حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام7%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213424 / تحميل: 8095
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

زيادته تمنع الفقراء والبؤساء من الاقتران ، ولهذه الغاية النبيلة قال (ص) : « أفضل نساء امتي أقلهن مهرا »(١) ويقول الامام موسى بن جعفر٧ : كان الرجل على عهد رسول الله يتزوج المرأة على السورة من القرآن وعلى الدرهم وعلى الحنطة ، القبضة(٢) وقد زوج (ص) أحد أصحابه وجعل صداق زوجه تعليم سورة من القرآن الكريم(٣) ، لقد حثت الشريعة الاسلامية على الزواج وتساهلت في صداقه ، والغت التفاضل بين الزوجين ، وجعلت المسلم كفء المسلمة ، والحكمة فى ذلك هو قمع الفساد والقضاء على البغاء ، وتكثير النسل ، وقد خفيت هذه العلل والاسباب على « لامنس » الذي لا ينظر الى الاشياء الا من زاوية المادة فاستنتج النتيجة السالفة على غير هدى جاهلا بالنظم الاسلامية الداعية الى سعادة المجتمع ودفع الشقاء عنه.

خطبة العقد :

ولما تم شراء الجهاز دعا رسول الله (ص) جماعة من المهاجرين والانصار لحضور مجلس العقد فلما مثلوا عنده اجرى (ص) خطبة النكاح وهذا نصها :

« الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب من عذابه وسطواته ، النافذ أمره في سمائه وارضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميزهم بأحكامه ، وأعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيه محمد٦ إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٤٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٦٦.

(٣) صحيح مسلم ١ / ٥٤٥.

٤١

او شج به الارحام والزمها الأنام ، فقال عزّ من قائل :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) وأمر الله يجري الى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكل قضاء قدر ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) ثم ان الله عز وجل أمرني أن ازوج فاطمة من علي ، وأشهدكم أني زوجت فاطمة من علي على اربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة ، فجمع الله شملهما ، وبارك لهما ، وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة ، وأمن الأمة اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم »

ولم يكن الامام حاضرا مجلس العقد ، وإنما كان في حاجة لرسول الله (ص) وحينما انتهت خطبة العقد دخل امير المؤمنين على النبي (ص) فلما رآه تبسم وقال له :

« يا علي ، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، واني قد زوجتكها على اربعمائة مثقال فضة » فقال أمير المؤمنين : رضيت ، وخر (ع) ساجدا لله شاكرا له ، ولما رفع رأسه من السجود قال (ص) : « بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما واخرج منكما الكثير الطيب »(١)

وأمر الرسول (ص) أن يقدم للمدعوين وعاء فيه بسر ، وقال لهم : « انتهبوا فتخاطف المدعوون منه(٢) وبعد الفراغ تفرقوا وهم يدعون للزوجين بالسعادة والهناء والذرية الطاهرة.

__________________

(١) نور الابصار ص ٤٢ وذكرت مع اختلاف يسير في الرياض النضرة ٢ / ١٨٣ وذخائر العقبى ص ٢٩ وغيرها.

(٢) ذخائر العقبى ص ٣٠ ، الرياض النضرة ٢ / ١٨١.

٤٢

الوليمة :

ولما حانت ليلة اقتران النورين قال رسول الله (ص) وقد غمرته الافراح :

يا علي : لا بد للعروس من وليمة

فانطلق سعد بن عبادة فتبرع بكبش وتبرع الانصار بأصوع من ذرة(١) ودعي المسلمون لتناول طعام العشاء وتقول اسماء : ما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمة علي(٢) وقام المدعوون فتناولوا الطعام ، وبعد الفراغ منه اقبلوا يهنئون الامام ويباركون له.

الزفاف :

وطلب النبي (ص) من أم سلمة أن تذهب بكريمته الى دار أمير المؤمنين فمضت أم سلمة مع حفنة من النساء تقدمهن أمهات المؤمنين قد زففن الصديقة الطاهرة الى بيت الامام وهن يرتلن الاهازيج والأشعار ، وبعد ما فرغ الرسول (ص) من صلاة العشاء انطلق الى دار علي فاستقبلته أم أيمن فقال لها بصوت فياض بالبشر :

« هاهنا أخي؟ »

وملكت الدهشة أم أيمن فراحت تقول :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ١٣ اسد الغابة ٥ / ٥٢١ وفي كنز العمال ٧ / ١١٤ ان رسول الله (ص) قال : لا بد للعروس من وليمة ثم امر بكبش فجمعهم عليه.

(٢) طبقات ابن سعد ٨ / ١٤ وجاء فى الرياض النضرة ٢ / ١٨٢ عن جابر قال : حضرنا عرس على فما رايت عرسا كان احسن منه حشونا البيت طيبا وأتينا بتمر وزيت فاكلنا منه.

٤٣

« بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فمن أخوك؟ »

« علي بن أبي طالب »

« وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟ »

« هو ذلك يا أم أيمن »

ودخل النبي (ص) فنهض الزوجان تكريما واجلالا له فالتفت إلى فاطمة وأمرها بان تناوله ماء فاحضرت له قعبا فيه ماء فاخذه ومج فيه وقال لها : قومي فنضح بعض ذلك الماء على ثدييها(١) ورأسها وهو يرفع صوته بالدعاء الى الله.

« اللهم ، إني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم »

وقال لعلي : عليّ بماء ، فاحضره له فاخذ منه شيئا ثم مجه فيه وصبه على رأسه وانطلق يدعو له :

« اللهم : إني اعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم »

ثم قال له ادبر فادبر وصب بقية ذلك الماء بين كتفيه ، ودعا له وقال له : ادخل باهلك باسم الله والبركة(٢) وانصرفت النسوة إلى منازلها وتخلفت أسماء بنت عميس فقال لها (ص) : « من أنت؟ »

« أنا التي أحرس ابنتك ، إن الفتاة ليلة بنائها لا بد لها من امرأة قريبة منها ، إن عرضت لها حاجة أو ارادت أمرا أفضت بذلك إليها »

فشكر النبي (ص) ذلك منها وانطلق يوافي ابنته بدعائه :

« إني اسأل الهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم »

وقام النبي (ص) فاغلق الباب بيده وانصرف وهو يدعو لهما خاصة

__________________

(١) وفي رواية فصب الماء بين يديها.

(٢) كنز العمال ٧ / ١١٤.

٤٤

لا يشرك أحدا في دعائه حتى توارى في حجرته(١) وكان تأسيس هذا البيت الجديد في السنة الثانية من الهجرة(٢) . ويمتد الزمن بعد زواج الامام٧ والعيش هادئ ، والحياة البيتية كل يوم في سرور قد غمرتها المودة والوداعة ، وبذل المعونة وترك الكلفة واجتناب هجر الكلام ومره ، فكان الامام يشارك زوجته في شئونها البيتية ويعينها بما تحتاج إليه فكانت حياتهما أسمى مثل للرابطة الزوجية الرفيعة.

وفي فترات تلك المدة السعيدة عرض للصديقة (ع) حمل وكان الرسول يبشر بطلائعه وأنه غلام وذلك حينما جاءت إليه أم الفضل تطلب منه تفسير رؤياها(٣) قائلة له يا رسول الله (ص) إني رأيت

__________________

(١) مجمع الهيثمي ٦ / ٢٠٧.

(٢) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٠٧ جاء فيه ان عليا تزوج فى السنة الثانية في رمضان وبنى بها فى ذي الحجة ، وذكر المسعودي في مروج الذهب ج ٢ ص ١٨٧ ان تزويج الامام٧ بفاطمة كان بعد سنة من الهجرة وقيل اقل من ذلك وكان عمر الامام علي٧ فى ذلك الوقت إحدى وعشرين سنة وخمسة اشهر وعمر الصديقة٣ خمس عشرة سنة وخمسة اشهر كما ذكر ذلك ابن حجر في المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٥٧ وذكر المسعودي في مروج الذهب ج ١ ص ٤٠٣ ان عمر الزهراء٣ كان ثماني عشرة سنة وعلي٧ عمره خمس عشرة سنة وجاء هذا أيضا فى طبقات الصحابة ج ٨ ص ١٣ وجاء فى البحار ج ١٠ ص ٤ ان عمرها الشريف كان عشر سنين وانها توفيت وعمرها ثماني عشرة سنة.

(٣) أمّ الفضل : هى زوجة العباس بن عبد المطلب واسمها لبابة وهى بنت الحارث الهلالية وهى اول امرأة آمنت بعد خديجة (رض) وهى شقيقة ميمونة زوجة النبيّ (ص) وهي إحدى الروايات عن النبي كذا جاء في الاصابة ج ٤ ص ٤٨٣ وفي الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة ج ٤ ص ٣٩٨ ، ان النبي (ص) كان

٤٥

في المنام أن عضوا من أعضائك سقط في بيتي ، فقال لها (ص) : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم(١) .

وكان المسلمون آنذاك ينتظرون بفارغ الصبر وخصوصا الرسول٦ ساعة ولادة الصديقة شوقا الى المولود المبارك لتطيب به للإمام (ع) ولزوجته الحياة وتظللهما السعادة ، ونختم الفصل لنستقبل الوليد الجديد.

__________________

يزورها ويقيل عندها وروت عنه احاديث كثيرة ، وقد ولدت أمّ الفضل للعباس ست رجال لم تلد امرأة مثلهم وهم الفضل وبه كانت تكنى ويكنى زوجها العباس أيضا ابا الفضل ، وعبد الله الفقيه ، وعبيد الله الفقيه ، ومعبد ، وقثم ، وعبد الرحمن ، وأم حبيبة سابعة ، وفي أمّ الفضل يقول عبد الله بن يزيد الهلالي :

ما ولدت نجيبة من فحل

بجبل نعلمه وسهل

كستة من بطن أمّ الفضل

اكرم بها من كهلة وكهل

عم النبي المصطفى ذي الفضل

وخاتم الرسل وخير الرسل

(١) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ جاء فيه ان الحسن (ع) لما ولد ارضعته أمّ الفضل ، وفي الإصابة ج ٤ ص ٤٨٤ ان الرؤيا التي قصتها أمّ الفضل كانت قبل ولادة الحسين (ع) فلما ولد ارضعته.

٤٦

الوليد الجديد

٤٧
٤٨

أطل على العالم الاسلامي نور الامامة من بيت أذن الله أن يرفع ، ويذكر فيه اسمه ، وانبثق من دوحة النبوة والإمامة فرع طيب زاك رفع الله به كيان الاسلام ، وأشاد به صروح الايمان ، وأصلح به بين فئتين عظيمتين.

لقد استقبل حفيد الرسول (ص) وسبطه الاكبر سيد شباب أهل الجنة دنيا الوجود في شهر هو أبرك الشهور وأفضلها حتى سمي شهر الله ، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وكان ذلك في السنة الثانية ، أو الثالثة من الهجرة(١) وقد شوهدت في طلعة الوليد طلعة الرسول (ص) وبدت فيه شمائل النبوة ومحاسن الإمامة.

__________________

(١) الاصابة ج ١ ص ٣٢٨ ، الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣ ، دائرة المعارف للبستاني ج ٧ ص ٣٨. ذكر هؤلاء ان ولادته٧ كانت فى السنة الثالثة من الهجرة فى النصف من شهر رمضان ، وجاء فى شذرات الذهب ج ١ ص ١٠ ان ولادته كانت فى الخامس من شهر شعبان. وهو اشتباه ظاهر ولعله اشتبه بالامام الحسين (ع) فان ولادته كانت في الخامس من شهر شعبان وذهب جماعة ان ولادته «ع» كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وجاء في مرآة العقول ص ٣٩٠ ما نصه : إن التحقيق انه لا منافاة بين تأريخى الولادة لأن كلا مبنى على اصطلاح فى مبدأ التأريخ غير الاصطلاح الذي عليه بناء الآخر وتفصيله ان فيه ثلاث اصطلاحات « الأول » : ان يكون مبدؤه فى شهر ربيع الأول فان الهجرة إنما كانت فيه ، وبناء الصحابة عليه إلى سنة ستين ورواية ان الحسن ولد سنة اثنتين من الهجرة محمول على هذا المبنى. « الثاني » ان يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على شهر ربيع الأول الذي وقعت فيه الهجرة لأنه اول السنة الشرعية ورواية ان الحسن (ع) ولد سنة ثلاث مبنى على هذا. « الثالث » : ما اخترعه عمر وهو ان مبدأه المحرم انتهى.

وما افاده صاحب « مرآة العقول » رافع للتعارض بين القولين واما ما افاده

٤٩

ولما أذيع نبأ ولادة الصديقة بالمولود المبارك غمرت موجات من السرور والفرح قلب النبيّ (ص) فسارع إلى بيت ابنته ـ أعز الباقين ، والباقيات عليه من ابنائه ـ ليهنئها بمولودها الجديد ويبارك به لاخيه امير المؤمنين ، ويفيض على المولود شيئا من مكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم باسره ولما وصل (ص) الى مثوى الامام نادى :

« يا أسماء : هاتيني ابني »

فانبرت أسماء ، ودفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها.

وقال :

« الم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ »

وقام (ص) فسرّه ، وألباه بريقه(١) وضمه إلى صدره ، ورفع يديه بالدعاء له.

__________________

الاستاذ محمد فريد وجدي فى « دائرة المعارف ج ٣ ص ٤٤٣ » ان ولادة الحسن ٧ كانت قبل الهجرة بست سنين فهو مخالف لاجماع المؤرخين فانه قبل الهجرة لم يكن الامام امير المؤمنين متزوجا بالصديقة كما اوضحنا ذلك ، واما كيفية ولادة الصديقة بالامام (ع) فقد جاء بيانها فى تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ انه لما حان وقت ولادتها بعث إليها رسول الله (ص) اسماء بنت عميس وأم ايمن فقرأتا عليها آية الكرسي والمعوذتين وحدثت اسماء فقالت : قبلت فاطمة بالحسن (ع) فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله إني لم أر لفاطمة دما فى حيض ولا نفاس فقال (ص) أما علمت ان فاطمة طاهرة مطهرة لا يرى لها دم فى طمث ولا ولادة ، وكانت مدة حملها به ستة اشهر ، وذهب صاحب « الفصول المهمة » الى خلافه وعليه فلم يولد مولود عمره ستة اشهر فعاش إلا عيسى بن مريم ٧ كما ذكر ذلك فقيد العلم الأمينى ; فى « اعيان الشيعة ج ٤ ص ٣ ».

(١) سرأه : قطع سرته ، ألباه بريقه ، مأخوذ من اللباء ، وهو اول اللبن عند الولادة ، والمراد انه «ص» اطعمه بريقه كما يطعم الصبي اللباء.

٥٠

« اللهم : إني أعيذه بك ، وذريته من الشيطان الرجيم »(١)

سنن الولادة :

واخذ (ص) باجراء مراسيم الولادة وسننها على مولوده المبارك وهى :

١ ـ الأذان والإقامة :

وأذن (ص) في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى(٢) وفي الخبر « ان ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم »(٣) .

همسة رائعة همس بها خير بني آدم في أذن وليده ، ليستقبل عالم الوجود باسمى ما فيه ، فاى بداية منح بها الانسان افضل من هذه البداية التي منح بها السبط الاكبر؟! فان اول صوت قرع سمعه هو صوت جده الرسول (ص) علة الموجودات ، وسيد الكائنات ، وأنشودة ذلك الصوت.

« الله اكبر لا إله إلا الله. »

بهذه الكلمات المنطوية على الإيمان بكل ماله من معنى يستقبل بها الرسول (ص) سبطه فيغرسها في اعماق نفسه ، ويغذي بها مشاعره ، وعواطفه لتكون انشودته في بحر هذه الحياة.

٢ ـ التسمية :

والتفت (ص) إلى أمير المؤمنين ، وقد أترعت نفسه العظيمة بالغبطة والمسرات فقال له :

__________________

(١) دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٣٨.

(٢) مسند الامام احمد بن حنبل ٦ / ٣٩١ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، صحيح أبي داود ٣٣ / ٢١٤ ، وقيل إنه لم يفعل ذلك بنفسه ، وإنما او عز إلى اسماء بنت عميس وأمّ سلمة أن تفعلا ذلك به ساعة الولادة ذكره الشبلنجي في نور الابصار ص ١٠٧.

(٣) الجواهر كتاب النكاح.

٥١

« هل سميت الوليد المبارك؟ »

فأجابه الامام :

« ما كنت لاسبقك يا رسول الله. »

وانطلق النبي (ص) فقال له :

« ما كنت لأسبق ربي »

وما هي الا لحظات وإذا بالوحي يناجى الرسول ، ويحمل له « التسمية » من الحق تعالى يقول له جبرئيل : « سمه حسنا »(١) .

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ وجاء فيه ان امين الوحي جبرئيل هبط على النبي (ص) فقال له : إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدك فسم ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال له (ص) وما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ فقال شبر فقال له (ص) : إن لساني عربي فقال : سمه الحسن ففعل (ص) ذلك.

وقريب من هذا ذكره العاملي ; في « اعيان الشيعة » وجاء في « اسد الغابة » ، وتأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ ان اسم الحسن لم يكن معروفا فى الجاهلية وجاء في تأريخ الخميس ان رسول الله اسماه بهذا الاسم في اليوم السابع من ولادته ، وهذا القول بعيد لأن التسمية وقعت عقيب الولادة بلا فصل كما ذهب إليه كافة المؤرخين ، وجاء فى الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ ، وفى الأدب المفرد ص ١٢٠ انه لما ولد الحسن ٧ جاء رسول الله «ص» فقال اروني ابني فما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو حسن ، فلما ولد الحسين قال اروني ابني فما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو حسين ، فلما ولد الثالث قال ما اسميتموه؟ قالوا حربا ، فقال «ص» بل هو محسن ، ثم قال ٦ إني سميتهم باسماء ولد هارون شبر وشبير ، ويمكن ان يقال إن هذه الرواية موضوعة ، اولا إن العداء بين الهاشميين وآل حرب غير خفي فما هو المحبذ لآل البيت بتسمية ابنائهم باسم حرب الذي ينتمى

٥٢

حقا إنه اسم من أحسن الأسماء وكفى به جمالا وحسنا أن الخالق الحكيم هو الذي اختاره ليدل جمال لفظه على جمال المعنى وحسنه.

٣ ـ العقيقة :

(١) وانطوت سبعة أيام على ولادة حفيد الرسول (ص) فاتجه (ص) إلى بيت الإمام (ع) ليقوم ببعض التكريم والاحتفاء فجاء بأقصى ما عنده من البر والتوسعة فعق عنه بكبش واحد(٢) واعطى القابلة منه الفخذ وصار فعله هذا سنة لأمته من بعده.

٤ ـ حلق رأسه :

وحلق (ص) رأس حفيده بيده المباركة ، وتصدق بزنته فضة على

__________________

إليه الأمويون وثانيا إن إعراض الرسول «ص» عن اسم حرب حين ولادة الحسن «ع» هو كاف في إعراض آل البيت عن تسمية الحسين والمحسن بهذا الاسم ، وثالثا إن المحسن لم يولد في حياة الرسول «ص» فهذه الامور تبعد صحة الرواية التي ذكرها صاحب « الاستيعاب » وغيره وروى احمد بن حنبل فى مسنده عن علي «ع» انه قال : لما ولد لي الحسن سميته باسم عمي حمزة ولما ولد الحسين سميته باسم اخى جعفر فدعاني رسول الله «ص» فقال إن الله قد امرني ان اغير اسم هذين فسماهما حسنا وحسينا ، وهذه الرواية أيضا ضعيفة فان الرسول «ص» اسمى حفيديه عقيب ولادتهما ولم يذهب احد الى ما ذكره الامام احمد.

(١) العقيقة في اللغة صوف الجذع وشعر كل مولود من الناس وهى مأخوذة من العق وهو الشق والقطع سمى الشعر المذكور بذلك لأنه يحلق عنه والعقيقة من المستحبات الأكيدة وذهب بعض الفقهاء الى وجوبها ، وقال «ص» حين ذبحها بسم الله عقيقة عن الحسن اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله.

(٢) تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، الحلية ٧ / ١١٦ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، اعيان الشيعة ج ٤ ص ١٠٨ ، وذكر الشبلنجي في نور الابصار

٥٣

المساكين(١) وطلى رأسه بالخلوق(٢) حقا لم نر حنانا مثل هذا الحنان ، ولا عطفا يضارع هذا العطف.

٥ ـ الختان :

واجرى (ص) عليه الختان في اليوم السابع من ولادته(٣) لأن ختان الطفل في ذلك الوقت اطيب له وأطهر(٤) .

٦ ـ كنيته :

وكناه النبي (ص) أبا محمد(٥) ولا كنية له غيرها ، وبهذا

__________________

والطحاوى في مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، والحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٢٣٧ ان رسول الله ٦ عق عن الحسن والحسين عن كل واحد بكبشين وهذه الرواية ضعيفة فقد طعن بها شمس الدين الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع على هامش مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢٣٧ فقال إن راويها سوار وهو ضعيف الرواية هذا اولا وثانيا ان أئمة الفقه لم يذكروا في تشريع العقيقة إلا واحدة.

(١) تأريخ الخميس ١ / ٤٧٠ ، نور الابصار ص ١٠٧ صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ وجاء فيها ان زنة شعره كانت درهما او بعض درهم.

(٢) الخلوق : طيب مركب من زعفران وغيره ، وفي البحار ١٠ / ٦٨ ان العادة في الجاهلية كانوا يطلون رأس الصبي بالدم ، فقال٦ : الدم من فعل الجاهلية ، ونهى اسماء عن فعل ذلك.

(٣) نور الابصار : ص ١٠٨.

(٤) جواهر الاحكام كتاب النكاح ، وجاء فيه ان رسول الله٦ قال : طهروا اولادكم يوم السابع فانه اطيب ، واطهر ، واسرع لنبات اللحم ، وان الارض تنجس من بول الأغلف اربعين يوما.

(٥) اسد الغابة ٢ / ٩ ، والكنية هى ان تصدر بأب او أم ، وهى من سنن الولادة فعن الامام محمد الباقر٧ : إنا لنكني اولادنا في صغرهم مخافة النبز ان يلحق بهم.

٥٤

انتهت جميع مراسيم الولادة التي قام النبيّ (ص) بها لسبطه الأكبر.

ألقابه :

ولقب (ع) بالسبط ، والزكي ، والمجتبى ، والسيد ، والتقي.

ملامحه :

أما ملامحه ، فكانت تحاكي ملامح جده الرسول (ص) فقد حدث أنس ابن مالك قال : لم يكن أحد أشبه بالنبى من الحسن بن علي(١) وقد صور رواة الأثر صورته بما ينطبق على صورة جده (ص) فقالوا : إنه كان ابيض مشربا بحمرة ادعج العينين(٢) ذا وفرة(٣) عظيم الكراديس(٤) بعيد المنكبين(٥) جعد الشعر(٦) كث اللحية(٧)

__________________

(١) فضائل الاصحاب : ص ١٦٦ ، وفي صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٧ عن علي٧ قال : الحسن اشبه برسول الله٦ ما بين الصدر الى الرأس ، والحسين اشبه بالنبي٦ ما كان اسفل من ذلك ، وفي الاصابة عن البهي قال : تذاكرنا من اشبه النبي٦ من اهله فدخل علينا عبد الله بن الزبير ، فقال : انا احدثكم بأشبه اهله به ، واحبهم إليه الحسن بن علي ، ورواه الهيثمى فى مجمعه ٩ / ١٧٥ ، وفي المحبر ص ٤٦٩ ان فاطمة٣ كانت ترقص ولدها الحسن وتقول له : وا بأبي شبه ابي غير شبيه بعلي

(٢) الادعج : شدة فى سواد العين مع سعتها.

(٣) الوفرة : الشعر السائل على الأذنين ، او هو الشعر المجتمع على الرأس.

(٤) الكراديس : جمع مفرده الكردوسة ، وهى كل عظمين التقيا في مفصل او العظم الذي يجتمع عليه اللحم ، والمراد ضخم الاعضاء.

(٥) المنكبين تثنية منكب ، وهو مجتمع راس الكتف والعضد.

(٦) الجعد : الشعر الذي فيه التواء ، وتقبض ، وهو خلاف المسترسل.

(٧) كث اللحية : قصرها مع كثرة شعرها.

٥٥

كأن عنقه إبريق فضة(١) وهذه الأوصاف تضارع أوصاف النبيّ (ص) حسب ما ذكره الرواة من أوصافه (ص) ، وكما شابه جده في صورته فقد شابهه وماثله في اخلاقه الرفيعة(٢) .

رأى النبيّ (ص) أن سبطه الحسن (ع) صورة مصغرة عنه ، يضارعه في أخلاقه ، ويحاكيه في سمو نفسه ، وانه قبس من سناه ، يرشد أمته من بعده الى طريق الحق ، ويهديها إلى سواء السبيل ، واستشف (ص) من وراء الغيب أن كل ما يصبو إليه في هذه الحياة من المثل العليا سيحققه على مسرح الحياة ، فافرغ عليه أشعة من روحه العظيمة ، وقابله بالعناية والتكريم ، وأفاض عليه حنانه وعطفه ، من حين ولادته ونشأته ، وسنقدم عرضا مفصلا لإلوان ذلك التكريم والاحتفاء الذي صدر من النبي (ص) تجاه الحسن في حال طفولته وصباه.

__________________

(١) تأريخ الخميس ١ / ١٧١ ، وذكر البستاني في دائرة المعارف ٧ / ٣٨ بعض هذه الاوصاف.

(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١ ، وعن الغزالي فى احياء العلوم ان رسول الله٦ قال للحس : « اشبهت خلقي وخلقي ».

٥٦

ذكاء وعبقريّة

٥٧
٥٨

ومما لا شبهة فيه أن للتربية الصالحة أهمية كبرى في تكوين الطفل ، وتنمية مداركه ، كما أن سلوك الوالدين لهما الأثر الفعال في نمو ذكائه ، وفي سلوكه العام ، وطفولة الامام الحسن (ع) قد التقت بها جميع هذه العناصر الحية ، فالرسول (ص) تولى تربية سبطه ، وافاض عليه بمكرمات نفسه ، والامام أمير المؤمنين (ع) غذاه بحكمه ومثله ، والعذراء القديسة أفضل بنات حواء قد غرست في نفس وليدها الفضيلة والكمال ، وبذلك سمت طفولته فكانت مثالا للتكامل الانساني ، وعنوانا للسمو والتهذيب ، ورمزا للذكاء والعبقرية.

لقد ذهب بعض علماء النفس إلى أن الطفل في اصغر ما يلزمه من العادات ، وفي أهم الخصائص العقلية ، والخلقية ، وفي الموقف العام الذي يقفه من الناس ، وفي وجهة النظر العامة التي ينظر بها إلى الحياة أو العمل في كل هذه الأشياء مقلد إلى حد كبير ، وقد يكون التقليد أحيانا شعوريا مقصودا ، ولكنه في أغلب الحالات يكون لا شعوريا ، فاذا منح الطفل بتقليده الأشخاص المهذبين ظل متأثرا باخلاقهم وعواطفهم ، وإن هذا التأثير في أول الأمر يعتبر تقليدا ، ولكنه سرعان ما يصبح عادة ، والعادة طبيعة ثانية ، والتقليد هو أحد الطريقين اللذين تكتسب بهما الخصائص الفردية ، وتتكون بهما الأخلاق الشخصية(١) .

إن الامام الحسن (ع) على ضوء هذا الرأي ، هو الفرد الاول في خصائصه العقلية ، والخلقية لأنه نشأ في بيت الوحي ، وتربى في مدرسة التوحيد ، وشاهد جده الرسول (ص) الذي هو اكمل انسان ضمه هذا الوجود ، يقيم في كل فترة من الزمن صروحا للعدل ، ويشيد دعائم الفضيلة والكمال ، قد وسع الناس باخلاقه ، وجمعهم على كلمة التوحيد وتوحيد

__________________

(١) علم النفس فى الحياة لما ندر.

٥٩

الكلمة ، فتأثر السبط بذلك ، وانطلق يسلك خطى جده في نصح الناس وارشادهم فقد اجتاز مع أخيه سيد الشهداء (ع) ، وهما في دور الطفولة على شيخ لا يحسن الوضوء ، فلم يدعهما السمو في النفس ، وحب الخير للناس أن يتركا الشيخ على حاله لا يحسن وضوءه ، فاحدثا نزاعا صوريا أمامه ، وجعل كل منهما يقول للآخر : أنت لا تحسن الوضوء ، والتفتا إلى الشيخ باسلوب هادئ وجعلاه حاكما بينهما قائلين له :

« يا شيخ ، يتوضأ كل واحد منا أمامك ، وانظر أي الوضوءين أحسن؟ » فتوضآ أمامه ، وجعل الشيخ يمعن في ذلك فتنبه إلى قصوره ، والتفت إلى تقصيره من دون أن يأنف فقال لهما :

« كلاكما ، يا سيدي : تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لا يحسن ، وقد تعلم الآن منكما ، وتاب على يديكما »(١)

وهذه البادرة ترينا بوضوح ان اتجاه الرسول (ص) في هداية الناس بالطرق السليمة والاخلاق الرفيعة قد انطبعت في ذهن الامام الحسن٧ وهو في دور الصبا حتى صارت من خصائصه ومن طبائعه لقد ذهب بعض علماء النفس إلى وراثة الخلق الفردي ، وان لها أثرا مهما في تكوين اخلاق الشخص وأنها لا تقل أهمية عن التقليد ، يقول « هكسلي » :

« ما من أثر أو خاصة لكائن عضوي الا ويرجع كلها الى الوراثة ، أو إلى البيئة ، فالتكوين الوراثي يضع الحدود ، لما هو محتمل ، والبيئة تقرر أن هذا الاحتمال سيتحقق ، فالتكوين الوراثي ليس الا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص ».

وقد أيد هذه النظرية ( جنجز ) فقال : « إن كل انسان لديه

__________________

(١) البحار ١٠ / ٨٩.

٦٠

قوى موروثة كامنة ، ولكن اظهار أية واحدة يقف على الظروف التي تحيط بهذه القوى عند نموها ».

وقاعدة الوراثة تقضى ان الامام الحسن (ع) في طليعة من ظفر بهذه الظاهرة فقد ورث ما استقر في نفس جده (ص) من القوى الروحية ، والثروة الاصلاحية الهائلة يضاف إلى ذلك تأثره بالبيئة الصالحة التي تكونت من أسرته ومن خيار المسلمين وصلحائهم.

وملك الامام الحسن (ع) بمقتضى ميراثه من الذكاء ، وسمو الادراك ما لا يملكه غيره ، فقد حدث الرواة عن مدى نبوغه الباكر ، فقالوا : إنه كان لا يمر عليه شيء إلاّ حفظه ، وكان يحضر مجلس جده (ص) فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها ، فتحدث به أمير المؤمنين (ع) فيتعجب ، ويقول :

« من أين لك هذا؟!! »

« من ولدك الحسن. »

واختفى الامام (ع) في بعض زوايا البيت ليسمع ولده ، ويقبل الحسن على عادته ليلقي على أمه ما حفظه من آيات الوحي والتنزيل فيرتج عليه ، ولا يستطيع النطق فتبادر البتول قائلة :

« يا بني ، لما ذا أرتج عليك؟!! »

« يا أماه لا تعجبي مما عراني ، فان كبيرا يرعاني!! »(1) .

وهذه البادرة تدل بوضوح على مدى ادراكه الواسع ، الذي يبصر به الاشياء من بعيد ، ويستشف به ما غاب عنه من وراء حجاب.

__________________

(1) مناقب ابن شهر اشوب 2 / 148 ، البحار 10 / 93.

٦١

حفظه للحديث :

وحفظ (ع) وعمره الشريف اربع سنين الشيء الكثير مما سمعه من جده (ص) ونشير إلى بعض ما رواه عنه.

1 ـ قال (ع) : علمنى رسول الله (ص) كلمات أقولهن في الوتر : ( اللهم ، اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما اعطيت ، وقنى شر ما قضيت ، فانك تقضى ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت »(1)

2 ـ وروى عمير بن مأمون ، قال : سمعت الحسن بن علي (ع) يقول : ( من صلى صلاة الغداة ، فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار ، أو قال : ستر من النار )(2) .

3 ـ وقال له بعض أصحابه : ما تذكر من رسول الله (ص)؟ فقال (ع) : أخذت تمرة من تمر الصدقة ، فتركتها في فمي فنزعها بلعابها ، فقيل يا رسول الله ، ما كان عليك من هذه التمرة ، قال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة(3) .

4 ـ وسئل (ع) عما سمعه من رسول الله (ص) ، فقال : سمعته يقول لرجل : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فان الشر ريبة والخير

__________________

(1) صحيح الترمذي 1 / 93 مستدرك الحاكم 3 / 172 تاريخ ابن عساكر 4 / 20.

(2) اسد الغابة 2 / 11.

(3) اسد الغابة 2 / 11 والمراد من الصدقة المحرمة على آل البيت هي الصدقة الواجبة كالزكاة والفطرة دون غيرهما من الصدقات المندوبة.

٦٢

طمأنينة »(1) .

5 ـ وحدث (ع) أصحابه عن خلق جده الرسول (ص) وسيرته فقال : كان رسول الله (ص) إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول.

6 ـ قال (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : « ادعوا لي سيد العرب ـ يعنى عليا ـ فقالت له عائشة : الست سيد العرب؟ فقال لها أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فدعى له الإمام فلما مثل بين يديه أرسل خلف الأنصار ، فلما حضروا التفت إليهم قائلا :

يا معشر الأنصار ألا ادلكم على شيء ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، قالوا بلى يا رسول الله فقال : هذا علي فأحبوه بحبي واكرموه بكرامتى فان جبرئيل أخبرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل(2) وقد

__________________

(1) تأريخ اليعقوبى 2 / 201 وفي مسند احمد 1 / 200 انه7 قال سمعت رسول الله قد قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فان الصدق طمأنينة ، وان الكذب ريبة.

(2) حياة علي بن ابي طالب للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ص 83 وذكر الدكتور زكي مبارك فى التصوف الإسلامي ج 1 ص 274 في بيان مأخذ عقيدة الصوفية في سيد الأنبياء محمد6 يقول : ومن الخير ان ننص على ان هذا الشطط استند فيه الصوفية إلى حديث « أنا سيد الأنبياء » وهو حديث شك فيه العلماء فقد جاء في كتاب العجلونى المسمى « كشف الخفاء والالتباس ، عما اشتهر من الاحاديث على السنة الناس » ان الحسن بن علي روى ان الرسول قال ( ادعوا لي سيد العرب ) يعني عليا فقالت له عائشة : الست سيد العرب ، فقال أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب ، ثم حدثنا العجلوني ان الذهبي يجنح إلى الحكم على هذا الحديث بالوضع ، اقول : لم يتبين لنا بجلاء ما افاده الدكتور زكي.

٦٣

نقل علماء الفقه ورواة السنة الشيء الكثير عنه (ع) مما سمعه وشاهده من رسول الله (ص) فيما يتعلق بأحكام الشريعة المقدسة وآدابها وذلك يدل على نبوغه وعبقريته وإدراكه الواسع ، والناظر في دور طفولته (ع) يهيم بها إعجابا وإكبارا وتقديسا وذلك لما لها من آيات للكمال والفضيلة والذكاء ، ولما أنيطت بلون من التربية الرفيعة التي لم يظفر بها إنسان فيما نحسب.

__________________

مبارك في مأخذ عقيدة الصوفية ولبيان الحال نقول إنهم قد انفردوا عن بقية فرق الاسلام بالتزامهم بجهتين ( الاولى ) إن هناك تعينا اوليا وهو مجمع التعينات وهو المسمى بالعقل الأول والصادر الأول في لسان الفلاسفة القدامى ، ومستندهم في ذلك هي البراهين التي اقيمت فى الفلسفة التي منها إن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد ( الثانية ) تطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية المقدسة وبهذا التطبيق انحازوا عن الفلاسفة ، وحجتهم في ذلك هي الأخبار كحديث ( أنا سيد الناس ) ( ولو لاي لما خلقت الأكوان ) وانا نبي وآدم بين الماء والطين ، ونحوها من الأخبار الدالة على إثبات مطلوبهم بنحو من الدلالة العقلية ، والمتصوفة إنما كانوا متصوفة بالتزامهم بالجهة الأولى التي ذهبت إليها الفلاسفة ، فكان الأجدر بالدكتور زكي مبارك ان لا يطلق القول في ان عقيدة الصوفية قد اخذت من الأخبار وعليه ان يبين ان استنادهم إلى الأخبار إنما هو لتطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية ، وكان المناسب له التعرض الى مناقشة الصوفية في الجهة الأولى ، وبيان السر في تشكيك العلماء في حديث ( أنا سيد الناس ) هل كان مصدره ضعف الراوى ، او من جهة اعتماد الصوفية عليه والأخير غير صالح للتضعيف والأول غير معلوم.

٦٤

تكريم وحفاوة

٦٥
٦٦

واشاد كتاب الله العزيز بفضل اهل البيت واحتفى بهم رسول الله (ص) فقرنهم بمحكم الكتاب ، وفرض على الأمة مودتهم وحبهم ، ولا بد لنا أن نشير إلى بعض ما ورد في الكتاب ، والسنة في حق أهل البيت (ع) فان ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بما نحن فيه ويكشف لنا عن مدى خطورة الامام الحسن (ع) وعظم شأنه ، وسمو منزلته ، وإلى القراء ذلك :

الكتاب العزيز :

ونطق كتاب الله العظيم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ـ بفضل أهل البيت ، وبسمو مكانتهم عند الله ، وحسبنا أن نشير إلى بعض آياته :

1 ـ آية المودة :

وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت (ع) وقد نطق القرآن بذلك قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (1) وروى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال بعض المسلمين : يا رسول الله من قرابتك الذين أوجبت علينا طاعتهم؟ فقال (ص) : علي وفاطمة وابناهما(2) وروى أبو نعيم بسنده عن جابر ، قال جاء اعرابي إلى النبي

__________________

(1) سورة الشورى : آية 23

(2) تفسير الفخر الرازي 7 / 406 ، الدر المنثور 7 / 7 ، تفسير النيسابوري

٦٧

(ص) فقال : يا محمد أعرض عليّ الاسلام ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، قال : تسألني عليه أجرا؟ قال : ـ لا ـ إلا المودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي ، قال هات أبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله ، قال (ص) آمين(1) وصرح الامام الحسن (ع) أنه من المعنيين بهذه الآية فى بعض خطبه قال (ع) :

« وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ، وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. »(2)

وإلى مضمون الآية الكريمة يشير الامام الشافعي فى قوله :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله(3)

وأفاد الفخر الرازي ما نصه : « وإذا ثبت هذا ـ يعنى أنها نزلت في علي وفاطمة وابناهما ـ وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، وتدل عليه وجوه « الاول » قوله تعالى :( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ووجه الاستدلال به ما سبق ، وهو ما ذكره من قبل من أن آل محمد (ص)

__________________

في تفسير سورة الشورى ، تفسير ابن جرير الطبري 5 / 16 ، الكشاف في تفسير سورة الشورى ، الصواعق المحرقة : ص 102 ، ذخائر العقبى : ص 25 نور الابصار : ص 100.

(1) حلية الأولياء 3 / 201.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 172 ، مجمع الزوائد 9 / 146 ، الصواعق المحرقة ص 101 ، مجمع البيان في تفسير سورة الشورى 9 / 29.

(3) الصواعق المحرقة : ص 88.

٦٨

هم الذين يئول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك ان فاطمة وعليا والحسن والحسين (ع) كان التعلق بينهم وبين رسول الله (ص) أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل « الثانى » لا شك ان النبي (ص) كان يحب فاطمة (ع) قال (ص) : « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها » وثبت بالنقل المتواتر عن محمد (ص) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين: ، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله ، لقوله تعالى :( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ولقوله تعالى :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) ولقوله :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ولقوله سبحانه :

و( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) « الثالث » إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد » وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب »(1)

إن مودة أهل البيت من أهم الواجبات الاسلامية ، ومن أقدس الفروض الدينية لأن فيها أداء لأجر الرسالة ، وصلة للرسول (ص) ، وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء في سبيل انقاذ المسلمين من الشرك وعبادة الأوثان ، فحقه على الأمة أن توالي عترته ، وتكن لها المودة والاحترام.

2 ـ آية التطهير :

ومن آيات الله البينات الدالة على عصمة اهل البيت من الذنوب ، وعلى طهارتهم من الزيغ والآثام ، آية التطهير قال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير آية المودة فى سورة الشورى.

٦٩

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) وهي صريحة الدلالة في العصمة ، ويقع البحث في الآية من جهات :

أ ـ دلالتها على العصمة :

وكيفية الاستدلال بها على عصمة أهل البيت ، انه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس ـ أي المعاصي ـ بكلمة انما ، وهي من أقوى أدوات الحصر وبدخول اللام في الكلام الخبري وبتكرار لفظ الطهارة وذلك يدل ـ بحسب الصناعة ـ على الحصر والاختصاص ، ومن المعلوم أن ارادة الله تعالى يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وبذلك يتم الاستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب ومعصية.

ب ـ المختصون بها :

واجمع ثقاة الرواة أنها نزلت في رسول الله (ص) وفي أمير المؤمنين7 وفاطمة ، والحسنين (ع) ولم يشاركهم أحد في هذه الفضيلة(2) فقد روى الحاكم بسنده عن أم سلمة أنها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) قالت : فأرسل رسول الله (ص) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، قالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل

__________________

(1) سورة الأحزاب :

(2) انظر تفسير الفخر 6 / 783 ، النيسابوري في تفسير سورة الاحزاب ، صحيح مسلم 2 / 331 ، الخصائص الكبرى 2 / 264 ، الرياض النضرة 2 / 188 ، خصائص النسائي 4 ، تفسير ابن جرير 22 / 5 ، مسند الامام احمد بن حنبل 4 / 107 سنن البيهقي 2 / 150 ، مشكل الآثار 1 / 334 وغيرها.

٧٠

البيت؟ قال « إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي ، اللهم أهل بيتي احق »(1) .

وفي رواية أم سلمة الأخرى : « قالت في بيتي نزلت : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت » ، وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا »(2)

وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) في قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » قال : جمع رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع) ثم أدار عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأم سلمة على الباب فقالت : يا رسول الله ألست منهم؟ فقال : إنك لعلى خير ، أو إلى خير »(3) .

ويدل على اختصاص الآية بهم وعدم شمولها لغيرهم ما رواه ابن عباس قال : « شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتى كل يوم باب علي بن أبي طالب (ع) عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » الصلاة رحمكم الله ، كل يوم خمس مرات »(4) .

واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال : حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغد إلا أتى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ، ثم قال : الصلاة ،

__________________

(1) مستدرك الحاكم 2 / 416 ، اسد الغابة 5 / 521.

(2) الدر المنثور 5 / 199.

(3) تأريخ بغداد 10 / 278.

(4) الدر المنثور.

٧١

الصلاة « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(1)

وروى أبو برزة قال : صليت مع رسول الله (ص) سبعة أشهر فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (ع) فقال : السلام عليكم « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(2)

وروى أنس بن مالك قال : كان النبي (ص) يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر ، ويقول : الصلاة يا أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا »(3)

وقال الامام الحسن (ع) في بعض خطبه :

« وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا. »(4)

لقد تواترت الاخبار الصحيحة التي لا مجال للشك في سندها ، وفي دلالتها ، على اختصاص الآية الكريمة فى الخمسة من أهل الكساء: ، وعدم تناولها لغيرهم من أسرة النبي (ص).

ج ـ خروج نساء النبي :

وليس لنساء النبي (ص) نصيب في هذه الآية ، فقد اختص بها أهل الكساء ، وللتدليل على ذلك نذكر ما يلي :

1 ـ خروجهن موضوعا عن الأهل ، فإنه موضوع لعشيرة الرجل

__________________

(1) الدر المنثور.

(2) مجمع الزوائد 9 / 169.

(3) ذخائر العقبى : ص 24.

(4) مستدرك الحاكم 3 / 172.

٧٢

وذوى قرباه ، ولا يشمل الزوجة ، ويؤكد هذا المعنى ما صرح به زيد ابن ارقم حينما سئل من أهل بيته ـ اي النبي (ص) ـ نساؤه؟ فقال ـ لا ـ وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها ، وقومها ، أهل بيته أصله ، وعصبته ، الذين حرموا الصدقة بعده(1) .

2 ـ انا لو سلمنا أن الأهل يطلق على الزوج فلا بد من تخصيصه ، وذلك للاخبار المتواترة التي تقدم ذكرها وهي توجب تقييد الاطلاق من دون شك.

د ـ مزاعم عكرمة :

وزعم عكرمة أن الآية نزلت في نساء النبي (ص) وكان ينادى بذلك في السوق(2) وبلغ من اصراره وعناده أنه كان يقول : ( من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبيّ )(3) وعكرمة لا يعول على روايته ، ولا يوثق به ، وذلك لما يلي :

1 ـ انه من الخوارج(4) وموقف الخوارج من الامام أمير المؤمنين معروف ، من ناحية النصب والعداء.

2 ـ انه قد عرف بالكذب واشتهر به فعن ابن المسيب « انه قال لمولى اسمه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس »(5) وعن عثمان بن مرة أنه قال للقاسم : ان عكرمة حدثنا عن ابن عباس كذا :

__________________

(1) صحيح مسلم 2 / 238 ، تفسير ابن كثير 3 / 486.

(2) اسباب النزول للواحدي : ص 268.

(3) الدر المنثور 5 / 198.

(4) طبقات القراء 1 / 15 ، طبقات ابن سعد 5 / 216.

(5) الكلمة الغراء للامام شرف الدين نقلا عن ميزان الاعتدال.

٧٣

فقال القاسم : يا بن اخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا(1) ومع اتهامه بالكذب كيف يمكن التعويل على حديثه.

3 ـ انه كان فاسقا يسمع الغناء ، ويلعب بالنرد ، ويتهاون في الصلاة وانه كان خفيف العقل(2) .

4 ـ إنه كان منبوذا عند المسلمين ، فقد جفوه ، وتجنبوه ، وبلغت من كراهيتهم له أنه لما توفى لم يصلوا عليه ، ولم يشهدوا تشييع جنازته(3) ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن التعويل على روايته؟ مضافا إلى أنها من أخبار الآحاد حتى لو لم تمن بالضعف فانها لا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتواترة.

3 ـ آية المباهلة :

من آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل أهل البيت (ع) آية المباهلة قال تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (4) فقد روى الجمهور بطرق مستفيضة(5) أنها نزلت

__________________

(1) معجم الأدباء فى ترجمة عكرمة.

(2) تهذيب التهذيب 7 / 263.

(3) تهذيب التهذيب

(4) سورة آل عمران :

(5) تفسير الجلالين 1 / 35 ، تفسير روح البيان 1 / 457 ، تفسير الكشاف 1 / 149 ، تفسير البيضاوي ص 76 ، تفسير الرازي 2 / 699 ، صحيح الترمذي 2 / 166 سنن البيهقي 7 / 63 ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، مسند احمد بن حنبل 1 / 185 مصابيح السنة للبغوي 2 / 201.

٧٤

في أهل البيت (ع) وان ابناءنا اشارة إلى ( الحسنين ) ، ونساءنا الى فاطمة ، وانفسنا إلى علي.

وموجز قصة المباهلة ان وفدا من نصارى نجران قدموا على رسول الله (ص) ليناظروه في دينه ، وبعد حديث دار بينهما اتفقا على « المباهلة » وهي أن يبتهلوا أمام الله تعالى فيجعلوا لعنته الخالدة وعذابه المعجل على الكاذبين ، وعينوا زمانا خاصا لها.

وخرج رسول الله (ص) في اليوم الذي اتفقا عليه ، وقد اختار للمباهلة أعز الناس لديه ، وأكرمهم عند الله ، وهم الحسن والحسين ، وسيدة النساء فاطمة ، وأمير المؤمنين ، واحتضن (ص) الحسين وامسك بيده الأخرى الحسن ، وسارت خلفه الزهراء وهي مغشاة بملاءة من نور الله ، وأمير المؤمنين يسير خلفها وهو باد الجلال ، وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ، ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم ، وهم على أحسن هيئة واستعداد ، وقد اجتمعت الجماهير الحاشدة وهي تراقب الحادث الخطير ، ويسأل الناس بعضهم بعضا ، هل تباهل النصارى؟ أو تكف عن ذلك وبينما هم على هذا الحال إذ تقدم السيد والعاقب إلى رسول الله (ص) وقد بدا عليهما الذهول والارتباك قائلين :

« يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟. ».

فأجابهم (ص) :

« أباهلكم بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين. »

وقدما له سؤالا مقرونا بالتعجب :

« لمّ لا تباهلنا بأهل الكرامة ، والكبر ، وأهل الشارة ، ممن آمن

٧٥

بك ، وأتبعك؟!! »

فقال رسول الله (ص) :

« أجل. أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق. »

فذهلوا ، وذابت قلوبهم من الخوف والرعب ، ورجعوا قافلين الى الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الأمر قائلين :

« يا أبا حارثة. ما ذا ترى في الأمر؟ »

فأجابهم الاسقف ، وقد غمرته هيبة آل الرسول (ص) قائلا :

« أرى وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله »

ولا يكتفي بذلك بل يدعم قوله : بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته :

« أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه ، ينظر ما تجيئان به ، وحق المسيح ـ إن نطق فوه بكلمة ـ لا نرجع إلى أهل ، ولا إلى مال!! »

وجعل يصيح بهم :

« ألا ترون إلى الشمس ، قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة(1) ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد فيها الدخان ، لقد أطل علينا العذاب ، أنظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها ، وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا.!!! »

الله أكبر لقد غمرت المسيحيين عظمة تلك الوجوه المقدسة ، وآمنوا بما لها من الكرامة والشأن عند الله ، ووقفوا خاضعين أمام النبي (ص) ونفذوا طلباته ، وقال (ص) :

« والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ، ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولأستأصل الله

__________________

(1) الداكنة : السحابة السوداء.

٧٦

نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، وما حال الحول على النصارى كلهم »(1)

ودلت قصة المباهلة على عظيم منزلة أهل البيت ، وسمو مكانتهم ، وانهم افضل خلق الله وأحبهم إلى رسول الله (ص) ، ولا يداني فضلهم أحد من سائر العالمين.

4 ـ سورة هل أتى :

ونزلت في أهل البيت (ع) سورة مباركة من سور القرآن الكريم وهي سورة « هل أتى » فقد روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت فيهم(2) والسبب في نزولها ان الحسن والحسين (ع) مرضا فعادهما جدهما رسول الله (ص) مع بعض الصحابة ، فقالوا للامام : لو نذرت لله إن عافى ولديك ، فنذر (ع) صوم ثلاثة أيام شكرا لله إن برئا ، وتابعته الصديقة3 وجاريتها فضة في هذا النذر ، ولما ابل الحسنان من المرض صاموا جميعا ، ولم يكن عند أمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله افطارا لهم فاستقرض ثلاثة أصواع من الشعير ، فعمدت الصديقة (ع) في اليوم الاول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار ، وإذا بمسكين يستمنحهم من القوت شيئا ، فتبرع الامام في افطاره ، وتابعه الجميع في صنعه ، وناولوا طعامهم إلى المسكين وقضوا ليلتهم ، ولم يذوقوا من الطعام شيئا ، واصبحوا وهم صائمون ،

__________________

(1) نور الابصار : ص 100.

(2) تفسير الفخر 8 / 392 ، روح البيان 6 / 546 ، النيسابوري في تفسير سورة هل اتى ، اسباب النزول للواحدي : ص 331 ، الدر المنثور في تفسير سورة هل اتى ، ينابيع المودة 1 / 93 ، الرياض النضرة 2 / 227.

٧٧

فلما حل وقت الافطار ، والطعام بين أيديهم ، وإذا بيتيم على الباب يشكو ألم الجوع ، فتبرعوا جميعا بقوتهم ، وطووا ليلتهم ، ولم يذوقوا سوى ماء القراح ، وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزته ، فلما حان وقت الافطار قدمت لهم الطعام ، وسرعان ما طرق الباب أسير يشكو الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ، ومنحوه له ، سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة ، وأي ايثار اعظم من هذا الايثار!!!

وفي اليوم الرابع جاء رسول الله (ص) لزيارتهم ، فرآهم ويا لهول ما رأى ، رأى الصفرة بادية على الوجوه ، الارتعاش حل في أجسامهم من الضعف ، فتغير حاله وانطلق يقول :

« وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جياعا!! ».

ولم ينته الرسول (ص) من كلامه حتى هبط عليه أمين الوحى ، وهو يرفع إليه سورة « هل اتى » وفيها اجمل الثناء وعاطر الذكر لاهل البيت قال تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. )

لقد شكر الله سعيهم على هذا الايثار الذي لا نظير له في عالم المبرات والاحسان ، وأورثهم في دار الآخرة الفردوس يتقلبون في نعيمه ، وجعل ذكرهم خالدا ، وحياتهم قدوة ، وجعلهم أئمة للمسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الآيات التي نزلت في حق أهل البيت: ، وهي من دون شك تتناول الامام الحسن (ع) ، وتدل على خطورة شأنه ، وسمو منزلته عند الله.

٧٨

السنة :

أما الأخبار التي أثرت عن النبيّ (ص) في سبطه الاكبر ، وأشادت بعظيم شأنه ، وبينت عما يكنه الرسول (ص) في نفسه من عميق الود ، وخالص الحب فهي على طوائف ثلاثة « الاولى » إنها مختصة به « الثانية » وردت فيه وفي أخيه سيد الشهداء (ع) « الثالثة » في أهل بيته ، ومن المعلوم ان الامام الحسن (ع) من أبرارهم فتشمله بالضرورة تلك الأخبار وهذه المناحي قد تظافرت بها النصوص وتواترت حتى افادت القطع واليقين ، وإلى القراء ذلك.

الطائفة الاولى :

اما ما أثر عن النبي (ص) فيما يخص سبطه فهى روايات عدة نقتصر منها على ما يلي :

1 ـ روى البراء بن عازب(1) قال : رأيت النبي (ص) والحسن على عاتقه ، يقول : « اللهم ، إنى أحبه فاحبه )(2)

2 ـ وروت عائشة قالت : إن النبيّ (ص) كان يأخذ حسنا ، فيضمه

__________________

(1) البراء بن عازب يكنى ابا عمارة ، شهد مع رسول الله6 واقعة بدر ، ولكنه لم يأذن له في الجهاد لصغر سنه ، وغزا مع رسول الله6 اربع عشرة غزوة ، وهو الذي فتح الري سنة اربع وعشرين فى قول ابى عمرو الشيباني ، وشهد مع امير المؤمنين7 الجمل وصفين ، والنهروان ، نزل الكوفة وابتنى بها دارا ، ومات ايام مصعب بن الزبير ، جاء ذلك فى اسد الغابة 1 / 171 ، والاستيعاب.

(2) صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، ورواه الترمذي في صحيحه 2 / 307

٧٩

إليه ثم يقول : « اللهم ، إن هذا ابنى ، وأنا أحبه ، فأحبه ، وأحب من يحبه »(1)

3 ـ وروى زهير بن الاقمر قال : بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي (ع) إذ قام إليه رجل من الأزد آدم طوال ، فقال : لقد رأيت رسول الله (ص) واضعه في حبوته ، يقول : ( من أحبني فليحبه ، فليبلغ الشاهد الغائب ) ولو لا عزمة من رسول الله (ص) ما حدثتكم(2) .

4 ـ وروى أبو بكرة قال : رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة ، وعليه أخرى ، ويقول : ( إن ابني هذا سيد. ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين

__________________

ورواه مسلم فى صحيحه فى كتاب فضائل الصحابة ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية 8 / 34.

(1) كنز العمال 7 / 104 ، وذكره الهيثمي فى مجمعه 9 / 176 ، وتظافرت الاخبار بهذا المضمون عن النبي6 فعن سعيد بن زيد قال : احتضن رسول الله6 حسنا ثم قال : ( اللهم إني قد احببته فأحبه ) ذكره المتقي الهندي فى كنز العمال 7 / 105 وقال اخرجه الطبراني وابو نعيم ، وذكر ابن حجر في الاصابة 3 / 78 قال : واخرج البغوي من طريق يزيد بن ابي زياد عن يزيد بن ابي الحسن عن سعد بن زيد الانصاري ان النبي6 حمل حسنا ، ثم قال : اللهم إني احبه فاحبه مرتين ، وروى ابو نعيم فى حليته عن ابي هريرة ان النبي6 قال : « اللهم ، إني احبه ، فأحبه واحب من يحبه » يقولها ثلاث مرات.

(2) تهذيب التهذيب 2 / 297 ، مسند الامام احمد بن حنبل 5 / 366 الصواعق المحرقة : ص 82.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530