الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173226 / تحميل: 7419
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

من الله ورسوله(١) ، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم).(٢)

قال ابن حجر : وأخرج الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري قال جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفا بايعوه على الموت فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة.(٣)

٣. وفي قبال ما رواه ابو الفرج الاصفهاني بإسناده الى ابي اسحاق ت ١٢٧ هـ وهي المشهورة عند الباحثين الشيعة ، ان معاوية بالنخيلة. ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.(٤)

__________________

(١) نحن نحتفظ على هذه الجملة (وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ورسوله) فان معركة النهروان وقعت في صغر او في شعبان سنة ٣٨ هـ أي بعد سنتين ونصف وقعت خلالها معركتا الجمل وصفين ، وقد ظهر فيها من الآيات لعليعليه‌السلام واحاديث النبي فيه ، ما لم يدع شكا في علي ، وانما الناس تنفتح قلوبها على الحقائق تدريحيا( قالت الاعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم ) الحجرات / ١٤ ، فالناس الذين كانوا يقاتلون مع علي كانوا يعرفون مكانته من الله ورسوله ولكنهم لم تنفتح قلوبهمم بعد ، وفي النهروان بعد شهدوا اية جديدة للنبي في علي هو قصة مثدن اليد ، انفتح قلب من لم يكن قد انفتح على امامة عليعليه‌السلام . والى هذه المرحلة من الانقيادوالاجتماع ملأ المسلمين وحسنتطاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادّون معدّون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا)

(٢) سليم بن قيس الهلالي ، كتاب سليم بن قيس ، ص ٢٢٠.

(٣) ابن حجر ،فتح الباري ، ج ١٢ ص ٥٣.

(٤) روى الكثيرمن الباحثين الشية منهم الخوئي فيمنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ج ١٩ ص ١٤٣ ، وكذلك الشيخالكوراني فيجواهر التاريخ عن الشيخ المفيد فيالارشاد ج ٢ ص ١٤ بغيرسند قال : (فلما استتمت الهدنة سار معاوية حتى نزل بالنخيلة ، وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار ، فخطبهم وقال في خطبته : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له وهي رواية ابي الفرج في مقاتله ابو الفرج مسندة ، وقد رواها من كتاب ابي الفرج مباشرة كثير من الباحثين الشيعة المعاصرين كالعلامة التستري في قاموس الرجال ٤ / ١٠٩ ، والعلامة السيد علي الشهرستاني في وضوء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ج ١ ص ٢٠٩ والعلامة العسكري فياحاديث المؤمنين عائشة ج ١ ص ٣٢٢ ، والعلامة الشيخ راضي ال ياسين ص ١٢ فيصلح الحسن عليه‌السلام وغيرهم كثير ، وكذلك من الباحثين القدامى من غير الشيعة كابن ابي الحديد فيشرح نهج البلاغة ج ١٦ ص ١٥ ومن الشيعة القاضي النعمان في شرح الاخبار ج ٢ ص ٥٣٣ ، اما ابو الفرج فقد ساق للرواية ثلاثة اسانيد سندان منها عن ابي عبيد احدهما فيه عبد الرحمن بن شريك ت ١٧٧ هـ ولي قضاء الكوفة للمنصور وابنه ، والاخر

٥٢١

توجد روايات اخرى تفيد ان نقض الشروط تأخر الى وفاة الحسنعليه‌السلام .

فقد روى ابن عبد ربه وابن كثير قالا : قدم معاوية المدينة اول حجة حجها (سنة ٤٤ هجرية) بعد عام الصلح ، فتوجه الى دار عثمان ،

فلما دنا الى باب الدار. صاحت عائشة بنت عثمان وندبت اباها.

فقال لها : يا بنت اخي ان الناس قد اعطونا سلطاننا ، فاظهرنا لهم حلما تحته غضب ،

واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، فان اعطيناهم غير ما اشتروا منا شحوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم ،

ومع كل انسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته ، فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندري اتكون لنا الدائرة ام علينا؟

وان تكوني ابنة عم امير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة عُرُض الناس. (وفي رواية ابن كثير : وان تكوني ابنة عثمان امير المؤمنين احب الي ان تكوني امة من اماء المسلمين ونعم الخلف انا لك بعد ابيك.(١)

وفي ضوء هذه الرواية فان معاوية الى سنة ٤٤ هجرية لم يكن قد غدر بشروطه لمكان الحسنعليه‌السلام وشيعته وللتكتيك الذي تقيَّد به.

ويشهد لذلك ايضا :

__________________

عن عثمان بن ابي شيبة وقد رواه في مسنده عن ابي معاوية الضرير وهو من جلساء هارون ووضع له احاديث في ذم الرافضة وكلاهما يرويانها عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد وهو مجهول ، والسند الثالث عن المقانعي عن جعفر بن محمد بن الحسين الزهري عن حسن بن الحسين العرني عن عمرو بن ثابت (ابن ابي المقدام) عن ابي اسحاق السبيعي وهي اساسا رواية عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد ولكن السبعي دلس فيها وتدليسه لا يضر بوثاقته وبخاصة وقد وقع منه في اخريات عمره مضافا الى ان تخلف معاوية عن الشروط وغدره بالحسن مسالة مفروغ منها والكلام هل كان هذا النقض في اول الصلح او بعد عشر سنوات. ويضيف ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج ٥٢ ص ٣٣ ـ ٦٠ طريقا اخر قال عن محمد بن خالد يعني القرشي الدمشقي حدثني محمد بن سعيد بن المغيرة الشيباني عن عبد الملك بن عمير ان معاوية خطب عند دخوله الكوفة ومحمد بن خالد قال عنه ابو حاتم الرازي كذاب والشيباني مجهول.

(١) الجاحظ ،البيان والتبيين ، ص ٥٢٩ عن عيسى بن زيد عن اشياخه ، ابن قتية عيون ، الاخبار ج ١ ص ٦٧ البلاذري ،انساب الاشراف ج ٥ ص ١٢٥ عن المدائني عن عيسى بن يزيد.

٥٢٢

ما رواه البلاذري قال حدثني أبو مسعود ، عن ابن عون عن أبيه قال : لمّا ادّعى معاوية زيادا وولَّاه ، طلب زياد رجلا كان دخل في صلح الحسن وأمانه ، فكتب الحسن فيه إلى زياد ، ولم ينسبه إلى أب فكتب إليه زياد : أما بعد فقد أتاني كتابك في فاسق تؤوي مثله الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك! فأيم الله لأطلبنّه ولو بين جلدك ولحمك ، فإن أحبّ إليّ أن آكله للحم أنت منه!

فلما قرأ الحسن الكتاب قال : كفر زياد ، وبعث بالكتاب إلى معاوية.

فلما قرأه غضب فكتب إليه : أما بعد يا زياد ، فإن لك رأيين : رأي من أبي سفيان ، ورأي من سميّة ، فأمّا رأيك من أبي سفيان فحزم وحلم ، وأما رأيك من سميّة فما يشبهها فلا تعرض لصاحب الحسن ، فإني لم أجعل لك عليه سبيلا ، وليس الحسن مما يرمى به الرجوان وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمّه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فالآن حين اخترت له والسلام(١) .

وبرواية الجاحظ وهي اكثر دقة ، قال : حدثني سليمان بن أحمد الخرشي قال حدثني عبد الله بن محمد بن حبيب قال طلب زياد رجلا كان في الأمان الذي سأله الحسن بن علي لأصحابه فكتب فيه الحسن رضي الله تعالى عنه إلى زياد من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا لأصحابنا وقد ذكر لي فلان أنك عرضت له فأحب ان لا تعرض له إلا بخير

فلما أتاه الكتاب ولم ينسب الحسن إلى أبي سفيان غضب فكتب من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد أتاني كتابك في فاسق يؤويه الفساق من شيعتك وشيعة أبيك وايم الله لأطلبنهم ولو بين جلدك ولحمك وان أحب لحم إلي آكله للحم أنت منه ، فلما وصل الكتاب الحسن وجه به إلى معاوية فلما قرأه معاوية غضب وكتب من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان أما بعد فان لك رأيين رأيا من أبي سفيان ورأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم وحزم وأما رأيك من سمية فكما يكون رأي مثلها وقد كتب إلي الحسن بن علي انك عرضت لصاحبه فلا تعرض له فاني لم أجعل لك إليه سبيلا وان الحسن ابن علي ممن لا يرمي به الرجوان والعجب من كتابك إليه لا

__________________

(١) البلاذري ،أنساب الأشراف ج ٣ ص ٥٢ ـ ٥٣.

٥٢٣

تنسبه إلى أبيه أفإلى أمه وكلته وهو ابن افطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم فالآن حين اخترت له والسلام(١) .

ويشهد لذلك ايضا : ما رواه ابن عبد ربه قال : لما مات الحسنُ بن عليّ حَجّ معاوية ، فدخل المدينة وأراد أن يَلْعن عليَّا على مِنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فقيل له : إن هاهنا سعدَ بن أبي وقاص ، ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخُذ رأيه. فأرسل إليه وذكر له ذلك. فقال : إن فعلت لأخرُجن من المسجد ، ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد.(٢) فلما مات لَعنه عَلَى المنبر ، وكتب إلى عماله أن يَلعنوه على المنابر ، ففعلوا.

ومن المعلوم ان وفاة سعد كانت بعد وفاة الامام الحسنعليه‌السلام وفي السنة نفسها سنة ٥١ هـ.

ويشهد لذلك ايضا واقع استضافة معاوية لعدد من الشخصيات العراقية من الرجال والنساء وسؤاله لهم عن سيرة عليعليه‌السلام وترحمه عليه مرات عديدة فان هذا الواقع وهو ثابت لا ينسجم مع ما ادعته روايات ابي الفرج من ان معاوية اعلن عن نقض الشروط في النخيلة او عند دخوله الكوفة.

وفي ضوء ذلك يتضح :

ان المدائني لم يكن معنيا في روايته ان يشخص بدقة وقت نقض الشروط بل ذكرها على الاجمال ان ذلك كان بعد عام الجماعة اما متى فلم يكن معنيا به قال :

(كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته).

ولكنه يشير على الاجمال انه قد اشتد الامر حينما استعمل زيادا على الكوفة قال (وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثيرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام

__________________

(١) الجاحظ ،البيان والتبيين ص ٣٦١ ، ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج ١٦ / ١٩ عن ابي الحسن المدائني.

(٢) ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج ٤ ص ١٥٩.

٥٢٤

فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام عليعليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن عليعليه‌السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض).

فان زيادا ولاه معاوية الكوفة بعد وفاة المغيرة بن شعبة في شعبان سنة ٥٠ هـ ـ ٥١ هـ ، وقد توفي الحسنعليه‌السلام في صفر وفي رواية في ربيع الاول سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ أي قبل وفاة المغيرة بن شعبة.

ومما يؤكد ان الغدر بالشروط واهمها الامان ولعن علي قد تم بعد وفاة الامام الحسن أي سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ اننا حين تتبعنا تاريخ من قتلهم زياد بامر معاوية او دفنهم احياء او نفاهم او شردهم من شيعة علي كحجر واصحابه وعبد الرحمن بن حسان الذي دفنه حيا ، وعمرو الحمق الخزاعي وزوجته امنة بنت الشريد وصعصعة بن صوحان وتسيير خمسين الف من الكوفة والبصرة بعيالاتهم وجدنا ذلك كله بعد وفاة الحسنعليه‌السلام أي في سنة ٥١ هـ وهو اكتشاف تاريخي لم يسبق ان انتبه اليه الباحثون.

وفي ضوء ذلك فان رواية سليم بن قيس لقضية كتابة معاوية الى عماله نسخة في نهيهم لذكر فضائل علي اكثر دقة على انها قد اصابها تحريف ايضا ،(١) فان سليم يذكر ان معاوية كتب كتابه الى عماله وهو في المدينة ولا يمكن ان يكون قد كتبه في سنة ٤٤ هجرية لما ذكرناه انفا من جوابه لعائشة بنت عثمان لما تلقته وهي تندب اباها ، بل كتبه لما ززار المدينة بعد رجوعه من الحج سنة ٥٠ ـ ٥١ هـ ..

قال سليم : وكان معاوية يومئذ بالمدينة ، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله(٢) : (ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحل بنفسه العقوبة ثم إن معاوية مر بحلقة

__________________

(١) الطبرسي ،الاحتجاج ، ج ٢ ص ١٩.

(٢) هذا النداء منه بعد موت الحسنعليه‌السلام وموت سعد بن ابي وقاص.

٥٢٥

من قريش ، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له : يا بن عباس ، فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فكف لسانك ـ يا بن عباس ـ وأربع على نفسك. وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا ولا يسمعه أحد منك علانية. ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زيادا أخاه(١) وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. فلما مات الحسن بن عليعليه‌السلام (٢) لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان ..).(٣)

والتحريف الذي اصابها هو الجملة الاخيرة فان مكانها قبل كتابة معاوية الى ولاته وليس بعدها وهو التحريف نفسه الذي اصاب رواية المدائني.

وفي ضوء ذلك كله :

ينهار التحليل السائد المبني على تفرق الكوفيين وان معاوية نقض شروطه سنة ٤١ هجرية ، ونحتاج بعد ذلك الى تحليل اخر يفسر لنا تاخر ملاحقة معاوية للشيعة عشر سنوات مع شدة غضبه وحقده ، تحليل مبني على اجتماع الكوفيين للحسنعليه‌السلام والتفافهم حوله الذي يفيد استقرار العراق للحسن الامر الذي ادركه معاوية فعرضه على الحسن ان يبقى كل واحد على بلده ، فلماذا يسلم الحسن ملكا مستقرا له الى معاوية ويشترط عليه شروطا خاصة؟ وهو ما نبحثه في الفصل التالي :

__________________

(١) استعمل معاوية زيادا على الكوفة سنة ٥١ هـ بعد موت المغيرة وتوفي سنة ٥٣ حكم العراق خمس سنوات ومعنى ذلك ان ولايته على البصرة سنة ٤٨ هـ.

(٢) هذه الجملة ليس مكانها هنا بل مكانها في اول الرواية.

(٣) سليم بن قيس ، كتاب سليم بن قيس ، ص ٣١٨.

٥٢٦

الباب الرابع / الفصل الثالث

صلح الامام الحسن عليه‌السلام قراءة جديدة

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع / ١ / ٢١١ عن أبي سعيد عقيصا قال :

قلت للحسن بن علي ابن أبي طالبعليهما‌السلام : يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته ،؟ ...

قال : يا أبا سعيد : علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل).

أقول : معنى ذلك ان السبب الموجب للصلحين واحد ، وهذا يستلزم وحدة الخلفيات التي سبقت الصلح ثم وحدة الظرف الموجب له ثم وحدة الموقف ازاءه ثم وحدة النتائج المترتبة على الموقف وفيما يلي بيانها.

خلفية الصلحين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب مشروع رسالي يستهدف تحرير دين ابراهيم من بدع قريش مما يخالف تنزيه الله تعالى حين عبدت الاصنام ، وتنزيه نبيه ابراهيم والحج الابراهيمي من البدع التي ادخلتها اليه قريش من تحريم الجمع بين العمرة والحج في اشهر الحج وتأخير مقام ابراهيم عن البيت وغيره لتكريس امامتها الدينية التي دانت بها

٥٢٧

العرب وعملت بأحكامها وكذلك تحرير كتاب الله وسيرة انبيائه منتحريفات اليهود والمسيحيين.

وكان عليعليه‌السلام صاحب مشروع رسالي يستهدف تحرير دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من ثقافة اهل الكتاب التي نشرها كعب الاحبار وتميم الداري مما يخالف تنزيه الله وتنزيه الانبياء بأمر قريش المسلمة ومن تحريمهم متعة الحج وارجاع مقام ابراهيم الى ما كان عليه في الجاهلية وامضاء التطليقات الثلاث بتطليقة واحدة وابتداع صلاة التراويح وغيرها من البدع التي ابتدعتها بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتكريس امامتها الدينية التي دان بها مسلمة الفتوح وغيرهم.

وفيما يلي تفصيل ذلك :

مفردات خلفية صلح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع قريش

١. انقلاب قريش بعد عبد المطلب وتحريفهم دين ابراهيم :

كان عبد المطلب زعيم قريش بلا منازع منزها لله تعالى متقيدا بدين ابراهيم جاءته الزعامة الدينية والسياسية من قصي عن طريق ابويه هاشم وعبد مناف ، ولا يختلف اثنان ان قصيا مؤسس التجمع القرشي حول مكة كان على دين ابراهيم وكان ينتظر النبي الموعود ، وان هاشما قد سنَّ لهذا التجمع رحلة الشتاء والصيف ، وصارت مكة وقريش ذات مكانة دولية مرموقة ، ولا يختلف اثنان على ان قصيا كان اعلم قريش بدين ابراهيم ثم توارث العلم اوصياؤه من ابنائه عبد مناف ثم هاشم ثم عبد المطلب ثم ولده ابو طالب ، والى جانب ذلك تميز عبد المطلب بحفر زمزم التي كانت مطمومة منذ الحرب بين خزاعة وجهرم أي لأكثر من ثلاث قرون خلت ، وقد أُخبر بمكانها في المنام ودعا بني عبد مناف وبقية بطون قريش ان تساعده في حفرها فلم تستجب له احد منهم(١) فانفرد بمكرمة حفرها واحيائها لسقي الحجيج ، وكذلك انفرد دون بطون قريش بمهمة الدفاع عن البيت ومواجهة جيش ابرهة هو وولده وولد عمه المطلب ثم نصره الله

__________________

(١) انظر اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي .

٥٢٨

على جيش ابرهة وكان يقول :

نحن (آل الله) فيما قد مضى

لم يزل ذاك على عهد أبْرَهمْ

نعبدُ الله وفينا سُنَّةٌ

صِلَةُ القربى وإيفاء الذِّمم

لم تزل لله فينا حجةٌ

دفعُ اللهُ بها النِّقَمْ(١)

وهكذا ادركت بطون قريش كلها ان زعيمها عبد المطلب قد اصطفاه الله عليهم فهو الاولى بالبيت وبزمزم وبابراهيم وبدينه ومن ثم هو الاول بالله أي هو الاقرب الى الله تعالى وصارت تسميه ابراهيم الثاني ، وصار يلقب هو ووِلْدُه ب (ال الله)(٢) ، وتعلمت منهم شريعة ابراهيم.

حسد بنو عبد شمس وبنو نوفل اولاد عمهم بني هاشم ان ينفردوا بهذا المجد دونهمثم انتشر الحسد الى بطون قريش الاخرى وقد برز هذا الحسد اول ما برز بشكل منافرة بين امية وعبد المطلب ثم تطورت اشكاله فيما بعد.

واوصى عبد المطلب الى ابي طالب اعلم اولاده بدين ابراهيم.

ثم انقلبت قريش بعد وفاة عبد المطلب على بني هاشم فادعت ان لقب (ال الله) يعم بطون قريش وليس بني عبد المطلب حسب ، فقد دافع الله تعالى عن قريش لانهم سكان بيته(٣) ، وابتدعت قريش بدعة الحمس في دين ابراهيم وادخلت طقوس عبادة الاصنام مع طقوس عبادة الله لتكريس امامتها الدينية وصارت الامامة الابراهيمية وتعليم احكام الحج في كل بيوتات قريش. وهكذا حوصرت امامة وزعامة ابي طالب

__________________

(١) المسعودي ، مروج الذهب ج ٢ ص ١٠٥ ـ ١٠٦. وأبي حيان الأندلسي ، تفسير البحر المحيط ج ١ ص ٥٤٢.

(٢) جاء فيالاستيعاب لابن عبد البر ج ٤ ص ١٤٩٠ في ترجمة نافع بن عبد الحارث بن حبالة بن عمير الخزاعي استعمله عمر بن الخطاب على مكة وفيهم سادة قريش ، فخرج نافع إلى عمر واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزى ، فقال له عمر : استخلف على (آل الله) مولاك فعزله ، وولَّى خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي. وكان نافع ابن عبد الحارث من كبار الصحابة وفضلائهم. والشاهد في الرواية هو ان عمر يسمي قريش (ال الله) ، والحال ان هذا اللقب لعبد المطلب وذريته التي على منهجه.

(٣) وقد وضع بنو امية فيما بعد رواية تفيد ان عبد المطلب هو الذي اشار على قريش ان يهربوا الى الجبال في قصة الفيل خوفا عليهم من معرة الجيش (انظر الطبري ،تاريخ الطبري ، ج ١ ص ٥٥٤).

٥٢٩

في دين ابراهيم. وقد اشار ابو طالب في قصيدته اللامية المشهورة الى افتراء قريش في الدين :

اعوذ بالله من كل طاعن

علينا بشرٍّ او ملحِّقِ باطل

من كاشح يسعى لنا بمعيبة

ومن مفتر في الدين ما لم نحاول

وقوله (مفتر في الدين ما لم نحاول) أي مبتدع في دين ابراهيم ما لم نوافقهم عليه ، ويشير قوله تعالى في سورة الجمعة( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢)وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الجمعة / ٢ ـ ٣ وقوله (في الاميين) أي في أهل مكة ، وقوله (في ظلال مبين) أي عبادة الاصنام وبدعة الحمس ، وقوله (وآخرين منهم) اي من اهل مكة ، وقوله (لما يلحقوا بهم) أي ما شاركوا قومهم في ضلالهم.

٢. هدف البعثة النبوية لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش :

وبعث الله نبيه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة ١٣ ق. هـ مؤيدا بالبينات الالهية بدين ابراهيم واسس المجتمع الاسلامي على ولاية الله وولاية رسوله والامامة الدينية والسياسية لعلي بن ابي طالب وولديه الحسن والحسين والتسعة من ذريته( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥)) المائدة / ٥٥( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء / ٥٩ وهدم الامامة الدينية لقريش والامامة الدينية لاهل الكتاب ونسخ التوراة وما الحق بها واستبدلها بالقرآن مصدقا بالذي بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة / ٤٨.

٣. حروب قريش مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واعلامها الكاذب :

حينما نهض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليبلغ مشروعه الرسالي وقف ابو طالب وبنو هاشم الى جانبه واستضعفت قريش المشركة بني هاشم ومن امن به وقاطعتهم حتى يسلموا محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٣٠

واعلن ابو طالب نصرته للنبي وايمانه بمستقبلها في قصيدته اللامية المشهورة قائلا :

فأبلغ قصيّاً أنْ سينشر أمرُنا

وبشّر قصيّاً بعدنا بالتخاذل

كذِبتم وبيتِ الله نبزى محمداً

ولما نطاعن دونه ونناضلِ(١)

ونسلمه حتى نصرَّع دونه

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

ومنها يفهم ان ابا طالب يعتبر ان رسالة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جاءت لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش واسلافهم هذا الدين الذي انتهت مواريثه ومهمة الحفاظ عليه الى ابي طالب ولإرجاع الامامة الابراهيمية المغتصبة الى اهلها الشرعيين.

ثم قيض الله تعالى اهل المدينة على النصرة وهاجر الى المدينة ، وفرضت قريش المشركة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حربين ظالمتين ، الاولى في بدر وكان النصر المؤزر له فيها ، الثانية في احد وقد خسر النصر فيها بسبب معصية نفر من اصحابه لأمره حين تركوا مواقعهم طمعا في الغنيمة.

طورت قريش في هذين الحربين اعلامها الكاذب الذي بدأت به(٢) في مواجهة دعوة

__________________

(١) نبزى محمدا : اي نسلبه ونغلب عليه (لسان العرب ).

(٢) روى الشيخ الطبرسي في اعلام الورى ص ٥٥ ، قال : روى علي بن إبراهيم ، قال : خرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكة في عمرةِ رجب يسألون الحلفعلى الأوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم ، فقال عتبة : بُعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشيء ، قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟! قال له عتبة : خرج فينا رجل يدّعي انّه رسول الله ، سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، فقال له أسعد : من هو منكم؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفاً ، وأعظمنا بيتاً ؛ وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أبناء «النضير» و «قريظة» و «قينقاع» انّ هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنَّكم به يا معشر العرب ، فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود ، قال : فأين هو؟ قال : جالس في الحِجْر ، وانّهم لا يخرجون من شِعْبهم إلّا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تُكلّمه ، فإنّه ساحر يسحرك بكلامه ، وكان هذا وقت محاصرة بني هاشم في الشعب ، فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لابدّ لي أن أطوف بالبيت؟ فقال : ضع في أُذنيك القطن ، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أُذنيه من القطن ، فطاف بالبيت ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة ، فجازه. فلمّا كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل منّي ، أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أعرفه؟! حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ، ثمّ أخذ القطن من أذنيه ورمى به ، وقال لرسول الله : أنعم صباحاً ، فرفع رسول الله رأسه إليه وقال :

٥٣١

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند حلفائها من القبائل فاتهمته بتهمة انتهاك حرمة البيت الحرام والاعتداء على القوافل التجارية الامنة لقريش وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام(١) . واستطاعت بقيادة ابي سفيان ان تحشد عشرة آلاف مقاتل / الاحزاب / قصدوا المدينة لإرعاب اهلها ليتخلوا عن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصمد اهل المدينة وهزمت الاحزاب شر هزيمة وجعلها الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اية وازدادت ثقة المسلمين به.

٤. تحصين القبائل من التأثر بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحرب والاعلام الكاذب :

ليس للنبي ازاء هذا الاعلام القريش الكاذب الذي شوه مشروعه عند القبائل لصيانتها من التأثر به والانفتاح عليه الا ان يقوم بعمل غير الحرب به يؤدي الى كسر الطوق عنها وعنه وفضح قريش لديها بانها هي المعتدية وان محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله يعظم البيت ويطلب السلم وانه نبي قد بعث لإحياء دين ابراهيم وتحرير الحج من بدع قريش.

ولا يوجد الا عمل واحد يحقق له ذلك وهو المبادرة بالعمرة في اشهر الحج هو واصحابه والهدي معهم حيث تتوافد القبائل نحو مكة للحج ،

__________________

«قد أبدلنا الله بهب ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنة : السّلام عليكم» فقال له أسعد : إنّ عهدك بهذا لقريب إلى مَا تدعو يا محمد؟ قال : «إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإنّي رسول الله ، وأدعوكم : «أَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفَسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ *وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلّاوًسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكِّرُونَ ». فلما سمع أسعد هذا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وانّك رسول الله. يا رسول الله بأبي أنت وأمّي أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك ، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك ، وكانوا يبشّروننا بمخرجك ، ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن تكون دارُنا دارَ هجرتك ، وعندنا مقامك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقني إليك ، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد أتانا الله بأفضل ممّا أتيت له.

(١) جاء في الكامل في التاريخ لابن الأثر ج ٢ ص ١٤٨ ـ ١٤٩ ، ان قريش ارسلت أربعة نفر وهم عمرو بن العاص ، وهبيرة بن أبي وهب ، وابن الزبعري وأبو عزة الجمحي ، فساروا في العرب ليستنفرهم ، فجمعوا جمعاً من ثقيف وكَنانة وغيرهم.

٥٣٢

ولأشهر الحرم دلالة لدى كل العرب هي المسالمة واما الطرف الآخر من اعتداء المحرم عليه.

وللإحرام دلالة اخرى في ذلك ، وللهدي الذي يسوقه المحرم دلالة اخرى وهي ان هذا المحرم لا يحل من احرامه الا عند البيت ، والبيت تحيطه قريش وهذا يعني ان المبادرة تفصح عن نفسها ان محمدا جاء مسالما يطلب الصلح مع قريش.

وهذه المبادرة تحمل في طياتها فضح قريش عند حلفائها واظهار حقانية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا رفضت قريش الصلح مع محمد وصدته عن البيت ، واذا قبلت الصلح معه وسمحت له ان يقضي ماسكه عند البيت فهي مفضوحة ايضا لظهور كذبها فيه انه لا يعظم البيت.

٥. صلح الحديبية والفتح المؤقت بظهور كذب قريش وحقانية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لدى حلفاء قريش وغيرهم :

روى الطبري عن ابن إسحاق قال ان قريشا بعثوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحُلَيس بن علقمة(١) وكان يومئذ سيد الأحابيش وهو أحد بلحارث(٢) بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أو باره من طول الحبس رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال يا معشر قريش : إني قد رأيت مالا يحل ، صُدَّ الهديُ في قلائده قد

__________________

(١) الحليس بن علقمة : (... بعد ٦ هـ = بعد ٦٢٨ م) الحليس بن علقمة الحارثي ، من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة : سيد (الأحابيش) ورئيسهم يوم أحد ، وكان

مع مشركي قريش. قال الزبيدي : الأحابيش ، بنو المصطلق من خزاعة ، وبنو الهون بن خزيمة ، اجتمعوا عند (جبل حبشي) بأسفل مكة ، وحالفوا قريشا ، فسموا أحابيش ، قريش باسم الجبل. وفي حديث الحديبية : (إن قريشا جمعوا لك الأحابيش) وسماه ابن هشام في السيرة (حليس بن زبان) ثم قال : (الحليس بن علقمة أو ابن زبان) وكان أعرابيا. وهو الذي مر بأبي سفيان بعد وقعة أحد ، فرآه يضرب شدق (حمزة بن عبد

المطلب) بزج الرمح ، ويقول : ذق عنق! أي : يا عاق! فقال الحليس : يا بني كنانة ، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون! فقال أبو سفيان : ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة. (الاعلام للزركلي)

(٢) تخفيف بني الحارث كما يقال ل (بني القين من بني أسد) : بِلْقَيْن وهو من شواذ التخفيف.

٥٣٣

أكل أوباره من طول الحبس عن محله ، والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد قال فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.(١)

ثم وافقت قريش على الصلح واشترطت متعسفة ان يرجع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك السنة ، ووافقصلى‌الله‌عليه‌وآله على شروطها التعسفية ، وعرفت القبائل من حلفاء قريش ومن غيرهم لما اختلطوا مع المسلمين انها كانت تكذب على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وانه نبي حق ودعوته حق تدعو كل عاقل الى تصديقه(٢) . وازداد عدد المسلمين الى اضعاف / الفتح المبين /.

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج ٢ ص ٢٧٦.

(٢) جاء فيأسد الغابة ابن الأثير ج ٢ ص ٣٤٤ في ترجمة (سليط) بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب العامري أخو سهيل والسكران ابني عمرو قاله ابن منده وأبو نعيم ورويا عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة من بني عامر بن لؤي سليط بن عمرو بن عبد شمس ومعه امرأته ولدت له ثم سليطا بن سليط وذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا ولم يذكره غيره فيهم وهو الذي أرسله النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي والى ثمامة بن أثال الحنفي وهما رئيسا اليمامة وذلك سنة ست أو سبع من الهجرة. وفيالطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥٥٠ ـ ٥٥١ ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة الحنفي كان مر به رسول لرسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرد ثمامة قتله فمنعه عمه من ذلك فأهدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم دم ثمامة. وفي أنساب الأشراف أحمد بن يحية بن جابر (البلاذري) ج ١ ص ٣٧٦ قال في ذكر سرية محمد بن مسلمة بن خالد بن مجدعة الأوسي ، من الأنصار ، في المحرم سنة ستّ (أقول : أي بعد الحديبية بشهرين) إلى القرطاءء ، من بني كلاب ، بناحية ضرّية وبينها وبين المدينة سبع ليال. أتاهم ، فغنم نعما وشاء ، وأخذ ثمامة بن أثال الحنفي. وفي تاريخ المدينة ابن شبة النميري ج ٢ ص ٤٣٧ ـ ٤٣٨ : أن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذوا ثمامة وهو طليق ، وأخذوه وهو يريد أن يغزو بني قشير ، فجاءوا به أسيرا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو موثق ، فأمر به فسجن ، فحبسه ثلاثة أيام في السجن ثم أخرجه فقال «يا ثمامة إني فاعل بك إحدى ثلاث ، إني قاتلك ، أو تفدي نفسك ، أو نعتقك» قال إن تقتلني تقتل سيد قومه ، وإن تفادي فلك ما شئت ، وإن (تعتق تعتق شاكرا. قال «فإني قد أعتقتك» قال : فأنا على أي دين شئت؟ قال «نعم» قال : فأتيت المرأة التي كنت موثقا عندها فقلت : كيف الاسلام؟ فأمرت لي بصحفه ماء فاغتسلت ، ثم علمتني ما أقول ، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله ، وفي أسد الغابة لابن الأثير ج ١ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨ : ثم جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في المسجد فقال يا محمد لقد كنت وما وجه أبغض إلى من وجهك ولا دين أبغض إلى من دينك ولا بلد أبغض إلى من بلدك ثم لقد أصبحت وما وجه

٥٣٤

قريش المشركة وحلفاؤها ينقضون عهدهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

نقضت قريش عهودها مع النبي بع سنتين حين نصرت بني نفاثة ورئيسهم نوفل بن معاوية احد بطون بني بكر من كنانة على خزاعة حليفة النبي في حرب وقعت بينهما بسبب هجاء كناني للنبي امام رحل خزاعي وثارت حمية الخزاعي فكسر يد النفاثي الكناني ، ووقع القتل في نساء خزاعة واطفالهم وضعفاء رجالهم حيث بيوتهم وهم امنون في الوتير موضع اسفل مكة وجاء عمرو بن سالم راس خزاعة الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يستنصره قائلا :

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم ولداً وكنا والدا

ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

إن قريشاً أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيّتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا.

وتأثر النبي لذلك جدا ودمعت عيناه ، وبعث ضمرة ليخير قريشا بين ثلاث ان يدوا قتلى زخزاعة او يبرأوا من بطن نفاثة الذي قام بالمجزرة او ينبذ اليهم على سواء واختارت قريش الثالثة.(١)

فتح مكة لمشروع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الابد :

نهض النبي بجيش قوامه عشرة الاف مسلم ودخل مكة فاتحا وحرر بيت ابراهيم

__________________

أحب إلى من وجهك ولا دين أحب إلى من دينك ولا بلد أحب إلى من بلدك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وفي تاريخ المدينة قال ثمامة : ثم قدمت مكة فقلت : يا أهل مكة إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، ولا تأتيكم من اليمامة تمرة ولا برة أبدا أو تؤمنوا بالله ورسوله ، فكتب المشركون من مكة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه بالله وبالرحمن أن لا يحبس الطعام عن مكة حرم الله وأمنه ، فقدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال " يا ثمامة لا يثأر المسلم بالكافر ، ولكن ارجع إلى قومك فادعهم إلى الاسلام فمن أقر منهم بالاسلام واتبعك فانطلق إلى بني قشير ولا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن بايعوك حرمت عليك دماؤهم ، وإن لم يبايعوك فقاتلهم. فدعا قومه فأسلموا معه ، ثم غزا بني قشير فثأر بابنه.

(١) انظر تفصيل القصة في الصحيح من السيرة النبوية للسيد جعفر مرتضى ج ٢١ ص ٢١ فما بعد.

٥٣٥

من الاصنام ومن بدعة الحمس ليعلن فيها التوحيد والشهدة لمحمد بالرسالة ابد الدهر.

هدم بدعة قريش في الحج واعلان امامة اهل البيتعليهم‌السلام واولهم علي عليه‌السلام في الغدير :

وفي السنة العاشرة اعلن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حجة الوداع هدم فيها بدعة قريش بتحريم الجمع بين العمرة والحج في اشهر الحج حيث شرع حج التمتع الذي يتألف من عمرة وحج بينهما حِل ،

ثم اعلن في رجوعه عند مفترق الطرق عند غدير خم وامام مائة الف بل يزيدون ، اوصى بالتمسك بإمامه اهل بيته الدينية وقرنهم بالكتاب ، هذه الامامة التي تنعكس عنها ولايته الحكمية (التنفيذية) لكل المسلمين.

روى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :

«خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهينا إلى غدير خم عند شجيرات خمس ودوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجيرات ثم استراح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشية فصلى ثم قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال :

أيها الناس إني تارك فيكم أمرين(١) لن تضلوا ان اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أتعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلي مولاه ...».(٢)

وفي رواية الطبراني بعد قوله عترتي «وان اللطيف الخبيرنَبَّأَني انهما لن يفترقا

__________________

(١) في رواية مسلم واحمد (ثقلين).

(٢) الحاكم ،المستدرك على الصحيحين ، ج ٣ ص ١١٠ و ٥٣٣. وتاريخ مدينة دمشق ترجمة عليعليه‌السلام ج ٢ : ٣٦ الحديث رقم ٥٣٤ وقد رواه البلاذري أيضا في الحديث رقم ٤٨ من ترجمة عليعليه‌السلام ص ١١٠ وفيه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (كأني قد دعيت فأجبت وان الله مولاي وانا مولى كل مؤمن وانا تارك فيكم ...) ورواه ابن كثير فيالبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٠٦ عن سنن النسائي ورواه أيضا الطبري عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم وعن عطية عن أبي سعيد الخدري ورواه أيضا ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٣. كما ورواه المتقي الهندي أيضا فيكنز العمال ج ١٣ : ١٠٤ الحديث رقم (٣٦٣٤٠) تصحيح الشيخ صفوة السقا.

٥٣٦

حتى يردا عليَّ الحوض وسألت ذلك لهما ، فلا تَقدَّموهُما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم».(١)

فئات المجتمع الاسلامي في السنة العاشرة من الهجرة :

كان المجتمع الاسلامي الإسلامي في السنة العاشرة من الهجرة يحتوي على ثلاث فئات من المسلمين :

الاولى : فئة العلماء الربانيين وهؤلاء شعارهم التسليم المطلق والتقيد الحرفي لإمر الله ورسوله وهم اهل بيت النبي وعظيمهم بعليعليه‌السلام .

الثاني : فئة محبي علي الراسخون في العلم مثل مقداد وعمار وسلمان ابي ذر ونظرائهموهؤلاء وطنوا انفسهم على حب اهل البيت واخذ معارف الدين عنهم.

الثالثة : فئة قريش المسلمة ومن اخذ بمنهجهم ويحملون شعار حسبنا كتاب الله والاجتهاد في قبال السنة. وهم الذين قُدِّرَ لهم ان يحكموا بعد النبي مدة اربع وعشرين سنة ، ويفتحوا البلاد ويكونوا مجتمع مسلمة الفتوح على اجتهاداتهم واغلب هؤلاء كانوا في جيش اسامة (وخالفوا النبي في قوله جهزوا جيش اسامة ولعنهم حين قال لعن الله من تخلف عن جيش اسامة).

خليفة مشروع علي عليه‌السلام الاحيائي للسنة النبوية

١. انقلاب قريش المسلمة :

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على قمة هرم المجتمع الاسلامي دينيا وسياسيا وقد ايده الله تعالى ببيناته في حركته التبليغية والتأسيسية وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان.

وقد اعلن النبي منذ بداية المشروع / ١٠ ق. هـ / لبني هاشم وبني المطلب فيما عرف بحديث الدار : ان وزيره ووصيه وخليفته فيه هو علي ، ثم اعلن للمسلمين جميعا / ١٠ هـ / الامامة الدينية والسياسية فيما عرف بحديث الغدير في غدير خم / مفرق طرق الحاج

__________________

(١) الطبراني ،المعجم الكبير ج ٥ ص ١٦٧ الحديث رقم ٤٩٧١ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٤ فيه حكيم بن جبير وهو ضعيف قال ابن حجر في التقريب ضعيف رمي بالتشيع.

٥٣٧

من مكة الى المدينة / امام مائة الف او يزيدون وهم عظم المسلمين الذين استنفرهم للحج معه. وقد امتلأت الفترة الزمنية بين حديث الدار وحديث الغدير وهي فترة عشرين سنة باحاديث في هذه المناسبة او تلك تؤكد ذلك بشكل واخر ،

وقد اقترن ذلك بتربي علي في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ ولادته في بيت ابيه يوم كان النبي يعيش هناك بكفالة عمه ، ثم اصطحبه معه في بيته بعمر ست سنوات لما تزوج واستقل عن عمه ثم اصحبه في هذا العمر الى غار حراء يرفع له في كل يوم من اخلاقه علما ، وعندما كلفه الله نبيه بارسالة كان علي الى جنبه وقد سمع رنة الشيطان وسأل النبي عنها فأجابه انه الشيطان قد يئس من عبادته واخبره انه منه بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده ،

وكان علي في مكة يكتب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله القرآن وبهامشه تفسيره وفي المدينة كان بيته مع امه فاطمة بنت اسد في المسجد بجوار بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ابنته فاطمةعليها‌السلام ، وله مع النبي لقاءان يوميا احدهما بعد صلاة الفجر والاخر بعد المغرب يواصل فيه املاءه في تفسير القرآن ويضيف اليه املاءه في الاحكام والسيرة والملاحم وقد عرف المسلمون جميعا خبر هذه اللقاءات يوم عقد النبي بعضها مع علي في ايام حصار الطائف وعرفت يومذاك بالمناجاة قال جابر : انتجى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً يوم الطائف فطالت مناجاتُه إيّاه. فقيل له : لقد طالت مناجاتك اليوم عليّاً؟ فقال : ما أنا ناجيتُه ولكنّ الله انتجاه(١) أي الله تعالى امرني ان انتجيه وليس هو عمل من تلقاء نفسي والمعنى امرني الله تعالى ان انفرد بعلي واسر اليه بالحديث امامكم.

وقد كتب علي في هذه اللقاءات : الصحيفة الجامعة طولها سبعون ذراعا فيها كل شيء مما يحتاج اليه من الاحكام وصحفا اخرى كتب فيها الملاحم والتفسير ثم صارت ميراثا له وللائمة من ولدهعليه‌السلام .

وهذا اللصوق لعلي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل سيرة عليعليه‌السلام مدمجة مع سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا والى جانبه علي كما هو حال سيرة موسى لا يذكر فيها موسى الا

__________________

(١) ابن الأثير ،جامع الأصول ج ٩ ص ٤٧٤ والخطيب التبريزي فيمشكاة المصابيح ٥٦٤ ، وابن كثير الدمشقي فيالبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٥٦. والنجوى في الحديث : الاسرار به لفرد او لجماعة.

٥٣٨

والى جانبه هارون وقد تواتر الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لعلي (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي).

وانقلبت قريش المسلمة بعد وفاة النبي على عليعليه‌السلام وكاندوا يقتلونه ، نظير انقلاب امة موسى على هارون بعد طول غيبة موسى وكادوا يقتلونه. وادعت قريش المسلمة الامامة الدينية واقصت علياعليه‌السلام عن موقعه الذي عينه النبي فيه بأمر الله ، وابتدعت في دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فحرمت متعة الحج واخرت مقام ابراهيم عن البيت الى المكان الذي كان علي في الجاهلية ، لتكرس امامتها الدينية وفسحت المجال لكعب الاحبار عالم يهود اليمن وتميم الداري راهب النصارى في الحجاز ان ينشرا اساطيرهم حول الخلق والانبياء وغاب تنزيه التوحيد وتنزيه الانبياء الذي جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفتحت البلدان على ذلك وانتهى الامر الى قيام حكم بني امية زمن عثمان على تكريس تلك السيرة فصاروا ائمة الدين وولاته.

حالة المسلمين الفكرية والدينية والسياسية زمن خلافة عثمان سنة ٢٦ هجرية :

اما الحالة السياسية فتعرف من شخصية رئيس الدولة وولاته على الامصار :

١. كان رئيس الدولة عثمان بن عفان بن ين ابي العاصي بن امية بن عبد شمس.

٢. وكان سكرتيره الخاص مروان بن الحكم بن العاص بن امية بن عبد شمس (ابن عم عثمان).

٣. وكنا والي الشام الكبرى معاوية بن ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبد شمس. (ابن عم عثمان)

٤. وكان والي الكوفة الوليد بن عقبة بن ابي معيط بن عمرو بن امية بن عبد شمس ، ثم خالد بن سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن امية بن عبد شمس والد عمرو بن سعيد الاشدق. (اولاد عمه)

٥. وكان والي البصرة : عامار بن ربيعة من حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وحبيب بن عبد شمس هو اخو امية بن عبد شمس. (فهو ابن عمه)

٥٣٩

٦. وكان والي مصر عبد الله بن ابي سرح اخو عثمان من الرضاعة وهو من بني عامر احدى بطون قريش.

وفي ضوء ذلك فان دولة عثمان هي الدولة الاموية الاولى. وقد تذمرت منها بطون قريش حيث حرمت من امتيازات السلطة التي كانت لهم ايام ابي بكر وعمر ، واخذوا يحثون الناس على العمل للاطاحة بالخليفة عثمان.

اما الحالة الفكرية والدينية : فهي ما تبنته الدولة من اعتبار سيرة الشيخية جزءا اساسيا من قانون الدولة وتتمثل هذه السيرة بامور هي :

١. المنع من نشر احاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق اهل بيته واولهم عليعليه‌السلام . كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث المنزلة وغيرها.

٢. تحريم متعة الحج التمتع / وقد جعلها الاسلام رخصة للحاج / وعقوبة المخالف.

٣. تحريم متعة النساء / وقد جعلها الاسلام علاجا للزنا /.

٤. اسناد الوعظ وبيان قصص الانبياء الى كعب الاحبار ومصدره فيها التوراة المحرفة التي طرحت في المجتمع بصفتها كتاب الله الاول ، الامر الذي افقد عقيدة التوحيدَ وسيرةَالانبياء التنزيهَ الذي جاء به القرآن فيها ..

٥. ايجاد الطبقية في المجتمع ، على مستوى العطاء الذي توزعه الدولة في قبال التسوية التي سنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بتفضيل ازواج النبي على المسلمين ثم اهل بدر على غيرهم ثم اهل الحديبية على غيرهم ، وفي الفروج في قبال كفاءة المؤمن للمؤمنة بمنع غير العربي من التزوج بالعربية ،

٦. ارجاع مقام ابراهيم الى مكانه في الجاهلية.

٧. ارجاع لقب (ال الله) التي انتحلته قريش في الجاهلية اليها ومعاقبة صحابي فاضل لانه عين مولاه عليها في غيابه.(١)

__________________

(١) جاء فيتهذيب الكمال للمزي ج ٢٩ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، وفيأسد الغابة لابن الأثير ج ٥ ص ٧ ـ ٨ ، وعنالاستيعاب لابن عبد البر ج ص ١٤٩٠ في ترجمة نافع بنعبد الحارث الخزاعي ، قال أبو عمر بن عبد البر استعمله عمر بن الخطاب على مكة وفيهم سادة قريش ، فخرج نافع إلى عمر ، واستخلف مولاه عبد الرحمان بن أبزى فقال له عمر : استخلفت على آل الله مولاك؟ فعزله ، وولى

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611