الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63479 / تحميل: 5982
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فدك والحسنان عليهما‌السلام :

لقد توفي الرسول الإعظم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحدث بعده ماحدث ، من استئثار أبي بكر بالأمر ، وإقصاء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن محله الطبيعي ، الذي أهَّله الله سبحانه وتعالى له

ثم تعرضت فاطمة الزهراء ، بنت النبي الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة حتى ما كان النبي صلى عليه وآله وسلم قد ملكها إياها في حال حياته ومنه : « فدك » وجرت بينها وبين أبي بكر مساجلات ، واحتجاجات حول هذا الموضوع. وطلبوا منها : أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدعيه

فجاءت بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبالحسنين الزكيينعليهما‌السلام ، وبأم أيمن.

ولكن أبا بكر رد الشهود ، ورفض إرجاع حقها إليها كما هو معروف.

قال شريف مكة :

ثم قالت : فنحلـة لـي مـن وا

لدي المصطفـى ، فلـم ينحـلاهـا

فأقامت بهـا شهـوداً ، فقالـوا

بعلهـا شـاهـد لهـا وابنـهـا(١)

__________________

١ ـ راجع في كل ما تقدم ، ولا سيما بالنسبة للاستشهاد بالحسنينعليهما‌السلام : المسترشد في إمامة علي بن أبيعليه‌السلام ص ١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٨ ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٧ والصواعق المحرقة ص ٣٥ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٦٩ وسيرة الأئمة الاثني عشر ج ١ ص ١٢٩ و١٣٠ عن الصواعق المحرقة ، وعن شرح المواقف ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٣٨ عن المواقف ، وفدك للقزويني ص ١٦ و ١٧ ومكاتيب

=

٦١

وهكذا فإن الزهراء البتول صلوات الله وسلامه عليها ، وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير وغيرها ، والتي لم تكن لِتُصدر ، ولا لِتوردَ إلاَّ وفق الشرع الإسلامي الحنيف ، قد استشهدت بالحسنين الزكيينعليهما‌السلام بمرأى، وبمسمع ، وبتأييد ورضى من سيد الوصيين ، أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فلقد رأيا فيهما الأهلية لأداء الشهادة في مناسبة كهذه ، مع أنهما كانا آنئذٍ لا يتجاوز عمرهما السبع سنوات ، فإعطاؤهما دوراً بارزاً في قضية مصيرية وخطيرة كهذه ، لم يكن أمراً عفوياً ، ولا منفصلاً عن الضوابط التي تنظم مواقف أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وإنما كان امتداداً لمواقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منهما ، في مجال إعدادهما ، ووضعهما في مكانهما الطبيعي على المستوى القيادي للأمة.

هذا ولا يجب أن نقلل من أهمية هذه القضية على اعتبار أنها ترتبط بحق مالي ، وليست ـ كالبيعة ـ عقداً يشترط فيه البلوغ ، مع ملاحظة : أن سنهما حين الشهادة كان يفوق ما كان لهما من السن حين البيعة(١)

لا يجب أن نتخيل ذلك فإن الشهادة يعتبر فيها البلوغ أيضاً ، والعقل كما أن سنهما حينئذٍ كان ـ كما قلنا ـ لا يصل إلى الثمان سنوات أضف إلى ذلك : أن الاستشهاد بالحسنين ، وبعلي ، وبأم أيمن التي شهد لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنها من أهل الجنة ، إنما كان ، كما يقول السيد هاشم معروف الحسني رضوان الله تعالى عليه :

__________________

= الرسول ج ٢ ص ٥٧٩ عن المسعودي ، والحلبي ، وابن أبي الحديد ومالكيت خصوصي ( زمين ) للأحمدي ص ١٣٢ عن أكثر من تقدم وعن جامع أحاديث الشيعة ج ٨ ص ٦٠٦ والتهذيب ، والبحار ج ٨ ص ١٠٨ عن كشكول العلامة.

وإنما ذكرنا هنا خصوص المصادر التي ذكرت الحسنينعليهما‌السلام في القضية. وإلا فإن مصادر أصل النزاع فيما بين الزهراء وبين أبي بكر والهيئة الحاكمة كثيرة جداً ، لا مجال لتتبعها..

١ ـ راجع : فدك للقزويني ص ١٦ و١٧.

٦٢

« لكي تسجل على القوم رداً صريحاً لنصوص الرسول فيه ، وفي ولديه. على أنها لو أحضرت عشرين شاهداً من خيرة الصحابة لم يكن مستعداً للقضاء لها بما تطلب بل كان على ما يبدو من سير الأحداث مستعداً لأن يعارض شهادتهم بعشرات الشهود ، كما عاض شهادة علي وأم أيمن ، بشهادة عمر ، وعبد الرحمن بن عوف ، كما نصت على ذلك رواية شرح النهج السابقة الخ »(١) .

ولقد صدق الحسني رحمه الله تعالى فيما قال ، ويؤيد ذلك ، بل يدل عليه ، ما ورد :

« عن عمر : لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جئت أنا وأبو بكر إلى علي ، فقلنا : ما تقول فيما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال : نحن أحق الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : فقلت : والذي بخيبر

قال : والذي بخيبر.

قلت : والذي بفدك؟

قال : والذي بفدك.

قلت : أما والله ، حتى تحزوا رقابنا بالمناشير ، فلا »(٢) .

الخطة العجيبة :

إنه بعد أن أقصِيَ علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن مركزه الذي جعله الله تعالى له وكان ما كان مما هو معروف ومشهور فإن سياسة الحكم المتغلب الجديد ثم من جاء بعدهم. كانت تستهدف قضية الإمامة من ناحيتين :

__________________

١ ـ سيرة الأئمة الاثني عشر ج ١ ص ١٣٠.

٢ ـ مجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٠.

٦٣

الناحية الأولى : بعث اليأس في نفوس خصوم الحكم ، وبالأخص في نفس شخص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الذي يعتبرونه أقوى منافس ، بل المنافس الوحيد لهم ، وبالتالي في نفوس الهاشميين جميعاً ، والقضاء على كل أثر من آثار الطموح والتطلع إلى هذا الأمر لديهم حيث إنهم كانوا يرون ـ حسب فهمهم وتقديراتهم الخاطئة : أن المسألة لا تعدو عن أن تكون مسألة شخصية ، ترتبط بشخص عليعليه‌السلام ، ورغبة نفسية جامحة لديه ، أذكاها النبي الأكرم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تصريحاته ومواقفه المتكررة ، التي كانت تهدف لتكريس الأمر لصالح أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام

صحيح أنه قد كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ذرو من قول ـ على حد تعبير عمر ـ وتصريحات كثيرة ، ولكن ما الذي يمنع من مخالفته ، ما دام أنه لم يكن أكثر من زميل لهم وقرين ، على حد تعبيرهم(١)

كما أن شريحاً النميري الذي كان عامل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعامل أبي بكر ، قد جاء إلى عمر بكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذه عمر ، ووضعه تحت قدمه ، وقال : لا ، ما هو إلا ملك انصرف(٢) .

نعم وإن تلك الرغبة يمكن سلوها ، وصرف النظر عنها ، ثم اليأس منها مع مرور الأيام ، ومع رؤية تمكن الآخرين ، وإحكام أمرهم ، قوة سلطانهم

ومما يشهد لما ذكرناه : سؤال عمر لابن عباس : كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر.

__________________

١ ـ فقد قال عمر ، حينما أخبروه : أن الناس يعيبون عليه أنه ينهر الرعية ، ويتصرف ببعض الأحكام : « أنا زميل محمد ». راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٩١ ط الاستقامة. وراجع : الفائق ج ٢ ص ١١.

وتفسير ذلك ، بأنه كان قد زامله في غزوة قرقرة الكدر. ـ كما ذكره الطبري والزمخشري ـ لا ينسجم مع طبيعة الموقف ، وما يريد عمر إظهاره في هذا المجال ، رداً على اعتراضاتهم عليه بأنه يغير بعض الأحكام وسيأتي : أنهم كانوا يرون لأنفسهم حق التغيير في الأحكام بل وحق التشريع أيضاً ، فانتظر

٢ ـ راجع : تاريخ المدينة ، لابن شبّة ج ١ص ٥٩٦.

٦٤

قلت : خلفته يلعب مع أترابه.

قال : لم أعن ذلك ، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت.

قلت : خلفته يمتح بالغرب(١) ، على نخيلات فلان ، وهو يقرأ القرآن.

قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها : هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟

قلت : نعم.

قال : أيزعم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نص عليه؟

قلت : نعم وأزيدك : سألت أبي عما يدعيه ، فقال : صدق.

فقال عمر : لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ذرو من قول(٢) ، لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه : أن يصرِّح باسمه ، فمنعت من ذلك ، إشفاقاً ، وحيطة على الإسلام. لا ، ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبداً الخ »(٣) .

وفي هذه القضية مواضع هامة ، ينبغي التوقف عندها ملياً ، ومحاكمتها محاكمة موضوعية وعميقة ، ولا سيما قول عمر أخيراً : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ذرو من قول ، لا يثبت حجة الخ » فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استعمل مختلف الأساليب البيانية لتأكيد هذا الأمر وتثبيته : من التصريح ، والتلميح ، والكناية ، والمجاز ، والحقيقة ، والقول والفعل ، وحتى لقد أخذ البيعة له منهم في مناسبة « الغدير » ولو أردنا جمع ما وصل إلينا من

__________________

١ ـ الغرب : الدلو.

٢ ـ ذرو : أي طرف.

٣ ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٢ ص ٢٠ / ٢١ عن كتاب أحمد بن أبي طاهر في كتابه تاريخ بغداد ، مسنداً. وراجع ج ١٢ ص ٧٩ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ٤٩ ، وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٩٨ و ج ٧ ص ١٨٨ وبهج الصباغة ج ٦ ص ٢٤٤ وج ٤ ٣٨١ ، والبحار ط كمباني ج ٦ ص ٢١٣ و ٢٦٦ و ٢٩٢ ، وناسخ التواريخ ، المجلد المتعلق بالخلفاء ص ٧٢ / ٨٠ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٦٢٠. وقد ذكر المحقق العلامة الأحمدي مساجلات عمر مع ابن عباس في كتابه القيم : مواقف الشيعة مع خصومهم فلتراجع ثمة مع مصادرها.

٦٥

كلماتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواقفه في هذا السبيل لا حتجنا إلى مجلدات كثيرة وكبيرة ، ولتعذر استيعابه في مدة طويلة ولكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد في مرضه الأخير : أن يسجل ذلك في كتاب لا يمكن المراء فيه ، وليقطع دابر الخلاف من بعده

ولكن اتهامه بالهجر والهذيان ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالذات ، قد جعل ذلك بلا جدوى ، ولا فائدة ، بل جعله سبباً في المزيد من الاختلاف والتشاجر ، والتمزق والتدابر ، فكان لا بد من تركه ، والانصراف عنه(١)

وقد صرح عمر نفسه لابن عباس : بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يصرِّح باسم عليعليه‌السلام في ذلك الكتاب ، وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله تعالى ، ولم ينفذ مراد رسوله. أو كل ما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان(٢) ؟!

وقد ادعى عمر : أنه إنما منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابة الكتاب حيطة على الإسلام(٣)

وذلك عجيب حقاً؟! وأي عجيب!! فهل صحيح : إنه قد فعل ذلك من أجل ذلك؟ أم أنه قد كان وراء الأكمة ما وراءها؟!

وكيف يمكن أن نوفق بين دعواه هذه ، وبين نسبته ذلك آنفاً لإرادة الله سبحانه ، وقوله : « أو كلما أراد رسول الله صلى عليه وآله وسلم كان »؟!.

وهل يمكن أن نصدق : أن غيرته على الإسلام أكثر من غيرة نبيِّ الإسلام نفسه عليه؟!

__________________

١ ـ راجع بعض مصادر ذلك في مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٦١٨ ـ ٦٢٦ وكتاب دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٦٣ ـ ٧٠ والنص والإجتهاد ص ١٥٥ ـ ١٦٥ والمراجعات ص ٢٤١ ـ ٢٤٥.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٧٨ / ٧٩.

٣ ـ نفس المصدر ج ١٢ ص ٧٩.

٦٦

أم أنه قد أدرك بنظره الثاقب ، وفكره الوقاد ما لم يستطع إدراكه سيد ولد آدم ، وإمام الكل ، وعقل الكل ، ومدبر الكل؟!.

وهل غيرته على الإسلام تبرر له اتهام النبي الأكرم صلى عليه وآله وسلم بالهجر والهذيان؟! إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا مجال لها هنا

ومما يدل على على أن السياسة كانت تتجه نحو إبعاد عليعليه‌السلام عن الساحة ، بحيث كان الناس يعرفون ذلك ، ويدركونه وكانوا مطمئنين إلى استبعاده من هذا الأمر وكانوا لا يرون حتى دخوله في جملة المرشحين له ما رواه عبد الرزاق ، من أن عمر قال لأحد الأنصار : « من ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال : فعدد رجالاً من المهاجرين ، ولم يسمِّ علياً ، فقال عمر : فما لهم من أبي الحسن؟ فوالله ، إنه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحق »(١) .

وبعد ذلك كله فإنه يحتج لعمله ذاك ـ أعني تنظيم قضية الشورى ـ بأنه لا تجتمع عليه ـ أي على عليعليه‌السلام ـ قريش، أو أن قومه أبوه ، أو غير ذلك(٢) .

لكن لماذا لا تجتمع قريش وقومه عليه؟. ولماذا وكيف اجتمعوا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، مع أنه هو السبب الأول والأخير في كل ما أتاه إليه؟!.

وإذا كانوا مؤمنين ومسلمين ، فلماذا لا يقبلون بحكم الإسلام ، ولا ينقادون إليه؟!.

وإذا لم يكونوا كذلك ، فما الذي يضر لو خالفوا؟ وما المانع من جهادهم والوقوف في وجههم جينئذٍ ، كما جاهدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل ، وجاهدهم أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه بعد ذلك؟!

__________________

١ ـ المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٤٤٦.

٢ ـ راجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٠ و ٨٢ و ٨٤ و ٨٥ و ٨٦.

٦٧

أما الذي نريد الاستشهاد به , والإلفات إليه هنا ، فهو سؤال عمر لابن عباس : إن كان قد بقي شيء من أمر الخلافة في نفس عليعليه‌السلام فإن ذلك يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً ، من أن الهيئة الحاكمة كانت تهتم في أن ينسى وييأس عليَّعليه‌السلام من أمر الخلافة نهائياً

ولكنهم غفلوا عن أن تصدي علي والأئمة من ولدهعليهم‌السلام لهذا الأمر ، لم يكن إلا من أجل أنه مسؤولية شرعية ، وتكليف إلهي ، لا يمكن التسامح فيه ، ولا التخلي عنه وليس لهم اي خيار فيه تماماً كسائر التكاليف الشرعية الأخرى ، وإن كان هو يزيد عليها من حيث خطورته ، وأهميته القصوى

الناحية الثانية : تهيئة الأجواء لتمكين الحكم وتكريسه في غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وخلق العوامل والظروف التي لا تسمح بوصول أمير المؤمنين ، ولا أي من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام إلى الخلافة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. وتكريس الحكم فيمن يرغبون بتكريسه فيهم وقد تمثل ذلك في تدبيرات سياسية عدة ، من شأنها أن تجعلهم يطمئنون إلى نجاحهم فيما يرمون إليه

ونذكر من ذلك على سبيل المثال :

ألف : على صعيد العمل السياسي ، نجد أنهم :

عدا عن أنهم قد أبعدوا كل من له هوى في عليعليه‌السلام عن مراكز النفوذ(١) كما جرى لخالد بن سعيد بن العاص وكحرمانهم الأنصار ، الذين كان لهم هوى في أمير المؤمنين ، وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من المراكز الحساسة ، بل وحرمانهم من أبسط أنواع الرعاية(٢) .

__________________

١ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٥١ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٣ والمصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٤٥٤ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٠ / ٢١ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ٧٠.

٢ ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ٣ ص ١٥٠ حتى

=

٦٨

وعدا عن أنهم قد استخدموا المال في محاولة منهم لإسكات المعترضين. كما هو الحال في قضيتهم مع أبي سفيان الذي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أرسله ساعياً ، فقدم بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجلب عليهم ، فقال عمر لأبي بكر : « إن أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدع له ما في يده ، فتركه ؛ فرضي »(١) .

كما أنه حينما كان أبو سفيان في أوج غضبه وثورته عليهم ، أخبروه : بأن أبا بكر قد ولى ابنه ، فانقلب في الحال رأساً على عقب ، وقال : « وصلته رحم »(٢) .

و « لما اجتمع الناس على أبي بكر ، قسم بين الناس قسماً ، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا؟ قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء ، قالت : أتراشوني عن ديني؟ قالوا : « لا »! ثم تذكر الرواية رفضها لذلك المال(٣) .

ثم حاول عثمان بعد ذلك أن يرشو ابن أبي حذيفة بالمال ، كما ذكره المؤرخون(٤) .

وعن عليعليه‌السلام في إشارة صريحة منه إلى ذلك : « خذوا العطاء ما كان طعمة ، فإذا كان عن دينكم ، فارفضوه أشد الرفض »(٥) .

وليراجع كتابنا دراسات وبحوث ج ١ في بحث « أبو ذر اشتراكي ، أم شيوعي ، أم مسلم » للإطلاع على المحاولات العديدة لرشوته من قبل الهيئة الحاكمة.

__________________

= ص ١٥٥ و ٢١٧ / ٢١٨. وراجع أيضاً : تاريخ الأمم والملوك ط أورباج ١ /٦ /٣٠٢٦.

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٤٤ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٩ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١١٧ والغدير ج ٩ ص ٢٥٤ عن العقد الفريد ج ٢ ص ٢٤٩.

٢ ـ تاريخ الطبري ط الاستقامة ج ٢ ص ٤٤٩ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٣٩.

٣ ـ حياة الصحابة ج ١ ص ٤٢٠ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٣٠.

٤ ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٣ ص ٣٨٨.

٥ ـ كنز العمال ج ٤ ص ٣٨٢.

٦٩

نعم ـ إنه عدا عن ذلك كله ـ فإننا نجدهم يُحْكمون أمورهم بعد حوادث السقيفة ، ولا يفسحون المجال لأية مناورة أو مبادرة ، من أي كان ، ومن أي نوع كانت

فنجد أبا بكر يوصي بالأمر إلى عمر بن الخطاب بعده ، ثم هو يبدأ خطة التمهيد للأمويين ، حيث إنه وهو في مرض الموت ، وقد جاء بعثمان ليكتب له وصيته ـ فأغمى على أبي بكر ، فكتب عثمان اسم عمر في حال غشية وغيبوبة أبي بكر(١) ، فلما أفاق وعلم بذلك قال : « لو تركته ما عدوتك » أو ما هو بمعناه(٢) . أو قال له : « والله ، إن كنت لها لأهلاً » وبتعبير مصعب الزبيري : « أصبت يرحمك الله ، ولو كتبت اسمك لكنت لها أهلاً »(٣) .

ولم نجد أحداً يعترض على صحة خلافة عمر بأن اسمه قد كتب حال إغماء ابي بكر ، في مرض موته ، ولم يصر على ذلك سبباً للفتنة ، مع أنهم يقولون : إن نسبة الهجر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرض موته ، لمنعه عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده كانت في محلها ، لأن ذلك كان سوف يثير فتنة!! فسبحان الله ، كيف صارت باؤهم تجر ، وباء الله ورسوله لاتجر.

ونستطيع أن نلمح في هذه الحادثة قدراً من التفاهم فيما بين أبي بكر وعثمان وإن كنا نجد هذا التفاهم أكثر وضوحاً وعمقاً فيما بين أبي بكر وعمر. والشواهد على ذلك كثيرة جداً ، بل لقد صرح أبو بكر نفسه بذلك لعبد الرحمن بن عوف حينما شاوره في استخلاف عمر ، فذكر له غلظته ، فقال أبو بكر : « ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو قد أفضى الأمر إليه ترك كثيراً مما هو عليه ، وقد رمقته إذا ما غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له

__________________

١ ـ راجع : المراجعات ودلائل الصدق ، والنص والاجتهاد ، وغير ذلك.

٢ ـ راجع : تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٨ والكامل لابن الأثير ج ٢ص ٤٢٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١٦٤ ، وسيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٣٥٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥ عن طبقات ابن سعد ، وعن كنز العمال ج ٣ ص ١٤٥.

٣ ـ راجع : نسب قريش ص ١٠٤ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٩٨ و ٣٩٩ عن اللالكائي ، وابن سعد ، والحسن بن سفيان في جزئه ، وابن كثير ، وصححه.

٧٠

أراني الشدة عليه »(١) .

وحينما تولى عمر بن الخطاب الأمر نجده يسير على نفس هذا الخط أيضاً ، ويعتمد نفس ذلك النهج ، وهو التمهيد المدروس لبني أمية

ونذكر على سبيل المثال ذلك التدبير الذكي والدقيق لقصة الشورى. وذلك بحيث يطمئن وفقاً لمحاسبات دقيقة إلى أن الذي سيفوز بالأمرهو عثمان ، وعثمان فقط ولو فرض جدلاً إخفاقه في ذلك ، فإن علياًعليه‌السلام لن يكون هو الفائز قطعاً وقد كان أمير المؤمنين يعلم بذلك بلا ريب ، كما صرح به هو نفسه لابن عباس ، فور خروجه من الجلسة(٢) .

ومما يدل على أن عمر كان يهتم في تكريس الأمر في بني أمية : أنه كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في وقت خلافته ، فلا يجلس عليه أحد ، إلا العباس بن عبد المطلب(٣) . وأبو سفيان بن حرب وزاد المبرد قوله : « ويقول : هذا عم رسول الله. وهذا شيخ قريش »(٤) .

وأعطى عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص أرضاً في المدينة ، فاستزاده ، فقال له عمر : « حسبك. واختبىء عندك : أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ، ويقضي حاجتك.

قال : فمكث خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان ، وأخذها عن شورى ورضى ، فوصلني ، وأحسن ، وقضى حاجتي »(٥) .

وحينما أعتق عمر سبي العرب اشترط عليهم خدمة الخليفة

__________________

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٦٤ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٣.

٢ ـ البحار ط قديم ج ٨ ص ٣٣٠. وليراجع كلام المعتزلي في شرح النهج ج ١.

٣ ـ لعله يريد أن يخلق شخصيات أخرى من بني هاشم لا خطر منهم على الحكم ـ وذلك في مقابل عليعليه‌السلام .

٤ ـ راجع العقد الفريد ج ٢ ص ٢٨٩. والكامل للمبرد ج ١ ص ٣١٩.

٥ ـ طبقات ابن سعد ج ٥ ص ٣١ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ ص ٣٨٩ / ٣٩٠.

٧١

بعده ثلاث سنين(١) .

وعن أبي ظبيان الأزدي قال : قال لي عمر بن الخطاب : ما مالك يا أبا الظبيان؟ قال : قلت : أنا في ألفين : قال فاتخذ سائماً ، فإنه يوشك أن يجيء اغيلمة من قريش يمنعون هذا العطاء »(٢) .

وحتى بالنسبة لعمرو بن العاص ، نجد عمر بن الخطاب يقول : « ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميراً »(٣) .

وبعد ذلك كله فقد قال معاوية لابن حصين : « إنه لم يشتت بين المسلمين ، ولا فرق أهواءهم ، ولا خالف بينهم إلا الشورى ، التي جعلها عمر إلى ستة نفر إلى أن قال : فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه. وتطلعت إلى ذلك نفسه »(٤) .

وأخيراً فإننا نجد عمر يستشير كعب الأحبار فيمن يوليه الأمر بعده (!!) حسبما يجدونه في كتبهم (!!) فينفي كعب أن يصل إليها عل ووُلْدُه ، ويؤكد على انتقالها بعد الشيخين إلى بني أمية ، فيصدق عمر ذلك ، ويستشهد له بما ورد عن النبي في شأن بني أمية(٥) .

ب : التمهيد لبعض الناس :

لقد كان ثمة تركيز خاص من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على

__________________

١ ـ المصنف لعبد الرزاق ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ و ج ٩ ص ١٦٨ وراجع المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص ١١٥.

٢ ـ جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٨.

٣ ـ فتوح مصر وأخبارها ص ١٨٠ والإصابة ج ٣ ص ٢ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٧٠ وفي هامشه عن ابن عساكر ج ١٣ ص ٢٥٧ : ب.

٤ ـ العقد الفريد ج ٢ ص ٢٨١.

٥ ـ راجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨١ ، فإنها قضية هامة. وليراجع أيضاً الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٨٧ و ٨٨ فإنها قضية هامة أيضاً.

٧٢

معاوية بن أبي سفيان ، واهتمام كبير بتأهيله للخلافة ، وتهيئة الأجواء له ، رغم أنه كان من الطلقاء ويكفي أن نذكر هنا :

أنه أبقاه على ولاية الشام لسنوات عدة ، من دون أن يعرضه في كل عام لتلك الحسابات الدقيقة ، التي كان يتعرض لها عماله في سائر الأقطار(١) ، والتي كانت ربما تصل في كثير الأحيان إلى حد الإهانة ، والمس بالكرامة ، مع أنه كان لا يولي أحداً أكثر من عامين(٢) .

وحينما يطلب منه معاوية : أن يصدر له أوامره لينتهي إليها ، يقول له : لا آمرك ولا أنهاك(٣) .

هذا بالإضافة إلى أمور أخرى يراها ويعرفها عنه ، ويغضي عنها ، كتعامل معاوية بالربا ، وغير ذلك.

وحول تظاهر معاوية بالقبائح راجع : دلائل الصدق(٤) للمظفر رحمه الله تعالى

وقد ذُمَّ معاوية مرة عند عمر ، فقال : دعونا من ذم فتى قريش ، من يضحك في الغضب الخ(٥)

وكان يجري عليه في كل شهر ألف دينار. وفي رواية أخرى : في السنة عشرة آلاف دينار ، ومع ذلك يزعمون : أن عمر حج سنة عشر من خلافته ، فكانت نفقته ستة عشر ديناراً ، فقال : أسرفنا في هذا

__________________

١ ـ دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٢٠٩ و ٢١١. وراجع النص والاجتهاد ص ٢٧١.

٢ ـ التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٦٩.

٣ ـ دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٢١٢ عن الطبري ج ٦ ص ١٨٤ وعن الاستيعاب وراجع : العقد الفريد ج ١ ص ١٤.

٤ ـ دلائل الصدق للمظفر ج ٣ قسم ١ ص ٢١٢ و ٢١٣ عن مسند أحمد ج ٥ ص ٣٤٧ وعن المعتزلي ج ٤ ص ٦٠.

٥ ـ الاستيعاب بهامش الأصابة ج ٣ ص ٣٩٧ ، ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٢١١ وفي العقد الفريد ج ١ ص ٢٥ نسبة هذه الكلمات إلى عمرو بن العاص في معاوية.

٧٣

المال(١)

وقال فيه عمر : « إحذروا آدم قريش، وابن كريمها ، من لا ينام إلا على الرضا ، ويضحك في الغضب ، ويأخذ ما فوقه من تحته »(٢) .

وكان عمر إذا نظر إلى معاوية يقول : هذا كسرى العرب(٣) .

وقال مرة لجلسائه : تذكرون كسرى وقيصر ، ودهاءهما ، وعندكم معاوية(٤) ؟!.

وفي محاولة لفتح وإذكاء شهية معاوية للخلافة ، نجده يقول : إياكم والفرقة بعدي ، فإن فعلتم ، فاعلموا : أن معاوية بالشام ، فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم » أو « وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم »(٥) .

ويقول لأهل الشورى : « إن تحاسدتم ، وتقاعدتم ، وتدابرتم ، وتباغضتم ، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان وكان معاوية يومئذ أمير الشام من قبل عمر »(٦) .

وفي نص آخر : أنه قال لأهل الشورى : « إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام ، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً إلا بسابقتكم »(٧) .

__________________

١ ـ دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٢١٢ عن تاريخ الخلفاء ، والصواعق المحرقة في سيرة عمر.

٢ ـ عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٩.

٣ ـ الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٣٦٩ / ٣٩٧ وفيه أنه كان إذا دخل الشام ، ونظر إليه ، قال ذلك ، والإصابة ج ٣ ص ٤٣٤ وأسد الغابة ج ٤ ص ٣٨٦ ، والغدير ج ١٠ ص ٢٢٦ عنهم ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٢١٢ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٣٤ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥.

٤ ـ الفخري في الآداب السلكانية ص ١٠٥.

٥ ـ الإصابة ج ٣ ص ٤٣٤ والبداية والنهاية.

٦ ـ راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٨٧ ، والنص والاجتهاد هامش ص ٢٨١ عنه.

٧ ـ كنز العمال ج ٥ ص ٤٣٦ عن ابن سعد.

٧٤

هذا وقد احتج عثمان على أمير المؤمنينعليه‌السلام حينما طلب منه أن يعزل معاوية : بأن عمر هو الذي استعمله(١) كما واحتج معاوية نفسه على صعصعة ، وعلى صلحاء الكوفة بتولية عمر له أيضاً(٢) الأمر الذي يعني : أن قول عمر كان قد أصبح كالشرع المتبع ، كما أوضحناه في بحثنا حول الخوارج.

وبعد فإننا نرى : أن كعب الأحبار يلوح بالخلافة لمعاوية في عهد عثمان(٣) كما أن معاوية نفسه يصرح : بأنه قد دبر الأمر من زمن عمر(٤) .

ج : التمييز العنصري :

وإن سياسة التمييز العنصري ، التي انتهجها الحكام آنئذٍ فرووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تفضيل قريش على غيرها ، وأن الخلافة في قريش واستثنوا بني هاشم(٥) حيث لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ، وإن كان عمر قد ناقض نفسه في ذلك ، بإشراك عليعليه‌السلام في الشورى.

ثم كان التمييز بالعطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم في ذلك.

ثم كان التمييز العنصري في الإرث ، وفي الزواج ، وفي العتق ، وفي

__________________

١ ـ أنساب الإشراف ج ٥ ص ٦٠ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ١٤٣ والغدير ج ٩ ص ١٦٠ عنهما وعن تاريخ الطبري ج ٥ ص ٩٧ وعن الكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٦٣ ، وعن تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٨. والنصائح الكافية ص ١٧٤ عن الطبري.

٢ ـ الغدير ج ٩ ص ٣٥ عن المصادر التالية : تاريخ الطبري ج ٥ ص ٨٨ ـ ٩٠ والكامل لابن الاثير ج ٣ ص ٥٧ ـ ٦٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٥٨ ـ ١٦٠ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٩ وأبو الفداء ج ١ ص ١٦٨.

٣ ـ البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٧.

٤ ـ الأذكياء لابن الجوزي ص ٢٨.

٥ ـ مع أن القضية كانت على عكس ذلك تماماً.

٧٥

الصلاة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه(١) .

____________

١ ـ راجع حول كل ما يرتبط بتفضيل قريش ، والعرب ، والتمييز العنصري البغيض ، المصادر التالية :

لطف التدبير ص ١٩٩ والمسترشد في الإمامة ص ١١٥ والفائق للزمخشري ج ٢ ص ٣٥٣ ، وتلخيص الشافي ج ٤ ص ١٤ والمعرفة والتاريخ ج ٢ ص ٤٨٣ ومحاضرات الراغب ج ١ ص ٣٥١ و ج ٣ ص ٢٠٨ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٣٣٠ و ٢٦٨ / ٢٦٩ والمحاسن والمساوي ج ٢ ص ٢٧٨ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦ والإلمام ج ١ ص ١٨٦ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٠ و ٢١ و ٣١٣ و ج ١ ص ٢٠٥ و ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٢٥ و ٣٣١ و ٤٤٤ والعقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢ ـ ٤١٨ و ج ٢ ص ٢٣٣ وربيع الأبرار ج ١ ص ٧٩٦ و ٨١٠ و ٤٠٢ والأوائل ج ٢ ص ٦١ والموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج ٢ ص ٦٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٣ و ١٥٤ والهدى إلى دين المصطفى ج ٢ ص ٣١٦ ـ ٣١٧ ولسان الميزان ج ١ ص ٤٠٦ و ٣٥٤ وكتاب بغداد لطيفور ص ٣٨ وكشف الأستار ج ١ ص ٥١ و ج ٢ ص ١٦١ و ٢٢٧ و ٢٩٢ حتى ٢٩٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥ و ١٩٢ و ج ٦ ص ٣ و ج ١ ص ٨٩ و ج ١٠ ص ٣٢ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٧٥ والمجروحون ج ١ ص ١٢٩ والخراج لأبي يوسف ص ٤٥ ـ ٥٠ والغدير ج ٦ ص ١٨٧ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ و ٢٣٠ حتى٢٣٣ و ٤١٣ و ٤١٥ و ٤٤٧ و ٧٥٣ و ٧٥٤ و ٨٠١ و ج ٣ ص ٤٨٨ عن الطبري ج ٥ ص ١٩ و ٢٣ وعن كنز العمال ج ٣ ص ١٤٨ و ج ٢ ص ٢١٥ و ٢١٩ وعن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ وعن ابن سعد ج ٣ ص ١٢٢ و ٢١٢ و ٢١٦ وعن مصادر أخرى. وميزان الاعتدال ج١ ص٢٣٠ والإيضاح لابن شاذان ص ١٨٧ والمنار المنيف ص ١٠١ وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٢ ص ١٤١، وشرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ١٠٩ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٤ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٣ و ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة والمصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٤٤١ و ٤٩٦ و ٤٩٧ و ٤٧٤ و ٤٧٦ و ج ١١ ص ٥٥ و ٥٦ ق و ٥٨ و ٣٢٥ و ٨٦ و ٤٣٩ و ج ١٠ ص ١٠٣ و ١٠٤ و ٣٠٢ و ٣٠٠ و ٣٠١ و ج ١ ص ٤١١ و ج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ و ج ٦ ص ٤٧ و ج ٤ ص ٤٨٥ و ج ٨ ص ٣٨٠ وفي هوامشه عن مصادر كثيرة وكنز العمال ص ٢٠٦ وطبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١١٧ و ج ٣ قسم ١ ص ٢١٩ ط ليدن و ط صادر ج ٢ ص ٣٨٨ و ج ٣ ص ٣٤٩ و ٣٣٨ و ٣٤٥ و ٢٩٣ و ٣٣٧ وقضاء أمير المؤمنين للتستري ص ٢٦٣ و ٢٦٤ و ٢٦٥. وثمة كتب أخرى قد تعرضت لبحث هذا الموضوع ولبحث موضوع القومية والقوميات ، لا بأس بمراجعتها

وقد ذكرنا طائفة من النصوص مع مصادرها في كتابنا : سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ، فراجع.

٧٦

ولعل سياسة عمر في العطاء هي التي جعلته يمتدح عدله ـ أي عدل نفسه ـ حتى لقد قال : « إني تعلمت العدل من كسرى. وذكر خشيته وسيرته »(١) .

وإن صح هذا ، فيرد سؤال : إنه لماذا تعلم ذلك من كسرى؟ وَلِمَ لَمْ يتعلمه من النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!!. وأية خشية كانت لدى كسرى؟! وأية سيرة له أعجبته ، فقاس عليها عمل نفسه؟!.

أما سياسة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد كانت على العكس من ذلك تماماً.

ولم يكن يفضل أحداً على أحد ، حيث لم يكن يرى لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق(٢) ولم يكن يميز أحداً على أحد ، لا في العطاء ولا في غيره. وقد أشير عليه بأن يفعل ذلك ، فرفض ، حيث إنه لم يكن ليطلب النصر بالجور(٣)

وفي مناسبة أخرى ، في مقام التدليل على أنهعليه‌السلام يسير فيهم بسيرة الإسلام قالعليه‌السلام : « أرأيتم لو أني غبت عن الناس منكان يسير فيهم بهذه السيرة »(٤)

وقد كتب ابن عباس للإمام الحسنعليه‌السلام : « وقد علمت أن أباك علياً إنما رغب الناس عنه ، وصاروا إلى معاوية ، لأنه واسى بينهم في الفيء ، وسوى

__________________

١ ـ أحسن التقاسيم ج ١٨.

٢ ـ الغارات ج ١ ص ٧٤ ـ ٧٧ وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٤١ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٣٤٩ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ١١٢ عنه والغدير ج ٨ ص ٢٤٠ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٧ ـ ٢٠٧ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٨٣ والكافي ( الروضة ) ص ٦٩.

٣ ـ الأمالي للمفيد ص ١٧٥ / ١٧٦ ، والأمالي للطوسي ج ١ ص ١٩٧ / ١٩٨ والغارات ج ١ ص ٧٥ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٦ ، ونهج البلاغة بشرح عبده ج ٢ ص ١٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١٩٧ والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥٣ وتحف العقول ص ١٢٦ والكافي ج ٤ ص ٣١ وعن البحار ج ٨ باب النوادر والوسائل ج ١١ ص ٨١ / ٨٢.

٤ ـ المصنف ج ١٠ ص ١٢٤.

٧٧

بينهم في العطاء ، فثقل ذلك عليهم »(١) .

وقال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي : « أنشدك الله ، متى أبغضت علياًعليه‌السلام ، أليس حينما قسم قسماً في الكوفة ، فلم يعطك ولا أهل بيتك؟ قال أما إذا نشدتني ، فنعم »(٢) .

وعل كل حال فإن سياسة أمير المؤمنين في العطاء ، قد كانت من أهم أسباب خلاف الناس عليهعليه‌السلام . والنصوص في ذلك كثيرة(٣) .

ولكن هذه السياسة العادلة قد أثرت على المدى البعيد آثاراً إيجابية كبيرة ، حتى إننا لنجد السودان يثورون على ابن الزبير ، انتصاراً لابن الحنفية والهاشميين.

قال عيسى بن يزيد الكناني : « سمعت المشايخ يتحدثون : أنه لما كان من أمر ابن الحنفية ما كان تجمع بالمدينة قوم من السودان غضباً له ، ومراغمة لابن الزبير ، فرأى ابن عمر غلاماً له فيهم ، وهو شاهر سيفه ، فقال له : رباح؟

قال : رباح. والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا ، فبكى ابن عمر ، وقال : « اللهم إن هذا لذنوبنا »(٤) .

وكان الموالي أيضاً هم أنصار المختار ، وكان ذلك هو السبب في تخاذل العرب عن نصرته ، كما هو معلوم(٥) .

وليراجع كتابنا : سلمان الفارسي في مواجهة التحدي للوقوف على كثير من النصوص ومصادرها ، مما يدخل في نطاق التمييز العنصري ، وآثاره ومناشئه

__________________

١ ـ الفتوح لابن اعثم ج ٤ ص ١٤٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٣ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ٢ ص ٢٦ وعن جمهرة رسائل العرب ج ٢ ص ١.

٢ ـ بهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٧.

٣ ـ راجع بعض النصوص المهمة في بهج الصباغة ج ١٢ ص ١٩٧ ـ ٢٠٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ٣٧ ـ ٤٠.

٤ ـ أنساب الأشراف ج ٣ ص ٢٩٥ بتحقيق المحمودي

٥ ـ راجع : الخوارج والشيعة ص ٢٢٨ و ٢٢٧.

٧٨

د : استبدال أهل البيت عليهم‌السلام بغيرهم :

كما أن مما زاد في تأكيد رفعة شأن قوم ، وخمول ذكر آخرين : أن العرب قد استفادوا كثيراً من تلك الفتوح التي جرت في عهد الخلفاء الثلاثة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان على صعيد التوسعة ، والرفاهية المادية ، وإرضاء المشاعر القومية.

وقد كان ثمة سياسة تهتم بترسيخ الاعتقاد بأن الولاة والأمراء كانوا هم السبب في ذلك كله الأمر الذي ساعد ـ بالإضافة إلى سياسة التمييز العنصري المشار إليها آنفاً ـ على المزيد من التعلق بأولئك الحكام والأمراء ، وحب استمرار حكمهم وسلطانهم ، وعدم الرغبة في التغيير حتى وإن كان ذلك التغيير لصالح القيم والمثل العليا

أضف إلى ذلك : أن الخليفتين الأولين كانا يظهران الزهد في الدنيا ، والانصراف عنها

وقد نتج عن ذلك كله أن علا شأن قوم ، وتألق نجمهم ، وخمل ذكر آخرين ، وخبت نارهم قال أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام : مشيراً إلى ذلك : « إن أول ما انتُقِضنا بعده ، إبطال حقنا في الخمس ، فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا »(١) .

وقالعليه‌السلام : « إن العرب كرهت أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونقرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها. وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته.

__________________

١ ـ أمالي الشيخ المفيد ص ٢٢٤.

٧٩

ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والإ مرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولا ارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً(١) .

ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقه ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً. وقالت : لو لا أنه حق لما كان كذا

ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف »(٢) .

هذا كله بالإضافة إلى السياسة التي كانت تهدف إلى القضاء على أهل البيت ، وإخماد ذكرهم ، وإبطال أمرهم ، ففي صفين ، في قضية ترتبط بإقدام الحسنين ، وابن جعفر على الحرب ، نجد أمير المؤمنينعليه‌السلام يشير إلى أن الأمويين لو استطاعوا لم يتركوا من بني هاشم نافخ نار ـ كما سيأتي ـ.

وقال عمرو بن عثمان بن عفان للإمام الحسنعليه‌السلام : « ما سمعت كاليوم ، إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان إلى أن قال : فياذلاه ، أن يكون حسن وسائر الناس بني عبد المطلب قتلة عثمان ، أحياء يمشون على مناكب الأرض ».

ثم تذكر الرواية اتهام عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بأنه أراد قتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه سم أبا بكر ، وشارك في قتل عمر ، ثم قتل عثمان(٣) .

__________________

١ ـ البازل : الذي فطر نابه.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٩٨ / ٢٩٩.

٣ ـ الاحتجاج ج ١ ص ٤٠٣ والبحار ج ٤٤ ص ٧١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يخصها من الدين (2)

___________________________________________________________

وفي الثانية الميت اذا مات فان لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده وفي الثالثة والرابعه، الرجل اذا ترك سيفاً او سلاحاً فهو لابنه فح لا مجال لتفصيل صاحب الجواهر قدس سره بين ما كان بلفظ الجمع كالثياب فالجميع وبلفظ الواحد فواحد يغلب نسبته اليه ومع التساوي يكون الوارث مخيراً مع احتمال القرعة.

(2) اختلف كلام الاصحاب في انتقال المال في الدين المستغرق للتركة وفي ما يقابل الدين في غير المستغرق الى ورثة الميت بعد عدم المانع من الانتقال في الزائد عما يقابله بل نقل عليه الاجماع فجماعة على الانتقال وفريق آخر على بقائه على ملك الميت وهناك بعض التفصيلات، وكل استند في مختاره الى وجوه وادلة بعد الاجماع بقسميه كما في الجواهر على تعلق الديون بامواله في الجملة وعدم انتقالها الى الديان.

وعمدة مستند الاولين اطلاق بعض آيات الارث كقوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض، وما عن التذكرة من عدم بقاء المال بلا مالك وعدم كونه للغرماء ولا الميت لكون الملك صفة وجودية لا تقوم بالمعدوم كالمملوكية كما لا يدخل في ملكه جديداً، واما قضاء الدين من ديته وما يقع في شبكته بعد موته اعم من ملكيته والاجماع على عدم دخوله في ملك غير الوارث فلا ينتقل الى الله ايضاً بالملكية المتعارفة.

١٢١

وما استند اليه الفريق الثاني ما ذكر من عدم دخوله في ملك الغرماء، والميت قد انقطع ملكه وزال وظاهر الاية المباركه من بعد وصية يوصي بها او دين فملك الوارث انما هو بعد قضاء الدين وصحيحة او موثقة 1 - عباد بن صهيب عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه (لزمه) من الزكاة ثم اوصى به ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له، قال جائز يخرج ذلك من جميع المال، انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما اوصى به من الزكاة وصحيح 2 - سليمان بن خالد عنه عليه السلام قضى اميرالمؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم اذا لم يكن على المقتول دين.

وموثقة 3 - زرارة في العبد المأذون للتجارة فاستدان فمات فاختصم الغرماء وورثة الميت في العبد وما في يده قال عليه السلام ارى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً.

فيكون العبد وما في يده من المال للورثة فان ابوا كان العبد وما في يده من المال ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فان عجز قيمة العبد وما في يده عن دين (اموال)

____________________

1 - ئل 6 الباب 21 ابواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

2 - ئل 17 الباب 10 ابواب موانع الارث الحديث 1.

3 - ئل 13 الباب 31 ابواب الدين الحديث 5.

١٢٢

الغرماء رجعوا الى (على) الورثة فيما بقي سهم ان كان الميت ترك ثلثاً (شيئاً) قال وان فضل (من) قيمة العبد وما (كان) في يده عن دين الغرماء رد على الورثة كما استند ايضاً الى السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء دين الميت، وليس الا لعدم دخوله في ملك الورثة وكونه على حكم مال الميت.

ونوقش في ادلة الطرفين، ففي مستند الاولين بتقييد الايات بالايات الاخر ومنع عدم قابلية الميت للملك والا بقي الكفن ومؤنة التجهيز بلا مالك وهكذا دية الجناية بعد الموت والعين الموصى بدفعها اجرة للعبادة، ويمكن الخدشة كما عن مع صد والتزمه في الثلث الموصى به بانتقالها الى الوارث لازم الصرف الى الجهة الخاصة ولا يتأتى في تركة الحر الذي لا وارث له غير مملوك فيشتري ويعتق ويعطى الباقي واحتمل في الاخير انتقاله الى الامام ثم الشراء والعتق تفضل منه عليه السلام.

وقرر الدليل الشيخ الانصاري قدس سره في ما كتبه والحق ملحقاً ببيعه في الطبع بوجه آخر، ملخصه انه لا ريب في تحقق الوراثة لجميع التركة بعد اداء الدين من الخارج او ابراء الديان او تبرع الاجنبي وليست الوراثة الا انتقال المال من الموروث الى الوارث بلا واسطة، فلو كان المال خارجاً بموت الموروث عن الملكية لم تتحقق الوراثة.

وفي مستند الاخرين باحتمال ظهور الايات في دفع المزاحمة للدين والوصية بالتقسيط بان اللازم تأخر قسمة الارث عنهما وان تقدير السهام بعد الدين والوصية فالمأخذ للارث انما هو بعدهما ولا تعرض

١٢٣

لمالك مقدار الوصية ومقابل الدين فمرجعها ومساقها مساق ما ورد في انه يبدء بالكفن ثم الدين والوصية ثالثاً ثم سهام الارث، وفي الروايات مع الفض عما فيها من اطلاقها لما اذا لم يكن الدين مستوعباً وهو خلاف ما هو المعروف المشهور فاللازم تقييدها اما بالدين المستوعب او تقييد جواز التصرف او استقرار الملك باداء الدين.

كما ان السيرة لو ثبتت فيمكن الالتزام بكون الاصل للوارث ولزوم اداء الدين من ثمرته وكيف كان فالّذي يمكن ان يقال بعد ملاحظة آيات الارث المتقدمة هو انتقال مازاد على الدين والوصية الى الوارث بلا شبهة، واما ما قابلي الدين والوصية في غير المستغرق وفي جميع المال فيه فآيات استثناء الدين والوصية لو ناقشنا في دلالتها وصارت مجملة بلحاظ البعدية فلا اقل من عدم جواز تصرف الوارث قبل الاداء والضمان وتبرع الاجنبي.

واما عدم الانتقال رأساً فلا مقيد للايات المطلقة مثل قولى تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك بل في بعض الروايات دلالة واضحة على الانتقال كصحيحة الحلبي 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام قال من مات وترك ديناً فعلينا دينه والينا عياله ومن مات وترك مالاً فلورثته ومن مات وليس له موالي فماله من الانفال واما الروايات فدلالة موثقة عباد وصحيحة سليمان وموثقة زرارة على عدم انتقال ما قابل الدين والوصية الى الوارث واضحة، نعم اذا ادوا كما في رواية عباد اوضمنوا كما في رواية زرارة فلهم الحق، غاية الامر تقييدها بالمستغرق

____________________

1 - ئل 17 الباب 2 ابواب ضمان الجريرة والامامة الحديث 4.

١٢٤

ونظيرها ما 1 - ورد من ان اول شيء يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وما رواه محمد بن 2 - قيس قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب الله تعالى وح فسواء قلنا بانتقال التركة الى الوارث في المستغرق وغيره ام قلنا ببقائها على ملك الميت فلا يجوز للورثة التصرف في ما قابل الدين والوصية في كلا الموردين.

نعم على الاول يكون المال متعلقاً لحق الديان فلا يجوز التصرف المتلف مطلقاً وغير المتلف مع عدم الاداء والضمان فيكون نظير حق الرهانة وان استشكل استفادة كون حق الغرماء نظيره بعض الاعاظم من اساتيدنا ومما يدل على جواز التصرف في غير المستغرق صحيح البزنطي وموثقة عبدالرحمن بن الحجاج حيث سئل في الأول 3 - عزوجل يموت ويترك عيالا وعليه دين اينفق عليهم من ماله؟ قال عليه السلام ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق وان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال وفي الثاني ان كان 4 - يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم وان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال، فتلخص مما ذكرنا انه على كلا القولين في الدين المستغرق لا يجوز التصرف قبل الاداء اوما هو بمنزلته وظهر وجه ما قاله الماتن قدس سره من قوله فكها المحبو بما يخصها من الدين فان الدين قبل الارث والحبوة من الارث

____________________

1 الى 3 - ئل 13 الباب 28 - 29 كتاب الوصايا الاحاديث 1 - 2.

4 - ئل 13 الباب 29 كتاب الوصايا الحديث 2.

١٢٥

واذا كان مستغرقاً لبعضها (1) كما اذا كان دينه عشرة دراهم وكان مازاد عليها من التركة يساوي ثمانية وقيمة الحبوة اربعة فكها المحبو بدرهمين (2) واذا لم يزاحمها الدين بان كان الدين في الفرض المذكور ثمانية دراهم

___________________________________________________________

لكن لا يخفى انه بناء على الانتقال واما بناء على عدمه قبل اداء الدين فلا يتم كما اختاره المحقق القمي في جامع شتاته بلا فرق بين المستغرق وغيره، بل لوفكها المحبولا ينتقل اليه الا ما يخصه من السهم لووزع على الكل.

(1) قد تقدم الكلام في مقابل الدين والوصية، واما الزائد فلا اشكال في انه ينتقل الى الورثة وهل يجوز لهم التصرف قبل اداء الدين والوصية قيل نعم وقيل لا، ولكن الحق مع المجوزين سواء قلنا بشركة الديان مع الورثة ام لم نقل.

وفي الصورة الأولى وان كانت القاعدة تقتضي منع الوارث من التصرف ولكن روايتا البزنطى وابن الحجاج المتقدمتان تدلان على الجواز، كما ان عدم جواز التصرف في المستغرق اذا لم يكن لاداء الدين والا فلا مانع منه كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

(2) مبني ما اختاره هنا وما تعرض له في الفرض الاتي من قوله بان كان الدين ثمانية او اقل خلصت الحبوة الخ ما اشار اليه في ذيل المسئلة انه مع المزاحمة يقدم الكفن وغيره عليها ومع عدمها تقدم عليه، وفي قباله قول آخر بتقسيط الدين والكفن ومؤنة التجهيز عليها وعلى غيرها بالنسبة وتوزيعها كما اختاره السيد الخوئي والاستاد

١٢٦

العلامة الشاهرودي قدس سره وهو مختار المحقق القمي وارتضاه صاحب الجواهر اواخر كلامه في منع الزوجة من ارث الارض مع اعترافه بكون عمل من عاصرهم على خلافه ولكنه قدس سره قوى في باب الحبوة مختار المصنف واستوجه خروج الدين غير المستغرق والوصية بالمأته مثلا والكفن من غير اعيان الحبوة ترجيحاً لاطلاق ادلتها، ولان تنفيذها من غيرها مشترك ايضاً بين المحبو وغيره من الورثة بخلاف تنفيذها منها فانه خاص بالمحبو وفي المستغرق استظهر تقديمه عليها ترجيحاً لاطلاق ادلته عليها.

وكيف كان فمبنى القولين على تقديم احد الدليلين على الاخر ولا يبعد ما اختاره الماتن لعدم خلو الميت غالباً عن دين غير مستغرق واحتياجه الى الكفن ومؤنة التجهيز فلا بعد في تقديم ادلة الحبوة على ادلتها واختصاص ساير التركة بخروجها منه دون اعيان الحبوة لقوة هذا الظهور بالنسبة الى ظهور التوزيع، فالمال في رواية السكوني ساير التركة غير الحبوة ولا ينافي ذلك جعل الميراث ومنه الحبوة على اثر الوصية التي هي اثر الدين فيها وفي رواية ابن قيس.

لكن مع ذلك لا اطمينان بهذا الظهور بل يمكن ان يقال ان ظاهر قوله في الروايتين ان الميراث بعدها كون الحبوة ايضاً شريكة في توزيع الدين ومؤنة التجهيز عليها، ويدفع هذا الظهور ان النسبة بين ادلة الحبوة ودليل تقديم الكفن والدين والوصية على الميراث عموماً من وجه اذ قد يكون على الميت دين او يحتاج الى الكفن ولا ولد له او يكون انثى اولم يخلف مادة حبوة كما انه قد يكون حبوة

١٢٧

او اقل خلصت الحبوة للمحبو مجاناً وكذا الحكم (1) في الكفن وغيره من مؤنة التجهير فمع مزاحمته لها او لبعضها يقدم عليها ومع عدم المزاحمة تقدم عليه فيجهز الميت من غيرها.

(مسئلة 10) اذا اوصى الميت بها او ببعضها لغير المحبو نفذت وصيته وحرم المحبو منها (2)

___________________________________________________________

بلاكفن مثل ما اذا غرق في البحر او ذهب به السيل او حرق اوصار اكيل السبع ولا دين عليه ولا وصية.

وفي مادة الاجتماع يكون دليل الحبوة اظهر لنصوصيتها بالنسبة الى الثياب والمصحف والخاتم والسيف واطلاقها لما اذا كان دين او احتاج الى الكفن او اوصى بمال بخلاف ادلة تقديم الكفن والدين والوصية فشمولها لمواد الحبوة بالاطلاق ولا نصوصية فيها لشيء خاص وانما يقدم على الميراث بعنوان عام كقوله عليه السلام اول ما يبدء به من المال الكفن.

فح نأخذ بنص دليل الحبوة ونقدمه على تلك الا في صورة المزاحمة، وعليهذا فدليلها بمنزلة الاستثناء من ما يقدم عليه الكفن والدين، وخلاصة الامر ان مقالة المصنف قدس سره اظهر وعلى القول الاخر الذي هو مختار القمي والشاهرودي قدس سرهما والخوئي فكها المحبو بثلاثة دراهم وثلث وهكذا في قوله قدس سره خلصت الحبوة يكون على مختارهم فكها بدرهمين وثلثي درهم.

(1) قد ظهر وجهه مما مرّ مفصلا.

(2) لما دل على نفوذ الوصية ولا يبقى معه موضوع للحبوة،

١٢٨

واذا اوصى بثلث ماله اخرج الثلث من غيرها (1) واذا اوصى بمائة دينار فان كانت تساوى ثلث الباقي او تنقص عنه نفذت الوصية

___________________________________________________________

نعم ينبغي تقييده بما اذا لم تزد على الثلث والا توقف على اجازة المحبو، ويحتمل عدم توقفه على الاجازة ونفوذها مطلقاً بناء على ما سيجيء الاشارة اليه من كون الحبوة للميت مع ثلث امواله الاخر ولكن المبنى ضعيف وما في الجواهر وكذا النجاة من اعطاء المحبو خاصة ما قابل ثلثيها من الثلث ضعيف كضعف ما علله به في الأول من ان الوصية انما كانت بماله دون باقي الورثة.

(1) لاستظهار الثلث من المال الذي فيه ثلثه واما اعيان الحبوة فجميعها له فله اعيانها والثلث من غيرها فلا ينصرف اليها وان حبي بها ولده الأكبر، وفيه كما في الجواهر ان المتجه ح انه لو اوصي بعين من اعيانها لغير المحبو نفذت وصيته بها من غير الثلث لان الفرض كونها له مع الثلث وهو خلاف ما صرح به بعضهم، اقول تصريح بعضهم بخلافه لا يكون دليلا على الضعف بل اللازم حمل الكلام على ما هو ظاهره والظاهر ان الوصية بثلث المال لا يخرج منه الحبوة الا بالتصريح كما استظهر قدس سره في جواهره اعتبار الثلث منها مع فرض اطلاق الوصية به لتوقف تنفيذ تمام الوصية على ذلك.

نعم ما استدركه بقوله نعم الاولى بل الاحوط اخذ ثمن ثلثها من المحبو ودفع نفس الاعيان اليه جمعاً بين الحقين ومراعاة الدليلين الا انه كما ترى، ثم انه قد ظهر من مطاوى ما ذكر ان على قول الاخرين يخرج الثلث من الحبوة وغيرها بالنسبة للاطلاق كما لو صرح بذلك

١٢٩

من غيرها (1) وان كانت تزيد على ثلث الباقي اخرجت الزيادة من الحبوة الا ان يدفعها المحبو ولو كانت اعيانها او بعضها مرهوناً ففي وجوب فكها على الوارث وجهان (2) اوجههما الاول، نعم لو لم يفكها لم يكن للمحبو اخذها لان حق الرهانة مقدم على الحباء، نعم للمحبوفكها فتكون له وفي رجوعه على الورثة بالدين اشكال.

___________________________________________________________

والحباء انما يزاحم الوارث لا الوصية.

(1) لما ذكرنا سابقاً بالنسبة للدين والكفن كما ظهر الوجه لقوله اخرجت الزيادة من الحبوة وكذا قوله الا ان يدفعها المحبو على ما تقدم في الدين، واما على القول الاخر فتخرج المأته من مجموع التركة سواء الحبوة وغيرها بالنسبة.

(2) ينشأن من تقدم الدين على الميراث والحبوة منه وان اختص بها الولد الاكبر ومن كون الوارث اجنبياً بالنسبة اليها لعدم نصيب لهم منها اذا لم تكن مرهونة وانما المخاطب بالفك هو الولد الاكبر الذكر ولعله لذلك استشكل قدس سره في رجوع الاكبر الى الورثة بالدين، ولكن لا مجال للاشكال بعد تقدم الدين على الميراث ولو فرضنا عدم توزيعه على الحيوة في صورة عدم المزاحمة، الا ان يقال بانصراف آيات استثناء الدين الواردة في الميراث الى دين غير الحبوة ففيها لا اطلاق لها وحيث انها له فلا رجوع على الوارث.

وفيه انه نقض لا وجهية الوجه الاول وهو وجوب الفك على الوارث، ويمكن كون نظره قدس سره في اشكال الرجوع انه ح يكون بمنزلة المتبرع باداء الدين فلا يرجع على الوارث وهو في محله

١٣٠

(مسئلة 11) لا فرق (1) بين الكسوة الشتائية والصيفية ولا بين القطن والجلد وغيرهما ولا بين الصغيرة والكبيرة فيدخل فيها مثل القلنسوة (2) وفي مثل الجورب والحزام والنعل تردد (3) ولا يتوقف (4) صدق الثياب ونحوها على اللبس بل يكفى اعدادها لذلك، نعم اذا اعدها للتجارة او لكسوة غيره من اهل بيته واولاده وخدامه لم تكن من الحبوة (5) وفي دخول مثل الدرع والطاس والمغفر ونحوها من معدات

___________________________________________________________

لكنه لا يخ من كلام فتدبر جيداً ولقد اجاد السيد الخوئي حيث اوجب فكها من مجموع التركة.

(1) للاطلاق.

(2) قد يستشكل فيها وفي المنطقة والخف وما في معناها مما يتخذ للرجلين واليدين احياناً للاصل او خروجها عن الثياب والكسوة في باب الكفارات وفيه ان نظر الاصحاب عدم الاكتفاء بالقلنسوة بل لابد من ثوب او ثوبين ساترين للبدن ولا ينافي ذلك عد مثل القلنسوة جزءاً من الكسوة الكاملة.

(3) من عدم صدق الثياب عليها ومن قوة احتمال اندراجها في الكسوة.

(4) لصدق كسوته وثياب جلده على ما اعد للبس ولم يلبس بخلافاً للجواهر والنجاة ووافقه عليه السيد الطباطبائي قدس سره فاستظهر عدم الاندراج.

(5) لعدم الصدق بلا اشكال.

١٣١

الحرب اشكال (1) بل الاظهر العدم (2) ولا يدخل (3) مثل الساعة ولا البندقية والخنجر ونحوهما من آلات السلاح، نعم لا يبعد تبعية (4) غمد السيف وقبضته وبيت المصحف وحمائلهما لهما، وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب الحرير اشكال (5) وان كان الدخول اظهر (6) واذا كان مقطوع اليدين فالسيف لا يكون من الحبوة (7) ولو كان اعمى فالمصحف ليس

___________________________________________________________

(1) من انصراف الكسوة والثياب الى ما يلبسه وقاية للحر والبرد وستراً للعورة جرياً على ما هو المتعارف، ومن كونها لباساً وكسوة ولو لضرورة الحرب كما اذا احتاج الى لبس شيء مرتين في السنة او مرات كملابس السلام بالنسبة للوزراء.

(2) لمساعدة العرف على عدم كونها كسوة ونياباً.

(3) لعدم كون الاول ثوباً ولا يصدق عليها الكسوة وعدم دخول الباقي في الاربعة وان اشتمل بعض الروايات على السلاح ومن هنا يظهر وجه الاحتياط.

(4) لمساعدة العرف على ذلك.

(5) ينشأ من انصراف الكسوة والثياب الى ما يحل لبسه للاب والولد ومن الاطلاق وحرمة اللبس لا تكون قرينة على العدم ولا مقيدة للاطلاق ولا موجبة للانصراف.

(6) لما عرفت.

(7) لانصراف السيف الى ما يفيد صاحبه باستعماله بنفسه لا ما يكون بالنسبة اليه كمال التجارة.

١٣٢

منها (1) نعم لوطرء ذلك اتفاقاً وكان قد اعدهما قبل ذلك لنفسه كانا منها.

(مسئلة 12) اذا اختلف الذكر الاكبر وساير الورثة في ثبوت الحبوة اوفى اعيانها اوفى غير ذلك من مسائلها لاختلافهم في الاجتهاد اوفى التقليد رجعوا الى الحاكم الشرعي في فصل خصومتهم (2)

___________________________________________________________

(1) لما عرفت في السيف من الانصراف، نعم قد يقع الاشكال في خروج المصحف الذي اتخذه الاعمى للحفظ والحرز والبركة والاستصحاب في السفر لكونها غايات تقصد من اتخاذه كما قد يشكل خروج المصحف الذي اتخذه لنفسه وقرء منه او كان بصدد القرائة ثم عمى وهكذا السيف ثم قطع يداه ولا يبعد الدخول في الجميع ولو شككنا فيجرى الاستصحاب التعليقي او التنجيزي.

(2) لا اشكال في جواز الرجوع ونفوذ حكم الحاكم ولو كان مخالفاً لاجتهاد احد المتخاصمين او مجتهده الذي يقلده في الشبهة الحكمية لاطلاق دليل نفوذ القضاء، بل لا ينفذ قضاؤه لنفسه للاجماع المدعى في كلام صاحب العروة 1 - ولما ذكره وحاصله انصراف اخبار الرجوع الى غير المتحاكمين فاللازم كون الحاكم غيرهما، نعم هل له العمل بفتواه لو كان هو الولد الاكبر ويرى لنفسه الحبوة مجاناً او قبل الثلث اذا يرى من منازعيه المخالفة اجتهاداً او تقليداً ام لا؟ بل اللازم الترافع، الظاهر العدم.

____________________

1 - كتاب القضاء مسئلة 13 فصل شرايط القاضي.

١٣٣

(مسئلة 13) اذا تعدد الذكر مع التساوي في السن فالمشهور الاشتراك فيها (1) ولا يخلو من وجه وان كان لا يخ من اشكال (2).

(مسئلة 14) المراد بالاكبر الاكبر ولادة (3) لا علوقاً (4)

___________________________________________________________

(1) لصدق افعل التفضيل على الواحد والمتعدد وان انسبق اولا الواحد.

(2) حكى عن ابن حمزة في ثبوتها للاكبر اشتراط فقد آخر في سنه فمع وجوده لا حبوة لتبادر الواحد من الاكبر دون المتعدد ولان مع التعدد لا يصدق على كل واحد استحقاق ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف والمصحف لان بعض الواحد ليس عينه واجيب بان الاشتراك في السيف الواحد والمصحف غير مانع كما لو لم يكن للميت الواحد الا نصف مصحف او نصف سيف مثلا وكان الاكبر واحداً، لكن مناسبة الحكم والموضوع ربما تكون قرينة القول المشهور فتامل جيداً.

(3) كما هو الظاهر المتبادر منه ولا مخالف يظهر في المسئلة

(4) لرواية وردت بذلك ولكنها مهجورة لم يعمل بها رواها 1 - على ابن احمد بن اشيم عن بعض اصحابه قال اصاب رجل غلامين في بطن فهناه ابو عبد الله عليه السلام ثم قال ايهما الاكبر؟ فقال الذي خرج اولا فقال ابو عبد الله عليه السلام الذي خرج اخيراً هو اكبر، اما تعلم انها حملت بذاك اولا، وان هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى خرج هذا، فالذي خرج اخيراً هو اكبرهما.

____________________

1 - ئل 15 الباب 99 احكام الاولاد الحديث 1.

١٣٤

واذا اشتبه فالمراجع في تعيينة القرعة (1) والظاهر اختصاصها بالولد الصلبي (2) فلا تكون لولد الولد ولا يشترط انفصاله بالولادة (3) فضلا عن اشتراط بلوغه (4) حين الوفاة والقول (5) بالاشتراط ضعيف (6).

___________________________________________________________

(1) لعموم دليلها لكل امر مشتبه او مشكل والقدر المسلم من دليلها ما اذا كان هناك واقع متعين لولاها واما اذا لم يكن تعين في الواقع فيشكل العمل بها لعدم تعيينها غير المعين وليس عمل الاصحاب بها جابراً لضعف دلالتها لمنعه اللهم الا نادراً.

(2) لتبادره منه وعدم انسباق ولد الولد منه خصوصاً على قول من يجعل الحبوة في قبال قضاء الصلاة والصوم فلا يجبان على غير ولد الصلب فلا حبوة له.

(3) للاطلاق وعدم ما يصلح للتقييد عداما يتوهم من الانصراف الى المنفصل وهو مردود وح فلا فرق بين كونه مضغة او علقة وبين كونه جنيناً تاماً لصدق الولدية في جميعها ولو بعد الولادة كشفاً، وما عن الروضة من امكان الفرق بين كونه جنيناً تاماً وبين كونه مضغة وعلقة لتحقق الذكورية في الواقع حين الموت في الاول وعدمها في غيره ضعيف لما عرفت والا فالولد لا يتحقق له مصداق الا بالولادة اياً ما كان.

(4) لما اشرنا اليه من الاطلاق وعدم المقيد.

(5) حكى عن صريح ابن حمزة وظاهر بن ادريس احتجاجاً بكون الحبوة عوض القضاء وهو منتف في الصبي.

(6) لمنع المبني اولا وعلى فرض التسليم فيكلف به الصبي

١٣٥

(مسئلة 15) قيل (1) يشترط في المحبو ان لا يكون سفيها وفيه اشكال (2) بل الاظهر (3) عدمه وقيل (4) يشترط ان يخلف الميت ما لا غيرها وفيه تأمل (5).

___________________________________________________________

بعد البلوغ.

(1) القائل هو ابن حمزة وابن ادريس على ما حكى عنهما.

(2) لعدم اشارة اليه في روايات المقام.

(3) كما سبق في اوائل بحث الحبوة.

(4) كما عن صريح جماعة بل عن المشهور كما عن لك واختاره المحقق القمي مستدلا عليه بظهور الحبوة لما اذا كان لغير صاحب الحبوة شيء وكذلك له ويكون ذلك مزية له على غيره مع اعترافه قدس سره بعدم وقوفه على لفظ الحبوة والحباء في النصوص لكنه لما كان مظنة الاجماع على هذا اللفظ فناسب الاستدلال ثم اضاف اليه التبادر من الاطلاقات وان الغالب ان للميت مالا سوى الحبوة مع انه يصيرح كالاستثناء المستغرق اذ هو تخصيص لايات الارث الى ان لا يبقى شيء.

(5) لما عرفت سابقاً ولما يرد على ما ذكره القمي قدس سره بعدم كون الظن حجة وعلى فرضه ليس الاجماع يحتج به الا اذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم الممنوع في المقام، كما ان التبادر ممنوع صغرى وكبرى في ما اذا كان منشأه غلبة الوجود ويدفع ما ذكره اخيراً انه لا مانع من التخصيص اذا قام الدليل ولا يكون كالاستثناء المستغرق اذ هو اخراج بعض الافراد عن العام كما اعترف بكون الغالب ان

١٣٦

(مسئلة 16) يستحب (1) لكل من الابوين اطعام الجد

___________________________________________________________

يخلف مالا سوى الحبوة وح ففي غير الغالب لا مانع من التخصيص ولا يكون من المستهجن فتأمل جيداً.

(1) الظاهر ان القول بالاستحباب مبتن على عدم ايراثهما مع وجود ولديهما كما هو مذهب الاكثر لو لا الكل وانما المخالف ابن الجنيد في ظاهر بعض عبائره وربما نسب الى الصدوق والكليني قدس سرهما، واحتج لابن الجنيد بمشاركتهما (اي الجد والجدة) للابوين في النسبة التي اخذوا بها الميراث وهي الابوة مؤيداً ذلك ببعض الروايات كما في جامع الشتات كحسنة 1 - عبدالرحمن بن ابي عبد الله قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام وعنده ابان بن تغلب قلت اصلحك الله ان ابنتي هلكت وامي حية فقال ابان ليس لامك شيء.

فقال ابو عبد الله عليه السلام سبحان الله اعطها السدس وما رواه 2 - اسحاق بن عمار عنه عليه السلام في ابوين وجدة لام قال للام السدس وللجدة السدس وما بقي وهو الثلثان للاب واستشكل عليه بعدم مطابقة دليله لمذهبه ان اراد المساواة في السهم الا في النادر كما اذا ترك ثلاثة اجداد وبنتاً فسهم كل يساوى السدس (اقول) في هذه الصورة ايضاً لا يتم لكون السدس للاب ومع عدمه فلاطعمة كما سيجيء الا ان لا يشترط ذلك ابن الجنيد.

كما انه اشكل بعدم مطابقته للشرع في كون ميراثهما (اي الابوين) على سبيل الفرض غالباً لواراد مجرد المشاركة في الارث

____________________

1 - 2 - ئل 17 الباب 20 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، الحديث 6 - 10

١٣٧

وشفع الاشكال بمنع المشاركة في الاسم لصحة السلب عرفاً وتحمل الروايتان على الطعمة المستحبة واما حجة الصدوق فيمكن ان يكون صحيح 1 - سعد بن ابي خلف سئلت ابا الحسن موسى عليه السلام عن بنات بنت وجد قال عليه السلام للجد السدس والباقي لبنات البنت وهذه الرواية مع ما نقل عن الشيخ وابن فضال انها مما اجتمعت الطائفة على العمل بخلافها (يعني ان الجد لا يرث مع ولد الولد ولذلك حملت على التقية على فرض ارادة الجد للميت مع البنات للبنت والا فيمكن حملها على جد البنات وهو ابو البنت فلا تخالف شيئاً من الاصول لا تدل على تمام مدعى الصدوق فما نقل عنه وعن ابن الجنيد والكليني قدس اسرارهم ضعيف مخالف للمشهور بل للاجماع المحكى عن غير واحد.

فالاصح الاقوى ما عليه المعظم من استحباب الطعمة ويدل عليه بالنسبة الى عدم ارثهما مع الاب والام ومن في مرتبتهما آية اولى الارحام اذ لا اشكال في اقربية الوالدين منهما وآيات ارث الوالدين مع الولد وبدونه على نحو الاختصاص بهما معه او بدونه مع عدم كونهما ابوى الميت ولو بقرينة ما ورد من روايات عدم فرض الله للجد والجدة شيئاً كما يدل عليه طوائف متعددة من الروايات عامة وخاصة.

فمن الاولى ما دل على عدم اجتماع غير الزوج والزوجة مع الوالدين والولد وهي عديدة منها معتبرة الكليني قدس سره 2 - عن ابي ايوب الخزاز وغيره عن ابن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال لا يرث

____________________

1 - ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الحديث 15.

2 - ئل 17 الباب 1 - من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 1

١٣٨

مع الام ولا مع الاب ولا مع الابن ولا مع الابنة الا الزوج والزوجة ومنها ما رواه 1 - هو ايضاً عنه عليه السلام اذا ترك الرجل اباه او امه او ابنه او ابنته، اذا ترك واحداً من هؤلاء الاربعة فليس هم الذين عنى الله عزوجل يستفتونك في الكلالة بضميمة ما دل على كون الجدين في مرتبة الكلالة.

ومنها ما في احتجاج موسى بن جعفر عليه السلام على الرشيد بقول 2 - علي بن ابي طالب عليه السلام انه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان او انثى لاحد سهم الا للابوين والزوج والزوجة ومنها ما في حديث 3 - زرارة المفصل عنهما عليهما السلام ولا يرث احد من خلق الله مع الولد الا الابوان والزوج والزوجة.

ومن الثانية معتبرة 4 - حسن بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت امها واخوين لها من امها وابيها وجدها ابا امها وزوجها قال يعطى الزوج النصف وتعطى الام الباقي ولا يعطي الجد شيئاً لان بنته حجبته ولا يعطي الاخوة شيئاً وما رواه ابو بصير 5 - عنه عليه السلام عن رجل مات وترك اباه وعمه وجده قال فقال حجب الاب الجد عن الميراث وليس للعم ولا للجد شيء وصحيح الحميري 6 - حيث كتب الى ابي محمد العسكري عليه السلام امرأة ماتت وتركت زوجها وابويها وجدها او جدتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع عليه السلام للزوج النصف

____________________

1 - ئل 17 الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث - 2

2 - 3 - 4 - ئل 17 الباب 5 - 8 - 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 14 - 2 - 3

5 - 6 - ئل 17 الباب 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 3 - 4

١٣٩

ومابقي للابوين.

فظهر بما ذكرنا وجه الامر في غير واحد من الروايات الامرة او الحاكية لامر المعصوم او فعله باعطائه او اعطائها السدس وانه على الاستحباب مثل ما رواه محمد بن يعقوب قدس سره في معتبرة جميل 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية ومعتبرته الثانية 2 - عنه عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس.

وما رواه زرارة 3 - عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس ولم يفرض لها شيئاً وروايته الثانية 4 - ان نبي الله اطعم الجدة السدس طعمة وما رواه 5 - اسحاق بن عمار في حديث ان لله فرض الفرائض فلم يقسم للجد شيئاً وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعمه السدس فاجاز الله له ذلك وما رواه ايضاً 6 - جميل عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الاب السدس وابنها حي واطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية وما رواه 7 - ابن ابي عمير عن جميل فيما يعلم اذا ترك الميت جدتين ام ابيه وام امه فالسدس بينهما (لو جعل من روايات الباب والا فتحمل على التقية) وروى 8 - قاسم بن الوليد عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل مسكر فاجاز الله ذلك له وفرض الفرائض فلم يذكر الجد فجعل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً فاجاز الله ذلك له وقريباً منه روى 9 - قاسم بن محمد الى غير ذلك من الروايات.

____________________

1 الى 6 ئل 17 الباب 20 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 1 - 2 - 3

7 الى 9 ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 12 - 13 - 16.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216