حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام3%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213619 / تحميل: 8107
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

القى المغيرة خاتمه في القبر ، وقال لأمير المؤمنين٧ خاتمي ، فقال٧ لولده الحسن : أدخل فناوله خاتمه ، ففعل٧ ذلك ، وكان مقصد المغيرة من ذلك أن يدخل القبر الشريف بعد ما خرج منه أمير المؤمنين ليفتخر على الصحابة بأنه آخر الناس عهدا برسول الله فالتفت أمير المؤمنين الى مقصده ، فامر الحسن بدخول القبر ، فكان آخر الناس عهدا برسول الله٦ (١)

وقام الامام أمير المؤمنين فوارى الجسد العظيم في مقره الأخير ووقف على القبر يرويه بماء عينيه ، وارسل كلمات تنم عن لواعج حزنه وثكله قائلا :

« ان الصبر لجميل الا عنك ، وان الجزع لقبيح الا عليك ، وان المصاب بك لجليل ، وانه قبلك وبعدك لجلل »(٢)

واذاب الهول العظيم ، والمصاب المؤلم قلب الامام الحسن (ع) وهو في سنه المبكر فذبلت منه نضارة الصبا وروعته فقد رأى من يحدب عليه ويفيض عليه من رقيق حنانه يوارى في الثرى ، ورأى أبويه وقد اضناهما الذهول واحاط بهما الأسى على فقد الراحل العظيم فترك ذلك في نفسه شديد الألم ولاذع الحزن لقد مضى الرسول (ص) الى الرفيق الاعلى وكان عمر

__________________

ـ في اليوم الثاني عشر من ربيع الاول ( جاء في وفاء الوفاء ١ / ٢٢٦ و٢٢٧ وقيل في اليوم الثامن والعشرين من صفر ذكره الطبرسي في اعلام الورى ص ٧ ، وقيل في اليوم الثاني من ربيع الاول ذكره ابن واضح فى تاريخه ٢ / ٩٣ وقيل غير ذلك.

(١) طبقات ابن سعد ٢ / ٧٧

(٢) نهج البلاغة محمد عبده ٣ / ٢٢٤ ، والجلل الهين الحقير ، والمراد ان المصائب قبل مصيبة الرسول (ص) وبعدها هينة حقيرة.

١٢١

الحسن سبع سنين(١) وهو دور تنمو فيه مدارك الطفولة ، وتكون فيه فكرة الطفل كالعدسة اللاقطة تنقل الى دخائل النفس كثيرا من المشاهدات والصور وينطبع فيها جميع ما يمر عليها من حزن وسعادة ، كما انه قد تكون لبعض الاطفال النابهين اللياقة والاستعداد لأن يفهم الغاية من بعض الاعمال والمواقف ، وقد رافق الامام الحسن فى ذلك الدور الاحداث الخطيرة التي وقعت قبل وفاة جده الرسول٦ من امتناع القوم من الالتحاق بسرية أسامة وعدم استجابتهم للنبي٦ حينما امر باعطائه الدواة والكتف ليكتب لأمته كتابا يقيها من الفتن والضلال فعرف ـ من غير شك ـ الغاية من ذلك ، وعلم ما دبره القوم من المؤامرات ضد أبيه فترك ذلك في نفسه كامن الحزن والوجد وانبرى ينكر على القوم غصبهم لحق أبيه كما سنبينه في عهد الشيخين.

__________________

(١) كشف الغمة : ص ١٥٤.

١٢٢

فى عهد الشيخين

١٢٣
١٢٤

وحينما مضى النبيّ (ص) الى جنة المأوى ، وسمت روحه الى الرفيق الاعلى ، انثالت الفتن على المسلمين تترى كقطع الليل المظلم ، وعصفت بهم امواج عارمة من الانشقاق والاختلاف زعزعت كيانهم وصدعت شملهم ، ومزقت وحدتهم ، وقد بين تعالى ما يمنى به المسلمون بعد وفاة نبيه من الارتداد والاختلاف قال تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١)

فاي رزية اعظم من رزية الانقلاب؟ وأي كارثة اقسى من كارثة الارتداد بعد الايمان!! لقد ترك القوم جثمان نبيهم لم يواروه في مقره الأخير وتهالكوا على الامرة والسلطان ، وصمموا على صرف الخلافة الاسلامية عن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل ، وقد تحدث الامام أمير المؤمنين٧ عن غب ما فعلوه وسوء ما ارتكبوه يقول٧ :

« حتى اذا قبض رسوله رجع قوم على الاعقاب ، وغالتهم السبل واتكلوا على الولائج(٢) ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ، ونقلوا البناء عن رص أساسه(٣) فبنوه في غير موضعه معادن كل خطيئة ، وأبواب كل ضارب في غمرة »(٤)

لقد استأثروا بالامر ، ونقلوه عن اهله ومعدنه ، ووضعوه في غير محله ، وقد فاجئوا أهل البيت (ع) ـ والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ١٤٤

(٢) الولائج : جمع وليجة وهي بطانة الانسان وخاصته

(٣) الرص : مصدر رصص الشى اى الصق بعضه ببعض ومنه قوله تعالى( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) .

(٤) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ٤٨

١٢٥

بصرف الامر عنهم والاعتداء عليهم ، وتركوهم يتجرعون الغصص ، ويتوسدون الارق وتساورهم الهموم ، فما اعظم رزيتهم؟! وما اشد محنتهم وبلاءهم!!

لقد تسرع القوم الى عقد البيعة ، وانتهزوا الفرصة في انشغال امير المؤمنين بتجهيز جثمان النبي٦ فلم يمهلوه حتى يفرغ من مواراته٦ لئلا يفوت الامر منهم ، وتضيع امانيهم وآمالهم فى الاستيلاء على زمام الحكم والسلطان وعلى أي حال فلا بدلنا من البحث عن فصول تلك المأساة الكبرى ـ بايجاز ـ فانها ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الامام الحسن٧ ، فان صرف الامر عن أهل البيت: كانت له مضاعفاته السيئة ونتائجه الخطيرة ، واهمها طمع الطلقاء وابنائهم خصوم الاسلام واعداء الله في الخلافة الاسلامية ، ومناجزتهم لاهل بيت النبوة ومعدن الرحمة ، حتى اضطر سبط النبي٦ الامام الحسن٧ في دوره الى الصلح مع معاوية وتسليم الامر له ، والى القراء بيان ذلك.

السقيفة

وترك القوم النبي٦ مسجى في فراش الموت ، لم يهتموا في شيء من أمره فقد سارع الانصار الى سقيفة بني ساعدة(١) وعقدوا لهم اجتماعا سريا أحاطوه بكثير من الكتمان والتحفظ ، واحضروا معهم شيخ الخزرج سعد بن عبادة(٢)

__________________

(١) السقيفة : الصفة تشبه البهو ، كانت مجمعا للانصار ودارا لندوتهم

(٢) سعد بن عبادة : سيد الخزرج ، وزعيم الانصار اعترف له قومه بالسيادة ، وقد اشتهر بالجود والسخاء هو وابوه وجده وابنه قيس ، ويقال لم ـ

١٢٦

فتداولوا في شئون الخلافة والسلطان ، وكان شيخ الخزرج قد ألم به المرض فخطب في القوم فلم يتمكن أن يسمع كلامه للناس وانما كان يقول ويبلغ مقالته بعض اقربائه ، وكان منطق خطابه ان الغنم بالغرم ، والانصار هم الذين غرموا في سلسلة الحروب وحركات الجهاد التي قام بها الرسول٦ فهم احق بالأمر وأولى به من غيرهم وهذا هو نص خطابه :

يا معشر الانصار لكم سابقة في الدين وفضيلة فى الاسلام ليست لقبيلة من العرب ، ان محمدا٦ لبث بضع عشر سنة في قومه يدعوهم الى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه الا القليل ، وما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله٦ ولا أن يعزوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن انفسهم ضيما عموا به حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ، وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الايمان به وبرسوله والمنع له ولاصحابه والاعزاز له ولدينه والجهاد لاعدائه ، فكنتم اشد الناس على عدوه منكم ، وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لامر الله طوعا وكرها ، واعطى البعيد المقادة صاغرا

__________________

ـ يكن فى الأوس والخزرج بيت واحد فيه اربعة اشخاص اسخياء متتالون الا بيت سعد ، وهو احد النقباء ، شهد مع رسول الله (ص) العقبة وبدرا ، وقد تخلف عن بيعة ابي بكر ، وخرج غاضبا من المدينة فتبعه خالد بن الوليد وصاحب له فكمنا له له ليلا فطعناه والقياه فى البئر ، واوهم خالد على بعض الحمقى ان الجن هي التي قتلته وانشدوا على لسانها بيتين من الشعر :

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

كانت وفاته بحوران من ارض الشام سنة خمس عشرة من الهجرة وقيل سنة اربع عشرة ترجم في كل من الاصابة ، والاستيعاب واسد الغابة وغيرها

١٢٧

داخرا ، حتى اثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير العين ، استبدوا بهذا الأمر دون سائر الناس فانه لكم دون الناس » فاجابه الأنصار بالرضا والطاعة قائلين « وفقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدوا ما رأيت نوليك هذا الامر فانك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضى ،(١)

لقد القى الانصار المقادة والسمع لسيد الخزرج ، واعربوا له عن رغبتهم الملحة في ترشيحه لمنصب الخلافة ، وهنا امور تدعو الى العجب وتبعث الى التساؤل في أمر الانصار وهي :

١ ـ إنهم حضنة الاسلام ، واعضاد الملة ، وحماة الدين فلما ذا أسرعوا في شأن الخلافة ، وتناسوا مبايعتهم لأمير المؤمنين في غدير خم ، وتنكروا لوصايا النبي٦ في أهل بيته وعترته؟!!

٢ ـ لما ذا هذا التستر في مكان منزو عن الانظار والابصار؟! ولما ذا هذا التكتم والحيطة في اخفاء الامر؟!!

٣ ـ لما ذا لم يأخذوا رأي العترة الطاهرة في شأن البيعة واستبدوا بالأمر؟؟!!

واكبر الظن انهم وقفوا على المؤامرة الخطيرة التي دبرها كبار المهاجرين ضد أمير المؤمنين فخافوا أن يفوز المهاجرون بالخلافة ، ويحرموا منها لذا اسرعوا لانتهاز الفرصة وبادروا الى ترشيح سعد الى مركز الخلافة.

فذلكة عمر

ولم يكن أبو بكر في يثرب عند وفاة النبي (ص) وانما كان بالسنح(٢)

__________________

(١) تأريخ الطبري ٣ / ٢٠٧

(٢) السنح : محل يبعد عن المدينة بميل ، وقيل هو احد عواليها يبعد عنها باربعة اميال او ثلاثة.

١٢٨

فخاف عمر بن الخطاب أن يفوز احد بالخلافة قبل مجيء أبي بكر فصنع فذلكة دلت على سياسته النفسية وخبرته الفائقة باحوال المجتمع فقد اوقف حركة البيعة ، وشغل الناس حتى عن تفكيرهم فقد راح يهز بيده السيف ويهتف بصوت عال.

« إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله٦ قد مات. وإنه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران والله ليرجعن رسول الله فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن ارجفوا بموته »

وجعل لا يمر باحد يقول : مات رسول الله الا خبطه بسيفه ، وتهدده وتوعده(١) واستغرب المسلمون من هذه البادرة ، واستطابها السذج والبسطاء ، فقد جاءهم بالأمل اللذيذ والحلم الجميل فان النفوس تأبى أن تذعن بموت العظيم ، وتتمسك بحياته بالخيال والأوهام ، وقد ساق إليها عمر أطيب الاماني واروع الآمال ، اخبرها بحياة عزيزها ومنقذها ، وأملها باظهار دينه على الدين كله ، واضاف الى كلامه اعنف الارهاب والتهديد وعزاه إلى رسول الله٦ بتقطيعه الايدي والارجل ممن ارجف بموته ، كما توعد هو بالقتل لمن فاه بموت النبيّ٦ واستمر على هذا الحال يبرق ويرعد ، ويتهدد ويتوعد حتى وصل أبو بكر إلى يثرب فاحتف به عمر وانطلقا إلى بيت رسول الله٦ فكشف أبو بكر الرداء عن وجه النبي (ص) وإذا بجثمانه الطاهر قد رحلت منه روحه الزكية ، فخرج وهو يفند مقالة عمر والتفت إلى الجماهير الحائرة التي اذهلها الخطب فقال لها :

« من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فان

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد.

١٢٩

الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) .

وتلقى الجمهور مقالة أبي بكر بالإذعان ، وراحوا يلهجون بالآية واسرع عمر الى تصديق مقالة أبي بكر ولم يبد اية معارضة له ، واحتف به ، وسار معه يشد عضده ، ويحمي جانبه.

ولا بد لنا من وقفة قصيرة امام هذه البادرة الغريبة فانها تدعو إلى التساؤل من عدة امور وهي :

١ ـ هل صحيح ان عمر قد خفي عليه موت الرسول٦ ؟؟ والقرآن الكريم قد أعلن أن كل انسان لا بد أن يتجرع كأس الحمام قال تعالى :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) وقال تعالى في نبيه :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) وقال تعالى :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) الآية ، بالاضافة الى أن الرسول٦ قد نعى نفسه غير مرة الى المسلمين وأخبرهم بأنه يوشك أن يدعى فيجيب ، وكان عمر نفسه يقول لأسامة قبل وفاة النبي٦ : مات رسول الله وأنت علي أمير.

٢ ـ ما هو السر في تهديده وتوعيده لمن أرجف بموت رسول الله٦ ؟ ولما ذا ينكل رسول الله المرجفين؟ فهل أن قولهم ارتداد عن الدين او خروج عن حظيرة الاسلام كي يستحقون تقطيع الأيدي والأرجل؟

ان من امعن النظر في هذه الحادثة يتضح له المقصود من فعل عمر وهو اشغال الناس عن مبايعة أي انسان قبل مجيء أبي بكر. إن عمر لم يكن من البلهاء والأغبياء كي يخفى عليه موت الرسول٦ وان حماسه البالغ وقيامه بعمليات التهديد والتوعيد ، وسكون

١٣٠

ثورته حينما جاء أبو بكر كل ذلك يدل بوضوح لا خفاء فيه على أن هذه الحادثة جزء من المخطط المرسوم قبل وفاة النبي٦ في صرف الخلافة عن أهل بيته واستئثارهم بها ، ويذهب المستشرق لامنس الى أنه كانت بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة مؤامرة في صرف الخلافة عن أهل البيت: قبل وفاة النبي٦ يقول :

« إن الحزب القرشي الذي يرأسه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح لم يكن وضع حاضر ، ولا وليد مفاجأة أو ارتجال ، وانما كان وليد مؤامرات سرية مبرمة حيكت أصولها وربت أطرافها بكل احكام ، وإن ابطال هذه المؤامرة ، أبو بكر ، عمر بن الخطاب ، أبو عبيدة بن الجراح ، ومن اعضاء هذا الحزب عائشة وحفصة ،. »

وهو رأي وثيق للغاية فان الامعان في تتبع خطوات القوم ، والتدبر في افعالهم يقضي بقدم المؤامرة ، وانهم حاكوا اصولها منذ زمان بعيد ، فان تثاقلهم من الالتحاق بسرية اسامة ، ومراسلة بعض ازواج النبي٦ لآبائهن في التريث عن المسير ، وترشيحهن لآبائهن لامامة الجماعة ، والرد على النبي٦ فيما رامه من الكتابة وغير ذلك من القرائن والشواهد مما يدل بوضوح على قدم المؤامرة ، وانهم بنوها على خطط وثيقة مدروسة احيطت بالامعان والتدبر ، وليست وليدة الوقت الحاضر ، ولا وليدة المباغتة والمفاجأة.

مباغتة الانصار :

ولما عقد الانصار أمرهم على تولية سيد الخزرج سعد بن عبادة كان ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي ، واسيد بن خضير زعيم الاوس ينافسانه في السيادة ، وحسداه على ترشيحه لهذا المنصب الرفيع ، فاضمرا

١٣١

له الحقد وأجمع رأيهما على صرف الأمر عنه وانضم إليهما عويم بن ساعدة الأوسي ، ومعن بن عدى حليف الانصار ، وكانا من حزب أبي بكر ومن اوليائه على عهد رسول الله٦ بالاضافة الى ذلك انهما كانا يضمر ان الحقد والشحناء لسعد بن عبادة فانطلقا الى أبي بكر وعمر مسرعين فاخبرهما باجتماع الانصار في السقيفة وانهم قد اجمعوا على تولية سعد بن عبادة(١) فذهل أبو بكر وقام مسرعا ومعه عمر وتبعهما أبو عبيدة بن الجراح(٢) وسالم مولى أبي حذيفة ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين ، فكبسوا الانصار في ندوتهم فغاض لون سعد واسقط ما في أيدي الانصار وساد عليهم الوجوم والذهول ، واراد عمر أن يتكلم فمال إليه أبو بكر فهمس في أذنه قائلا :

« رويدك يا عمر حتى اتكلم »

وافتتح أبو بكر الحديث فقال :

« نحن المهاجرون أول الناس اسلاما ، وأكرمهم احسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأمسهم برسول الله٦ رحما وانتم اخواننا في الاسلام ، وشركاؤنا في الدين نصرتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا. فنحن الأمراء وانتم الوزراء ، لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش ، فلا تنفسوا على إخوانكم المهاجرين ما فضلهم الله به ، فقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح »(٣)

ان أوثق الأدلة التي أقامها أبو بكر على احقية المهاجرين بالخلافة

__________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٦٢

(٢) تأريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨

(٣) العقد الفريد ٣ / ٦٢

١٣٢

والإمرة هي ما يلي :

١ ـ إنهم أول الناس اسلاما

٢ ـ إنهم أمس الناس رحما برسول الله٦

ولم يفصح في استدلاله عن أول من آمن بالله ، واستجاب لدعوة نبيه ، ووقف إلى جانبه يصد عنه الاعتداء ، ويحميه من جبابرة قريش وهو الامام أمير المؤمنين٧ ابن عم النبي٦ وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، وباب مدينة علمه ، فقد تناساه أبو بكر ورشح أبا عبيدة ، وابن الخطاب لمنصب الخلافة ، وهل كانت له ولاية على المسلمين حتى يرضى لهم ويختار من يتولى قيادتهم ويدير شئونهم وقد علق الامام أمير المؤمنين على احتجاجه بقوله : « احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة » وما ابلغ هذا القول!! وما أروع هذا الاحتجاج!! فقد تمسك المهاجرون بقربهم للنبي٦ واستدلوا به على احقيتهم بالأمر ، وتغافلوا عن عترته وذريته ووديعته وعدلاء كتاب الله ، وقد خاطب أمير المؤمنين أبا بكر بذلك ، واستدل عليه بعين ما استدل به أبو بكر على الانصار فقال له :

فان كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك اولى بالنبي وأقرب

وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وخاطب٧ القوم مرة أخرى فقال لهم : « والله ، إني لأخوه ـ اى أخ الرسول٦ ـ ووليه وابن عمه ووارث علمه ، فمن احق به منى »(١) لقد عدل القوم عن أبي الحسين وتناسوا فضائله ومآثره ووصايا النبي٦ فيه طمعا في الخلافة وتهالكا على الامارة.

__________________

(١) خصائص النسائي : ص ١٨ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٦

١٣٣

بيعة ابي بكر :

ولما انهى أبو بكر خطابه السالف الذي رشح فيه عمر وأبا عبيدة لمنصب الخلافة اسرع إليه عمر فقال له : « يكون هذا وأنت حى؟! ما كان أحد ليؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله (ص) »

ولا نعلم متى أقامه الرسول٦ في مقامه الذي هو فيه ، وقد أخرجه٦ من يثرب مع بقية اصحابه جنودا مسلحين وولى عليهم أسامة بن زيد وهو شاب حدث السن ، بمثل هذا اللف والدوران تمت البيعة لأبي بكر ، وقد تسابق إلى بيعته عمر وبشير ، وتبارى إلى البيعة جميع اعضاء حزبهم فبايعه اسيد بن حضير ، وعويم بن ساعدة ، ومعن بن عدى ، وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وخالد بن الوليد ، واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة ، وكان اشدهم حماسا عمر فقد لعبت درته شوطا في الميدان وارغم الممتنعين على البيعة وقابلهم بالقسوة والعنف ، وقد سمع الانصار يقولون في سعد :

« قتلتم سعدا »

فاندفع يقول :

« اقتلوه ، قتله الله فانه صاحب فتنة »(١)

ولما تمت البيعة لابي بكر بهذه الصورة التي يحف بها الارهاب والتهديد اقبل به حزبه يزفونه الى مسجد رسول الله٦ زفاف العروس(٢) والنبي٦ ملقى على فراش الموت ، قد

__________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٦٢

(٢) شرح النهج لابن ابي الحديد ٢ / ٨

١٣٤

انشغل أمير المؤمنين٧ بتجهيزه ، فلما أخبر تمثل بقول القائل :

واصبح أقوام يقولون ما اشتهوا

ويطغون لما غال زيدا غوائل(١)

لقد بويع أبو بكر بمثل هذه العجالة والمباغتة ، وكان عمر يرى عدم مشروعية هذه البيعة ووجه إليها لاذع النقد فقال فيها كلمته المشهورة :

« إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقى الله المسلمين شرها ، فمن دعاكم الى مثلها فاقتلوه. »(٢)

وحفلت هذه الكلمة باقسى الوان النقد والتشهير واحتوت على ما يلي :

١ ـ إن عمر وصم البيعة ( بالفلتة ) وسواء أكان معناها الشر والخطيئة والزلة ، أو المباغتة والمفاجأة فانها اعظم ما تكون في ميدان القدح والذم.

٢ ـ إنه دعا الله أن ينقذ المسلمين من شرها ويقيهم من مضعفاتها السيئة.

٣ ـ انه حكم بقتل من دعا لمثل هذه البيعة

وانما طعن عمر في انتخاب أبي بكر وقدح في بيعته لانها لم تعتمد على اسس سليمة ، ولم تبتن على منطق رصين وحفلت بما يلي من المؤاخذات :

١ ـ إن القوم لم يأخذوا رأي العترة الطاهرة فيها واستبدوا بالأمر وقد تناسوا وصايا النبي٦ فيها ، واهملوا ما أمرهم الرسول٦ من الاقتداء والتمسك بذريته يقول الامام شرف الدين طيب الله مثواه :

__________________

(١) شرح النهج ٢ / ٥

(٢) صحيح البخاري ١٠ / ٤٤ ومسند احمد ١ / ٥٥ وتمام المتون ص ١٣٧

١٣٥

« فلو فرض أن لا نص بالخلافة على أحد من آل محمد٦ وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب او اخلاق أو جهاد ، أو علم ، أو عمل ، او ايمان ، أو اخلاص ، ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل ، بل كانوا كسائر الصحابة ، فهل كان مانع شرعي ، أو عقلي ، أو عرفي يمنع من تأجيل عقد البيعة الى فراغهم من تجهيز رسول الله٦ ؟ ولو بأن يوكل حفظ الامن الى القيادة العسكرية موقتا حتى يستتب أمر الخلافة؟

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق باولئك المفجوعين؟ وهم وديعة النبي لديهم ، وبقيته فيهم. وقد قال الله تعالى :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) أليس من حق هذا الرسول ـ الذي يعز عليه عنت الامة ويحرص على سعادتها ، وهو الرءوف بها الرحيم لها ـ أن لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به ـ والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر »(١)

النبيّ٦ مسجى على فراش الموت لم يغيبه عن عيون القوم مثواه ، وراحوا بهلع وجشع يتسابقون الى الحكم والسلطان ، واهملوا عترته ، واجمعوا على مجافاتهم ، وهضم حقوقهم ، وسلب تراثهم ، ومنذ ذلك اليوم واجهت العترة الوانا قاسية من النكبات والخطوب فاريقت دماؤها ، وسبيت نساؤها ، ولم ترع فيها قرابة النبي٦ التي هي اولى بالرعاية والعطف من كل شيء.

٢ ـ ومما يؤخذ على هذه البيعة انها لم تكن جامعة لاهل الحل والعقد الذي يعتبرونه هم شرطا اساسيا فى حصول الاجماع وفي مشروعية الانتخاب ، فقد الغى القوم استشارة الطبقة الرفيعة في الاسلام فلم يعتنوا

__________________

(١) النص والاجتهاد ص ٧

١٣٦

بآرائها ولم يأخذوا موافقتها في الخليفة الجديد ، كما ان المكان الذي اجرى فيه الانتخاب كان مخفيا الى ابعد الحدود يقول عبد الوهاب النجار

« يرى المطلع على الشكل الذي حصلت به بيعة أبي بكر ان الاستشارة فى أمرها كانت ناقصة نقصا ظاهرا لان المعقول في مثل هذه الحال أن يتخذ المسلمون مكانا يجتمعون فيه وان يؤذن الناس به من قبل »(١)

إن انتخاب أبي بكر كان مشوها الى أبعد الحدود ، فقد انسحبت عن اختياره وانتخابه الشخصيات الفذة التي ساهمت في بناء كيان الاسلام وفي طليعتها الامام أمير المؤمنين٧ ومن يمت إليه من الهاشميين ووجوه الصحابة كسلمان الفارسي ، وأبي ذر وعمار بن ياسر ، وأبي بن كعب ، ومن الهاشميين الزبير وعتبة بن أبي لهب والعباس وغيرهم كما امتنع جميع الانصار أو بعضهم عن البيعة ، وقالوا » لا نبايع الا عليا »(٢) ومع انسحاب هذا العدد الضخم من الانتخاب ، وفيهم الضروس ، والرءوس ، والاعلام من المهاجرين والانصار كيف تكون البيعة مشروعة ، والانتخاب صحيحا؟!!

٣ ـ ان المسلمين قد أرغموا على بيعة أبي بكر ، وأكرهوا عليها ولم تكن ناشئة عن اختيارهم وارادتهم فقد لعبت درة عمر في تحقيقها وايجادها حتى ذهل المسلمون ، ولم يشترطوا فى ضمن العقد أن يسير الخليفة على كتاب الله وسنة نبيه كما اشترطوا ذلك على الخلفاء من بعده ولعل لهذه الاسباب حكم عمر بعدم مشروعيتها ، وعدم مشروعية أساليبها ، كما حكم بالقتل لمن يعود لمثلها.

__________________

(١) الخلفاء الراشدون : ص ١٦

(٢) تأريخ ابن الاثير

١٣٧

امتناع امير المؤمنين عن البيعة :

وامتنع أمير المؤمنين٧ عن البيعة ، واعلن سخطه البالغ على أبي بكر لأنه نهب تراثه ، وسلب حقه ، وهو يعلم أن محله من الخلافة محل القطب من الرحى ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير ـ على حد تعبيره ـ لذلك كان٧ لا يظن ان احدا يرقى منبر الخلافة غيره وقد اعلن ذلك بوضوح لما جاء إليه عمه العباس وطلب منه أن يبايعه فقال له :

يا بن أخي امدد يدك أبايعك ، فيقول الناس : عم رسول الله٦ بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان. »

فاجابه الامام :

« ومن يطلب هذا الأمر غيرنا »(١)

لقد قلده النبي٦ بهذا المنصب الرفيع يوم غدير خم ، واعلن له الولاية على ملأ من الناس ، بالاضافة الى وصاياه المتظافرة التي حث فيها أمته على متابعته ، وتسليم قيادتها بيده ، يقول الدكتور طه حسين فى هذا الموضوع ما نصه :

« نظر العباس في الأمر فرأى ابن أخيه أحق منه بوراثة هذا السلطان لأنه ربيب النبي ، وصاحب السابقة فى الاسلام ، وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد كلها ، ولأن النبيّ كان يدعوه أخاه حتى قالت له أم أيمن : ذات يوم مداعبة تدعوه أخاك وتزوجه ابنتك! ولأن النبي قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدى. وقال للمسلمين يوما آخر : من كنت مولاه فعلى مولاه. من أجل ذلك اقبل العباس

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٤

١٣٨

بعد وفاة النبي على ابن اخيه فقال له : ابسط يدك ابايعك »(١)

لقد تخلف امير المؤمنين عن البيعة فلم يسالم القوم ، ولم يمنحهم الرضا واعلن سخطه عليهم ، وحاججهم وناظرهم ، وقد حفل نهجه بتذمره البالغ وسخطه الشديد على القوم لأنهم سلبوا تراثه ، وجحدوا ولايته وحقه.

احتجاج ومناظرات :

واحتج الامام أمير المؤمنين٧ على القوم بأنه أولى بالامر واحق به منهم ، وكذلك احتج عليهم من يمت إليه من الهاشميين ، وذوي السابقة في الاسلام من اعلام المهاجرين والانصار ، والى القراء بعض تلك الاحتجاجات :

١ ـ الامام امير المؤمنين

ولما اخذ أمير المؤمنين٧ قسرا ليبايع أبا بكر قال له القوم بعنف :

« بايع أبا بكر »

فاجابهم وهو رابط الجأش ثابت الجنان

« أنا احق بالأمر منكم ، لا أبايعكم وانتم اولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الامر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي٦ وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للانصار أنكم اولى بهذا الامر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الامارة ، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار نحن اولى برسول الله حيا وميتا ، فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون »

__________________

(١) على وبنوه ص ١٩

١٣٩

وسلك٧ بهذا الاحتجاج الصارم الطريقة التي سلكها المهاجرون أمام الانصار من انهم امس الناس رحما برسول الله ، وهذا الملاك الذي هتف به المهاجرون واتخذوه وسيلة لتحطيم آمال خصومهم موجود فى الامام٧ على النحو الاكمل فهو ابن عم النبي٦ وختنه على ابنته ، ومما وسع ابن الخطاب أمام هذا المنطق الا أن يسلك طريق العنف ، وهو طريق من يعوزه الدليل والبرهان فقال له :

« إنك لست متروكا حتى تبايع »

فصاح به أمير المؤمنين

« احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا »

وثار الامام وهتف يزأر

« والله ، يا عمر لا اقبل قولك ، ولا ابايعه »

وخاف ابو بكر ان يصل الأمر الى ما لا تحمد عقباه فاقبل على الامام يتلطف به ويقول له بناعم القول.

« إن لم تبايع فلا أكره »

وحاول أبو عبيدة ارضاء الامام فقال له :

« يا بن عم إنك حدث السن ، وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ولا ارى أبا بكر إلا أقوى على هذا الامر منك وأشد احتمالا واضطلاعا به ، فسلم لأبي بكر هذا الأمر ، فانك إن تعش ويطل بك بقاء ، فانت لهذا الامر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك ، وفهمك وسابقتك ، ونسبك وصهرك »

وأثارت هذه المخادعة كوامن الالم والاستياء في نفس الامام فاندفع يخاطب المهاجرين ويذكر لهم مآثر اهل البيت: قائلا :

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530