذذا حثها على السير (لسان العرب ).

(٥) اسم موضع بين مكة والمدينة.

(٦) البخاري ،صحيح البخاري بحاشية السندي ج ٢ ص ٢٠٦. وابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٢ ص ١٠٥.

(٧) صُدَّ عن البيت : أي منع من دخوله.

(٨) ابن سيد الناس ،عيون الاثر ، مؤسسة عز الدين بيروت ١٤٠٦ ـ ١٩٨٦ م ، ج ٢ ص ١٢٣.

(٩) أي راجعون.

(١٠) نوع من الشجر يستفاد من خشبة في تسقيف البيوت.

٢٨٢

الفتح / ١٨.(١)

أقول : من الواضح ان هذه البيعة هي بيعة لتصحيح إيمان الذين خدشوا إيمانهم بشكهم في النبوة الانف الذكر.

قال علي بن إبراهيم : واشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً يفعله ولا يخالفوه في شيء أمرهم به.(٢) (٣)

٧. تحقَّق للنبي ما أراد من الصلح حيث أدركت القبائل أن قريشاً هي التي تصُدُّ عن البيت زواره وليس محمداً ، وفي ظل الأجواء الآمنة الجديدة تفهمت القبائل حقيقة الأمر في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحقيقة رسالته وانفتحت على الإسلام أعداد كبيرة من الناس واستطاع النبي ان يحشد عشرة آلاف ممقاتل لما غزا مكة بعد ان نقضت قريش الصلح بعد سنتين ونصف.

٨. كان صلح الحديبية هو (الفتح المبين) كما سماه القرآن وهو (اعظم الفتوح) كما سماه النبي لأنه الأساس في فضح قريش وكسر الاعلام الكاذب ضد النبي ومن ثم اختلاط الناس بعضهم ببعض ليعرفوا حقيقة الرسالة ، وكل المكاسب التي جاءت بعدع هذا الصلح وكان أبرزها فتح مكة فهي من ثمراته اليانعة.

٩. لم يؤثر على اعظم الفتوح ما حصل بعد ذلك من انقلاب على الأعقاب(٤) قامت به قريش المسلمة بعد وفاة النبي وغيرت كثيرا من معالم الرسالة باسم الإسلام كان

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٢١.

(٢) القمي ، تفسير القمي ، دار الكتاب رقم ١٤٠٤ هـ ، ج ٢ ص ٣١٥.

(٣)أقول : إنَّ الاتجاه العام لروايات صلح الحديبية يفيد ان البيعة كانت قبل رجوعهم من الحديبية وانها كانت للقتال لما اشيع ان قريشاَ قتلت عثمان رسول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليهم وكان النبي قد بعثه ليخبرهم انه لم يجيء للحرب بل جاء لأداء الحج ، وبخلاف روايات أصحاب السير جاءت رواية علي ابن إبراهيم في تفسيره التي تفيد ان البيعة كانت بعد إبرام الصلح ورجوع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحديبية والهدف هو تصحيح إيمان من كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن لا يناقشوه في شيء يُبيِّنه من أمر الدين ولكنهم لم يفوا بتلك البيعة حيث ناقشوه في أمر حجّة التّمتع كما سيأتي وقد ذكر الطبري في تاريخه ان السورة إنما نزل بعد الرجوع من الحديبية وفي هذا تأييد لرواية علي بن إبراهيم.

(٤) وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الانقلاب في قوله تعالى( وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشّاكرين ) آل عمران / ١٤٤.

٢٨٣

أبرزها حج التمتع حيث نهت عنه قريش المسلمة بزعامة الخليفة الثاني(١) ، وحرَّمت على أهل البلاد المفتوحة شرقا وغربا فضلا عن الصحابة ان يحجوا حج التمتع كما نهت عن تداول أحاديث النبي في أهل بيته ، فقد نهض علي الذي اعده الله ورسوله لمهمة الهداية بعد النبي سنة ٢٧ هجرية مستندا إلى الثروة الفكرية المخزونة في صدور الصحابة لإحياء حج التمتع وأحاديث النبي في أهل بيته الممنوعة من قبل قريش المسلمة ، وحقق نجاحا كاملا في النصف الشرقي من البلاد المفتوحة.

مجريات صلح الحسنعليه‌السلام مع معاوية :

١. استشهد عليعليه‌السلام بعد ان بايعه أربعون ألف على الموت لقتال معاوية ووضع حد لغاراته ، وبايعوا بعده ولده الحسنعليه‌السلام ثم بادر معاوية إلى الصلح على ان يبقى كل على البلاد التي بايعته ، وبادره الحسن بالتنازل المشروط لتوحيد الأمة وتأسيس حكم مدني يترك للناس اختيارهم في شؤونهم العبادية الفردية واستجاب معاوية وطار فرحا بذلك.

٢. ذكرت كتب التاريخ ان البعض قد اعترض على الحسن بعد إبرام الصلح وسلم عليه بقوله يا مذل المؤمنين ، ونسب بعض المؤرخين ذلك إلى حجر بن عدي ، وهذا لا يصح في حق حجر وهو من خيار أصحاب علي علما وخلقا ، نعم بالتأكيد صدر من أشخاص لم يؤمنوا أاسا بمشروع علي الإحيائي للسنة.

٣. تحقق للحسن كل ما أراد من توحيد شِقَّيْ الأمة والأمان ، ونشر المؤمنون بمشروع علي من العراقيين صحابة وتابعين كل أحاديث النبي في حقه وكذلك سيرة علي المشرقة التي تبرزه إماما هاديا بعد النبي ، وأقيمت الحجة على أهل الشام بذلك لهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.

٤. كان صلح الحسنعليه‌السلام مع معاوية فتحا مبينا لمشروع عليعليه‌السلام في الشام ، لأنه الأساس في توحيد أهل القبلة على محبة أهل البيت ومعرفة حديث الغدير وحديث

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك في كتابنا شبهات وردود فصل متعة الحج ص ٢١٣.

٢٨٤

الكساء وحديث المنزلة وغيرها من الأحاديث التي تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت إلى آخر الدنيا وكسر الاعلام الكاذب ضد علي.

٥. وكما اعقب غدر قريش بعهدها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكة وإعلاء كلمة التوحيد والشهادة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ابد الدهر كذلك حين غدر معاوية بعهده مع الحسن بدس السم له بعد عشر سنوات من الصلح وملاحقة شيعة عليعليه‌السلام واضطهادهم وإعادة الطوق الاعلامي ضد علي في الأمة كلها وليس في الشام فقط اعقب نهضة الحسين لكسر هذا الطوق لينطلق مشروع علي وإمامته الهادية وانتهاء لعن علي في الأمة إلى الأبد.

تحريف الاعلام الأموي أخبار صلح الحديبية عداوةً لعليعليه‌السلام :

روى عبد الرزاق عن معمر قال سألت الزهري عن كاتب كتاب الحديبية فضحك وقال هو علي بن أبيط الب ولو سألت عنه هؤلاء.(١)

وهذه الرواية تشير بشكل واضح إلى سياسة الأمويين في تحريف الاخبار.

وقد روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ)(٢) في كتابه (الأحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة(٣) . (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاًعليه‌السلام ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام .

وكتب إليهم : (أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرِّبوهم وأكرموهم اكتبوا لي بكلَّ ما يروي

__________________

(١) عبد الرزاق الصنعاني ،المصنف ، ج ٥ / ٣٤٣ ، قال حبيب الاعظمي محقق الكتاب : وقد أخرجه أيضا إسحاق بن راهويه في مسنده.

(٢) قال الخطيب البغدادي فيتاريخ بغداد ج ١٢ ص ٥٤ ـ ٥٥ في ترجمة المدائني (كان عالماً بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم عالماً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر ، صدوقاً في ذلك ، وقال يحيى بن معين ثقة ثقة ثقة. وقال ابن النديم في الفهرست ص ١١٣ ولد سنة ١٣٥ هـ وتوفي سنة ٢٢٥ هـ وله ثلاث وتسعون ثم ذكر أسماء كتبه في أربع صفحات.

(٣)أقول : كان ذلك بعد وفاة الحسنعليه‌السلام حسب تحقيقنا.

٢٨٥

كلَّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته). ففعلوا ذلك حتَّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكِساء والحِباء والقَطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيءُ أحد مردود من الناس عاملاً من عمَّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلَّا كتب اسمه وقرَّبه وشفَّعه فلبثوا بذلك حيناً.

ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلَّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله).

فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار كثير في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.

وجَدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتَّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وأُلقِيَ إلى معلِّمي الكتاتيب فعلَّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتَّى رووه وتعلَّموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله).(١)

أقول :

ومن هذه الاخبار الموضوعة : ما اشتهر في كتب الحديث والتاريخ من ان قريشا فوضت أمر صلحها إلى سهيل بن عمر وانه جاء إلى النبي يفاوضه مباشرة ، بينما تنص رواية الطبري على ان النبي فوض أمر صلحه إلى علي.(٢)

ومنها أيضا : قصة بيعة الرضوان حيث جعلها الاعلام الأموي من اجل عثمان حيث بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قريش ليفهمهم انه جاء معظما للبيت وانه يريد الصلح معهم ، ثم اشيع ان قريش قتلت عثمان ، وليس من شك ان ذلك ليس متوقعا من قريش لمكانه

__________________

(١) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج ١١ ص ٤٥٤.

(٢) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج ٢ ص ٥٣٩.

٢٨٦

من بني أمية ، ومكانة بني أمية من قريش في حروبها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد اشتهر ان البيعة تمت قبل الصلح ، بينما تفيد أخبار أخرى صحيحة ان : بيعة الرضوان قد حصلت بعد ان تم الصلح وقفلوا من الحديبية راجعين إلى المدينة والغرض منها هو تصحيح الإيمان وليس شيئا آخر وقد مرت المصادر في ذلك.

٢٨٧

الباب الثاني / الفصل الثامن

مقتطفات من تاريخ الكوفة من سنة ١٤ هـ ـ ١٤٨ هـ

الكوفة قبل الفتح الإسلامي للعراق وقبل تمصيرها

الكوفة جغرافيا تتألف من ارض حمراء سهلة مستوية (٢٣ ـ ٢٤ م عن سطح البحر) قريبة من مستوى نهر فرات الكوفة تبدأ أرضها بالارتفاع التدريجي باتجاه الغرب والجنوب الغربي والشمال الغربي حتى يصل ارتفاعها إلى ٨٠ م ـ ١٠٠ م عن سطح البحر ويعرف المرتفع منها ب (ظهر الكوفة) ويمتد هذا الظهر من منطقة الذكوات البيض موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام في الجنوب الشرقي من الهضبة إلى كربلاء موضع قبر ولده الحسين الشهيدعليه‌السلام في الشمال الشرقي من الهضبة.

وقد روي عن الامام عليعليه‌السلام انه قال حين ذكر مقتل الحسين (بأبي هو وأمي المقتول بظهر الكوفة).

وفي معجم البلدان : الف أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي وسمي الطف لأنه مشرف على العراق من أطف على الشيء بمعنى أطلَّ ، والطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.(١)

والطرف المرتفع من (ظهر الكوفة) هذا من كربلاء إلى النجف طوله مائة وعشرة من

__________________

(١) البلاذري ،فتوح البلدان ، ج ٤ ص ٣٦.

٢٨٨

الكيلومترات يتألف من قوسين ، القوس الأسفل ويعرب ب (طار النجف) أو (طارات النجف) ، والقوس الأعلى ويعرف ب (طار كربلاء) أو طارات كربلاء ، يلتقي منتهى طار النجف بمنتهى طار كربلاء للقادم من بحيرة الرزازة في منطقة تسمى ب (منطقة التقاء الطارين وترتفع ١٥٠ م ـ ٢٠٠ م عن سطح البحر ، وتشكل هذه الطارات على امتدادهما من الشمال إلى الجنوب الضفة الشرقية أو الجرف الشرقي لنهر فرات الكوفة قبل مليون سنة ، ثم تبدل مجرى النهر إلى جهة الشرق ، وهذا الطار بجزئيه يراه القادم من جهة الغرب كأنه الحد الفاصل بين ارض السواد والصحراء ، وقد سماه بطليموس في خارطته ب (جبال بابل) ، وسماه أمير المؤمنينعليه‌السلام ب (طورسينين) قال (إذا أنا مت فادفنوني في هذا الظهر وهو أول طور سينين) ، و (سينين) أو (سيناء) اسم لمدينة بابل قبل ان تعرف سيناء المصرية(١) .

وهكذا تتعدد الأسماء : (ظهر الكوفة) ، (طور سينين أو طور سيناء) (طف الفرات) (جرف الفرات.

وأيضا (نجف الحيرة) أي المرتفع قرب الحيرة ، (نجف الكوفة)

والنجف : الأرض المرتفعة التي لا يعلوها السيل.

وأيضا (بانقيا) وتعني حرفيا الأرض الحمراء.

وكان إلى جانب هذا الجرف من جهة الغرب بحر يسمى ببحر (النجف) وهي تسميته منذ ألف سنة أو اكثر وكان يسمى أيضا قبل ذلك ب (بحر بانقيا) وبانقيا هي (فينقيا) بإبدال الباء إلى فاء والألف إلى ياء وهو كثير في اللغات السامية أو اللهجات المحلية ، وفينقيا حرفت إلى (فينكس) () في معجم (كتابات هوميروس) (اللغة ألإغريقه الأقدم) : اللون الأحمر ، وأيضا النخل ، التمر. وقد سماه من قبل (بيروسس الكلداني) ب (البحر الأحمر) وهو ترجمة لبحر بانقيا. اما البحر الأحمر اليوم فقد كان اسمه الأقدم كما في خارطة بطليموس (البحر العربي) وكان الخليج في خارطته اسمه الخليج الفارسي.

__________________

(١) للتفصيل انظر بحثنا النجف موسى سفينة نوح المنشور فيمجلة تراث النجف العدد الأول سنة ٢٠٠٩ م ـ ١٣٣٠ هـ.

٢٨٩

ويبدأ تاريخ الكوفة الحضاري والديني من زمن ادم وأوصياءهعليه‌السلام ، ففيها مسجد الكوفة وهو مسجد ادم ومسجد السهلة وهو بيت إدريس ، وعلى الذكوة الجنوبية الشرقية من الذكوات البيض التي عليها مسجد الطريحي اليوم رست عليها سفينة نوح وبقيت السفينة بعد الطوفان قلعة الحياة تحيطها المياه ، ولما انسحبت المياه باتجاه الشرق بنى نوح مسجد الكوفة وسكن وأولاده عنده ثم تفرقت ذرية نوح فيما بعد إلى الشمال والجنو وبنوا مدن بابل وسومر وغيرهما من مدن الوسط والجنوب.

ان اسم النجف والحيرة قديم فقد وجد في وثيقة ملحمة جلجامش باللغة ألأكديه منذ اكثر من أربعة آلاف سنة. كما ان اسم كربلا قديم أيضا حيث وجد في ملحمة زيوسدرا السومرية بأقدم من ذلك.

قال الحميري في الروض المعطار : الكوفة : هي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة ، وهي على معظم الفرات ومنه شرب أهلها ، سميت بجبل صغير في وسطها كان يقال له كوفان وعليه اختطت ولها ضياع ومزارع ونخل كثير ، وأهلها مياسير ، ومياهها عذبة ، وماؤها صحيح ، وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون. وقال محمد بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : كانت الكوفة منزل نوحعليه‌السلام .(١)

ومن اهم محالّ الكوفة قديما الحيرة عاصمة ملوك لخم كان يقصدها شعراء العرب قبل البعثة. وتقع على بحر النجف الذي تكون من بقايا الفرات الأول ومن السيول التي تغزو المنطقة من الهضبة الغربية سنويا ولولا جرف النجف هذا لما امكن السكن في سهل الكوفة ، وكان هذا السهل أيام الفتح رملة حمراء خالية من السكان ، بعد الفتح الإسلامي وقع الاختيار عليها ومصرت زمن الخليفة عمر بن الخطاب وحددت معالم المسجد من قبل سلمان المحمدي أو حذيفة بن اليمان أخذ ذلك عن عليعليه‌السلام وقد ورد في الكوفة رواية يرويها أمير المؤمنين علي عن النبي قال (كوفان يُرَدُ اولُها على آخرها) كما ورد فيها انها عاصمة المهدي عند ظهوره.

__________________

(١) الحميري ، محمد بن عبد المنعم ،الروض المعطار في خبر الاقطار ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، مكتبة لبنان ١٩٨٤ م ، ج ١ ص ٥٠١.

٢٩٠

الكوفة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب ١٤ ـ ٢٣ هجـ (عشر سنوات)

مكرسة لسياسة الخليفتين

قال البلاذري ان عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص (لما فتح بالعراق) يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة ، وأن يجعل بينه وبينهم بحرا. فاختط الكوفة أقطع الناس المنازل ، وأنزل القبائل منازلهم ، وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة.(١)

قال البلاذري قال عمر : بالكوفة وجوه الناس. وقال : هم رمح الله وكنز الإيمان وجمجمة العرب ، يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار(٢) . وقالوا : لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة ، تكاتبت الفرس وأهل الري وقومس وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزدجرد وذلك في سنة عشرين ، فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب ، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مئة ألف. وقد كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخبرهم ، فهمَّ أن يغزوهم بنفسه ، ثم خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها ، وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم ، وأهل اليمن من يمنهم ، فخاف إن فعل ذلك أن تعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما يليها. فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم.(٣)

ومن ذلك تتضح أهمية الكوفة في الجبهة الشرقية للبلاد الإسلامية ، فهي مركز البعوث المهمة إلى بلدان المشرق في قبال الشام مركز البعوث المهمة إلى المغرب.

وقد حرص الخليفة عمر على ان تنضبط الكوفة ببنود سياسة الدولة القرشية حين انزل بمن يخالف سياسته منهم اعظم العقاب من اجل ان يكون نكالا لغيره ، ولا نعلم عقوبة في التاريخ الإسلامي أقسى من عقوبة عمر لصَبيغ التميمي على ذنب كذنبه ، فقد عاقبة الخليفة بنفسه لمدة يومين يضربه بعراجين النخل على ظهره وراسه حتى تفجرت الدماء منه ، ولم يكن لصبيغ ذنب سوى مخالفته لأمر عمر بعدم السؤال عن تفسير القرآن! ، وفي اليوم الثالث جاءه الخليفة ليواصل ضربه له توسل به صبيغ قائلا يا أمير

__________________

(١) البلاذري ،فتوح البلدان ، ج ٢ ص ٣٣٨.

(٢) البلاذري ،فتوح البلدان ، ج ٢ ص ٣٥٤.

(٣) البلاذري ،فتوح البلدان ، ج ٢ ص ٣٧١.

٢٩١

المؤمنين ان كنت تريد قتلى فاقتلني غير هذه القتلة وان كنت تريد شفائي مما بي فقد شفيت ، فعفا عنه (وحمله على قَتَب ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : امنع الناس من مجالسته)(١) . وكتب إلى والي الكوفة منطقته مسؤوله العسكري ان يقطع عطاءه وان لا يعاشره احد ، فكان الناس إذا دخل المسجد يتحامون اللقاء به لان الخليفة قد أمر بعدم السلام عليه فهذه العقوبة لذلك الذنب مما لم يعرف نظيره في تاريخ الإسلام!

وليس من شك ان هذه العقوبة لأجل أهمية العسكر الكوفي فكل من يسمع بهذه القصة سوف يرتدع عن مخالفة أي مرسوم تصدره الدولة فيما بعد.

وهذا السياسة القاسية ليست فقط في الأمصار المستحدثة بل حتى في المدينة وهي مركز صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تذكر لنا كتب الحديث ان أبا موسى الاشعري طرق باب عمر في إحدى زياراته له ولم يجبه وانصرف أبو موسى فبعث عمر حاجبه يرفأ خلفه وارجعه ، وساله عمر هلا انتظرت ـ قال اني سمعت رسول الله «إذا استأذن أحدكم على أخيه ثلاثا فلم يجبه فلينصرف» ، قال له عمر لتأتينِّي ببيِّنة عليه أو لأُدمِيَنَّ ظهرك.(٢)

وكتب عمر إلى ولاته في الأمصار ان يلاحقوا الصحف المنتشرة لإتلافها كما في الرواية الآتية :

روى الخطيب عن سفيان بن عينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة «ان عمر بن الخطاب أراد ان يكتب السنة ثم بدا له ان لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار : من كان عنده منها شيء فليمحه».(٣)

روى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت بيت النبي ، فاستأذنها على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا إليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن انظر فيها فان فيها أحاديث حِسانا ، قال

__________________

(١) ابن كثير ،تفسير القران العظيم ، دار المعرفة بيروت ١٩٩٢ م ، ج ٧ ص ٤١٣. السيوطي ،الدر المنثور ج ٧ ص ٦١٤ ، الآلوسي ،روح المعاني ، دار الكتب العلمية بيروت ١٤١٥ هـ ، ج ١٩ ص ٣٥٧.

(٢) مسلم بن الحجاج ،صحيح مسلم ٣ / ١٦٩.

(٣) الخطيب البغدادي ،تقييد العلم ص ٥٣ ، ابن عبد البر ،جامع بيان العلم ج ١ ص ٦٥.

٢٩٢

فجعل يميثها(١) فيها ويقول : نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا إليك هذا القرآن القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه» وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : «جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن الا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فاخذ الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة ماء ، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول :( الم تلك آيات الكتاب المبين نحن نقص عليك احسن القصص ) اقصصنا احسن من قصص الله تريدون أو حديثا احسن من حديث الله تريدون».(٢)

روى الدارمي قال أخبرنا يزيد بن هارون أنا أضعث بن سوار عن الشعبي عن قُرَظة بن كعب قال : بعث عمر بن الخطاب رهطا من الأنصار إلى الكوفة فبعثني معهم فجعل يمشي معنا حتى أتى (صرار) وصرار ماء في طريق المدينة فجعل ينفض الغبار عن رجليه ثم قال : إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوما لهم أزيز بالقرآن فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب محمد قدم أصحاب محمد فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث فأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم فيه. قال قرظة وان كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله وأني لمن أحفظهم له فإذا ذكرت وصيَّة عمر سكتُّ.

قال أبو محمد (الدارمي) : معناه عندي الحديث عن أيام رسول الله.(٣)

__________________

(١) مات يميث مَيْثاً اذاب الملح في الماء.

(٢) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم ص ٥٤.أقول : مما لا شك فيه ان قسما من هذه الصحف المتداولة قد كتبها الصحابة على عهد النبي وبإملاء منه كما يظهر من رواية السمعاني التي رواها بسنده إبراهيم بن بشر بن أبي جوالق ثنا إسماعيل بن صبيح عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر قالت أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأديم وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام عنده فلم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يملي وعليٌّ يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه ، قال السمعاني : وأمثال هذه الكتب كثيرة لو ذكرناها لطال الكتاب والمقصود أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يملي الكتب على كتابهرضي‌الله‌عنهم أجمعين (السمعاني ،أدب الإملاء والاستملاء ، دار ومكتبة الهلال ١٤٠٩ هـ ، ١). الرامهرمزيالحد الفاصل ، ط ٣ ١٤٠٤ هـ بيروت.

(٣) الدارمي ،سنن الدارمي ج ١ ص ٩٧.

٢٩٣

وروى الطحاوي عن سفيان ، عن بيان ، عن عامر الشعبي ، فلما قدم قرظة قالوا : حدَّثنا ، قال : نهانا عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه .(١)

وروى ابن الاثير عن محمد بن إسحاق قال أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذافة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر فقال : ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في الآفاق قالوا : أتنهانا قال : لا أقيموا عندي لا والله لا تفارقوني ما عشت فنحن أعلم نأخذ ونرد عليكم فما فارقوه حتى مات.(٢)

وبفعل هذه السياسة كان الطابع العام لأهل الكوفة بل لغيرهم أيضا هو الجل بأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اما على مستوى الولاء فولاؤهم للخليفتين من قريش الحاكمة ، ولم يكن فيها موالون لعلي وأهل بيته الا افرادا معدودين مرتبطين بعمار وسلمان وحذيفة. نعم كان بعض بطون قبيلة همدان في الكوفة لهم ارتباط سابق بعليعليه‌السلام حيث اسلموا على يده في اليمن سنة ١٠ من الهجرة او قبلها ، ولكن الذي كانت له علاقة من اغلب هؤلاء هم آباؤهم والقليل منهم ممن التقاه في اليمن مضافا إلى بُعد العهد وسياسة الدولة القرشية في إهمال عليعليه‌السلام . ثم صار الولاء لعليعليه‌السلام ظاهرا أيام عثمان حينما حمل لواء التشيع لعلي حجر بن عدي ومالك الاشتر ونظراؤهم بعد نهضة علي في إحياء حج التمتع كما سيأتي.

الكوفة على عهد عثمان ٢٣ ـ ٢٨ هـ قبل انشقاق قريش عليه مكرسة لسيرة

الشيخين (ست سنوات)

قال عمرو بن ميمون :

«ان عمر لما طُعِنَ قيل له يا أمير المؤمنين لو استخلفت! قال : من استخلف؟

__________________

(١) الطحاوي ،شرح مشكل الآثار ، مؤسسة الرسالة ١٤١٥ هـ ، ١٩٩٤ م ، ج ١٣ ص ٢٥٧. والبيهقي ،معرفة السنن والاثار ، تحقيق سيد كسروي حسن ، الناشر : دار الكتب العلمية ، ج ١ ص ٣١.

(٢) المتقي الهندي ،كنز العمال ج ١٠ ص ٢٩٢. وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤٠ ص ٥٠٠.

٢٩٤

لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا استخلفته ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته ثم قال عليكم بهؤلاء الرهط الذين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (انهم من أهل الجنة) علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير فليختاروا رجلا. ثم دعا بهم وقال لهم إني نظرت فوجدتكم رؤساء وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلّا فيكم.(١)

وقال لأبي طلحة الأنصاري اختر خمسين رجلا من الأنصار ، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم ، فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه ، وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما ، فان رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر ، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم ، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس.(٢)

واستشارعبد الرحمن الناس(٣) فقال له عمار بن ياسر ان أردت ان لا يختلف المسلمون فبايع عليا ، فقال المقداد بن الأسود صدق عمار ان بايعت عليا قلنا سمعنا واطعنا.

وقال ابن أبي سرح ان أردت إلا تختلف قريش فبايع عثمان ، فقال عبد الله بن أبي ربيعة صدق ان بايعت عثمان قلنا سمعنا واطعنا.

وقال عمار : أيها الناس ان الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم.

__________________

(١) انظر تفصيل الرواية في كتابنا شبهات وردود. الحلقة الثانية الفصل الخامس الشورى السداسية.

(٢) في طبقات بن سعد بسنده عن سماك ان عمر قال للأنصار ادخلوهم بيتا ثلاثة أيام فان استقاموا والّا فأدخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم ج ٣ ص ٣٤٢ ، وفي انساب الأشراف للبلاذري ج ٤ ص ٥٠٣ قال عمر ليتبع الأقل الأكثر فمن خالفكم فاضربوا عنقه ومثله في المتقي الهندي ،كنز العمال ج ١٢ ص ٦٨١.

(٣) وفيصحيح البخاري ج ٩ ص ٩٧ قال عبد الرحمن لأهل الشورى لست بالذي انافسكم على هذا الأمر ولكنكم ان شئتم اخترت منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه وفي ج ٥ ص ٢٢ قال عبد الرحمن لأهل الشورى اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير جعلت أمري إلى علي فقال طلحة جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف ثم قال عبد الرحمن لعلي وعثمان اجعلوه إليّ والله عليّ ان لا آلوا عن أفضلكم.

٢٩٥

فقال رجل من بني مخزوم لقد عدوت طورك يا ابن سمية وما أنت وتأمير قريش لأنفسها.(١)

فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبد الرحمن افرغ قبل ان يفتن الناس.

ودعا عبد الرحمن علي فقال له عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.

قال أرجو ان افعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي.(٢)

ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي ، فقال نعم فبايعه.(٣)

فقال علي : حبوته حبو دهر ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، والله ما وليت عثمان إلّا ليرد الأمر إليك.(٤)

__________________

(١) انظر أيضا البلاذري ،انساب الاشراف ج ٢ ص ١٤٤ خبر ١٤٢.

(٢) وفي تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ١٦٢ ان علياعليه‌السلام قال لعبد الرحمن لما عرض عليه البيعة على كتاب الله وسنة النبي وسيرة أبي بكر وعمر قال : «ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى اجّيري أحد». والأجيري بالكسر والتشديد : العادة والطريقة.

(٣) وفي صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٣ : قال المسور طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبيرنوم انطلق فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل ثم قام علي من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا ثم قال ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وارسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال اما بعد يا علي اني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا فقال أبا يعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وامراء الأجناد والمسلمون.أقول : وامراء الاجناد الذين وافوا مع عمر تلك السنة هم : قوله : وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئاً أي : من المخالفة الموجبة للفتنة. قوله : وكانوا وافوا تلك الحجة أي : قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه إلى المدينة ، وأمراء الأجناد كما في عمدة الثاري (ج ٢٤ ص ٢٧٣) ، هم : معاوية أمير الشام ، وعمير بن سعد (الانصاري الاوسي) أمير حمص ، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة ، وأبو موسى الأشعري أمير البصرة ، وعمرو بن العاص أمير مصر.أقول : (قال ابن أبي الحديد فيشرح نهج البلاغة ج ١٣ ص ١٨٤ طعن عمر يوم الأربعاء لاربع بقين من ذي الحجة ودفن يوم الاحد لصبح هلال المحرم).

(٤) وفيتاريخ اليعقوبي ج ١ ص ١٦٢ قال عليعليه‌السلام لعبد الرحمن بن عوف انت مجتهد ان تزوي هذا الأمر عني.

٢٩٦

فقال عبد الرحمن يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا فأني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان.

فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أتوي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ، إني لأعجب من قريش انهم تركوا رجلا لا أقول ان أحداً اعلم ولا أقضى منه بالعدل أما والله لو أجد عليه أعوانا.(١)

فقال عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة»

قال عوانة قال إسماعيل قال الشعبي فحدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي قال كنت جابسا بالمدينة حيث بويع عثمان فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته يقول اما والله لو ان لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد

فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك لا يسمعن هذا الكلام الناس فإني أخاف ان تكون صاحب فتنة وفرقة.

قال المقداد ان من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق فذلك صاحب الفتنة والفرقة.

قال فتربد وجه عبد الرحمن ثم قال لو اعلم انك إياي تعنى لكان لي ولك شأن.

قال المقداد إياي تهدد يا بن أم عبد الرحمن ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف.

قال جُندُب بن عبد الله فاتبعته وقلت له يا عبد الله أنا من أعوانك ، فقال رحمك الله ان هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة ، قال فدخلت من فوري ذلك على عليعليه‌السلام فلما جلست إليه قلت يا أبا الحسن والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك فقال صبر جميل والله المستعان. فقلت والله انك لصبور قال فان لم اصبر فماذا اصنع ،

__________________

(١) جاءفي تاريخ اليعقوبي ج ٢ : ١٦٣ قول المقداد : واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم. وفي مروج الذهب ج ٢ : ٣٤٣ قال المقداد : يا عبد الرحمن اعجب من قريش انما تطوُّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده من ايديهم ، اما وايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي أياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر.

٢٩٧

قلت إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا وعبد الرحمن بن عوف فقالا كذا وكذا ثم قام المقداد فاتبعته فقلت له كذا فقال لي كذا فقال عليعليه‌السلام لقد صدق المقداد ، فماذا اصنع؟

فقلت تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك وبخبرهم انك أولى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك فإذا أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين ، فان دانوا لك فذاك وإلا قاتلتهم وكنت أولى بالعذر قتلت أو بقيت ، وكنت أعلى عند الله حجة ،

فقالعليه‌السلام : أترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من المائة واحد ، وسأخبرك ان الناس ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمد وقبيله ، واما قريش بينها تقول ان آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا ويرون انهم أولياء هذا الأمر دون قريش ودون غيرهم من الناس وهم ان وَلَوْه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها ، لا والله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا.

فقلت جعلت فداك يا بن عم رسول الله لقد صدعت قلبي بهذا القول أفلا ارجع إلى المصر فأوذن النسا بمقالتك وأدعو الناس إليك فقال يا جندب ليس هذا زمان ذاك.

قال فانصرفت إلى العراق فكنت اذكر فضل علي على الناس فلا اعدم رجلا يقول لي ما اكره واحسن ما اسمعه قول من يقول دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك فأقول ان هذا مما ينفعني وينفعك فيقوم عني ويدعني.(١)

وفي الإرشاد قال : فكنتُ كلّما ذكرتُ للناس شيئاً من فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومناقبه وحقوقه زَبرُوني ونَهَرُوني ، حتى رُفِعَ ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة لياليَ وَلِيَنَا ، فبعث إليّ فحبسني حتى كُلّمَ فيَّ فخلَّى سبيلي.(٢)

__________________

(١) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج ٩ ص ٥٦ نقلا عن سقيفة الجوهري.

(٢) المفيد ،الإرشاد ، ج ١ ص ٢٤١. والطوسي ، الأمالي ، ج ٢٣٤ ؛ وابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج ٩ ص ٥٧ نحوه.

٢٩٨

ومن هذه الرواية نفهم عدة أمرو منها :

١. ان الولاء العام للكوفيين هو لقريش وليس لعليعليه‌السلام رصيد فيها كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين حين قال لجندب (اترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد؟ قلت أرجو ذلك ، قال لكني لا أرجو ذلك ، لا والله ولا من المائة واحد).

٢. ان الداعي إلى علي وفضائله تسجنه السلطة كما رأينا في سجن جندب نفسه.

٣. ان أمير المؤمنين نصع جندبا ان لا يدعو الناس إلى علي فان لازمان ليس ذلك.

٤. ان تصرف جندب وسجنه عمَّق عنده دقة تشخيص أمير المؤمنين للموقف حين سألف (أفلا ارجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك وأدعو الناس إليك) فكان جوابهعليه‌السلام (يا جندب ليس هذا زمان ذاك).

٤. ان أهل البلاد المفتوحة بشكل عام والكوفة منها كانوا لا يعرفون عليا ومناقبه ، بل حين ذكر جُندب بعض مناقبه زبره الناس ونهروه وقاموا عنه / لأنه كلام لم يأتِهم بطريق رسمي / ورفع أمره إلى الوليد فحَبَسَه. فإذا عَرَفنا ان الوليد قد وُلِّي الكوفة سنة ٢٥ هـ أو سنة ٢٦ هـ وعُزِل عنها سنة ٣٠ هجرية عرفنا ان الجو العام في الكوفة في ذلك الوقت كان لا يسمح بذكر فضائل عليعليه‌السلام الا سرا.

نهضة علي عليه‌السلام على عهد عثمان سنة ٢٧ هـ لإحياء حج التمتع

استحكم الانشقاق بين عثمان وبطون قريش سنة ٢٧ هـ عندما استحكم الخلاف بينه وبين عبد الرحمن بن عوف وهو آخر من تذمر من عثمان من بطون قريش حين بنى قصره طمار الزوراء(١) في المدينة ، وتكونت جبهة قرشية معارضة لسياسة عثمان

__________________

(١) قال الحموي فيمعجم البلدان : طمار المكان المرتفع ، وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٩٦ الأولى : وابو هلال الأوائل : ١٢٩ عن أبي يعقوب السروي. «لمّا بنى عثمان قصره (طمار الزوراء) وضع طعاماً كثيراً ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن ، فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال : يا بن عفّان لقد صدّقنا عليك ما كنا نكذّب فيك ، وإني أستعيذ بالله من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عني يا غلام ، فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه فلم يكن يأتيه أحد إلّا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلّمه

٢٩٩

في تقريب اسرته وتسليمهم ولاية الأمصار ، فقد عزل عمرو بن العاص عن مصر سنة ٢٥ هـ وعين اخاه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان النبي قد أهدر دمه في فتح مكة وأجاره عثمان ثم عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة ٢٥ هـ وعيَّن أخاه لامه الوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن. وفي سنة ٢٦ هـ جمع الشام كلها لمعاوية. وفي سنة ٢٧ هـ عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن أربع وعشرين سنة وضم إليه ولاية فارس.

قرر عليعليه‌السلام في جو استحكام الخلاف بين بطون قريش وعثمان وتذمر الناس من تصرف ولاته ان يحيي حج التمتع الذي نهى عنه عمر صار هذا النهي جزءا من السيرة التي التزمها عثمان في خلافته وكانت مدخلا ميَّز علياعليه‌السلام في نهضته في قبال المعارضة القرشية لعثمان التي كانت تستهدف الاطاحة بحكم عثمان وبني أمية وتداول السلطة في بطون قريش كما كان أيام أبي بكر وعمر.

نهض مع علي وجوه من صحابة النبي كما في رواية البخاري :

روى مالك في الموطأ :

«ان المقداد بن الأسود (ت ٣٣) دخل على عليعليه‌السلام بالسُقْيا(١) وهو يُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا ، فقال هذا عثمان بن عفان ينهى ان يقرن بين الحج والعمرة ، فخرج عليعليه‌السلام وعلى يديه اثر الدقيق والخبط فما أنسى اثر الدقيق والخبط ، على ذراعيه ، حتى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة ، فقال : عثمان ذلك رأيي ، فخرج عليٌّعليه‌السلام مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا».(٢)

__________________

فلم يكلّمه حتى مات» وقال ابن عبد ربه فيالعقد الفريد ج ٢ ص ٢٨٠. : «لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد قيل لعبد الرحمن هذا عملك قال : ما ظننت هذا ، ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال إنّما قدّمتك على ان تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال : انّ عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن : لله عليَّ أن لا أكلمك أبداً ، فلم يكلّمه حتى مات وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه». وقال ابن قتيبة فيالمعارف ص ٢٣٩ : كان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن ابن عوف حتى ماتا.

(١) و (السقيا) قرية جامعة بطريق مكة ، بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا.

(٢) موطأ مالك الحديث ٤٠ من باب القِران في الحج : ٣٣٦ ، وابن كثير ٥ : ١٢٩ ، (ينجع) يسقي ،

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611