الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63182 / تحميل: 5917
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.

وبعد

فإن حياة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ، وحتى عضوياً بحياة أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام

وبالأخص حياتهما السياسية ، فهما شريكان في صنع الأحداث ، أو في التأثير فيها ، سواء على مستوى الموقف ، أو على مستوى نتائجه وآثاره

ولا يقتصر ذلك على الفترة التي عاشاها كإمامين ، يتحملان بالفعل مسؤولية القيادة والهداية للأمة بل وينسحب أيضاً حتى على الفترة التي عاشاها في كنف جدهما الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلاً عما تلاها من تحولات وتطورات في عهد الخلفاء الثلاثة ، ثم إبان تصدي أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه للإمامة الظاهرة

بل إننا حتى بعد استشهاد الإمام الحسنعليه‌السلام ، لنجد ملامح الآثار

٥

المباشرة لمواقفهعليه‌السلام (١) على مجمل المواقف والأحداث التي كان للإمام الحسينعليه‌السلام التأثير فيها ، أو المسؤولية في صنعها

وليس ذلك ـ فقط ـ لأجل أن دور أحدهما ـ كإمام ـ لا بد أن يكون امتداداً لدور الآخر وإنما يضاف إلى ذلك طبيعة الظروف التي رافقت حياتهما ، والمسؤوليات المتميزة التي فرض عليهما القيام بها في تلك الفترة الزمنية ، ذات الطابع الخاص جداً

ولأجل ذلك فإن على من يريد البحث والتعرف على الحياة السياسية لأحدهما عليهما الصلاة والسلام ، أن لا يهمل النظر إلى حياة الآخر ، وملاحظة مواقفه. بل لا بد وأن يبقى على مقربة منها ، إذا أراد أن يستفيد الكثير ممّا يساعده على فهم أعمق لما هو بصدد البحث فيه ، ويهدف إلى التعرف عليه ، وعلى أسبابه ، وعلى آثاره ونتائجه

ونحن في هذا البحث المقتضب ، وإن كنا لم نستطع أن نؤمن ـ حتى الحد الأدنى في مجال الالتزام بهذا الاتجاه ، وذلك بسبب عدم توفر الفرصة ، وكثرة الصوارف إلا أننا لا نُبعد كثيراً إذا قلنا : إن ملامح هذا الاتجاه ليست مطموسة تماماً في بحثنا هذا

وأخيراً فإن هذه الدراسة الموجزة ، قد تكون قادرة ـ ولو جزئياً ـ على رسم صورة تكاد تكون واضحة عن الحياة السياسية للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام. كما أنها يمكن أن تساعد بشكل فعال في الحصول على تصورٍ ـ ولو محدود ـ عن بعض التيارات والمناحي السياسية لتلك الفترة فـ :

إلى ما يلي من صفحات

٢٠/ ١ / ١٤٠٤ هـ. ق

٥ / ٨ / ١٣٦٢ هـ. ش

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

__________________

١ ـ كتربيته للعديد من الشخصيات ، وكلماته وخطبه التي ألقاها في المناسبات المختلفة ، ثم صلحه الذي ساهم في حفظ كيان الشيعة ، وفي فضح الأمويين والمنافقين ، وكشف نواياهم من خلال أقوالهم وممارساتهم اللا إسلامية واللا إنسانية تجاه الأمة.

٦

ما هي السياسة ؟ :

قيل :

سأل بعض الناس الإمام الحسنعليه‌السلام عن رأيه في السياسة ، فقالعليه‌السلام :

« هي أن تراعي حقوق الله ، وحقوق الأحياء ، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله ، فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى. وأما حقوق الإحياء ، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي. وأما حقوق الأموات ، فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم ، فإن لهم رباً يحاسبهم »(١) .

__________________

١ ـ حياة الحسنعليه‌السلام للقرشي : ج ١ ص ١٤٢ / ١٤٣ عن مجلة العرفان : ج ٤ جزء ٣ نقلاً عن التذكرة المعلوفية : ج ٩ والإمام الحسن بن علي ، لمحمد علي دخيل ص ٥٢ / ٥٣ ، وسيرة الأئمة الأثني عشر : ج ١ ص ٥٢٥.

ويرى بعض المحققين : أن هذا الخبر منقول بالمعنى ، وأنه غير صحيح أصلاً. ولكنني لم أفهم سر حكمه هذا؟!.

٧
٨

الفصل الأول :

في عهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في حديث له : « لو كان العقل رجلاً لكان الحسن »

( فرائد السمطين ج ٢ ص ٦٨ وعن مقتل الحسين للخوارزمي )

٩
١٠

بداية :

لقد ولد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام في حياة جده الرّسول الأكرم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالذات في النصف من شهر رمضان المبارك ، من السنة الثالثة للهجرة النبوية ، على المشهور وعاش في كنف جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلتها ، كافية لأن تجعل منه الصورة المصغرة عن شخصية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم ، الذي حباه به جده ، حينما قال له ـ حسبما روي :

« أشبهت خلْقي وَخُلُقي »(١) .

وقال المحقق العلامة الأحمدي : « أضف إلى ذلك ما لصحبة العظماء من الأثر الروحي على الإنسان ، فمن عاشر كبيراً ، وصاحب عظيما ، فيشرق عليه من نوره ، ويلفح عليه من عطره المعنوي ما تَغْنى به نفسه ، وتسمو به ذاته وقد ألمحت الأحاديث الكثيرة الورادة في العِشْرة ، واختيار الصديق إلى هذا

__________________

١ ـ حياة الحسنعليه‌السلام للقرشي : ج ١ ص ٢٩ ، وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني : ج ١ ص ٥١٣ ، وصلح الإمام الحسنعليه‌السلام لفضل الله ص ١٥ عن الغزالي في إحياء العلوم. وحول شبههعليه‌السلام بجده راجع : تاريخ اليعقوبي ط صادر : ج ٢ ص ٢٢٦ والبحار ج ١٠ وأعيان الشيعة ج ٩ وذكر ذلك العلامة المحقق الأحمدي عن : كشف الغمة ص ١٥٤ والفصول المهمة للمالكي ، والإصابة ج ١ ص ٣٢٨ وكفاية الطالب ص ٢٦٧ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٢ وينابيع المودة ص ١٣٧ وتاريخ الخلفاء ص ١٢٦ / ١٢٧ والتنبيه والاشراف ص ٢٦١ والبحار عن الإرشاد ، والروضة وأعلام الورى ، والعكبري ، والترمذي ، وشرف النبوة.

١١

المعنى، وأشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى صحبته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته القاصعة ، فقال : « ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به الخ ».

أضف إلى ذلك : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نحل الحسنينعليهما‌السلام نحلة سامية ، حينما قال : أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فله جودي وشجاعتي »(١) انتهى.

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومستقبل الأمة :

والرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ذلك الشخص الذي يتحمل مسؤولية هداية ورعاية الأمة ، ومسؤولية تبليغ وحماية مستقبل الرسالة ، ثم وضع الضمانات التي لا بد منها في هذا المجال

وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المطلع عن طريق الوحي على ما ينتظر هذا الوليد الجديد ، الإمام الحسنعليه‌السلام من دَور قيادي هام على هذا الصعيد كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مأمور بأن يساهم هو شخصياً ، وبما هو ممثل للإرادة الإلهية بالإعداد لهذا الدور ، سواء فيما يرتبط ببناء شخصية هذا الوليد اليافع ، ليكون الإنسان الكامل الذي يمتلك الصفات الإنسانية المتميزة ، أو فيما يرتبط ببنائه بناء فذّاً يتناسب مع المهام الجسام ، التي يؤهل للاضطلاع بها على صعيد هداية ورعاية وقيادة الأمة.

وإذا كانت هذه المهام هي ـ تقريباً ـ نفس المهام التي كان يضطلع بها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن من الطبيعي أن تتجلى في

__________________

١ ـ راجع هذا الحديث في : روضة الواعظين ، وكفاية الطالب ص ٢٧٧ ، وحلية الأولياء ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢١٤ ، وكشف الغمة ص ١٥٤ وينابيع المودة ص ٢٥٩ ، والبحار عن قرب الإسناد. وإسعاف الراغبين ، بهامش نور الأبصار ص ١١٦

١٢

شخصية من يخلفه نفس الصفات والمؤهلات التي كانت للشخصية النبوية المباركة

وهكذا فإنه يتّضح المراد من قوله فإن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام الحسنعليه‌السلام : أشبهت خَلْقي وَخُلُقي فأما شبهه له في الخلق ، فذلك أمر واقع ، كما عن أبي جحيفة(١) وأما شبهه له في الخُلُق فلا بد أن يعتبر وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي ، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم وصيه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

نعم لابد من ذلك ، سواء بالنسبة لما يرتبط بشخصية ذلك الوليد أو بالنسبة إلى خلق المناخ النفسي الملائم لدى الأمة ، التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية ، التي فرضها الله تعالى لها أو على الأقل أن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه ، وحتى الإعدام والنسف للمنطلقات والركائز ، التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية ، التي يعمل الإسلام على تعميقها وترسيخها في ضمير الأمة ووجدانها

ومن هنا نعرف السر والهدف الذي يرمي إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تأكيداته المتكررة ، تصريحاً ، أو تلويحاً على ذلك الدور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاهعليهما‌السلام ، وإلى المهمات الجلّى التي يتم إعدادهما لها ، حتى ليصرح بأنهماعليهما‌السلام : إمامان قاما أو قعدا(٢) كما أنه يقول

__________________

١ ـ راجع : ذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٢٩١ وتاريخ الخلفاء ص ١٨٨ و ١٨٩ عن عبد الله ابن الزبير.

٢ ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص ٣٠٧ والارشاد للمفيد ص ٢٢٠ ومجمع البيان ج ٢ ص ٤٥٣ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٥٩ وروضة الواعظين ص ١٥٦ ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج ١ ص ٤٢ ، والبحار ج ٤٤ ص ٢ ، وعلل الشرايع ج ١ ص ٢١١ ، وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٢ و ١٣٧ و ١٣٥ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور ، وقال ص ٣٩٤ : « اجتمع أهل

=

١٣

لهما : أنتما الإمامان ، ولأمكما الشفاعة(١) .

وفي مودة القربى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للحسينعليه‌السلام : « أنت سيد ، ابن سيد ، أخو سيد ، وأنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، وأنت حجة ، ابن حجة ، أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم »(٢) .

وفي حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه عن الإمام الحسنعليه‌السلام : « وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فإنه ليس مني الخ »(٣) وثمة أحاديث أخرى تدل على إمامتهما ، وإمامة التسعة من ذرية الحسينعليه‌السلام : فلتراجع(٤) .

فكل ما تقدم إنما يعني : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بث في الحسنينعليهما‌السلام من العلوم النافعة ، والحكمة الساطعة ، وربى فيهما من المؤهلات ما يكفي لأن يجعلهما ، جديرين بمقام خلافته ، وهداية الأمة بعده

كما أننا نلاحظ حرصهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ربط قضاياهما عقيدة وتشريعاً ، وحتى عاطفياً ووجدانياً بنفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله شخصياً ، حتى

__________________

=

القبلة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الخ » وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج ١ ص ٥٥٤ و ٥٤٤ وقال : « بإجماع المحدثين ».

١ ـ نزهة المجالس ج ٢ ص ١٨٤ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ١ ص ٤٢ عنه وعن الاتحاف بحب الاشراف ص ١٢٩ وإثبات الهداة ج ٥ ص ٥٢.

٢ ـ ينابيع المودة ص ١٦٨ وراجع منهاج السنة لابن تيمية ج ٤ ص ٢٠٩ وإثبات الهداة ج٥ ص ١٢٩ والبحار ج ٣٦ ص ٢٩٠ و ٢٩١ عن كفاية الأثر.

٣ ـ فرائد السمطين ج ٢ ص ٣٥ وأمالي الصدوق ص ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسنعليه‌السلام راجع : ينابيع المودة ص ٤٤١ و ٤٤٢ و ٤٤٣ و ٤٨٧ عن المناقب. وفرائد السمطين ج ٢ ص ١٤٠ و ١٣٤ و ١٥٣ و ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام ص ٣٩ وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح ص ٢٨٩ عيون أخبار الرضا باب ٦ ص ٣٢ والبحار ج ٣ ص ٣٠٣ و ج ٣٦ ص ٢٨٣ و ج ٤٣ ص ٢٤٨ وأمالي الصدوق ص ٣٥٩ المجلس رقم ٦٣.

٤ ـ راجع : ينابيع المودة ص ٣٦٩ و٣٧٢ و٣٧٣ و ٣٧٤ حتى ٣٩٩ وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٢.

١٤

ليقول لهما : أنما سلم لمن سالمتم ، وحربٌ لمن حاربتم(١) والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها.

وفي نص آخر عن أنس بن مالك قال : دخل الحسن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأردت أن أمطيه عنه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويحك ياأنس ، دع ابني ، وثمرة فؤادي ، فإن من آذى هذا آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

بل إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليخبر الناس بما يجري على الإمام الحسنعليه‌السلام بعده ، فيقول حسبما روي : « إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين »(٣) .

__________________

١ ـ راجع سنن الترمذي ج ٥ ص ٦٩٩ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٢ وينابيع المودة ص ١٦٥ عنهما و ص ٢٣٠ و ٢٦١ و ٣٧٠ عن جامع الأصول وغيره وروضة الواعظين ص ١٥٨ وذخائر العقبى ص ٢٥ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٥ و ٦١ وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ٩٧ / ٩٨ وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ١٠٠ والصواعق المحرقة ص ١٤٢ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢١١ وأُسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٣ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٩ ، والمناقب للخوارزمي ص ٩١ و ٢١١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤٩ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٦٣ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢٠٥ وتايخ بغداد ج ٧ ص ١٣٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٤٢ وفرائد السمطين ج ٢ ص ٣٨ و ٤٠ وفي هامشه عن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٨٩ وعن المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٣ وعن المعجم الكبير ج ٣ ص ٣٠ ط ١ وعن سمط النجوم ج ٢ ص ٤٨٨ ، وفي بعض الهوامش الأخرى عن تهذيب الكمال.

٢ ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص ٢٧٤ ، وراجع سنن ابي ماجة ج ١ ص ٥١.

٣ ـ أُسد الغابة ج ٢ ص ١٣ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٢٣٨ ودلائل الإمامة ص ٦٤ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٦٥٨ وقال عنه : هذا حديث حسن صحيح ، وتاريخ الخلفاء ص ١٨٨ وعن سنن أبي داود ص ٢١٩ ، و ٥٢٠.

ولكن قد جاء في مصادر كثيرة التعبير بـ « فئتين من المسلمين » أو « من المؤمنين » ونحسب أنها من تزيد الرواة ، من أجل هدف سياسي خاص هو إثبات الإيمان والإسلام للخارجين على إمام زمانهم. ولعل أول من زادها هو معاوية نفسه كما تدل عليه قصة ذكرها المسعودي ، وفيها إشارة صريحة للهدف السياسي المشار إليه ، قال في مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٠ : إن معاوية حينما أتاه البشير بصلح الحسن كبّر ، فسألته زوجته

=

١٥

أما إخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أخيه السبط الشهيد الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهي كثيرة أيضاً ، وليس هنا موضع التعرض لها.

وبعد ذلك كله ، فإننا نجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقَبّل الإمام الحسنعليه‌السلام في فَمِه ، يُقَبل الإمام الحسينعليه‌السلام في نحره ، في إشارة صريحة منه إلى سبب استشهادهماعليهما‌السلام ، واعلاماً منه عن تعاطفه معهما ، وعن تأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما

هذا كله ، بالإضافة الى كثير من النصوص التي تحدثت عن دور الأئمة وموقعهم بشكل عام ، ككونهم باب حطة ، وربانيي هذه الأمة ، ومعادن العلم ، وأحد الثقلين ، بالإضافة الى الأحاديث التي تشير الى ما سوف يلاقونه من الأمة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه

وعلى كل حال فإن الشواهد على أن الرسول الأعظم ، محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يهتم في إعطاءالملامح الواضحة للركائز والمنطلقات ، التي لا بد منها لتكوين الرؤية العقائدية والسياسية الصحيحة والكاملة ، تجاه الدور الذي ينتظر السبطين الشهيدين صلوات الله وسلامه عليهما ، والتي تمثل الضمانات الكافية ، والحصانة القوية لضمير الأمة ضد كل تمويه او تشويه ـ هذه الشواهد ـ كثيرة جداً لا مجال لا ستقصائها ، ولكننا نؤكد بالإضافة الى ما تقدم على الأمور التالية :

ألف : العاطفة قد تعني موقفاً :

لقد كان الإمام الحسنعليه‌السلام أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه

__________________

= عن سبب ذلك فقال : « أتاني البشير بصلح الحسن وانقياده ، فذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن ابني هذا سيد أهل الجنة ، وسيصلح له بين فئتين عظيمتين من المؤمنين ، فالحمد لله الذي جعل فئتي إحدى الفئتين » انتهى.

١٦

وآله وسلم(١) بل لقد بلغ من حبهصلى‌الله‌عليه‌وآله له ولأخيهعليهما‌السلام : أنه يقطع خطبته في المسجد ، وينزل عن المنبر ليحتضنهما ، بالإضافة الى بعض ما تقدم وما سيأتي من النصوص الكثيرة ، والتي ذكرنا بعضها ، حيث لا مجال لتتبعها جميعاً في عجالة كهذه

والكل يعلم : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ينطلق في مواقفه ، وكل أفعاله وتروكه من منطلق المصالح ، أو الأهواء الشخصية ، ولا بتأثير من النزعات والعواطف ، وإنما كان صلى عليه وآله فانياً في الله بكل وجوده ، وبكل عواطفه وأحاسيسه ، وبكل ما يملك من فكر ، ومن طاقات ومواهب ، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله سبحانه كان ، ومن أجل دينه ورسالته يعيش ، وعلى طريق حبه ، وحال اللقاء معه يموت فالله سبحانه هو البداية ، وهو الاستمرار ، وهو النهاية الأمر الذي يعني : أن كل موقف لا يكون خطوة على طريق خدمة دين الله ، وإعلاء كلمته ، لا يمكن أن يصدر عنه ، أياً كان نوعه ، ومهما كان حجمه.

ولكن ذلك لا يعني أبداً : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يملك العواطف البشرية ، والأحاسيس الطبيعية ، ولا يمنحها قسطها الطبيعي في مجال التأثير الإيجابي في الحياة ، أو حتى الاستفادة المباحة منها.

وإنما نريد أن نقول : إنه حينما يتخذ ذلك التأثير العاطفي صفة الموقف ، بإعطائه صفة العلنية ، ويصبح واضحاً : أن ثمة إصراراً أكيداً على إبرازه وإظهاره للملأ العام ، وحتى على المنبر أحياناً ، فلابد أن يكون ذلك في خدمة الرسالة ، وعلى طريق الهدف الأسمى.

بل وحتى على صعيد منحهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاسيسه وعواطفه قسطها الطبيعي في التأثير في مجاله الشخصي البحت فإنه سيحولها إلى عبادة زاخرة بالعطاء ، غنية بالمواهب ، تمنحه المزيد من الطاقة ، وتؤثر المزيد من

__________________

١ ـ نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٣ ـ ٢٥.

١٧

القرب من الله سبحانه وتعالى

نعم وان هذا الذي ذكرناه هو الذي يفسر لنا ذلك القدر الهائل من النصوص والآثار ، التي وردت عنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تجاه العلاقة التي تربطه بالحسنين صلوات الله وسلامه عليهما ، مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالنسبة للإمام الحسنعليه‌السلام : اللهم إن هذا ابني وأنا أحبُّه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أحب أهل بيتي إليَّ : الحسن والحسين إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً(٢) .

فإن هذا الموقف المتميز من الحسنينعليهما‌السلام ، وتلك الرعاية الفريدة لهما زاخرة ولا شك بالعديد من الدلالات والإشارات الهامة حستما ألمحنا إليه

ولنا أن نخص بالذكر هنا موقف ، ومبادرات ، وأقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ولادتهماعليهما‌السلام ، فنجده حين ولادة الإمام الحسنعليه‌السلام يأتي إلى بيت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ن ويقول : « يا أسماء هاتي ابني » ، أو « هلمي ابني »(٣) .

__________________

١ ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ و٢٠٧ والغدير ج ٧ ص ١٢٤.

٢ ـ راجع الكثير من هذه النصوص في تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧ و ٢١٠ ، والغدير ج ٧ ص ١٢٤ ـ ١٢٩ و ج ١٠ وسيرتنا وسنتنا ص ١١ ـ ١٥ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ، وفرائد السمطين ، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤١ وتاريخ الخلفاء ص ١٨٩.

وترحمة الحسن ، وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ، والفصول المهمة للمالكي ، وترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام من أنساب الأشراف ، ونور الأبصار ، والصواعق المحرقة ، والبحار ج ٤٤ و ٤٣ والإرشاد للمفيد ، وأسد الغابة ، والإصابة ، والاستيعاب ترجمة الحسنينعليهما‌السلام ، وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ، وغير ذلك من المصادر التي تقدمت وستأتي.

٣ ـ راجع البحار ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام . وغير ذلك من المصادر التي تقدمت في الحاشية السابقة.

١٨

ثم إنه لم يكن ليسبق ربه في تسمية المولود الجديد ، فينزل الوحي لينبئه عن الخالق الحكيم قوله له : « سمه حسناً » ثم يعق عنه بكبش ويتولى بنفسه حلق شعره ، والتصدق بزنته فضة ، وطلي رأسه بالخلوق بيده المباركة وقطع سرته إلى آخر ما هنالك مما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الواقعة(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء هاتي ابني وذلك في أول يوم من عمر الإمام الحسنعليه‌السلام له مغزى عميق ، وهدف بعيد ، سنلمح إليه في الفترة التالية إن شاء الله تعالى.

ب ـ قضية المباهلة :

ومما يدخل في الحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام في عهد جده النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قضية المباهلة.

ويرجح العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه ، أن هذه القضية قد كانت في سنة ست من الهجرة ، أو قبلها(٢) .

ومجملها :

ان علماء نصارى نجران وفدوا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وناظروه في عيسى ، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا ثم اتفقوا على المباهلة(٣) أمام الله ، فيجعلوا لعنة الله الخالدة ، وعذابه المعجل على الكاذبين

__________________

١ ـ تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ ، والإمام الحسن بن علي ، لآل ياسين ص ١٦ و ١٧ وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج ١ ص ٢٤ حتى ص ٢٨ عن بعض المصادر والمصادر المتقدمة في الحاشية ما قبل السابقة ، وفير ذلك مما سيأتي مما يتعرض لترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام .

٢ ـ تفسير الميزان ج ٣ ص ٣٦٨.

٣ ـ من البهلة ، وهي اللعنة ، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة والدعاء ،

=

١٩

قال تعالى :( إنَّ مَثَلَ عيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ. الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَلاَ تَكُنْ مِنَ المُمْتَرينَ. فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلمِ ، فَقُلْ : تَعَالُوا ، نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ ، وُنِسَاءنَا وِنسَاءكُمْ ، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ، ثمَّ نَبتَهِل ، فَنَجعل لَعنَةَ اللهِ عَلَى الكاذِبين ) (١) .

فلما رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم ، السيد ، والعاقب ، والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه : فإنه ليس نبياً ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله ، فإنه لايُقدِمُ الى أهل بيته إلا وهو صادق.

وفي اليوم المحدد خرج إليهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي ، وفاطمة ، والحسنانعليهم‌السلام ، فسألوا عنهم ، فقيل لهم : هذا ابن عمه ، ووصيه ، وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابيته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين ، ففرِقوا : فقالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية ، وانصرفوا

هذه خلاصة ما ذكره القميرحمه‌الله في تفسيره.

وفي بعض النصوص أنهم قالوا له : لم لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر ، وأهل الشارة ممن أمن بك واتبعك؟! فقاصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجل ، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض ، وأفضل الخلق.

ثم تذكر الرواية قول الأسقف لأصحابه : « أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله إلى أن قال : أفلا ترون الشمس قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان؟! لقد أطلَّ علينا العذاب! انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها ، وإلى الشجر كيف يتساقط أوراقها ،

__________________

= إذا كان إلحاح.

١ ـ آل عمران : ٥٩ ـ ٦١.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والحاصل أنّ الأمر لا ينفكّ عن الإرادة بمعنى أنّه لا يجوز أن يأمر ولا يريد. والآية لم تدلّ على الجواز بهذا المعنى، كما قرّرنا. بل التّحقيق أنّ أمره كاشف عن إرادته. وأمّا أنّ مراده هل ينفكّ عن إرادته أم لا؟ فشيء آخر يستحقّ في موضعه.

وعلى المعتزلة والكراميّة: أنّه يحتمل أن يكون التّعليق باعتبار التّعلّق، أو كان المعنى لو كان شاء الله هدايتنا الآن، لنهتدي. والحقّ أنّ الأمر لا ينفك عن الإرادة، بالمعنى الّذي حقّقته. وأنّ الإرادة حاثّة من صفات الفعل. وسنحقّق ذلك في موضع آخر ـ ان شاء الله.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لم تذلّل للكراب وسقي الحرث.

و «لا ذلول» صفة البقرة، بمعنى غير ذلول.

و «لا» الثّانية. مزيدة(١) لتأكيد الأولى.

والفعلان، صفتا «ذلول»، كأنّه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية.

وقرئ لا ذلول (بالفتح)، أي: هناك، أي: حيث هي: كقولك: مررت برجل لا بخيل ولا جبان، أي: هناك، أي: حيث هو.

و «تسقي» من السّقي.

( مُسَلَّمَةٌ ) :

سلّمها الله من العيوب، أو أهلها من العمل، أو خلص لونها من سلم له كذا إذا خلص له، أي: لم يشب صفرتها شيء من الألوان.

( لا شِيَةَ فِيها ) : لا لون فيها يخالف لون جلدها. فهي صفراء كلّها. حتّى قرنها وظلفها.

وهي في الأصل، مصدر وشاه وشيا وشية، إذا خلط بلونه لون آخر.

( قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) ، أي: الحقّ البيّن الّذي لا يشتبه علينا.

وقرئ الآن (بالمدّ) على الاستفهام، ولآن (بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللّام.)(٢) ( فَذَبَحُوها ) :

__________________

(١) أ: تزايدة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤١

فيه اختصار. والتّقدير: فحصلوا البقرة المنعوتة، فذبحوها.

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٧١) لتطويلهم في السّؤال وكثرة مراجعاتهم.

وروي(١) أنّهم كانوا يطلبون البقرة الموصوفة، أربعين سنة

، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها إذ روي أنّه كان في بني إسرائيل شيخ صالح، له عجلة. فأتى بها الغيضة. وقال: أللّهمّ إنّي أستودعكها لابني حتّى تكبر. وكان برّا بوالديه. فثبت. وكانت من أحسن البقرة وأسمنها. ووحيدة بتلك الصّفات. فساوموها اليتيم وأمّه حتّى اشتروها بملء مسكها ذهبا. وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير.

وفي رواية العيّاشيّ:(٢) أنّه قال الرّضا ـ عليه السّلام: قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعض أصحابه: إنّ هذه البقرة ما شأنها؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه. وإنّه اشترى سلعة، فجاء إلى أبيه. فوجده نائما والإقليد تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك. واستيقظ أبوه.

فأخبره. فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوض لما فاتك.

قال: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: انظروا إلى البرّ ما بلغ بأهله.

وروي أنّ ذلك الشّابّ من بني إسرائيل، قد رأى محمّدا وعليّا في منامه وأحبّهما.

وقالا له: لأنّك تحبّنا نجزيك ببعض جزائك في الدّنيا. فإذا جاءك بنو إسرائيل يريدون شراء البقرة منك، فلا تبعها إلّا برضى من أمّك.

فلّمّا أرادوا شراءها، كلّما زادوا في ثمنها، لم ترض أمّه، حتّى شرطوا على أن يملئوا ثور(٣) بقرة عظيمة في ثمنها، فرضيت.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. والحديث بتمامه مذكور في شرح الآيات الباهرة، منقولا عن التّفسير المنسوب إلى الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام.(٤) وقد ذكرته بتمامه في تفسيرنا الموسوم بالتّبيان. وعلى الله التّكلان.

و «كاد» من أفعال المقاربة. وضع لدنوّ الخبر، حصولا فإذا دخل عليه النّفي، قيل معناه الإثبات، مطلقا. وقيل ماضيا. والحقّ أنّه كسائر الأفعال. ولا ينافي قوله تعالى

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٥٣.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، بتفاوت+ مجمع البيان ١ / ١٣٦.

(٣) الظاهر: مسك.

(٤) تفسير العسكري / ١٣١.

٤٢

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) ، قوله( فَذَبَحُوها ) لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى أنّهم ما قاربوا أن يفعلوا حتّى انتهت سؤالاتهم. وانقطعت تعلّلاتهم. ففعلوا كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل.(١) ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ) :خاطب الجمع، لوجود القتل فيهم.

( فَادَّارَأْتُمْ فِيها ) : اختصمتم في شأنها، إذ الخصمان يدفع بعضهم بعضا.

وأصل الدّرء: الدّفع. ومنه الحديث ادرؤوا الحدود بالشّبهات، وقول رؤبة.

أدركتها قدّام كلّ مدرة

بالدّفع عنّي درء كلّ غنجة(٢)

فعلى هذا يحتمل أن يكون المعنى تدافعتم بأن طرح قتلها كلّ عن نفسه إلى صاحبه.

وقيل(٣) : الدّرء: العوج. ومنه قول الشّاعر :

فنكّب عنهم درء الأعادي

وداووا بالجنون من الجنون

وأصله: تدارأتم. فأدغمت التّاء في الدّال. واجتلبت لها همزة الوصل.

( وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (٧٢) :

مظهره وأعمل مخرج، لأنّه حكاية مستقبل، كما أعمل باسط ذراعيه. لأنّه حكاية حال ماضية.

( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ ) :

عطف على «ادّارأتم» وما بينهما اعتراض.

والضّمير للنّفس. وتذكيره على تأويل الشّخص، أو القتيل.

( بِبَعْضِها ) ، أي: بعض كان.(٤) [وقيل(٥) : بأصغريها.

وقيل(٦) : بلسانها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٢) هو الظاهر. وفي الأصل ور: غنيجة. وفي أ: عيجة. وفي المصدر (مجمع البيان ١ / ١٣٧): عنجه.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) يوجد في أبعد هذه العبارة: وفيه أقول أخذ مستندها غير معلوم.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤٣

وقيل(١) : بفخذها اليمنى.

وقيل(٢) : بالاذن.

وقيل(٣) : بالعجب. وهو اصل الذنب وفي الأحاديث الآتية: أنّ الضرب بذنبها].(٤) نقل(٥) أنّه لما ضرب ببعضها قام حيا وأوداجه تشخب دما. قال: قتلني فلان ابن عمّي. ثم قبض.

[وفيما يأتي من الخبر، أنّه عاش بعد ذلك سبعين سنة].(٦) ( كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) : يدلّ على ما حذف، أي: فضربوه، فحيى.

والخطاب مع من حضر حياة القتيل، أو نزول الآية.

( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٧٣): لكي بكمل عقلكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس، قدر على إحياء الأنفس.

وفي الآية مع ما ذكر في بيانه من الأحاديث الدّلالة على انّ التّموّل والغنى من عند الله، ينبغي أن يطلب منه، لا بمخالفة أمره، كما ناله الفتى من بني إسرائيل ولم ينله القاتل ابن عمّه.

[وفي عيون الأخبار(٧) : حدّثني(٨) أبي ـ رضي الله عنه. قال: حدّثني(٩) عليّ بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميدانيّ ومحمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ. قال: سمعت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه(١٠) على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل. ثمّ جاء يطلب بدمه.

فقالوا لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتلوا فلانا. فأخبرنا من قتله؟

قال: ائتوني ببقرة.

( قالُوا: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

__________________

(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكشاف ١ / ١٥٣+ مجمع البيان ١ / ١٣٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) عيون الأخبار ٢ / ١٣ ـ ١٤، ح ٣١.

(٨ و ٩) المصدر: حدّثنا.

(١٠) المصدر: وطرحه.

٤٤

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) ، يعني: لا صغيرة ولا كبيرة،( عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) ».

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) .

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) .

فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء مسكها ذهبا.

فجاءوا إلى موسى ـ عليه السّلام. فقالوا له ذلك. فقال: اشتروها. فاشتروها.

وجاؤوا بها. فأمر بذبحها. ثمّ أمروا بأن يضربوا(١) الميّت، بذنبها. فلمّا فعلوا ذلك، حيي المقتول. وقال: يا رسول الله! إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعي عليه قتلي. فعلموا بذلك قاتله.

فقال: رسول(٢) الله، موسى [بن عمران](٣) ـ عليه السّلام ـ لبعض(٤) أصحابه: إنّ هذه البقرة لهابنا.

فقال: وما هو؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه و [إنّه](٥) اشترى تبيعا(٦) . فجاء إلى أبيه. والأقاليد(٧) تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك البيع. فاستيقظ أبوه. فأخبره.

__________________

(١) المصدر: أن يضرب.

(٢) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: لرسول.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بعض.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بيعا.

(٧) المصدر: ورأى أنّ المقاليد.

٤٥

فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوضا لما فاتك.

قال: فقال له رسول الله، موسى [بن عمران](١) ـ عليه السّلام. انظروا إلى البرّ، ما يبلغ(٢) بأهله.

وفي كتاب الخصال، مثله سواء.(٣)

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله(٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم، خطب امرأة منهم. فأنعمت له. وخطبها ابن عمّ لذلك الرّجل. وكان فاسقا رديئا. فلم ينعموا له.

فحسد ابن عمّه الّذي أنعموا له. فقعد له. فقتله غيلة. ثمّ حمله إلى موسى ـ عليه السّلام.

فقال: يا نبيّ الله! هذا ابن عمّى. قد قتل.

فقال موسى: من قتله؟

قال: لا أدري.

وكان القتل في بني إسرائيل، عظيما جدّا. فعظم ذلك على موسى. فاجتمع إليه بنوا إسرائيل.

فقالوا: ما ترى؟ يا نبيّ الله! وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة. وكان له ابن بارّ. وكان عند ابنه، سلعة.

فجاء قوم يطلبون سلعته. وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه. وكان نائما وكره ابنه أن ينبّهه وينغّص عليه نومه. فانصرف القوم: فلم يشتروا سلعته.

فلمّا انتبه أبوه قال له: يا بنيّ! ما صنعت في سلعتك؟

قال: هي قائمة. لم أبعها. لأنّ المفتاح كان تحت رأسك، فكرهت أن أنبّهك وأنغّص عليك نومك.

قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عمّا فاتك من ربح سلعتك.

وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه. وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: بلغ.

(٣) بل في تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، وكذلك عنه في البحار ١٣ / ٢٦٣، بعد نقله الحديث عن عيون الأخبار. والظاهر أنّ هذا سهو من صاحب تفسير نور الثقلين، كما يبدو من ملاحظة تفسيره ١ / ٨٨ (!)

(٤) تفسير القمي ١ / ٤٩ ـ ٥٠.

(٥) المصدر: رجالهم.

٤٦

فلمّا اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجّوا قال لهم موسى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) .» فتعجّبوا. و( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟» إنا نأتيك بقتيل. فتقول اذبحوا بقرة! فقال لهم موسى:( أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

فعلموا أنّهم قد أخطأوا. فقالوا:( ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا، ما هِيَ ) ؟»( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) (الفارض الّتي قد ضربها الفحل. ولم تحمل. والبكر الّتي لم يضربها.)( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) ، أي: لونها شديد الصّفرة(١) ،( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) إليها.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ) ، أي، لم تذلّل( وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لا تسقي الزّرع.( مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ) ، أي، لا نقط فيها إلّا الصّفرة.

( قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) (٢) هي بقرة فلان. فذهبوا يشتروها.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء جلدها ذهبا.

فرجعوا إلى موسى. فأخبروه.

فقال لهم موسى: لا بدّ لكم من ذبحها بعينها. فاشتروها(٣) بملء جلدها ذهبا، فذبحوها.

ثمّ قالوا: ما تأمرنا؟ يا نبيّ الله! فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليه: قل لهم: اضربوه ببعضها. وقولوا من قتلك.

فأخذوا الذّنب، فضربوه به. وقالوا: من قتلك؟ يا فلان! فقال: فلان بن فلان. (ابن عمّه(٤) الّذي جاء به.) وهو قوله:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها. كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى. وَيُرِيكُمْ آياتِهِ

__________________

(١) المصدر: شديدة الصفرة.

(٢) يوجد في المصدر بعدها: فذبحوها. وما كادوا يفعلون.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: ابن عمى.

٤٧

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

وفي شرح الآيات الباهرة(١) : قال الإمام ـ عليه السّلام: فألزم موسى ـ عليه السّلام ـ أهل القبيلة(٢) بأمر الله، أن يخلف خمسون رجلا من أماثلهم بالله القويّ الشّديد، إله بني إسرائيل مفضّل محمّد وآله الطّيّبين على البرايا أجمعين، إنّا ما قتلنا.

ولا علمنا له قاتلا. ثمّ بعد ذلك أجمع(٣) بنو إسرائيل(٤) على أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يحييّ المقتول، ليسألوه من قتله. واقترحوا عليه ذلك.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا موسى! أجبهم إلى ما اقترحوه. وسلني أن أبيّن لهم القاتل، ليقتل ويسلم غيره من التّهمة والغرامة. فإنّي أريد إجابتهم إلى ما اقترحوه، توسعة الرّزق(٥) على رجل من خيار أمّتك دينه الصّلاة على محمّد وآله الطّيّبين والتّفضيل لمحمّد وعليّ بعده على سائر البرايا، أن أغنيه في الدّنيا ليكون ذلك بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمّد وآله.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ربّ! بيّن لنا قاتله.

فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل: إنّ الله يبيّن لكم ذلك بأن أمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول، فيحيى. أفتسلمون(٦) لربّ العالمين ذلك؟

ثمّ قال الإمام ـ عليه السّلام: فلمّا استقرّ الأمر، طلبوا هذه البقرة. فلم يجدوها، إلّا عند شابّ من بني إسرائيل، أراه الله تعالى في منامه محمّدا وعليّا، فقالا: إنّك كنت لنا محبّا ومفضّلا. ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدّنيا. فإذا راموا منك شراء بقرتك، فلا تبعها، إلّا بأمر أمّك.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فما زالوا يطلبون على النّصف ممّا تقول أمّه ويرجع إلى أمّه، فتضعف الثّمن، حتّى بلغ ملء مسك ثور أكبر ما يكون دنانير. فأوجبت لهم البيع.

فذبحوها. وأخذوا قطعة منها. فضربوه بها. وقالوا: أللّهمّ بجاه محمّد وآله الطّيّبين لـمّا أحييت هذا الميّت. وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويّا.

فقال: يا نبيّ الله! قتلني هذان ابنا عمّي. حسداني على ابنة عمّي. فقتلاني.

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) المصدر: القتلة.

(٣) المصدر: امر.

(٤) المصدر: بني إسرائيل.

(٥) المصدر: للرزق.

(٦) المصدر: فتسلموا.

٤٨

فقال بعض بني إسرائيل لموسى ـ عليه السّلام: لا ندري أيّهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق، أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟

فأوحى الله إليه: يا موسى! قل لبني إسرائيل: من أحبّ منكم أن أطيّب في الدّنيا عيشه وأعظّم في جناني محلّه وأجعل لمحمّد وآله الطّيّبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى: إنّه كان قد سمع من موسى ابن عمران ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين فكان عليهم مصلّيا، ولهم على جميع الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس مفضّلا. فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال الفتى: يا نبيّ الله! كيف أحفظ هذه الأموال؟ وكيف لا أحذر عداوة من يعاديني فيها وحسد من يحسدني من أجلها؟

فقال له: قل عليه(١) من الصّلاة على محمّد وآله الطيبين ما كنت تقول، قبل أن تنالها.

فقالها الفتى. فما رامها حاسد، أو لصّ، أو غاصب، إلّا دفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ بلطفه.

فلمّا قال موسى ـ عليه السّلام ـ للفتى ذلك، قال المقتول المنشور: أللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتى، من الصّلاة على محمّد وآله الطيّبين والتّوسّل بهم، أن تبقيني في الدّنيا متمتّعا بابنة عمّي وتخزي أعدائي وحسّادي وترزقني منها كثيرا(٢) طيّبا.

قال: فأوحى الله إليه: يا موسى! إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل، ستّون سنة. وقد وهبت له بمسألته وتوسّله بمحمّد وآله الطّيّبين، سبعين سنة تمام. مائة وثلاثين سنة صحيحه حواسّه، ثابتة فيها جنانه وقوّته وشهواته. يتمتّع بحلال هذه الدّنيا. ويعيش.

ولا يفارقها. ولا تفارقه. فإذا حان حينه، حان حينها. وماتا جميعا. فصارا إلى جناني. وكانا زوجين فيها ناعمين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فضجّوا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ وقالوا: افتقرت القبيلة ودفعت إلى التّلف وأسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا؟ فادع الله تعالى لنا بسعة الرّزق.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ويحكم! ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما رزقه الله تعالى من الغنى! أو ما سمعتم دعاء(٣) المقتول المنشور وما أثمر

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: أولادا كثيرا.

(٣) ليس في المصدر.

٤٩

له من العمر الطّويل والسّعادة والتّنعّم والتّمتّع بحواسّه وساير بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما وتتوسّلون إلى الله تعالى بمثل وسيلتهما؟ ليسدّ فاقتكم ويجبر كسركم ويسدّ خلّتكم.

فقالوا: أللّهمّ إليك التجأنا وعلى فضلك اعتمدنا. فأزل فقرنا، وسدّ خلّتنا، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! قل لهم: ليذهب رؤساؤكم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا وجه الأرض قليلا، ويستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا على كلّ من دفع من(١) ثمن البقرة ما دفع، لتعود أموالهم. ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما فضل، وهو خمسة آلاف ألف دينار. على قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة، لتتضاعف أموالهم، جزاء على توسّلهم بمحمّد وآله الطّيّبين واعتقادهم لتفضيلهم.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، أي: يريكم سائر آياته، سوى هذه من الدّلالات على توحيده ونبوّة موسى ـ عليه السّلام ـ نبيّه وفضل محمّد على الخلائق سيّد إمائه وعبيده وتثبيت(٢) فضله وفضل آله الطّيّبين، على سائر خلق الله أجمعين، لعلّكم تعقلون وتتفكّرون أن الّذي يفعل هذه العجائب، لا يأمر الخلق إلّا بالحكمة. ولا يختار محمّدا وآله إلّا لأنّهم أفضل ذوي الألباب].(٣) .

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ) :

القساوة: الغلظ مع الصّلابة، كما في الحجر.

وقساوة القلب، مثل في نبوه(٤) عن الاعتبار، وأنّ المواعظ لا تؤثّر فيه. ثمّ لاستبعاد القسوة ونحوه. ثمّ أنتم تمترون.

( مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) ، يعني: إحياء القتيل، أو جميع ما عدّد من الآيات. فإنّها ممّا توجب لين القلب.

( فَهِيَ كَالْحِجارَةِ ) في قسوتها.

( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : منها، يعني: أنّها في القساوة مثل الحجارة [أو زائدة عليها، أو أنّها

__________________

(١) المصدر: في.

(٢) المصدر: ثبت.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أ: بثوه.

٥٠

مثلها، أو مثل ما هو أشدّ منها قسوة، كالحديد. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

ويعضده قراءة الحجرّ بالفتح، عطفا على الحجارة](١) .

وإنّما لم يقل أقسى، لما في أشدّ من المبالغة. والدّلالة على اشتداد القوتين واشتمال المفضّل على زيادة واو للتخيير أو للتّرديد، بمعنى أنّ من عرف حالها شبّهها بالحجارة، أو بما هو أقسى منها.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) : تعليل للتّفضيل. فإنّ الحجارة ينفعل. فإنّ منها لما يتفجّر منه الأنهار.

والتّفجر: الفتح بسعة. ومنها ما ينبع منه الماء. ومنها ما يتردّى من أعلى الجبل انقيادا لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثّر عن أمر الله تعالى.

والخشية مجاز من الانقياد.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٧٤): وعيد على ذلك.

وقرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر، بالياء والباقون، بالتّاء(٢) .

وقد ورد عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال:(٣) لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب. وإنّ أبعد النّاس من الله، القاسي القلب.

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ:(٤) وقال أبو محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام: لـمّا نزلت هذه الآية( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) في حقّ اليهود والنّواصب، فغلظ ما(٥) وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم. يا محمّد! إنّك لمجنون. فتدّعي(٦) على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه إنّ فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر الله تعالى. فأمّا ما أريد به الرّياء والسّمعة ومعاندة رسول الله ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٣٩.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) الاحتجاج ١ / ٥٠.

(٥) المصدر: على اليهود ما.

(٦) المصدر: إنّك تهجونا وتدّعي.

٥١

وآله ـ وإظهار الغنى له والتّمالك والشّرف، فليس بخير. بل هو الشّرّ الخاصّ.(١) ووبال على صاحبه. يعذّبه الله به أشدّ العذاب.

فقالوا له: يا محمّد! أنت تقول هذا ونحن نقول: بل ما ننفقه إلّا لإبطال أمرك ودفع رئاستك ولتفريق أصحابك عنك. وهو الجهاد الأعظم. نؤمل به من الله الثّواب الأجلّ الأجسم.(٢)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. وفيه إلزامهم على الوجه الأعظم.

وفي الخرائج والجرائح،(٣) روي عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ في قوله تعالى( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : قال إنّه يقول: يبست قلوبكم، معاشر اليهود! كالحجارة اليابسة. لا ترشح برطوبة، أي: أنّكم لا حقّ الله تؤدّون، ولا بأموالكم تتصدّقون، ولا بالمعروف تتكرّمون، ولا للضّيف تقرون، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون، وتواصلون. أو( أَشَدُّ قَسْوَةً ) : أبهم على السّامعين. ولم يبيّن لهم كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أنّه لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السّامع حتّى لا يعلم ما ذا أكل. وإن يعلم أن قد أكل أيّهما.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ) ، أي: قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خير، يا يهود! في الحجارة ما يتفجّر الأنهار، فيجيء بالخير والنّبات لبني آدم. و( إِنَّ مِنْها ) ، أي: من الحجارة( لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ ) دون الأنهار. وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل.( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ ) ، أي: من الحجارة، إن أقسم عليها باسم الله تهبط. وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا؟ وهذه الجبال بحضرتنا.

فاستشهدها على تصديقك. فإن نطقت بتصديقك، فأنت المحقّ.

فخرجوا إلى أوعر جبل. فقالوا: استشهده.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أسألك يا جبل! بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه.

__________________

(١) كذا في المصدر وفي الأصل ور. ولعله: الخالص.

(٢) المصدر: العظيم.

(٣) تفسير نور الثقلين ١ / ٩٠، ح ٢٤٥، نقلا الخرائج والجرائح.

٥٢

فتحرّك الجبل. وفاض الماء. ونادى: أشهد أنّك رسول الله. وأنّ قلوب هؤلاء اليهود، كما وصفت، أقسى من الحجارة.

فقال اليهود: علينا تلبس. أجلست أصحابك خلف هذا الجبل، ينطقون بمثل هذا؟ فإن كنت صادقا، فتنحّ من موضعك إلى ذي القرار. ومر هذا الجبل، يسير إليك.

ومره أن ينقطع بنصفين، ترتفع السّفلى وتنخفض العليا.

فأشار إلى حجر مد حرج. فتدحرج. ثمّ قال لمخاطبه: خذه. فقرّبه. فسيعيد عليك ما سمعت. فإنّ هذا جزء من ذلك الجبل.

فأخذه الرّجل. فأدناه من أذنه. فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل.

قال: فإنّني بما اقترحت.

قال: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع، ثمّ نادى: أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين، لـمّا اقتلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

فتزلزل الجبل. وصار(١) مثل الفرس الهملاج. فنادى: أنا سامع لك، ومطيع أمرك.

فقال: هؤلاء اقترحوا على أن أمرك إن تنقطع من أصلك، فتصير نصفين، فينحطّ أعلاك ويرتفع أسفلك.

فانقطع نصفين. وارتفع أسفله. وانخفض أعلاه. فصار فرعه أصله.

ثمّ نادى الجبل: أهذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به تؤمنون؟

فقال رجل منهم: هذا رجل تتأتّى له العجائب. فنادى الجبل: يا عدوّ الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظّلل فيقال هو رجل تتأتّى له العجائب. فلزمتهم الحجّة ولم يسلموا؟

وفي مجمع البيان(٢) : وروى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إنّ حجرا كان يسلّم عليّ في الجاهليّة، وإنّي لأعرفه الآن.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان فيما أوصى

__________________

(١) المصدر: سار. وهو الظاهر.

(٢) مجمع البيان: ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) الخصال ١٢٥ ـ ١٢٦، مقطع من ح ١٢٢.

٥٣

به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام: يا عليّ! ثلاث يقسين القلب :استماع اللهو، وطلب الصّيد، وإتيان باب السّلطان.

وفيه(١) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ولا يطول عليكم الأمل(٢) ، فتقسو قلوبكم.

عن أبي عبد الله، عن أبيه(٣) ـ عليهما السّلام. قال: أوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى موسى ـ عليه السّلام: لا تفرح بكثرة المال ـ إلى قوله ـ وترك ذكري يقسي القلوب.

وفي كتاب علل الشّرائع(٤) ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة. قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: ما جفّت الدّموع إلّا لقسوة القلوب. وما قست القلوب إلّا لكثرة الذّنوب.

وفي أصول الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمرو ابن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه. قال: فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى ـ عليه السّلام: يا موسى! لا يطول في الدّنيا أملك، فيقسو قلبك. والقاسي القلب، منّي بعيد.

وفي شرح الآيات الباهرة(٦) : قال الإمام ـ عليه السّلام ـ في تأويل ذلك: وقلوبهم لا يتفجّر(٧) منها الخيرات ولا تنشقّ فيخرج منها قليل من الخيرات وإن لم يكن كثيرا.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه، محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم ـ صلّى الله عليهم. وليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: وهذا التّقريع من الله تعالى لليهود والنّواصب. واليهود جمعوا الأمرين واقترفوا الخطيئتين. فغلظ على اليهود ما وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وقال جماعة من رؤسائهم: يا محمّد! إنّك مجنون. تدّعي على قلوبنا ما الله(٨) يعلم منها خلافه. وإن فيها خيرا كثيرا، نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ومعاونة الضّعفاء؟ وإنّ الأحجار ألين من قلوبنا. وأطوع لله منّا. وهذه الجبال

__________________

(١) نفس المصدر: ٦٢٢.

(٢) المصدر: الأمد.

(٣) نفس المصدر / ٣٩، ح ٢٣.

(٤) علل الشرائع / ٨١، ح ١.

(٥) الكافي ٢ / ٣٢٩، ح ١.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٢٤ ـ ٢٥.

(٧) المصدر: لا تنفجر. (٨) المصدر: فالله.

٥٤

بحضرتنا، هلمّ بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: نعم. فهلمّوا بنا إلى أيّها شئتم استشهده ليشهد لي عليكم.

قال: فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه.

فقالوا: يا محمّد! هذا الجبل. فاستشهده! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أيّها الجبل! إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم تاب الله تعالى على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنّة مكانا عليّا، لـمّا شهدت لمحمّد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود، في ذكر(١) قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحودهم لقول محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

قال: فتحرّك الجبل. فتزلزل.(٢) وفاض عنه الماء. ونادى: يا محمّد! أشهد أنّك رسول الله ربّ العالمين، وسيّد الخلائق أجمعين صلّى الله عليك وآلك إلى العالمين والخلائق أجمعين. وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود أقسى من الحجارة. لا يخرج منها خير. وقد يخرج من الحجارة الماء سيلا وتفجيرا. وأشهد أنّ هؤلاء الكاذبون عليك بما به قذفوك من الفرية على ربّ العالمين.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وأسألك، أيّها الجبل! أمرك الله بطاعتي فيما التمسه(٣) منك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بهم نجّى الله تعالى نوحا من الكرب العظيم وبهم برّد الله النار على إبراهيم وجعلها عليه سلاما ومكّنه في جوف النّار على سرير وفراش وبرد(٤) وأنبت مواليه من الأشجار الخضرة النّضرة الزهرة(٥) وعمّر ما حوله من انواع ما لا يوجد إلّا في الفصول الأربعة من جميع السّنة.

قال: فقال الجبل: بلى. أشهد، يا محمّد! لك بذلك. وأشهد أنّك لو اقترحت على

__________________

(١) المصدر: ذكره في.

(٢) المصدر: وتزلزل.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: التمسته.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بئر.

(٥) المصدر: آنس هيئة.

٥٥

ربّك أن يجعل رجال الدّنيا قرودا وخنازير، لفعل. وأن يجعلهم ملائكة، لفعل وأن يقلب النّيران جليدا والجليد نيرانا، لفعل. وأن يهبط السّماء إلى الأرض أو يرفع الأرض إلى السّماء، لفعل. وأن يصيّر أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلّها ضرب طرف الكبش(١) ، لفعل. وأنّه قد جعل الأرض والسّماء طوعك والبحار والجبال تنصرف(٢) بأمرك. وسائر ما خلق الله من الرّياح والصّواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة. وما أمرتها به من شيء ائتمرت.

تمّ كلامه صلوات الله عليه. فقالت اليهود بعد: أنت تلبس علينا واقترحوا عليه أشياء أن يفعلها الجبل المشار إليها فأجابهم إليها.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع. ثمّ نادى الجبل: يا أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بجاههم ومسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية تنزع النّاس كأنّهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة واحدة في قوم صالح حتّى صاروا كالهشيم المحتضر، لـمّا انقلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

قال: فتزلزل(٣) الجبل، وصار كالقدح الهملاج، حتّى دنى من إصبعه. فلصق بها.

ووقف. ونادى: ها أنا سامع لك مطيع، يا رسول الله! وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين، فمرني بأمرك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ هؤلاء المعاندين اقترحوا عليّ أن أمرك أن تنقلع(٤) من أصلك، فتصير نصفين، ثمّ ينحطّ أعلاك، ويرتفع أسفلك، وتصير ذروتك أصلك، وأصلك ذروتك.

فقال الجبل: أفتأمرنى بذلك، يا رسول الله؟

قال: بلى.

قال: فانقطع الجبل نصفين. وانحطّ أعلاه إلى الأرض. وارتفع أسفله فوق أعلاه.

__________________

(١) المصدر: ظرف الكيش. وفي هامش المصدر: صرة كصرة الكيس (خ ل). وكذلك في تفسير البرهان ١ / ١١٤.

(٢) المصدر: تتصرّف.

(٣) المصدر: فتحرّك.

(٤) المصدر: تنقطع.

٥٦

فصار فرعه أصله، وأصله فرعه.

ثمّ نادى الجبل: معاشر اليهود! هذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به مؤمنون.

فنظر اليهود بعضهم إلى بعض. فقال بعضهم: ما عن هذا محيص. وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت. ومبخوت(١) تتأتّى له(٢) العجائب. فلا يغرّنّكم ما تشاهدون منه.

فناداهم الجبل: يا أعداء الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى؟ هلّا قلتم لموسى إذا قلب العصا ثعبانا وانفلق له البحر طرقا ووقف الجبل كالظّلّة فوقكم: إنّك تؤتى لك العجائب. فلا يغرّنا ما نشاهده منك؟

فألقمهم الجبل بمقالة الصّخور وألزمهم(٣) حجّة ربّ العالمين. (انتهى)](٤)

( أَفَتَطْمَعُونَ ) :

الخطاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمؤمنين.

( أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) ، أي: اليهود.

( وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : من أسلافهم،( يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ) ، أي: التوراة، أو حين كلّم موسى،( ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) : يغيّرونه أو يأوّلونه بما يشتهون،( مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ ) : ولم يبق لهم فيه ريبة.

( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٧٥) أنّهم مبطلون.

فإذا كان أخبار هؤلاء وأسلافهم بهذه الحالة، فما طمعكم بجهّالهم وسفلتهم؟

( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي: اليهود.

( قالُوا: آمَنَّا ) ، أي: قال منافقوهم: آمنّا بأنّكم على الحقّ، ورسولكم هو المبشّر به في التوراة.

( وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا ) ، أي: الّذين لم ينافقوا عاتبين على من نافق.

( أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) وبيّنه في التوراة، من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو الّذين نافقوا لأعقابهم إظهارا، للتّصلّب في اليهوديّة ومنعا لهم عن إبداء ما

__________________

(١) المصدر: فوتآله

(٢) المصدر: لك.

(٣) المصدر: فالقاهم الجبل بمقالتهم الزور ولزومهم.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٧

وجدوا في كتابهم، فيتناول الفريقين.

فالاستفهام على الأوّل، تقريع، وعلى الثّاني، إنكار ونهي.

( لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ) ليحتجّوا بما فتح الله عليكم، حال كونه ثابتا عند ربّكم، أي: من جملة ما ثبت عند ربّكم، أي: من جملة ما أنزل الله في كتابه.

( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (٧٦)، إمّا من كلام اللائمين، وتقديره «أفلا تعقلون أنّهم يحاجّوكم فيغلبون به عليكم»، أو متّصل بقوله أفتطمعون.

والمعنى: أفلا تعقلون حالهم. وأن لا مطمع لكم في إيمانهم.

[وفي مجمع البيان(١) :( تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) . (الآية) وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين. إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فنهاهم كبراؤهم عن ذلك. وقالوا: لا تخبروهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فيحاجّوكم به عند ربّكم. فنزلت هذه الآية].(٢)

( أَوَلا يَعْلَمُونَ ) هؤلاء( أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ ) من الكفر وما فتح الله وتحريف الكلم وغيره؟

( وَما يُعْلِنُونَ ) (٧٧) من الإيمان وغير ما فتح الله وتأويلاتهم وتحريفاتهم؟

( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) ، اي: التّوراة( إِلَّا أَمانِيَ ) : استثناء منقطع.

والأمانيّ، جمع أمنيّة. وهي في الأصل: ما يقدّره الإنسان في نفسه.

( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) (٧٨): لا علم لهم.

روي أنّ رجلا قال للصّادق(٣) ـ عليه السّلام: إذا كان هؤلاء العوامّ(٤) من اليهود(٥) ، لا يعرفون الكتاب إلا ما يسمعونه من علمائهم، لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمّهم

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٤٢.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الاحتجاج ٢ / ٢٦٣.

(٤) ليس في ر.

(٥) ر: اليهود من العوامّ.

٥٨

بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا؟ يقلّدون علماءهم. فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال ـ عليه السّلام: بين عوامّنا وعلمائنا وبين عوامّ اليهود وعلمائهم، فرق من جهة وتسوية من جهة: أمّا من حيث استووا، فإنّ الله قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذمّ عوامّهم. وأمّا من حيث افترقوا، فلا.

قال: بيّن لي ذلك، يا بن رسول الله! قال ـ عليه السّلام: إنّ عوامّ اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشاء وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات والعنايات والمضايقات.(١) وعرفوهم بالتّعصّب الشّديد الّذي يفارقون به أديانهم. وأنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم.

وعرفوهم يقارفون المحرّمات واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه، فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله. فلذلك ذمّهم لـمّا قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه. ووجب عليهم النّظر بأنفسهم، في أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ كانت دلالته أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر (ص) لهم. وكذلك عوامّ أمّتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظّاهر والعصبية الشّديدة والتّكالب على حطام الدّنيا وحرامها وإهلاك من يتعصّبون عليه. وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا. وبالرّفق(٢) والبر والإحسان على من تعصّبوا له. وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا. فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله تعالى بالتّقليد لفسقة فقهائهم.

وأمّا من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فأنّ من يركب(٣) من القبائح والفواحش، مراكب فسقة فقهاء(٤) العامّة، فلا تقبلوا منهم عنّا(٥) شيئا.

ولا كرامة لهم.(٦)

__________________

(١) المصدر: المضانعات.

(٢) المصدر: بالزخرف.

(٣) المصدر: فانّه من ركب.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: منّا عنه.

(٦) ليس في المصدر.

٥٩

( فَوَيْلٌ ) ، أي: تحسر وهلك.

مصدر. لا فعل له.

( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ ) ، أي: المحرّف.

( بِأَيْدِيهِمْ ) : تأكيد.

( ثُمَّ يَقُولُونَ: هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) ، أي: يحصلوا غرضا من أغراض الدّنيا. فإنّه قليل بالنّسبة إلى عقابهم.

( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) من المحرّف.

( وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٧٩) من الرّشى.

[وفي كتاب الاحتجاج،(١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ ) : إن الأمّيّ، منسوب إلى أمّه، أي: كما هو خرج من بطن أمّه لا يقرأ ولا يكتب.( لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) المنزل من السّماء، ولا المتكلّم(٢) به. ولا يميّزون بينهما،( إِلَّا أَمانِيَ ) ، أي: إلّا أن يقرأ عليهم.

ويقال لهم: إنّ هذا كتاب الله وكلامه. لا يعرفون إن قرئ من الكتاب، خلاف ما هم فيه.( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) ، أي: ما يقرأ عليهم رؤساؤهم، من تكذيب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في نبوّته وإمامة عليّ، سيّد عترته. وهم يقلّدونهم. مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) .

قال ـ عليه السّلام: قال الله تعالى: هذا القوم من اليهود، كتبوا صفة، زعموا أنّها صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وهي خلاف صفته. وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان، أنّه طويل عظيم البدن والبطن، أهدف، أصهب الشّعر.

ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخلافه. وهو يجيء بعد هذا الزّمان، بخمسمائة سنة. وإنّما أرادوا بذلك، لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم. وتدوم لهم إصاباتهم. ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخدمة عليّ ـ عليه السّلام ـ وأهل خاصّته.

فقال الله ـ عزّ وجلّ:( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ. وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) » من هذه الصّفات المحرّمات المخالفات، لصفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ الشّدة لهم من العذاب، في أسوء بقاع جهنم. وويل لهم الشّدّة من العذاب، ثانية مضافة

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٢٦١.

(٢) المصدر: لا المتكذّب.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216