الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي12%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173221 / تحميل: 7417
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند احمد واللفظ للأول عن سعيد بن المسيب قال :

«حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيته (وفي نسخة السندي إذا رأيتموه) ارتحل فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة».(١)

قال الإمام السندي بهامشه :

«قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله ، وانه لا طاعة له في مقابل السنة».(٢)

موقف عبد الله بن مسعود من عثمان :

قالوا في ترجمة عبد الله بن مسعود حليف بني زهرة(٣) : أسلم قديما وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها ، وأخرج البغوي من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال عبد الله لقد رأيتني سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا وكان يقول أخذت من في رسول الله سبعين سورة أخرجه البخاري شهد فتوح الشام سيَّره عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم وبعث عمارا أميرا وقال إنهما من النجباء من أصحاب محمد فاقتدوا بهما. وعن زيد بن وهب قال أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس فلما رآه مقبلا قال كنيف مليء فقها.(٤)

__________________

و (بكرات) جمع بكرة ولد الناقة أو الفتى منها ، و (الخَبْط) ضرب من ورق الشجر حتى ينحات عنه ثم يستخلف من غير ان يضر ذلك باصل الشجر واغصانها قال الليث (الخَبَط) خَبَط ورق العِظاء من الطلح ونحوه يخبط يضرب بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل.

(١) النسائي ، سنن النسائي ج ٢ ص ١٥ كتاب الحج باب حج التمتع ، واحمد بن حنبل ،مسند احمد ج ١ ص ٥٧ الحديث ٤٠٢ بمسند عثمان. والحاكم ،المستدرك على الصحيحين ج ١ ص ٤٧٢. ابن كثيرالبداية والنهاية ، ج ٥ ص ١٢٦ و ١٢٧.

(٢) يتضح من الرواية وتعليق السندي ان علياعليه‌السلام وأصحابه كانوا في الحج على السنة وكان عمر وعثمان ومن اقتدى بهما على خلاف السنة.

(٣) في طبقات ابن سعد أن أم عبد الله بن مسعود اسمها أم عبد وأمها هند بنت عبد الحارث بن زهرة ، وفي الاصابة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة.

(٤) انظر ترجمته فيالاصابة ابن حجر والاستيعاب لابن عبد البروالطبقات الكبرى لابن سعد وغيرها.

٣٠١

كان عبد الله بن مسعود من الأوفياء لسياسة عمر وفتاواه(١) منسجما كل الانسجام مع السلطة الحاكمة وقد روى البلاذري ان ابن مسعود وكان أول الناس جاء ببيعة عثمان إلى الكوفة وأخذها على الناس(٢) غير انه اصطدم فيما بعد مع عثمان في قصة تغيير المصاحف بسبب عدم إشراكه في اللجنة الخاصة وتفضيل زيد بن ثابت عليه فدعا الكوفيين إلى عدم تسليم مصاحفهم وامتنع هو من تسليم مصحفه لمبعوث عثمان مع ملاحظات سابقة له على سيرة الوليد بن عقبة فأمر عثمان بإشخاصه إلى المدينة وضُرب هناك وكسرت أضلاعه ومنع من العطاء سنتين.

روى ابن شبة قال حدثنا عبد الله بن رجاء قال ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تُغّيَّر ساء ذلك عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليفعل ، فإن من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ، ثم قال : لقد قرأت القرآن من في (أي فم) رسول الله سبعين سورة ، وزيد صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .(٣)

وفي رواية أخرى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري قال ، حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوبر بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : بعث عثمانرضي‌الله‌عنه إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه. قال : ولم؟ قال : لأنه كتب القرآن على حرف زيد. قال : أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه ، ومن استطاع أن يغل شيئا فليفعل ، والله لقد قرأت من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة ، وإن زيدا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة.(٤)

وروى ابن عبد البر عن الأعمش عن شقيق أبى وائل قال لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبد الله بن مسعود خطيبا فقال : أيأمروني أن أقرأ القرآن على

__________________

(١) اذ تجاوب معه في قضية نشر الحديث وإتلاف صحفه وقد مرت أخباره فيها كما تجاوب معه في فتواه في عدم الصلاة للمجنب عند فقدانه الماء.

(٢) البلاذريانساب الاشراف ج ١١ ص ٢٢٧.

(٣) النميري عمر بن شبة ،تاريخ المدينة المنورة ، دار الفكر ١٤١٠ هـ ، ص ١٠٠٦ ، ورواه أيضا السجستاني ، ابن أبي داود في كتابالمصاحف ، دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٥ م ص ١٧.

(٤) المصدر السابق.

٣٠٢

قراءة زيد بن ثابت نفسى بيده لقد أخذت من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب به الغلمان والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله مني ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل أعلم بكتاب الله منى لأتيته ثم استحيي مما قال فقال وما أنا بخيركم قال شقيق فقعدت في الحق فيها أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فما سمعت أحدا أنكر ذلك عليه ولا رد ما قال.(١)

قال اليعقوبي كتب عثمان في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت ، ثم سلقها بالماء الحار والخل ، وقيل أحرقها ، فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود.(٢) وكان ابن مسعود بالكوفة ، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر ، وكتب إليه عثمان : أن أشخصه ، إنه لم يكن هذا الدين خبالا وهذه الأمة فسادا(٣) . فدخل المسجد وعثمان يخطب ، فقال عثمان : إنه قد قدمت عليكم دابة سوء ، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان ، فجُرَّ برجله حتى كسر له ضلعان ، فتكلمت عائشة ، وقالت قولا كثيرا.

وفي رواية البلاذري : احتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى

__________________

(١) ابن عبد البرالاستيعاب ص ٩٩٣.

(٢) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٠ وفي تاريخ المدينة المنورة لابن شبة / ١٠٠٣ ـ ١٠٠٤ قال حدثنا حفص بن عمر الدوري قال ، حدثنا إسماعيل ابن جعفر ، عن عمارو بن غزبة ، عن ابن شهاب ، عن خارجة ابن زيد بن ثابترضي‌الله‌عنه قال : لما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنهما بعزيمة ، فأعطاه إياها ، فغسلها غسلا. وقال حدثنا عثمان بن عمر قال ، أنبأنا يونس ، عن ابن شهاب قال ، حدثني أنسرضي‌الله‌عنه قال ، لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا فمنعتها إياه. قال الزهري : فحدثني سالم قال ، لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمررضي‌الله‌عنهما بعزيمة ليرسلن بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمررضي‌الله‌عنهما ، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمانرضي‌الله‌عنه .أقول : وبقي مصحف عليعليه‌السلام لم يتلفوه لان عليا لم يظهره لهم.

(٣) روى ابن عبد البر وابن حجر في الاصابة عن الأعمش قال قال زيد بن وهب لما بعث عثمان إلى بن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس فقالوا أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه فقال إن له على حق الطاعة ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن.

٣٠٣

ضرب به الأرض فدق ضلعه وقام علي بأمر ابن مسعود حتى أتى به منزله فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي وأرااد حين برئ الغزو فمنعه من ذلك وقال له مروان : إن ابن مسعود أفسد عليك العراق افتريد أن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح من المدينة حتى توفي(١) بعد ثلاث سنوات من إقامته الجبرية وكان قد استُقدِم من الكوفة سنة ٢٩ هـ.

وروى البلاذري قال : أشخص عثمانُ ابنَ مسعود إلى ما قِبَله واسمعه ، ولم يأذن له في الخروج من المدينة فأقام بها ثلاث سنين حتى مات ، وكان موته قبل مقتل عثمان. ولما مرض مرضه الذي مات فيه مرَّضه أزواح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، وأتاه عثمان يعوده فقال له : كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن؟ قال : بخير. قال : ما تشتكي؟ قال : ذنوبي. قال : أفلا آمر لك بعطائك ، وكان قد قطعه عنه لموجدته عليه (وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه قال : وكان قد حرمه عطاءه سنتين)(٢) وفي رواية حرمه عطاءه ثلاث سنين(٣) ، فقال : منعتنيه وانا محتاج إليه وتعطينيه وانا مستغن عنه(٤) . وأوصى ان لا يصلي عليه عثمان(٥) . قال أبو نعيم وغيره مات (عبد الله بن مسعود) بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وقيل مات سنة ثلاث والأول اثبت.(٦)

__________________

(١) قال ابن عبد البر فيالاستيعاب ص ٩٩٤ توفي عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع صلى عليه عثمان وقيل بل صلى عليه الزبير ودفنه ليلا بإيصائه بذلك إليه ولم يعلم عثمان بدفنه فعاتب الزبير على ذلك وكان يوم توفى ابن بضع وستين سنة. وحدثنا قاسم بن محمد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا محمد بن سنجر حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الزبير وبين ابن مسعودرضي‌الله‌عنهما .

(٢) البلاذري ،انساب الاشراف ج ١١ ص ٢٢٧ وتكملة الرواية ان الزبير أتى عثمان فقال له ان عيال عبد الله أحوج إلى عطائه من بيت المال فأعطاه عشرين ألف درهم أو خمسة وعشرين ألف درهم. ومن الجدير ذكره ان ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٣٨ بدل عبارة (حرمه عطاءه سنتين) إلى عبارة (تركه سنتين) فجعل ابن مسعود هو الممتنع عن أخذ عطائه!

(٣) الطبراني ،كتاب الأوائل ، مؤسسة الرسالة ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٧ م ، ج ١ ص ٢٧٢.

(٤) البلاذري ،أنساب الاشراف ، ج ١١ ص ٢٢٧.

(٥) البلاذري ،أنساب الاشراف ، ج ١ ص ٥٢٥ ، ج ١١ ص ٢٢٦.

(٦) ابن حجر ،الاصابة في تمييز الصحابة .

٣٠٤

وروى البخاري قال حدّثنا عمر بن حفص قال حدّثنا أبي قال حدّثنا الأعمش قال سمعت شقيق بن سلمة قال كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو مىوسى أرأيت يا أبا عبد الرّحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبد الله لا يصلّي حتّى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يكفيك قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمّار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمّم فقلت لشقيق فإنّما كره عبد الله لهذا قال نعم.(١)

صحيح البخاري ـ (ج ٢ / ص ٧٦) حدّثنا محمّد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعريّ فقال له أبو موسى لو أنّ رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتميمّم ويصلّي فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة فقال عبد الله لو رخّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا الصّعيد قلت وإنّما كرهتم هذا لذا قال نعم فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمّار لعمر بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرّغت في الصّعيد كما تمرّغ الدّابّة فذكرت ذلك للنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال إنّما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفّه ضربة على الأرض ثمّ نفضها ثمّ مسح بهما ظهر كفّه بشماله أو ظهر شماله بكفّه ثمّ مسح بهما وجهه فقال عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمّار وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمّار لعمر إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعّكت بالصّعيد فأتينا رسول الله صلّى الله عليم وسلّم فأخبرناه فقال إنّما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفّيه واحدة.

وروى الحاكم بسنده عن سعيد بن زيد قال حدثنا الحسن ان رجلا قال لعمران بن الحصين ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن ، قال أرأيت لو أبيتَ أنت واصحابُك إلا القرآن (وفي رواية لو وُكِلت أنتَ واصحابُك إلى القرآن) من أين كنتَ

__________________

(١) البخاري ،صحيح البخاري ج ٢ ص ٧٤.

٣٠٥

تعلم ان صلاة الظهر عدتها كذا وكذا ، وصلاة العصر عدتها كذا ، وحين وقتها كذا ، وصلاة المغرب كذا ، والموقف بعرفة ورمى الجمار كذا ، واليد أين تقع أمن ههنا أم ههنا أم من ههنا ووضع يده على مفصل الكف ووضع يده عند المرفق ووضع يده عند المنكب ، وقال : اتبعوا حديثنا ما حدثناكم ، وإلّا واللهِ ضللتم.

وَقَالَ مُسَدَّدٌ : حَدَّثَنَا حماد ، عن علي بن زيد ، عن الحسن قال : بينما عمران بن حصين وعنده أصحابه يحدثهم فقال رجل : لا تحدثنا إلَّا بالقرآن ـ أو لا نريد إلَّا القرآن ـ فقال : أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن؟ أكنت تجد صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثا ، تقرأ في الركعتين الأولتين ، حتى عد الصلوات كلها؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد في كل مائتين خمسة ، ومن الإبل كذا وكذا ، وفي البقر كذا وكذا؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك ، أكنت تجد الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة كذا وكذا؟!.(١)

الكوفة على عهد علي عليه‌السلام

انفتحت الكوفة على مشروع عليعليه‌السلام الإحيائي للسنة النبوية بقيادته وتبنت نصرته وكانت أول نصرتها له حين نكث طلحة والزبير بيعتهما معه واقتطعا البصرة عنه.

ثم نصروه في صفين وقاتلوا أهل الشام معه.

ثم نصروه في حرب النهروان حين قاتلوا أبناءهم وإخوانهم وأساتيذهم لما تحولوا إلى مفسدين.

وكان عليعليه‌السلام خلال ذلك يعلمهم ويبفقههم وصارت الكوفة في أواخر عهده كأنما بُنِيت على حُبِّه والايمان به لما رأى أهلها من عدله وعلمه وحسن سيرته فيهم إلى جانب ما عرفوا من سابقته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث النبي فيه وما نزل من القرآن في حقه وما جرى على يده من الكرامات ،

__________________

(١) البوصيري ، للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل ،إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ، موافق لطبعة دار الوطن ١٤٢٠ هـ. ج ١ ص ١٩١.

٣٠٦

انهم شاهدوا في سيرة عليعليه‌السلام انه من رسول الله كالضوء من الضوء أو كالصنو من الصنو ، وكالذراع من العضد.(١)

رأوا فيه ما اخبر عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (انه منه بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده) حين قارنوا ذلك بما قصه القرآن من نصرة هارون لموسى وتصديقه ومعاونته ونصرته وكون الإمامة بعد موسى في ذريته وكذلك عليعليه‌السلام .

لقد بايع علياعليه‌السلام بعد معركة النهروان أربعون ألف على الموت ليقاتلوا معاوية ولكنه الأجل الذي قدره الله تعالى له.

لقد صارت الكوفة على عهد عليعليه‌السلام بلد الأنصار وأهل الحل والعقد في المشروع الإحيائي للسنة نظير المدينة كانت على عهد النبي بلد الأنصار وأهل الحل والعقد في مشروع الرسالة.

قاتلت المدينة قريشا المشركة التي استهدفت محاصرة الرسالة بل قتل النبي وأصحابه. وقاتلت الكوفةُ قريشا المسلمة في البصرة والشام التي استهدفت محاصرة علي بل قتله وقتل أصحابه.

وكما كان يوجد في المدينة على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من يكره علياعليه‌السلام ويبغضه وكانوا يسرونه لما يعلمون من غضب النبي عليهم إذا اظهروه وقد عرفوا بالمنافقين وقد ورد في

__________________

(١)نهج البلاغة تحقيق صالح ص ٢٣ ،أقول : ومرادهعليه‌السلام بقوله (انا من رسول الله كالصنو من الصنو او كالضوء من الضوء) ان سيرته وعلمه هي سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمه ، وصنوا النخلة هما الفرعان الذين يخرجان من جذع واحد اما من الجذر او فيما بعد من الجذع الاول. ونموذج ذلك صلاتهعليه‌السلام فقد روى الترمذي ١ / ٢٧٢ ، ١ / ٢٨٤ ، ومسلم ١ / ٢٩٥ ، وابو داود ١ / ٢٢٢ ، والنسائي ٢ / ٢٠٤ ، واحمد ٤ / ٤٢٩ ، ٤٣٢ ، ٤٤٤ ، والبيهقي ٤ / ١٣٤ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٨ / ١٢٥ ، ١١٧ ، والطيالسي / ١١١.

عن مطرف بن عبد الله قال صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال قد ذكرني هذا صلاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قال لقد صلى بنا صلاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وفي سنن البيهقي : ٢ / ٧٩ قال الشيخ ورواه محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال صليت خلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة.

٣٠٧

الرواية : (كنا لا نعرف المنافقين على عهد النبي الا ببغضهم عليا)(١) ، وقد تآمروا على النبي ليقتلوا في عقبة هرشى بعد عودته من تبوك أو بعد عودته من حجة الوداع ، كذلك كان الأمر في الكوفة حيث وجد فيها من يبغض عليا ولكنه لا يخفيه بل يظهره وقد عرفوا بالخوارج الذين مردوا على بغض علي وقاتلوه وقاتلهم ونال الشهادة على يد شر افرادهم عبد الرحمن بن ملجم.

الكوفة في سنوات الصلح سنوات الفتح المبين لعلي عليه‌السلام

بايعت الكوفة الحسن بن علي بصفته وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووارث علومه وعلوم أبيه واحد أفراد آية المباهلة وآية التطهير وحديث الكساء ووارث ، وامتاز أهل الكوفة عن أهل المدينة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين تخلف الأنصار عن نصرة أهل بيت رسول الله وبايعوا غيرهم وتخلفوا عن سنة النبي وعملوا بسنه غيره ووفى أنضار علي في الكوفة مع بيت رسول الله فبايعوا الحسن وعملوا بسنة رسول الله التي احياها علي ، وبايعته تبعا لبيعتهم البصرة والبحرين ومكة والمدينة واليمن وايران وما وراءها.

ونصرت الكوفة الحسنَ في مشروعه الاصلاحي العظيم حين استجابت لخطوته الاصلاحية الرائدة التي لم تخطر ببال معاوية وأهل الشام فانهم كانوا يتوقعون احد أمرين لطلبهم الصلح مع الحسن اما الرفض والقتال ، أو الاستجابة للصلح بان يبقى الحسن على دولته في الشرق ومعاوية على دولته في الغرب وتنشأ علاقات سلمية بينهم كدولتين مستقلتين ، وإذا بالحسن يفاجئهم بمشروعه التوحيدي للامة الإسلامية وتقديمه معاوية بشروط يضعها الحسن وهو أمر مهما كانت الشروط فيه فانه لا يستوعبه الا من كان يفهم مشروع علي الإحيائي للسنة ، ولذلك رأينا رد فعل الخوارج هو تسفيه هذه الخطوة ومحاولة اغتيال الحسن ، بخلاف حَمَلَةِ مشروع عليعليه‌السلام فانهم قد فهموا المغزى العميق للخطوة الرائدة التي تحقق أمرين في وقت واحد :

الأول : فضح معاوية عند أهل الشام بانه طالب ملك لا غير ، فانه تنازل عن الأساس الذي بويع عليه عثمان وهو العمل بسيرة الشيخين وقبل ان يتقيد بالكتاب والسنة

__________________

(١) انظر البحث عن اسانيده فيشرح إحقاق الحق للمرعشي ج ٧ ص ٢٣٧ فما بعد.

٣٠٨

وخلى عن مطلبه الأخذ بثأر عثمان ، بمجرد انه اعطي حكم العراق ، وفي قبال ذلك تبرز مبدائية عليعليه‌السلام حين عرض عليه الحكم بشرط العمل بسيرة الشيخين فلم يقبل ورفض الملك.

الثاني : اصلاح الأمة برأب الصدع الكبير وعودتها إلى سابق عهدها موحدة وكسر الطوق عن مشروع علي واخبار سيرته المشرقة في الشام.

وليس من شك فان رجال هذين المكسبين هم شيعة علي الذين حملوا حديث النبي فيه واخبار سيرته المشرقة وكلهم شوق ان ينشروا ذلك كما كان المسلمون زمن النبي قبل صلح الحديبية كلهم شوق لان ينشروا اخبار سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المشرقة.

وطار معاوية فرحا بالأطروحة الحسنية للصلح وانفتحت قلوب أهل الشام لشيعة علي وتحول الكوفيون خلال عشر سنوات إلى دعاة لعلي ينشرون اخبار سيرته المشرقة داخل الشام وخارجها.

وتأكَّد لأهل الشام حقانية علي في نهضته وأولويته بكتاب الله وسنة نبيه وحقانية أهل العراق في نصرة مشروع علي في إحياء سنة النبي وان بيعتهم للحسن كانت موفقة.

الكوفة على عهد الغدر المبين لمعاوية ٥٠ ـ ٦٠ هـ عشر سنوات

لم تطب نفس معاوية بما حققه الحسن وشيعة أبيه من خدمة حقيقية للامة ، فدفعه حقدُه الأعمى إلى الانتقام من الحسن ومن العراقيين فتخلص من الحسنعليه‌السلام بالسم بعد عشر سنوات ، وأعاد سياسته في لعن علي والبراءة منه ، وأعاد تداول الأحاديث الكاذبة التي وضعها اعلامه أيام صفين في تسويغ ذلك ، واستطاع ان يربي جيلا جديدا من الأمة لا يعرف عليا الا إمام ضلالة مفسدا في الدين يجب لعنه والبراءة منه ، (روى ابن أبي الحديد عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني (ت ٢٢٥ هـ)(١) في كتابه

__________________

(١) قال الخطيب البغدادي فيتاريخ بغداد ج ١٢ ص ٥٤ ـ ٥٥ في ترجمة المدائني (كان عالماً بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم عالماً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر ، صدوقاً في ذلك ، وقال يحيى بن معين ثقة ثقة ثقة. وقال ابن النديم فيالفهرست ص ١١٣ ولد سنة ١٣٥ هـ وتوفي سنة ٢٢٥ هـ وله ثلاث وتسعون ثم ذكر أسماء كتبه في أربع صفحات.

٣٠٩

(الأحداث) قال : [كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة. (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليَّاًعليه‌السلام ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ النسا بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام عليعليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقَطَّع الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عُمَّاله في جميع الآفاق :

(ألَّا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة).

وبعد قتل حجر وأصحابه سنة ٥٣ هـ أمر الحسين أصحابه في الكوفة ان يكونوا أحلاس بيوتهم بعد ان قضوا ما عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ادخارا لهم ليوم خروجهعليه‌السلام بعد موت معاوية.

الكوفة هـ على عهد نهضة الحسين عليه‌السلام وشهادته وحركة سليمان بن صرد

ودولة المختار ٦٠ ـ ٦٧

نهضت الكوفة مع الحسين وهم عدته في التغيير المطلوب في الأمة من الاطاحة ببني أمية الطغمة الضالة الظالمة اليت أحلت نقض العهد وسفكت الدم الحرام ، نهضت الكوفة مع الحسين وهي متلهفة لإعادة تجربة على في الأمة بالحكم بكتاب الله وسنة نبيه ، وترك الناس واختيارهم في الاقتداء بمن شاؤوا في عبادتهم بعلي أو بعمر ، ولكنه القدر الإلهي للحسين ان يستشهد لتكون شهادته وظلامته الباب الاوسع لتحقيق الاهداف الآنفة الذكر ، وقد استطاع الكوفيون من خلال نهضة سليمان بن صرد والمختار بن عبيد بعد شهادة الحسينعليه‌السلام ان يعيدا تجربة علي في الكوفة وهي على قصرها (٦٥ هـ ـ ٦٧ هـ استطاعت ان تعيد ثقافة الولاء لعلي إلى الجيل الذي حرم منها وقد فصلنا ذلك في كتابنا (الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي).

٣١٠

الكوفة على عهد ابن الزبير ٦٧ ـ ٧٢ هـ

حاول مصعب بن الزبير والي اخيه عبد الله بن الزبير ان ينتقم من الكوفة العلوية التي نهضت مع المختار ونصرت مشروع علي وولديه الحسن والحسين وقتل يوم قتل المختار سبعة آلاف صبرا ممن لم يكن قد قاتل المختار بل لأنهم شيعة.(١)

موقف عبد الملك بن مروان من الكوفة

بعد مرور ثلاث سنوات من انهيار دولة عبد الله بن الزبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي ولاه عبد الملك سنة ٧٥ هجرية العراق ، وكتب إليه كتابا بخطه : أما بعد ، يا حجاج ، فقد وليتك العراقيين صدقة ، فإذا قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة ، وإياك وهوينا الحجاز ، وقد رميت العرض الاقصى ، فارمه بنفسك ، وأرد ما أردته بك ، والسلام.

فلما قدم الكوفة صعد المنبر متلثما بعمامته متنكبا قوسه وكنانته ، فجلس على المنبر مليا لا يتكلم ، حتى هموا أن يحصبوه ، ثم قال : يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق ، ومساوئ الأخلاق ، إن أمير المؤمنين نثل كنانته ، فعجمها عودا عودا ، فوجدني أمرها عودا وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وإنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقي السيف وتكلم بكلام كثير فيه توعد وتهدد.

وذاقت الكوفة في عهده المر ، وثاروا عليه تحت قيادات مختلفة آخرها تحت قيادة ابن الأشعث ولم يتطع ان يخمد ثورتهم الا بعد ان استعان بجيش الشام سنة ٨١ هـ ، ثم بنى لهم واسط لكي لا يختلطوا بهم وتتأثر اخلاقهم بهم.(٢)

__________________

(١) انظر تفصيل ذلك فيكتابنا الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي ، دار الفقه قم ١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م.

(٢) انظر تفصيل ذلك فيكتابنا الامام الحسين في مواجهة الضلال الأموي .

٣١١

الوليد بن عبد الملك يأمر بإخراج الشيعة العراقيين من الحجاز

وإرجاعهم إلى الكوفة

وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسري ، عامله على الحجاز ، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين ، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج من بها من أهل العراقين ، فأخرجهم جميعا ، وجماعاتهم في الجوامع ، إلى الحجاج ، ولم يترك تاجرا ولا غير تاجر ، ونادى : ألا برئت الذمة ممن آوى عراقيا ، وكان لا يبلغه أن أحدا من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه.(١)

من قتلهم أو روَّعهم الحجاج من شيعة علي عليه‌السلام

كان ممن قتلهم الحجاج من شيعة علي :

كميل بن زياد النخعي المذحجي (٨٢ هـ)رحمه‌الله :

قال الذهبي في ترجمة كميل : قدم دمشق زمن عثمان ، وشهد صفين مع علي ، وكان شريفاً مطاعاً ثقةً عابداً على تشيعه ، قليل الحديث ، قتله الحجاج. قاله ابن سعد. وقال محمد بن عبد الله بن عمار : كميل رافضي ثقة.

وقال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك ويقال بن عبد الله النخعي التابعي الشهير له إدراك ، أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة ، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم روى عنه عبد الرحمن بن عابس وأبو إسحاق السبيعي والأعمش وغيرهم قال بن سعد شهد صفين مع علي وكان شريفا مطاعا ثقة قليل الحديث من رؤساء الشيعة.

وقال هشام بن عمار : ثنا أيوب بن حسان ، ثنا محمد بن عبد الرحمن قال : منع الحجاج النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زياد ، فلما رأى ذلك كميل أقبل على

__________________

(١) لا نعلم في أي سنة ولكن اليعقوبي كان قد ذكر قبله حوادث سنة ٩٢ وذكره بعده حوادث سنة ٩٥ هجرية.

٣١٢

قومه فقال : أبلغوني الحجاج فأبلغوه ، فقال الحجاج : يا أهل الشام ، هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من نفسك ، فقال كميل : فعرف حقي ، فقلت : أما إذ أقدتني فهو لك هبة (وفي رواية : لطمني فطلبت القصاص فأقادني فعفوت) ، فمن كان أحسن قولاً أنا أو هو ، فذكر الحجاج علياً ، فصلى عليه كميل ، فقال الحجاج : والله لأبعثن إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من حبك له ، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه. وقال المدائني : مات كميل سنة اثنتين وثمانين ، وهو ابن تسعين سنة(١) .

وقال جرير عن مغيرة طلب الحجاج كميل بن زياد فهرب منه فحرم قومه عطاءهم فلما رأى كميل ذلك قال أنا شيخ كبير قد نفذ عمري لا ينبغي ان حرم قومي عطاءهم فخرج إلى الحجاج فلما رآه قال له لقد أحببت ان أجد عليك جميلا فقال له كميل ان ما بقي من عمري الا القليل فاقض ما أنت قاض فان الموعد الله وقد أخبرني أمير المؤمنين على انك قاتلي قال بلى قد كنت فيمن قتل عثمان اضربوا عنقه فضربت عنقه(٢) .

قال ابن حجر : كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صبهان بن سعد بن مالك بن النخع وقيل كميل بن عبد الله وقيل بن عبد الرحمن روى عن عمر وعلي وعثمان وابن مسعود وأبي مسعود وأبي هريرة روى عنه أبو إسحاق السبيعي والعباس بن ذريح وعبد الله بن يزيد الصهباني وعبد الرحمن بن عابس والأعمش وغيرهم.

وذكره بن حبان في الثقات وذكره المدائني في عباد أهل الكوفة وقال خليفة قتله الحجاج سنة ٨٢ قلت وحكى بن أبي خثيمة أنه سمع يحيى بن معين يقول مات كميل سنة ثمان وثمانين وهو بن سبعين سنة وقال بن حبان في الضعفاء لا يحتج به.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار كميل بن زياد رافضي وهو ثقة من أصحاب علي وقال في موضع آخر كميل بن زياد من رؤساء الشيعة وكان بلاء من البلاء

وذكره بن حبان في كتاب الثقات وقال أبو الحسن المدائني وفيهم يعني أهل الكوفة من العباد أويس القرني وعمرو بن عتبة بن فرقد ويزيد بن معاوية النخعي وربيع بن

__________________

(١) الذهبي ،تاريخ الإسلام ، ج ٦ ص ١٧٧.

(٢) ابن حجر ،الاصابة ج ٥ ص ٦٥٣.

٣١٣

خثيم وهمام بن الحارث ومعضد الشيباني وجندب بن عبد الله وكميل بن زياد النخعي.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميمي وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد قالا أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي قال أخبرنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني قال أخبرنا أبو سعد الكنجروذي قال أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه قال حدثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ علي بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أربعة فخيرها أوعاها إحفظ ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني وعالم متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة وصحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه يفنى المال بزوال صاحبه مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ها إن ها هنا وأشار بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على عباده أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوم باللذة سلس القياد للشهوات أو مغري بجمع الأموال والإدخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله من حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم فيزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم.

ورواه أبو نعيم ضرار بن صرد عن عاصم بن حميد فزاد فيه ألفاظا أخبرنا به أحمد

٣١٤

بن هبة الله بن أحمد قال أخبرنا عمي أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قال أخبرنا عمي الشريف الأمير عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العباس الحسيني قال أخبرنا الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق قال أخبرنا خال أبي خيثمة ضرار بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي قال حدثنا نجيح بن إبراهيم الزهري قال حدثنا ضرار بن صرد قال حدثنا عاصم بن حميد الحناط بإسناده نحوه وقال ومحبة العالم دين يدان بها فتكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله وقال هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون(١) .

ورواه الذهبي قال قرأت على أبي الفضل بن عساكر عن عبد المعز بن محمد أنا تميم بن أبي سعيد المقرئ أنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة أنا محمد بن محمد الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة أنا إسماعيل بن موسى الفزاري أنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه قال ثنا ثابت بنأبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ علي رضي الله تعالى عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس فقال يا كميل القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم رواه ضرار بن صرد عن عاصم بن حميد ويروى من وجه آخر عن كميل(٢) .

ورواه البغدادي قال حدثنا بن مرزوق نا أبو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى ثنا عبيد بن الهيثم ثنا إسحاق بن محمد بن أبو يعقوب النخعي ثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج حدثنا هشام بن محمد بن السائب أبو منذر الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن فضيل بن خديج عن كميل بن زياد النخعي قال أخذ بيدي أمير المؤمنين

__________________

(١) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٠ ص ٢٥٢.

(٢) الذهبي ،تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١١.

٣١٥

علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبانة فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال لي يا كميل بن زياد ان هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله العلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل مات خزان الأموال وهم إحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ألا أن ههنا وأشار إلى صدره لعلما جما لو أصبت له حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا وذكر الحديث(١) .

قيس بن عُباد (٨٢ هـ)رحمه‌الله :

الاصابة : قيس بن عباد بضم أوله وتخفيف الموحدة القيسي الضبعي نزيل البصرة له إدراك ذكره بن قانع في الصحابة وأورد له حديثا مرسلا وقال بن أبي حاتم وغيره قدم المدينة في خلافة عمر فروى عنه وعن أبي ذر وعلي وأبي سعد وعمار وعبد الله بن سلام وغيرهم.

روى عنه ابنه عبد الله والحسن وابن سيرين وأبو مجلز وغيرهم قال بن سعد كان ثقة قليلة الحديث وذكره العجلي في التابعين وقال ثقثة من كبار الصالحين ووثقه النسائي وغيره وذكره بن حبان في ثقات التابعين وذكر أبو مخنف انه من جملة من قتلهم الحجاج ممن خرج مع بن الأشعث.

قال المزي : قيس بن عباد : ذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة قال : وكان ثقة ، قليلالحديث. زاد العجلي : من كبار الصالحين.

وقال يعقوب بن شيبة : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ،

__________________

(١) الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٧٨. المزي ،تهذيب الكمال ج ٢٤ ص ٢٢١.

٣١٦

عن أبيه ، عن قيس بن عباد ، قال : كان يركب الخيل ويرتبطها ، وكانت له فرس عربية ، فكلما نتجت مهرا فأدرك حمل عليه في سبيل الله.

وقال أيضا : يونس بن محمد ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ، عن أبيه ، عن قيس بن عباد أنه كان إمامهم ، فإذا صلى الغداة لم يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء مخافة أن يصير الماء أجاجا أو يصير غورا ، وحتى يرى الشمس قد طلعت من مطلعها مخافة أن تطلع من مغربها.

وقال أيضا : حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، قال : حدثنا عبيد الله بن النضر ، قال : حدثني أبي ، عن قيس بن عباد أنه إذا كان بين الرجلين من الحي كلام فرأى أن أحدهما ظالما ، لم يمنعه شرفه ولا حسبه أن يأتيه فيكلمه ويوبخه ويأمره أن يرجع إلى الحق ويقلع عن الظلم.

وقال عبد الله بن المبارك : أخبرنا الحكم بن عطية ، قال : حدثنا النضر بن عبد الله ، عن قيس بن عباد ، قال : إن الصدفة لتطفئ الخطايا والذنوب كما يطفئ الماء النار.

وقال أحمد بن عمران الأخنسي : سألت محمد بن الفضيل بن غزوان ، فحدثني ، قال : قال لي : أخذ رجل لجام قيس بن عباد فجعل يذكره ويسبه ، فلما بلغ إلى منزله ، قال : خل عن لجام الدابة يغفر الله لي ولك.

وقال محمد بن جرير الطبري فيما حكى عن أبي مخنف ، عن شيوخه ، قال : فعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه.

وقال حوشب ، يعني : ابن يزيد بنب الحارث بن يزيد ابن رويم الشيباني ، للحجاج بن يوسف : إن منا مراء صاحب فتق ووثوب على السلطان لم تكن فتنة بالعراق قط إلا وثب فيها وهو ترابي(١) يلعن عثمانرضي‌الله‌عنه ، وقد خرج مع ابن الأشعث ، فشهد معه مواطنه كلها يحرض الناس حتى إذا أهلكهم الله جلس في بيته ، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه. روى له الجماعة سوى الترمذي(٢) .

__________________

(١) نسبة إلى أبي تراب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد كان أيام بني أمية يقولون لكل من يعملون أنه يميل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ويتولاه : فلان ترابي.

(٢) المزي ،تهذيب الكمال ج ٢٤ ص ٦٤ ـ ٦٨.

٣١٧

قال البخاري : حدثني محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة ، وقال قيس بن عباد وفيهم أنزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال هم الذين تبارزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة أو أبو عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة(١) .

سعيد بن جبير (٩٥ هـ)رحمه‌الله :

قال السيوطي : سعيد بن جبير بن هشام الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ، وطائفة وعنه الأعمش وسلمة بن كهيل وخلائق وكان يختم القرآن في كل ليلتين وكان بن عباس إذ أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول أليس فيكم سعيد بن جبير ، قتله الحجاج شهيدا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو بن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين قال ميمون بن مهران ولقد مات وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه(٢) .

قال ابن حبان سعيد بن جبير بن هشام مولى بنى والبة بن الحارث من بني أسد بن خزيمة يروى عن بن عمر وابن عباس وجماعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وكان فقيها عابدا ورعا فاضلا وكان يكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود حيث كان على قضاء الكوفة ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى حيث كان على قضائها ثم خرج مع بن الأشعث في جملة القراء فلما هزم بن الأشعث بدير الجماجم هرب سعيد بن جبير إلى مكة فاخذه خالد بن عبد الله القسري بعد مدة وكان واليا لعبد الملك على مكة وبعث به إلى الحجاج فقال له الحجاج اختر لنفسك أي قتلة شئت فقال اختره أنت فان القصاص أمامك فقتله الحجاج بن يوسف سنة خمس وتسعين وهو بن تسع وأربعين سنة ثم مات الحجاج بعده بأيام وكان مولد الحجاج سنة أربعين(٣) .

__________________

(١) البخاري ،صحيح البخاري ج ٤ ص ١٤٥٨ ، ج ٤ ص ١٧٦٩.

(٢) جلال الدين السيوطي ،اسعاف المبطأ ، دار الهجرة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ص ١٢.

(٣) ابن حبان ،الثقات ج ٤ ص ٢٧٥.

٣١٨

قال المزي : سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي ، حدثنا أبو حامد بن جبلة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا عباد بن العوام أبو سهل قال أخبرني هلال بن خباب قال خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة قال فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا حتى بلغ فلما بلغ جلس فلم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا وكان كثير الذكر لله عز وجل وبه قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير قال وددت أن الناس أخذوا ما عندي فإنه مما يهمني(١) .

قال الطحاوي حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا أبو عوانة قال لا أعلمه الا عن أبي بشر أن سعيد بن جبير كان يصلي في رمضان في المسجد وحده والإمام يصلي بهم فيه.(٢)

أقول : أي ان سعيد بن جبير كان لا يصلي صلاة التراويح لأنها بدعة عمر وليست سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال الدارمي أخبرنا يزيد بن هارون أنا أصبغ عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن بن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء قال وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه ،

وقال أخبرنا محمد بن سعيد أنا شريك عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير قال كنت أسمع من بن عمر وإبن عباس الحديث بالليل فاكتبه في واسطة الرحل.

__________________

(١) المزي ،تهذيب الكمال ج ١٠ ص ٣٥٨.

(٢) الطحاوي ،شرح معاني الآثار ، تحقيق محمد زهري النجار ـ محمد سيد جاد الحق ، عالم الكتب ، ١٤١٤ هـ ، ١٩٩٤ م ج ١ ص ٣٥١أقول : يريد أنه كان لا يرى الجماعة في صلاة التطوع. وقد أورد الطحاوي أسماء أشخاص آخرين على رأي سعيد وكان رأي الطحاوي ذلك أيضا.

٣١٩

وقال أيضا : أخبرنا أبو النعمان ثنا عبد الواحد ثنا عثمان بن حكيم قال سمعت سعيد بن جبير يقول كنت أسير مع بن عباس في طريق مكة ليلا وكان يحدثني بالحديث فاكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فاكتبه.

وقال أيضا : أخبرنا إسماعيل بن أبان عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال كنت اكتب عند بن عباس في صحيفة واكتب في نعلي.

وقال أيضا أخبرنا مالك بن إسماعيل ثنا مندل بن علي العنزي حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال كنت أجلس إلى بن عباس فاكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فاكتب في ظهورهما(١) .

قال ابن سعد : قال أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا عمرو بن أبي المقدام عن مؤذن بني وداعة قال دخلت على عبد الله بن عباس وهو متكيء على مرفقة من حرير وسعيد بن جبير عند رجليه وهو يقول له انظر كيف تحدث عني فإنك قد حفظت عني حديثا كثيرا.

وقال أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي وقبيصة بن عقبة قالا حدثنا سفيان عن أسلم المنقري عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى بن عمر فسأله عن فريضة فقال ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني وهو يفرض منها ما أفرض.

وقال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال حدثنا الأعمش عن مسعود بن مالك قال قال لي علي بن حسينعليهما‌السلام ما فعل سعيد بن جبير قال قلت صالح قال ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها وإنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء وأشار بيده إلى العراق(٢) .

أقول : هذه الرواية مكذوبة على علي بن الحسينعليه‌السلام ، والبلاء من أبي معاوية الضرير فانه كان يضع الحديث لهارون الخليفة العباسي.

وقال أيضا أخبرنا عفان بن مسلم وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا أبو شهاب قال كان سعيد بن جبير يقص لنا كل يوم مرتين بعد

__________________

(١) الدارمي ،سنن الدارمي ج ٢ ص ٤١. ج ١ ص ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٢) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٦ ص ٢٥٨.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611