الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي0%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف: السيد سامي البدري
تصنيف:

الصفحات: 611
المشاهدات: 153020
تحميل: 5266

توضيحات:

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153020 / تحميل: 5266
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف ، وتقدم إليه بمشهد من الناس ، وتوكد عليه ، وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي ، فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل. فقال الحسنعليه‌السلام : إنه سيغدر. فلما توجه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليه رسلا ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام ، أو الجزيرة ، فقلب على الحسنعليه‌السلام وأخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ،

وبلغ الحسنعليه‌السلام ما فعل المرادي وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية ، فإنا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك ، ثم أغاروا على فسطاطه وضربوه بحربة).

ثم كتب جوابا لمعاوية : إنما هذا الأمر لي ، والخلافة لي ولأهل بيتي ، وإنها محرمة عليك وعلى أهل بيتك ، سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد).(1)

أقول : وهذه هي رواية الراوندي عن الحارث الهمداني. وهي بتمامها كما يلي :

قطب الدين الراوندي (ت 573 هـ) في كتابه الخرائج والجرائح :

قال روي [عن] الحارث الهمداني قال :

لما مات عليعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام فقالوا له : أنت خليفة أبيك ، ووصيه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك.

قالعليه‌السلام : كذبتم ، والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي؟!

إن كنتم صادقين؟ فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن ، فوافوني هناك.

فركب ، وركب معه من أراد الخروج ، وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه ، وبما وعدوه ، وغروه كما غروا أمير المؤمنينعليه‌السلام من قبله.

فقام خطيبا وقال : قد غورتموني كما غررتم من كان قبلي ، مع أي إمام تقاتلون بعدي؟! مع الكافر الظالم ، الذي لا يؤمن بالله ، ولا برسوله قط ، ولا أظهر الإسلام هو ولا بنو أمية إلا فرقا من السيف؟! ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله

__________________

(1) الخراساني ، الشيخ وحيد ،منهاج الصالحين ، ج 1 ص 336.

٦١

عوجا ، وهكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره. فلما توجه إلى الأنبار ، ونزل بها ، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلا ، وكتب إليه معهم : إنك إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي ـ عدو الله ـ المال ، وقلب على الحسنعليه‌السلام وصار إلى معاوية ، في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

وبلغ الحسنعليه‌السلام [ذلك] فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.

فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف ، وتقدم إليه بمشهد من الناس ، وتوكد عليه ، وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي ، فحلف له بالإيمان التي لا تقوم لها الجبال أن لا يفعل. فقال الحسنعليه‌السلام : إنه سيغدر. فلما توجه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليك رسلا ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام ، أو الجزيرة ، فقلب على الحسنعليه‌السلام ، وأخذ طريقة إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ،

وبلغ الحسنعليه‌السلام ما فعل المرادي. فقام خطيبا وقال : قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنكم لا تفون لله بعهود ، وهذا صاحبكم المرادي غدر بي وبكم ، وصار إلى معاوية.

ثم كتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام : يا ابن عم ، لا تقطع الرحم الذي بيني وبينك ، فان الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك.

فقالوا : إن خانك الرجلان وغدرا ، فانا مناصحون لك.

فقال لهم الحسنعليه‌السلام : لأعودن هذه المرة فيما بيني وبينكم ، وإني لأعلم أنكم غادرون ، والموعد ما بيني وبينكم ، إن معسكري بالنخيلة ، فوافوني هناك ، والله

٦٢

لا تفون لي بعهد ، ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم.

ثم إن الحسنعليه‌السلام أخذ طريق النخيلة ، فعسكر عشرة أيام ، فلم يحضره إلا أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال : يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين مرة بعد مرة ، ولو سلمت إلى معاوية الأمر فأيم الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية ، والله ليسومنكم سوء العذاب ، حتى تتمنون أن يلي عليكم حبشيا. ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الأمر ، لأنه محرم علي بني أمية ، فأفٍّ وترحاً يا عبيد الدنيا.

وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك.

ثم أغاروا على فسطاطه ، وضربوه بحربة ، فاخذ مجروحا.

ثم كتب (الحسن) جوابا لمعاوية : «إن هذا الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي ، وإنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك ، سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد».

وانصرف إلى الكوفة.(1)

أقول : وهذه الرواية وردت في كتاب اثبات الوصية المنسوب(2) للمسعودي المتوفي سنة 346 من دون ذكر راويها.

وقد أوردها الخصيبي في كتابه (الهداية الكبرى ص 189 ـ 194) مسندة عنه عن محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن فرقد ، عن علي بن الحسن العبدي عن أبي هارون المكفوف عن الحارث الأعور الهمداني قال :

(لما مضى أمير المؤمنينعليه‌السلام جاء الناس للحسن بن عليعليهما‌السلام فقالوا : يا ابن رسول

__________________

(1) الراوندي ، قطب الدين ،الخرائج والجرائج ، مؤسسة الامام المهديعليه‌السلام المطبعة العلمية قم 1409 هـ ، ج 2 ص 574 ـ 577.

(2)أقول : الكتاب منسوب لأنه لم يذكر في ترجمة المسعودي المؤرخ المشهور ، ولا يعكس الكتاب منهج المسعودي ويمكن ان يكون لمؤلف آخر يحمل الاسم نفسه ، ونسق الكتاب يبدأ بمنهج جديد حين يبدأ بالإمام الرضاعليه‌السلام حيث يذكر سند الخبر تاما.

٦٣

الله نحن السامعون المطيعون لك أمرنا بأمرك قال : كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام فكيف توفون لي وكيف اطمئن إليكم وأثق بكم ان كنتم صادقين ، فهو غدا ما بيني وبينكم أعسكر بالمدائن فوافوني هناك. فركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يوفوا له بما قالوا وغروه كما غروا أباه أمير المؤمنينعليه‌السلام قبله. فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وقال : يا أيها الناس قد غررتموني كما غررتم أبي أمير المؤمنين قبلي فلا جزاكم الله عن رسوله خيرا ، (فقد قال أبي انكم) تقاتلون بعده مع الظالم الكافر اللعين ابن اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله ولا برسول الله ولا باليوم الآخر ولا اظهر الإسلام هو ولا أبيه قاطبة الا خوفا من السيف ، ولو لم يبق من بني أمية الا عجوز درداء لابتغت لدين الله عوجا هكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم وجه قائدا في أربعة آلاف رجل وكان من كندة أمره أن يعسكر بالأنبار ونزل بها ، وعلم بذلك معاوية بعث إليه رسول وكتب إليه معاوية إنك ان أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام والجزيرة غير ما أفيضه من الانعام عليك ، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم وقبضها الكندي لعنه الله من الرسول وانقلب عن الحسن ومضى إلى معاوية لعنه الله.

فقام الحسنعليه‌السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إن صاحبي بعث إليه معاوية خمسمائة ألف درهم ووعده ومناه وولاه بعض كور الشام والجزيرة وقد توجه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرة بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا ، وإني موجه مكانه رجلا إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا يراقب في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف رجل وتقدم إليه فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما فعل صاحبه ، وحلف الحسنعليه‌السلام مثلها إنه يفعل ويغدر به ، فلما توجه وصار إلى الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية بعث إليه رسولا وكتب إليه كما كتب إلى صاحبه وبعث إليه خمسمائة ألف درهم ومناه أن يوليه خيرا من كور الشام والجزيرة فنكث على الحسن ما فعل وأخذ طريقه إلى معاوية ولم يراقب ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق.

٦٤

وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا توفون بعهد الله وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية.

وكتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام يا أبن العم : الله الله فيما بيني وبينكم ان تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله أستعين.

فقرأ عليهم الحسن كتاب معاوية فقالوا : يا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من أنفسهما فإنا لك ناصحون متبعون غير غادرين ،

فقال الحسنعليه‌السلام والله لأعذرن هذه المرة فيما بيني وبينكم ان يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن شاء الله تعالى فوالله لا توفون ما بيني وبينكم.

ثم إن الحسنعليه‌السلام أخذه طريقه إلى النخيلة عشرة أيام فوافاه عشر آلاف راجل فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

وا عجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين يغدرون مرة بعد مرة ،

وأيم الله لو وجدت على ابن هند أعوانا ما وضعت يدي في يده ولا سلمت إليه بالخلافة وإنها محرمة عليهم ، فإذا أنتم لا يأمن غدركم وأفعالكم ، فإني واضع يدي في يده.

وأيم الله لا ترون فرجا ابدا مع بني أمية واني لأعلم عنده أحسن حالا منكم وتالله ليسؤمنكم بنو أمية سوء العذاب ويشنون عليكم جيشا عظيما من معاوية فأف لكم وترحا يا عبيد الدنيا وأبناء الطمع.

ثم كتب إلى معاوية إني تاركها من يومي هذا وغير طالب لها وتالله لو وجدت عليكم أعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا.

ولكن الله عز وجل قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الخلافة لي ولأخي الحسين وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين ، والصادق والأمين والمؤدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانصرف إلى الكوفة فأقام بها عاتبا على أهلها مواريا عليهم حتى دخل عليه

٦٥

حجر بن عدي الطائي ، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك معاوية؟ فغضب الحسنعليه‌السلام غضبا شديدا ، حتى احمرت عيناه ودارت أوداجه وسكبت دموعه وقال : ويحك يا حجر تسميني بإمرة المؤمنين وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلا لأمير المؤمنين خاصة؟

أو ما سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد قال لأبي يا علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الاسم أحدا فما تسمى به غيره الا وهو مأفون في عقله ، مأبون في عقبه ،

فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما ثم عاد إليه ، فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا حجر هذه الكلمة لأسهل علي واسر إلى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك؟ أتريد أن تقول ان خيل معاوية قد أشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين يريد البصرة والكوفة ،

فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول الا ما ذكرته ، فقال : والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه ، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان والمقداد وأبو الذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا : نحن لك شيعة ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال لهم حسبي بكم قالوا وما تأمرنا قال إذا كان غدا فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها على عواتقكم وبكروا إلي فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه فلما كان من الغد بكر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم وجعلوها على عواتقهم ومعهم عمار بن ياسر وقد حلق نصف رأسه وشر نصف سيفه ، فلما قعدوا بين يديهعليه‌السلام نظر إليهم ، وقال لعمار يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف ، قال : يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم علي وسفك دمي فقال اغمدوا سيوفكم فوالله لو تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم.

وتالله يا حجر إني لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو أطعتموني ، فخرج حجر

٦٦

واجتمع إليه وجوه قبائل الكوفة فقالوا إنا قد امتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين مطيعين وهم زهاء ثلاثين ألف رجل فقم بنا إلى سيدنا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نبايعه بيعة مجددة ونخرج بين يديه ولا ندع ابن هند يعبر علينا وقوائم سيوفنا في أيدينا.

فجاؤوا إلى الحسنعليه‌السلام فخاطبوه بما يطول شرحه فقال لهم والله ما تريدون إلا انقطاع الحبل بي حتى تريحوا معاوية مني ولئن خرجت معكم بالله حتى أبرز عن هذا المصر ليرغبنكم وليدبر على رجل منكم يرغبه في قتلي بالمال الكثير ويسأله اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها ولا يصل إلي.

قالوا بأجمعهم تالله يا أبن رسول الله لا تقل هذا فنقتل أنفسنا وقد قلدناك دمنا.

فقال أبرزوا إلى المدائن حتى تنظروا فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن فعسكر بها في ليلة مقمرة وقد كان معاوية كاتب يزيد بن سنان البجلي ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالا على اغتيال الحسن وقتله فأخذ له سيفا وأحتمل تحت أثوابه وتوجه نحو الحسنعليه‌السلام فخاف على نفسه فرجع فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره فرده خوفا وأخذ حربة مرهفة وأقبل يتوكأ عليها حتى انتهى إلى الفسطاط المضروب للحسن بن عليعليهما‌السلام فوقف غير بعيد ونظر إليه ساجدا وراكعا والناس نيام فرمى بالحربة فأثبتها فيه وولى هاربا فتمم صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله وصاحوا الناس فجاؤوا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه فقال لهم هل أنا يا أهل الكوفة أخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ من المدائن جريحا.

وكان له بالكوفة خطبا وخطابا كثيرا يسب فيه أهل الكوفة ويلعنهم وقال لهم أن يزيد بن سنان ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي رماني بحربة فاطلبوه فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية ورحل الحسنعليه‌السلام من الكوفة وسلم الأمر إلى معاوية وقلدها معاوية إلى زياد لعنه الله فكان هذا من دلائلهعليه‌السلام .(1)

وأورد السيد هاشم البحراني(2) في السند كما يلي : الخصيبي عن محمد بن علي بن

__________________

(1) الخصيبي ، الحسين بن حمدان ، الهداية الكبرى ، مؤسسة البلاغ بيروت 1991 م ، ص 361.

(2) البحراني ، مدينة المعاجز ج 3 ص 402.

٦٧

محمد ، عن الحسن بن علي ، عن الحسن بن محمد بن فرقد ، عن أبي الحسن العبدي ، عن أبي هارون المكفوف ، عن الحارث الأعور الهمداني (ت 65 هـ).(1)

أقول : والظاهر قوله : (عن أبي الحسن العبدي) هو علي بن الحسن العبدي.

وفي السند مشكلات عديدة :

منها ان أبا هارون المكفوف وهو من أصحاب الصادق وأضاف البرقي والشيخ الطوسي انه من أصحاب الباقر أيضا(2) ، لم يدرك الحارث الهمداني ت 65 هـ. مضافا إلى ذلك فان الرواية مما تفرد بها الخصيبي وقد قال عنه النجاشي فاسد المذهب ، والمتأمل في كتابه (الهداية) يجد الباحث اكثر من شاهد على فساد مذهبه.

هذا مضافا إلى ما في متنها من عبارات منكرة كقوله ان معاوية يناشد الحسنعليه‌السلام الرحِم ، وان لا يركن إلى أهل الكوفة فانهم غدروا به وبأبيه!

مشاهير من الباحثين من أهل السنة

ابن العربي ت 543 هـ :

(وعمل الحسنرضي‌الله‌عنه بمقتضى حاله : فإنه صالح حين استشرى الأمر عليه :

نمها ما رأى من تشتت آراء من معه.

ومنها أنه طعن حين خرج إلى معاوية فسقط عن فرسه وداوى جرحه حتى برأ فعلم أن عنده من ينافق عليه ولا يأمنه على نفسه. ومنها أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية).(3)

أقول : اما قوله (فمنها انه طعن إلى قوله فعلم ان من عنده من ينافق عليه ولا يامنه على نفسه) فان الذي طعنه هو من الخوارج وقد نقل عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي عن الحافظ الذهبي في تاريخه دول الإسلام عن جرير بن

__________________

(1) ترجمة الحارث مفصلة في كتاباعيان الشيعة وقد ذكر تاريخ وفاته ج 4 ص 367.

(2) انظر ترجمته فيمعجم رجال الحديث للسيد الخوئيرحمه‌الله ج 23 ص 82.

(3) ابن العربي أحكام القرآن 4 / 152 تحقيق محمد عبد القادر عطا لبنان دار الفكر.

٦٨

حازم : قال وطعنه رجل من الخوارج بخنجر مسموم في فخذه فوثب الناس على الرجل فقتلوه لارحمه‌الله ونزل الحسن القصر الأبيض بالمدائن وكاتب معاوية في الصلح قال الذهبي وقال نحو هذا ابن إسحاق والشعبي.(1)

واما قوله (وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية). يمكن يصدق هذا الكلام قبل حرب النهروان لما اعلن الخوارج عن انفسهم وبدأوا بسفك دماء الابرياء وكان عليعليه‌السلام قد تجهز لحرب معاوية فانصرف لقتال الخوارج في النهروان كما في رواية عبد العزيز بن سياه(2) . اما بعد الهنروان فقد بقي أفراد شكلوا نواة للاغتيال ، في العراق والشام ومصر ،

ومنها أنه تذكّر وعد جدّه الصادق عند كل أحدٍ في قوله إن ابني هذا سيِّدٌ ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. هذا القول من المبشرات وليس من الأسباب الداعية للصلح.

ويبقى من تعليله قوله (ما رأى من تشتت آراء من معه) هو الرأي السائد الذي ناقشناه ورددنا عليه.

الشيخ محمد الخضري :

(كان من رأي جند علي ان يبايعوا الحسن بالخلافة بعد قتل أبيه فبايعوه ولكن الرجل (أي الحسن) رأى جندا لا يركن إليه وخصما قوي الشكيمة فلم ير خيرا لنفسه ولا لأمته من أن يتنازل لمعاوية وصالحه على شروط رضيها الطرفان).(3)

الدكتور حسن إبراهيم حسن :

(دعا المسلمون إلى الحسن بن علي بعد مقتل أبيه واستخلفوه الا ان خلافته لم تثبت

__________________

(1) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ، تأليف : عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصي الملكي ، دار النشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1419 هـ ـ 1998 م ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ـ علي محمد معوض.

(2) ابن حجر ، فتح الباري ج 13 / 52 ـ 53.

(3) الخضري ، الشيخ محمد ،الدولة الأموية ، دار المعرفة للطباعة والنشر 2005 ، ص 287.

٦٩

امام قوة معاوية وما كان من رواجٍ الإشاعة بانهزام جيوشه امام جند الشام مما أدى إلى تخلي أهل العراق عنه فلم يجد بدأ من النزول عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين على ان الدافع الحقيقي الذي حدا الحسن على النزول يرجع على ما ذكره اليعقوبي إلى انه قد اصبح لا قبل له بمعاوية وجنده فعقد معه صلحا نزل فيه عن حقه في الخلافة على ان يكون الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين يولون عليهم من احبوا وبذلك اصبح معاوية صاحب السلطان المطلق في الولايات الإسلامية كافة).(1)

سند الإسلاميين جميعا في تحليلهم الآنف الذكر هو الروايات التاريخية أيضا :

استند كل الإسلاميين الآنفي الذكر في تعليل الصلح والتنازل إلى ضعف الجيش العراقي على روايات كثيرة لا يكاد يخلو منها كتاب تاريخي وقد أوردنا طرفا منها انفا وسنورد الباقي في الفصل الثامن من الباب الثالث من هذا الكتاب.

__________________

(1) الذهبي ،تاريخ الإسلام ، دار الكتاب العربي بيروت 1987 ، تحقيق د. عمر السلام تدمري ، ج 1 / 287 ط 7 / 1964.

٧٠
٧١

الباب الثاني

القراءة الجديدة

الفتح المبين لمشروع علي عليه‌السلام

الذي حققه الحسن عليه‌السلام بصلحه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول 80 خلفيات الصلح

الفصل الثاني 114 سنوات الفتح المبين لمشروع عليعليه‌السلام

الفصل الثالث 163 سيرة الامام الحسنعليه‌السلام

الفصل الرابع 189 الغدر المبين لمعاوية في السنوات العشر الثانية من حكمه

الفصل الخامس 238 تعليقات على موارد من كتاب صلح الحسنعليه‌السلام للشيخ راضي آل ياسين

الفصل السادس 256 مسار الإمامة الإلهية لأربعين سنة

الفصل السابع 281 مقارنة بين صلح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلح الحسنعليه‌السلام

الفصل الثامن 291 مقتطفات من تاريخ الكوفة من سنة 14 هـ ـ 148 هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٧٢
٧٣

اشتمل الباب الثاني على ثمانية فصول :

تناولالفصل الأول : خلفيات الصلح التي تمثلت بنهضة عليعليه‌السلام لتحرير دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من بدع قريش المسلمة وقصص التوراة المحرفة التي نشرها كعب الأحبار وتميم الداري وإحياء أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيتهعليهم‌السلام التي منعت منها الخلافة ، وكان مدخل نهضته إحياء حج التمتع أيام عثمان حينما انشقت عليه قريش ولما قتلته بايع المسلمون عليا وتوحد جناحا قريش لحرب عليعليه‌السلام ووأد مشروعه ثم استشهد وهو يعد العدة لحرب معاوية بعد غاراته على أطراف البلاد ثم بيعة أهل الشام معاوية وبيعة أهل العراق الحسنعليه‌السلام وطلب معاوية الصلح وهنا يجيء الصلح بصيغة الامام الحسنعليه‌السلام ولم يكن معاوية ولا أهل الشام متوقعين له بل ولا أهل العراق ولم يدر في خلدهم جميعا ولكنهم امنوا به جميعا لما فيه من معالجة للانشقاق وحفظ لحقوق أهل العراق مع عدم المساس بحقوق أهل الشام واختيارهم ، مع ضمانة لمشروع عليعليه‌السلام ان تشق أخباره طريقها إلى أهل الشام من موقع التشوق إلى استماعها فكان بحق فتحا مبينا للحسن ولمشروع عليه وكان الحسن على سر أبيه بشكل فهمه الجميع.

وتناولالفصل الثاني : وضع شيعة علي خلال السنوات العشر الأولى ونشاطهم في جو الأمان التام حيث كانت بنود الصلح منفذة ، ونشرهم اخبار مشروع علي واخبار سيرته المشرقة واتضح للناس إمامته الهادية وظلامته مع افتضاح معاوية وسلفه الذين عطلوا سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واتضح لمن أراد ان يفهم الحقيقة ان معاوية أراد إحياء سيرة سلفه عثمان وشعاره الذي قام حكمه عليه / العمل بسيرة الشيخين / وكيف هذه السيرة كانت

٧٤

إفسادا لسنة النبي ، وكيف ان عليا وقف في وجهها واحيا سنة النبي ولولاه لما عرف المسلمون سنة نبيهم ،

وتناولالفصل الثالث : طرفا من اخبار سيرة الامام الحسن في سنوات الصلح خاصة التي برز فيها للمجتمع الإسلامي إماما هاديا إلى الله تعالى تذكر رؤيته بجده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأبيه عليعليه‌السلام خلقا وعبادة وعلما وزهدا ورسالية.

وتناولالفصل الرابع : طرفا من اخبار معاوية في (غدره المبين) بالحسن وبشيعته غدرا وشجت عليه أصول معاوية غدرا يستهدف الانتقام من شيعة عليعليه‌السلام لنشرهم اخبار مشروعه وسيرته المشرقة والى إرجاع الكوفة إلى ماضيها يوم مصرت على عهد عمر بن الخطاب.

وتناولالفصل الخامس : ملاحظات تفصيلية حول بعض موارد كتاب صلح الحسن للعلامة الشيخ راضي آل ياسينرحمه‌الله . باعتباره يمثل الرؤية السائدة ولأجل تجلية الفروق بين الرؤية الجديدة والرؤية السائدة في تعليل الصلح وقراءة بنوده.

وتناولالفصل السادس : مسار الإمامة الإلهية الهادية في المجتمع الإسلامي التي منحها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى لعليعليه‌السلام في الغدير وكيف ادعتها قريش المسلمة وعطلت باسمها سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكيف أعادها عليعليه‌السلام في المجتمع من خلال نهضته الإحيائية للسنة النبوية وكيف بلورها الحسن في صلحه وعرفها لأهل الشام ليهلك من هلك من بينه ويحيى من حيَّ عن بينة.

وتناولالفصل السابع : صلح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قريش في الحديبية مقارنا بصلح الحسنعليه‌السلام مع معاوية من اجل ان تتضح وحدة الظرف بين الصلحين ووحدة الهدف ووحدة النتائج. ومنه يتضح ان الحسنعليه‌السلام امتداد لجده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيه علي في عملهما الرسالي ، وان معاوية امتداد للخليفة عثمان والخليفتين في عملهم في تطويق علي وإماتة السنة وتعطيلها.

وتناولالفصل الثامن : الكوفة في مسارها الفكري منذ تمصيرها يوم كانت مركزا يتقيد بسيرة الخلفاء من قريش ويعتبرها دينا ، ثم احتضانها مشروع عليعليه‌السلام الإحيائي للسنة النبوية ونصرتها له والبراءة من سيرة الشيخين ومواجهة قريش الناكثة والقاسطة

٧٥

ثم نصرت حركة الحسن والحسين وحركة الأئمة من ضرية الحسين وحركة الثوار من ذرية الحسن والحسينعليهما‌السلام ومقاومة خطط الأمويين الرامية إلى إرجاعها إلى ما كانت عليه زمن الخلفاء القرشيين.

٧٦

الباب الثاني / الفصل الأول

خلفيات الصلح

الخلفية المباشرة للصلح هي نهضة علي عليه‌السلام الاحيائية للسنة

الخلفية المباشرة لصلح الامام الحسن مع معاوية التي ينبغي ان يدرس الصلح في ضوئها هي نهضة أمير المؤمنين الإحيائية للسنة التي استهدفت تحرير دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من بدع قريش التي عطلت شريعته وحرفت معالمها ومن قصص التوراة المحرفة التي شقت طريقها في المجتمع عن طريق أحاديث كعب الأحبار وتميم الداري على عهد عمر وعثمان هذه القصص التي أساءت إلى الله والى أنبياءه.

اما الشع الذي رفعه عليعليه‌السلام في نهضته الإحيائية للسنة (ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من الناس) فتمتد جذوره إلى قصة الشورى السداسية التي أفرزت حكم عثمان ودولة بني أمية الأولى وكان اهم ما فيها هو اشتراط العمل بسيرة الشيخين على الحاكم المبايَع إلى جنب كتاب الله وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد رفضه عليعليه‌السلام لما عرضه عليه عبد الرحمن بن عف وتقبله عثمان ،

نهض عليعليه‌السلام سنة 27 هـ لإحياء حج التمتع الذي نهى عنه عمر وعاقب عليه ، ولما قتلت قريش الثائرة عثمان بايعت الجماهير علياعليه‌السلام على كتاب الله وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

ولما قتل عليعليه‌السلام بايع العراقيون ابنه الحسنعليه‌السلام على كتاب وسنة النبي ، ومن الطبيعي ان يبايع الشاميون معاوية على كتاب الله وسيرة الشيخين وفيما يلي التفصيل.

٧٧

قصة الشورى وبيعة عثمان (1)

قال عوانة بن الحكم عن الشعبي ورواه الجوهري أيضا(2) : لما طُعِن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر : علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن مالك ، وكان طلحة يومئذ بالشام ، قال الشعبي : فحدثني من لا أتهمه من الأنصار ، وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري : هو سهل بن سعد الأنصاري ، قال : مشيت وراء علي بن أبي طالب حيث انصرف من عند عمر ، والعباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه ، فسمعته يقول للعباس ليجتمعن هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنا ، ولئن فعلوها ـ وليفعلُنَّ ـ ليرونني حيث يكرهون ، والله ما بي رغبة في السلطان ، ولا حب الدنيا ، ولكن لإظهار العدل ، والقيام بالكتاب والسنة ..

قال عوانة : فحدثنا إسماعيل ، قال : حدثني الشعبي ، قال : فلما مات عمر ، وأدرج في أكفانه فتقدم صهيب فصلى على عمر. قال الشعبي : وأدخل أهل الشورى دارا واجتمع الناس ، وكثروا على الباب ...

وكان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان ،

وهوى طائفة من الأنصار مع علي ...

فأقبل المقداد بن عمرو ، والناس مجتمعون ، فقال : أيها الناس ، اسمعوا ما أقول ، أنا المقداد بن عمرو ، إنكم إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا.

فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ، فنادى : أيها الناس ، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا ، وإن بايعتم عليا سمعنا وعصينا.

فقال له المقداد : يا عدو الله وعدو رسوله وعدو كتابه ، ومتى كان مثلك يسمع

__________________

(1) النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ،صحيح مسلم ، دار الفكر بيروت ، ص 207. واحمد ،مسند احمد ، دار صادر بيروت ، ج 1 ص 244. والكوفي ، ابن أبي شيبة ، المصنف ، دار الفكر بيروت 1989 م ، ج 7 ص 437. والموصلي ، أبي يعلى ،مسند أبي يعلى ، تحقيق حسين سليم ، دار المأمون للتراث ، ج 1 ص 69.

(2) الجوهري البصري ، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز ،السقيفة ، شركة الكتبي 1993 م ، ص 84.

٧٨

له الصالحون! فقال له عبد الله : يا بن الحليف العسيف ، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش!.(1)

فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح : أيها الملأ ، إن أردتم ألا تختلف قريش فيما بينها ، فبايعوا عثمان ،

فقال عمار بن ياسر : إن أردتم ألا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا ،

ثم أقبل على عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فقال : يا فاسق يا بن الفاسق ، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في أمورهم! وارتفعت الأصوات(2)

قال الشعبي : فأقبل عبد الرحمن على علي بن أبي طالب ، فقال :

عليك عهد الله وميثاقه ، وأشد ما أخذ الله على النبيين من عهد وميثاق : إن بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة أبي بكر وعمر!(3)

فقال عليعليه‌السلام : طاقتي ومبلغ علمي وجهد رأيي ، (وفي رواية اليعقوبي : ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجِّيرَى احد).(4)

فأقبل على عثمان ، فقال له مثل ذلك ، فقال : نعم لا أزول عنه ولا أدع شيئا منه. ثم اقبل على علي فقال له ذلك ثلاث مرات ولعثمان ثلاث مرات في كل ذلك

__________________

(1) وفي رواية اليعقوبي ج 2 ص 163 : قال روى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول الله ، فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها ، وهو يقول : واعجبا لقريش ، ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم ، وفيهم أول المؤمنين ، وابن عم رسول الله أعلم الناس وأفقههم في دين الله ، وأعظمهم غناء في الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم ، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي ، وما أرادوا إصلاحا للأمة ولا صوابا في المذهب ، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة ، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين. فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك الله ، ومن هذا الرجل؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال : يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت ، فلقيت أبا ذر ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد.

(2) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، دار إحياء الكتب العربية 1959 م ، ج 9 ص 35 ـ 38 عن عوانة.

(3) العيني ،عمدة القاري ، دار إحياء التراث العربي بيروت ، ج 24 ص 405 ؛ وابن حجر ، فتح الباري ، دار إحياء التراث العربي بيروت ، ج 13 ص 236.

(4) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ، مصدر سابق ، ج 2 ص 162. الإجِّيرَى بالكسر والتشديد والفتح العادة والطريقة.

٧٩

يجيب علي مثل ما كان أجاب به ، ويجيب عثمان بمثل ما أجاب به فقال : ابسط يدك يا عثمان ، فبسط يده فبايعه.(1)

قال : عوانة وقام القوم فخرجوا وقد بايعوا الا علي بن أبي طالب فانه لم يبايع(2) ،

أقول : هذا وهمٌ أو تحريف من عوانة ، إذ كيف يسمح لعلي بالخروج قبل البيعة وقد رووا عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب لما حضر قال : ادعوا لي عليا وطلحة والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، ثم قال : ادعوا لي صهيبا ، فقال : صل بالناس ثلاثا ، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا ، فإن اجمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم.(3)

وفي رواية البلاذري : وكان عليّ قائما فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلَّا ضربت عنقك ، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره ، فيقال إنّ عليّا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلَّا جاهدناك ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان.(4)

وفي رواية البخاري : قال عبد الرحمن بن عوف لعلي : فلا تجعلن على نفسك سبيلا.(5)

__________________

(1) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، مصدر سابق ، ج 9 ص 35 ـ 38 ، عوانة ، عن إسماعيل بن أبي بخالد ، عن الشعبي في كتاب «الشورى» و «مقتل عثمان» ، وقد رواه أيضا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب «السقيفة».

(2) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، مصدر سابق ، ج 9 ص 35 ـ 38.

(3) ابن أبي شيبه ، المصنف ، مصدر سابق ، ج 7 ص 437 ورواه أيضا ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، دار صادر بيروت ، ج 3 ص 183.

(4) البلاذري ، انساب الاشراف ، دار المعارف مصر 1959 م ، ج 5 ص 508.

(5) العيني ، عمدة الفاري ، مصدر سابق ، ج 24 ص 406 ، قال العيني شارحا لقول عبد الرحمن بن عوف : (فلا تجعلن على نفسك سبيلا). قال أي : من الخلافة إذا لم يوافق الجماعةأقول : ويبدو ان لفظة الخلافة مصحف عن الملامة كما فيفتح الباري ج 13 ص 170 قال : (أي من الملامة) ، أي لا تجعل على نفسك سبيلا فتقتل فتلام إذ الأمر من عمر لمن وكلهم بأهل الشورى (إن اجمعوا على رجل فليضربوا رأس من خالفهم) (ابن أبي شيبة في المصنف ج 7 ص 437 عمر). وفي انساب الاشراف للبلاذري (ج 6 ص 122). قال عمر ليتبع الاقل الاكثر فمن خالفكم فاضربوا عنقه ، ومثله في كنز العمال (ج 5 ص 296). وفي رواية ابن قتيبة : قال عبد الرحمن لا تجعل يا علي سبيلاً إلى نفسك ، فإنه السيف لا غيره. (ابن قتيبة الدينوري ،الإمامة والسياسة ، مؤسسة الحلبي ، ج 1 ص 31).

٨٠