حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام3%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213549 / تحميل: 8104
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

لقد ذكر الحسن في خطابه الرائع أهم النقاط الحساسة التي هي محور النزاع ومصدر الفتنة فأشبعها بالتفصيل وبين جلية الحال للجموع الحاشدة حتى لم يترك ثغرة ينفذ منها المتمردون إلا وسدها في وجوههم فأبان (ع) أن المختار للتحكيم إنما يتبع قوله ويكون رأيه فيصلا للخصومة فيما إذا حكم بالحق ولم يخضع للنزعات والأهواء الفاسدة ، وأبو موسى لم يكن في تحكيمه هذا خاضعا للحق بل اتبع هواه وميوله فرشح عبد الله ابن عمر للخلافة مع أن أباه كان لا يراه أهلها ولو كان يراه اهلا للخلافة لرشحه لها او جعله من اعضاء الشورى مضا الى أن الشرط الأساسي في الانتخاب هو أن يجتمع على المنتخب المهاجرون والأنصار ولم يحصل ذلك له ، وأعرب (ع) في خطابه عن مشروعية التحكيم الامر الذي أنكرته الخوارج مستدلا على ذلك بتحكيم النبيّ (ص) لسعد بن معاذ في بني قريظة ، ولو كان التحكيم غير مشروع لما ارتكبه الرسول الأعظم (ص).

وقام بعد الحسن عبد الله بن عباس فحمد الله واثنى عليه وقال :

« أيها الناس. إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق والرضا ، والناس بين راض به ، وراغب عنه وإنما سار أبو موسى يهدى الى ضلال ، وسار عمرو بضلال إلى هدى ، فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه ، ومضى عمر على ضلاله ، فو الله لو كانا حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه ، ولئن كانا حكما بهواهما على القرآن ، ولئن مسكا بما سارا به ، لقد سار أبو موسى وعلى إمامه وسار عمرو ومعاوية إمامه ».

ولما انهى خطابه أمر الامام عبد الله بن جعفر أن يخطب فتقدم عبد الله فصعد المنبر فقال :

« أيها الناس. هذا أمر كان النظر فيه لعلى. والرضا فيه الى غيره

٤٨١

جئتم بأبي موسى ، فقلتم قد رضينا هذا فارض به ، وأيم الله ما أصلحا بما فعلا الشام ، ولا أفسدا العراق ، ولا اماتا حق علي ، ولا أحييا باطل معاوية ، ولا يذهب الحق قلة رأى ، ولا نفخة شيطان ، وانا لعلى اليوم كما كنا أمس عليه » ثم نزل عن المنبر(١) وقد استجاب الناس لندائهم وارتدع الكثيرون منهم عن الغي والتمرد.

تمرد الخوارج :

ولما فشل أمر التحكيم ورجع الوفد الكوفي وهو يجر رداء الخيبة والفشل أخذ الامام يبذل قصارى جهوده على إخراج الناس لمحاربة القوى الباغية عليه فأجابه الناس الى ذلك ، ولكن الخوارج أخذوا يعيثون في الارض فسادا فقد رحلوا عن الكوفة وعسكروا في النهروان(٢) فاجتاز

__________________

(١) الامامة والسياسة ج ١ ص ١٤٤

(٢) النهروان : كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الأعلى متصل ببغداد ، وفيها عدة بلدان منها اسكاف والصافية وغيرهما وقد تخرج منها جماعة من اهل العلم والأدب وكانت بها الواقعة بين الامام على والخوارج ، وكان فيها نهر عظيم ، وقد خرب وسبب خرابه اختلاف الملوك وقتال بعضهم بعضا فى ايام السلجوقية إذ ان كل من ملك لا يحفل بتعميره بل كان قصده ان يحوصل ويطير ، وكان أيضا في ممر العساكر ، وهذه الاسباب اوجبت ان يجلوا عنه اهله حتى استولى عليه الخراب ، جاء ذلك في معجم البلدان ج ٨ ص ٣٤٧.

٤٨٢

عليهم الصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت(١) فأقبلوا إليه قائلين له :

ـ من أنت؟

ـ رجل مؤمن.

ـ ما تقول في على بن أبي طالب؟

ـ إنه أمير المؤمنين ، وأول المسلمين إيمانا بالله ورسوله.

ـ ما اسمك؟

ـ عبد الله بن خباب بن الارت صاحب رسول الله.

ـ أفزعناك؟

ـ نعم.

ـ لا روع عليك.

ـ حدثنا عن أبيك بحديث سمعه من رسول الله ، لعل الله أن ينفعنا به.

__________________

(١) عبد الله بن خباب بن الأرت المدني حليف بني زهرة ، روى عن أبيه وعن أبي بن كعب وروى عنه جماعة منهم عبد الله بن الحارث وعبد الرحمن بن ابزى الصحابى ، وقال العجلى فيه إنه ثقة من كبار التابعين قتلته الحرورية ، وقد ارسله الامام على إليهم فقتلوه ، وذكره ابن حيان فى الثقات ، وقال الغلابى كان عبد الله من سادات المسلمين جاء ذلك في تهذيب التهذيب ج ٥ ص ١٩٦ ، اقول : لم تنص كتب التأريخ والتراجم على إرسال الامام الى الخوارج عبد الله وقد انفرد العجلى في هذا القول ، وجاء في الاصابة ج ٢ ص ٣٠٢ ان عبد الله كان متوجها الى الكوفة للاجتماع بالامام فصادف الخوارج فقتلوه وذكر القصة في قتله.

٤٨٣

ـ نعم حدثني عن رسول الله (ص) أنه قال : ستكون فتنة بعدى يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، يمسي مؤمنا ويصبح كافرا.

ـ لهذا الحديث سألناك؟ والله لنقتلنك قتلة ما قتلنا بمثلها احدا.

ثم أوثقوه كتافا ، واقبلوا به وبامرأته وكانت حبلى قد اشرفت على الولادة ، فنزلوا بهما تحت نخل ، فسقطت رطبة منها فبادر بعضهم إليها فوضعها في فيه ، فأقبل إليه بعضهم منكرا عليه قائلا :

« بغير حل أكلتها!! »

فالقاها بالوقت من فيه ، واخترط بعضهم سيفه فضرب به خنزيرا لأهل الذمة فقتله ، فصاح بعضهم فيه :

« إن هذا من الفساد في الأرض. »

فبادر الرجل الى صاحب الخنزير فأرضاه ، فلما نظر الى ذلك عبد الله ابن خباب قال لهم :

« لئن كنتم صادقين فيما أرى ، ما علي منكم بأس ، وو الله ما احدثت حدثا في الاسلام ، وإني لمؤمن ، وقد آمنتموني ، وقلتم لا روع عليك » فلم يلتفتوا الى قوله ، فجاءوا به وبامرأته ، فأضجعوه على شفير النهر ووضعوه على ذلك الخنزير الذي قتلوه ، ثم ذبحوه ، وأقبلوا الى امرأته وهي ترتعد من الخوف ترى شبح الموت قد خيم عليها وتنظر الى زوجها وهو جثة هامدة فقالت لهم مسترحمة ومتضرعة :

« إنما أنا امرأة ، أما تتقون الله؟ »

فلم يعتنوا باسترحامها وتضرعها ، وأقبلوا عليها كالكلاب فقتلوها وبقروا بطنها ، وانعطفوا على ثلاث نسوة فقتلوهن وفيهن أمّ سنان الصيداوية وكانت قد صحبت النبي (ص) ، ولم يقف شرهم عند هذا الحد بل أخذوا

٤٨٤

يستعرضون الناس ، ويذيعون الذعر بين المسلمين وينشرون الفساد في الارض

واقعة النهروان :

وأرسل الامام الى الخوارج الحارث بن مرة العبدى يسألهم عن ترويعهم للآمنين ونشرهم للخوف وعن الفساد الذي أحدثوه فى الأرض ، فحينما انتهى إليهم قتلوه ، ولما جاء خبر قتله الى الامام قام إليه فريق من اصحابه فقالوا له :

« يا أمير المؤمنين ، علام تدع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في اموالنا وعيالنا ، سربنا الى القوم فاذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا الى عدونا من أهل الشام ».

فاستصوب الامام رأيهم ورأى ان الخطر الناجم من هؤلاء أشد وأعظم من خطر معاوية وذلك لقربهم من عاصمته وهم لا شك سيحدثون الاضطراب والقلق فيما لو نزح لجرب معاوية فأزمع الامام على الرحيل إليهم ونادى مناديه في الجيش :

« الرحيل ، عباد الله ، الرحيل. »

وتحركت قوات الامام تحدوها العقيدة الى محاربة هؤلاء المارقين عن الدين والعابثين بالأمن فلما انتهوا إليهم بعث الامام لهم رسولا يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب ومن كان معه وقتلة رسوله الحارث بن مرة ، فاندفعوا مجيبين بجواب واحد.

« إنا كلنا قتلناهم ، وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم. »

فأقبل (ع) بنفسه إليهم فوجه لهم خطابا مشفوعا بالنصح والارشاد وحب الخير قائلا :

٤٨٥

« أيتها العصابة ، إني نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأمة غدا ، وانتم صرعى بازاء هذا النهر بغير برهان ولا سنة ، ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة ، واخبرتكم أن طلب القوم لها مكيدة ، وانبأتكم ان القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وأني أعرف بهم منكم ، قد عرفتهم اطفالا ، وعرفتهم رجالا ، فهم شر رجال ، وشر أطفال ، وهم أهل المكر والغدر ، وانكم إن فارقتموني ورأيى جانبتم الخير والحزم ، فعصيتموني وأكرهتموني ، حتى حكمت ، فلما أن فعلت شرطت واستوثقت ، واخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن ، فاختلفا ، وخالفا حكم الكتاب والسنة ، وعملا بالهوى ، فنبذنا أمرهم ، ونحن على أمرنا الاول ، فما نبؤكم ومن أين أتيتم؟ »

لقد بين (ع) فى خطابه اجبارهم وإكراههم له في بادئ الامر على التحكيم ، وإنه ما قبله إلا وهو مكره مخاطر على حياته منهم ، وانه قد شرط على الحكمين أن يحكما بما وافق كتاب الله وسنة نبيه ولما لم يحكما بذلك ولم يتبعا الحق كان حكمهما مردودا ولكن هؤلاء العتاة الذين لم يفهموا من المنطق شيئا اجابوا الامام بجواب دل على تماديهم في الجهل قائلين :

« إنا حيث حكمنا الرجلين أخطأنا بذلك ، وكنا كافرين ، وقد تبنا من ذلك ، فان شهدت على نفسك بالكفر ، وتبت كما تبنا واشهدنا فنحن معك ومنك ، وإلا فاعتزلنا ، وإن أبيت فنحن منابذوك على سواء » فأجابهم الامام منكرا عليهم ذلك قائلا :

« أبعد إيماني بالله وهجرتي وجهادى مع رسول الله (ص) ، أبوء وأشهد على نفسي بالكفر ، لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ، ويحكم

٤٨٦

بم استحللتم قتالنا والخروج من جماعتنا إن اختار الناس رجلين ، فقالوا لهما : انظرا بالحق فيما يصلح العامة ليعزل رجل ، ويوضع آخر مكان آخر. أحل لكم أن تضعوا سيوفكم على عواتقكم تضربون بها هامات الناس وتسفكون دماءهم ، إن هذا لهو الخسران المبين »(١)

ولما علموا أنهم لا يستطيعون أن يناقشوا الامام في كلامه نادى بعضهم بعضا :

« لا تخاطبوهم ولا تكلموهم ، تهيئوا للقاء الحرب ، الرواح الرواح إلى الجنة. »

ولما يئس الامام من ارشادهم وإرجاعهم الى طريق الحق عبأ جيشه وأمر بان لا يبدءوهم بقتال حتى يقاتلوهم ، ولما نظر الخوارج الى هذا التهيؤ استعدوا وتهيئوا ، وكانت نفوسهم مترعة بالشوق الى الحرب وقلوبهم تتحرق الى القتال تحرق الظمآن الى الماء ، وهتف بعضهم فيهم :

« هل من رائح الى الجنة؟ »

فأجابوه جميعا الرواح الى الجنة ، ثم حملوا حملة منكرة وهم يهتفون بشعارهم ( لا حكم إلا لله ) فانفرجت لهم خيل الامام فرقين ، فرق تمضي الى الميمنة وفرق تمضي الى الميسرة ، والخوارج يندفعون بين الفريقين ، فتلقاهم أصحاب الامام بالنبل وما هي إلاّ ساعة حتى قتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم الا تسعة(٢)

__________________

(١) الامامة والسياسة ج ١ ص ١٥٥.

(٢) الملل والنحل للشهرستانى ج ١ ص ١٥٩ وجاء فيه انه انهزم منهم اثنان الى عمان ، واثنان الى كرمان ، واثنان الى سجستان ، واثنان الى الجزيرة ، وواحد الى تل موزون ، واخذ هؤلاء يبثون فكرتهم في

٤٨٧

ولما وضعت الحرب أوزارها طلب الامام من اصحابه أن يلتمسوا له ذا الثدية(١) في القتلى فبحثوا عنه بحثا دقيقا فلم يظفروا به فعادوا إليه يخبرونه بعدم ظفرهم به ، فأمرهم أن يلتمسوه له مرة اخرى قائلا :

__________________

هذه المواضع حتى ظهرت فيها بدعة الخوارج.

(١) ذو الثدية ، قال فيه انس كان في عهد الرسول (ص) رجل يعجبنا تعبده وقد ذكرنا ذلك لرسول الله (ص) وسميناه له فلم يعرفه فبينما نحن فى ذكره إذ طلع علينا الرجل ، فقلنا له يا رسول الله هو هذا ، فلما نظر إليه قال (ص) إنكم لتخبروني عن رجل إن وجهه لسفعة ( السفعة العلامة والسمة ) من الشيطان فاقبل حتى وقف ولم يسلم ، فقال له رسول الله٦ انشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس ما في القوم احد افضل مني او خير مني ، قال اللهم نعم. ثم دخل يصلى فقال رسول الله من يقتل الرجل؟ فقال ابو بكر انا فمضى إليه فوجده يصلى ، فقال سبحان الله اقتل رجلا يصلى ، وقد نهى رسول الله عن قتل المصلين فخرج فقال له رسول الله ما فعلت؟ فقال كرهت ان اقتله وهو يصلي وأنت قد نهيت عن قتل المصلين ، فقال (ص) لاصحابه من يقتل الرجل؟ فقال عمر انا فمضى إليه فوجده واضعا جبهته على الارض ، فقال عمر ابو بكر افضل منى ثم خرج ، فقال له رسول الله ما فعلت؟ فقال عمر وجدته واضعا وجهه لله فكرهت ان اقتله ، فقال (ص) : من يقتل الرجل ، فقال الامام انا ، فقال له رسول الله أنت له إن ادركته ، فمضى الامام إليه فوجده قد خرج ، فجاء الى رسول الله فأخبره بالامر فقال (ص) لو قتل ما اختلف من امتي رجلان كان اولهم وآخرهم سواء ، جاء ذلك في الاصابة ج ١ ص ٤٨٤.

٤٨٨

« ما كذبت ، ولا كذبت ، ويحكم!! التمسوا الرجل فانه في القتلى »

فانطلقوا يفتشون عنه ، فظفر به رجل من اصحابه بين القتلى ، فمضى يهرول فأخبر الامام به فقال : « الله اكبر!! ما كذبت على محمد ، وإنه لناقص اليد ليس فيها عظم في طرفها حلمة مثل ثدي المرأة عليها خمس شعرات أو سبع رءوسها معقفة »

وأمر باحضار جثته ، فاحضرت له فتبين عضده فاذا على منكبه ثدى كثدي المرأة وعليه شعرات سود تمتد حتى تحاذي بطن يده الأخرى فاذا تركت عادت الى منكبه ، فلما رأى ذلك خرّ لله ساجدا ، ثم قسم بين اصحابه سلاح الخوارج ودوابهم ، ورد الأمتعة والعبيد الى أهليهم(١) وبذلك انتهت حادثة النهروان.

المتارك البغيضة :

واعقبت حادثة صفين والنهروان أعظم المحن والمشاكل واغرقت البلاد في الاحداث والخطوب ، وقد اوجبت خذلان الامام وولده الحسن في دوره ، ونشير الى بعضها :

١ ـ تمرد الجيش

لقد منى الجيش العراقي عقيب الحادثتين بالانشقاق والتمرد ، والضعف والسئم من الحرب وسبب ذلك يرجع الى كثرة من قتل منه ، وان القتلى كانوا ينتمون الى تلك الكتائب العسكرية فشاع فيها الحزن وانتشر الجزع والتذمر ، واصبح الجيش على أثر ذلك يسأم من الحرب ، ويحب السلم ويؤثر العافية ، وقد ظهر ذلك بوضوح حينما أراد الامام أن يزحف الى

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣٨٥

٤٨٩

حرب معاوية عقيب حادثة النهروان فانهم لم يجيبوه الى ذلك ، وقد تصدى الاشعث بن قيس الى جوابه فقال له :

« يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا ، وكلت سيوفنا ، ونصلت أسنة رماحنا ، فارجع بنا الى مقرنا لنستعد بأحسن عدتنا ، ولعل أمير المؤمنين يزيد فى عددنا عدد من هلك منا ، فانه أوفى لنا على عدونا »

وعلى أثر كلام هذا الماكر الخبيث تسلل الجنود من معسكراتهم ، منهزمين ولاذ من لاذ منهم بالمدن القريبة ، وأيقن الامام أنهم مارقون من يده ، ولا طاعة له عليهم ، فاضطر الى الرجوع إلى عاصمته وبهذا نقف على مدى رغبة الجيش في الاستسلام وسئمه من الحرب ، وكلما حاول الامام بعد ذلك بشتى الوسائل والاساليب أن يقضى على هذا الانحلال والتمرد فلم يتمكن.

٢ ـ فقده لأعلام أصحابه

وفقد الامام في صفين أهم أصحابه الذين يعتمد على اخلاصهم وايمانهم بقضيته ، وهم البقية الصالحة من المهاجرين والانصار الذين ناضلوا عن كرامة الاسلام وشيدوا صروحه ، ولو كانوا في قيد الحياة لما حدث التفكك في جيشه ، وقد حزن عليهم حزنا مرهقا ، وبكى عليهم أمر البكاء وقد تذكرهم وهو يخطب على منبر الكوفة فصعد آهاته وبث زفراته وانطلق يقول : « ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق(١) ،! ـ قد والله ـ لقوا الله فوفاهم اجورهم ، واحلهم دار الأمن بعد خوفهم ، اين اخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ، اين عمار ، واين ابن التيهان(٢) واين

__________________

(١) الرنق : بكسر النون ، وفتحها ، الشيء الكدر.

(٢) ابن التيهان هو مالك بن التيهان بن مالك الأوسى كان احد الستة

٤٩٠

ذو الشهادتين(١) واين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على النية ، وأبرد برءوسهم الى الفجرة؟! »

ثم وضع يده على كريمته الشريفة فأطال البكاء ثم قال :

« أوه(٢) على إخواني الذين قرءوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا

__________________

الذين لقوا رسول الله ، وهو اول من لقيه من الانصار ، وهو اول من بايعه في ليلة العقبة ، وقيل ليس هو اول من بايع ، وكان مالك نقيب بنى عبد الأشهل هو واسيد بن خضير ، وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها قيل مات في خلافة عمر سنة عشرين ، وقيل شهد مع الامام صفين ومات بعدها بقليل جاء ذلك في اسد الغابة ج ٤ ص ٢٧٤ وجاء في الاستيعاب ان مالكا شهد مع الامام صفين وقتل فيها وصريح خطاب الامام يدل على ذلك.

(١) ذو الشهادتين : هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الانصارى الأوسي يكنى ابا عمارة ، وقد جعل رسول الله (ص) شهادته كشهادة رجلين ، وسبب ذلك ان النبي اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربى فجحد سواء الشراء فشهد خزيمة بن ثابت للنبى فقال له رسول الله : ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا فقال : صدقتك بما جئت به وعلمت انك لا تقول إلا حقا فكيف لا اصدقك في هذا الأمر ، فقال رسول الله من شهد له خزيمة او عليه فحسبه ، وقد شهد مع رسول الله بدرا واحدا والمشاهد كلها وشهد مع الامام الجمل وصفين ولم يقاتل فيهما ولما قتل عمار بن ياسر بصفين قال خزيمة سمعت رسول الله يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية ، ثم سل سيفه وقاتل حتى قتل جاء ذلك في اسد الغابة ج ٢ ص ١١٤.

(٢) اوه ـ بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر الهاء ـ كلمة توجع.

٤٩١

الفرض فأقاموه ، أحيوا السنة ، وأماتوا البدعة ، دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فأتبعوه(١)

لقد ذابت نفسه أسى على فقده لهذه الصفوة التي عرفت مكانته ووعت أهدافه ، وسارت على ضوء إرشاداته القيمة وتعاليمه الرفيعة حتى صارت أمثلة للكمال والتهذيب والسمو ، ولما طحنت هؤلاء المثاليين حرب صفين صار الامام أعزلا لا يجد أحدا في ذلك المجتمع الهزيل يسانده ويساعده على تحقيق ما يصبو إليه فى هذه الحياة من إصلاح المجتمع ونشر ألوية العدالة والمساواة بين الناس ، وأما خصمه معاوية فانه لم يخسر فى حرب صفين أحدا من بطانته والدهاة الذين عنده بل انضم إليه جمع كثير من الذين باعوا ضمائرهم عليه حتى قوي أمره.

٣ ـ الاحتلال والغزو

لقد درس معاوية نفسية الجيش العراقي ووقف على تخاذله وعدم انقياده للامام فجعل يحتل الاقطار الاسلامية قطرا بعد قطر فبعث جيشا جرارا لاحتلال مصر التي هي أمل ابن العاص وبغيته ، فاحتلها وقتل حاكمها الطيب محمد بن أبي بكر قتلة مروعة ، والعراقيون متقاعسون عن إجابة الامام والنهوض معه الى رد هذا العدوان.

وبعث جيشا آخر بقيادة الوغد الأثيم بسر بن أبي أرطاة(٢) لاحتلال الحجاز واليمن ، فتوجه القائد القاسي الى المدينة وكان حاكمها أبا أيوب

__________________

(١) نهج البلاغة محمد عبده ٢ / ١٣٠.

(٢) بسر بن ابي ارطاة القرشي واسم ابي ارطاة عمير ، وقيل عويمر العامري وقد ارتكب هذا الجافي من الجرائم والآثام ما لا يرتكبه احد ، منها قتله ولدى عبيدي الله بن العباس ، وهما عبد الرحمن وقثم وكانا

٤٩٢

الأنصاري(١) فهرب وقد استولى عليه الخوف ، ودخل بسر الى المدينة

__________________

طفلين » ولم يرع قرابتهما من رسول الله (ص) وصغر سنهما ، ومنها غارته على همدان وسبى نسائهم فكن اول مسلمات سبين فى الاسلام ، ومنها قتله أحياء من بني سعد ، الى غير ذلك من الجرائم التي ارتكبها ، وقد برز هذا الأثيم يوم صفين لمحاربة الامام ، فطعنه الامام فسقط الى الأرض وكشف عن عورته فتركه الامام وفى فعله يقول الحرث احد الشعراء :

أفي كل يوم فارس ليس ينتهي

وعورته وسط العجاجة باديه

يكف لها عنه على سنانه

ويضحك منها فى الخلاء معاويه

بدت امس من عمرو فقنع راسه

وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو ثم بسر الا انظرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما

هما كانتا والله للنفس واقيه

ولولاهما لم تنجوا من سنانه

وتلك بما فيها عن العود ناهيه

متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة

وفيها علي فاتركا الخيل ناحيه

وكونا بعيدا حيث لا تبلغ القنا

نحور كما ان التجارب كافيه

وقد خرف فى آخر عمره ومات بالمدينة ، وقيل بل مات بالشام في بقية ايام معاوية الاستيعاب ١ / ١٥٤ ـ ١٦٣.

(١) ابو ايوب هو خالد بن زيد بن كليب الانصاري من بني النجار وهو معروف باسمه وكنيته ، شهد مع النبي العقبة وبدرا وما بعدها من المشاهد ، ولما قدم النبي الى المدينة نزل في بيته الى ان بنى بيوته ومسجده وآخى النبيّ بينه وبين مصعب بن عمير ، وقد استخلفه الامام علي على المدينة لما خرج الى العراق ، ثم لحق به بعده وشهد معه قتال الخوارج ولزم ابو ايوب الجهاد بعد النبي الى ان توفى بالقسطنطينية سنة خمسين ، وقيل اثنتين وخمسين جاء ذلك فى الاصابة ج ١ ص ٤٠٥

٤٩٣

فأدخل الرعب والخوف في القلوب ، وخطب الناس فكان خطابه حافلا بالجفاء والغلظة والقسوة فمن جملة خطابه.

« يا أهل المدينة ، والله لو لا ما عهد الي معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته. »

ولما انهى هذا الأثيم أمر المدينة توجه إلى مكة فاحتلها ، وأخذ البيعة من أهلها قسرا ، ثم انعطف بعد ذلك الى اليمن وكان واليها عبيد الله ابن العباس فانهزم بنفسه ناجيا من شره قاصدا نحو الكوفة ليعرف الامام بذلك ولما دخل بسر الى اليمن أخذ البيعة من أهلها ، وفتش عن طفلين لعبيد الله فلما ظفر بهما قتلهما(١) ولما انتهى خبرهما الى امهما ضاقت بها الدنيا وأكلها الحزن وبرى البكاء عينيها ، فكان الحزن والجزع لها غذاء وشرابا حتى فقدت شعورها وقد رثتهما بذوب روحها قائلة :

يا من احس بابنيّ اللذين هما

كالدرتين تشطى عنهما الصدف

يا من أحس بابنيّ اللذين هما

قلبي وسمعي ، فقلبي اليوم مختطف

من ذل والهة حيرى مدلهة

على صبيين ذلا : إذ غدا السلف

خبرت بسرا وما صدقت ما زعموا

من افكهم ومن القول الذي اقترفوا

أنحى على ودجى ابني مرهفة

مشحوذة وكذاك الأثم يقترف(٢)

ولما انتهت الأنباء المريعة الى الامام أقبل الى اصحابه وانمسه المقدسة ملؤها اللوعة والاستياء على هذا التمرد الناشب فى جيشه فخطب فيهم فمن جملة خطابه قوله :

__________________

(١) تأريخ ابي الفداء ١ / ١٨٠

(٢) شرح النهج محمد عبده ج ١ ص ٥٩

٤٩٤

« أنبئت بسرا قد اطلع اليمن(١) وانى والله لأظن ان هؤلاء القوم سيدالون(٢) منكم ، باجتماعهم على باطلهم ، وتفرقكم عن حقكم ، وبمعصيتكم امامكم في الحق ، وطاعتهم امامهم في الباطل ، وبأدائهم الامانة الى صاحبهم وخيانتكم ، وبصلاحهم فى بلادهم وفسادكم. فلو ائتمنت أحدكم على قعب(٣) لخشيت أن يذهب بعلاقته(٤) ! اللهم اني قد مللتهم وسئمتهم وسئموني فابدلني بهم خيرا منهم وابدلهم بي شرا مني ، اللهم مث في قلوبهم كما يماث الملح في الماء(٥) أما والله لوددت ان لي الف فارس من بني فرس ابن غنم(٦) :

هنالك ، لو دعوت ، أتاك منهم

فوارس مثل أرمية الحميم

ثم نزل (ع) عن المنبر(٧) وبهذا الخطاب نقف على مدى فساد جيشه وخيانته ، ولا عجب في رفض الامام الحسن له والتخلية بينه وبين معاوية فان شعبا لا يساند الحق ولا يدافع عن كرامته لجدير بأن يكون لقمة سائغة لذوي الأطماع والأهواء.

__________________

(١) اطلع اليمن : بلغها واحتلها بجيشه.

(٢) سيدالون : اى ستكون لهم الدولة بدلكم وذلك بسبب اجتماع كلمتهم ووحدة رايهم وانشقاق العراقيين وعدم اتفاقهم.

(٣) القعب : بالضم القدح الضخم.

(٤) علاقته : بكسر العين ما يعلق به من ليف ونحوه.

(٥) ماث : اي ذاب

(٦) بنو فرس قبيلة مشهورة بالشجاعة والاقدام منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ، ومنهم ربيعة بن مكدم حامي الظعن حيا وميتا ، ولم يحم احد حريمه غيره.

(٧) شرح النهج محمد عبده ١ / ٦٠

٤٩٥

ولم يكتف معاوية بذلك فأرسل جيشا جرارا بقيادة سفيان بن عوف للاغارة على أهل العراق في عقر دارهم فغزى جيشه هيت(١) والانبار(٢) وقد أوقع بنفوس اهليهما قتلا فظيعا ، وبأموالهم أضرارا جسيمة ، ولما انتهت الانباء الى الامام بلغ منه الحزن أقصاه لأنه يرى الباطل قد قويت شوكته ولا يمكنه تحطيمه والقضاء عليه ، وينظر الى اصحابه وقد امتلأت قلوبهم خوفا وذلا وجبنا ، فصعد٧ على المنبر فخطبهم بخطاب رائع مثل ما في نفسه من هم مقيم وأسى شديد ، وصور ما في نفوس اصحابه من خنوع وخور وتخاذل قائلا :

« ألا وإني قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا واعلانا ، وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم فو الله ما غزى قوم في عقر دارهم الا ذلوا(٣) فتواكلتم ، وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الاوطان. وهذا أخو غامد(٤) وقد وردت خيله الانبار

__________________

(١) هيت بكسر الهاء قال ابن السكيت : إنما سميت هيت بهذا الاسم لأنها فى هوة من الأرض ، وقد انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وهي بلدة من نواحي بغداد فوق الأنبار وهى ذات نخل كثير وخيرات واسعة جاء ذلك فى المعجم ج ٨ ص ٤٨٦.

(٢) الأنبار : بفتح اوله ، مدينة. على الفرات تقع فى غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ ، وكان اول من عمرها سابور بن هرمز ذو الاكتاف ثم جددها ابو العباس السفاح اول خلفاء بني العباس وبنى بها قصورا ، وقام بها الى ان مات ، معجم البلدان ١ / ٣٤٠

(٣) عقر الدار : بالضم وسطها واصلها.

(٤) اخو غامد : هو سفيان بن عوف من بني غامد قبيلة من اليمن

٤٩٦

وقد قتل حسان بن حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها(١) ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والاخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها(٢) ما تمنع منه الا بالاسترجاع(٣) والاسترحام ثم انصرفوا وافرين(٤) ما نال رجلا منهم كلم(٥) ولا أريق لهم دم ، فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا اسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندى جديرا ، فيا عجبا ـ والله ـ يميت القلب ويجلب الهم اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا ، حين صرتم غرضا يرمى يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون فاذا امرتكم بالسير إليهم في ايام الصيف قلتم هذه حمارة القيظ(٦) امهلنا يسلخ عنا الحر(٧) واذا امرتكم بالسير إليهم فى الشتاء قلتم : هذه صبارة القر(٨) امهلنا ينسلخ عنا البرد ، كل هذا فرارا من الحر والقر ، فأنتم والله من السيف افر ، يا أشباه الرجال ولا رجال!

__________________

(١) المسالح : جمع مسلحة بالفتح ، وهي الثغر الذي يزود بالجيش لئلا يطرق العدو الى البلاد.

(٢) المعاهدة : الذمية ، والحجل ، بالكسر : الخلخال ، والقلب ، بالضم : السوار ، والرعاث : جمع رعثة بالفتح : القرط.

(٣) الاسترجاع : ترديد الصوت بالبكاء.

(٤) وافرين : اى تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم.

(٥) الكلم : بالفتح ، الجرح.

(٦) حمارة القيظ : بتشديد الراء ، وهي شدة الحر.

(٧) يسبخ : اي يخف وتذهب شدته.

(٨) صبارة القر : الصبارة بتشديد الراء وهي شدة الشيء ، والقر بالضم هو البرد.

٤٩٧

حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال(١) لوددت اني لم اركم ولم اعرفكم معرفة والله جرت ندما ، واعقبت سدما(٢) قاتلكم الله!! لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدرى غيظا ، وجرعتموني نغب التهمام انفاسا(٣) وافسدتم علي رأيى بالعصيان والخذلان ».

ولم يثر هذا الخطاب الحماسي الرائع حفائظ نفوسهم ولم يقلع روح الخور والتمرد منهم ، قد اسلموا انفسهم للعداء المسلح ، يصيب معاوية من اموالهم وانفسهم ما شاء ومتى اراد.

٤ ـ فتنة الخريت

ولم يقف بلاء الامام ومحنته فى أصحابه ، وخصمه معاوية الى هذا الحد فقد تجاوز البلاء والشر الى ما هو اعظم واشد ، تلك هي فكرة الخوارج التي لم يقض عليها يوم النهروان وانما قضى على بعض معتنقيها وقد اخذت تتسع ويكثر انصارها ، وقد خلقوا افظع المشاكل في الحقل الاسلامي فدعوا الى التمرد على حكومة الامام وكان من اهمهم هو الخريت(٤) ، فقد خرج هو وفريق من اصحابه وقد اعلنوا الحرب والعصيان ، فأرسل الامام إليهم جيشا لردهم الى الطاعة وحربهم ان أبوا ذلك ، فلحق بهم الجيش

__________________

(١) الحجال : جمع حجلة وهي القبة ، وربات الحجال : النساء.

(٢) السدم : بالتحريك الهم مشفوع بالاسف او الغيظ.

(٣) النغب : جمع نغبة وهي الجرعة ، التهمام بالفتح : الهم. انفاسا ، اى جرعة بعد جرعة.

(٤) الخريت بن راشد الناجي ، كان على مضر كلها يوم الجمل واستعمله عبد الله بن عامر على كورة من كور فارس ، وكان مع الامام حتى صار امر الحكمين ففارقه الى بلاد فارس مخالفا. ( الاصابة ١ / ٤٢٢ ).

٤٩٨

فكانت بينهم ـ أولا ـ مناظرة وجدال ، ولما امتنع الخريت من الرجوع الى الطاعة وقع بين الفريقين قتال عنيف ، ولكن لم يتغلب أحدهما على الآخر وهرب الخريت بأصحابه نحو البصرة ، فرجع جيش الامام ولم يظفر بشيء فأرسل الامام له جيشا آخر اكثر منه عدة وأعظم قوة وأمره بأن يتعقبهم وكتب الى عبد الله بن عباس عامله على البصرة أن يمد الجيش ويزوده بما يحتاج إليه فامتثل عبد الله بن عباس ذلك ، والتقى الفريقان فكان بينهما أشد القتال وأعنفه ، وبدت امارة الانحلال والخور في جيش الخريت الا أنه استطاع أن ينهزم بأصحابه فى غلس الليل البهيم ، فولى هاربا نحو الأهواز فأخذ يبذر الفتنة ويبشر بفكرته بين اولئك البسطاء الذين لم يعوا المفاهيم الاسلامية ولم يتعقلوا أهدافها وواقعها فاستجابوا له ، وقد أخذ يزهد الاسلام في نفوسهم ، فمنع العرب من اعطاء الصدقة ، والنصارى من اعطاء الجزية ، حتى ارتد كثير من النصارى ممن كان قد اسلم وقد التف حوله جمع كثير من اولئك الاغبياء حتى ظهر امره وقويت شوكته ، ولكن جيش الامام قد تتبعهم الى ان ظفر بهم فكانت بينهما موقعة ادت اخيرا الى قتل الخريت وفريق من حزبه ، واخذ قائد جيش الامام ما بقى من اصحاب الخريت اسرى فمن اسلم منهم منّ عليه ، ومن ارتد استتابه ، فان اسلم منّ عليه ، وان لم يسلم اخذه أسيرا معه.

وهكذا أخذت الفتن تتسع وتتزايد فى الحاضرة الاسلامية التي هي تحت سيطرة حكم الامام حتى اوجبت خذلان الامام وقتله وخذلان ولده الحسن في دوره والحقت اضرارا كثيرة في المجتمع الاسلامي جعلته غارقا فى المآسي والشجون.

ان حادثة صفين بما اعقبته من المتارك الفظيعة قد اوجبت تدهور

٤٩٩

المسلمين وانحطاطهم ، وتغلب قوى البغي على قوى الحق والاسلام ، ومهدت الطريق للامويين أن يتحكموا في رقاب المسلمين ، وان يستأثروا باموالهم وسائر امكانياتهم ، وان يسعوا جاهدين في محاربة الاصلاح وسائر النزعات الخيرة حتى ضج المسلمون من جورهم واستبدادهم وظلمهم.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530