حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213557 / تحميل: 8105
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قوى موروثة كامنة ، ولكن اظهار أية واحدة يقف على الظروف التي تحيط بهذه القوى عند نموها ».

وقاعدة الوراثة تقضى ان الامام الحسن (ع) في طليعة من ظفر بهذه الظاهرة فقد ورث ما استقر في نفس جده (ص) من القوى الروحية ، والثروة الاصلاحية الهائلة يضاف إلى ذلك تأثره بالبيئة الصالحة التي تكونت من أسرته ومن خيار المسلمين وصلحائهم.

وملك الامام الحسن (ع) بمقتضى ميراثه من الذكاء ، وسمو الادراك ما لا يملكه غيره ، فقد حدث الرواة عن مدى نبوغه الباكر ، فقالوا : إنه كان لا يمر عليه شيء إلاّ حفظه ، وكان يحضر مجلس جده (ص) فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها ، فتحدث به أمير المؤمنين (ع) فيتعجب ، ويقول :

« من أين لك هذا؟!! »

« من ولدك الحسن. »

واختفى الامام (ع) في بعض زوايا البيت ليسمع ولده ، ويقبل الحسن على عادته ليلقي على أمه ما حفظه من آيات الوحي والتنزيل فيرتج عليه ، ولا يستطيع النطق فتبادر البتول قائلة :

« يا بني ، لما ذا أرتج عليك؟!! »

« يا أماه لا تعجبي مما عراني ، فان كبيرا يرعاني!! »(١) .

وهذه البادرة تدل بوضوح على مدى ادراكه الواسع ، الذي يبصر به الاشياء من بعيد ، ويستشف به ما غاب عنه من وراء حجاب.

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ٢ / ١٤٨ ، البحار ١٠ / ٩٣.

٦١

حفظه للحديث :

وحفظ (ع) وعمره الشريف اربع سنين الشيء الكثير مما سمعه من جده (ص) ونشير إلى بعض ما رواه عنه.

١ ـ قال (ع) : علمنى رسول الله (ص) كلمات أقولهن في الوتر : ( اللهم ، اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما اعطيت ، وقنى شر ما قضيت ، فانك تقضى ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت »(١)

٢ ـ وروى عمير بن مأمون ، قال : سمعت الحسن بن علي (ع) يقول : ( من صلى صلاة الغداة ، فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار ، أو قال : ستر من النار )(٢) .

٣ ـ وقال له بعض أصحابه : ما تذكر من رسول الله (ص)؟ فقال (ع) : أخذت تمرة من تمر الصدقة ، فتركتها في فمي فنزعها بلعابها ، فقيل يا رسول الله ، ما كان عليك من هذه التمرة ، قال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة(٣) .

٤ ـ وسئل (ع) عما سمعه من رسول الله (ص) ، فقال : سمعته يقول لرجل : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فان الشر ريبة والخير

__________________

(١) صحيح الترمذي ١ / ٩٣ مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢ تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٠.

(٢) اسد الغابة ٢ / ١١.

(٣) اسد الغابة ٢ / ١١ والمراد من الصدقة المحرمة على آل البيت هي الصدقة الواجبة كالزكاة والفطرة دون غيرهما من الصدقات المندوبة.

٦٢

طمأنينة »(١) .

٥ ـ وحدث (ع) أصحابه عن خلق جده الرسول (ص) وسيرته فقال : كان رسول الله (ص) إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول.

٦ ـ قال (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : « ادعوا لي سيد العرب ـ يعنى عليا ـ فقالت له عائشة : الست سيد العرب؟ فقال لها أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فدعى له الإمام فلما مثل بين يديه أرسل خلف الأنصار ، فلما حضروا التفت إليهم قائلا :

يا معشر الأنصار ألا ادلكم على شيء ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، قالوا بلى يا رسول الله فقال : هذا علي فأحبوه بحبي واكرموه بكرامتى فان جبرئيل أخبرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل(٢) وقد

__________________

(١) تأريخ اليعقوبى ٢ / ٢٠١ وفي مسند احمد ١ / ٢٠٠ انه٧ قال سمعت رسول الله قد قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فان الصدق طمأنينة ، وان الكذب ريبة.

(٢) حياة علي بن ابي طالب للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ص ٨٣ وذكر الدكتور زكي مبارك فى التصوف الإسلامي ج ١ ص ٢٧٤ في بيان مأخذ عقيدة الصوفية في سيد الأنبياء محمد٦ يقول : ومن الخير ان ننص على ان هذا الشطط استند فيه الصوفية إلى حديث « أنا سيد الأنبياء » وهو حديث شك فيه العلماء فقد جاء في كتاب العجلونى المسمى « كشف الخفاء والالتباس ، عما اشتهر من الاحاديث على السنة الناس » ان الحسن بن علي روى ان الرسول قال ( ادعوا لي سيد العرب ) يعني عليا فقالت له عائشة : الست سيد العرب ، فقال أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب ، ثم حدثنا العجلوني ان الذهبي يجنح إلى الحكم على هذا الحديث بالوضع ، اقول : لم يتبين لنا بجلاء ما افاده الدكتور زكي.

٦٣

نقل علماء الفقه ورواة السنة الشيء الكثير عنه (ع) مما سمعه وشاهده من رسول الله (ص) فيما يتعلق بأحكام الشريعة المقدسة وآدابها وذلك يدل على نبوغه وعبقريته وإدراكه الواسع ، والناظر في دور طفولته (ع) يهيم بها إعجابا وإكبارا وتقديسا وذلك لما لها من آيات للكمال والفضيلة والذكاء ، ولما أنيطت بلون من التربية الرفيعة التي لم يظفر بها إنسان فيما نحسب.

__________________

مبارك في مأخذ عقيدة الصوفية ولبيان الحال نقول إنهم قد انفردوا عن بقية فرق الاسلام بالتزامهم بجهتين ( الاولى ) إن هناك تعينا اوليا وهو مجمع التعينات وهو المسمى بالعقل الأول والصادر الأول في لسان الفلاسفة القدامى ، ومستندهم في ذلك هي البراهين التي اقيمت فى الفلسفة التي منها إن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد ( الثانية ) تطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية المقدسة وبهذا التطبيق انحازوا عن الفلاسفة ، وحجتهم في ذلك هي الأخبار كحديث ( أنا سيد الناس ) ( ولو لاي لما خلقت الأكوان ) وانا نبي وآدم بين الماء والطين ، ونحوها من الأخبار الدالة على إثبات مطلوبهم بنحو من الدلالة العقلية ، والمتصوفة إنما كانوا متصوفة بالتزامهم بالجهة الأولى التي ذهبت إليها الفلاسفة ، فكان الأجدر بالدكتور زكي مبارك ان لا يطلق القول في ان عقيدة الصوفية قد اخذت من الأخبار وعليه ان يبين ان استنادهم إلى الأخبار إنما هو لتطبيق العقل الأول والصادر الأول على الحقيقة الأحمدية ، وكان المناسب له التعرض الى مناقشة الصوفية في الجهة الأولى ، وبيان السر في تشكيك العلماء في حديث ( أنا سيد الناس ) هل كان مصدره ضعف الراوى ، او من جهة اعتماد الصوفية عليه والأخير غير صالح للتضعيف والأول غير معلوم.

٦٤

تكريم وحفاوة

٦٥
٦٦

واشاد كتاب الله العزيز بفضل اهل البيت واحتفى بهم رسول الله (ص) فقرنهم بمحكم الكتاب ، وفرض على الأمة مودتهم وحبهم ، ولا بد لنا أن نشير إلى بعض ما ورد في الكتاب ، والسنة في حق أهل البيت (ع) فان ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بما نحن فيه ويكشف لنا عن مدى خطورة الامام الحسن (ع) وعظم شأنه ، وسمو منزلته ، وإلى القراء ذلك :

الكتاب العزيز :

ونطق كتاب الله العظيم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ـ بفضل أهل البيت ، وبسمو مكانتهم عند الله ، وحسبنا أن نشير إلى بعض آياته :

١ ـ آية المودة :

وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت (ع) وقد نطق القرآن بذلك قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) وروى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال بعض المسلمين : يا رسول الله من قرابتك الذين أوجبت علينا طاعتهم؟ فقال (ص) : علي وفاطمة وابناهما(٢) وروى أبو نعيم بسنده عن جابر ، قال جاء اعرابي إلى النبي

__________________

(١) سورة الشورى : آية ٢٣

(٢) تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٠٦ ، الدر المنثور ٧ / ٧ ، تفسير النيسابوري

٦٧

(ص) فقال : يا محمد أعرض عليّ الاسلام ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، قال : تسألني عليه أجرا؟ قال : ـ لا ـ إلا المودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي ، قال هات أبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله ، قال (ص) آمين(١) وصرح الامام الحسن (ع) أنه من المعنيين بهذه الآية فى بعض خطبه قال (ع) :

« وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ، وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. »(٢)

وإلى مضمون الآية الكريمة يشير الامام الشافعي فى قوله :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله(٣)

وأفاد الفخر الرازي ما نصه : « وإذا ثبت هذا ـ يعنى أنها نزلت في علي وفاطمة وابناهما ـ وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، وتدل عليه وجوه « الاول » قوله تعالى :( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ووجه الاستدلال به ما سبق ، وهو ما ذكره من قبل من أن آل محمد (ص)

__________________

في تفسير سورة الشورى ، تفسير ابن جرير الطبري ٥ / ١٦ ، الكشاف في تفسير سورة الشورى ، الصواعق المحرقة : ص ١٠٢ ، ذخائر العقبى : ص ٢٥ نور الابصار : ص ١٠٠.

(١) حلية الأولياء ٣ / ٢٠١.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ ، الصواعق المحرقة ص ١٠١ ، مجمع البيان في تفسير سورة الشورى ٩ / ٢٩.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ٨٨.

٦٨

هم الذين يئول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك ان فاطمة وعليا والحسن والحسين (ع) كان التعلق بينهم وبين رسول الله (ص) أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل « الثانى » لا شك ان النبي (ص) كان يحب فاطمة (ع) قال (ص) : « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها » وثبت بالنقل المتواتر عن محمد (ص) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين: ، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله ، لقوله تعالى :( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ولقوله تعالى :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) ولقوله :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ولقوله سبحانه :

و( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) « الثالث » إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد » وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب »(١)

إن مودة أهل البيت من أهم الواجبات الاسلامية ، ومن أقدس الفروض الدينية لأن فيها أداء لأجر الرسالة ، وصلة للرسول (ص) ، وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء في سبيل انقاذ المسلمين من الشرك وعبادة الأوثان ، فحقه على الأمة أن توالي عترته ، وتكن لها المودة والاحترام.

٢ ـ آية التطهير :

ومن آيات الله البينات الدالة على عصمة اهل البيت من الذنوب ، وعلى طهارتهم من الزيغ والآثام ، آية التطهير قال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير آية المودة فى سورة الشورى.

٦٩

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) وهي صريحة الدلالة في العصمة ، ويقع البحث في الآية من جهات :

أ ـ دلالتها على العصمة :

وكيفية الاستدلال بها على عصمة أهل البيت ، انه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس ـ أي المعاصي ـ بكلمة انما ، وهي من أقوى أدوات الحصر وبدخول اللام في الكلام الخبري وبتكرار لفظ الطهارة وذلك يدل ـ بحسب الصناعة ـ على الحصر والاختصاص ، ومن المعلوم أن ارادة الله تعالى يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وبذلك يتم الاستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب ومعصية.

ب ـ المختصون بها :

واجمع ثقاة الرواة أنها نزلت في رسول الله (ص) وفي أمير المؤمنين٧ وفاطمة ، والحسنين (ع) ولم يشاركهم أحد في هذه الفضيلة(٢) فقد روى الحاكم بسنده عن أم سلمة أنها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) قالت : فأرسل رسول الله (ص) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، قالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل

__________________

(١) سورة الأحزاب :

(٢) انظر تفسير الفخر ٦ / ٧٨٣ ، النيسابوري في تفسير سورة الاحزاب ، صحيح مسلم ٢ / ٣٣١ ، الخصائص الكبرى ٢ / ٢٦٤ ، الرياض النضرة ٢ / ١٨٨ ، خصائص النسائي ٤ ، تفسير ابن جرير ٢٢ / ٥ ، مسند الامام احمد بن حنبل ٤ / ١٠٧ سنن البيهقي ٢ / ١٥٠ ، مشكل الآثار ١ / ٣٣٤ وغيرها.

٧٠

البيت؟ قال « إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي ، اللهم أهل بيتي احق »(١) .

وفي رواية أم سلمة الأخرى : « قالت في بيتي نزلت : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت » ، وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا »(٢)

وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) في قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » قال : جمع رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع) ثم أدار عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأم سلمة على الباب فقالت : يا رسول الله ألست منهم؟ فقال : إنك لعلى خير ، أو إلى خير »(٣) .

ويدل على اختصاص الآية بهم وعدم شمولها لغيرهم ما رواه ابن عباس قال : « شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتى كل يوم باب علي بن أبي طالب (ع) عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » الصلاة رحمكم الله ، كل يوم خمس مرات »(٤) .

واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال : حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغد إلا أتى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ، ثم قال : الصلاة ،

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٢ / ٤١٦ ، اسد الغابة ٥ / ٥٢١.

(٢) الدر المنثور ٥ / ١٩٩.

(٣) تأريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨.

(٤) الدر المنثور.

٧١

الصلاة « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(١)

وروى أبو برزة قال : صليت مع رسول الله (ص) سبعة أشهر فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (ع) فقال : السلام عليكم « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(٢)

وروى أنس بن مالك قال : كان النبي (ص) يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر ، ويقول : الصلاة يا أهل البيت « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا »(٣)

وقال الامام الحسن (ع) في بعض خطبه :

« وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا. »(٤)

لقد تواترت الاخبار الصحيحة التي لا مجال للشك في سندها ، وفي دلالتها ، على اختصاص الآية الكريمة فى الخمسة من أهل الكساء: ، وعدم تناولها لغيرهم من أسرة النبي (ص).

ج ـ خروج نساء النبي :

وليس لنساء النبي (ص) نصيب في هذه الآية ، فقد اختص بها أهل الكساء ، وللتدليل على ذلك نذكر ما يلي :

١ ـ خروجهن موضوعا عن الأهل ، فإنه موضوع لعشيرة الرجل

__________________

(١) الدر المنثور.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩.

(٣) ذخائر العقبى : ص ٢٤.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٢.

٧٢

وذوى قرباه ، ولا يشمل الزوجة ، ويؤكد هذا المعنى ما صرح به زيد ابن ارقم حينما سئل من أهل بيته ـ اي النبي (ص) ـ نساؤه؟ فقال ـ لا ـ وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها ، وقومها ، أهل بيته أصله ، وعصبته ، الذين حرموا الصدقة بعده(١) .

٢ ـ انا لو سلمنا أن الأهل يطلق على الزوج فلا بد من تخصيصه ، وذلك للاخبار المتواترة التي تقدم ذكرها وهي توجب تقييد الاطلاق من دون شك.

د ـ مزاعم عكرمة :

وزعم عكرمة أن الآية نزلت في نساء النبي (ص) وكان ينادى بذلك في السوق(٢) وبلغ من اصراره وعناده أنه كان يقول : ( من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبيّ )(٣) وعكرمة لا يعول على روايته ، ولا يوثق به ، وذلك لما يلي :

١ ـ انه من الخوارج(٤) وموقف الخوارج من الامام أمير المؤمنين معروف ، من ناحية النصب والعداء.

٢ ـ انه قد عرف بالكذب واشتهر به فعن ابن المسيب « انه قال لمولى اسمه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس »(٥) وعن عثمان بن مرة أنه قال للقاسم : ان عكرمة حدثنا عن ابن عباس كذا :

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٢٣٨ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٦.

(٢) اسباب النزول للواحدي : ص ٢٦٨.

(٣) الدر المنثور ٥ / ١٩٨.

(٤) طبقات القراء ١ / ١٥ ، طبقات ابن سعد ٥ / ٢١٦.

(٥) الكلمة الغراء للامام شرف الدين نقلا عن ميزان الاعتدال.

٧٣

فقال القاسم : يا بن اخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا(١) ومع اتهامه بالكذب كيف يمكن التعويل على حديثه.

٣ ـ انه كان فاسقا يسمع الغناء ، ويلعب بالنرد ، ويتهاون في الصلاة وانه كان خفيف العقل(٢) .

٤ ـ إنه كان منبوذا عند المسلمين ، فقد جفوه ، وتجنبوه ، وبلغت من كراهيتهم له أنه لما توفى لم يصلوا عليه ، ولم يشهدوا تشييع جنازته(٣) ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن التعويل على روايته؟ مضافا إلى أنها من أخبار الآحاد حتى لو لم تمن بالضعف فانها لا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتواترة.

٣ ـ آية المباهلة :

من آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل أهل البيت (ع) آية المباهلة قال تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٤) فقد روى الجمهور بطرق مستفيضة(٥) أنها نزلت

__________________

(١) معجم الأدباء فى ترجمة عكرمة.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣.

(٣) تهذيب التهذيب

(٤) سورة آل عمران :

(٥) تفسير الجلالين ١ / ٣٥ ، تفسير روح البيان ١ / ٤٥٧ ، تفسير الكشاف ١ / ١٤٩ ، تفسير البيضاوي ص ٧٦ ، تفسير الرازي ٢ / ٦٩٩ ، صحيح الترمذي ٢ / ١٦٦ سنن البيهقي ٧ / ٦٣ ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، مسند احمد بن حنبل ١ / ١٨٥ مصابيح السنة للبغوي ٢ / ٢٠١.

٧٤

في أهل البيت (ع) وان ابناءنا اشارة إلى ( الحسنين ) ، ونساءنا الى فاطمة ، وانفسنا إلى علي.

وموجز قصة المباهلة ان وفدا من نصارى نجران قدموا على رسول الله (ص) ليناظروه في دينه ، وبعد حديث دار بينهما اتفقا على « المباهلة » وهي أن يبتهلوا أمام الله تعالى فيجعلوا لعنته الخالدة وعذابه المعجل على الكاذبين ، وعينوا زمانا خاصا لها.

وخرج رسول الله (ص) في اليوم الذي اتفقا عليه ، وقد اختار للمباهلة أعز الناس لديه ، وأكرمهم عند الله ، وهم الحسن والحسين ، وسيدة النساء فاطمة ، وأمير المؤمنين ، واحتضن (ص) الحسين وامسك بيده الأخرى الحسن ، وسارت خلفه الزهراء وهي مغشاة بملاءة من نور الله ، وأمير المؤمنين يسير خلفها وهو باد الجلال ، وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ، ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم ، وهم على أحسن هيئة واستعداد ، وقد اجتمعت الجماهير الحاشدة وهي تراقب الحادث الخطير ، ويسأل الناس بعضهم بعضا ، هل تباهل النصارى؟ أو تكف عن ذلك وبينما هم على هذا الحال إذ تقدم السيد والعاقب إلى رسول الله (ص) وقد بدا عليهما الذهول والارتباك قائلين :

« يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟. ».

فأجابهم (ص) :

« أباهلكم بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين. »

وقدما له سؤالا مقرونا بالتعجب :

« لمّ لا تباهلنا بأهل الكرامة ، والكبر ، وأهل الشارة ، ممن آمن

٧٥

بك ، وأتبعك؟!! »

فقال رسول الله (ص) :

« أجل. أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق. »

فذهلوا ، وذابت قلوبهم من الخوف والرعب ، ورجعوا قافلين الى الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الأمر قائلين :

« يا أبا حارثة. ما ذا ترى في الأمر؟ »

فأجابهم الاسقف ، وقد غمرته هيبة آل الرسول (ص) قائلا :

« أرى وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله »

ولا يكتفي بذلك بل يدعم قوله : بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته :

« أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه ، ينظر ما تجيئان به ، وحق المسيح ـ إن نطق فوه بكلمة ـ لا نرجع إلى أهل ، ولا إلى مال!! »

وجعل يصيح بهم :

« ألا ترون إلى الشمس ، قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة(١) ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد فيها الدخان ، لقد أطل علينا العذاب ، أنظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها ، وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا.!!! »

الله أكبر لقد غمرت المسيحيين عظمة تلك الوجوه المقدسة ، وآمنوا بما لها من الكرامة والشأن عند الله ، ووقفوا خاضعين أمام النبي (ص) ونفذوا طلباته ، وقال (ص) :

« والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ، ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولأستأصل الله

__________________

(١) الداكنة : السحابة السوداء.

٧٦

نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، وما حال الحول على النصارى كلهم »(١)

ودلت قصة المباهلة على عظيم منزلة أهل البيت ، وسمو مكانتهم ، وانهم افضل خلق الله وأحبهم إلى رسول الله (ص) ، ولا يداني فضلهم أحد من سائر العالمين.

٤ ـ سورة هل أتى :

ونزلت في أهل البيت (ع) سورة مباركة من سور القرآن الكريم وهي سورة « هل أتى » فقد روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت فيهم(٢) والسبب في نزولها ان الحسن والحسين (ع) مرضا فعادهما جدهما رسول الله (ص) مع بعض الصحابة ، فقالوا للامام : لو نذرت لله إن عافى ولديك ، فنذر (ع) صوم ثلاثة أيام شكرا لله إن برئا ، وتابعته الصديقة٣ وجاريتها فضة في هذا النذر ، ولما ابل الحسنان من المرض صاموا جميعا ، ولم يكن عند أمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله افطارا لهم فاستقرض ثلاثة أصواع من الشعير ، فعمدت الصديقة (ع) في اليوم الاول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار ، وإذا بمسكين يستمنحهم من القوت شيئا ، فتبرع الامام في افطاره ، وتابعه الجميع في صنعه ، وناولوا طعامهم إلى المسكين وقضوا ليلتهم ، ولم يذوقوا من الطعام شيئا ، واصبحوا وهم صائمون ،

__________________

(١) نور الابصار : ص ١٠٠.

(٢) تفسير الفخر ٨ / ٣٩٢ ، روح البيان ٦ / ٥٤٦ ، النيسابوري في تفسير سورة هل اتى ، اسباب النزول للواحدي : ص ٣٣١ ، الدر المنثور في تفسير سورة هل اتى ، ينابيع المودة ١ / ٩٣ ، الرياض النضرة ٢ / ٢٢٧.

٧٧

فلما حل وقت الافطار ، والطعام بين أيديهم ، وإذا بيتيم على الباب يشكو ألم الجوع ، فتبرعوا جميعا بقوتهم ، وطووا ليلتهم ، ولم يذوقوا سوى ماء القراح ، وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزته ، فلما حان وقت الافطار قدمت لهم الطعام ، وسرعان ما طرق الباب أسير يشكو الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ، ومنحوه له ، سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة ، وأي ايثار اعظم من هذا الايثار!!!

وفي اليوم الرابع جاء رسول الله (ص) لزيارتهم ، فرآهم ويا لهول ما رأى ، رأى الصفرة بادية على الوجوه ، الارتعاش حل في أجسامهم من الضعف ، فتغير حاله وانطلق يقول :

« وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جياعا!! ».

ولم ينته الرسول (ص) من كلامه حتى هبط عليه أمين الوحى ، وهو يرفع إليه سورة « هل اتى » وفيها اجمل الثناء وعاطر الذكر لاهل البيت قال تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. )

لقد شكر الله سعيهم على هذا الايثار الذي لا نظير له في عالم المبرات والاحسان ، وأورثهم في دار الآخرة الفردوس يتقلبون في نعيمه ، وجعل ذكرهم خالدا ، وحياتهم قدوة ، وجعلهم أئمة للمسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الآيات التي نزلت في حق أهل البيت: ، وهي من دون شك تتناول الامام الحسن (ع) ، وتدل على خطورة شأنه ، وسمو منزلته عند الله.

٧٨

السنة :

أما الأخبار التي أثرت عن النبيّ (ص) في سبطه الاكبر ، وأشادت بعظيم شأنه ، وبينت عما يكنه الرسول (ص) في نفسه من عميق الود ، وخالص الحب فهي على طوائف ثلاثة « الاولى » إنها مختصة به « الثانية » وردت فيه وفي أخيه سيد الشهداء (ع) « الثالثة » في أهل بيته ، ومن المعلوم ان الامام الحسن (ع) من أبرارهم فتشمله بالضرورة تلك الأخبار وهذه المناحي قد تظافرت بها النصوص وتواترت حتى افادت القطع واليقين ، وإلى القراء ذلك.

الطائفة الاولى :

اما ما أثر عن النبي (ص) فيما يخص سبطه فهى روايات عدة نقتصر منها على ما يلي :

١ ـ روى البراء بن عازب(١) قال : رأيت النبي (ص) والحسن على عاتقه ، يقول : « اللهم ، إنى أحبه فاحبه )(٢)

٢ ـ وروت عائشة قالت : إن النبيّ (ص) كان يأخذ حسنا ، فيضمه

__________________

(١) البراء بن عازب يكنى ابا عمارة ، شهد مع رسول الله٦ واقعة بدر ، ولكنه لم يأذن له في الجهاد لصغر سنه ، وغزا مع رسول الله٦ اربع عشرة غزوة ، وهو الذي فتح الري سنة اربع وعشرين فى قول ابى عمرو الشيباني ، وشهد مع امير المؤمنين٧ الجمل وصفين ، والنهروان ، نزل الكوفة وابتنى بها دارا ، ومات ايام مصعب بن الزبير ، جاء ذلك فى اسد الغابة ١ / ١٧١ ، والاستيعاب.

(٢) صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، ورواه الترمذي في صحيحه ٢ / ٣٠٧

٧٩

إليه ثم يقول : « اللهم ، إن هذا ابنى ، وأنا أحبه ، فأحبه ، وأحب من يحبه »(١)

٣ ـ وروى زهير بن الاقمر قال : بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي (ع) إذ قام إليه رجل من الأزد آدم طوال ، فقال : لقد رأيت رسول الله (ص) واضعه في حبوته ، يقول : ( من أحبني فليحبه ، فليبلغ الشاهد الغائب ) ولو لا عزمة من رسول الله (ص) ما حدثتكم(٢) .

٤ ـ وروى أبو بكرة قال : رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة ، وعليه أخرى ، ويقول : ( إن ابني هذا سيد. ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين

__________________

ورواه مسلم فى صحيحه فى كتاب فضائل الصحابة ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ٣٤.

(١) كنز العمال ٧ / ١٠٤ ، وذكره الهيثمي فى مجمعه ٩ / ١٧٦ ، وتظافرت الاخبار بهذا المضمون عن النبي٦ فعن سعيد بن زيد قال : احتضن رسول الله٦ حسنا ثم قال : ( اللهم إني قد احببته فأحبه ) ذكره المتقي الهندي فى كنز العمال ٧ / ١٠٥ وقال اخرجه الطبراني وابو نعيم ، وذكر ابن حجر في الاصابة ٣ / ٧٨ قال : واخرج البغوي من طريق يزيد بن ابي زياد عن يزيد بن ابي الحسن عن سعد بن زيد الانصاري ان النبي٦ حمل حسنا ، ثم قال : اللهم إني احبه فاحبه مرتين ، وروى ابو نعيم فى حليته عن ابي هريرة ان النبي٦ قال : « اللهم ، إني احبه ، فأحبه واحب من يحبه » يقولها ثلاث مرات.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٧ ، مسند الامام احمد بن حنبل ٥ / ٣٦٦ الصواعق المحرقة : ص ٨٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أرغم أنف المنافق وأمن كيده ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ومن شنئ الفاسقين

______________________________________________________

البغض ، يقال : شنئه كسمعه ومنعه شنأ مثلثة وشناءة وشنآنا وهذا أولى مراتب النهي عن المنكر ، وقيل : هو مقتضى الإيمان ويجب على كل حال ، وليس داخلا في النهي عن المنكر.

« شد ظهر المؤمن » وفي النهج ظهور المؤمنين وشد الظهر كناية عن التقوية كما أن قصم الظهر كناية عن ضدها ، والأمر بالمعروف يقوى المؤمن لأنه يريد ترويج شرائع الإيمان وعسى أن لا يتمكن منه« أرغم أنف المنافقين » وفي النهج أنوف المنافقين وإرغام الأنف كناية عن الإذلال ، وأصله إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، ويطلق على الإكراه على الأمر ويقال : فعلته على رغم أنفه أي على كره منه ، والرغم مثلثة الكره ، والمنكر مطلوب للمنافقين والفساق الذين هم صنف منهم حقيقة ، والنهي عن المنكر يرغم أنوفهم« ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه » وفي سائر الكتب سوى الخصال : قضى ما عليه أي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يقدر على أكثر من ذلك أو من جميع التكاليف فإن الصدق في الإيمان والعقائد يقتضي العمل بجميع التكاليف فعلا وتركا أو لأنه يأتي بها لئلا يكون كاذبا إذا سئل عنها« ومن شنئ الفاسقين » المضبوط في النهج بكسر النون ، وفيه بعده :وغضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة ، ثم ذكر دعائم الكفر كما سيأتي في أبواب الكفر ، والكليني فرق الخبر على الأبواب.

ولنتمم كلام المحقق البحراني وإن لم يكن فيه كثير فائدة بعد ما ذكرنا ، قال بعد ما مر : وأما شعب هذه الدعائم فاعلم أنه جعل لكل دعامة منها أربع شعب من الفضائل بل تتشعب منها ، وتتفرع عليها فهي كالفروع لها والأغصان.

إما شعب الصبر الذي هو عبارة عن ملكة العفة فأحدها : الشوق إلى الجنة ومحبة الخيرات الباقية ، الثاني : الشفق وهو الخوف من النار وما يؤدي إليها ، الثالث : الزهد في الدنيا وهو الإعراض بالقلب عن متاعها وطيباتها ، الرابع

٣٢١

غضب لله ومن غضب لله غضب الله له فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.

______________________________________________________

ترقب الموت ، وهذه الأربع فضائل منبعثة عن ملكة العفة لأن كلا منها يستلزمها.

وأما شعب اليقين فأحدها تبصرة الفطنة وأعمالها ، الثاني : تأول الحكمة وهو تفسيرها ، الثالث : موعظة العبرة ، الرابع : أن يلحظ سنة الأولين حتى يصير كأنه فيهم ، وهذه الأربع هي فضائل تحت الحكمة كالفروع لها وبعضها كالفروع للبعض.

وأما شعب العدل فأحدها غوص الفهم أي الفهم الغائص ، فأضاف الصفة إلى الموصوف وقدمها للاهتمام بها ورسم هذه الفضيلة أنها قوة إدراك المعنى المشار إليه بلفظ أو كتابة أو إشارة ونحوها ، الثاني : غور العلم وأقصاه وهو العلم بالشيء كما هو بحقيقته وكنهه ، الثالث : نور الحكم أي تكون الأحكام الصادرة عنه نيرة واضحة لا لبس فيها ولا شبهة ، الرابع : ملكة الحلم وعبر عنها بالرسوخ لأن شأن الملكة ذلك ، والحلم هو الإمساك عن المبادرة إلى قضاء وطر الغضب فيمن يجني عليه جناية يصل مكروهها إليه.

واعلم أن فضيلتي جودة الفهم وغور العلم وإن كانتا داخلتين تحت الحكمة وكذلك فضيلة الحلم داخلة تحت ملكة الشجاعة إلا أن العدل لما كان فضيلة موجودة في الأصول الثلاثة كانت في الحقيقة هي وفروعها شعبا للعدل ، بيانه أن الفضائل كلها ملكات متوسطة بين طرف إفراط وتفريط ، وتوسطها ذلك هو معنى كونها عدلا فهي بأسرها شعب له وجزئيات تحته.

وأما شعب الشجاعة المعبر عنها بالجهاد فأحدها الأمر بالمعروف ، والثاني : النهي عن المنكر ، والثالث : الصدق في المواطن المكروهة ، ووجود الشجاعة في هذه الشعب الثلاث ظاهر ، والرابع : شنآن الفاسقين ، وظاهر أن بغضهم مستلزم لعداوتهم في الله ، وثوران القوة الغضبية في سبيله لجهادهم وهو مستلزم للشجاعة.

وأما ثمرات هذه الفضائل فأشار إليها للترغيب في مثمراتها ، فثمرات شعب

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العفة أربع : أحدها : ثمرة الشوق إلى الجنة وهو السلو عن الشهوات ، وظاهر كونه ثمرة له إذ السالك إلى الله ما لم يشتق إلى ما وعد المتقون لم يكن له صارف عن الشهوات الحاضرة مع توفر الدواعي إليها ، فلم يسل عنها ، الثانية : ثمرة الخوف من النار وهو اجتناب المحرمات ، الثالثة : ثمرة الزهد وهي الاستهانة بالمصيبات لأن غالبها وعامها إنما يلحق بسبب فقد المحبوب من الأمور الدنيوية فمن أعرض عنها بقلبه كانت المصيبة بها هينة عنده ، الرابعة : ثمرة ترقب الموت وهي المسارعة في الخيرات والعمل له ولما بعده.

وأما ثمرات اليقين فإن بعض شعبة ثمرة لبعض فإن تبين الحكمة وتعلمها ثمرات لإعمال الفطنة والفكرة ومعرفة العبر ومواقع الاعتبار بالماضين ، والاستدلال بذلك على صانع حكيم ثمرة لتبيين وجوه الحكمة وكيفية الاعتبار.

وأما ثمرات العدل فبعضها كذلك أيضا وذلك أن جودة الفهم وغوصة مستلزم للوقوف على غور العلم وغامضة ، والوقوف على غامض العلم مستلزم للوقوف على شرائع الحكم العادل ، والصدور عنها بين الخلق من القضاء الحق.

وأما ثمرة الحلم فعدم وقوع الحليم في طرف التفريط والتقصير عن هذه الفضيلة وهي رذيلة الجبن ، وأن يعيش في الناس محمودا بفضيلته.

وأما ثمرات الجهاد فأحدها ثمرة الأمر بالمعروف وهو شد ظهور المؤمنين ومعاونتهم على إقامة الفضيلة ، الثانية : ثمرة النهي عن المنكر وهي إرغام أنوف المنافقين وإذلالهم بالقهر عن ارتكاب المنكرات ، وإظهار الرذيلة ، الثالثة : ثمرة الصدق في المواطن المكروهة وهي قضاء الواجب من أمر الله تعالى في دفع أعدائه والذب عن الحريم ، والرابعة : ثمرة بغض الفاسقين والغضب لله وهي غضب الله لمن أبغضهم وإرضاؤه يوم القيامة في دار كرامته.

٣٢٣

باب

فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أخا جعف إن الإيمان أفضل من الإسلام وإن اليقين أفضل من الإيمان وما من شيء أعز من اليقين.

______________________________________________________

باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان

الحديث الأول : ضعيف.

« يا أخا جعف » أي يا جعفي وهم قبيلة من اليمن ، وفي المصباح هو أخو تميم أي واحد منهم ، وفضل الإيمان على الإسلام إما باعتبار الولاية في الأول أو الإذعان القلبي فيه مع الأعمال أو بدونها كما مر جميع ذلك ، وعلى أي معنى أخذت يعتبر في الإيمان ما لا يعتبر في الإسلام فهو أخص وأفضل ، وكذا اليقين يعتبر فيه أعلى مراتب الجزم بحيث يترتب عليه الآثار ، ويوجب فعل الطاعات وترك المناهي ، ولا يعتبر ذلك في الإيمان أي في حقيقته حتى يكون في جميع أفراده فهو أخص وأفضل أفراد الإيمان ، أو يعتبر في اليقين عدم احتمال النقيض ، ولا يعتبر ذلك في الإيمان مطلقا كما مر ، والأظهر أن التصديق الذي لا يحتمل النقيض تختلف مراتبه حتى يصل إلى مرتبة اليقين كما أومأنا إليه سابقا.

« وما شيء أعز من اليقين » أي أقل وجودا في الناس منه أو أشرف منه ، والأول أظهر ، إذ اليقين لا يجتمع مع المعصية لا سيما مع الإصرار عليها ، وتارك ذلك نادر قليل ، بل يمكن أن يدعى أن أيمان أكثر الخلق ليس إلا تقليدا وظنا يزول بأدنى وسوسة من النفس والشيطان ، ألا ترى أن الطبيب إذا أخبر أحدهم بأن الطعام الفلاني يضره أو يوجب زيادة مرضه أو بطوء برئه يحتمي الطعام بمحض

٣٢٤

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد والحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد جميعا ، عن الوشاء ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سمعته يقول الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة وما قسم في الناس

______________________________________________________

قول هذا الطبيب حفظا لنفسه من الضرر الضعيف المتوهم ، ولا يترك المعصية الكبيرة مع إخبار الله ورسوله وأئمة الهدىعليهم‌السلام بأنها مهلكة وموجبة للعذاب الشديد وليس ذلك إلا لضعف الإيمان وعدم اليقين.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور معتبر.

ويدل على أن التقوى أفضل من الإيمان ، والتقوى من الوقاية وهي في اللغة فرط الصيانة ، وفي العرف صيانة النفس عما يضرها في الآخرة وقصرها على ما ينفعها فيها ، ولها ثلاث مراتب الأولى : وقاية النفس عن العذاب المخلد ، بتصحيح العقائد الإيمانية ، والثانية : التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك وهو المعروف عند أهل الشرع ، والثالثة : التوقي عن كل ما يشغل القلب عن الحق ، وهذه درجة الخواص ، من خاص الخاص.

والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين ، وكونه فوق الإيمان بالمعنى الثالث ظاهر على أكثر معاني الإيمان التي سبق ذكرها ، وإن أريد المعنى الثاني فالمراد بالإيمان إما محض العقائد الحقة أو مع فعل الفرائض وترك الكبائر بأن يعتبر ترك الصغائر أيضا في المعنى الثاني ، وقيل : باعتبار أن الملكة معتبرة فيها لا فيه ، ولا يخفى ما فيه.

وكوناليقين فوق التقوى كأنه يعين حملها على المعنى الثاني وإلا فيشكل الفرق ، لكن درجات المرتبة الأخيرة أيضا كثيرة فيمكن حمل اليقين على أعالي درجاتها ، وما قيل في الفرق : أن التقوى قد يوجد بدون اليقين كما في بعض المقلدين فهو ظاهر الفساد ، إذ لا توجد هذه الدرجة الكاملة من التقوى لمن كان بناء إيمانه على الظن والتخمين.

وقوله عليه‌السلام : وما قسم للناس ، يدل على أن للاستعدادات الذاتية والعنايات

٣٢٥

شيء أقل من اليقين.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن حمران بن أعين قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم أو غيره ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن عبد الحميد الواسطي ، عن أبي بصير قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أبا محمد الإسلام درجة قال قلت نعم قال والإيمان على الإسلام درجة قال قلت نعم قال والتقوى على الإيمان درجة قال قلت نعم قال واليقين على التقوى درجة قال قلت نعم قال فما أوتي الناس أقل

______________________________________________________

الإلهية مدخلا في مراتب الإيمان واليقين كما مرت الإشارة إليه.

الحديث الثالث : حسن.

وقد مر وجه هذا التشبيه في الفرق بين الإسلام والإيمان.

الحديث الرابع : مجهول.

« الإسلام درجة » أي درجة من الدرجات أو أول درجة وهو استفهام أو خبر« ونعم » يقع في جوابهما« على الإسلام » أي مشرفا أو زائدا عليه« ما أوتي الناس أقل من اليقين » أي الإيمان أقل من سائر ما أعطي الناس من الكمالات أو هو عزيز نادر فيهم كما مر ، وقيل : المعنى ما أعطى الناس شيئا قليلا من اليقين ولا يخفى بعده ، وكأنه حمله على ذلك ما سيأتي.

قوله عليه‌السلام : بأدنى الإسلام ، كان المراد بالإسلام هنا مجموع العقائد الحقة بل مع قدر من الأعمال كما مر من اختلاف معاني الإسلام ، ويحتمل أن يكون المراد بالخطاب غير المخاطب من ضعفاء الشيعة ، وقيل : المراد بأدنى الإسلام أدنى الدرجات إلى الإسلام وهو الإيمان من قبيل يوسف أحسن إخوته.

٣٢٦

من اليقين وإنما تمسكتم بأدنى الإسلام فإياكم أن ينفلت من أيديكم.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس قال سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن الإيمان والإسلام فقال قال أبو جعفرعليه‌السلام إنما هو الإسلام والإيمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين قال قلت فأي شيء اليقين قال التوكل

______________________________________________________

« أن ينفلت من أيديكم » أي يخرج من قلوبكم فجأة فيدل على أن من لم يكن في درجة كاملة من الإيمان فهو على خطر من زواله فلا يغتر من لم يتق المعاصي بحصول العقائد له ، فإنه يمكن زواله عنه بحيث لم يعلم ، فإن الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة حصون للإيمان تحفظه من سراق شياطين الإنس والجان ، قال الجوهري : يقال كان ذلك الأمر فلتة أي فجأة إذا لم يكن عن تدبر ولا تردد ، وأفلت الشيء وتفلت بمعنى ، وأفلته غيره.

الحديث الخامس : صحيح.

« إنما هو الإسلام » كان الضمير راجع إلى الدين لقوله تعالى : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ »(١) أو ليس أول الدخول في الدين إلا درجة الإسلام.

قوله عليه‌السلام : التوكل على الله ، تفسير اليقين بما ذكر من باب تعريف الشيء بلوازمه وآثاره ، فإنه إذا حصل اليقين في النفس بالله سبحانه ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته وتقديره للأشياء وتدبيره فيها ورأفته بالعباد ورحمته ، يلزم التوكل عليه في أموره والاعتماد عليه والوثوق به ، وإن توسل بالأسباب تعبدا والتسليم له في جميع أحكامه ، ولخلفائه فيما يصدر عنهم ، والرضا بكل ما يقضي عليه على حسب المصالح من النعمة والبلاء والفقر والغناء ، والعز والذل وغيرها ، وتفويض الأمر إليه في دفع شر الأعادي الظاهرة والباطنة ، أورد الأمر بالكلية إليه في جميع الأمور بحيث يرى قدرته مضمحلة في جنب قدرته ، وإرادته معدومة

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩.

٣٢٧

على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله قلت فما تفسير ذلك قال هكذا قال أبو جعفرعليه‌السلام .

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضاعليه‌السلام قال الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين.

______________________________________________________

عند إرادته كما قال الله تعالى : «وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ »(١) ويعبر عن هذه المرتبة بالفناء في الله.

قوله عليه‌السلام : هكذا « إلخ » لما كان السائل قاصرا عن فهم حقائق هذه الصفات لم يجبهعليه‌السلام بالتفسير بل أكد حقيته بالرواية عن والدهعليهما‌السلام ، وقيل : استبعد الراوي كون هذه الأمور تفسيرا لليقين ، فأجابعليه‌السلام بأن الباقرعليه‌السلام كذا فسره.

الحديث السادس : صحيح ومطابق لحديث الوشاء.

قال بعض المحققين : اعلم أن العلم والعبادة جوهران لأجلهما كان كلما ترى وتسمع من تصنيف المصنفين وتعليم المعلمين ووعظ الواعظين ونظر الناظرين ، بل لأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل ، بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق ، وناهيك لشرف العلم قول الله عز وجل : «اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً »(٢) ولشرف العبادة قوله سبحانه : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(٣) فحق للعبد أن لا يشتغل إلا بهما ، ولا يتعب إلا لهما ، وأشرف الجوهرين العلم كما ورد : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.

__________________

(١) سورة الإنسان : ٣٠.

(٢) سورة الطلاق : ١٢.

(٣) سورة الذاريات : ٥٦.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والمراد بالعلم الدين أعني معرفة الله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قال الله عز وجل : «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ »(١) وقال تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً »(٢) ومرجع الإيمان إلى العلم ، وذلك لأن الإيمان هو التصديق بالشيء على ما هو عليه ، ولا محالة هو مستلزم لتصور ذلك الشيء كذلك بحسب الطاقة ، وهما معنى العلم ، والكفر ما يقابله وهو بمعنى الستر والغطاء ، ومرجعه إلى الجهل ، وقد خص الإيمان في الشرع بالتصديق بهذه الخمسة ولو إجمالا ، فالعلم بها لا بد منه ، وإليه الإشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ولكن لكل إنسان بحسب طاقته ووسعه ، «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها » ، فإن العلم والإيمان درجات مترتبة في القوة والضعف والزيادة والنقصان ، بعضها فوق بعض ، كما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

وذلك لأن الإيمان إنما يكون بقدر العلم الذي به حياة القلب وهو نور يحصل في القلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين الله جل جلاله. «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها » وليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه ، وهذا النور قابل للقوة والضعف والاشتداد والنقص كسائر الأنوار. «وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » كلما ارتفع حجاب ازداد نور فيقوى الإيمان

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٥.

(٢) سورة النساء : ١٣٦.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتكامل إلى أن ينبسط نور فينشرح صدره ويطلع على خلق الأشياء وتجلى له الغيوب ويعرف كل شيء في موضعه ، فيظهر له صدق الأنبياءعليهم‌السلام في جميع ما أخبروا عنه إجمالا وتفصيلا على حسب نوره ، وبمقدار انشراح صدره ، وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور ، والاجتناب عن كل محظور فيضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة والملكات الحميدة «نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ » «نُورٌ عَلى نُورٍ » وكل عبادة تقع على وجهها تورث في القلب صفاء يجعله مستعدا لحصول نور فيه وانشراح ومعرفة ويقين ، ثم ذلك النور والمعرفة واليقين تحمله على عبادة أخرى وإخلاص آخر فيها يوجب نورا آخر وانشراحا أتم ومعرفة أخرى ويقينا أقوى ، وهكذا إلى ما شاء الله جل جلاله ، وعلى كل من ذلك شواهد من الكتاب والسنة.

ثم اعلم أن أوائل درجات الإيمان تصديقات مشوبة بالشكوك والشبه على اختلاف مراتبها ، ويمكن معها الشرك" «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » " وعنها يعبر بالإسلام في الأكثر" «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » " وأواسطها تصديقات لا يشوبها شك ولا شبهة" «الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا » " وأكثر إطلاق الإيمان عليها خاصة" «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » " وأواخرها تصديقات كذلك مع كشف وشهود وذوق وعيان ، ومحبة كاملة لله سبحانه ، وشوق تام إلى حضرته المقدسة «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ». ، «لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ، ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ » ، وعنها العبارة تارة بالإحسان ، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، وأخرى بالإيقان" «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » " وإلى المراتب الثلاث الإشارة بقوله عز وجل : " «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا

٣٣٠

باب

حقيقة الإيمان واليقين

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن عذافر ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »(١) وإلى مقابلاته التي هي مراتب الكفر الإشارة بقوله جل وعز : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً »(٢) فنسبة الإحسان واليقين إلى الإيمان كنسبة الإيمان إلى الإسلام ، ولليقين ثلاث مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين «كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ » أن هذا لهو حق اليقين.

والفرق بينها إنما ينكشف بمثال فعلم اليقين بالنار مثلا هو مشاهدة المرئيات بتوسط نورها ، وعين اليقين بها هو معاينة جرمها ، وحق اليقين بها الاحتراق فيها ، وانمحاء الهوية بها والصيرورة نارا صرفا وليس وراء هذا غاية ، ولا هو قابل للزيادة ، لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.

باب حقيقة الإيمان واليقين

الحديث الأول : مجهول وقد مر مضمونه بسند صحيح قبل ذلك بورقة.

« بينا رسول الله » بينا هي بين الظرفية أشبعت فتحتها فصارت ألفا ويقع بعدها حينئذ إذ الفجائية غالبا ، وعاملها محذوف يفسره الفعل الواقع بعد إذ عند بعض ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٣.

(٢) سورة النساء : ١٣٧.

٣٣١

في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول الله فقال ما أنتم فقالوا نحن مؤمنون يا رسول الله قال فما حقيقة إيمانكم قالوا الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي وإبراهيم بن مهزم ، عن إسحاق بن عمار

______________________________________________________

وبعضهم يجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من الفعل ، أي بين أوقات سفره لقاء الركب ،والركب جمع راكب كصحب وصاحب.

« فقال ما أنتم » أي أي صنف أنتم من الناس؟ قيل : كما أن ما تكون سؤالا عن حقيقة الشيء يكون سؤالا عن خواصه وآثاره المترتبة عليه ، وهو المراد هنا فلذلك أجابوا بها« فقالوا نحن مؤمنون » انتهى.

وقال الراغب في معاني « ما » الثالث : الاستفهام ، ويسأل به عن جنس ذات الشيء ونوعه ، وعن جنس صفات الشيء ونوعها ، وقد يسأل به عن الأشخاص والأعيان في غير الناطقين ، انتهى.

« فما حقيقة إيمانكم » لما كانت للإيمان حقائق مختلفة ودرجات متفاوتة سألهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حقيقة الإيمان الذي يدعونه فأجابوا بلوازمه وآثاره ليظهر حقيقة ما ادعوه ، أو المراد بالحقيقة ما يحقه ويثبته أي الإيمان أمر قلبي إنما يثبت بآثاره ، فما ظهر من آثار إيمانكم ليدل على ثبوته في قلوبكم ، والمعنى الأول أنسب بما مر من مضمون هذا الخبر ، حيث قال : وما بلغ من إيمانكم ، فإن الظاهر اتحاد الواقعة ، والتفويض إلى الله هنا التوكل عليه في جميع الأمور.

الحديث الثاني : موثق.

٣٣٢

قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف أصبحت يا فلان قال أصبحت يا رسول الله موقنا فعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله وقال إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ

______________________________________________________

« فنظر إلى شاب » كأنه الحارثة الآتي في الخبر الثاني« وهو يخفق ويهوي برأسه » للنعاس بكثرة العبادة في الليل في القاموس : خفقت الراية ينخفق وتخفق وخفقا وخفقانا محركة اضطربت وتحركت ، وفلان حرك رأسه إذا نعس كأخفق وقال : هوى هويا سقط من علو إلى سفل ، انتهى.

فقوله : ويهوي برأسه كالتفسير لقوله : يخفق ، أو مبالغة في الخفق إذ يكفي فيه الحركة القليلة ونحف كتعب وقرب نحافة : هزل« كيف أصبحت » أي على أي حال دخلت في الصباح ، أو كيف صرت« فعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كتعب أي تعجب منه لندرة مثل ذلك ، أو أعجبه وسر به قال الراغب : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء : العجب ما لا يعرف سببه ولهذا قيل : لا يصح على الله التعجب إذ هو علام الغيوب ، ويقال : لما لا يعهد مثله عجب ، قال تعالى : «أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا »(١) «كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً »(٢) «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً »(٣) أي لم نعهد مثله ولم نعرف سببه ، ويستعار تارة للمؤنق فيقال أعجبني كذا أي راقني ، وقال تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ »(٤) .

« إن لكل يقين » أي فرد من أفراده أو صنف من أصنافه« حقيقة فما حقيقة يقينك » من أي نوع أو صنف ، أو لكل يقين علامة تدل عليه فما علامة يقينك كما مر« هو الذي أحزنني » أي في أمر الآخرة« وأسهر ليلي » لحزن الآخرة أو

__________________

(١) سوره يونس : ٢.

(٢) سورة الكهف : ٩.

(٣) سورة الجن : ١.

(٤) سورة البقرة : ٢٠٤.

٣٣٣

هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون وعلى الأرائك متكئون وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول

______________________________________________________

للاستعداد لها ، أو لحب عبادة الله ومناجاته : عجبا للمحب كيف ينام ، والإسناد مجازي أي أسهرني في ليلي وكذا فيقوله : « وأظمأ هواجري » مجاز عقلي أي أظمأني عند الهاجرة وشدة الحر للصوم في الصيف ، وإنما خصه لأنه أشق وأفضل ، في القاموس : الهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا ، وشدة الحر.

وقال : عزفت نفسي عنه تعزف عزوفا زهدت فيه وانصرفت عنه ، أو ملته.

« حتى كأني أنظر » أي شدة اليقين بأحوال الآخرة صيرني إلى حالة المشاهدة ،والاصطراخ الاستغاثةوزفير النار صوت توقدها ، في القاموس : زفر يزفر زفرا وزفيرا أخرج نفسه بعد مده إياه ، والنار سمع لتوقدها صوت.

وقال : المسمع كمنبر الأذن كالسامعة والجمع مسامع ، انتهى.

وقيل : المسامع جمع على غير قياس كمشابه وملامح جمع شبه ولمحة ، وقال بعض المحققين : هذا التنوير الذي أشير به في الحديث إنما يحصل بزيادة الإيمان وشدة اليقين فإنهما ينتهيان بصاحبهما إلى أن يطلع على حقائق الأشياء ، محسوساتها ومعقولاتها فتنكشف له حجبها وأستارها ، فيعرفها بعين اليقين على ما هي عليه من غير وصمة ريب أو شائبة شك فيطمئن لها قلبه ويستريح بها روحه ، وهذه هي الحكمة الحقيقة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا.

وإليه أشار أمير المؤمنين بقوله : هجم بهم العلم على حقائق الأمور ، وباشروا رواح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ،

٣٣٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال له الزم ما أنت عليه فقال الشاب ادع الله لي يا رسول الله أن أرزق الشهادة معك فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال استقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له كيف أنت يا حارثة بن مالك فقال يا رسول الله مؤمن حقا فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولك فقال

______________________________________________________

وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى.

أرادعليه‌السلام بما استوعره المترفون يعني المتنعمون رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات الدنيوية وملازمة الصمت والسهر والجوع والمراقبة ، والاحتراز عما لا يعني ونحو ذلك ، وإنما يتيسر ذلك بالتجافي عن دار الغرور ، والترقي إلى عالم النور ، والأنس بالله والوحشة عما سواه ، وصيرورة الهموم جميعا هما واحدا ، وذلك لأن القلب مستعد لأن يتجلى فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها من اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله تعالى به إلى يوم القيامة وإنما حيل بينه وبينها حجب كنقصان في جوهرة أو كدورة تراكمت عليه من كثرة الشهوات أو عدول به عن جهة الحقيقة المطلوبة ، أو اعتقاد سبق إليه ورسخ فيه على سبيل التقليد والقبول بحسن الظن ، أو جهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب ، وإلى بعض هذه الحجب أشير في الحديث النبوي : لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور لا يقصر عن الصحيح عندي.

« مؤمن حقا » قوله : حقا مؤكد كقولهم : هذا عبد الله حقا ، والحاصل أني مؤمن حق الإيمان ، وكما ينبغي أن يكون المؤمن« فأسهرت ليلي » على صيغة

٣٣٥

يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأني أنظر إلى عرش ربي قد وضع للحساب وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة وكأني أسمع عواء أهل النار في النار فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبد نور الله قلبه أبصرت فاثبت فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة معك فقال : اللهم ارزق حارثة الشهادة فلم يلبث إلا أياما حتى بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سرية فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل

______________________________________________________

الغيبة بإرجاع الضمير إلى النفس أو على صيغة التكلم ، وكذا الفقرة التالية تحتمل الوجهين ، ويقال : تزاوروا أي زار بعضهم بعضا ، وقال في النهاية في حديث حارثة :كأني أسمع عواء أهل النار ، أي صياحهم والعواء صوت السباع وكأنه بالذئب والكلب أخص ، وفي القاموس : عوى يعوي عيا وعواءا بالضم لوى خطمه ثم صوت أو مد صوته ولم يفصح.

وقال : السرية من خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة ، وفي الصحاح : السرية قطعة من الجيش.

قوله : وفي رواية القاسم بن يزيد ، يحتمل الإرسال أو يكون الراوي عنه ابن سنان ، فيكون بحكم السند السابق.

ثم اعلم أن هاتين الروايتين تدلان على أن حارثة استشهد في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال بعضهم : وينافيه ما ذكر الشيخ في رجاله حيث قال : حارثة بن نعمان الأنصاري كنيته أبو عبد الله شهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد ، وذكر هو أنه رأى جبرئيلعليه‌السلام دفعتين على صورة دحية الكلبي أو لهما حين خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بني قريظة ، والثاني حين رجع من حنين ، وشهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام القتال ، وتوفي في زمن معاوية ، انتهى.

وهو خطاء لأن المذكور في الخبر حارثة بن مالك وجده النعمان ، وما ذكره الشيخ حارثة بن النعمان وهو غيره ، والعجب أن هذا الحديث مذكور في

٣٣٦

وفي رواية القاسم بن بريد ، عن أبي بصير قال استشهد مع جعفر بن أبي طالب بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه إن على كل حق حقيقة وعلى كل

______________________________________________________

كتب العامة أيضا كما يظهر من النهاية ، وهذا الرجل غير مذكور في رجالهم وكأنه لعدم الرواية عنه كما أن أصحابنا أيضا لم يذكروه لذلك.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

ويمكن أن يكون المرادبالحقيقة الدليل العقلي وبالنور الدليل النقلي من الكتاب والسنة ، أو يكون المراد بالحقيقة العلامة الدالة على وجوده كما مر ، وبالنور الدلائل الدالة على المسائل الأصولية والفروعية ، عقلية كانت أو نقلية ، ويحتمل أن يكون المراد بالنور الآيات القرآنية فالمراد بالحقيقة السنة أو الأعم منها ومن الدلائل العقلية لأنه قد مضى هذا الخبر بهذا السند في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، وله تتمة وهي قوله : فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.

وقيل : المراد بالحق ظاهر الشريعة وبالحقيقة باطنه وغايته وماله وما به كماله ، كما قيل : ينقسم ما جاء به الشارع إلى شريعة وحقيقة فالشريعة ظاهر ما ورد به النقل ، والحقيقة باطنه وهو بين العبد وبين الله ، فحكم الشريعة على الظاهر وحكم الحقيقة على الباطن كما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، فكل عبادة ظاهرة إن لم تصدر عن حقيقة باطنة كأعمال المنافقين والمرائين فهي باطلة ، وكالتقوى فإن أوله حق يشمل عوام المؤمنين ، وله حقيقة وغاية يبلغها خواص الأولياء وكذلك الأيمان فإن أوله حق وبه يخرج عن الكفر وله حقيقة وغاية هي كماله يبلغها خواص المؤمنين.

٣٣٧

صواب نورا.

باب التفكر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول نبه بالتفكر قلبك وجاف عن الليل

______________________________________________________

وبالجملة الحق في كل شيء بمنزلة القشر والحقيقة بمنزلة اللب ، وإنما قال : على كل حق ، ولم يقل لكل حق للتنبيه بالاستعلاء على أن حقيقة كل شيء مرتفع على حقه ومستول عليه إذ هو المقصود منه ولمجانسة قوله : وعلى كل صواب نورا ، والصواب ضد الخطإ أي على كل صواب من قول أو فعل أو عقد برهان يحققه ، ودليل يصدقه ، وإنما سمي نورا لأنه سبب ظهوره.

باب التفكر الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

والتنبيه الإيقاظ عن النوم وعن الغفلة ، وفي القاموس النبه بالضم الفطنة والقيام من النوم ، وأنبهه ونبهه فتنبه وانتبه وهذا منبهة على كذا يشعر به ، ولفلان مشعر بقدره ومعل له ، وما نبه له كفرح : ما فطن والاسم النبه بالضم ، ونبه باسمه تنبيها نوه ، انتهى.

والتفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الإيمان واليقين ، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ، قال الغزالي : حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه كما إذا تفكر إن الآخرة باقية والدنيا فانية ، فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا ، وهو يبعثه على العمل للآخرة فالتفكر سبب لهذا العلم ، وهذا العلم حالة نفسانية وهو التوجه إلى الآخرة وهذه الحالة تقتضي العمل لها ، وقس على هذا فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه من الغفلة ،

٣٣٨

جنبك واتق الله ربك.

______________________________________________________

وأصل لجميع الخيرات.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره : التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد وهو قريب من النظر ولا يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير ومباديه الآفاق والأنفس بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته وفي الأجرام العلوية من الأفلاك والكواكب وحركاتها وأوضاعها ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقاتها وتأثيراتها وتغييراتها وفي الأجرام السفلية وترتيبها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها ، وفي أجزاء الإنسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق وغيرها مما لا يحصى كثرة ، ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغيير على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته ، وعدم ثبات ما سواه.

وبالجملة التفكر فيما ذكر ونحوه من حيث الخلق والحكمة والمصالح أثره العلم بوجود الصانع وقدرته وحكمته ، ومن حيث تغييره وانقلابه وفنائه بعد وجوده أثره الانقطاع منه والتوجه بالكلية إلى الخالق الحق ، ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ، ورجوعهم إلى دار الآخرة فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة ، ولذا أمر بهما بعد الأمر بالتفكر ، ويمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية والأخبار النبوية والآثار المروية عن الأئمةعليهم‌السلام ، والمسائل الدينية والأحكام الشرعية ، وبالجملة كلما أمر الشارع الصادق بالخوض فيه والعلم به.

قوله عليه‌السلام : وجاف عن الليل جنبك ، الجفاء البعد ، وجاف عنه كذا أي باعده عنه ، في الصحاح : جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا إذا رفعته عنه ، وجافاه عنه فتجافى جنبه عن الفراش أي نبأ ، انتهى.

وقال سبحانه : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ »(١) وإسناد المجافاة إلى الليل مجاز في الإسناد ، أي جاف عن الفراش بالليل أو فيه تقدير مضاف أي جاف عن فراش

__________________

(١) سورة السجدة : ١٦.

٣٣٩

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن الحسن الصيقل قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عما يروي الناس أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت كيف يتفكر قال يمر بالخربة أو بالدار فيقول أين ساكنوك أين بانوك ما بالك لا تتكلمين.

______________________________________________________

الليل جنبك ، وعلى التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة ، وقد مر معنى التقوى والتوصيف بالرب للتعليل.

الحديث الثاني : مرسل.

« خير من قيام ليلة » أي للعبادة لأن التفكر من أعمال القلب وهو أفضل من أعمال الجوارح ، وأيضا أثره أعظم وأدوم ، إذ ربما صار تفكر ساعة سببا للتوبة عن المعاصي ، ولزوم الطاعة تمام العمر.

« يمر بخربة » (١) كأنهعليه‌السلام ذكر ذلك على سبيل المثال لتفهيم السائل أو قال ذلك على قدر فهم السائل ورتبته فإنه كان قابلا لهذا النوع من التفكر ، والمراد بالدار ما لم تخرب لكن مات من بناها وسكنها غيره ، وبالخربة ما خرب ولم يسكنه. أحد ، وكون الترديد من الراوي كما زعم بعيد ، ويحتمل أن يكون : أين ساكنوك؟ للخربة وأين بانوك؟ للدار على اللف والنشر المرتب ، لكن كونهما لكل منهما أظهر ، والظاهر أن القول بلسان الحال ، ويحتمل المقال ،وقوله : ما لك لا تتكلمين؟ بيان لغاية ظهور الحال أي العبرة فيك بينة بحيث كان ينبغي أن تتكلم بذلك ، وقيل : هو من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، فنفي التكلم كناية عن نفي الاستماع أي لم لا يسمع الغافلون ما تتكلم به بلسان الحال جهرا أو قيل : استفهام إنكاري أي أنت تتكلمين لكن الغافلون لا يستمعون وهو بعيد ، ويمكن أن يكون كلامها كناية عن تنبيه الغافلين أي لم تنتبه المغرورين بالدنيا مع هذه الحالة الواضحة ، ويؤول إلى تعبير الجاهلين بعدم الاتعاظ به كما أنه يقول رجل لوالد رجل فاسق بحضرته : لم لا تعظ ابنك؟ مع أنه يعلم أنه يعظه وإنما يقول ذلك تعييرا للابن.

__________________

(١) وفي المتن « بالحزبة ».

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530