حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام7%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213430 / تحميل: 8095
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قوى موروثة كامنة ، ولكن اظهار أية واحدة يقف على الظروف التي تحيط بهذه القوى عند نموها ».

وقاعدة الوراثة تقضى ان الامام الحسن (ع) في طليعة من ظفر بهذه الظاهرة فقد ورث ما استقر في نفس جده (ص) من القوى الروحية ، والثروة الاصلاحية الهائلة يضاف إلى ذلك تأثره بالبيئة الصالحة التي تكونت من أسرته ومن خيار المسلمين وصلحائهم.

وملك الامام الحسن (ع) بمقتضى ميراثه من الذكاء ، وسمو الادراك ما لا يملكه غيره ، فقد حدث الرواة عن مدى نبوغه الباكر ، فقالوا : إنه كان لا يمر عليه شيء إلاّ حفظه ، وكان يحضر مجلس جده (ص) فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها ، فتحدث به أمير المؤمنين (ع) فيتعجب ، ويقول :

« من أين لك هذا؟!! »

« من ولدك الحسن. »

واختفى الامام (ع) في بعض زوايا البيت ليسمع ولده ، ويقبل الحسن على عادته ليلقي على أمه ما حفظه من آيات الوحي والتنزيل فيرتج عليه ، ولا يستطيع النطق فتبادر البتول قائلة :

« يا بني ، لما ذا أرتج عليك؟!! »

« يا أماه لا تعجبي مما عراني ، فان كبيرا يرعاني!! »(١) .

وهذه البادرة تدل بوضوح على مدى ادراكه الواسع ، الذي يبصر به الاشياء من بعيد ، ويستشف به ما غاب عنه من وراء حجاب.

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ٢ / ١٤٨ ، البحار ١٠ / ٩٣.

٦١

حفظه للحديث :

وحفظ (ع) وعمره الشريف اربع سنين الشيء الكثير مما سمعه من جده (ص) ونشير إلى بعض ما رواه عنه.

١ ـ قال (ع) : علمنى رسول الله (ص) كلمات أقولهن في الوتر : ( اللهم ، اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما اعطيت ، وقنى شر ما قضيت ، فانك تقضى ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت »(١)

٢ ـ وروى عمير بن مأمون ، قال : سمعت الحسن بن علي (ع) يقول : ( من صلى صلاة الغداة ، فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار ، أو قال : ستر من النار )(٢) .

٣ ـ وقال له بعض أصحابه : ما تذكر من رسول الله (ص)؟ فقال (ع) : أخذت تمرة من تمر الصدقة ، فتركتها في فمي فنزعها بلعابها ، فقيل يا رسول الله ، ما كان عليك من هذه التمرة ، قال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة(٣) .

٤ ـ وسئل (ع) عما سمعه من رسول الله (ص) ، فقال : سمعته يقول لرجل : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فان الشر ريبة والخير

__________________

(١) صحيح الترمذي ١ / ٩٣ مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢ تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٠.

(٢) اسد الغابة ٢ / ١١.

(٣) اسد الغابة ٢ / ١١ والمراد من الصدقة المحرمة على آل البيت هي الصدقة الواجبة كالزكاة والفطرة دون غيرهما من الصدقات المندوبة.

٦٢

طمأنينة »(١) .

٥ ـ وحدث (ع) أصحابه عن خلق جده الرسول (ص) وسيرته فقال : كان رسول الله (ص) إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول.

٦ ـ قال (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : « ادعوا لي سيد العرب ـ يعنى عليا ـ فقالت له عائشة : الست سيد العرب؟ فقال لها أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فدعى له الإمام فلما مثل بين يديه أرسل خلف الأنصار ، فلما حضروا التفت إليهم قائلا :

يا معشر الأنصار ألا ادلكم على شيء ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، قالوا بلى يا رسول الله فقال : هذا علي فأحبوه بحبي واكرموه بكرامتى فان جبرئيل أخبرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل(٢) وقد

__________________

(١) تأريخ اليعقوبى ٢ / ٢٠١ وفي مسند احمد ١ / ٢٠٠ انه٧ قال سمعت رسول الله قد قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فان الصدق طمأنينة ، وان الكذب ريبة.

(٢) حياة علي بن ابي طالب للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ص ٨٣ وذكر الدكتور زكي مبارك فى التصوف الإسلامي ج ١ ص ٢٧٤ في بيان مأخذ عقيدة الصوفية في سيد الأنبياء محمد٦ يقول : ومن الخير ان ننص على ان هذا الشطط استند فيه الصوفية إلى حديث « أنا سيد الأنبياء » وهو حديث شك فيه العلماء فقد جاء في كتاب العجلونى المسمى « كشف الخفاء والالتباس ، عما اشتهر من الاحاديث على السنة الناس » ان الحسن بن علي روى ان الرسول قال ( ادعوا لي سيد العرب ) يعني عليا فقالت له عائشة : الست سيد العرب ، فقال أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب ، ثم حدثنا العجلوني ان الذهبي يجنح إلى الحكم على هذا الحديث بالوضع ، اقول : لم يتبين لنا بجلاء ما افاده الدكتور زكي.

٦٣

نقل علماء الفقه ورواة السنة الشيء الكثير عنه (ع) مما سمعه وشاهده من رسول الله (ص) فيما يتعلق بأحكام الشريعة المقدسة وآدابها وذلك يدل على نبوغه وعبقريته وإدراكه الواسع ، والناظر في دور طفولته (ع) يهيم بها إعجابا وإكبارا وتقديسا وذلك لما لها من آيات للكمال والفضيلة والذكاء ، ولما أنيطت بلون من التربية الرفيعة التي لم يظفر بها إنسان فيما نحسب.

__________________

مبارك في مأخذ عقيدة الصوفية ولبيان الحال نقول إنهم قد انفردوا عن بقية فرق الاسلام بالتزامهم بجهتين ( الاولى ) إن هناك تعينا اوليا وهو مجمع التعينات وهو المسمى بالعقل الأول والصادر الأول في لسان الفلاسفة القدامى ، ومستندهم في ذلك هي البراهين التي اقيمت فى الفلسفة التي منها إن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد ( الثانية ) تطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية المقدسة وبهذا التطبيق انحازوا عن الفلاسفة ، وحجتهم في ذلك هي الأخبار كحديث ( أنا سيد الناس ) ( ولو لاي لما خلقت الأكوان ) وانا نبي وآدم بين الماء والطين ، ونحوها من الأخبار الدالة على إثبات مطلوبهم بنحو من الدلالة العقلية ، والمتصوفة إنما كانوا متصوفة بالتزامهم بالجهة الأولى التي ذهبت إليها الفلاسفة ، فكان الأجدر بالدكتور زكي مبارك ان لا يطلق القول في ان عقيدة الصوفية قد اخذت من الأخبار وعليه ان يبين ان استنادهم إلى الأخبار إنما هو لتطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية ، وكان المناسب له التعرض الى مناقشة الصوفية في الجهة الأولى ، وبيان السر في تشكيك العلماء في حديث ( أنا سيد الناس ) هل كان مصدره ضعف الراوى ، او من جهة اعتماد الصوفية عليه والأخير غير صالح للتضعيف والأول غير معلوم.

٦٤

تكريم وحفاوة

٦٥
٦٦

واشاد كتاب الله العزيز بفضل اهل البيت واحتفى بهم رسول الله (ص) فقرنهم بمحكم الكتاب ، وفرض على الأمة مودتهم وحبهم ، ولا بد لنا أن نشير إلى بعض ما ورد في الكتاب ، والسنة في حق أهل البيت (ع) فان ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بما نحن فيه ويكشف لنا عن مدى خطورة الامام الحسن (ع) وعظم شأنه ، وسمو منزلته ، وإلى القراء ذلك :

الكتاب العزيز :

ونطق كتاب الله العظيم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ـ بفضل أهل البيت ، وبسمو مكانتهم عند الله ، وحسبنا أن نشير إلى بعض آياته :

١ ـ آية المودة :

وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت (ع) وقد نطق القرآن بذلك قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) وروى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال بعض المسلمين : يا رسول الله من قرابتك الذين أوجبت علينا طاعتهم؟ فقال (ص) : علي وفاطمة وابناهما(٢) وروى أبو نعيم بسنده عن جابر ، قال جاء اعرابي إلى النبي

__________________

(١) سورة الشورى : آية ٢٣

(٢) تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٠٦ ، الدر المنثور ٧ / ٧ ، تفسير النيسابوري

٦٧

(ص) فقال : يا محمد أعرض عليّ الاسلام ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، قال : تسألني عليه أجرا؟ قال : ـ لا ـ إلا المودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي ، قال هات أبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله ، قال (ص) آمين(١) وصرح الامام الحسن (ع) أنه من المعنيين بهذه الآية فى بعض خطبه قال (ع) :

« وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ، وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. »(٢)

وإلى مضمون الآية الكريمة يشير الامام الشافعي فى قوله :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله(٣)

وأفاد الفخر الرازي ما نصه : « وإذا ثبت هذا ـ يعنى أنها نزلت في علي وفاطمة وابناهما ـ وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، وتدل عليه وجوه « الاول » قوله تعالى :( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ووجه الاستدلال به ما سبق ، وهو ما ذكره من قبل من أن آل محمد (ص)

__________________

في تفسير سورة الشورى ، تفسير ابن جرير الطبري ٥ / ١٦ ، الكشاف في تفسير سورة الشورى ، الصواعق المحرقة : ص ١٠٢ ، ذخائر العقبى : ص ٢٥ نور الابصار : ص ١٠٠.

(١) حلية الأولياء ٣ / ٢٠١.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ ، الصواعق المحرقة ص ١٠١ ، مجمع البيان في تفسير سورة الشورى ٩ / ٢٩.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ٨٨.

٦٨

هم الذين يئول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك ان فاطمة وعليا والحسن والحسين (ع) كان التعلق بينهم وبين رسول الله (ص) أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل « الثانى » لا شك ان النبي (ص) كان يحب فاطمة (ع) قال (ص) : « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها » وثبت بالنقل المتواتر عن محمد (ص) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين: ، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله ، لقوله تعالى :( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ولقوله تعالى :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) ولقوله :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ولقوله سبحانه :

و( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) « الثالث » إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد » وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب »(١)

إن مودة أهل البيت من أهم الواجبات الاسلامية ، ومن أقدس الفروض الدينية لأن فيها أداء لأجر الرسالة ، وصلة للرسول (ص) ، وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء في سبيل انقاذ المسلمين من الشرك وعبادة الأوثان ، فحقه على الأمة أن توالي عترته ، وتكن لها المودة والاحترام.

٢ ـ آية التطهير :

ومن آيات الله البينات الدالة على عصمة اهل البيت من الذنوب ، وعلى طهارتهم من الزيغ والآثام ، آية التطهير قال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير آية المودة فى سورة الشورى.

٦٩

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) وهي صريحة الدلالة في العصمة ، ويقع البحث في الآية من جهات :

أ ـ دلالتها على العصمة :

وكيفية الاستدلال بها على عصمة أهل البيت ، انه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس ـ أي المعاصي ـ بكلمة انما ، وهي من أقوى أدوات الحصر وبدخول اللام في الكلام الخبري وبتكرار لفظ الطهارة وذلك يدل ـ بحسب الصناعة ـ على الحصر والاختصاص ، ومن المعلوم أن ارادة الله تعالى يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وبذلك يتم الاستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب ومعصية.

ب ـ المختصون بها :

واجمع ثقاة الرواة أنها نزلت في رسول الله (ص) وفي أمير المؤمنين٧ وفاطمة ، والحسنين (ع) ولم يشاركهم أحد في هذه الفضيلة(٢) فقد روى الحاكم بسنده عن أم سلمة أنها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) قالت : فأرسل رسول الله (ص) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، قالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل

__________________

(١) سورة الأحزاب :

(٢) انظر تفسير الفخر ٦ / ٧٨٣ ، النيسابوري في تفسير سورة الاحزاب ، صحيح مسلم ٢ / ٣٣١ ، الخصائص الكبرى ٢ / ٢٦٤ ، الرياض النضرة ٢ / ١٨٨ ، خصائص النسائي ٤ ، تفسير ابن جرير ٢٢ / ٥ ، مسند الامام احمد بن حنبل ٤ / ١٠٧ سنن البيهقي ٢ / ١٥٠ ، مشكل الآثار ١ / ٣٣٤ وغيرها.

٧٠

البيت؟ قال « إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي ، اللهم أهل بيتي احق »(١) .

وفي رواية أم سلمة الأخرى : « قالت في بيتي نزلت : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت » ، وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا »(٢)

وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) في قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » قال : جمع رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع) ثم أدار عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأم سلمة على الباب فقالت : يا رسول الله ألست منهم؟ فقال : إنك لعلى خير ، أو إلى خير »(٣) .

ويدل على اختصاص الآية بهم وعدم شمولها لغيرهم ما رواه ابن عباس قال : « شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتى كل يوم باب علي بن أبي طالب (ع) عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » الصلاة رحمكم الله ، كل يوم خمس مرات »(٤) .

واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال : حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغد إلا أتى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ، ثم قال : الصلاة ،

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٢ / ٤١٦ ، اسد الغابة ٥ / ٥٢١.

(٢) الدر المنثور ٥ / ١٩٩.

(٣) تأريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨.

(٤) الدر المنثور.

٧١

الصلاة « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(١)

وروى أبو برزة قال : صليت مع رسول الله (ص) سبعة أشهر فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (ع) فقال : السلام عليكم « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(٢)

وروى أنس بن مالك قال : كان النبي (ص) يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر ، ويقول : الصلاة يا أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا »(٣)

وقال الامام الحسن (ع) في بعض خطبه :

« وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا. »(٤)

لقد تواترت الاخبار الصحيحة التي لا مجال للشك في سندها ، وفي دلالتها ، على اختصاص الآية الكريمة فى الخمسة من أهل الكساء: ، وعدم تناولها لغيرهم من أسرة النبي (ص).

ج ـ خروج نساء النبي :

وليس لنساء النبي (ص) نصيب في هذه الآية ، فقد اختص بها أهل الكساء ، وللتدليل على ذلك نذكر ما يلي :

١ ـ خروجهن موضوعا عن الأهل ، فإنه موضوع لعشيرة الرجل

__________________

(١) الدر المنثور.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩.

(٣) ذخائر العقبى : ص ٢٤.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢.

٧٢

وذوى قرباه ، ولا يشمل الزوجة ، ويؤكد هذا المعنى ما صرح به زيد ابن ارقم حينما سئل من أهل بيته ـ اي النبي (ص) ـ نساؤه؟ فقال ـ لا ـ وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها ، وقومها ، أهل بيته أصله ، وعصبته ، الذين حرموا الصدقة بعده(١) .

٢ ـ انا لو سلمنا أن الأهل يطلق على الزوج فلا بد من تخصيصه ، وذلك للاخبار المتواترة التي تقدم ذكرها وهي توجب تقييد الاطلاق من دون شك.

د ـ مزاعم عكرمة :

وزعم عكرمة أن الآية نزلت في نساء النبي (ص) وكان ينادى بذلك في السوق(٢) وبلغ من اصراره وعناده أنه كان يقول : ( من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبيّ )(٣) وعكرمة لا يعول على روايته ، ولا يوثق به ، وذلك لما يلي :

١ ـ انه من الخوارج(٤) وموقف الخوارج من الامام أمير المؤمنين معروف ، من ناحية النصب والعداء.

٢ ـ انه قد عرف بالكذب واشتهر به فعن ابن المسيب « انه قال لمولى اسمه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس »(٥) وعن عثمان بن مرة أنه قال للقاسم : ان عكرمة حدثنا عن ابن عباس كذا :

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٢٣٨ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٦.

(٢) اسباب النزول للواحدي : ص ٢٦٨.

(٣) الدر المنثور ٥ / ١٩٨.

(٤) طبقات القراء ١ / ١٥ ، طبقات ابن سعد ٥ / ٢١٦.

(٥) الكلمة الغراء للامام شرف الدين نقلا عن ميزان الاعتدال.

٧٣

فقال القاسم : يا بن اخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا(١) ومع اتهامه بالكذب كيف يمكن التعويل على حديثه.

٣ ـ انه كان فاسقا يسمع الغناء ، ويلعب بالنرد ، ويتهاون في الصلاة وانه كان خفيف العقل(٢) .

٤ ـ إنه كان منبوذا عند المسلمين ، فقد جفوه ، وتجنبوه ، وبلغت من كراهيتهم له أنه لما توفى لم يصلوا عليه ، ولم يشهدوا تشييع جنازته(٣) ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن التعويل على روايته؟ مضافا إلى أنها من أخبار الآحاد حتى لو لم تمن بالضعف فانها لا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتواترة.

٣ ـ آية المباهلة :

من آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل أهل البيت (ع) آية المباهلة قال تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٤) فقد روى الجمهور بطرق مستفيضة(٥) أنها نزلت

__________________

(١) معجم الأدباء فى ترجمة عكرمة.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣.

(٣) تهذيب التهذيب

(٤) سورة آل عمران :

(٥) تفسير الجلالين ١ / ٣٥ ، تفسير روح البيان ١ / ٤٥٧ ، تفسير الكشاف ١ / ١٤٩ ، تفسير البيضاوي ص ٧٦ ، تفسير الرازي ٢ / ٦٩٩ ، صحيح الترمذي ٢ / ١٦٦ سنن البيهقي ٧ / ٦٣ ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، مسند احمد بن حنبل ١ / ١٨٥ مصابيح السنة للبغوي ٢ / ٢٠١.

٧٤

في أهل البيت (ع) وان ابناءنا اشارة إلى ( الحسنين ) ، ونساءنا الى فاطمة ، وانفسنا إلى علي.

وموجز قصة المباهلة ان وفدا من نصارى نجران قدموا على رسول الله (ص) ليناظروه في دينه ، وبعد حديث دار بينهما اتفقا على « المباهلة » وهي أن يبتهلوا أمام الله تعالى فيجعلوا لعنته الخالدة وعذابه المعجل على الكاذبين ، وعينوا زمانا خاصا لها.

وخرج رسول الله (ص) في اليوم الذي اتفقا عليه ، وقد اختار للمباهلة أعز الناس لديه ، وأكرمهم عند الله ، وهم الحسن والحسين ، وسيدة النساء فاطمة ، وأمير المؤمنين ، واحتضن (ص) الحسين وامسك بيده الأخرى الحسن ، وسارت خلفه الزهراء وهي مغشاة بملاءة من نور الله ، وأمير المؤمنين يسير خلفها وهو باد الجلال ، وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ، ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم ، وهم على أحسن هيئة واستعداد ، وقد اجتمعت الجماهير الحاشدة وهي تراقب الحادث الخطير ، ويسأل الناس بعضهم بعضا ، هل تباهل النصارى؟ أو تكف عن ذلك وبينما هم على هذا الحال إذ تقدم السيد والعاقب إلى رسول الله (ص) وقد بدا عليهما الذهول والارتباك قائلين :

« يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟. ».

فأجابهم (ص) :

« أباهلكم بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين. »

وقدما له سؤالا مقرونا بالتعجب :

« لمّ لا تباهلنا بأهل الكرامة ، والكبر ، وأهل الشارة ، ممن آمن

٧٥

بك ، وأتبعك؟!! »

فقال رسول الله (ص) :

« أجل. أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق. »

فذهلوا ، وذابت قلوبهم من الخوف والرعب ، ورجعوا قافلين الى الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الأمر قائلين :

« يا أبا حارثة. ما ذا ترى في الأمر؟ »

فأجابهم الاسقف ، وقد غمرته هيبة آل الرسول (ص) قائلا :

« أرى وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله »

ولا يكتفي بذلك بل يدعم قوله : بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته :

« أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه ، ينظر ما تجيئان به ، وحق المسيح ـ إن نطق فوه بكلمة ـ لا نرجع إلى أهل ، ولا إلى مال!! »

وجعل يصيح بهم :

« ألا ترون إلى الشمس ، قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة(١) ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد فيها الدخان ، لقد أطل علينا العذاب ، أنظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها ، وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا.!!! »

الله أكبر لقد غمرت المسيحيين عظمة تلك الوجوه المقدسة ، وآمنوا بما لها من الكرامة والشأن عند الله ، ووقفوا خاضعين أمام النبي (ص) ونفذوا طلباته ، وقال (ص) :

« والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ، ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولأستأصل الله

__________________

(١) الداكنة : السحابة السوداء.

٧٦

نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، وما حال الحول على النصارى كلهم »(١)

ودلت قصة المباهلة على عظيم منزلة أهل البيت ، وسمو مكانتهم ، وانهم افضل خلق الله وأحبهم إلى رسول الله (ص) ، ولا يداني فضلهم أحد من سائر العالمين.

٤ ـ سورة هل أتى :

ونزلت في أهل البيت (ع) سورة مباركة من سور القرآن الكريم وهي سورة « هل أتى » فقد روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت فيهم(٢) والسبب في نزولها ان الحسن والحسين (ع) مرضا فعادهما جدهما رسول الله (ص) مع بعض الصحابة ، فقالوا للامام : لو نذرت لله إن عافى ولديك ، فنذر (ع) صوم ثلاثة أيام شكرا لله إن برئا ، وتابعته الصديقة٣ وجاريتها فضة في هذا النذر ، ولما ابل الحسنان من المرض صاموا جميعا ، ولم يكن عند أمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله افطارا لهم فاستقرض ثلاثة أصواع من الشعير ، فعمدت الصديقة (ع) في اليوم الاول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار ، وإذا بمسكين يستمنحهم من القوت شيئا ، فتبرع الامام في افطاره ، وتابعه الجميع في صنعه ، وناولوا طعامهم إلى المسكين وقضوا ليلتهم ، ولم يذوقوا من الطعام شيئا ، واصبحوا وهم صائمون ،

__________________

(١) نور الابصار : ص ١٠٠.

(٢) تفسير الفخر ٨ / ٣٩٢ ، روح البيان ٦ / ٥٤٦ ، النيسابوري في تفسير سورة هل اتى ، اسباب النزول للواحدي : ص ٣٣١ ، الدر المنثور في تفسير سورة هل اتى ، ينابيع المودة ١ / ٩٣ ، الرياض النضرة ٢ / ٢٢٧.

٧٧

فلما حل وقت الافطار ، والطعام بين أيديهم ، وإذا بيتيم على الباب يشكو ألم الجوع ، فتبرعوا جميعا بقوتهم ، وطووا ليلتهم ، ولم يذوقوا سوى ماء القراح ، وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزته ، فلما حان وقت الافطار قدمت لهم الطعام ، وسرعان ما طرق الباب أسير يشكو الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ، ومنحوه له ، سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة ، وأي ايثار اعظم من هذا الايثار!!!

وفي اليوم الرابع جاء رسول الله (ص) لزيارتهم ، فرآهم ويا لهول ما رأى ، رأى الصفرة بادية على الوجوه ، الارتعاش حل في أجسامهم من الضعف ، فتغير حاله وانطلق يقول :

« وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جياعا!! ».

ولم ينته الرسول (ص) من كلامه حتى هبط عليه أمين الوحى ، وهو يرفع إليه سورة « هل اتى » وفيها اجمل الثناء وعاطر الذكر لاهل البيت قال تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. )

لقد شكر الله سعيهم على هذا الايثار الذي لا نظير له في عالم المبرات والاحسان ، وأورثهم في دار الآخرة الفردوس يتقلبون في نعيمه ، وجعل ذكرهم خالدا ، وحياتهم قدوة ، وجعلهم أئمة للمسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الآيات التي نزلت في حق أهل البيت: ، وهي من دون شك تتناول الامام الحسن (ع) ، وتدل على خطورة شأنه ، وسمو منزلته عند الله.

٧٨

السنة :

أما الأخبار التي أثرت عن النبيّ (ص) في سبطه الاكبر ، وأشادت بعظيم شأنه ، وبينت عما يكنه الرسول (ص) في نفسه من عميق الود ، وخالص الحب فهي على طوائف ثلاثة « الاولى » إنها مختصة به « الثانية » وردت فيه وفي أخيه سيد الشهداء (ع) « الثالثة » في أهل بيته ، ومن المعلوم ان الامام الحسن (ع) من أبرارهم فتشمله بالضرورة تلك الأخبار وهذه المناحي قد تظافرت بها النصوص وتواترت حتى افادت القطع واليقين ، وإلى القراء ذلك.

الطائفة الاولى :

اما ما أثر عن النبي (ص) فيما يخص سبطه فهى روايات عدة نقتصر منها على ما يلي :

١ ـ روى البراء بن عازب(١) قال : رأيت النبي (ص) والحسن على عاتقه ، يقول : « اللهم ، إنى أحبه فاحبه )(٢)

٢ ـ وروت عائشة قالت : إن النبيّ (ص) كان يأخذ حسنا ، فيضمه

__________________

(١) البراء بن عازب يكنى ابا عمارة ، شهد مع رسول الله٦ واقعة بدر ، ولكنه لم يأذن له في الجهاد لصغر سنه ، وغزا مع رسول الله٦ اربع عشرة غزوة ، وهو الذي فتح الري سنة اربع وعشرين فى قول ابى عمرو الشيباني ، وشهد مع امير المؤمنين٧ الجمل وصفين ، والنهروان ، نزل الكوفة وابتنى بها دارا ، ومات ايام مصعب بن الزبير ، جاء ذلك فى اسد الغابة ١ / ١٧١ ، والاستيعاب.

(٢) صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، ورواه الترمذي في صحيحه ٢ / ٣٠٧

٧٩

إليه ثم يقول : « اللهم ، إن هذا ابنى ، وأنا أحبه ، فأحبه ، وأحب من يحبه »(١)

٣ ـ وروى زهير بن الاقمر قال : بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي (ع) إذ قام إليه رجل من الأزد آدم طوال ، فقال : لقد رأيت رسول الله (ص) واضعه في حبوته ، يقول : ( من أحبني فليحبه ، فليبلغ الشاهد الغائب ) ولو لا عزمة من رسول الله (ص) ما حدثتكم(٢) .

٤ ـ وروى أبو بكرة قال : رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة ، وعليه أخرى ، ويقول : ( إن ابني هذا سيد. ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين

__________________

ورواه مسلم فى صحيحه فى كتاب فضائل الصحابة ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ٣٤.

(١) كنز العمال ٧ / ١٠٤ ، وذكره الهيثمي فى مجمعه ٩ / ١٧٦ ، وتظافرت الاخبار بهذا المضمون عن النبي٦ فعن سعيد بن زيد قال : احتضن رسول الله٦ حسنا ثم قال : ( اللهم إني قد احببته فأحبه ) ذكره المتقي الهندي فى كنز العمال ٧ / ١٠٥ وقال اخرجه الطبراني وابو نعيم ، وذكر ابن حجر في الاصابة ٣ / ٧٨ قال : واخرج البغوي من طريق يزيد بن ابي زياد عن يزيد بن ابي الحسن عن سعد بن زيد الانصاري ان النبي٦ حمل حسنا ، ثم قال : اللهم إني احبه فاحبه مرتين ، وروى ابو نعيم فى حليته عن ابي هريرة ان النبي٦ قال : « اللهم ، إني احبه ، فأحبه واحب من يحبه » يقولها ثلاث مرات.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٧ ، مسند الامام احمد بن حنبل ٥ / ٣٦٦ الصواعق المحرقة : ص ٨٢.

٨٠

من المسلمين »(1) .

5 ـ وروى ابن عباس قال : اقبل النبيّ (ص) وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل ، فقال نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال رسول الله (ص) ونعم الراكب هو.(2)

6 ـ وروى عبد الله بن عبد الرحمن بن الزبير قال : أشبه أهل النبي (ص) وأحبهم إليه الحسن رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال : ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ولقد رأيته وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر(3)

7 ـ وروى ان النبي6 صلى احدى صلاتي العشاء فسجد سجدة أطال فيها السجود ، فلما سلم قال له الناس : في ذلك فقال : ( إن ابنى هذا ـ يعنى الحسن ـ ارتحلنى فكرهت أن أعجله )(4)

__________________

(1) الاصابة 1 / 330 ، صحيح البخاري ذكره فى الصلح ، ورواه الامام احمد بن حنبل فى مسنده 5 / 44 باسناده عن المبارك عن الحسن عن ابي بكرة قال : كان رسول الله6 يصلي بالناس ، وكان الحسن بن علي يثب على ظهره إذا سجد ، ففعل ذلك غير مرة ، فقالوا له : والله إنك لتفعل بهذا شيئا ، ما رأيناك تفعله باحد ، قال المبارك : فذكر شيئا ثم قال : إن ابني هذا سيد وسيصلح الله تبارك وتعالى به بين فئتين من المسلمين ، وذكره ابن حجر في صواعقه وجاء في العقد الفريد 1 / 164 ان الرسول6 دخل على ابنته فاطمة فوجد الحسن طفلا يلعب بين يديها ، فقال لها : إن الله سيصلح على يدي ابنك هذا بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

(2) الصواعق : ص 82 ، حلية الاولياء.

(3) الاصابة 2 / 11

(4) البداية والنهاية 8 / 33

٨١

8 ـ وصعد6 على المنبر ليخطب ، فجاء الحسن فصعد المنبر ، فوضعه على رقبته حتى كان يرى بريق خلخاليه من اقصى المسجد ، وهما يلمعان على صدر الرسول ، ولم يزل على هذه الحالة حتى فرغ6 من خطبته(1)

9 ـ وقال6 : « من سره أن ينظر إلى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى الحسن »(2)

10 ـ وقال6 : « الحسن ريحانتي من الدنيا »(3) 11 ـ وروى انس بن مالك قال دخل الحسن على النبي6 فأردت أن أميطه عنه ، فقال6 : « ويحك يا أنس دع ابنى ، وثمرة فؤادي ، فان من آذى هذا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(4)

هذه طائفة من الاخبار التي وردت عن النبي6 في سبطه الاكبر ، ويلمس فيها أسمى الوان التكريم والحفاوة والحب العميق.

الطائفة الثانية :

أما ما أثر عن النبي6 في حق السبطين8 فكوكبة من الروايات الصحاح التي دونها الثقات والحفاظ ، وهي صريحة

__________________

(1) البحار 6 / 58

(2) فضائل الاصحاب : ص 165 ، البداية والنهاية 8 / 35

(3) الاستيعاب 2 / 369

(4) كنز العمال 6 / 222

٨٢

الدلالة في أنهما8 من أعز الناس عند رسول الله صلى عليه وآله ومن أحبهم له ، ونذكر منها ما يلي :

1 ـ روى سعيد بن راشد ، قال : جاء الحسن والحسين8 يسعيان الى رسول الله6 فأخذ أحدهما فضمه الى إبطه ، ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الاخرى ، وقال : ( هذان ريحانتي من الدنيا من أحبنى فليحبهما )(1) وكان النبي6 دوما يضفى عليهما هذا اللقب ، وقد وردت بذلك روايات عديدة(2)

2 ـ وروى انس بن مالك قال : سئل رسول الله6 أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال6 : « الحسن والحسين » وكان يقول : لفاطمة ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه(3)

3 ـ وروى أسامة بن زيد قال : طرقت النبي6 ذات ليلد في بعض الحاجة فخرج النبيّ6 وهو مشتمل

__________________

(1) ذخائر العقبى : ص 124

(2) روى ابو نعيم في حلية الاولياء 3 / 201 عن جابر ان رسول الله6 قال : لعلي بن ابي طالب7 سلام عليك يا ابا الريحانتين اوصيك بريحانتي من الدنيا خيرا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك ، قال فلما قبض النبيّ6 : قال علي7 : هذا احد الركنين اللذين قال النبي6 فلما ماتت فاطمة3 قال علي (ع) : هذا الركن الآخر الذي قال النبيّ6 : وفي كنز العمال 7 / 110 عن سعد بن مالك قال دخلت على النبيّ6 والحسن والحسين يلعبان على ظهره ، فقلت يا رسول الله أتحبهما؟ فقال : ومالي لا احبهما ، وانهما ريحانتى من الدنيا

(3) صحيح الترمذي 2 / 306 فيض القدير 1 / 148

٨٣

على شيء لا ادري ما هو؟ فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ قال فكشفه فاذا هو حسن وحسين على وركيه ، فقال : ( هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم ، إني احبهما فأحبهما وأحب من يحبهما )(1)

4 ـ وروى سلمان الفارسي قال سمعت رسول الله6 يقول : ( الحسن والحسين ابناي من احبهما احبني ، ومن احبني أحبه الله ، ومن أحبه الله ادخله الجنة ، ومن أبغضهما ابغضني ومن ابغضني ابغضه الله ، ومن ابغضه الله ادخله النار »(2)

5 ـ وروى ابن عمر قال : قال رسول الله6 : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما »(3)

6 ـ واعتلى6 أعواد المنبر يخطب ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران ، وهما يمشيان ويعثران ، فنزل6 عن المنبر فحملهما ، ووضعهما بين يديه ، وقال : صدق الله

__________________

(1) صحيح الترمذي 2 / 240 ، كنز العمال 7 / 110 ، وذكر آخر الحديث ابن حجر فى صواعقه ص 114

(2) مستدرك الحاكم 3 / 166 ، وبتغيير يسير رواه الهيثمي في مجمعه 9 / 811 وكذلك فى كنز العمال 6 / 221

(3) مستدرك الحاكم 3 / 167 ، صحيح ابن ماجة ، وتظافرت الاخبار الواردة عن النبيّ6 ان سبطيه سيدا شباب اهل الجنة ، روى الترمذي في صحيحه 2 / 306 عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول الله6 « الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة » ورواه احمد بن حنبل فى مسنده 3 / 3 ، وروى الخطيب البغدادي في تاريخه 1 / 140 بسنده عن علي7 قال قال : رسول الله : ( الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة )

٨٤

إذ يقول :( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) ( لقد نظرت إلى هذين الصبيين وهما يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما )(1)

7 ـ وروى ابن عباس قال : بينا نحن ذات يوم مع النبي6 إذ أقبلت فاطمة سلام الله عليها تبكى ، فقال لها رسول الله6 : فداك أبوك ، ما يبكيك؟ قالت إن الحسن والحسين خرجا ، ولا أدرى أين باتا ، فقال لها رسول الله6 : لا تبكين فان خالقهما ألطف بهما مني ومنك ، ثم رفع يديه ، فقال : اللهم احفظهما وسلمهما ، فهبط جبرئيل ، وقال يا محمد ، لا تحزن فانهما في حظيرة بني النجار ، نائمان ، وقد وكل الله بهما ملكا يحفظهما ، فقام النبي6 ومعه أصحابه حتى أتى الحظيرة فاذا الحسن والحسين8 معتنقان نائمان ، وإذا الملك الموكل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما ، يظلهما ، فأكب النبي6 عليهما يقبلهما ، حتى انتبها من نومهما ، ثم جعل الحسن على عاتقه الايمن ، والحسين على عاتقه الايسر ، فتلقاه أبو بكر ، وقال يا رسول الله : ناولني أحد الصبيين أحمله عنك ، فقال6 نعم المطي مطيهما ، ونعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما ، حتى أتى المسجد فقام رسول الله6 على قدميه وهما على عاتقيه ثم قال :

« معاشر المسلمين ، ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة؟

« بلى يا رسول الله »

« الحسن والحسين ، جدهما رسول الله6 خاتم المرسلين ، وجدتهما خديجة بنت خويلد ، سيدة نساء أهل الجنة »

__________________

(1) صحيح الترمذي 2 / 306 ، صحيح النسائي 1 / 209

٨٥

ثم قال6 : « ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ » قالوا : بلى يا رسول الله

« الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب ، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب. »

ثم قال : « أيها الناس ، ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة؟ » قالوا : بلى يا رسول الله

« الحسن والحسين ، خالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ».

ثم قال : اللهم ، انك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة ، وعمهما ، في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، ومن أحبهما في الجنة ، ومن أبغضهما في النار.(1)

ودل الحديث على مدى حبه6 لسبطيه ، وانهما أحب أهل بيته إليه ، وآثرهما عليه ، ومن المعلوم أن شأن النبوة بعيد عن الاندفاع بعواطف الحب ، فانه6 لم يمنحهما هذا الحب الا لانهما مصدرا كل فضيلة ، ومنبعا كل خير.

8 ـ وروى جابر ، قال دخلت على النبي6 والحسن والحسين على ظهره ، وهو يقول : « نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما »(2) وبهذا المضمون روى عمر قال رأيت الحسن والحسين8 على عاتقي النبي6 فقلت نعم الفرس تحتكما فقال النبي6 ونعم الفارسان هما(3) وقد نظم ذلك

__________________

(1) ذخائر العقبى : ص 130

(2) كنز العمال 7 / 108 ، مجمع الهيثمي 9 / 182

(3) مجمع الهيثمي 9 / 181 ، كنز العمال 7 / 106

٨٦

شاعر العقيدة السيد الحميرى فى قوله :

اتى حسنا والحسين الرسول

وقد برزا ضحوة يلعبان

فضمهما وتفداهما

وكانا لديه بذاك المكان

ومرا وتحتهما عاتقاه

فنعم المطية والراكبان

9 ـ وروى يعلى بن مرة الثقفي(1) قال : جاء الحسن والحسين يستبقان الى رسول الله6 فضمهما إليه ، وقال : إن الولد مبخلة مجبنة(2)

10 ـ وقال6 : ( الحسن والحسين سبطان من الاسباط )(3)

11 ـ وبلغ من مزيد حبه واشفاقه على سبطيه أنه كان يعوذهما خوفا عليهما من الحسد ، فقد روى أبو نعيم بسنده عن عبد الله ، قال : كنا جلوسا مع رسول الله6 إذ مرّ الحسن والحسين وهما صبيان ، فقال : هات ابنى أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه اسماعيل ، واسحاق ، فقال : « اعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ، ومن

__________________

(1) روي في المستدرك الحديث عن يعلى بن منبه الثقفي ، وراجعنا كتب التراجم فلم نجد يعلى بن منبه وانما الموجود يعلى بن مرة ، ولعل ما وقع ما فى المستدرك كان سهوا ، وجاء فى كل من الاصابة ، واسد الغابة ان يعلى بن مرة من افاضل الصحابة ، روى عن رسول الله6 وعن امير المؤمنين7 وشهد مع النبيّ6 الحديبية ، وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر ، والفتح وهوازن والطائف.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 168 ، مسند الامام احمد بن حنبل 4 / 172

(3) الصواعق المحرقة : ص 114 ، كنز العمال 6 / 221

٨٧

كل شيطان وهامة »(1) وليس في سجل المودة الانسانية أجمل من هذا الحنان ، ولا أكرم من هذا العطف.

12 ـ ومما اشتهر بين المسلمين قوله6 : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وان قعدا »(2) واضفى6 على حفيديه حلة الامامة ، وهي من أهم الصفات الماثلة فيهما وذلك لما تستدعيه من المثل العليا التي لا تتوفر إلا عند من اختاره الله واصطفاه من بين عباده ، فقد خص الله بها خليله إبراهيم قال تعالى :( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3) وسنتحدث عن الامامة ، وما يعتبر في الامام من المؤهلات ، والصفات عند عرض مثله7 .

الطائفة الثالثة :

وتواترت النصوص الصحيحة عن النبي6 في لزوم مودة أهل بيته ، وانه حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وقرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم سفن النجاة ، وأمان الأمة ، وإلى القراء بعض تلك السنن.

__________________

(1) حلية الاولياء 5 / 44 الفضائل الخمسة من الصحاح الستة 3 / 177

(2) البحار 10 / 78 ، وجاء في نزهة المجالس 2 / 184 ، وفى الاتحاف بحب الاشراف : ص 129 ان رسول الله6 قال للحسن والحسين :« انتما الامامان ولامكما الشفاعة » وجاء فى منهاج السنة 4 / 210 ان رسول الله6 قال : للحسين 7 « هذا امام ابن امام اخو امام ابو أئمة تسعة ».

(3) سورة البقرة : آية 124

٨٨

1 ـ روى زيد بن أرقم أن رسول الله6 قال : لعلي وفاطمة والحسن والحسين: : ( أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم »(1)

2 ـ وعن أبي بكر قال : رأيت رسول الله6 خيم خيمة ، وهو متّكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين: فقال : « معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، وولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد ، طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردىء الولادة »(2)

3 ـ وروى احمد بن حنبل أن النبي6 أخذ بيد الحسن والحسين ، وقال : « من احبني ، وأحب هذين وأباهما ، وامهما كان معي فى درجتي يوم القيامة »(3)

4 ـ وروى جابر ، قال رسول الله6 : ذات يوم بعرفات ، وعلى تجاهه « ادن منى يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها فمن تعلق بغصن منها ادخله الله الجنة »(4)

5 ـ وروى ابن عباس قال : قال رسول الله6 ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتى أمان لأمتي من الاختلاف

__________________

(1) كنز العمال 7 / 102 ، سنن ابن ماجة ص 14 ورواه ابن كثير فى البداية والنهاية عن ابي هريرة.

(2) الرياض النضرة 2 / 252

(3) مسند احمد 1 / 77 ينابيع المودة ص 164 صحيح الترمذي 2 / 2 / 301

(4) مسند احمد 1 / 77

٨٩

فاذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس )(1)

6 ـ روى زيد بن أرقم قال : قال رسول الله6 « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ، احدهما اعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(2)

إن حديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبوية ، واكثرها ذيوعا ، وقد اهتم العلماء به اهتماما بالغا لانه يحمل جانبا مهما من جوانب العقيدة الاسلامية ، كما انه من اظهر الأدلة التي تستند إليها الشيعة في حصر الامامة في اهل البيت ، وفي عصمتهم من الاخطاء والاهواء لان النبيّ6 قرنهم بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يفترق أحدهما عن الآخر ومن الطبيعي أن صدور آية مخالفة لاحكام الدين تعتبر افتراقا عن الكتاب العزيز ، وقد صرح النبيّ6 بعدم افتراقهما حتى يردا عليه الحوض ، فدلالته على العصمة ظاهرة جلية ، وقد كرر النبي6 هذا الحديث في غير موقف من المواقف لأنه يهدف الى صيانة الأمة والمحافظة على استقامتها وعدم انحرافها في المجالات العقائدية ، وغيرها أن تمسكت باهل البيت ولم تتقدم عليهم ، ولم تتأخر عنهم.

واستيفاء البحث في جوانب الحديث يستدعى وضع كتاب خاص ، وقد كفانا مئونة البحث عنه ما ذكره العلماء من التحقيق الرائع في جميع مناحى الحديث سواء أكان من ناحية السند أم الدلالة وغيرها(3)

__________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 149

(2) صحيح الترمذي 2 / 308 ، اسد الغابة 2 / 12

(3) المراجعات : ص 49 ـ 52 ، الاصول العامة للفقه المقارن ص 164 ـ 187

٩٠

7 ـ روى أبو سعيد الخدرى قال : سمعت النبي6 يقول : « إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له »(1)

يقول الامام شرف الدين في مرجعاته القيمة في بيان الحديث ما نصه « وأنت تعلم أن المراد من تشبيههم: بسفينة نوح أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار ، ومن تخلف عنهم كان كمن آوى « يوم الطوفان » إلى جبل ليعصمه من أمر الله ، غير أن ذاك غرق فى الماء وهذا في الحميم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم: بباب حطة هو أن الله تعالى جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سببا للمغفرة.

هذا وجه الشبه ، وقد حاوله ابن حجر إذ قال : ـ بعد أن أورد هذه الاحاديث وغيرها من أمثالها ـ

« ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا ، من ظلمة المخالفات ، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان » إلى أن قال : ( وبباب حطة ـ يعني ووجه تشبيههم بباب حطة ـ ان الله جعل دخول

__________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 168 ، وجاء في مستدرك الحاكم عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر يقول : وهو آخذ بباب الكعبة : أيها الناس من عرفنى فأنا من عرفتم ، ومن انكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله يقول : « مثل اهل بيتى مثل سفينة نوح من ركبها نجا. ومن تخلف عنها غرق » وقد تظافرت الأخبار بهذا النص.

٩١

ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة ، وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها »(1)

8 ـ قال6 : « معرفة آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب. »(2)

9 ـ قال6 : « من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ، ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة الله »(3)

10 ـ قال6 : « واجعلوا أهل بيتى منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين »(4)

__________________

(1) المراجعات : ص 54

(2) المراجعات : ص 58 نقلا عن كتاب الشفاء ص 40

(3) المراجعات : ص 59 نقلا عن الامام الثعلبي في تفسير آية المودة من تفسيره الكبير

(4) المراجعات نقلا عن الشرف المؤبد ص 58.

٩٢

ان الواجب على المسلمين أن يجعلوا أهل بيت نبيهم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، فيتمسكوا بأهدافهم ، ويأخذوا بأفعالهم وأقوالهم ، ولو انهم حققوا ذلك لكانوا سادات الامم وهداة الشعوب ولكنهم ناصبوهم العداء ، واخروهم عن مراتبهم ، وأزالوهم عن مكانتهم ، فاصيبت الامة بالنكسات ، وحفت بها الخطوب والاخطار فانا لله وإنا إليه راجعون.

11 ـ قال (ص) : لا تزول قدما عبد ـ يوم القيامة ـ حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله فيما أنفقه ، ومن أين اكتسبه ، وعن محبتنا أهل البيت »(1)

إن المسلمين مسئولون أمام الله عن مودة أهل البيت وعن حبهم ، ومن اظهر ألوان الحب الأخذ بأقوالهم والاقتداء بهم في جميع المجالات.

12 ـ قال (ص) : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه وليقتد بأهل بيتى من بعدي فانهم عترتي ، خلقوا من طينتى ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذبين بفضلهم من امتي ، القاطعين فيهم صلتى ، لا أنالهم الله شفاعتي »(2)

ونقتصر على هذه السنن التي أثرت عن الرسول6 في أهل بيته ، وهناك عشرات أمثالها ذكرت في كتب الحديث وهي تهتف بفضلهم ، وتلزم المسلمين بالرجوع إليهم في جميع المجالات.

__________________

(1) المراجعات نقلا عن السيوطي في احياء الميت ، والنبهانى فى اربعينه.

(2) كنز العمال 6 / 217.

٩٣

احتفاء المسلمين به :

واحتفى المسلمون بالامام الحسن احتفاء بالغا فكان كبار الصحابة يقابلونه بالتجلة والتكريم ، ويتسابقون الى القيام بخدمته ، فهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة كان إذا ركب الحسن والحسين8 بادر فأمسك لهما الركاب وسوى عليهما الثياب ، وقد لامه مدارك بن زياد على ذلك فنهره وقال له :

« يا لكع أو تدري من هذان؟! هذان ابنا رسول الله6 أو ليس مما أنعم الله به علي أن أمسك لهما الركاب ، وأسوي عليهما الثياب »(1)

وبلغ من تعظيم المسلمين وتكريمهم لهما انهما كانا يفدان الى بيت الله الحرام ماشيين فما اجتازا على ركب الا ترجل ذلك الركب اجلالا واكبارا لهما ، وإذا طافا بالبيت الحرام بلغ زحام الناس عليهما مبلغا هائلا لم يشاهد نظيره لاجل السلام عليهما والتبرك بزيارتهما(2) وكان أبو هريرة إذا رأى الامام الحسن (ع) مقبلا قام إليه فقبله بسرته لأنه رأى رسول الله6 يفعل ذلك(3) وحقا للمسلمين أن يكرموا حفيد نبيهم ويقدسوه بعد ما كرمه النبيّ6 ورفع من شأنه.

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 4 / 212 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 143

(2) البداية والنهاية 8 / 37

(3) مسند الامام احمد بن حنبل 2 / 255 ، انساب الاشراف للبلاذري

٩٤

الفاجعة الكبرى

٩٥
٩٦

وقطع الحسن7 شوطا من طفولته مع جده الرسول6 حتى توسعت مداركه ونمت ملكاته ، وهو ناعم البال قرير العين ، يستقبل الحياة كل يوم بثغر باسم وبهناء وسعادة ، يرى من جده6 الحنان والعطف ، ومن مشيخة الصحابة التعظيم والتكريم ، وقد رأى7 ما منح به الاسلام من التوسع وكثرة الغزوات حتى دخل الناس في دين الله افواجا افواجا ، فقد تحطمت عروش الشرك واندحرت قوى الالحاد ، وغزت الجيوش الاسلامية مكة التي هي اعز بلد وامنعه في الجزيرة العربية ، وقام الاسلام وهو عبل الذراع مفتول الساعد شامخ الكيان وسرت موجات فتحه الى أغلب شعوب الأرض ، وقد غمرت قلوب المسلمين المسرات على هذا النصر الذي أعزهم الله وأيدهم به وكان أشد المسلمين فرحا واعظمهم سرورا بهذه الانتصارات التي حققها الاسلام أهل البيت.

ولكن لم تدم لهم الحالة الهانئة فقد عبس الزمن فى وجوههم ، واكفهر ، وغزا قلوبهم بخوف غامض وحزن بهيم فقد آن للرسول6 أن يفد على الله ، وينتقل الى حظيرة القدس ، وقد بدت له طلائع الرحيل وامارات الانتقال وهي :

1 ـ وكانت أول النذر بمغادرته لهذه الحياة نزول الوحي عليه بهذه الآية( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) وقد اثارت كوامن التوجس في نفسه فقد سمعه المسلمون ينعى نفسه ويقول :

« ليتنى اعلم متى يكون ذلك؟ »

ونزلت عليه بعد هذه الآية سورة « النصر » فكان يسكت بين التكبير والقراءة ويقول :

« سبحان الله وبحمده ، استغفر الله واتوب إليه »

٩٧

وقد ساور قلوب المسلمين الخوف والجزع فانطلقت قلوبهم قبل السنتهم تستفهم عن هذه الحالة الرهيبة فاجابهم6 :

« إن نفسي قد نعيت لي »(1)

وحينما سمع المسلمون ذلك قدّت قلوبهم وانهارت قواهم ، وغامت أبصارهم بفيض من الدموع ، وأصابتهم رجفة هزت كيانهم واشاعت في نفوسهم الجزع والخوف.

2 ـ ونزل عليه القرآن الكريم في تلك السنة مرتين فاستشعر بذلك حضور الاجل المحتوم(2) واخذ ينعى نفسه ، ويعلن مفارقته لهذه الحياة وقد تصدعت القلوب لهذا النبأ وطافت بالمسلمين أمر الوان المحن والخطوب

حجة الوداع :

ولما علم الرسول6 بانتقاله الى دار الخلود ، وهو قد تحمل في سبيل ارشاد المسلمين وهدايتهم من العنت والعناء ما تنوء بحمله النفوس رأى أن يتم النهاية لرسالته المقدسة ويضع الخطة السليمة التي تضمن لامته من بعده السعادة والنجاح فحج6 من اجل ذلك حجته الأخيرة الشهيرة بحجة الوداع ، في السنة العاشرة من الهجرة واشاع بين الوافدين لبيت الله الحرام ان هذا الالتقاء هو آخر العهد بهم قائلا :

« انى لا ادري لعلي لا القاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف ابدا »

وجعل يطوف على الجماهير ويعرفهم بما يضمن لهم السعادة والنجاح « يا أيها الناس ، اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل

__________________

(1) مناقب ابن شهر اشوب 1 / 127.

(2) الخصائص الكبرى 2 / 368

٩٨

بيتى »(1)

لقد قرن بين الكتاب والعترة الطاهرة وجعل التمسك بهما منجاة من الفتن والزيغ ، ولو أن الامة تابعته في قوله ، وتمسكت بهما لما حلت بها الاهواء والخطوب وما عراها الذل والهوان ، وما اختلفت كلمتها ، ولا تشعبت الى فرق واحزاب( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )

غدير خم :

ولما فرغ النبي6 من أداء مناسك الحج اتجه الى يثرب فلما وصل موكبه الى غدير خم هبط عليه أمين الوحي فأمره أن يحط رحله في رمضاء الهجير ، وينصب الامام أمير المؤمنين خليفة من بعده ومرجعا لأمته ، وكان أمر السماء يحمل طابعا مهما بالغ الخطورة ، فقد نزل عليه الوحي بهذه الآية :

( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2) واضطرب النبي من هذا الانذار وهذا التهديد ، إنه إن لم ينفذ ما أراد الله في تقليد أمير المؤمنين بهذا المنصب الخطير فما بلغ رسالة الله وضاعت جميع اتعابه وجهوده ، فانبرى6 بعزم ثابت الى تنفيذ ذلك وإن اغضب الطامعين بالخلافة والمنحرفين عن الامام7 ، فوضع6 اعباء المسير وحط رحله في ذلك المكان القاحل وكان الوقت قائضا حتى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتقى من الحر وامر صلى الله

__________________

(1) صحيح الترمذي 2 / 308

(2) سورة المائدة نزلت هذه الآية فى يوم الغدير ذكر ذلك الواحدى فى اسباب النزول ص 150 والفخر الرازي فى تفسيره الكبير وغيرهما.

٩٩

عليه وآله باجتماع الجماهير فلما اجتمعوا صلى بهم فلما انفلت من صلاته أمر أن توضع حدائج الابل لتكون له منبرا فصنعوا له ما اراد فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين مائة الف أو يزيدون ، وقد اتجهوا بقلوبهم قبل اسماعهم الى الرسول ليسمعوا ما يلقى عليهم ، وانبرى6 فبين لهم ـ اولا ـ جهاده المقدس واتعابه الشاقة فى سبيل ارشادهم وانقاذهم من حضيض الشرك والعبودية ، وذكر لهم ـ ثانيا ـ جملة من الاحكام الاسلامية والآداب الدينية فأمرهم بتطبيقها على واقع حياتهم ، وبعد ذلك قال لهم :

« فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين »

فناداه مناد من القوم

« وما الثقلان يا رسول الله؟ »

فاجابه6 : « الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ، والآخر الاصغر عترتي وان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا »

ثم أخذ بيد علي حتى بان بياض إبطيهما وعرفه القوم اجمعون وقال :

« أيها الناس ، من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟

فاجابوه « الله ورسوله اعلم »

فقال6 : إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من انفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه قال ذلك ثلاث مرات او أربع مرات ، ثم قال :

« اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، واحب من أحبه ، وابغض

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530