الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173222 / تحميل: 7417
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفصل الثاني: الصحابة في القران الكريم

وتعرّض القرآن الكريم لأحوال الصحابة وصفاتهم، منذ بداية بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتّى وفاته في كثيرٍ من سوره وآياته ...

لقد قسّم القرآن الكريم الملتّفين حول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مقابل الكافرين، والذين أُوتوا الكتاب، إلى ثلاثة طوائف، هم:

١ - الذين آمنوا.

٢ - الذين في قلوبهم مرض.

٣ - المنافقون.

والجدير بالدراسة والبحث وجود عنوان:( الّذين في قلوبهم مرض ) إلى جنب( الّذين آمنوا ) في بعض السِّوَر المكيّة،

ففي سورة (المدّثّر)، المكيّة بالإجماع، وهي من أُوليات السِّوَر، جاء قوله تعالى:

( وَما جَعلنا أصحَابَ النَّارِ إلاّ مَلائكةً * وما جَعلنَا عِدّتهُم إلاّ فِتنَةً للَّذينَ كَفرُوا ليستيقِنَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ ويَزدادَ الَّذينَ آمَنُوا إيماناً ولايَرتَابَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ والمؤمنُونَ وليقُولَ الَّذينَ في قُلوبِهمِ مَرضٌ والكافِرونَ ماذا

٢١

أرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً ) (١) .

دلّت الآية المباركة على وجود أُناس( في قلوبهم مرض ) حول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منذ الأيّام الأُولى من الدعوة الإسلامية، و (المرض) بأيِّ معنىً فُسّر، فهؤلاء غير المنافقين الذين ظهروا بالمدينة المنوَّرة، قال الله تعالى:

( وممّن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة ) (٢) .

فالّذين في قلوبهم مرضٌ لازموا النبيّ منذ العهد المكّي، حيث كان الإسلام ضعيفاً، والنبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مطارداً.

أمّا المنافقون فقد ظهروا بعد أن ظهرت شوكة الإسلام، فتظاهروا بالإسلام؛ حفظاً لأنفسهم وأموالهم وشؤونهم.

وبناءً على هذا، فكلُّ آيةٍ من القرآن الكريم، ورد في ظاهرها شيءٌ من الثناء على عموم الصحابة، فهي - لو تمّ الاستدلال بها - محفوفة بما يخرجها عن الإطلاق والعموم وتكون مخصّصةً بـ( الّذين آمنوا ) حقيقةً، فلا يُتوهّم شمولها للذين في قلوبهم مرضٌ، والمنافقين، الذين وقع التصريح بذمّهم - كذلك - في كثيرٍ من الآيات(٣) .

وفيما يلي، نستعرض الآيات القرآنية التي نزلت في الصحابة، في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية، وفي مختلف ظروفهم من حيث القرب والبُعد عن الأُسس الثابتة في العقيدة والشريعة، ومن حيث درجة الانقياد لله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأوامر والنواهي:

____________________

١) سورة المدّثر ٧٤: ٣١.

١) سورة التوبة ٩: ١٠١.

٣) اُنظر تفسير الميزان ٢٠: ٩٠.

٢٢

آيات المدح والثناء:

ذكر غير واحدٍ من المؤلفين، آياتٍ من القرآن الكريم للاستدلال، على أنّ الله قد أثنى في كتابه على الصحابة بنحو العموم:

الآية الأُولى:

قال تعالى:

( كُنتُمْ خيرَ أُمَّةٍ أُخرجَتْ للنّاسِ تأمُرُونَ بالمعروفِ وتَنهَونَ عَنِ المنكرِ وتؤمنونَ باللهِ ) (١) .

قالوا: نزلت هذه الآية في المهاجرين من مكّة إلى المدينة، كما ورد عن عبدالله بن عبّاس أنّه قال:

(هم الذين هاجروا مع رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - من مكّة إلى المدينة)(٢) .

وعن عِكْرِمة ومقاتل:

(نزلت في ابن مسعود واُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حُذيفة، وذلك أنّ مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إنَّ ديننا خيرٌ مما تدعوننا إليه، ونحن خيرٌ وأفضل منكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية ...)(٣) .

لكنّ قول ابن عباس لو ثبت مقيّدٌ بما أشرنا إليه، فلا يكون المراد عموم المهاجرين الشامل للذين في قلوبهم مرضٌ قطعاً.

كما أنّ قول عِكْرِمة وأمثاله ليس بحجّة.

____________________

١) سورة آل عمران ٣: ١١٠.

٢) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ١: ٣٩٩. والدر المنثور، للسيوطي ٢: ٢٩٣. وبنحوه في الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ٤: ١٧٠.

٣) أسباب نزول القرآن، للواحدي: ١٢١.

٢٣

والآية حتّى لو كانت نازلةً في موردٍ خاصٍ إلاّ أنّ المفسرين وسّعوا المفهوم ليشمل جميع الأُمّة الإسلامية، كما يقول ابن كثير:

(والصحيح أنَّ هذه الآية عامّة في جميع الأُمّة كلّ قرنٍ بحسبه)(١) .

واختلف العلماء في تشخيص من تشمله الآية، هل هو الأُمّة بأفرادها فرداً فرداً؟

أي أنّ كلّ فرد من الأُمّة الإسلامية هو موصوف بالخيريّة، أو هو الأُمة إجمالاً، أي: بمجموعها دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً.

فذهب جماعةٌ إلى الرأي الأول، ومنهم: الخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، وابن عبدالبر القرطبي، وابن الصلاح، وابن النجّار الحنبلي(٢) .

فالآية في نظرهم شاملة لجميع أفراد الأُمّة وهم الصحابة آنذاك، فكُلُّ صحابيٍّ يتصف بالخيرية والعدالة مادام يشهد الشهادتين.

وذهب آخرون إلى الرأي الثاني، وهو اتصاف مجموع الأُمّة بالخيرية دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً، وقيّدوا هذه الصفة بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يتصف بالخيريّة من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، سواء كان فرداً أو أُمّة.

قال الفخر الرازي:

( المعنى أنّكم كنتم في اللّوح المحفوظ خير الأُمم وأفضلهم، فاللاّئق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة وأن تكونوا منقادين مطيعين في كلِّ ما يتوجّه عليكم من التكاليف والألف

____________________

١) تفسير القرآن العظيم ١: ٣٩٩.

٢) الكفاية في علم الرواية: ٤٦. الإصابة ١: ٦. والاستيعاب ١: ٢. ومقدمة ابن الصلاح: ٤٢٧. وشرح الكوكب المنير ٢: ٢٧٤.

٢٤

واللاّم في لفظ (المعروف)، ولفظ (المنكر) يفيدان الاستغراق، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكلِّ معروف وناهين عن كلِّ منكر (تأمرون) المقصود به بيان علة تلك الخيرية)(١) .

وقال الفضل الطبرسي:

(كان بمعنى صار، ومعناه: صرتم خير أُمّة خلقت لأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر، وإيمانكم بالله، فتصير هذه الخصال شرطاً في كونهم خيراً)(٢) .

وقال القرطبي:

(تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر: مدح لهذه الأُمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سبباً لهلاكهم)(٣) .

فالخيرية تزول إن زالت علّتها، وذهب إلى ذلك - أيضاً - نظام الدين النيسابوري(٤) ، والشوكاني(٥) ، وآخرون.

وذكر ابن كثير قولين - في ذكر الشروط - أحدهما لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والآخر لعمر بن الخطّاب:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

( خيرُ الناس أقرأهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم ) (٦) .

____________________

١) التفسير الكبير ٨: ١٨٩ - ١٩١.

٢) مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي ١: ٤٨٦.

٣) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ٤: ١٧٣.

٤) تفسيرغرائب القرآن، للنيسابوري ٢: ٢٣٢.

٥) فتح القديرللشوكاني: ٣٧١.

٦) تفسيرالقرآن العظيم: لابن كثير ١: ٣٩٩

٢٥

فالآية الكريمة ناظرةٌ إلى مجموع الأُمّة، أمّا الأفراد، فقد وضع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مقياساً لاتصافهم بالخيرية، كما جاء في قوله.

وفي حجةٍ حجّها عمر بن الخطاب رأى من الناس دعةً، فقرأ هذه الآية، ثم قال:

(من سرّه أن يكون من هذه الأُمّة فليؤدِ شرط الله فيها)(١) .

وذهب أحمد مصطفى المراغي إلى أنّ الخيريّة مختصةٌ بمن نزلت فيهم الآية في حينها، ثم وسّع المفهوم مشروطاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال:

( أنتم خير أُمّةٍ في الوجود الآن، لأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون إيماناً صادقاً، يظهر أثره في نفوسكم وهذا الوصف يصدُق على الذين خوطبوا به أولاً، وهم النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وأصحابه الذين كانوا معه وقت التنزيل وما فتئت هذه الأُمّة خير الأُمم حتّى تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(٢) .

وأضاف محمد رشيد رضا: الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرّق، إلى شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال:

( شهادة من الله تعالى للنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومن اتّبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها، بأنّها خير أُمّةٍ أُخرجت للناس بتلك المزايا الثلاث، ومن اتّبعهم فيها كان له حكمهم لامحالة، ولكن هذه الخيرية لا يستحقها من ليس لهم من الإسلام، واتّباع - النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم - إلاّ الدعوى وجعل الدين جنسية لهم، بل لا يستحقها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحجّ البيت الحرام والتزم الحلال واجتنب الحرام، مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلاّ بعد القيام بالأمر

____________________

١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير ١: ٤٠٤.

٢) تفسير المراغي، لأحمد مصطفى المراغي ٤: ٢٩.

٢٦

بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالاعتصام بحبل الله، مع اتّقاء التفرّق والخلاف في الدين ...

إنّ هذه الصفات العالية والمزايا الكاملة لذلك الإيمان الكامل، لم تكن لكلِّ من يُطْلق عليه المحدّثون اسم الصحابي )(١) .

ومن خلال طرح هذه الآراء نجد أنّ الرأي الثاني هو الأقرب للمعنى المراد، فإنَّ الآية ناظرةٌ إلى مجمل الأُمّة وليس إلى الأفراد فرداً فرداً.

وأكدّ الدكتور عبدالكريم النملة هذا المعنى فقال:

( لا يجوز استعمال اللفظ في معنيين مختلفين، فالمراد مجموع الأُمّة من حيث المجموع، فلا يُراد كل واحد منهم أي من الصحابة -)(٢) .

الآية الثانية :

قال تعالى:

( وكذلِكَ جعلناكُم أُمَّةً وسطاً لِتكونُوا شُهداءَ على النّاسِ ويكونَ الرّسُولُ عليكم شهيداً ) (٣).

جعل الله تعالى المسلمين أُمّةً وسطاً بين الأُمم، لا سيّما اليهود والنصارى، فالأُمّة الوسط بعيدة عن التقصير والغُلوّ في الاعتقاد وفي المواقف العملية من الأنبياء، قال النيسابوري:

(إنّهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرّط، والغالي والمقصّر في شأن الأنبياء لا كالنصارى ولا كاليهود)(٤) .

ويُطْلق الوسط - أيضاً - على الخيار والعدل.

____________________

١) تفسير المنار ٤: ٥٨ - ٥٩.

٢) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف: ٨٢.

٣) سورة البقرة ٢: ١٤٣.

٤) تفسير غرائب القرآن ١: ٤٢١.

٢٧

قال الزمخشري: ( وقيل للخيار وسط لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محميّة محوطة.. أو عدولاً لأنَّ الوسط عدل بين الأطراف، ليس إلى بعضها أقرب من بعض)(١) .

وقال القرطبي نحو ذلك(٢) .

والوسطيّة بمعنى الاعتدال بين الإفراط والتفريط هي المستعملة في آراء المشهور من المفسّرين(٣) .

فهذه الآية كسابقتها في أنّ المراد مجموع الأُمّة من حيث المجموع، وإنْ حاول جماعةٌ - ومنهم: عبدالرحمان ابن أبي حاتم الرازي، والخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، وابن عبدالبر القرطبي، وابن الصلاح، وابن النجّار(٤) - تنزيلها على الأفراد، فجعلوا كلّ مسلمٍ وسطاً وعدلاً، فالصحابة جميعهم عدولٌ بشهادة القرآن لهم.

قال الفضل الطبرسي:

( إنّه - تعالى - جعل أُمّة نبيه محمّدٍ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - عدلاً وواسطة بين الرسول والناس، ومتى قيل: إذا كان في الأُمّة من ليس هذه صفته، فكيف وصف جماعتهم بذلك؟

فالجواب: إنّ المراد به من كان بتلك الصفة، ولأنّ كلَّ عصرٍ لا يخلو من جماعةٍ هذه صفتهم)(٥) .

____________________

١) الكشّاف ١: ٣١٨.

٣) الجامع لأحكام القرآن ٢: ١٥٤.

٤) مجمع البيان ١: ٢٤٤. وتفسير المراغي ٢: ٦. وتفسير المنار ٢: ٥.

٥) الجرح والتعديل ١: ٧. والكفاية في علم الرواية: ٤٦. والإصابة ١: ٦. والاستيعاب ١: ٢. ومقدمة ابن الصلاح: ٤٢٧. وشرح الكوكب المنير ٢: ٤٧٤.

٦) مجمع البيان ١: ٢٢٤.

٢٨

وجعل أحمد مصطفى المراغي شرطاً للاتصاف بالعدالة والوسطيّة، وهو اتّباع سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمن لم يتّبعْها يُعتبر خارجاً عن هذه الأُمّة فقال:

( فنحن إنّما نستحق هذا الوصف إذا اتّبعنا سيرته وشريعته، وهو الذي يحكم على من اتّبعها، ومن حاد عنها وابتدع لنفسه تقاليد أُخرى، وانحرف عن الجادّة، وحينئذٍ يكون الرسول بدينه وسيرته حجّةً عليه بأنّه ليس من أُمتّه.. وبذلك يخرج من الوسط ويكون في أحد الطرفين )(١) .

وذهب إلى هذا الرأي محمد رشيد رضا في تفسير المنار(٢) .

وخصّص العلاّمة الطباطبائي هذه الصفة بالأولياء دون غيرهم، فقال:

(ومن المعلوم أنّ هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأُمّة، إذ ليست إلاّ كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم)(٣) .

وقال - أيضاً -:

( فالمراد بكون الأُمّة شهيدةً أنّ هذه الشهادة فيهم، كما أنّ المراد بكون بني إسرائيل فُضّلوا على العالمين، أنّ هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف بها كلُّ واحدٍ منهم، بل نُسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه )(٤) .

وممّا يشهد على أنَّ المقصود ليس أفراد الأُمّة، هو أنَّ الذين ذهبوا إلى حجيّة إجماع الأُمّة استندوا إلى هذه الآية، واعتبروا إجماع الأُمّة هو الحجّة، دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً، كما حكى عنهم الشريف

____________________

١) تفسير المراغي ٢: ٦.

٢) تفسير المنار ٢: ٥.

٣) الميزان في تفسير القرآن ١: ٣٢١.

٤) الميزان في تفسير القرآن ١: ٣٢١.

٢٩

المرتضى(١) وأبو حيان الأندلسي(٢) .

وأكدّ علاء الدين البخاري على أنّ المقصود هو مجموع الأُمّة فقال:

(فيقتضي ذلك أن يكون مجموع الأُمّة موصوفاً بالعدالة، إذ لا يجوز أن يكون كلُّ واحدٍ موصوفاً بها؛ لأنّ الواقع خلافه)(٣) .

وبعد، فإنَّ من غير الصحيح الاستدلال بالآية الكريمة على عدالة الصحابة أجمعين، أمّا على تفسير العلاّمة الطباطبائي فالأمر واضح، وأمّا على ما ذكرنا سابقاً من ضرورة لحاظ آيات القرآن الكريم كلّها، وضمّ بعضها إلى البعض الآخر، فهي وإنْ شملت الأفراد لكن(الذين آمنوا) فقط، دون(الذين في قلوبهم مرض) و(المنافقين) ، وأمّا على أقوال الجمهور، فلا يمكن أن يكون المقصود أفراد الأُمّة واحداً واحداً ليستفاد منها عدالة الصحابة، لأن الواقع خلافه، كما نصّ عليه العلاء البخاري.

فالآية الكريمة جعلت المسلمين أُمّةً وسطاً أو عدلاً، وهذه الوسطيّة والعدليّة ممتدة مع امتداد الأُمّة الإسلامية في كلِّ عصرٍ وزمان، فالأُمّة الإسلامية في مراحل لاحقة هي أُمّة وسط في عقيدتها وشريعتها وتطبيقها للمنهج الإسلامي، وفي مرحلتنا الراهنة حينما نقول إنّ الأُمّة الإسلامية أُمّةٌ وسط أو أُمّة عادلة، يصح القول إذا كان المقصود مجموع الأُمّة، أمّا سراية الوسطيّة والعدليّة للأفراد فرداً فرداً فلا تصح، لأنّ الواقع يخالف ذلك، فكثير من المسلمين بعيدون عن الإسلام كلّ البعد في تصوراتهم

____________________

١) الشافي في الإمامة ١: ٢٣٢ وما قبلها.

٢) تفسير البحر المحيط ١: ٤٢١.

٣) كشف الأسرار، لعلاء الدين البخاري، دار الكتاب العربي - بيروت ١٣٩٤ هـ.

٣٠

ومشاعرهم ومواقفهم، فكيف نعمّم العدالة على الأفراد؟

وما نقوله هنا نقوله في حقِّ أفراد الأُمّة في زمن النزول، فالآية مختصة بمجموع الأُمّة، بما فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والعترة الطاهرة، والمهاجرون والأنصار السابقون للخيرات والذين لم يخالفوا الأوامر الإلهيّة والنبويّة، طرفة عين، واستمروا على ذلك حتّى بعد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

الآية الثالثة:

قال تعالى:

( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تبيَّنَ لهُ الهدى ويتَّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين نولِّه ما تولّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءت مصيراً ) (١) .

استدل البعض على طهارة وعدالة جميع الصحابة فرداً فرداً بهذه الآية الكريمة، ومنهم عبدالرحمان الرازي(٢) .

ووجه الاستدلال:

أنّ الله - تعالى - جمع بين مشاقّة الرسول واتّباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فيكون اتّباع سبيلهم واجباً، ولا يصح الأمر باتّباع سبيل من يجوز عليهم الانحراف والريبة والفسق.

ولا علاقة للآية بمسألة عدالة الصحابة أبداً كما لا يخفى. ومع التنزل فإنّ الاستدلال بهذه الآية على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً لا يصح من عدة وجوه:

الأوّل :

ذهب كثيرٌ من المفسرِّين والمتكلِّمين إلى أنَّ المقصود بسبيل المؤمنين هو مجموع الأُمّة ومنهم: القصّار المالكي والسبكي(٣) .

____________________

١) سورة النساء ٤: ١١٥.

٢) الجرح والتعديل، لعبدالرحمان الرازي ١: ٧.

٣) المقدمة في الأُصول، للقصّار المالكي: ٤٥. والإبهاج في شرح المنهاج، للسبكي ٢: ٣٥٣.

٣١

الثاني:

المراد بسبيل المؤمنين هو الاجتماع على الإيمان وطاعة الله ورسوله، فإنَّ ذلك هو (الحافظ لوحدة سبيلهم)(١) .

الثالث :

أن يكون سبيل المؤمنين خالياً من الإثم والعدوان، كما ورد في الآيات الكريمة، ومنها: قوله تعالى:

( وتَعاونُوا على البرِّ والتَّقوى ولا تَعاونُوا على الإثمِ والعُدوانِ ) (٢) .

وقوله تعالى:

( يا أيُّها الذين آمنُوا إذا تناجَيتُم فلا تَتَناجَوا بالإثمِ والعُدوانِ ومعصِيةِ الرَّسُولِ وتناجَوا بالبّرِ والتَّقوى ) (٣) .

فالله تعالى ينهى عن التعاون والمناجاة بالإثم والعدوان، لإمكان وقوعه من قبل المسلمين.

الرابع :

اختلف الصحابة فيما بينهم حتّى وصل الحال بهم إلى الاقتتال، كما حدث في معركة الجمل وصفّين، فيجب على الرأي المتقدِّم اتّباع الجميع، اتّباع علي بن أبي طالب (عليه السلام) والخارجين عليه، وهذا محال، واتّباع أحدهم دون الآخر يعني:

عدم اتّباع الجميع، بل البعض منهم، وهذا هو الوجه الصحيح، وهو وجوب اتّباع من وافق الحقّ والشريعة وليس اتّباع كل سبيل.

فالسبيل المقصود هو سبيل المؤمنين الموافق للحق وللأُسس الثابتة في الشريعة، وليس هو سبيل كلِّ فردٍ من أفراد المؤمنين.

وقد أشار ابن قيّم الجوزية إلى استحالة توزيع سبيل المؤمنين على

____________________

١) الميزان في تفسير القرآن ٥: ٨٢.

٢) سورة المائدة ٥: ٢.

٣) سورة المجادلة ٥٨: ٩.

٣٢

الأفراد فقال:

( إنّ لفظ الأُمّة ولفظ سبيل المؤمنين، لا يمكن توزيعه على أفراد الأُمّة وأفراد المؤمنين )(١) .

الآية الرابعة :

قال الله تعالى:

( يا أيُّها النَّبيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المـُؤمِنينَ ) (٢) .

في هذه الآية تطييب لخاطر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنّ الله حسبه أي كافيه وناصره ومؤيده على عدوه، واختلف في بيان المقصود من ذيل الآية، فقال مجاهد: (حسبك الله والمؤمنون)(٣) .

فجعل المؤمنين معطوفين على الله تعالى، فالله تعالى، والمؤمنون، هم الذين ينصرون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويؤيّدوه.

وذهب ابن كثير إلى جعل المؤمنين معطوفين على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنّ الله تعالى ناصرهم ومؤيّدهم، فقال:

(يخبرهم أنّه حسبهم، أي كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم)(٤) .

وذكر العلاّمة الطباطبائي كلا الرأيين ورجَّحَ الرأي الأوّل(٥) .

وهنالك قرينة تدل على ترجيح الرأي الأوّل، وهي قوله تعالى:

( ...فإنَّ حَسْبَكَ اللهُ هو الذي أيَّدَكَ بنصرِهِ وبالمؤمنين ) (٦) .

والآية تُسمّي من كان مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمؤمنين سواء كان الله تعالى

____________________

١) أعلام الموقعين ٤: ١٢٧.

٢) سورة الانفال ٨: ٦٤.

٣) الدُّر المنثور ٤: ١٠١.

٤) تفسير القرآن العظيم ٢: ٣٣٧.

٥) الميزان في تفسير القرآن ٩: ١٢١.

٦) سورة الأنفال ٨: ٦٢.

٣٣

ناصره وناصرهم، أو كان الله والمؤمنون ناصرين له (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا دلالة على أكثر من ذلك.

وقد ذهب الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني إلى أنّ الآية تدل على ثبوت عدالة الصحابة أجمعين وطهارتهم(١) .

وجعلوا الآية شاملةً لجميع الصحابة، حتّى الّذين لم يشتركوا في أيّ غزوةٍ من الغزوات، وهذا التعميم بحاجةٍ إلى دليل، ولا يكفي أن نقول:

إنَّ العبرة بعموم اللفظ لابخصوص المورد، فالآية قد نزلت في موردٍ خاصٍ وفي معركة بدرٍ بالخصوص، فكيف نعمّمها على جميع الصحابة حتّى الّذين كانوا يقاتلون في صف المشركين ثمّ أسلموا فيما بعد؟

وتسالم المفسرون على نزول الآية في موردٍ خاص، وهو غزوة بدر، وفي جماعةٍ خاصةٍ من الصحابة، وهم الصحابة الأوائل الذين اشتركوا في الغزوة ولم يتخلّفوا، لا في مطلق الصحابة.

فقيل: أنّها نزلت في الأنصار(٢) .

وقيل: أنّها نزلت في الأربعين الذين أسلموا في بداية البعثة(٣) .

وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام):

( إنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ) (٤) .

والجامع المشترك لهذه الآراء أنّها نزلت في الصحابة الذين شاركوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في القتال.

____________________

١) الكفاية في علم الرواية: ٤٦. والإصابة في تمييز الصحابة ١: ٦.

٢) التفسير الكبير ١٥: ١٩١. والدر المنثور ٤: ١٠١.

٣) أسباب النزول، للسيوطي: ١٨٣. والدر المنثور ٤: ١٠١.

٤) شواهد التنزيل، للحسكاني ١: ٢٣٠.

٣٤

وبهذا يتضح عدم صحة ما ذهب إليه الخطيب البغدادي، وابن حَجَر العسقلاني، من شمولها لجميع الصحابة، فرداً فرداً، فالمتسالَم عليه أنّ عدد الصحابة الذين اشتركوا في غزوة بدرٍ كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر، أمّا بقيّة الصحابة الذين أسلموا فيما بعد، وخصوصاً بعد فتح مكة، فقد كان بعضهم في صفوف المشركين الذين قاتلوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكيف تشملهم الآية التي نزلت لتطييب خاطر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإبلاغه بأنّ الله تعالى كافيه وناصره، على أعدائه الذين جمعوا له، للقضاء عليه وعلى رسالته، وجميعهم من الصحابة الذين أسلموا فيما بعد، كمعاوية، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد وغيرهم!

ومع نزول الآية في الصحابة الأوائل، إلاّ أنّها مشروطة بحسن العاقبة، كما سيأتي فيما بعد(١) .

وهذا كلّه بحسب الأقوال والآراء في معنى الآية ونزولها.

أمّا بالنظر إلى ما قدّمناه فإنّ الآية المباركة تقول للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

(حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المـُؤمِنينَ) .

وهل يعمّ هذا اللّسان غير(الذين آمنوا) من(الذين في قلوبهم مرض) ومن(المنافقين) ؟!

الآية الخامسة :

قال الله تعالى:

( والسّابِقُونَ الاَوّلُونَ مِنَ المهاجرِينَ والأنصارِ والَّذينَ اتّبعُوهُم بإحسانٍ رّضيَ اللهُ عنهُم ورضُوا عنهُ وأعدَّ لهُم جنّاتٍ تجري تَحتَها الأنهارُ خالدِينَ فيها أبداً ) (٢) .

____________________

١) راجع الآية السابعة من هذا الفصل.

٢) سورة التوبة ٩: ١٠٠.

٣٥

في هذه الآية ثناء من الله تعالى للسابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، وتصريح منه تعالى برضاه عنهم لما قدّموا من تضحيات في سبيل الله.

واختلف المفسرون في مصداق السابقين على آراء(١) :

الرأي الأوّل: أهل بدر.

الرأي الثاني: الذين صلّوا إلى القبلتين.

الرأي الثالث: الذين شهدوا بيعة الرضوان.

واختلفوا في تفسير التابعين على آراء:

الأوّل: هم الأنصار، على قراءة من حذف الواو من قوله (والذين)(٢) .

الثاني: هم المسلمون الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار(٣) .

الثالث: هم المسلمون الذين جاءوا بعد عصر الصحابة(٤) .

الرابع: هم المسلمون في كلِّ زمانٍ إلى أن تقوم الساعة(٥) .

واستدل الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني وابن النجّار، حسب رأيهم المعروف بهذه الآية، على رضوان الله تعالى عن جميع الصحابة

____________________

١) مجمع البيان ٣: ٦٤. والجامع لأحكام القرآن ٨: ٢٣٦. والكشاف ٢: ٢١٠. وتفسير القرآن العظيم ٢: ٣٩٨. والدُّر المنثور ٤: ٢٦٩.

٢) التفسير الكبير ١٦: ١٧١.

٣) المصدر السابق ١٦: ١٧٢.

٤) الجرح والتعديل ١: ٨.

٥) الدُّر المنثور ٤: ٢٧٢.

٣٦

الذين عاصروا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن أسلموا فيما بعد، أو ارتدّوا ثم عادوا إلى الإسلام، حسب تعريفهم للصحابة، وبهذا الرضوان كانوا عدولاً(١) .

وهذا الاستدلال خلاف للواقع، فالآية مختصّة بالمهاجرين والأنصار الذين سبقوا غيرهم في الهجرة والنصرة، من غير(الذين في قلوبهم مرض) و(المنافقين) أمّا التبعيّة لهم فمشروطة بالإحسان، سواءٌ فُسِّر بإحسان القول فيهم كما ذهب الفخر الرازي(٢) ، أو حال كونهم محسنين في أفعالهم وأقوالهم، كما قال المراغي:

(فإذا اتّبعوهم في ظاهر الإسلام، كانوا منافقين مسيئين غير محسنين، وإذا اتّبعوهم محسنين في بعض أعمالهم ومسيئين في بعض، كانوا مذنبين)(٣) .

فمن لم يُحسِن القول فيهم أو من لا يتّبعهم بإحسان، لا يكون مستحِقاً لرضوان الله - تعالى - فمن أمر بشتم الإمام عليّ (عليه السلام) وذمّه، لا تشمله الآية، فقد جاء في وصيّة معاوية للمغيرة بن شعبة: (لا تترك شتم عليٍّ وذمّه)، فكان المغيرة (لا يدع شتم عليٍّ والوقوع فيه)(٤) .

فكيف يدّعون رضوان الله عنهم، وقد خالفوا شرطه في الاتّباع بإحسان، وخرجوا على أول المؤمنين ووصي رسول ربِّ العالمين، أو من استقرّت له الخلافة ببيعة أهل الحل والعقد حسب رأيهم، وسفكوا في هذا الخروج دماء السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان:

____________________

١) الكفاية في علم الرواية: ٤٦. والإصابة ١: ٦. وشرح الكوكب المنير ٢: ٤٧٢.

٢) التفسير الكبير ١٦: ١٧٢.

٣) تفسير المراغي ١١: ١١.

٤) الكامل في التاريخ ٣: ٤٧٢.

٣٧

كعمّار بن ياسر، وذي الشهادتين، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وغيرهم كما هو مشهور؟!

وإضافةً إلى ذلك، فرضوان الله - تعالى - مشروطٌ بحسن العاقبة، كما ورد عن البراء بن عازب، حينما قيل له: ( طوبى لك صحبت النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وبايعته تحت الشجرة)، فقال للقائل: ( إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده)(١) .

وقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ ) (٢) .

الآية السادسة:

قال تعالى:

( لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المـُؤمِنينَ إذ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأثابَهُمْ فتحاً قرِيباً) (٣) .

أثنى الله تعالى على الصحابة(المؤمنين) الذين بايعوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، ومصداق الثناء هو رضوان الله عنهم، وإنزال السَكِينة على قلوبهم.

وعلى الرغم من نزول الآية في بيعة الرضوان عام الحديبية، واختصاصها بالمبايعين فقط، وعددهم - حسب المشهور من الروايات - كان ألفاً وأربعمائة(٤) ، وهي بقرينة الآيات الأُخرى مخصّصةً بالذين آمنوا ولم يكن في قلوبهم مرض، واستقاموا على الإيمان، ولم ينحرفوا عن لوازم البيعة، إلاّ أنّ الخطيب البغدادي أدرج جميع الصحابة في هذه الآية،

____________________

١) صحيح البخاري ٥: ١٦٠.

٢) مسند أحمد ٦: ١٩.

٣) سورة الفتح ٤٨: ١٨.

٤) السيرة النبوية، لابن هشام ٣: ٣٢٢. والسيرة النبوية، لابن كثير ٣: ٣٢٤.

٣٨

وتابعه ابن حجر العسقلاني مستشهداً برأيه(١) ، ولهذا ادّعوا عدالة جميع الصحابة كما هو المشهور في تعريفهم للصحابي.

وهذا الادّعاء غير صحيح، فرضوان الله وسكينته مختصّة بالمبايعين الموصوفين بما ذكرناه فقط، أمّا غيرهم فخارج عن ذلك، ولأنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان من قِبَل المشركين، بعد أن أرسله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مبعوثاً عنه إلى قريش، فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى البيعة على قتال المشركين(٢) .

وهؤلاء المشركون هم الذين أسلموا فيما بعد وأصبحوا من الصحابة، فكيف يشملهم رضوان الله وسكينته، وهم السبب الأساسي في الدعوة إلى البيعة، فكيف يُعقل أن يكون رضوان الله شاملاً للمبايعين، وللمراد قتالهم في آن واحد؟!

وإضافةً إلى ذلك فإنّ الأجر المترتِّب على البيعة موقوفٌ على الوفاء بالعهد، كما جاء في الآية الكريمة:

( إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوقَ أيدِيهِمْ فمن نَكَثَ فإنَّما يَنكُثُ على نفسِهِ وَمَنْ أوفى بما عاهَدَ عَلَيه اللهَ فسيؤتيهِ أجراً عظيماً ) (٣)

فرضوان الله وسكينته مشروطةٌ بالوفاء بالعهد وعدم نكثه(٤) .

وكلُّ ذلك مشروطٌ بحسن العاقبة، كما في رواية البراء بن عازب المتقدِّمة، ولم تمضِ على البيعة إلاّ أيّامٌ معدودة حتّى عقد رسول

____________________

١) الكفاية في علم الرواية: ٤٦. والإصابة ١: ٦ - ٧.

٢) السيرة النبوية، لابن هشام ٣: ٣٣٠.

٣) سورة الفتح ٤٨: ١٠.

٤) الكشّاف ٣: ٥٤٣. ومجمع البيان ٥: ١١٣. وتفسير القرآن العظيم ٤: ١٩٩.

٣٩

الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معاهدة الصُلْح في الحديبية، فدخل الشك والريب قلوب بعض الصحابة، حتّى خالفوا أوامر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلم يستجيبوا له حينما أمرهم بالحلْق والنحر(١) إلاّ بعد التكرار وقيامه بنفسه بالحلْق والنحر، وهذا يدّل على أنّ لحسن العاقبة دوراً كبيراً في الحكم على البعض بالعدالة وعدمها، فرضوان الله تعالى، إنّما خُصّص بالبيعة، ولا دليل لشموله لجميع المراحل التي تعقب مرحلة البيعة، فمثلاً:

أنّ قاتل عمّار بن ياسر في صفّين، كان من المبايعين تحت الشجرة(٢) ، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عمّار:

( قاتِلهُ وسالِبُه في النار ) (٣) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النّار ) (٤) .

الآية الثامنة :

قال الله تعالى:

( مُحَمّدٌ رسُولُ اللهِ والَّذينَ معَهُ أشدّاءُ على الكفّار رُحماءُ بَينَهُم تراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يبتغُونَ فضلاً من اللهِ ورضواناً وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ مِنهُم مَغفِرةً وأجراً عظيماً ) (٥) .

وصف الله تعالى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه بأنّهم أشدّاء على الكفار رحماء بينهم، عُرفوا بالركوع والسجود وابتغاء الفضل والرضوان من الله، ووعد تعالى المؤمنين منهم والذين عملوا الصالحات، مغفرةً وأجراً عظيماً.

____________________

١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٥٥. والكامل في التاريخ ٢: ٢٠٥.

٢) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤: ١٦١.

٣) سِيَر أعلام النبلاء ١: ٤٢٠ - ٤٢٦. والطبقات الكبرى ٣: ٢٦١. وأُسد الغابة ٤: ٤٧. وكنز العمّال ١٣: ٥٣١ / ٧٣٨٣. ومجمع الزوائد ٩: ٢٩٧ وقال: رجاله رجال الصحيح.

٤) صحيح البخاري ٤: ٢٥. وبنحوه في العقد الفريد ٥: ٩٠. والكامل في التاريخ ٣: ٣١٠.

٥) سورة الفتح ٤٨: ٢٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

روى ابن عبد البر في الاستيعاب قال (فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية ، وكاد يطير فرحا ، إلا أنه قال : أمّا عشرة أنفس فلا أؤمّنهم)(١) . فرفض الحسن ذلك ، (فبعث إليه معاوية حينئذ برقّ أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه. فاصطلحا على ذلك) ،

وكانت شروط الحسنعليه‌السلام على معاوية :

١. ان يعمل بالكتاب والسنة فقط. أي ليس له ان يفرض على احد من المسلمين سيرة الشيخين لانها ليست من الكتاب والسنة في شيء بل هي راي ارتآه الخليفتان وللمسلمين الخيار في العمل بها او عدمه.

٢. ان يترك لعن علي وسبه (وهو مما نهت عنه السنة وان يذكره بخير وهو مما امرت به السنة).

٣. امان شيعة علي حيثما كانوا. وحريتهم بالاقتداء بعلي والتعبير عن رايهم فيه والحديث عن سيرته كما هو لغيرهم من اهل الشام وحريتهم بالاقتداء بالخلفاء والتعبير عن رايهم فيهم والحديث عن سيرتهم. وان لا يكيد للحسن واهل بيته.

٤. ان يوزع في شهداء الجمل وصفين عطاء خاصا بهم ، كما يوزع لشهداء صفين في الشام.

٥. وان يفضل بني هاشم في العطاء على بني عبد شمس وهو سنة نبوية تمثلت بالخمس وهذا التفضيل كان جزاء لهم على دعمهم واسنادهم كمجموع لدعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال مقاطة بقية بطون قريش ومواجتهم السلبية لها.

__________________

(١) جاء بعدها قوله : (فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول : إني قد آليت أنى متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت)أقول : هذا القول الاخير من وضع الرواة إذ ليس موضوع الصلح ان يبايع الحسن لمعاوية ولم يطلبه معاوية وما كان يجرؤ ان يطلبه لوضوح سخفه ، بل طلب ان يبقى كل طرف على بلده الذي بايعه فأجابه الحسن بصيعته التي فيها تسليم الامر لمعاوية بتقديم اختياراهل الشام على اختيار اهل العراق بشروط منها امان شيعة علي كلهم فلا معنى ان يقول لا ابايعك ابدا وانت تطلب قيسا او غيره.

٥٦١

٦. وان يستثني ما في بيت مال الكوفة للحسن(١) ، وان يوصل له الفي دينار سنويا من خراج داراب جرد. ونحن نشك في اشتراط استثناء ما في بيت مال الكوفة لان المعروف من سيرة علي انه كان لا يأخذ من بيت المال الا بمقدار ما هو حقه مما يساوي عطاء الاخرين ، وقد اغنى الله تعالى الحسن عن اخذ ما في بيت مال الكوفة بصدقات ابيه علي(٢) عليه‌السلام مضافا الى ما اشترطه من الفي دينار سنويا وهي ليست لاحتياجاته شخصيا بل يقضي به حاجات المؤمنين وسياتي تصرفهعليه‌السلام في المال.

__________________

(١) روى البخاري ، وابن عساكر ، وفي ترجمة الحسن من الطبقات ٢٠٧ عن سفيان بن عيينة عن ابي اسرائيل بن موسى عن الحسن البصري ان معاوية كلف رجلين من قريش ان يأتيا الحسن ويعرضا له المال ليتنازل عن السلطة ، واستطاعا اقناعه بما يوجد من بيت مال الكوفة ، وهذا هو ما اختلقه الامويون وتبناه الخليفة ابو جعفر الدوانيقي في رسالته الجوابية الى محمد بن عبد الله بن الحسن ، وروّجه الاعلام العباسي انظر التفصيل في الباب الثالث وثائق الاعلام العباسي.

(٢) ابن شبة ،تاريخ المدينة المنورة ج ١ ص ٢٢٨ قال ابن شبة قال أبو غسان : وهذه نسخة كتاب صدقة علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه حرفا بحرف نسختها على نقصان هجائها وصورة كتابها ، أخذتها من أبي ، أخذها من حسن بن زيد ، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به وقضى به في ماله عبد الله علي أمير المؤمنين ، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة ، ويصرفني عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. أن ما كان لي ب (ينبع) من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها غير أن رباحا وأبا نيزر وجبير أعتقناهم ، ليس لأحد عليم سبيل ، وهم موالي يعملون في الماء خمس حجج ، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم. ومع ذلك ما كان بوادي القرى ، وما كان لي (بواد) وما كان لي بـ وأهلها صدقة وأنه يقوم على ذلك حسن بن علي ، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حل محلل لا حرج عليه فيه ، وإن أراد أن يندمل (أي يصلح من الصدقة) من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه ، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي ، فإنه إلى حسين بن علي ، وأن حسين بن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا ، له منها مثل الذي كتبت لحسن منها ، وعليه فيها مثل الذي على حسن ، وإن لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي ، وإني إنما جعلت الذي جعلت إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمد وتعظيما وتشريفا ورجاء بهما ، فإن حدث لحسن أو حسين حدث ، فإن الآخر منهما ينظر في بني علي ، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إن شاء ، فهذا ما قضى عبد الله علي أمير المؤمنين في أمواله هذه شهد أبو شمر بن أبرهة ، وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج. وكتب عبد الله علي أمير المؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين هـ).

٥٦٢

٧. وان لا يسميه بأمير المؤمنين لأنها خاصة بمن جعل الله تعالى اميرا لهم يوم الغدير وهو عليعليه‌السلام .

٨. وان لا يقيم عنده شهادة لأنه ليس مواطنا عنده ، وهناك فهم عمق وهو ان فكرة الصلح عند الحسنعليه‌السلام تقوم على اساس فصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض ، سلطة التشريع وسلطة القضاء وسلطة التنفيذ ، والذي منحه لمعاوية بصفته حاكما هو السلطة التنفيذية المقيدة بالكتاب والسنة لا غير.

وهنا لابد من الاشارة الى ان فصل السلطات الثلاث كان امرا يقتضيه الواقع الذي عاشه الامام الحسنعليه‌السلام واي واقع اخر تكون فيه السلطة لشخص غير مستوف للشروط الشرعية كما هو الحال في اغلب الدولة الاسلامية اليوم ، والا فان الحاكم حين يكون النبي او الوصي او الفقيه الجامع للشرائط فانهم اهل للقضاء بل القضاء من شؤونهم ولهم ان يوكلوه الى نظرائهم او من يطمئنون به انه يحكم باحكامهم ، وللنبي فوق ذلك صلاحية التشريع بما لا يتعارض مع تشريع القرآن ، وللوصي بما لا يتعارض مع تشريع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولابد من الاشارة ايضا الى ان الحسنعليه‌السلام حين سلم لمعاوية السلطة التنفيذية وقيدها بشروط احتفظ لنفسه بالامامة الدينية الهادية التي جعلها الله تعالى له هذه الامامة التي تكون طاعتها طاعة الله ومعصيتها معصية الله ولا تقبل الاعمال الا بها ، وهي شاهدة ورقيبة على الامة والحاكم معا يبحث عنها المسلم من خلال كتاب الله وسنة نبيه.

اما الامامة السياسية بصفتها مؤسسة مدنية تدير البلاد وتحافظ على امن المسلمين وحقوقهم ، فهي مؤسسة تتقيد بالقانون. والقانون هنا هو كتاب الله وسنة نبيه التي امنت بها الامة منهاجا وقانونا في الحكم. ومن هنا كانت الامة رقيبة على الحاكم دون الامامة الالهية الهادية.(١)

__________________

(١) ومع ذلك فان امير المؤمنين حين تصدى للحكم دعا الامة إلى مراقبته ليؤسس صفة مراقبة الامة للحاكم قال (انظروا فان أنكرتم فأنكروا وان عرفتم فآزروا). ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج ١ ص ٩٢ في شرح الخطبة ١٦ : وهذه الخطبة من جلائل خطبهعليه‌السلام ومن مشهوراتها ، قد رواها الناس كلهم وفيها زيادات حذفها الرضى اما اختصارا أو خوفا من ايحاش السامعين ، وقد ذكرها

٥٦٣

ان هذا الفصل بين السلطات كان ضروريا حين تفرض الظروف السيئة حاكما مثل معاوية وما اكثرهم في تاريخ الامة في قبال الحكم الجائر الذي يعرض الحاكم فيه نفسه قائدا الى الله تعالى وخليفة عند طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وان التدين هو طاعة الخليفة ، وهو الذي قامت دولة عثمان عليه ودولة سلفيه وحاول معاوية ان يستعيدها في الشام وطلب المصالحة لتكريسه الصلح عليه يكون فيه الحاكم بما هو حاكم مشرعا في الدين وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله.

٥. الفتح المبين بظهور باطل معاوية وكذبه وحق عليعليه‌السلام وصدقه لدى اهل الشام :

اعلن معاوية عن قبوله لشروط الحسنعليه‌السلام ومن ثم كان الفتح المبين في الشام بظهور بطلان معاوية وكذب اعلامه وظهور ظلامة علي وحقانيته واختلاط العراقيين بالشاميين في الشام وموسم الحج ليشهدوا حقائق غيبها الاعلام القرشي عنهم.

فها هو معاوية بنفسه يترحم على عليعليه‌السلام حين يسمع وصفه من شيعة علي ويقرهم عليها ،

وها هم يسمعون من اصحاب النبي احاديثه في اهل بيته التي تؤسس امامتهم الدينية ،

وها هو تاريخ معاوية وابيه في حرب الاسلام عشرين سنة يصدون عنه ،

وها هي سيرة الشيخين في متعة الحج ومتعة النساء وفي غيرها تخالف ما امر به الله ورسوله ،

وها هو علي يحيي سنة النبي ولا يسمع لقول الخليفة عثمان ينهى عنها وفق سيرة الشيخين وما بدا له فيها من راي جديد ،

وها هي حربا الجمل وصفين قد اضرمتها قريش المسلمة ضد مشروعه الاحيائي للسنة طلبا للملك وتكريسا لامامة قريش.

__________________

شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين على وجهها ورواها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بالمدينة في خلافته ..

٥٦٤

وها هو علي يرفض الملك حين يشترط عليه العمل بخلاف سنة النبي ،

وها هو الحسن يسلم الملك بشرط عدم تبني الحاكم العمل بسيرة الشيخين مضافا الى ذكر علي بخير.

وها هو الحسن يحيي سيرة ابيه علما وعبادة وزهدا وسلوكا ، تبين للناس خلال السنوات العشر التي عاشروه فيها كما وصفه حفيده الامام الصادقعليه‌السلام .

وصلهم وصف ضرار لعلي بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصف علياعليه‌السلام واصر عليه فنهض قائلاً :

(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ.

هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير.

آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك.

وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية : عن مدى حزنه على علي.

قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها.(١)

__________________

(١) قال ابن ابي الحديدشرح نهج البلاغة ج ٨١ ص ٢٢ : بعد ان اورد وصف ضرارا : إن الرياشي روى خبره ، ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في التذييل على نهج البلاغة ص ٢٢٥.

٥٦٥

وشهد الناس من الحسنعليه‌السلام في سيرته الشخصية إماماً أيضا على سمت أبيه :

قد حج خلال هذه السنوات العشر والنجائب تقاد بين يديه.(١) وكان قد حج قبل ذلك خمس عشرة حجة ايضا زمن ابيهعليه‌السلام .

وهذا حفيده من ابنته الإمام الصادقعليه‌السلام يصف عبادة جده الحسنعليه‌السلام قال حدثني أبي عن أبيهعليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، وسأل الله تعالى الجنة ، وتعوذ به من النار ،

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.(٢)

انتشار سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لدى أهل البلاد المفتوحة شرقاً وغرباً بفضل مشروع علي عليه‌السلام وصلح الحسن عليه‌السلام :

وهكذا انتشرت ثقافة الولاء لأهل البيت التي أسسها الكتاب والسنة في مسلمة

__________________

(١) قال عبد الله بن العباس : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه. (النووي ،المجموع ج ٧ ص ٩١ ، وفي رواية علي بن زيد بن جدعان قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا. (ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٤٣).

(٢) الشيخ الصدوق ،الأمالي ص ٢٤٤.

٥٦٦

الفتوح في اهل الشام ، ومن ثم تجانست ثقافتهم مع مسلمة الفتوح في الشرق وعادوا أمة واحدة في الواقع السياسي تحكمهم دولة واحدة هي دولة الكتاب والسنة فقط من دون اجتهادات الخليفتين وعلى مستوى واحد من المعرفة بحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وغيرها من النصوص التي تؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيتعليهم‌السلام وأولهم عليعليه‌السلام أخذ بها من شاء وتركها من شاء ، شأنهم شأن المعاصرين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . عملاً بقاعدة( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) البقرة / ٢٥٦ التي أسسها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المعتقد.

وكانت الفترة التي استغرقتها نهضة عليعليه‌السلام من أيام الحج سنة ٢٧ هجرية إلى وفاة ولده الحسنعليه‌السلام مسموماً نهاية سنة ٥٠ هـ لإحياء سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونشرها كثقافة في الأمة الإسلامية ثلاث وعشرون سنة ، وهي نظير الفترة التي استغرقتها مهمة نشر احكام الاسلام بما فيها ولاية عليعليه‌السلام منذ بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته في غدير خم بولاية عليعليه‌السلام الإلهية.

وكانت السنوات من سنة ٤١ هجرية الى سنة ٥٠ هجرية من اروع سنوات الامة الاسلامية على الاطلاق بعد سنوات النبي في المدينة وسنوات علي حين بويع حيث الامان والحرية في التعبد والتعبير عن المعتقد.

اما اهل العراق فقد تأكد لديهم من تجربة الصلح لعشر سنوات عمق حكمة الحسن حين راوا اثارها وحين راوا منه ما لم يشهدوا نظيره من اتباع ولد لأبويه بإحسان فقد وظف الحسن الملك الذي بيده لخدمة مشروع ابيه وجده وهما بعضهما من بعض فصار بذلك هو منهما وعلى نهجهما ، ان صلح الحسن بتسليمه الملك المستقر لمعاوية وقد اقره عليه هو اكبر شهادة على رسالية الحسن وانه من ابويه وهو منهما رساليا (ذرية بعضها من بعض).

٥٦٧

الباب الرابع / الفصل الرابع

مسار ثقافة الامة المسلمة

١. ثقافة المجتمع الاسلامي من سنة

١٣ ق. م الى سنة ١٠ هجرية

اسس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المجتمع الاسلامي على نفي عبادة الاصنام وهدم امامة قريش الدينية ونسخ قراءة التوراة للثواب وهدم امامة اهل الكتاب الدينية وقبول قصصهم عن الانبياء دون عرضها على القرآن والسنة ، ، واثبات عبادة الله تعالى والتعبد بتلاوة القرآن واطاعة فيما يبينه من سنته واطاعة اهل بيته واولهم عليعليه‌السلام فيما يبينونه من سنة نبيه.

ارجع مقام ابراهيم الى مكانه الاول ملاصقا لجدار الكعبة ،

وضع من امر الحج في الجاهلية ، وادخل العمرة في الحج الى الابد.

ساوى بين الناس في العطاء وكافاهم في الفروج.

نهاهم عن الجماعة في صلاة التطوع في شهر رمضان.

جاءهم بالأذان وفيه فصل حي على خير العمل.

امرهم بتدوين الحديث لما سألوه وقال لهم ما يخرج من فيه (فمه) الا الحق.

امرهم بنشر سنته بقوله (رحم الله من بلغ عني فرب حامل فقه الى من هو افقه).

نهاهم عن قراءة التوراة واسفارها للتثقيف بها وقال لهم امتهوكون انتم (المتحيرون)

٥٦٨

والله لو كان موسى حيا لما وسعه الا ان يتبعني.

اوصاهم بالقرآن وباهل بيته وامرهم بتولي عليا كتوليهم له.

٢. ثقافة الانقلاب القرشي الاول

١١ الى ٣٥ هجرية

انقلبت قريش المسلمة على عليعليه‌السلام واحيت شعار ان العرب لا ترضى ان يكون هذا الامر في غير قريش واقصت عليا ، وادعت لنفسها خلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الامامة الدينية.

فنهت عن رواية سنة النبي واحرقت ما كتبه الحصابة منها زمن النبي وبعده ،

ونهت عن عمرة التمتع (متعة الحج) التي شرعها الله في كتابه وبين النبي احكامها

ونهت عن سنن اخرى ،

وارجعت مقام ابراهيم الى مكانه في الجاهلية

وابتدعت بدعا في الدين فامرت بصلاة النافلة (صلاة التراويح) وقد نهى النبي عنها ،

وامروا بالتكتف في الصلاة ،

واسقطوا «حي على خير العمل» من الاذان ووضع محلها الصلاة خير من النوم ،

وفاضلوا في العطاء

وفاضلوا في الفروج ،

ففضل قريشا على غيرهم والعرب على العجم.

وفسحوا المجال لمسلمة اهل الكتاب كعب الاحبار وتميم الداري وعبد الله بن سلام ان ينشروا قصص التوراة المحرفة في الخلق كخلق ادم على صورة الله جل وعلا ، وسير الانبياء كقصة ملك الموت مع موسى ، وقصة داود مع اوريا. وغيرها مما ادخل عقيدة التجسيم في الله وشوهت تنزيه الانبياء.

٥٦٩

٣. ثقافة مشروع نهضة علي عليه‌السلام في ذي القعدة سنة ٢٧ هـ الى رمضان

سنة ٤٠ هـ تحت شعار (ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من

الناس). العودة الى الكتاب والسنة والتعددية المذهبية في النصف

الشرقي من البلاد الاسلامية

نهض عليعليه‌السلام في ذي القعدة سنة ٢٧ هجرية تحت شعار «ما كنت لادع سنة رسول الله لقول احد من الناس» بادئا بمتعة الحج التي منعت منها الخلافة القرشية ونشر احاديث النبي فيه وفي اهل بيته ، ونصره في مشروعه ابو ذر وعمار ومقداد والانصار وجندب ومالك الاشتر واستضعفت دولة عثمان الناهضين مع علي نفيا وسجنا ، ولما قتلت قريش المنشقة عثمان بايعت الجماهير عليا ليواصل مشروعه الاحيائي للسنة ،

ومنع من تداول روايات كعب الاحبار في قصة داود وغيرها ،

وشجع الناس على تداول احاديث النبي وكتابتها عنه وعن غيره من حملتها

واحيا التسوية في العطاء والتكافؤ في الفروج.

وحاول منع الناس في الكوفة في ايامه الاولى من اقامة صلاة التراويح فلم يستجيبوا له فكان الامر يدور بين ان يستعمل سلطة الحكم كما استخدمها الخلفاء من قريش في فرض آرائهم او يترك الناس واختيارهم وهذا هو الذي اختاره ، فأحيا ظاهرة التعددية في العبادة التي اسسها رسول الله فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قصد مكة ليفتحها في شهر رمضان افطر في المسير وبقي بعض اصحابه صائمين وقد اجهدهم العطش فقال اولئك هم العصاة ولم يستخدم سلطته كحاكم ليجبرهم على الافطار.

وترك مقام ابراهيم على حاله لانه يعلم ان اهل مكة قاطبة سوف لن يطيعوه ، فتركه لولده المهديعليه‌السلام عند ظهوره في اخر الزمان.

٤. ثقافة اهل الشام ايام علي عليه‌السلام

٣٥ ـ ٤٠ هـ

حجز معاوية اهل الشام عن التأثر بمشروع عليعليه‌السلام الاحيائي للسنة او التعرف على اخبار سيرته الصحيحة من خلال الحرب والاعلام الكاذب ، فازدادوا جهلا

٥٧٠

بعليعليه‌السلام ، فهم ليسوا فقط لا يعرفون موقع عليعليه‌السلام في الاسلام ولا احاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه بل هم في هذه السنوات ومن خلال قصص القصاصين كانوا يتلقون قصصا كاذبة في حق عليعليه‌السلام ، فهو لا يصلي ، وانه سرق والنبي قطع يده ، وان النبي قال فيه وفي ابيه (ان ال بي طالب ليسوا لي بأولياء) ، وان دم عثمان عنده وانه افسد في دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من ثم فهم يلعنونه ويستحلون قتله. ويبغضون اهل العراق لانهم انصار علي على افساده في الدين ، والى جانب ذلك فهو يدينون بإمامة قريش المسلمة وان دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤخذ منها ، وان طاعة الخليفة تقرب الى الله تعالى وان معصيته تبعد عنه. وان ثقافة الاسلام عن الانبياء السابقين هو ما بثه كعب الاحبار وتميم الداري.

٥. ثقافة اهل الشام في السنوات

٤١ الى ٥٠ هجرية

تغيرت رؤية اهل الشام عن الحسن وابيه علي والعراقيين فانهم ما كانوا يتوقعون هذه الشفافية التي يتمتع بها الحسن واهل العراق حين قدموا اختيار اهل الشام على اهل العراق لمعالجة اكبر ازمة عاشتها الامة المسلمة ،

وحين عرفوا الشروط التي اشترطها الحسن قد ضمنت مصالح اهل العراق ولم تمس مصالح اهل الشام بشيء ،

ثم حصلت المفاجأة الكبرى لهم حين عرفوا ان معاوية وافق على الحكم بكتاب الله وسنة النبي من دون سيرة الشيخين لأنها اجتهادات شخصية ،

وان عليا كان قد عرض عليه الملك في الشورى السداسية قبل عثمان ورفضها لانها ليست من الدين ، وقبلها عثمان ،

وحين عرفوا ان الذي ثار على عثمان هم قريش المسلمة طلحة والزبير وعائشة وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وان عليا برئ من دم عثمان ، فادركوا ان عليا قد ظلمه معاوية وانهم ظلموا اهل العراق بقتالهم اياهم ،

وكانت المفاجأة اكبر حين عرفوا ان النبي قد اوصى الى عليعليه‌السلام ، وانه الامام الهادي بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يكن ذلك قائما على مجرد اخبار من العراقيين بل هم يشهدون

٥٧١

ذلك في حوارات يومية او ينقلها لهم رؤساؤهم عند معاوية.

لقد اتضح لأهل الشام بما لا يكون معه شك سواء من خلال وفود العراقيين الى الشام اللذين كان معاوية يستضيفهم ويكرمهم او من خلال اختلاطهم معهم في موسم الحج والعمرة ، ان الحج له صيغتان والصلاة لها صيغتان والوضوء له صيغتان ، صيغة جاء بها النبي وصيغة اجتهادية من الخلفاء ، ولكن الالفة جعلتهم يبقون على ما تربوا عليه سابقا وقاعدة (الناس على دين ملوكهم)(١) . فان معاوية كشخص بقي يتعبد على طريقة سلفه عثمان ،

وقد استمرت هذه اللقاءات والمعايشة مدة عشر سنوات ثم انتهت كحلم ليعودوا الى ثقافتهم السابقة في لعن عليعليه‌السلام وتولي معاوية وبني امية واسلافهم.

٦. ثقافة الامة كلها على عهد الدولة الاموية

(٥١ ـ ١٣٢ هـ) (٨١ سنة)

لم يَرُق لمعاوية انيتعرف اهل الشام على عليعليه‌السلام وعظيم موقعه في دين ابراهيم في الجاهلية والاسلام ، وعلى تاريخه وتاريخ اهل بيته في الجاهلية والاسلام قبل الفتح ، وانهم طلقاء رسول الله ، وكيف لطليق ان يساوي عليا وله من النبي موقع ومنزلة هارون من موسىالتي يقرؤونها في القرآن ويسمعون ما يصدقها من الصحابة الذين يروون تاريخ عليعليه‌السلام ، فقرر دفن ذلك وتأسيس تاريخ جديد له ولأهل بيته ولعلي واهل بيته قوامه الكذب وانتحال ما لعلي من سابقة وجعلها له ولأهل بيته وللخلفاء من قريش مما يسوغ ولايتهم والترحم عليهم والافتراء على علي واهل بيته ما يسوغ لعنهم ومعاداتهم ليس فقط في الشام بل في الامة كلها. وشعاره في ذلك لا والله الا دفنا

__________________

(١) روى احمد بن حنبل في مسنده ٢ / ٩٥ عن ابن شهاب عن سالم قال كان عبد الله بن عمر يفتى بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أياك وقد نهى عن ذلك فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحق ان تتبعوا سنته أم سنة عمر.

٥٧٢

دفنا(١) . وهكذا كان امره حين كتب الى عماله في الامصار.

قال المدائني : كتب معاوية الى قضاته وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة. ثم كتب ايضاً : انظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً واهل بيته فامحوه من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فأقتلوه!. ثم كتب : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فأدعوا الناس إلى الرواية

__________________

(١) قال المسعودي في مروج الذهبي ج ٣ ص ٤٥٥ وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين نادى منادي المأمون : برئت الذمة من احد من الناس ذكر معاوية بخير او قدمه على احد من اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتكلم في أشياء من التلاوة انها مخلوقة ، وغير ذلك ، وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أمر بالنداء في أمر معاوية ، فقيل في ذلك أقاويل : منها أن بعض سُمّاره حدث بحديث عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي ، وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار في كتابه في الاخبار المعروفة بالموفقيات التي صنفها للموفق ، وهو ابن الزبير ، قال : سمعت المدائني يقول : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة : وَفَدْتُ مع أبي المغيرة الى معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغنما ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال : يا بني ، إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدْلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، فقال لي : هيهات هيهات!! مَلكَ أخو تيمٍ فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عَدِي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم يُصْرَخُ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أمَّ لك ، والله ألا دفنا دفنا ، وإن المأمون لما سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وصفناه ، وانشئت الكتب الى الآفاق بلعنه على المنابر ، فأعظَم الناسُ ذلك وأكبروه ، واضطربت العامة منه فأشيرعليه بترك ذلك ، فأعرض عما كان هَمَّ به.

قال العلامة المجلسي في بحار الانوار ، ج ٣٣ ص ١٧٠ : في شرح قوله (الله ألا دفنا دفنا) : أي أقتلهم وأدفنهم دفنا ، أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر.أقول : بل اراد الامرين معا كما في قول امير المؤمنين : والله لودَّ معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في بطنه إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (٢٨٨). المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ١٩ ، طبعة يوسف اسعد.

٥٧٣

في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلَّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله). فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق ، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها(١) . وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الارض وغربها الا من رحم ربك.

٧. شهادة الحسين عليه‌السلام وظلامته تفتح الطريق لثقافة

مشروع علي عليه‌السلام (٦١ هـ إلى ظهور المهدي)

اقام الحسينعليه‌السلام سنة ٥٨ هـ قبل موت معاوية بسنتين واقام مؤتمرا فكريا سريا لشيعة عليعليه‌السلام من الصحابة والتابعين وحثهم على العمل خفية لنشر ثقافة مشروع علي في الكوفة والبصرة ، ثم نهض بعد موت معاوية ليعلن عنها ويحث الامة على القيام ضد بني امية واستشهد في سبيل ذلك ، ثم استطاع سليمان بن صرد والمختاران يؤسسا دولة في الكوفة على نهج علي ومن ثم عادت ثقافة مشروع علي في الكوفة وحاول الزبيريون بعد قتل المختار ومن بعدهم الحجاج والي عبد الملك ان يستأصل هذه الثقافة وحملتها من الكوفة فلم يستطيعا وفي عهد عمر بن العزيز وبعده اتيح المجال للإمام الباقر ثم الامام الصادق ان ينهضا بتربية الجيل الجديد من الشيعة على ثقافة مشروع علي من خلال ما لديهم من المواريث النبوية التي كتبها علي بخط يده سرا ثم انطلق المشروع علنا بعد سقوط الامويين وجيء بني العباس وعمل العباسيون على محاصرة الكوفة بصفتها مركزا لنشر ثقافة مشروع علي الاحيائي للسنة وبعد انتهائهم انطلقت بالمشروع الى تحقيق الله وعده بظهور وليه واستقراره فيها ..

__________________

(١) ابن ابي الحديدشرح نهج البلاغة ج ١١ ص ٤٥ ـ ٤٦.

٥٧٤

٨. بقيت الشام بعد شهادة الحسين عليه‌السلام

مركزا لثقافة المشروع الاموي :

بقيت الشام بعد شهادة الحسينعليه‌السلام مركزا لمشروع الثقافة الاموية شعارها الاساس تولي معاوية وعداوة علي حتى بعد سقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسية يتضح ذلك من خلال محاولة الامام النسائي (ت ٣٠٣ هـ) هدايتهم (لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) في فضائل الامام عليعليه‌السلام قال : (دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، وصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله)(١) . ويبدو ان طابعها العام هذا سوف يعلن عن نفسه زمن السفياني في اخر الزمان حين يبعث بغاراته لغزو الكوفة احياء لامر السفياني الاول ولكنه في هذه المرة تبوء كل محاولاته بالفشل ويأبى الله الا ان يتم نوره ويظهر مشروع علي في احياء الكتاب والسنة على المشاريع كلها ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

__________________

(١)أقول : كان النسائي وفي رواية الرحلة قد خرج من مصر إلى دمشق فسئل عن فضائل معاوية فقال أي شيء أخرّج ما أعرف له من فضيلة إلّا حديث : (اللّهمّ لا تشبع بطنه) فضربوه في الجامع وداسوا في خصييه (حضنيه) حتى اخرج من الجامع ، ثمّ حمل إلى مكة فمات بها سنة ٣٠٣ هـ ، رواها الذهبي فيتذكرة الحفاظ ، وابن خلكان فيوفيات الأعيان ج ١ ص ٧٧ ، وابن حجر فيتهذيب التهذيب (ج ١ ص ٣٣) : ترجمة النسائي.

٥٧٥

الباب الرابع / الفصل الخامس

خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين

ان مشروع علي والحسن والحسينعليهم‌السلام امتداد لمشروع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلا المشروعين بعضهما من بعض.

كان مشروع النبي بتكليف الهي لإحياء دين ابراهيمعليه‌السلام الذي تصرفت فيه قريش المشركة بتعديل وتبديل بعد وفاة عبد المطلب.

وكان مشروع علي وولديه الحسنين بتكليف من الله(١) بواسطة رسوله لإحياء سنة

__________________

(١) الفيض الكاشاني ، الوافي ، ج ١ ص ٢٧٩ عن الكافي محمد والحسين بن محمد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن إسماعيل بن مهران عن أبي جميلة عن معاذ بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إن الوصية نزلت من السماء على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابا لم ينزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب مختوم إلا الوصية فقال جبرئيلعليه‌السلام يا محمد هذهوصيتك في أمتك عند أهل بيتك وكان عليها خواتيم قال ففتح عليعليه‌السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسنعليه‌السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها فلما توفي الحسنعليه‌السلام ومضى فتح الحسينعليه‌السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فأقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال ففعلعليه‌السلام فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت. وأطرق لما حجب العلم فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن عليعليه‌السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله وصد أباك. وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله تعالى وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليهالكافي ، ج ١ ص ٢٨١ محمد عن أحمد عن السراد عن ابن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من

٥٧٦

النبي التي تصرفت فيها قريش المسلمة بتعديل وتبديل بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد مر مشروع تبليغ الرسالة على يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمراحل سبعة هي هي :

الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن المشروع الرسالة.

الثانية مرحلة استضعاف قريش المشركة لمن امن بالرسالة.

الثالثة مرحلة بيعة الانصار للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على النصرة.

الرابعة مرحلة مبادرة قريش بالحرب في بدر واحد ، امتدادها حرب الخندق ودخول طرف اخر هم اليهود في اطراف المدينة.

الخامسة مرحلة الصلح مع قريش لإنهاء الوضع المتشنج في المنطقة والفتح المحدود لمشروع النبوة في مكة ..

السادسة مرحلة غدر قريش ونقضها للعهود.

السابعة مرحلة فتح مكة لمشروع النبي الى الابد.

وكذلك مشروع علي وولديه الحسن والحسينعليهما‌السلام بمراحل سبعة هي :

الاولى مرحلة الصدع والاعلان عن احياء حج التمتع.

الثانية مرحلة استضعاف دولة عثمان لمن ازر عليا على مشروعه الاحيائي للسنة.

الثالثة مرحلة بيعة الانصار على النصرة بعد ان قتلت قريش المنشقة الخليفة عثمان.

الرابعة مرحلة مبادرة قريش المسلمة الحرب ضد عليعليه‌السلام في الجمل وصفين ثم امتدادها الغارات ودخول طرف ثالث وهم الخوارج في اطراف الكوفة (واستشهاد امير المؤمنين وقيام ولده الحسن مكانه).

الخامسة مرحلة صلح الحسنعليه‌السلام مع معاوية لإنهاء الانشقاق والفتح المحدود لمشروع علي في الشام.

السادسة مرحلة نقض العهود من معاوية.

السابعة مرحلة فتح الطريق لمشروع علي في الامة ابد الدهر. وهذا الفتح على

__________________

أمر علي والحسن والحسينعليه‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم. والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال أبو جعفرعليه‌السلام يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه. فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام علي والحسن والحسينعليهم‌السلام وبعلم صمت من صمت منا.

٥٧٧

مرحلتين الاولى : الفتح الفكري وظهور سنة النبي التي كتبها علي عن النبي في قبال التطويق في المجتمع بالكذبواللعن وقد انتهى الى غير رجعة بسقوط دولة بني امية وظهور كذبها في علي وانطلق الائمة الثمانية من ذرية الحسين ينشرون علم علي ويثقفون شيعته به ، الثانية الفتح المادي لإقامة دولة علي في الدنيا كلها وهي موكولة الى ولده المهدي في اخر الزمان.

٥٧٨

جدول مقارن بهذا الخلاصة

مشروع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الرسالي

مشروع علي وولديه الحسن والحسينعليهم‌السلام

١. الخلفية

بعد وفاة عبد المطلب انتحلت قريش موقع الخلافة السياسية والامامة الدينية لقصي ولقب ال الله الذي اختص به عبد المطلب تكوينيا بعد حفر زمزم وحادثة الفيل ، واقرت العرب لها بذلك ، وابتدعت في دين ابراهيم عبادة الاصنام وسدانتها وبدعة الحمس في الحج واحكامه وحرمة الاتيان بالعمرة في اشهر الحج والطواف بثيابقرشي التي تؤكد الامامة الدينية لقريش ودانت لها العرب بذلك.

بعد وفاة النبي انتحلت قريش المسلمة لقب (خلافة النبي السياسية والامامة الدينية التي خصها القرآن والنبي باهل بيت النبي واولهم علي ، واقرت الانصار لهم بذلك ، وابتدعت في دين محمد بدعا منها تحريم متعة الحج التي امر بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والتمييز بالعطاء وجعل التطليقات الثلاث تحصل بمرة واحدة وتغيير مقام ابراهيم ومنعت من تداول تفسير القرآن والاحاديث التبوية التي تؤسس الخلافة السياسية والامامة الدينية لأهل بيته وفسح المجال لنشر قصص ومواعظ التوراة المحرفة التي نهى عنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفتحت البلدان وتربى مسلمة الفتوح على ذلك.

٢. الهدف

بعث الله نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة ١٣ ق. هـ لإحياء توحيد ابراهيم وتحرير بيته من الاصنام ودينه منبدعة الحمس التي ابتدعتها قريش المشركة في الحج واحكامه وحرمة الاتيانبالعمرة في اشهر الحج وغير ذلك بعد وفاة عبد المطلب وتبليغ القرآن الذي اسس الامامة الدينية لاهل بيت النبيونشر احاديث النبي التي اسست الخلافة السياسية لعلي فضلا عن امامته الدينية.

نهض علي بوصية من النبي في ذي القعدة سنة ٢٧ هـ زمن الخليفة عثمان لإحياء حج التمتع ونشر احاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي تؤسسلإمامة اهل بيته ، كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث السفينة وحديث المنزلة وحديث الكساء وغيرها مما كانت الخلافة القرشية قد منعت من نشرها وتداولها علنا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣. مراحل السير

المرحلة الاولى

المرحلة السرية لإعداد الكادر الذي يحمي النبي عند اعلان المشروع في مكة وهم بنو هاشم.

المرحلة السرية لإعداد الكادر وهم الصحابة المخلصون الذي اعدهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وقد عرفوا زمن النبي بشيعة علي كابي ذر وعمار ونظرائهم.

٥٧٩

المرحلة الثانية

اعلان المشروع في المجتمع واستضعاف بني هاشم والمسلمين.

اعلان المشروع في المجتمع ونفي ابي ذر الى الشام ثم الى الربذة ، ونفي غيره وضرب عمار وغيره.

المرحلة الثالثة

البيعة والنصرة والهجرة الى المدينة.

البيعة والنصرة والهجرة الى العراق.

المرحلة الرابعة

فرضت قريش المشركة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بيعة اهل المدينة له حربين ظالمتين ، الاولى في بدر وكان النصر فيها للنبي ، الثانية في احد وقد خسر النصر فيها بسبب معصية نفر من اصحابه لأمره حين تركوامواقعهم طمعا في الغنيمة. افرزت الحربان اعلاما كاذبا من قريش طوقت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بتهمة انتهاك حرمة البيت الحرام والاعتداءعلى القوافل التجارية الامنة لقريش وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام.

استطاعت قريش المشركة بقيادة ابي سفيان ان تحشد عشرة الاف مقاتل / الاحزاب / قصدوا المدينة لارعاب اهلها ليتخلوا عن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصمد اهل المدينة وهزمت الاحزاب شر هزيمة وعلها الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اية وازدادت ثقة المسلمين به.

فرضت قريش المسلمة على عليعليه‌السلام بعد بيعة اهل المدينة له حربين ظالمتين الاولى في البصرة وكان النصر المؤزر فيها له ، الثانية في صفين وقد خسر النصر فيها بسبب معصية قسم من جيشه لأمره في استمرار القتال حين رفع معاوية المصاحف وطلب توقيف القتال.

افرزت الحربان اعلاما امويا كاذبا طوَّق عليا بتهمة طلب الملك بتلك الحربين وانه اوى قتلة عثمان واستعان بهم وانه افسد في الدين.

استطاعت قريش المسلمة بقيادة معاوية بن ابي سفيان ان يحول جيش الشام الى سرايا تغيرعلى اطراف علي لتنهب وتقتل لارعاب شيعة علي ليتخلوا عنه كما استطاعت ان تقتطع مصر عن عليعليه‌السلام وصمد اهل العراق مع عليعليه‌السلام .

وخرج الخوارجعلى علي وانتصر عليهم في النهروان وجعلها الله تعالى اية له وازدادت بصيرة اصحابه به.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611