الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173317 / تحميل: 7423
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلّي حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام إنّ الفجر قد طلع؟ إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حُوّل لي ).

وهكذا كان الإمام سيّد المتقين، وإمام المنيبين قد طبع على قلبه حب الله تعالى، وهام بعبادته وطاعته.

ولمّا رأى عبد الله الفضل للإمام حذّره من أن يستجيب لهارون باغتياله قائلاً له: ( اتق الله، ولا تحدث في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد سوء إلاّ كانت نعمته زائلة ).

فانبرى الفضل يؤيّد ما قاله عبد الله.

( قد أرسلوا إليّ غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك )(1) .

لقد خاف الفضل من نقمة الله وعذابه في الدنيا والآخرة إن اغتال الإمام، أو تعرّض له بمكروه.

نصّه على إمامة الرضا:

ونصب الإمام موسىعليه‌السلام ولده الإمام الرضاعليه‌السلام علماً لشيعته ومرجعاً لأمّته وقد خرجت من السجن عدّة ألواح كتب فيها ( عهدي إلى ولدي الأكبر )(2) .

وقد أهتم الإمام موسى بتعيين ولده إماماً من بعده، وعهد بذلك إلى جمهرة كبيرة من أعلام شيعته كان من بينهم ما يلي:

1 - محمد بن إسماعيل:

روى محمد بن إسماعيل الهاشمي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر، وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له: ( أسأل الله أن لا يريناه - أي فقدك - فإلى مَن؟ ).

قالعليه‌السلام :

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 469 - 471.

(2) نفس المصدر.

٨١

( إلى ابني علي، فكتابه كتابي، وهو وصيي، وخليفتي من بعدي )(1) .

2 - علي بن يقطين:

روى علي بن يقطين، قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعنده علي ابنه، فقال: يا علي هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، وكان في المجلس هشام بن سالم فضرب على جبهته، وقال: إنّا لله نعى والله إليك نفسه(2) .

3 - نعيم بن قابوس:

روى نعيم بن قابوس، قال: قال أبو الحسنعليه‌السلام : علي ابني أكبر ولدي، واسمعهم لقولي: وأطوعهم لأمري، ينظر في كتاب الجفر والجامعة، ولا ينظر فيهما إلاّ نبي أو وصي نبي(3) .

4 - داود بن كثير:

روى داود بن كثير الرقي، قال: قلت لموسى الكاظم: جُعلت فداك، إنّي قد كبرت، وكبر سنّي، فخذ بيدي، وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟

فأشارعليه‌السلام إلى ابنه أبي الحسن الرضا، وقال: هذا صاحبكم بعدي(4) .

5 - سليمان بن حفص:

روى سليمان بن حفص المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر وأنا أريد أن أسأله عن الحجّة على الناس بعده، فلمّا نظر إليّ ابتداني، وقال: يا سليمان إنّ عليّاً ابني ووصيي، والحجّة على الناس بعدي، وهو أفضل ولدي، فإن بقيت بعدي فاشهد له بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي، المستخبرين عن خليفتي بعدي(5) .

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 88.

(2) كشف الغمّة 3 / 88.

(3) كشف الغمّة 3 / 88.

(4) الفصول المهمّة (ص 225).

(5) عيون أخبار الرضا 1 / 26.

٨٢

6 - عبد الله الهاشمي:

قال عبد الله الهاشمي: كنّا عند القبر - أي قبر النبي (ص) - نحو ستين رجلاً منا ومن موالينا، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ويد علي ابنه في يده فقال: أتدرون من أنا!

قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا؟ - وأشار إلى ابنه - قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي، ووصيي بعد موتي(1).

7 - عبد الله بن مرحوم:

روى عبد الله بن مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة، فلمّا صرت في بعض الطريق لقيت أبا إبراهيم، وهو يذهب به إلى البصرة، فأرسل إليّ فدخلت عليه فدفع إلي كتباً، وأمرني أن أوصلها إلى المدينة، فقلت: إلى مَن ادفعها جُعلت فداك؟ قال: إلى علي ابني، فإنّه وصيي، والقيّم بأمري، وخير بنيّ(2).

8 - عبد الله بن الحرث:

روى عبد الله بن الحرث، قال: بعث إلينا أبو إبراهيم فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم!

قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، مَن كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومَن كانت له عندي عدّة فليستنجزها منه، ومَن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه(3)

9 - حيدر بن أيوب:

روى حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ - أي ما أخّرك عن المجيء - قال: دعانا أبو إبراهيم اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وإنّ أمره جايز - أي نافذ - عليه، وله، ثم قال محمد: والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم، وليقولن الشيعة به من بعده، قلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 26 - 27.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا.

٨٣

بل يبقيه الله، وأي شيء هذا؟

يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له بالإمامة(1).

10 - الحسين بن بشير:

قال الحسين بن بشير: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه عليّاً، كما أقام رسول الله (ص)، عليّاً يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو قال: يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي(2) .

11 - جعفر بن خلف:

روى جعفر بن خلف قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلف، وقد أراني الله من ابني هذا خلفا وأشار إليه - يعني الرضا -(3).

12 - نصر بن قابوس:

روى نصر بن قابوس قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ، إنّي سألت أباك مَن الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو، فلمّا توفّي أبو عبد الله ذهب الناس يميناً وشمالاً، وقلت: أنا وأصحابي بك، فأخبرني مَن الذي يكون بعدك؟ قال: ابني علي(4) .

13 - محمد بن سنان:

روى محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلي ابنه بين يديه، فقال لي: يا محمد، فقلت: لبّيك، قال: إنّه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع منها، ثم أطرق، ونكت بيده في الأرض، ورفع رأسه إليّ وهو يقول: ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء، قلت: وما ذاك؟

قال: مَن ظلم ابني هذا حقّه، وجحد إمامته من بعدي، كان كمَن ظلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام حقّه، وجحد إمامته من بعد محمد (صلي الله عليه وآله). فعلمت أنّه قد نعى إلى نفسه، ودلّ على ابنه، فقلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا 1 / 30.

(4) عيون أخبار الرضا 1 / 31.

٨٤

والله لئن مدّ الله في عمري لأسلمن إليه حقه، ولأقرن له بالإمامة، وأشهد أنّه من بعدك حجّة الله تعالى على خلقه، والداعي إلى دينه، فقال لي: يا محمد يمد الله في عمرك، وتدعو إلى إمامته، وإمامة مَن يقوم مقامه من بعده، فقلت: مَن ذاك جُعلت فداك؟ قال: محمد ابنه، قال: قلت: فالرضا والتسليم، قال: نعم كذلك وجدتك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء، ثم قال: يا محمد إنّ المفضل كان أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما(1) حرام على النار أن تمسّك أبداً(2) .

هذه بعض النصوص التي أُثرت عن الإمام موسىعليه‌السلام على إمامة ولده الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد حفلت باهتمام الإمام موسى في هذا الموضوع، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى تفنيد القائلين بالوقف على إمامته، وإبطال شبههم، وتحذير المسلمين منهم.

وصيّة الإمام:

وأقام الإمام موسىعليه‌السلام ولده الرضا وصيّاً من بعده، وقد أوصاه بوصيّتين، وهما يتضمّنان ولايته على صدقاته، ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة، وإلزام أبنائه باتباعه، والانصياع لأوامره، كما عهد إلى السيدات من بناته أن يكون زواجهن بيد الإمام الرضا؛ لأنّه اعرف بالكفؤ من غيره، فينبغي أن لا يتزوجن إلاّ بمؤمن تقي يعرف مكانتهن ومنزلتهن.

أمّا الوصية الثانية فقد ذكرناها في كتابنا حياة الإمام موسىعليه‌السلام فلا حاجة لذكرها فإنّي لا أحب أن أذكر شيئاً قد كتبته.

سجن السندي:

وأمر الرشيد بسجن الإمام في سجن السندي بن شاهك وهو شرّير لم تدخل الرحمة إلى قلبه، وقد تنكّر لجميع القيم، لا يؤمن بالآخرة ولا يرجو لله وقاراً، فقابل الإمام بكل قسوة وجفاء فضيق عليه في مأكله ومشربه، وكبّله بالقيود، ويقول الرواة إنّه قيّده بثلاثين رطلاً من الحديد.

____________________

(1) الضمير يرجع إلى الإمام الرضا وابنه محمد الجواد.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 32 - 33.

٨٥

وأقبل الإمام على عادته على العبادة فكان في أغلب أوقاته يصلّي لربّه، ويقرأ كتاب الله، ويمجّده ويحمده على أن فرّغه لعبادته.

كتابه إلى هارون:

وأرسل الإمام رسالة إلى هارون أعرب فيها عن نقمته عليه وهذا نصّها: ( إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس فيه انقضاء، وهناك يخسر المبطلون )(1) .

وحكت هذه الرسالة ما ألمّ بالإمام من الجزع والأسى من السجن وأنّه سيحاكم الطاغية أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون.

اغتيال الإمام:

وعهد الطاغية إلى السندي أو إلى غيره من رجال دولته باغتيال الإمام، فدسّ له سمّاً فاتكاً في رطب، وأجبره السندي على تناوله، فأكل منه رطبات يسيرة، فقال له السندي: ( زد على ذلك... )..

فرمقه الإمام بطرفه، وقال له: ( حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه... ).(2) .

وتفاعل السم في بدن الإمام، وأخذ يعاني الآلام القاسية وقد حفّت به الشرطة القساة، ولازمه السندي، فكان يسمعه مرّ الكلام وأقساه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.

لقد عانى الإمام في تلك الفترة الرهيبة أقسى ألوان المحن والخطوب، فقد تقطّعت أوصاله من السم، وكان أشق عليه ما يسمعه من انتهاك لحرمته وكرامته من السندي وجلاوزته.

إلى الرفيق الأعلى:

وسرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام ، وأخذ يعاني أقسى ألوان الأوجاع والآلام، واستدعى الإمام السندي فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولى

____________________

(1) البداية والنهاية 10 / 183.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 499 - 500.

٨٦

له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولّى تجهيزه، وسأله السندي أن يأذن له في تجهيزه فأبى، وقال: إنّا أهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني(1) واحضر له السندي مولاه فعهد له بتجهيزه.

ولمّا ثقل حال الإمام، وأشرف على النهاية المحتومة استدعى المسيب بن زهرة، وقال له: ( إنّي على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت، واصفرّ لوني واحمرّ، واخضرّ، وأتلوّن ألواناً، فأخبر الطاغية بوفاتي... ).

قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده، حتى دعاعليه‌السلام بشربة فشربها، ثم استدعاني فقال: ( يا مسيب إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي، ودفني، وهيهات، هيهات أن يكون ذلك أبداً فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإنّ كل تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي فإنّ الله عزّ وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا... ).

قال المسيب: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه، وكان عهدي بسيّدي الرضاعليه‌السلام وهو غلام فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسى وقال: أليس قد نهيتك، ثم إنّه غاب ذلك الشخص، وجئت إلى الإمام فإذا به جثّة هامدة قد فارق الحياة، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد(2) .

لقد سمت روح الإمام إلى خالقها العظيم تحفّها ملائكة الرحمن بطاقات من زهور الجنّة، وتستقبلها أرواح الأنبياء والأوصياء والمصطفين الأخيار.

سيّدي أبا الرضا: لقد مضيت إلى دار الخلود بعد أن أدّيت رسالتك، ورفعت كلمة الله عالية في الأرض، ونافحت عن حقوق المظلومين، والمضطهدين، وقاومت الطغيان والاستبداد، فما أعظم عائدتك على الإسلام والمسلمين.

سيّدي أبا الرضا:

____________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 504).

(2) حياة الإمام موسى 2 / 514 - 515.

٨٧

لقد تجرّعت أنواع المحن والغصص والخطوب من طاغية زمانك فأودعك في سجونه، وضيّق عليك في كل شيء، وحال بينك وبين شيعتك وأبنائك وعائلتك؛ لأنّك لم تسايره ولم تبرّر منكره، فقد تزعّمت الجبهة المعارضة للظلم والطغيان، ورحت تندد بسياسته الهوجاء التي بنيت على سرقة أموال المسلمين، وإنفاقها في ملذّاته، ولياليه الحمراء، فسلام الله عليك غادية ورائحة، وسلام الله عليك يوم ولدت ويوم متّ ويوم تُبعث حيّاً.

تحقيق الشرطة في الحادث:

وقامت الشرطة بدورها في التحقيق في سبب وفاة الإمام، وقد بذلت قصارى جهودها في أنّ الإمام مات حتف أنفه؛ لتبرئ ساحة الطاغية هارون، وقد قام بذلك السندي ابن شاهك، وكان ذلك في مواضع منها ما رواه عمرو بن واقد، قال: أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فخشيت أن يكون لسوء يريده لي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه، وقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثم ركبت إليه، فلمّا رآني مقبلاً قال: ( يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأزعجناك؟... ).

( نعم )...

( ليس هنا إلاّ الخير... ).

( فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم خبري... ).

( نعم )... ولمّا هدأ روعه، وذهب عنه الخوف، قال له السندي: ( يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟... )..

( لا ).

( أتعرف موسى بن جعفر؟... ).

( أي والله أعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر... ).

هل ببغداد ممّن يقبل قوله تعرفه أنّه يعرفه؟... ).

( نعم ).

ثم إنّه سمّى له أشخاصاً ممّن يعرفون الإمام، فبعث خلفهم فقال لهم: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر؟

فسمّوا له قوماً فأحضرهم، وقد استوعب الليل فعله حتى انبلج نور الصبح، ولمّا كمل عنده من الشهود نيّف وخمسون رجلاً،

٨٨

أمر بإحضار كاتبه، ويعرف اليوم بكاتب الضبط، فأخذ في تسجيل أسمائهم ومنازلهم وأعمالهم وصفاتهم وبعد انتهائه من الضبط أخبر السندي بذلك فخرج من محلّه، والتفت إلى عمرو فقال له: قم يا أبا حفص فاكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشف عمرو الثوب عن وجه الإمام، والتفت السندي إلى الجماعة، فقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد منهم بعد واحد، فنظروا إليه جميعاً، ثم قال لهم:

( تشهدون كلّكم أنّ هذا موسى بن جعفر؟... ).

( نعم ).

ثم أمر غلامه بتجريد الإمام من ملابسه، ففعل الغلام ذلك، ثم التفت إلى القوم فقال لهم: ( أترون به أثراً تنكرونه؟... ) فقالوا: ( لا ). ثم سجّل شهادتهم وانصرفوا(1) .

كما استدعى فقهاء بغداد ووجوهها، وفيهم الهيثم بن عدي فسجّل شهادتهم بإنّ الإمام مات حتف أنفه(2). وفعل هارون مثل ذلك من الإجراءات والسبب في ذلك تنزيهه من اقتراف الجريمة، ونفي المسؤولية عنه.

وضعه على الجسر:

ووضع جثمان الإمام سليل النبوّة على جسر الرصافة ينظر إليه القريب والبعيد، وتتفرّج عليه المارّة، وقد احتفت به الشرطة، وكشفت وجهه للناس، وقد حاول الطاغية بذلك إذلال الشيعة والاستهانة بمقدّساتها وكان هذا الإجراء من أقسى ألوان المحن التي عانتها الشيعة؛ فقد كوى بذلك قلوبهم وعواطفهم، يقول الشيخ محمد ملة:

مَن مبلغ الإسلام أنّ زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميما

فالغيّ بات بموته طرب الحشا

وغدا لمأتمه الرشاد مقيما

ملقىً على جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما

وقال الخطيب المفوّه الشيخ محمد علي اليعقوبي:

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيّعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه هزيج

له الأهاضيب تنهد(3)

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 521.

٨٩

النداء الفظيع:

يا لهول المصاب، يا لروعة الخطب، لقد انتهك السندي جميع حرمات الإسلام، فقد أمر الجلادين أن ينادوا على الجثمان المقدس بنداء مؤلم، فبدل أن ينادوا بالحضور لجنازة الطيب ابن الطيب أمرهم أن ينادوا بعكس ذلك، وانطلق العبيد والأنذال يجوبون في شوارع بغداد رافعين أصواتهم بذلك النداء القذر، وأمرهم ثانياً أن ينادوا بنداء آخر: ( هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت فانظروا إليه ميتاً... )(1) .

قيام سليمان بتجهيز الإمام:

وكان سليمان مطلاًّ على نهر دجلة في قصره، فرأى الشرطة وقطعات من الجيش تجوب في الشوارع، والناس مضطربة، فزعة، فهاله ذلك، فالتفت إلى ولده وغلمانه قائلاً: ( ما الخبر؟ ).

فقالوا له: ( هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر... ).

وأخبروه بندائه الفظيع، فخاف سليمان من حدث الفتنة وانفجار الوضع بما لا تحمد عقباه، وصاح بولده:

( انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد - وهو لباس الشرطة والجيش - )(2) .

وانطلق أبناء سليمان مسرعين ومعهم غلمانهم وحرّاسهم إلى الشرطة، فأخذوا الجثمان المقدس من أيديهم، ولم تبد الشرطة أيّة مقاومة معهم، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الأسرة العباسية.

وحمل جثمان الإمام إلى سليمان فأمر أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي، وانطلق المنادون رافعين أصواتهم بهذا النداء:

( ألا مَن أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر ).

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر.

٩٠

وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين وسيد المتقين والعابدين، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع وخرجت السيدات من نسائهم، وهن يندبن الإمام، ويرفعن أصواتهن بالنياحة عليه. وسارت مواكب التشييع وهي تجوب شوارع بغداد، وتردد أهازيج اللوعة والحزن، وأمام النعش المقدس مجامير العطور، وانتهى به إلى موضع في سوق سُمّي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس لئلاّ تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له(1) ، وانبرى شاعر ملهم فأبّن الإمام بهذه الأبيات الرائعة:

قد قلت للرجل المولّى غسله

هلاّ أطعت وكنت من نصائحه

جنبه ماءك ثم غسّله بما

أذرت عيون المجد عند بكائه

وأزل أفاويه الحنوط ونحّها

عنه وحنّطه بطيب ثنائه

ومر الملائكة الكرام بحمله

كرماً ألست تراهم بإزائه

لا توه أعناق الرجال بحمله

يكفي الذي حملوه من نعمائه(2)

وسارت المواكب متجهة إلى محلّة باب التبن، وقد ساد عليها الوجوم والحزن، حتى انتهت إلى مقابر قريش فحفر للجثمان العظيم قبر، وأنزله فيه سليمان بن أبي جعفر، وهو مذهول اللب، فواراه فيه، وارى فيه الحلم والكرم والعلم، والإباء.

وانصرف المشيعون، وهم يعددون فضائل الإمام، ويذكرون بمزيد من اللوعة الخسارة التي منّي بها المسلمون، فتحيّات من الله على تلك الروح العظيمة التي ملأت الدنيا بفضائلها وآثارها ومآثرها.

تقلّد الإمام الرضا للزعامة الكبرى:

وتقلّد الإمام الرضاعليه‌السلام بعد وفاة أبيه الزعامة الدينية الكبرى، والمرجعية العامة للمسلمين، وقد احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم.

____________________

(1) الأنوار البهية (ص 99).

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 57).

٩١

سفره إلى البصرة:

وبعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام سافر الإمام الرضاعليه‌السلام إلى البصرة للتدليل على إمامته، وإبطال شبه المنحرفين عن الحق، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب، وهو من المنحرفين عن آل البيتعليهم‌السلام والمعادين لهم، كما دعا فيه جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، والتفت إليهم الإمام فقال لهم:

( إنّي إنّما جمعتكم لتسألوني عمّا شيءتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت، فهلموا أسألكم... ).

وبادر عمرو بن هداب فقال له: ( إنّ محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله، وانك تعرف كل لسان ولغة... ).

وانبرى الإمامعليه‌السلام فصدّق مقالة محمد بن الفضل في حقّه قائلاً: ( صدق محمد بن الفضل أنا أخبرته بذلك... ).

سارع عمرو قائلاً: ( إنّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن، واللغات، هذا رومي، وهذا هندي، وهذا فارسي، وهذا تركي، قد أحضرناهم... ).

فقالعليه‌السلام : ( فليتكلّموا بما أحبوا، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله... ).

وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجابعليه‌السلام عنها بلغته، وبهر القوم وعجبوا، والتفت الإمام إلى عمرو فقال له: ( إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقاً لي؟... ).

( لا، فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله تعالى... ).

وردّ الإمام عليه مقالته: ( أو ليس الله تعالى يقول:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رسُولٍ ) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك

٩٢

الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة. وإنّ الذي أخبرتك به يا بن هداب لكائن إلى خمسة أيام وإن لم يصح في هذه المدة فإنّي.. وإن صحّ فتعلم أنّك راد على الله ورسوله.

وأضاف الإمام قائلاً: ( أما إنّك ستصاب ببصرك، وتصير مكفوفاً، فلا تبصر سهلاً، ولا جبلاً وهذا كائن بعد أيام، ولك عندي دلالة أخرى، إنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص... ).

وأقسم محمد بن الفضل بالله بأنّ ما أخبر به الإمام قد تحقّق، وقيل لابن هداب: ( هل صدق الرضا بما أخبر به؟... ).

فقال: والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن، ولكنّي كنت أتجلّد.

والتفت الإمام إلى الجاثليق فقال له: ( هل دلّ الإنجيل عل نبوّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( لو دلّ الإنجيل على ذلك ما جحدناه... ).

ووجّه الإمام له السؤال التالي: ( اخبرني عن السكنة التي لكم في السفر الثالث؟... ). وأجاب الجاثليق: ( إنّها اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره... ).

وردّ عليه الإمام قائلاً: ( فان قربه ربّك أنّه اسم محمد، وأقر عيسى به، وأنّه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقربه، ولا تنكره؟... ).

ولم يجد الجاثليق بُدّاً من الموافقة على ذلك قائلاً: ( إن فعلت أقررت، فإنّي لا أرد الإنجيل ولا أجحده... ).

وأخذ الإمام يقيم عليه الحجّة قائلاً: ( خذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشارة عيسى

٩٣

بمحمد؟... ).

وسارع الجاثليق قائلا: ( هات ما قلته... ).

فأخذ الإمامعليه‌السلام يتلو عليه السفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال للجاثليق: ( من هذا الموصوف؟... ).

قال الجاثليق: ( صفه ).

وأخذ الإمامعليه‌السلام في وصفه قائلاً: ( لا أصفه إلاّ بما وصفه الله، وهو صاحب الناقة، والعصا، والكساء، النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم. سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله، وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وأطرق الجاثليق مليّاً برأسه إلى الأرض، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فقد سدّ عليه الإمام كل نافذة يسلك منها، ولم يسعه أن يجحد الإنجيل، فأجاب الإمام قائلاً: نعم هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنّه صاحبكم ).

وانبرى الإمام يقيم عليه الحجّة، ويبطل أوهامه قائلاً: ( أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخذ على السفر الثاني، فإنّه قد ذكره وذكر وصيّه، وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين... ).

وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أنّ الإمامعليه‌السلام عالم بالتوراة والإنجيل، وأنّه واقف على جميع ما جاء فيهما، وفكّرا في التخلص من حجج الإمام فأبديا الشك في أن الذي بشر به موسى والسيد المسيح هو النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطفقا قائلين:

٩٤

( لقد بشر به موسى وعيسى جميعاً، ولكن لم يتقرّر عندنا أنّه محمد هذا، فأمّا كون اسمه محمد، فلا يجوز أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنّه محمّدكم أو غيره... ).

وانبرى الإمام ففنّد شبهتهم قائلاً: ( احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمد أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد؟... ).

وأحجما عن الجواب، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها، وأصرّا على العناد والجحود قائلين: ( لا يجوز لنا أن نقر لك بأنّ محمّداً هو محمّدكم، فإنّا إن أقررنا لك بمحمد ووصيّه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرهاً... ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أنت يا جاثليق آمن في ذمّة الله، وذمّة رسوله أنّه لا يبدؤك منّا شيء تكرهه... ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( إذ قد آمنتني، فان هذا النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور، وطفق الإمام قائلاً: ( هل هذا صدق وعدل؟... ).

( بل صدق وعدل... ).

وسكت الجاثليق، واعترف بالحق، والتفت الإمام إلى رأس الجالوت فقال له: ( اسمع يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود... ).

قال رأس الجالوت: ( بارك الله فيك وفيمَن ولدك: هات ما عندك... ).

وأخذ الإمام يتلو عليه السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين، ووجه الإمام له السؤال التالي: ( سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟... ).

( نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم... ).

٩٥

وانبرى الإمام قائلاً: ( بحق عشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ ).

ولم يسع رأس الجالوت إلاّ الإقرار والاعتراف بذلك، وأخذ الإمام يتلو في سفر آخر من التوراة، وقد بهر رأس الجالوت من اطلاع الإمام ومن فصاحته وبلاغته، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين، فقال رأس الجالوت: ( والله يا بن محمد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك، فو الله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ما رأيت اقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحسن تفسيراً وفصاحة لهذه الكتب منك ).

وقد استغرقت مناظرة الإمام معهم وقتاً كثيراً حتى صار وقت صلاة الظهر فقامعليه‌السلام فصلّى بالناس صلاة الظهر، وانصرف إلى شؤونه الخاصة، وفي الغد عاد إلى مجلسه، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمامعليه‌السلام ، فكلّمها الإمام بلغتها، والجاثليق حاضر، وكان عارفاً بلغتها، فقال الإمام للجارية: ( أيّما أحب إليك محمد أم عيسى؟... ).

فقالت الجارية: ( كان فيما مضى عيسى أحب إليّ؛ لأنّي لم أكن أعرف محمداً، وبعد أن عرفت محمداً فهو أحب إليّ من عيسى... ).

والتفت لها الجاثليق فقال لها: ( إذا كنت دخلت في دين محمد فهل تبغضين عيسى؟... ).

وأنكرت الجارية كلامه فقالت: ( معاذ الله بل أحب عيسى، وأومن به، ولكن محمداً أحب إلي... ).

والتفت الإمام إلى الجاثليق فطلب منه أن يترجم للجماعة كلام الجارية، فترجمه لهم، وطلب الجاثليق من الإمام أن يحاجج مسيحيّاً من السند له معرفة بالمسيحية، وصاحب جدل، فحاججه الإمام بلغته، فآمن السندي بالإسلام، وأقرّ للإمامعليه‌السلام بالإمامة، وطلبعليه‌السلام من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل، ويطهر بدنه من درن الشرك، فأخذه محمد إلى الحمّام، وكساه بثياب نظيفة، وأمر الإمام بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه، ثم ودّع الإمام أصحابه

٩٦

ومضى إلى المدينة المنوّرة(1) .

سفره إلى الكوفة:

وغادر الإمامعليه‌السلام يثرب متوجّهاً إلى الكوفة، فلمّا انتهى إليها استقبل فيها استقبالاً حاشداً، وقد نزل ضيفاً في دار حفص بن عمير اليشكري، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل، وهو يجيبهم عنها، وقد عقد مؤتمراً عامّاً ضمّ بعض علماء النصارى واليهود، وجرت بينه وبينهم مناظرات أدت إلى انتصاره وعجزهم عن مجاراته، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى الحاضرين، فقال لهم: ( يا معاشر الناس، أليس أنصف الناس مَن حاجّ خصمه بملّته وبكتابه، وشريعته؟... ).

فقالوا جميعاً: ( نعم ).

فقالعليه‌السلام : ( اعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ مَن قام بما قام به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين يفضي له الأمر، ولا يصلح للإمامة إلاّ مَن حاج الأمم بالبراهين للإمامة... ).

وانبرى عالم يهودي فقال له: ( ما الدليل على الإمام؟... )

فقالعليه‌السلام :

( أن يكون عالماً بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم، وأن يكون عالماً بجميع اللغات حتى لا يخفي عليه لسان واحد، فيحاج كل قوم بلغتهم، ثم يكون مع هذه الخصال تقياً، نقياً من كل دنس، طاهراً من كل عيب، عادلاً، منصفاً، حكيماً، رؤوفاً، رحيماً، غفوراً، عطوفاً، صادقاً، مشفقاً، بارّاً، أميناً، مأموناً... )(2) .

وجرت بينه وبين بعض الحاضرين مناظرات أدّت إلى تمسّك الشيعة بالإمام

____________________

(1) البحار 12 / 21 - 23، بتصرف نقلنا الخبر.

(2) البحار 12 / 23، نقلنا الحديث بتصرف.

٩٧

عليه‌السلام ، وزيادة إيمانهم بقدراته العلمية الهائلة كما أدّت إلى إفحام القوى المعارضة للإمام، وعجزهم عن مجاراته وبهذا نطوي الحديث عن دور الإمام في ظلال أبيه، وبعد وفاته.

٩٨

٩٩

مناظراته واحتجاجاته

واتسم عصر الإمام الرضاعليه‌السلام بشيوع المناظرات والاحتجاجات بين زعماء الأديان والمذاهب الإسلامية وغيرها، وقد احتدم الجدال بينهم في كثير من البحوث الكلامية خصوصاً فيما يتعلّق بأصول الدين، وقد حفلت الكتب الكلامية وغيرها بألوان من ذلك الصراع العقائدي مشفوعة بالأدلة التي أقامها المتكلمون على ما يذهبون إليه.

ومن بين المسائل التي عظم فيها النزاع، واحتدم فيها الجدال بين الشيعة والسنّة: ( الإمامة )، فالشيعة تصر على أنّ الإمامة كالنبوّة غير خاضعة لاختيار الأمّة وانتخابها، وإنّما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها مَن يشاء من صلحاء عباده ممّن امتحن قلوبهم للإيمان كما يشترطون في الإمام أن يكون معصوماً عن الخطأ، وأن يكون أعلم الأمّة، وأدراها لا في شؤون الشريعة الإسلامية فحسب وإنما في جميع علوم الحياة، وأنكر جمهور أهل السنّة ذلك جملةً وتفصيلاً، ومن الجدير بالذكر أنّ أروقة الملوك والوزراء في عصر الإمام قد عقدت فيها مجالس للمناظرة بين زعماء المذاهب الإسلامية فقد عقدت البرامكة مجالس ضمت المتكلمين من علماء السنة، فناظروا العالم الكبير هشام بن الحكم، وحاججوه في أمر الإمامة، فتغلّب عليهم ببالغ الحجّة، وقوّة البرهان، وممّا لا ريب فيه أنّ عقد البرامكة للخوض في هذه البحوث الحساسة لم تكن بواعثه علمية فقط، وإنّما كانت للاطلاع على ما تملكه الشيعة من الأدلة الحاسمة لإثبات معتقداتها في الإمامة.

ولمّا جعل المأمون ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام التي لم تكن عن إخلاص، ولا عن إيمان بأنّ الإمام أحق وأولى بالخلافة منه، وإنّما كانت لأسباب سياسية سوف نتحدث عنها في غضون هذا الكتاب، وقد أوعز إلى ولاته في جميع

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

رويات إسرائيل بن يونس (١٦٠ هـ)

روى ابن سعد عن محمد بن عبد الله الأسدي (٢٠٣ هـ) قال حدثنا إسرائيل(١) عن أبي إصحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.(٢)

روايات محمد بن المهلب الحراني الملقب ب

غندر (ت قبل المائتين)

روى ابن عساكر عن غندر(٣) عن شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.(٤)

روايات قيس بن الربيع (١٦٨ هـ)

روى ابو الفرج عن احمد عن عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع(٥) عن

__________________

(١) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٦ ص ٣٧٤ إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ويكنى أبا يوسف توفي بالكوفة سنة اثنتين وستين ومائة وقال أبو نعيم سنة ستين ومائة وكان ثقة حدث عنه الناس حديثا كثيرا ومنهم من يستضعفه. تهذيب التهذيب : قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي إسرائيل لص يسرق الحديث. وفي الكاشف للذهبي ج ١ ص ٢٤١ قال أبو حاتم هو من أتقنأصحاب أبي إسحاق وضعفه بن المديني توفي ١٦٢ ع.

(٢) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، القمس المفقود ، من ذخائر تراثنا ترجمة الحسن من ابن سعد غير المطبوع ص ٥٨.

(٣) لعله محمد بن جعفر مات بالبصرة سنة ١٩٤ هـ ، ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج ٦ ص ٢٩٥ ، محمد بن المهلب غندر الحراني سمعت بن أبي معشر يقول كان يضع الحديث وهو أموي يحدث عن النفيلي ونظرائه ويكنى أبا الحسن. ابن العجمي ،الكشف الحثيث ص ٢٥١ : محمد بن المهلب الحراني لقبه غندر يروي عن أبي جعفر النفيلي وغيره قال أبو عروبة فيما رواه عنه بن عدي يضع الحديث.

(٤) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة الحسن ١٦٩.

(٥) العقيلي ،الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي ) ، ج ٣ ص ٤٦٩ قيس بن الربيع أبو محمد الكوفي الأسدي قال محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا علي بن المديني قال كان وكيع يضعف قيس بن الربيع ، وقال عمرو بن علي سمعت أبا داود يقول سمعت شعبة يقول من يعذرني من يحيى هذا الأحول لا يرضى قيس بن الربيع. حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول سمعت الربيع بن الجراح غير

٤٤١

الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟(١)

روايات إسماعيل بن إبراهيم بن عُليَّة

البصري (١٩٣ هـ)

وروى أبو الفرج أيضا : عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية البصرة عن سعيد بن عروبة البصرة عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة

__________________

مرة يقول حدثنا قيس بن الربيع والله المستعان حدثنا محمد بن زكريا حدثنا محمد بن المثنى قال ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثنا عن قيس بن الربيع شيئا قط. وقال عمرو بن علي يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس وكان عبد الرحمن حدثنا عنه قبل ذلك قم تركه ، عن عباس قال سمعت يحيى يقول قيس بن الربيع ليس بشيء وفي موقع آخر قيس بن الربيع لا يساوي شيئا. حدثنا محمد قال حدثني عباس قال سمعت يحيى وسئل عن قيس فقال قال عثمان أتيناه فكان يحدث فربما أدخل حديث مغيرة في حديث منصور. وفي معرفة الثقات قال ابن حبان : قيس بن الربيع الأسدي الناس يضعفونه وكان شعبة يروى عنه وكان معروفا بالحديث صدوقا ويقال إن ابنه أفسد عليه كتبه بأخرة فترك الناس حديثه. وفي تذكرة الحفاظ ١ / ٢٢٦ د ت ق قيس بن الربيع الربيع الحافظ أبو محمد الأسدي الكوفي أحد الاعلام على ضعف فيه حدث عن عمرو بن مرة وحبيب بن أبي ثابت وعلقمة بن مرئد وزياد بن علاقة ومحارب بن دثار وطبقتهم من الكوفيين ولم يرتحل حدث عنه سفيان وشعبة وهما من طبقته وإسحاق السلولي وعاصمبن علي ومحمد بن بكار بن الريان وعلي بن الجعد ويحيى الحماني وخلق كان شعبة يثني عليه وقال عفان كان ثقة وقال يعقوب بن شبة هو عند جميع أصحابنا صدوق وكتابه صالح وهو رديء الحفظ جدا ولينه أحمد بن حنبل وقال بن معين ليس بشيء وقال النسائي متروك واما بن عدي فقواه وقال لا بأس به عامة رواياته مستقيمة القول فيه ما قال شعبة وقال أبو الوليد شهد جنازة قيس بن الربيع شريك فقال ما ترك بعده مثله وقال محمد بن عبيد الطنافسي لم يكن قيس عندنا بدون الثوري وإنما ولي شيئا فأقام على رجل حدا فمات قال فطفئ أمره قال وكان يعلق النساء بثديهن ويرسل عليهن الزنابير وقال أبو الوليد كتبت عن قيس ستة آلاف حديث قلت وقد كان قيس من أوعية العلم وارى الأئمة تكلموا فيه لظلمه مات سنة سبع أوثمان وستين ومائة رحمه الله تعالى. وفي الضعفاء والمتروكين للنسائي قال : قيس بن الربيع متروك الحديث كوفي. وفي تقريب التهذيب قال ابن حجر : قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به من السابعة مات سنة بضع وستين د ت ق. وفي تاريخ بغداد : قال بن عمار وكان قيس بن الربيع عالما بالحديث ولكنه ولي المدائن فقتل رجلا فيما بلغني فنفر الناس عنه.

(١) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ج ٥ ص ١٤٤.

٤٤٢

إلى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمر قال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليه الحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت ، ثم أمر عبد الله بن جعفر فقام فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال علي امسك جلد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين وجلد ابو بكر أربعين واتمها عمر ثمانين وكل سنة.(١)

روايات محمد بن أبي أيوب ت قبل

المائتين هجرية

البلاذري عن احمد بن إبراهيم الدورقي عن أبي نعيم عن محمد بن أبي أيوب عن قيس بن مسلم (ت ١٢٠ هـ) عن طارق بن شهاب ان الحسن بن علي قال لعلي يا أمير المؤمنين اني لا استطيع ان اكلمك وبكى فقال علي : تكلم ولا تحن حنين الجارية. فقال ان الناس حصروا عثمان فأمرتك ان تعتزلهم وتلحق بمكة حتى تؤوب إلى العرب عوازب احلامها فأبيت ثم قتله الناس فأمرتك ان تعتزل الناس فلو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك فغلبتني وانا امرك اليوم ان لا تقدم العراق فاني اخاف عليك ان تقتل بمضيعة ٢ / ٢١٧.

روايات عبد الأعلى بن عبد الاعلى الشامي

البصري (١٨٩ هـ)

روى ابن عساكر بسنده عن عبيد بن عمر بن ميسرة أبو سعيد القواريري (٢٣٥ هـ) البصري(٢) نا عبد الأعلى(٣) عن هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال

__________________

(١) أبو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ج ٥ ص ١٤٥.

(٢) عبيد الله بن عمر بن ميسرة أبو سعيد القواريري الجشمي مولاهم البصري سكن بغداد أخرج البخاري في الجمعة عنه عن خالد بن الحارث قال ابخاري مات يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلتمن ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين قال أبو حاتم هو صدوق وروى عنه هو وأبو زرعة قال أبو بكر بن أبي خيثمة مات ببغداد وسمعت بن معين يقول هو ثقة.

(٣) معرفة الثقات لابن حبان : عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن عبد الله بن شراحيل الشامي أبو محمد من

٤٤٣

تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.(١)

روايات عبد الله بن عون (١٥١ هـ)

روى ابن عساكر عن شيران الرامهرمزينا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ت ٢٥٢ هـ نا قريش بن انس(٢) (ت ٢٠٨ هـ) نا عبد الله بن عون (ت ١٥١ هـ) عن محمد قال خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن (١) زبان الفزاري ابنته فقال والله أني لأنكحك واني لا علم انك على طلق ملق غير انك اكرم العرب بيتا واكرمه نسبا.(٣)

روايات محمد بن عبيد (٢٠٤ هـ)

وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبيد (٢٠٤ هـ)(٤) :

__________________

أهل البصرة وقيل أبو همام كان يكره أن يقال له أبو همام يروى عن حميد الطويل روى عنه مسدد وأهل البصرة مات يومالأحد في شهر شعبان سنة أربع أو سبع وثمانين ومائة وكان قدريا متقنا في الحديث غير داعية إليه.

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٣١ ص ٢٤٩.

(٢) [٨٩٠] قريش بن أنس الأنصاري مولى بني والية كنيته أبو أنس من أهل البصرة يروي عن بن عون والبصريين روى عنه العراقيون مات سنة تسع ومائتين وكان سخيا صدوقا إلا أنه اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به بقي ست سنين في اختلاطه فظهر في روايته أشياء مناكير لا تشبه حديثه القديم فلما ظهر ذلك من غير أن يتميز مستقيم حدثه من غيره لم يجز الاحتجاج به فيما انفرد فأما فيما وافق الثقات فهو المعتبر بأخباره تلك روى عن أشعث عن الحسن عن سمرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يقد السير بين إصبعين أي لا يقطع بين إصبعين مخافة أن يقطع الأصابع أخبرناه بن قحطبة قال حدثنا بندار بن بشار قال حدثنا قريش بن أنس عن أشعث. وفي تهذيب التهذيب : هشيم عن العوام عن جميع بنعمير على الصواب انتهى وله عند الأربعة ثلاثة أحاديث وقد حسن الترمذي بعضها وقال بن نمير كان من أكذب الناس كان يقول أن الكراكي تفرخ في السماء ولا يقع فراخها رواه بن حبان في كتاب الضعفاء بإسناده وقال كان رافضيا يضع الحديث وقال الساجي له أحاديث مناكير وفيه نظر وهو صدوق وقال العجلي تابعي ثقة. ابن حجر ،تهذيب التهذيب ج ٢٢ ص ٩٥ قال أبو نعيم الفضل بن دكين كان فاسقا وذكره بن حبان في الثقات قلت وقال الآجري عن أبي داود جميع بن عمر راوي حديث هند بن أبي هالة أخشى أن يكون كذابا وقال العجلي جميع لا بأس به يكتب حديثه وليس بالقوي.

(٣) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٣١ ص ٢٥١.

(٤) قال الذهبي فيتذكره الحفاظ ج ١ ص ٣٣٣ ع محمد بن عبيد بن أبي أمية الحافظ الثقة أبو عبد الله الأيادي الكوفي الكنافسي الأحدب مولى بني حنيفة ولد سنة سبع وعشرين ومائة وسمع هشام بن عروة والأعمش وإسماعيل وعبيد الله وابن إسحاق ومسعرا حدث عنه اخوه يعلى وأحمد وابن معين

٤٤٤

عن مجالد (ت ١٤٤ هـ) عن الشعبي ،

وعن يونس بن أبي إسحاق (ت ١٥٩ هـ) عن أبيه

وعن أبي السفر (سعيد بن عمرو الهمداني) (مات زمن بني أمية في امارة خالد) وغيرهم.

قالوا : بايع أهل العراق الحسن بن علي بعدقتل علي بن أبي طالب ثم قالوا له سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس أمورهم فإنا نرجو أن يمكن الله منهم فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس.

قال : وقال غيره وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد فسار فيهم قيسحتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها.

وسار الحسن حتى نزل المدائن وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.

__________________

وإسحاق وابنا أبي شيبة وعباس الدوري وأحمد بن الفرات وخلق كثير سكن بغداد مدة وكان أحد المتقنين وكان يعلى أكبر منه بتسع سنين رواه أبو أمية الطرسوسي عن يعلى قال أثرم سألت أبا عبد الله عن يعلى ومحمد وعمر فوثقهم وقال أبو جعفر بن أبي شيبة سألت بن معين عن بني عبيد الثلاثة فوثقهم وقال اثبتهم يعلى وقال محمد بن عبد الله بن عمار كلهم ثبت قال واحفظهم يعلى وأبصرهم بالحديث محمد الأحدب وعمر شيخهم وقال يعقوب السدوسي محمد بن عبيد مولى لأياد مكث ببغداد دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات بها سنة أربع ومائتين وكان ممن يقدم عثمان وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين عامتهم يقدم عليا أو يقف عند عثمان وعلي سمعت على بن المديني وذكر محمد بن عبيد فقال كان كيسا وقال العجلي كوفي ثقة كان حديثه أربعة آلاف يحفظها قال بن سعد ثقة كثير الحديث صاحب سنة مات سنة أربع وقال خليفة ومطين سنة خمس ومائتين رحمه الله تعالى. معرفة الثقات لابن حبان : محمد بن عبيد الطنافسي يكنى أبا عبد الله أحدب كوفي ثقة وكنا عثمانيا وكان حديثه أربعة آلاف يحفظها. وفي الجرح والتعديل للرازي قال : وكان يظهر السنة. وقال في تهذيب الكمال : انتقل من الكوفة فنزل بغداد فمكث بها دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات بها قبل أخيه يعلى في سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون وكان من الكوفيين ممن يقدم عثمان على علي وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين عامتهم يقدم عليا على عثمان أو يقف عند عثمان وعلي سمعت علي بن المديني وذكر محمد بن عبيد فقال كان كيسا وقال محمد بن سعد نزل بغداد دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات قبل يعلى في سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون وكان ثقة كثير الحديث وكان صاحب سنة وجماعة. وكذلك في الطبقات الكبرى لابن سعد.

٤٤٥

فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره ألا إن قيس بن سعد قد قتل قال فشدالناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهبت فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى.

وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا.

ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته ولا يسب علي وهو يسمع وأن يحمل إليه خراج فسا ودرابجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل.

قال (ابن سعد) : ووفي معاوية للحسن ببيت المال وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة. وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد.

فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم.

وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.(١)

روايات عبد الله بن بكر السهمي البصري (٢٠٨ هـ)

قال محمد بن سعد وأخبرنا عبد الله بن بكر السهمي(٢) قال حدثنا حاتم بن أبي

__________________

(١) المزي ،تهذيب الكمال ج ٦ ص ٢٤٥ ، وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الحسن قال محمد بن سعد قال ابو عبيد عن مجالد عن الشعبي ولعله تصحيف.

(٢) الذهبي ،تذكرة الحفاظ : ع عبد الله بن بكر الحافظ الصادق أبو وهب السهمي البصري نزيل بغداد سمع أباه بكر بن حبيب وحميد الطويل وابن عون وهشام بن حسان وحاتم بن أبي صغيرة وعنه أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وابن المديني وعبد الله بن منير المروزي والحارث بن أبي أسامة ومحمد بن الفرج الأزرق وخلق وثقه أحمد وجماعة وكان رأسا في الحديث والفقه وكان أبوهمن كبار أئمة

٤٤٦

صغيرة (البصري) عن عمرو بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه فلما توقف منه الحسن ، قال عبد الله بن جعفر والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي وقال يا هناه اجلس فجلست قال إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال قلت ما هو قال قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفككت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج يعني الثغور فقال بن جعفر جزاك الله عن أمة محمد خيرا فأنا معك وعلى هذا الحديث فقال الحسن ادع لي الحسين فبعث إلى حسين فأتاه فقال أي أخي إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال : ما هو؟ فقص عليه الذي قال لابن جعفر :

قال الحسين أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية فقال الحسن والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتني إلى غيره والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فاطينه عليك حتى أقضي أمري فلما رأى الحسين غضبه قال أنت أكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك.(١)

وتلحق بهذه الروايات الموضوعة :

روايات جميع بن عمر توفي بحدود المائتين

قال المزي قال جميع بن عمر عن مجالد بن سعيد(٢) عن طحرب العجلي عن الحسن

__________________

العربية عاش عبد الله بضعا وثمانين سنة ومات في أول سنة ثمان ومائتين أخبرنا بن أبي عمر وابن علان والفخر علي والقطب أحمد بن عبد السلام كتابة قالوا أنا عمر بن طبرزد أنا بن الحصين أنا بن غيلان أنا أبو بكر الشافعي نا علي بن الحسن بن عبدويه الخزاز سنة سبع وسبعين ومائتين نا عبد الله بن بكر نا حميد عن أنس قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في طريق ومعه أناس من أصحابه فعرضت له امرأة فقالت يا رسول الله لي إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي في أدنى نواحي السكك حتى اجلس إليك ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها.

(١) تاريخ مدينة دمشق ترجمة الحسن.

(٢) قال ابن سعد في الطبقات ج ٦ : مجالد بن سعيد الهمداني ويكنى ابا عمير توفي سنة ١٤٤ هـ في خلافة

٤٤٧

قال : لا أقاتل بعد رؤيا رأتها رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعا يده على العرض ورأيت أبا بكر واضعا يده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيت عمر واضعا يده على أبي بكر ورأيت عثمان واضعا يده على عمر ورأيت دماء دونهم فقيل ذا دم عثمان يطلب الله به.(١)

رواية المقدسي في البدء والتاريخ ت ٥٠٧ هـ

وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّهعليه‌السلام كان أرخى ستره على مائتي حرة».(٢)

روايات ابن كثير في البداية والنهاية

روى ابن كثير عن أبي بكر الخرائطي الشامي ت ٣٢٥ هـ في كتابه مكارم الأخلاق عن القواريري (٣٢٥ هـ) نا عبد الأعلى عن هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.(٣)

وروى أيضا عن أبي علي الحداد أنا أبو نعيم ، نا سليمان بن احمد نا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن الحسن بن سعد عن أبيه قال متع الحسن بن علي امرأتين بعشرين ألف درهم وزقاق من عسل فقالت إحداهما / واراها الحنفية / متاع قليل من حبيب مفارق فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال لولا أني سمعت أبي يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم جدي انه قال من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.(٤)

__________________

ابي جعفر وكان ضعيفا في الحديث ، وقال العقيلي في الضعفاء ج ٤ ص ٢٣٤ عن ابي سعيد الاشج قال ذكر رجل عثمان عند مجالد بن سعيد فقال مجالد لغلامه جره واطرحه في البئر. قال ابن حبان في المجروحين ج ٣ ص ١٠ كان مجالد رديء الحفظ يقلب الاسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به.

(١) المزي ،تهذيب الكمال ، ج ٦ ص ٢٤٩ وج ٣٩ ص ٤٨٤.

(٢) المقدسي ،البدء والتاريخ ج ٢ ص ١٤٥.

(٣) ابن كثير ،البداية والنهاية ج ٨ ص ٣٨ ، ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٨. المزي ،تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩٢.

(٤) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٥٠. وابن كثير ،البداية والنهاية ج ٢ ص ٣٨.

٤٤٨

وروى أيضا عن غندر نا شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث انه سمع معد كرب يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.(١)

وروى ابن عساكر عن عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي فلما قتل علي قالت لتهنئك الخلافة قال لقتل علي تظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق ثلاثا قال فتلفعت بثيابها فلما جاءها الرسول قالت متاع قليل من حبيب مفارق فلما بلغه قولها بكى ثم قال لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول : ايما رجل طلق امرأته ثلاثا عند الاقراء أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.(٢)

وروى أيضا عن محمد بن عمر نا عبد الرحمن بن أبي الموال (ت ١٧٣ هـ) قال سمعت عبد الله بن حسن يقول كان حسن بن علي قل ما يفارقه اربه حرائر وكان صاحب ضرائر وكانت عنده ابنة منظور بن سيارالفزاري وعنده امرأة من بني أسد من آل حزيمفطلقهما وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة وقال لرسوله يسار بن سعيد بن يسار وهو مولاه احفظ ما يقولان لك فقالت الفزارية : بارك الله فيه وجزاه خيرا وقالت الاسدية متاع قليل من حبيب مفارق فرجع فأخبره فراجع الاسدية وترك الفزارية.(٣)

أقول : ليس من شك ان الشيعة انطلاقا من ايمانهم بعصمة الامام الحسن لا يسلمون بصحة هذه الروايات ، وهي بميزان الرؤية الجديدة نموذج للاعلام العباسي ضد الحسن نكاية بذريته الثائرة ضد الحكم العباسي.

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة الحسن ج ٤ ص ٨٦.

(٢) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٩.

(٣) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٧. والمزي ،تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩٢. وابن كثير ،البداية والنهاية ، ج ٨ ص ٣٨.

٤٤٩

الباب الثالث / الفصل الثامن

ملاحظات نقدية حول رواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها

رواية البخاري في قصة صلح الحسن عليه‌السلام

حدثنا عبد الله بن محمّد (المسندي) حدثنا سفيان (بن عيينة) عن أبي موسى (إسرائيل بن موسى البصري) قال سمعت الحسن (البصري) يقول : استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولّي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرّجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم (في نسخة أخرى بصبيتهم) فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة (بن حبيب بن عبد شمس) وعبد الله بن عامر بن كريز (بن عبد شمس) فقال اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلّما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن بن عليّ إنّا بنو عبد المطّلب قد أصبنا من هذا المال وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه.

فقال الحسن (البصري) ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول إنّ ابني هذا

٤٥٠

سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قال لي عليّ بن عبد الله إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث(١) .

البخاري حدثنا عليّ بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة جاء إليّ بن شبرمة فقال أدخلني على عيسى فأعظه فكأنّ بن شبرمة خاف عليه فلم يفعل.

قال حدثنا الحسن قال لمّا سار الحسن بن عليّرضي‌الله‌عنهما إلى معاوية بالكتائب قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولّي حتى تدبر أخراها قال معاوية من لذراريّ المسلمين فقال أنا فقال عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن سمرة نلقاه فنقول له الصّلح.

قال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة قال بينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب جاء الحسن فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(٢) .

شرح ابن حجر لرواية البخاري مع

ملاحظاتنا عليه

قال ابن حجر :

قوله (باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للحسن بن علي ان ابني هذا لسيد)

في رواية المروزي والكشميهني سيد بغيرلام وكذا لهم في مثل هذه الجمة في كتاب الصلح وبحذف (ان) وساق المتن هناك بلفظ ان ابني هذا سيد وساقه هنا بحذفها وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية سبعة أنفس عن سفيان بن عيينة وبيَّن اختلاف ألفاظهم.

قوله (حدثنا إسرائيل أبو موسى) هي كنية إسرائيل واسم أبيه موسى فهو ممن وافقت كنيته اسأبيه فيؤمَن فيه من التصحيف وهو بصري كان يسافر في التجارة إلى الهند وأقام بها مدة.

قوله (ولقيته بالكوفة) قائل ذلك هو سفيان بن عيينة والجملة حالية.

__________________

(١) البخاريالجامع الصحيح ج ٣ ص ١٧٠.

(٢) البخاريالجامع الصحيح ج ٨ ص ٩٩.

٤٥١

قوله (وجاء إلى ابن شبرمة) هو عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور ومات في خلافته سنة أربع وأربعين ومائة وكان صارما عفيفا ثقة فقيها.

قوله (فقال أدخلني علعيسى فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة وفتح الظاء المشالة من الوعظ ، وعيسىهو ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن أخي المنصور وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك.

(قوله فكأنَّ) بالتشديد (ابن شبرمة خاف عليه) أي على إسرائيل (فلم يفعل) أي فلم يدخله على عيسى بن موسى ولعل سبب خوفه عليه انه كان صادعا بالحق فخشى انه لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من غِرة الشباب وغرة الملك. وكانت وفاة عيسى المذكور في خلافة المهدي سنة ثمان وستين ومائة.

قوله (لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب) ، في رواية عبد الله ابن محمد عن سفيان في كتاب الصلح استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، والكتائب بمثناة وآخره موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجتمع وهي فعلية بمعنى مفعولة لان أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه كذلك ذكر ذلك ابن التين عن الداودي ومنه قيل مكتب بني فلان ، قال وقوله (أمثال الجبال) أي لا يُرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ، ويحتمل ان يريد شدة البأس.

وأشار الحسن البصري بهذه القصة إلى : ما اتفق بعد قتل عليرضي‌الله‌عنه ، وكان علي لما انقضى أمر التحكيم ورجع إلى الكوفة تجهز لقتال أهل الشام مرة بعد أخرى فشغله أمر الخوارج بالنهروان ، وذلك في سنة ثمان وثلاثين ثم تجهز في سنة تسع وثلاثين فلم يتهيأ ذلك ، لافتراق آراء أهل العراق عليه ، ثم وقع الجِدّ منه في ذلك في سنة أربعين فأخرج إسحاق من طريق عبد العزيز بن سياه (بكسر المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف) قال لما خرج الخوارج قام علي فقال أتسيرون إلى الشام أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم قالوا بل نرجع إليهم فذكر قصة الخوارج قال فرجع علي إلى الكوفة فلما قتل واستخلف الحسن وصالح معاوية كتب إلى قيس بن سعد بذلك فرجع عن قتال معاوية.

٤٥٢

قال البدري :

قوله (افتراق آراء أهل العراق عليه) يريد انقسام جيش علي بعد رجوعهم من صفين إلى فرقتين فرقة تخطئ عليا وهم الذين انتهوا إلى تكفير علي وطلبهم ان يعترف بكفره ويتوب منه وأخرى تصوبه ، وقد تحملهم علي في بادئ الأمر لان مجرد تخطئة الحاكم ونقده لا يوجب قتالهم ولا عقوبتهم حتى رفعوا السلاح وافسدوا وقتلوا عبد الله بن خبابرضي‌الله‌عنه ، اقدم على قتالهم بعد ان وعظهم ورجع منهم ألفان أو اكثر.

قال ابن حجر :

وأخرج الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري قال جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفا بايعوه على الموت ، فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة وكان لا يحب القتال ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف ان قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وأمر عبد الله بن عباس فاشترط لنفسه كما اشترط الحسن.

قال البدري :

الجزء الأول من الرواية صحيح على انه توجد رواية أخرى انه بايعه ستون الفا وان معه مائة ألف سيف ، اما الجزء الآخر فيما يرتبط بالحسنعليه‌السلام فهو كذب ولم يعزل قيسا ، والخلل في الرواية منحصر بالزهري وتلميذيه الاول يونس بن يزيد الايلي ت ١٥٩ ـ ١٦٠ هـ ، قال محمد بن سعد حديثه حلو ربما جاء بالشيء المنكر. الثاني معمر الصنعاني وسيأتي الحديث عنه.

قال ابن حجر :

وأخرج الطبري والطبراني من طريق إسماعيل بن راشد قال بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا يعني من الأربعين فسار قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل علي خرج في عساكر من الشام وخرج الحسن بن علي حتى نزل المدائن فوصل معاوية إلى مسكن.

وقال ابن بطال ذكر أهل العلم بالاخبار ان عليا لما قتل سار معاوية يريد العراق

٤٥٣

وسار الحسن يريد الشام فالتقيا بمنزل من ارض الكوفة فنظر الحسن إلى كثرة من معه فنادى يا معاوية اني اخترت ما عند الله فان يكن هذا الأمر لك فلا ينبغي لي ان أنازعك فيه وان يكن لي فقد تركته لك فكبر أصحاب معاوية وقال المغيرة عند ذلك أشهد اني سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن ابني هذا سيد الحديث وقال في آخره فجزاك الله عن المسلمين خيرا انتهى.

قال ابن حجر وفي صحة هذا نظر من أوجه :

الأول ان المحفوظ ان معاوية هو الذي بدأ بطلب الصلح كما في حديث الباب.

الثاني ان الحسن ومعاوية لم يتلاقيا بالعسكرين حتى يمكن ان يتخاطبا وإنما تراسلا ، فيحمل قوله فنادى يا معاوية على المراسلة ويجمع بأن الحسن راسل معاوية بذلك سرا فراسله معاوية جهرا.

والمحفوظ ان كلام الحسن الأخير انما وقع بعد الصلح والاجتماع كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل من طريقه ومن طريق غيره بسندهما إلى الشعبي قال لما صالح الحسن بن علي معاوية قال له معاوية قم فتكلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد فان أكيس الكيس التقى وان أعجز العجز الفجور الا وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل.

وأخرج يعقوب بن سفيان ومن طريقه أيضا البيهقي في الدلائل من طريق الزهري فذكر القصة وفيها فخطب معاوية ثم قال قم يا حسن فكلم الناس فتشهد ثم قال أيها الناس ان الله هداكم بأولنا وحقن دمائكم بآخرنا وان لهذا الأمر مدة والدنيا دول وذكر بقية الحديث

الثالث ان الحديث لأبي بكرة لا للمغيرة لكن الجمع ممكن بأن يكون المغيرة حدث به عندما سمع مراسلة الحسن بالصلح وحدث به أبو بكرة بعد ذلك وقد روى أصل الحديث جابر أورده الطبراني والبيهقي في الدلائل من فوائد يحيى بن معين بسند صحيح إلى جابر وأورده الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين وعجبت للحاكم في عدم استدراكه مع شدة حرصه على مثله.

٤٥٤

قال البدري :

مناقشة ابن حجر لما ذكره ابن بطال صحيحة ، الا فيما يتعلق بطلب معاوية من الحسنعليه‌السلام ان يخطب وما ذكره من كلام الحسنعليه‌السلام ، فان جزءا منه وهو قوله (ان الله هداكم بأولنا) ويريد به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هداهم من ضلاله الكفر ، اما قوله حقن دماءكم باخرنا ، فان الحسن ليس آخر أهل البيت ، مضافا إلى ما نسب إليه من قولهعليه‌السلام : (وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي) فان هذا الترديد من الحسن إذا حملنا على قوله تعالى سبأ / ٢٤ ، فهو صحيح ، والا فهو ليس صادقا في حق الحسن لأنه على يقين من أمره ومن مشروعية حكمه في قبال بطلان بيعة أهل الشام لمعاوية ، ومهما يكن من أمر فان الذيتذكره الروايات من طلب معاوية ان يخطب في أهل الكوفة بعد ما ابرم الصلح أمر غير وارد تماما ، لان قضية الصلح والشروط قد وضحها الحسن لشعبه قبل ان يوضحها لمعاوية وهو من طبيعة الأشياء لان الحسن ليس ديكتاتورا مع شعبه والقضية تتعلق بمصيرهم كشعب وبمشروععلي الإحيائي لسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي تحملوا نصرته.

قال ابن حجر :

قال ابن بطال : سلم الحسن لمعاوية الأمر وبايعه على إقامة كتاب الله وسنة نبيه. ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس فسميت سنة الجماعة لاجتماع الناس وانقطاع الحرب وبايع معاوية كل من كان معتزلا للقتال كابن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا ومائة جمل وانصرف إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة والبصرة عبد الله بن عامر ورجع إلى دشق.

قال البدري :

قوله (واجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف الخ) هي صيغة أخرى من رواية سفيان بن عيينة موضع البحث ، قال الحاكم النيسابوري حدثنا أبو بكرمحمد بن

٤٥٥

إسحاق وعلي بن حمشاد قالا ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا أبو موسى قال سمعت الحسن يقول استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص والله إني لأرى كتائب لا تولى أو تقتل أقرانها فقال معاوية وكان خير الرجلين أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء من لي بدمائهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قال فبعث معاوية عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس قال سفيان وكانت له صحبة فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما يقال خمس مائة ألف ألف درهم وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وإنما كان ولي قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما(١) .

رجع الكلام إلى ابن حجر في شرح الرواية :

قوله (قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولى) بالتشديد أي لا تدبر (قوله حتى تدبر أخراها) وفي رواية عبد الله بن محمد في الصلح اني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها.

قوله (قال معاوية من لذراري المسلمين) أي من يكفلهم إذا قتل آباؤهم. زاد في (كتاب) الصلح (فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين يعني معاوية أي عمروان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم) يشير إلى أن رجال العسكرين معظم من في الإقليمين فإذا قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم والمراد بقوله ضيعتهم الأطفال والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم لأنهم إذا تركوا ضاعوا لعدم استقلالهم بأمر المعاش ، وفي رواية الحميدي عن سفيان في هذه القصة من لي بأمورهم من لي بدمائهم من لي بنسائهم واما قوله هنا في جواب قول معاوية من لذراري المسلمين فقال أنا فظاهره يومهم ان المجيب بذلك هو عمرو بن العاص ولم أر في طرق الخبر ما يدل على ذلك فإن كانت محفوظة فلعلها كانت فقال اني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل الاستبعاد.

__________________

(١) الحاكم النيسابوري ، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٩١.

٤٥٦

قال ابن حجر :

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمرعن الزهري قال : وكان قيس بن سعد بن عبادة على مقدمة الحسن بن علي فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك فقال له عمرو بن العاص بل نقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله لا تخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك واني والله لا أقاتل حتى لا أجد من القتال بدا).

قال البدري :

قوله (فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك) هذا القول من معاوية إلى قيس بن سعد ،

ونحن نورد المقطع كاملا من رواية معمر عن الزهري فيما يخص الصلح هو قوله : (واستخلف أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة وكان الحسن لا يريد القتال ولكنه كان يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة ويبايع ، فعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على ذلك فنزعه وأمر مكانه عبيد الله بن العباس فلما عرف عبيد الله بن العباس الذي يريد الحسن أن يأخذ لنفسه كتب عبيد الله إلى معاوية يسأله الآمان ويشترط لنفسه على الاموال التي أصاب فشرط ذلك معاوية له وبعث إليه ابن عامر في خيل عظيمة فخرج إليهم عبيد الله ليلا حتى لحق بهم وترك جنده الذين هو عليهم لا أمير لهم ومعهم قيس بن سعد فأمرت شرطة الخمسين قيس بن سعد وتعاهدوا وتعاقدوا على قتال معاوية وعمرو بن العاص حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا من الفتنة فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله والحسن إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكيدة وعنده أربعون ألفا فنزل بهم معاوية وعمرو وأهل الشام أربعين ليلة يرسل معاوية إلى قيس ويذكره الله ويقول على طاعة من تقاتلني ويقول قد بايعني الذي تقاتل على طاعته فأبى قيس أن يقر له حتى أرسل معاوية بسجل قد ختم له في اسفله فقال أكتب في هذا السجل فما كتبت فهو لك فقال عمرو لمعاوية لا تعطه هذا وقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله فإنا لن نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من

٤٥٧

أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك وأني والله لا أقاتله حتى لا أجد من ذلك بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيسبن سعد لنفسه ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يسأل معاوية في ذلك مالا فأعطاه معاوية ما اشترط عليه ودخل قيس ومن معه في الجماعة)(١) .

أقول : هذه الرواية رواها أيضا الطبري(٢) عن يونس الايلي عن الزهري. والزهري غير مأمون في الحديث أساسا عن تاريخ مع بني أمية والذي انفردت به رواية الزهري برواية من لا يتهم في روايته عنه ، هو : ان الذي طلب الأمان للشيعة قيس بن سعد وليس الحسنعليه‌السلام الذي طلب الاموال لنفسه!!! وبالتالي فان بلاءها منحصر بالزهري عالم البلاط الأموي وتبنى تلميذاه معمر بن راشد(٣) ويونس الايلي روايتها تلبية لرغبة

__________________

(١) عبدالرزاق الصنعاني ، لمصنف ج ٥ ص ٤٦١ ـ ٤٦٣.

(٢) الطبري تاريخ الامم والملوك ٤ / ١٢٥.

(٣) معمر بن راشد مولى الأزد يقال كان مملوكا لقوم ينزلون طاحية توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة في رمضان وكان يكنى أبا عروة (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٥) ويروي أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء قال معمر بن راشد كان بالبصرة وكان تاجرا يختلف إلى الشام فوافى آل مروان ولهم وليمة وعرس فاستعاروا منه متاعا لعرسهم فأعارهم فلما انقضى عرسهم برّوه قال إنما أنا عبد ، وكلما بررتموني به فهو لمولاي ، ولكن كلموا هذا الرجل يحدثني يعني الزهري فكلموه فحدثه. وعن ابن عائشة نا عبد الواحد بن زياد قال قلت لمعمر كيف سمعت من ابن شهاب قال كنت مملوكا لقوم من طاحية فأرسلوني ببز أبيعه فقدمت المدينة فنزلت دارا فرأيت شيخا والناس يعرضون عليه العلم فعرضت عليه معهم (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) ،أقول : والرواية الأولى هي الصحيحة لان معمر التقى الزهري في الرصافة. فقد روى ابن عساكر عن عثمان ابن أحمد نا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله نا عبد الرزاق قال قال معمر كنت جئت الزهري بالرصافة فجعل يلقي عليَّ. (ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) قال السمعاني ج ٣ ص ٧١ (الرصافة وهي بلدة بالشام كان ينزلها هشام بن عبد الملك فنسب البلد إليه فيقال : رصافة هشام ، والمشهور بهذه النسبة أبو محمد حجاج بن يوسف بن أبي منيع ـ واسمه عبد الله بن أبي زياد الرصافي قام أبو حاتم بن حبان : هو من أهل الشام ، سكن حلب ، يروي عن جده عبيد الله بن أبي زياد عن الزهري ، روى عنه الحسين بن الحسن المروزي وأيوب بن محمد الوزان. وأبو أحمد عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ، يروى عن ابن شهاب الزهري) ، ومنذ اتصاله بالزهري وهو آنذاك دون الخامسة والعشرين من العمر على اكثر تقدير ، اختص بالزهري وهو في أخريات عمره وبرز اسمه قال عن حماد بن سلمة قال لما رحل معمر إلى الزهري نبل وكنا نسميه معمر الزهري ، (ابن عساكر / تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ /). روى عبد الرزاق عن ابن عيينة قال كنت جالسا عند سعيد بن أبي عروبة (ت هـ) فحدث بحديث عن معمر قال لقد رفعنا معمر كم هذا أخذنا عنه) ، وفي رواية

٤٥٨

خلفاء بني العباس في تشويه الحسنعليه‌السلام .

رجع الحديث إلى شرح ابن حجر :

قوله (فقال عبد الله بن عامر) هو بن كريز بن عبد شمس).

(وعبد الرحمن بن سمرة) هو ابن حبيب بن عبد شمس).

قوله (نلقاه فنقول له الصلح) أي نشير عليه بالصلح وهذا ظاهره انهما بدآ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح ان معاوية هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما ولفطه هناك. (فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس) أي ابن عبد مناف بن قصي (عبد الرحمن بن سمرة) زاد الحميدي في مسنده عن سفيان (بن حبيب بن عبد شمس) قال سفيان وكانت له صحبة.

(وبنو حبيب بن عبد شمس بنو عم بني أمية بن عبد شمس ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية)

(فقال معاوية اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه) أي ما شاء من المال.

(وقولا له) أي في حقن دماء المسلمين بالصلح.

(واطلبا إليه) أي اطلبا منه خلعه نفسه من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية وابذلا له في مقابله ذلك ما شاء.

(قال فقال لهما الحسن بن علي إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا الا قالا نحن لك به فصالحه).

قال ابن بطال : هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على الحسن المال ورغَّبه فيه وحثَّه على رفع السيف وذكره ما وعده به جدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من سيادته في الإصلاح به ، فقال له الحسن إنّا بنو عبد المطلب (أصبنا من هذا المال) أي أنا جُبِلنا على الكرم والتوسعة على اتباعنا من الأهل والموالي وكنا

__________________

قال معمرا روينا عنه وهو حدث قال سفيان قلت أنت شرفته الله شرفه) (ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٤٠٣)أقول : اقل ما تفيده الرواية ان معمر بن راشد وسفيان بن عيينة كانا يدا واحدة في المنهج فضلا عن تلمذتهما الخاصة على الزهري.

٤٥٩

نتمكن من ذلك بالخلافة حتى صار ذلك لنا عادة.

وقوله (أن هذه الأمة) أي العسكرين الشامي والعراقي.

قوله (قد عاثت) بالمثلثة أي قتل بعضها بعضا فلا يكفون عن ذلك الال بالصفح عما مضى منهم والتألف بالمال وأراد الحسن بذلك كله تسكين الفتنة وتفرقة المال على من لا يرضيه الا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك والتزما له من المال في كل عام والثياب والأقوات ما يحتاج إليه لكل من ذكر.

قال البدري :

كلام ابن بطال في تفرقة المال على من لا يرضيه الا المال كلام باطل ، لأنه الذين قتلوا زمن أبيه علي كانوا شهداء وكانت اسرهم قد اجرى لها راتبا ، وقد اكد الحسن هذا الراتب في شروطه على معاوية بقوله ان يجرى في اسر قتلى صفين والجمل ،

وقوله (من لي بهذا) أي من يضمن لي الوفاء من معاوية فقالا نحن نضمن لان معاوية كان فوض لهما ذلك ويحتمل ان يكون قوله (أصبنا من هذا المال) أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحا فنبه على ذلك خشية ان يرجع عليه بما تصرف فيه.

قال البدري : وهذا الكلام من ابن حجر اسوأ من كلام ابن بطال.

قال ابن حجر :

وفي رواية إسماعيل بن راشد عند الطبري فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة بن حبيب كذا قال عبد الله وكذا وقع عند الطبراني والذي في الصحيح (البخاري) أصح ولعل عبد الله كان مع أخيه عبد الرحمن قال فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء أشترطها.

ومن طريق عوانة بن الحكم نحوه وزاد وكان الحسن صالح معاوية على أن يجعل له ما في بيت مال الكوفة وأن يكون له خراج دار أبجرد.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611