حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218037 / تحميل: 6645
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على نفسه ثوب القداسة والإيمان لتمنحه الأمة ثقتها ، وتنقاد إليه بدافع العقيدة ، ولكنها محاولة فاشلة لأن المسلمين ينظرون إليه نظرة ريبة وشك في إسلامه لأنه من الشجرة الملعونة في القرآن التي ناجزت النبي (ص) وقادت الجيوش لمحاربته ، بالاضافة إلى الأحداث الجسام التي ارتكبها كمناجزته لوصي رسول الله (ص) وباب مدينة علمه ، وقتله الأخيار ، ومطاردته الصلحاء ، وبدعه التي أحدثها في الإسلام ، وغير ذلك من الكبائر والموبقات التي سود بها وجه التأريخ ، ومن الطبيعي أن هذه الدعايات والأكاذيب لا تمحو عنه العار والخزي.

وعلى أي حال فقد كثرت الأحاديث التي وضعها الدجالون في فضل معاوية ، وفي فضل عثمان بن عفان ، وقد خاف أن يفوت غرضه ، ويفتضح أمره ، ولا يصل إلى هدفه من البغي على العترة الطاهرة ، فكتب مذكرة إلى عماله يأمرهم فيها بأن يكف الوضاعون عن ذلك ، ويضعوا الأحاديث في فضل الشيخين ، لأن ذلك من أقرب الطرق ومن أهم الوسائل فى محاربة ذرية النبيّ (ص) والحط من قيمتهم ، وهذا نص ما كتبه :

« إن الحديث قد كثر في عثمان ، وفشا في كل مصر ، وفي كل ناحية ، فإذا جاءكم كتابي فادعوهم إلى الرواية في أبي بكر وعمر ، فان فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني ، وأدحض لحجة أهل هذا البيت ـ يعني أهل بيت النبيّ ـ وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله ».

وقرأ القضاة والأمراء كتابه على الناس ، فبادر الوضاعون إلى افتعال الأحاديث فى مناقب أبي بكر وعمر ، وأمر معاوية بتدوينها وإنفاذ نسخ منها إلى جميع العمال والولاة ليقرؤها على المنابر ، ويتلوها في الجوامع ، وأوعز إليهم أن ينفذوها إلى المعلمين ليجعلوها من مناهج دروسهم ، ويرغموا

١٦١

الأطفال على حفظها ، وقد اهتمت الحكومات المحلية فى ذلك اهتماما بالغا فالزمت الناشئة وسائر الطبقات بحفظ تلك الأخبار المفتعلة حتى حفظها الأولاد وحفظتها النساء والخدم والحشم(١) وقد عرض الإمام الباقرعليه‌السلام بعض تلك الأخبار الموضوعة في حديثه مع أبان ، وندد بها فقد قال له أبان :

« أصلحك الله ، سم لي من ذلك شيئا؟ ».

قال (ع) رووا :

« إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر »(٢) .

« إن عمر محدث ـ بصيغة المفعول أي تحدثه الملائكة ـ ».

« إن عمر يلقنه الملك ».

« إن السكينة تنطق على لسان عمر ».

« إن الملائكة لتستحي من عثمان »(٣) .

ثم استرسل (ع) في عرض الأخبار المفتعلة حتى عدّ أكثر من مائة

__________________

(١) سليم بن قيس ( ص ٢٩ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ / ١٥.

(٢) وضع المستأجرون هذا الحديث لمعارضة الخبر المتواتر الوارد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق السبطين « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » وقد سئل الإمام الجواد عنه ففنده وقال : والله ليس في الجنة كهول بل كلهم شباب مرد.

(٣) وإمارة الوضع على هذا الحديث ظاهرة فان الملائكة لما ذا تستحي من عثمان بن عفان فهل انه اجتاز عليها فرآها تعمل القبيح وترتكب المنكر فاستحيت منه أو أنه فعل ذلك فاستحيت منه إنا لا نتصور وجها لهذا الاستحياء المزعوم.

١٦٢

رواية(١) يحسبها الناس أنها حق ، ثم قال (ع) : والله كلها كذب وزور(٢)

ويقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه(٣) « إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية ، تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم »(٤) .

ولم يكتف معاوية بتلك الأخبار الكثيرة التي وضعت في مناقب الشيخين فقد عمد إلى تشجيع الوضاعين لاختلاق الحديث ضد أهل البيت (ع) وقد أنفق عليهم الأموال الطائلة في سبيل ذلك ، فقد أعطى الجلاد سمرة بن جندب أربع مائة الف على أن يخطب في أهل الشام ، ويذكر لهم أن الآية الكريمة وهي « ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث

__________________

(١) وفي رواية حتى عد أكثر من مائتى حديث.

(٢) سليم بن قيس ( ص ٤٥ ).

(٣) ابراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي ، ولد سنة ( ٢٤٤ هج ) ، بواسط ، وهو صاحب المؤلفات الحسنة ، لقب بنفطويه لدمامته ، وأدمته تشبيها له بالنفط ومن شعره :

قلبى أرق عليك من خديكا

وقواي أوهى من قوى جفنيكا

لم لا ترق لمن يعذب نفسه

ظلما ويعطفه هواه عليكا

هجاه أبو عبد الله الواسطي بقوله :

من سره أن لا يرى فاسقا

فليجتهد أن لا يرى نفطويه

أحرقه الله بنصف أسمه

وصير الباقي صراخا عليه

توفى في صفر (٣٢٣) وفيات الأعيان ١ / ٣٠.

(٤) النصائح الكافية ( ص ٧٤ ) وغيره.

١٦٣

والنسل والله لا يحب الفساد »(١) .

نزلت في علي ، فروى لهم سمرة ذلك(٢) وأخذ العوض من بيت مال المسلمين ، وقد الزم الإسلام بانفاقه على صالح المسلمين ، وإعالة ضعيفهم ومحرومهم ، ولكن ابن هند أنفقه على حرب الإسلام وعلى الكيد والطعن في أعلامه الذين نافحوا عن رسول الله (ص) في جميع المواقف والمشاهد وأرغموا معاوية وأباه على الدخول في حظيرته.

وعلى أي حال فقد انطلق ذوو الأطماع والمنحرفون عن الإسلام إلى افتعال الأحاديث في الحط من قيمة أهل البيت للظفر بالأموال والثراء العريض ، وروى ابن العاص لأهل الشام أن النبي (ص) قال في آل أبي طالب : « إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، انما ولي الله وصالح المؤمنين »(٣) .

وهكذا أخذت لجان الوضع تفتعل أمثال هذه الأحاديث ضد عترة النبيّ (ص) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، محاولة بذلك إطفاء نور الله ، وحجب المسلمين عن قادتهم الواقعيين الذين نصّ عليهم النبيّ (ص) وجعلهم خلفاء من بعده على أمته.

وتحدث الإمام الباقر (ع) عن زيف تلك الأخبار وكذبها فقال : « ويرون عن علي أشياء قبيحة ، وعن الحسن والحسين ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور »(٤) .

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢٠٣ و ٢٠٤.

(٢) النصائح الكافية ص ٢٥٣ وغيره.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٣ / ١٥.

(٤) سليم بن قيس ص ٤٥.

١٦٤

وقال ابن أبي الحديد : « وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع قوما من الصحابة ، وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليعليه‌السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير »(١) .

إن هذه الإجرءات التي اتخذها معاوية ضد أهل البيت قد أشاعت الفرقة بين المسلمين ، وفتحت باب الكذب على الله وعلى رسوله ، وقد أعرض خيار الصحابة عن تلك الأخبار ، ولم يصغوا لرواتها ، فقد نقل الرواة ان بشير العدوى(٢) جاء إلى ابن عباس ، وجعل يحدثه ، ويقول له : قال رسول الله (ص) : وابن عباس لا يأذن لحديثه ، ولا ينظر إليه ، وقابله بالاستخفاف والاستهانة ، فاندفع بشير قائلا :

« ما لي لا أراك تسمع الحديث؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع ».

فزجره ابن عباس قائلا :

« إنا كنا إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه باذاننا ، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرفه »(٣) .

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ / ٦٣ ، ط دار احياء الكتاب العربية.

(٢) بشير بن كعب بن أبي الحميري العدوي ، ويقال العامري ، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة ، وقال انه ثقة ان شاء الله ، وقال النسائي : إنه ثقة ، تهذيب التهذيب ١ / ٤٧١.

ولا نعلم أنه كيف كان ثقة مع اعراض ابن عباس عن حديثه.

(٣) فجر الإسلام ص ٢٥٨ وغيره.

١٦٥

إن الناس قد ركبوا الصعبة والذلول ـ على حد تعبير ابن عباس ـ وسلكوا جميع المسالك التي تتنافى مع الدين فلم يتحرجوا من الكذب على الله ولم يتأثموا من الوضع على رسول الله (ص) فلذا كان التوقف والتثبت في الأخبار أمرا ضروريا.

والمحنة الكبرى التي امتحن المسلمون بها امتحانا عسيرا هو ان تلك الأخبار التي افتعلتها لجان الوضع قد وصلت إلى الثقات والحفاظ فدونوها في كتبهم وهم ـ من دون شك ـ لو علموا واقعها لأسقطوها وتبرءوا منها وما رووها ، وقد ألمع إلى ذلك المدائني في حديثه عن الوضاعين في عصر معاوية ، ونسوق نص كلامه في ذلك قال :

« وظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون ، والمستضعفون ، الذين يظاهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجلسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع ، والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب ، والبهتان ، فقبلوها ، ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ، ولا تدينوا بها »(١) .

وقد فاضت الكتاب بتلك الأخبار الموضوعة ، وامتلأت بالإسرائيليات(٢) وبخرافات أبي هريرة ، ومما لا شبهة فيه أنها أضرت بالإسلام فشوهت شريعته

__________________

(١) ابن أبي الحديد ٣ / ١٦.

(٢) الاسرائيليات : هي الخرافات التي وضعها المنافقون من اليهود الذين أسلموا وتظاهروا بالإسلام فدسوا في الإسلام ما هو بريء منه ، وعلى رأس قائمة الوضاعين من اليهود كعب الأحبار.

١٦٦

السمحاء ، وأفسدت عقائد المسلمين ، وفرقتهم شيعا وأحزابا.

وليس من شك في أن الخلفاء لو بادروا إلى تدوين ما أثر عن النبي (ص) من الأحاديث لصانوا الأمة من الاختلاف ووقوها من الفتن والخطوب ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك فقد عمد أبو بكر إلى جمع بعض الأحاديث فأحرقها(١) وجاء بعده عمر فاستشار الصحابة في تدوينها فأشار عليه عامتهم بذلك ، ولبث مدة يفكر في الأمر ثم عدل عنه ، وقال لهم : « إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم. ثم تذكرت ، فاذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا عليها ، وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا. » ثم ترك ذلك وعدل عنه(٢) .

وهو تعليل لا يساعده الدليل لأن حديث النبي (ص) لا يشذ عن كتاب الله ، ولا يخالفه بحال من الأحوال ، وليس تدوينه موجبا لهجر القرآن الكريم ، ولا مستلزما للاعراض عنه ، وأكبر الظن أنهم إنما أبوا من تدوينه لأن شطرا كبيرا منه يتعلق فى فضل العترة الطاهرة. وفي لزوم مودتها ، ووجوب الرجوع إليها في جميع المجالات ، وليس من الممكن التبعيض في كتابة الحديث بأن تدون السنن ، وتترك الأخبار الواردة في حق أهل البيت ، ومن الطبيعي أن تدوينها يتنافى مع ابتزازهم حقهم واجماعهم على هضمهم ، واقصائهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها ، وقد بلغ من عظيم وجدهم وحقدهم عليهم ، أنهم لما شعروا أن النبي يريد أن يعهد بالأمر إليهم ويكتب فى ذلك كتابا ردوا عليه وهو في ساعاته الأخيرة فقالوا له : « حسبنا كتاب الله ».

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٥.

(٢) تقييد العلم ص ٥٠ ، وقريب منه فى طبقات ابن سعد ٣ / ١ ص ٢٠٦.

١٦٧

وأثر عنهم أنهم قالوا : « لا تجتمع النبوة والخلافة فى بيت واحد » وبعد هذا فكيف يثبتون اخبار النبي (ص) في أهل بيته.

وعلى أي حال فان أعظم ما مني به المسلمون من الكوارث هي الروايات المفتعلة التي عهد معاوية بوضعها فانها قد أوجبت تشتت المسلمين واختلافهم في كل شيء ، وهي مما لا شبهة فيه من أعظم موبقات ابن هند.

١٤ ـ استلحاقه زيادا :

قال رسول الله (ص) : « الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ». لقد ضرب معاوية كلام رسول الله (ص) بعرض الجدار بلا خيفة ولا حذر.

فعاكس قوله ، ورد حكمه علانية لأجل تدعيم ملكه ، وإقامة سلطانه ، فاستلحق به زياد بن أبيه طبقا لما كان عليه العمل قبل الإسلام!

يقول الله تعالى : « أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون »(١) لقد بغى معاوية حكم الجاهلية ، وأحيى سننها فألحق به زياد بن أبيه وهو ابن بغية ، فان سمية كانت من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة الى الحارث بن كلدة(٢) من بغيها ، وكانت تنزل

__________________

(١) سورة المائدة آية ٥٠.

(٢) الحارث بن كلدة بن عمر الثقفي كان طبيبا مشهورا عند العرب وكان من الشعراء ومن شعره :

ان اختياريك لا عن خبرة سلفت

ولا الرجاء ومما يخطئ النظر

كالمستغيث ببطن السيل يحسبه

جزرا يبادره إذ بله المطر

فقد رأيت بعبد الله واعظة

تنهى الحليم فما أناني الغرر

إن السعيد له في غيره عظة

وفي التجارب تحكيم ومعتبر

لأعرفنك إن أرسلت قافية

تلقى المعاذير إذ لا تنفع العذر

جاء ذلك في معجم الشعراء ص ١٧٢.

١٦٨

بالموضع الذي تنزل فيه البغايا خارجا عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا(١) هذه أم زياد في قذارتها وفجورها ولم يأنف معاوية من إلحاق هذا الدعى به.

أما بواعث هذا الاستلحاق فيقول عنه المؤرخون ان أمير المؤمنين «ع» كان قد ولى زيادا قطعة من أعمال فارس ، واصطنعه لنفسه ، فلما قتل «ع» بقى زياد في مله وخاف معاوية جانبه ، وعلم صعوبة ناحيته ، وأشفق من ممالاته الحسن بن علي «ع» فكتب إليه هذه الرسالة :

« من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ، إلى زياد بن عبيد ، أما بعد : فانك عبد قد كفرت النعمة ، واستدعيت النقمة ، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر وإن الشجرة لتضرب بعرقها ، وتتفرع من أصلها إنك لا أم لك ، بل لا أب لك قد هلكت وأهلكت ، وظننت أنك تخرج من قبضتي ، ولا ينالك سلطاني ، هيهات ما كل ذي لب يصيب رأيه ولا كل ذي رأي ينصح في مشورته ، أمس عبد واليوم أمير خطة ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية ، إذا أتاك كتابى هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة واسرع الإجابة فانك إن تفعل فدمك حقنت ونفسك تداركت ، وإلا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعي ، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتى بك إلا في زمارة(٢) تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في السوق وأبيعك عبدا وأردك إلى حيث كنت فيه وخرجت منه والسلام ».

وفي هذه الرسالة قد نسب زيادا إلى عبيد ، واعترف برقيته ، وإنه إذا تمكن منه يبيعه في أسواق دمشق ويرده إلى أصله ، ولما وصلت هذه

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣١٠.

(٢) الزمارة : آلة من القصب يغنى بها.

١٦٩

الرسالة إلى زياد ورم أنفه من الغضب وأمر بجمع الناس وخطب فيهم فقال بعد حمد الله والثناء عليه :

« ابن آكلة الأكباد ، وقاتلة أسد الله ، ومظهر الخلاف ، ومسر النفاق ، ورئيس الأحزاب ، ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله كتب إلى يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها ، وعما قليل تصيرها الرياح قزعا(١) والذي يدلني على ضعفه تهدده قبل القدرة ، أفمن اشفاق على تنذر وتعذر كلا؟ ولكن ذهب إلى غير مذهب وقعقع لمن ربي بين صواعق تهامة ، كيف أرهبه وبينى وبينه ابن بنت رسول الله (ص) وابن ابن عمه في مائة الف من المهاجرين والأنصار ، والله لو أذن لي فيه أو ندبني إليه لأرينه الكواكب نهارا ولأسعطنه ماء الخردل(٢) دونه الكلام اليوم ، والجمع غدا والمشورة بعد ذلك إن شاء الله ».

وقد أبرق زياد وأرعد وتهدد وأوعد وذلك لعدم علمه بما مني به جيش الإمام من التخاذل والانحلال معتقدا بأن الجيش على وضعه الأول محتفضا بنشاطه وقواه ، وانه مائة الف من المهاجرين والأنصار ولم يعلم بما نكب به من الانحلال والفتن التي مزقته وقضت على نشاطه ، وان أعلام المهاجرين والأنصار قد طحنتهم حرب صفين وأبادتهم واقعة النهروان وأصبح الجيش لا يضم من أولئك الرءوس والضروس إلا ما هو أقل من الصبابة ، وأقسم بالله إن الإمام لو استدعى زيادا حينذاك لغدر به وما استجاب له ، وآية ذلك أنه لما علم بوهن جيش الإمام انحاز إلى معاوية وغدر بالإمام ، وكيف لا ينخدع وهو من ذوي الضمائر القلقة وقد أبان الزمان خبثه ، وكشف عن

__________________

(١) القزع : قطع السحاب المتفرقة.

(٢) الخردل : حب شجر معروف.

١٧٠

عدم طيب إنائه ، فقد عاد بعد الاستلحاق من ألد الأعداء إلى أمير المؤمنين وذريته وشيعته.

ومهما يكن من شيء فان زيادا عقيب خطابه أجاب معاوية عن رسالته وهذا نص جوابه :

« أما بعد ، فقد وصل إلي كتابك يا معاوية ، وفهمت ما فيه فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب ويتعلق بأرجل الضفادع طمعا فى الحياة إنما يكفر النعم ويستدعي النقم من حاد الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فاما سبك لي فلولا حلم ينهاني عنك ، وخوفي أن أدعى سفيها لأثرت لك مخازي لا يغسلها الماء ، وأما تعييرك لي بسمية فان كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة(١) وأما زعمك انك تخطفنى بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر؟ أم هل سمعت بذئب أكله خروف؟

فامض الآن لطيتك ، واجتهد جاهدك فلست أنزل إلا بحيث تكره ، ولا اجتهد إلا فيما يسوؤك ، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه ، الطالع إليه والسلام »

ولما قرأ معاوية رسالة زياد طار قلبه رعبا وداخله فزع شديد فاستدعى داهية العرب « المغيرة بن شعبة » فقال له :

« يا مغيرة إني أريد مشاورتك في أمر أهمنى فانصحنى فيه وأشر علي برأي المجتهد ، وكن لي أكن لك ، فقد خصصتك بسري وآثرتك على ولدي ».

فقال له المغيرة :

« فما ذاك؟ والله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء في الحدور ومن ذى الرونق في كف البطل الشجاع ».

__________________

(١) يشير بذلك إلى ما يرويه التاريخ من أن هند قد حملت به قبل أن تتزوج أبا سفيان ، وكان زواجها به سترا عليها. وإن المتهمين بها جماعة من الأعراب.

١٧١

ولما أظهر له المغيرة الانقياد والخضوع لطاعته عرض عليه مهمته قائلا :

« يا مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي(١) وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى ، وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا ، وأخشى ممالأته حسنا : فكيف السبيل إليه؟ وما الحيلة في إصلاح رأيه؟ ».

ولما عرف الداهية الماكر مهمة معاوية أشار عليه بأن يخدعه ويمنيه ، ويكتب له بناعم القول وكان رأيه في ذلك مبنيا على دراسته لنفسية زياد ومعرفته باتجاهه وميوله قائلا له :

« ان زيادا رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر ، فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب لكان لك أميل وبك أوثق ، فاكتب إليه وأنا الرسول »

واستجاب معاوية لنصيحة المغيرة ، فكتب إلى زياد رسالة تمثلت فيها المواربة والخداع وهذا نصها :

« من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان ، أما بعد : فان المرء ربما طرحه الهوى في مطارح العطب ، وانك للمرء المضروب به المثل قاطع الرحم ، وواصل العدو ، وحملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن عققت قرابتي ، وقطعت رحمي وبتت نسبى وحرمتي حتى كأنك لست أخي ، وليس صخر بن حرب أباك وأبي ، وشتان ما بيني وبينك ، أطلب بدم ابن أبي العاص وأنت تقاتلني ، ولكن أدركك عرق الرخاوة من قبل النساء فكنت « كتاركة بيضها بالعراء ، وملحفة بيض أخرى جناحها » وقد رأيت أن أعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء سعيك ، وان أصل رحمك ، وأبتغي الثواب في أمرك ، فاعلم أبا المغيرة أنك

__________________

(١) كشيش الأفاعي : صوت جلدها.

١٧٢

لو خضت البحر في طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا ، فان بني شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق للذبح ، فارجع رحمك الله إلى أصلك ، واتصل بقومك ولا تكن كالموصول يطير بريش غيره ، فقد أصبحت ضال النسب ، ولعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج فدعه عنك ، فقد أصبحت على بينة من أمرك ووضوح من حجتك ، فان أحببت جانبي ووثقت بي فامرة بامرة وان كرهت جانبي ولم تثق بقولي ففعل جميل لا عليّ ولا لي والسلام ».

وأخذ المغيرة الرسالة التي كتبت على وفق رأيه وهي لا تحمل جانبا من الواقعية ، ولا بصيص فيها من نور الحق والصدق فغادر دمشق إلى فارس وأقبل إلى زياد فلما رآه رحب به وأدناه من مجلسه وأخذ الداهية الماكر يكلم زيادا بمختلف الطرق وشتى الأساليب حتى غزى قلبه وهيمن على مشاعره فأجابه إلى ما أراد.

وبعد ما وقع زياد في اشباك المغيرة غادر فارس إلى دمشق فلما انتهى إليها ومثل عند معاوية رحب به وادناه ، وأمر أخته جويرية بنت أبي سفيان أن تستدعيه ، فلما حضر عندها كشفت عن شعرها بين يديه ، وقالت له : « أنت أخي أخبرني بذلك أبو مريم » ثم أخرجه إلى المسجد وجمع الناس ليعلن أمامهم أن زيادا أخوه ، وقام أبو مريم السلولي الخمار أمام ذلك المجتمع الحاشد فادى شهادته بزنا أبى سفيان بسمية شهادة أخزت أبا سفيان ومعاوية والحقت العار بزياد وهذا نصها :

« أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمار فى الجاهلية ، فقال أبغى بغيا. فاتيته وقلت : لم أجد إلا جارية الحرث بن كلدة ،

١٧٣

سمية. فقال ائتني بها على ذفرها(١) وقذرها » وثار زياد فقطع على أبى مريم شهادته قائلا له بصوت يقطر غضبا :

« مهلا يا أبا مريم ، إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما ».

فقال أبو مريم :

« لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إليّ ، وإنما شهدت بما عاينت ورأيت ».

ثم استرسل فى بيان شهادته فقال :

« والله لقد أخذ بكم درعها ، وأغلقت الباب عليهما ، وقعدت دهشانا فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت ، مه يا أبا سفيان. فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها ، وذفر من فيها ».

هذه شهادة أبى مريم في فجور سمية وتندى لفضاعتها وخزيها وجه الإنسانية ولكن معاوية ما خجل منها وما أنف ولا استحى ، وكيف يخجل ابن هند من هذه المساوئ والمخازي وهو الذي جر ذيله على الرذائل والخداع كما يقول(٢) حتى صارت الرذيلة عنصرا من عناصره ومقوما من مقوماته.

لقد ألحق معاوية زياد بن أبيه به ليستريح من خصومته ، ويستعين به على تحقيق أهدافه وتدعيم سلطانه.

الاستياء الشامل :

وأثر استلحاق معاوية لزياد استياء شاملا في نفوس المسلمين ، فقد

__________________

(١) الذفر : الرائحة النتنة.

(٢) التاج للجاحظ ص ١٠٣.

١٧٤

رووا أن معاوية قد عمد إلى مخالفة النبي (ص) والى هجر سنته ، وقد خافوه على دينهم ، فاندفع جمع من الأحرار والمصلحين إلى إعلان سخطهم وإنكارهم عليه وعلى زياد ونشير إلى بعض المنكرين والناقدين له وهم :

١ ـ الإمام الحسن :

ورفع الإمام الحسن رسالة إلى زياد بين فيها فساد استلحاقه بمعاوية ، وأعرب له ان الإسلام لا يقر ذلك بحال من الأحوال ، وهذا نصها :

« من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية أما بعد : فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الولد للفراش ، وللعاهر الحجر والسلام »(١)

وقال «ع» له في حضور معاوية وعمرو بن العاص ، ومروان بن الحكم : « وما أنت يا زياد وقريشا؟ لا أعرف لك فيها أديما صحيحا ، ولا فرعا نابتا ، ولا قديما ثابتا ، ولا منبتا كريما ، بل كانت أمك بغيا تداولها رجال قريش وفجار العرب فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا ـ يعنى معاوية ـ بعد ممات أبيه ، مالك افتخار ، تكفيك سمية ويكفينا رسول الله (ص) »(٢) .

٢ ـ الإمام الحسين :

ولما رأى سيد الشهداء الإمام الحسين معاوية قد حمل معول الهدم على جميع الأسس الإسلامية اندفع (ع) ثائرا في وجهه ورفع له رسالة سجل فيها موبقاته ، وقد عرض فيها استلحاقه لزياد ، وهذا نص ما كتبه في ذلك :

« أولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله (ص) الولد للفراش وللعاهر الحجر ،

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٧٣.

(٢) المحاسن والمساوي للبيهقي ١ / ٥٨.

١٧٥

فتركت سنة رسول الله تعمدا واتبعت هواك بغير هدى من الله »(١) .

٣ ـ يونس بن عبيد :

وكان يونس بن عبيد ممن حضر هذه المأساة ، وشاهد فصولها ، فانطلق إلى معارضة معاوية وإلى الإنكار عليه قائلا :

« يا معاوية قضى رسول الله (ص) ان الولد للفراش ، وللعاهر الحجر وقضيت أنت أن الولد للعاهر مخالفة لكتاب الله تعالى ، وانصرافا عن سنة رسول الله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان ».

فانبرى إليه معاوية يتهدده ويتوعده بالقتل قائلا :

« والله يا يونس لتنتهي أو لأطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها ».

فقال له يونس : « هل إلا إلى الله ، ثم أقع؟ ».

قال له معاوية : ـ نعم ـ(٢) .

٤ ـ عبد الرحمن بن الحكم :

وما رضى بهذا الاستلحاق حتى بنو أمية ، فقد نقموا عليه ذلك فقد أقبل عبد الرحمن بن الحكم ومعه جماعة من بني أمية فقال عبد الرحمن لمعاوية :

« يا معاوية ، لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا ـ يعني على بني العاص قلة ـ وذلة ».

فالتفت معاوية إلى مروان قائلا :

« اخرج عنا هذا الخليع ».

« أى والله إنه لخليع ما يطاق ».

__________________

(١) رجال الكشي ص ٣٣.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣١١.

١٧٦

فقال معاوية : « والله لو لا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق ، ألم يبلغنى شعره في وفي زياد ».

قال مروان وما ذا قال؟ :

ـ إنه يقول :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

لقد ضاقت بما يأتي اليدان

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زاني

فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد انها حملت زيادا

وصخرا من سمية غير دان

وتألم معاوية حينما قرأها فقال : والله لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه.

وخرج عبد الرحمن وقد غضب عليه معاوية ، فجاء إلى الكوفة وقصد زيادا يعتذر منه فاستأذن عليه بالدخول فلم يأذن له ، وتوسط في شأنه وجهاء قريش فسمح له بالدخول ، فلما دخل عليه أعرض عنه ، ثم التفت له قائلا :

« أنت القائل؟ ما قلت!! ».

ـ ما الذي قلت؟.

ـ قلت ما لا يقال!!

ـ أصلح الله الأمير أنه لا ذنب لمن أعتب ، وإنما الصفح عمن أذنب فاسمع مني ما أقول :

ـ هات ما عندك.

إليك أبا المغيرة تبت مما

جرى بالشام من خطل اللسان

وأغضبت الخليفة فيك حتى

دعاه فرط غيظ أن هجاني

وقلت لمن لحاني فى اعتذاري

إليك أذهب فشأنك غير شاني

١٧٧

عرفت الحق بعد ضلال رأيى

وبعد الغي من زيغ الجنان

زياد من أبي سفيان غصن

تهادى ناضرا بين الجنان

أراك أخا وعما وابن عم

فما أدري بعيب ما تراني

وإن زيادة في آل حرب

أحب إلي من وسطى بناني

ألا بلغ معاوية بن حرب

فقد ظفرت بما تأتي اليدان

فقال زياد :

« أراك أحمق صرفا شاعرا صنع اللسان ، يسوغ لك ريقك ساخطا ومسخوطا ولكنا قد سمعنا شعرك وقبلنا عذرك ، فهات حاجتك ».

ـ تكتب إلى أمير المؤمنين بالرضا عني.

ـ نعم.

ثم دعا كاتبه فرسم له العفو والرضا ، فأخذ الكتاب ومضى إلى معاوية فلما قرأ الأبيات قال :

« لحا الله زيادا ألم ينتبه لقوله : وإن زيادة في آل حرب؟ ».

ثم رضى عن عبد الرحمن ورده إلى حالته الأولى(١) .

٥ ـ أبو العريان :

وكان أبو العريان شيخا مكفوفا ذا لسان وعارضة شديدة فاجتاز عليه زياد فى موكبه فقال أبو العريان :

« ما هذه الجلبة؟ ».

« إنه موكب زياد بن أبي سفيان ».

« والله ما ترك أبو سفيان إلا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا فمن أين جاء زياد؟ ».

__________________

(١) شرح ابن أبى الحديد ٤ / ٧١ ، الإستيعاب ١ / ٥٥٢ ـ ٥٥٤.

١٧٨

ونقل المتزلفون حديث أبي العريان إلى زياد فأشار عليه بعض خواصه أن يوصله بالمال حتى يكف لسانه عنه ، فاستصوب الرأي وأمر له بمائتي دينار فجاء بها الرسول إليه ، فقال له :

« يا أبا العريان ابن عمك زياد الأمير قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها » فلما سمع أبو العريان بذلك طار فرحا فقال :

« وصلته رحم أى والله ابن عمي حقا ».

واجتاز موكب زياد عليه في اليوم الثاني ، فسلم عليه زياد ، فبكى أبو العريان ، فقيل له :

« ما يبكيك؟ ».

« عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد ».

هكذا تفعل المادة بالضمائر القذرة التي لم تنطبع فيها العقيدة ، وكان أبو العريان عاريا من الإيمان فتغير بهذه الصلة الضئيلة ، ولما سمع حديثه معاوية كتب إليه :

ما ألبثتك الدنانير التي بعثت

أن لونتك أبا العريان الوانا

أمسى إليك زياد فى أرومته

نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا

لله در زياد لو تعجلها

كانت له دون ما يخشاه قربانا

فلما قرأت على أبي العريان هذه الأبيات أجابه :

احدث لنا صلة تحيا النفوس بها

قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا

أما زياد فقد صحت مناسبه

عندي فلا أبتغي في الحق بهتانا

من يسد خيرا يصبه حين يفعله

أو يسد شرا يصبه حيثما كانا(١)

٦ ـ أبو بكرة :

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٧١.

١٧٩

ومن جملة الناقمين على معاوية والناقدين لزياد على هذا الاستلحاق الفظيع أبو بكرة(١) أخو زياد ، فقد أنكر على أخيه أشد الإنكار ، فقاطعه ولم يتصل به ، ولما عزم زياد على السفر إلى بيت الله الحرام أقبل إليه أبو بكرة فلما بصر به بعض الحرس أقبل مسرعا إلى زياد ، فقال له :

« أيها الأمير هذا أخوك أبو بكرة قد دخل القصر ».

ـ ويحك أنت رأيته؟.

ـ ها هو ذا قد طلع!!.

أقبل أبو بكرة فوقف على رأس زياد وكان قد احتضن غلاما له فوجه أبو بكرة خطابا إلى الغلام ولم يوجهه إلى زياد ترفعا واستحقارا له :

« يا غلام ، إن أباك ركب في الإسلام عظيما ، زنى أمه وانتفى من أبيه ، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط ، ثم أبوك يريد أن يركب ما هو أعظم من ذلك يوافى الموسم غدا ، ويوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي من أمهات المؤمنين ، فان جاء ان يستأذن عليها فأذنت له فاعظم بها

__________________

(١) أبو بكرة : اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة ، قيل اسم أبيه مسروح ، وكان عبدا للحارث ، فاستلحقه الحارث وهو أخو زياد ، وإنما لقب بأبى بكرة لأنه تدلى من حصن الطائف ببكرة إلى النبيّ (ص) فلذا سمى بهذا الاسم ، وارتكب جريمة هو وجماعة من أصحابه فجلدهم عمر بن الخطاب ثم تابوا ، فكان يقبل شهادتهم بعد التوبة إلا أبا بكرة فانه لم يجز شهادته ، قال ابن سعد مات بالبصرة في ولاية زياد ، وقال المدائني : مات سنة ٥٠ هج ، وقيل مات هو والحسن (ع) في سنة واحدة ، جاء ذلك في تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٦٩ وجاء في الإستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ٣ / ٥٣٧ أن أبا بكرة أوصى بنيه حين الوفاة فقال لهم : « إن أبي مسروح الحبشي ».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500
٥٠١

الباب الرابع

خلاصة وخاتمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول 507 شخصية الحسنعليه‌السلام بين الافتراء والواقع

الفصل الثاني 517 القراءة السائدة للصلح والمشكلات التي امامها

الفصل الثالث 520 صلح الامام الحسنعليه‌السلام قراءة جديدة

الفصل الرابع 571 مسار ثقافة الامة المسلمة

الفصل الخامس 579 خلاصة في المقارنة بين مراحل سير مشروعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٥٠٢
٥٠٣

الباب الرابع / الفصل الاول

شخصية الحسن عليه‌السلام بين الافتراء والواقع

اجمع الباحثون المستشرقون على وصف الحسنعليه‌السلام بانه كان شخصية متخاذلة ليس جديرا ان يكون ابنا لعليعليه‌السلام ، ولا رجل الساعة المطلوب سلم الحكم لقاء منحة سنوية يقدمها له معاوية ثم انصرف الى ملذاته وشهواته ثم مات بسبب اسرافه فيها ، وكانت مصادرهم في ذلك روايات مبثوثة هنا وهناك في مصادر التاريخ الاسلامي الاولى ، وضعها العباسيون لمواجهة خصومهم الحسنيين الثائرين لتجريدهم منسلاح الشعبية التي كانوا يتمتعون بها في الكوفة لمكانة ابائهم الحسن المثنى(1) والحسن السبط وامير المؤمنين عليعليه‌السلام وقد اقاما تجربتي حكم رائدتين اتسمتا بتقديم مصلحة الرسالة والامة على المصالح الشخصية.

وفيما يلي خلاصة كلماتهم فيه ، وبعض الروايات التاريخية الطاعنة في الحسن التي

__________________

(1) ذكر المؤرخون وأصحاب السير والحديث والانساب وغيرهم أن الحسن المثنى بن الحسن السبط حضر مع عمه الحسينعليه‌السلام يوم الطف وشهد المعركة ، وواسى عمه في الصبر على السيوف والرماح حتى أثخن بالجراح ووقع على الارض بين القتلى ، وكان به رمق. فأخذه اخواله من فزارة واستوهبوه من ابن زياد وعولج فبرئ (عمدة الطالب ص 100) واتفقوا على أنه برئ ولحق بالمدينة وتوفي سنة 97 هـ الذهبي ، تاريخ الاسلام ج 6 ص 330.

أقول : وقد تبنى ابو مخنف رواية خالف فيها الثابت من سيرة الحسن المثنى فقال (واستصغر الحسن بن الحسن بن علي وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن يسار الفزاري فترك فلم يقتل) (تاريخ الطبري 4 / 359). وهو شاهد على ان ابا مخنف كان قد الف كتابه مقتل الحسين رعاية للإعلام العباسي في بني الحسن والكوفة.

٥٠٤

وضعها الاعلام العباسي مع بعض كلمات الخليفة العباسي في الحسن وابيه عليعليه‌السلام ، ثم شواهد تاريخيه على عظمة شخصية الامام الحسنعليه‌السلام في العبادة والسلوك والمكانة الدينية والاجتماعية.

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام عند المستشرقين

قال الدكتور فيليب حتي : «ولكن الحسن الذي كان يميل الى الترف والبذخ لا الى الحكم والارادة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه اياها معاوية».(1)

وقال الراهب اليسوعي لامنس (البلجيكي) المتخصص بالتاريخ الاسلامي(2) : «الحسن اكبر ابناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل الى الشهوات والافتقار الى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع ابيه واخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب. وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل افراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته.(3)

وقال جرهارد كونسلمان : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.(4)

وقال سايكس : في كتابه () ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لانه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بارسال اثني عشر الف جندي كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يتنزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(5)

__________________

(1) حتى ، فليب ، العرب تاريخ موجز ، ص 78.

(2) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد لا إسلام ، يفتقر إفتقاراً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين.

(3)الموسوعة الاسلامية (Encyclopedia Of Islam) ج 7 / 401 4002. أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت الى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت الى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(4) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة .

(5) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

٥٠٥

وقال الكاتب العراقي هادي العلوي (1) : «ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا او عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول اليه الامر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه ابوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الايديولوجيا(2)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن امامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الاباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(3)

مصادر المستشرقين روايات الإعلام العباسي

استند الباحثون المستشرقون في تكوين الرؤية السلبية الانفة الذكر عن الحسنعليه‌السلام الى رويات اوردتها مصادر تاريخية اسلامية امثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ واغاني ابي الفرج الاصبهاني ، وتاريخ محمد بن طاهر المقدسي ت 507 هـ.

روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم ت 175 هـ عن ابيه قال اخبرنا شعبة عن ابي اسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل قوم صداد وان صدادنا الحسن.(4)

وروى عن علي بن محمد عن سحيم بن حفص الأنصاري (ت 170 هـ). عن عيسى

__________________

(1) ادرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه ينتسب الى الاسلام والتشيع ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديلولوجيا ومنهج المستشرقين في البحث.

(2) الدكتور الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الاموي ، ص 74.

(3) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 تموز السنة 37 العدد 9. من الغريب ان العلوي هذا عرفه اصدقاؤه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولا بد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي واصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم عليا ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

(4) ابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 277 ـ 278 ورواه أيضا ابن معين عن ذر عن شعبة عن أبي اسحق عن معدي كرب (ابن معين تاريخ ابن معين ج 2 / 419).

٥٠٦

بن أبي هارون المزني. قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي بيهتك) فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فستأذناه. فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل حفصة. فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلا ثم خرج. ثم قال أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل حفصة. فدخل الحسن فتحدثا طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ فقال : يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.(1)

وروى عن يحيى بن حماد قال اخبرنا أبو عوانة (176 هـ)(2) عن سليمان عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي ادريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئا ، واما انا وحسين فنحن منكم وانتم منا.(3)

__________________

(1) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج 1 ص 307 ، سحيم بن حفص الأنصاري كنيته أبو اليقظان واسمه عامر بن حفص وسحيم لقب له. ذكره ابن النديم في الفهرست ص 106.أقول : هو من شيوخ علي بن محمد المدائني.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 7 ص 287 أبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء كان أصله من أهل واسط ثم انتقل إلى البصرة فنزلها حتى مات بها.

(3) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص ج 1 ص 297 ، وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.

٥٠٧

وروى عن محمد بن عبد الله الاسدي (203 هـ) قال حدثنا اسرائيل (160 هـ)(1) عن ابي اسحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.(2)

وروى ابو الفرج الاسفهاني عن احمد عن عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع (168 هـ)(3) عن الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟(4)

وروى عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن اسماعيل بن ابراهيم علية البصري (193 هـ) عن سعيد بن عروبة البصري عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر ابي سلسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة الى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمرقال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليهالحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت.(5)

وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّهعليه‌السلام كان أرخى ستره على مأتي حرة».(6)

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج 6 ص 374 قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي إسرائيل لص يسرق الحديث.

(2) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم المفقود ، من ذخائر تراثنا ترجمة الحسن من ابن سعد غير المطبوع ص 58.

(3) العقيلي ،الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي) ، ج 3 ص 469 قيس بن الربيع عن محمد بن عبيد قال كان قيس بن الربيع استعمله أبو جعفر على المدائن فكان يعلق النساء بثديهن ويرسل عليهن الزنابير قال ابن حبان : كان شعبة يروى عنه وكان معروفا بالحديث صدوقا ويقال إن ابنه أفسد عليه كتبه بأخرة فترك الناس حديثه. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 226 قيس بن الربيع الحافظ أبو محمد الأسدي الكوفي كان من أوعية العلم وارى الأئمة تكلموا فيه لظلمه.

(4) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 144.

(5) ابو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ، ج 5 ص 145.

(6) المقدسي ، البدء والتاريخ / ج 5 ص 4.

٥٠٨

الروايات الطاعنة في شخصية الحسن عليه‌السلام

من وضع الامويين والعباسيين

الروايات الانفة الذكر مما وضعه الاعلام العباسي بأمر الخليفة العباسي ابي جعفر الدوانيقي لمواجهة الحسنيين الثائرين ضد العباسيين لتجريدهم من سلاح قوي بيدهم وهو التاريخ المشرق لأبيهم الحسنعليه‌السلام وجدِّهم عليعليه‌السلام انهم يقاتلون ليس لأجل السلطة بل لأجل المحرومين ، قال محمد بن عبد الله بن الحسن في رسالته الى ابي جعفر الوانيقي (وإنما ادعيتم هذا الامر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا وإن أبانا عليا كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا).(1)

قال عليعليه‌السلام «اللّهم إِنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك.».(2)

وقد سلم الحسينعليه‌السلام ملك العراق بهدف الاصلاح وامان الناس لما عرض عليه معاوية ان يبقى عليه ويبقى هو على الشام. ولما اطلع معاوية على الشروط وقف عند شرط امان الناس وذكر قيس بن سعد انه لا بد ان يقتله وموقف الحسن كان واضحا ان الشروط ومنها الامان صفقة كاملة اما ان يقبلها معاوية كلها او يرفضها معاوية كلها.

ومن اهم الشواهد على انها تبينت من قبل العباسيين قول المنصور بعد ان سجن عبد الله بن الحسن واخوته :

(فقام فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.

ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن عليعليه‌السلام ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معايوة إنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان

__________________

(1) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 6 ص 196.

(2) نهج البلاغة ، فيض / 406 ؛ عبده 2 / 19.

٥٠٩

فيه ، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه).(1)

وكذلك شعر مروان بن ابي حفصة ت 182 هـ : كان يتقرب الى الخليفة هارون بهجاء العلويين. انشد قصيدة يمدح بها الرشيد ويذكر فيها ولد فاطمةعليها‌السلام وينحى عليهم ويذمهم وقد بالغ حين ذم علياًعليه‌السلام ونال منه وأولها :

عليٌّ أبوكم كان أفضلَ منكم اباه(2)

ذوو الشورى كانوا ذوي الفضل

ساء رسولَ الله إذْ ساء بنتَه

بخطبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول الله صهرَ أبيكمُ

على منبر بالمنطق الصادق الفضل

وحكَّمَ فيها حاكمين أبوكمُ

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وخلَّيتموها وهي في غير أهلها

فقد أُبطلت دعواكمُ الرثة الحبلِ

وقد باعها من بعده الحسن ابنه

وطالبتموها حين صارت إلى أهل(3)

شخصية الامام الحسن عليه‌السلام في

الروايات الصحيحة

روى الشيخ الصدوق عن المفضل بن عمر قال قال الامام الصادقعليه‌السلام (ت 148 هـ) حدثني أبي عن أبيهعليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما مشى حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

__________________

(1) المسعودي ،مروج الذهبي ج 3 ص 301.

(2) أي رفضه أهل الشورى في قصة بيعة عثمان.

(3) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63 ـ 64. وانظرالاغاني لابي الفرج الاصفهاني ج 23 ص 214 ـ 215. وابن خلكان ، وفيات الاعيان ج 5 ص 189 ـ 193. والدينوري ، ابن قتيبة ، الشعروالشعراء ، ج 2 ص 649.

٥١٠

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، ويعوذ به من النار ،

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إذا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا.(1)

وقال ابن عساكر عن عبد الله بن العباس قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه.(2)

قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك.(3)

عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما تكلم عندي أحد كان احب الي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه تكلم بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض فعرض حسين امرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط.(4)

قال الواقدي : عن ثعلبة بن ابي مالك : شهدت الحسن يوم مات ودفن بالبقيع فلقد رأيت البقيع ولو طرحت فيه ابرة ما وقعت الال على راس انسان.(5)

وروى ابن عساكر ايضا قال : بكى على الحسن بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والصبيان والرجال.(6)

__________________

(1) الشيخ الصدوق ،الأمالي ، ص 140.

(2) ابنعساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 72. والذهبي ،سير اعلام النبلاء ، ج 4 ص 387.

(3) المجلسي ،بحار الانوار ج 43 ص 251.

(4) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ص 80. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج 1 ص 279. والمزي ،تهذيب الكمال ج 2 ص 591.

(5) ابن حجر ،الاصابة ج 1 ص 495. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 190. وابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم المتمم ج 1 ص 351.

(6) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 118. وابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 43.

٥١١

وفي الطبقات الكبرى : عن أبي جعفر قال : مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعا ما تقوم الاسواق.(1)

وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا! قال : يا ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله.(2)

وفيه يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة علي ، يرثيه عند وفاته :

لم يُسْبِلِ السترُ على مثله

في الأرض من حافٍ ومن ناعل(3)

وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقالعليه‌السلام : بل فيَّ عزة قال الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».(4)

قال محمد بن اسحاق : ما بلغ احد من الشرف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس اجلالا له فاذ اعلم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن ابي وقاص فقد نزل ومشى الى جنبه.(5)

وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة 44 حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة قال ان مع الحسن ماة الف سيف لو شاء ضربك بها.

قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش : أخبرني عن الحسن بن علي. قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند

__________________

(1) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، القسم الناقص 1 ص 352. والحاكم ،المستدرك ، ج 3 ص 189.

(2) المزي ،تهذيب الكمال : ج 6 ص 233. وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 69 70.

(3) المسعودي ،مروج الذهب ، ج 2 ص 428.

(4) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 251.

(5) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 43 ص 254 نقل عن المناقب.

٥١٢

ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون. حتى إذا ارتفع النهرا صلى ركعتين ، ثم نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه. ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال : ما نحن معه في شيء.(1)

أقول :

يتضح من هذه الروايات أي جناية جناها فنسنك وزملائه مؤلفو (ECYCLOPEDIA OF ISLAM) (الموسوعة الاسلامية) التي صدرت باللغة الانكليزية والفرنسية والالمانية حين قدموا الامام الحسنعليه‌السلام الى العالم انه رجل شهوات وملذات في قبال ما تعرضه الروايات الصحيحة انه شخصية رائدة عبادةً وسلوكاً ومكانةً في الدين وانه بلغ في الشرف ما لم يبلغه احد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(1) ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام منطبقات ابن سعد ج 1 ص 297. وابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 14 ص 71. والبلاذري ،انساب الاشراف ، ج 3 ص 274.

٥١٣

الباب الرابع / الفصل الثاني

القراءة السائدة للصلح والمشكلات امامها

يكاد يجمع الباحثون الشيعة في تعليلهم لصلح الامام الحسن وتسليمه الامر لمعاوية انه انطلق من واقع منهار للكوفيين وعدم قدرتهم على الاحتفاظ بالدولة التي انشاها في قبال معاوية بل عدم القدرة على توفير الامان للحسن نفسه اذ تعرض لمحاولة اغتيال جرح فيها جرحا بليغا ونهبمتاعه. ومن ثم كاتب معاوية في الصلح ليحقق الامان له ولشيعته وليفضح معاوية.

الروايات التي استندوا إليها

وقد اعتمدوا في هذا التحليل على روايات في مصادر التاريخ منها رواية ابن سعد عن يونس بن ابي اسحاق ت 159 هـ فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى. وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر ...).(1)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245 ، وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الحسن قال محمد بن سعد قال ابو عبيد عن مجالد ، عن الشعبي.

٥١٤

ومنها رواية زياد بن عبد الله ، عن عوانة بن الحكم : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات ، وهم اثنا عشر ألفا ، وكانوا يسمون شرطة الخميس ، قال : فبينا الحسن بالمدائن ، إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل ، فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ، ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد ، فطعنه بالخنجر ، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ، ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن ، وكتب إلى معاوية في الصلح. قال : ثم قام الحسن ـ فيما بلغني ـ الناس ، فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث : في قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي.(1)

ومنها رواية ابن الاثير قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق اخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(2) (3)

ومنها رواية احمد بن علي الطبرسي نسبت الى الحسن قوله : أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي واهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم الى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(4)

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 6 ص 245.

(2) ابن الأثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407.

(3) قال صاحبارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ج 4 ص 411 قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الامر فدعاه ورعه الى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقه بايعه على الموت اربعين الفا. انظر ايضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري المعيني ج 16 ص 239.

(4) المجلسي ، بحار الانوار ، ج 44 ص 21 عن الاحتجاج للطبرسي. والفضل بن الحسن الطبرسي ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ص 213

٥١٥

رواية ابي الفرج في مقاتل الطالبيين :

كما اجمعوا على ان معاوية اعلن عن نقضه للشروط لما دخل الكوفة سنة 41 هـ واخذ البيعة من اهلها والحسن بينهم. قال العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين اعلى الله مقامه : فلما تمت البيعة لمعاوية في الكوفة خطب فذكر عليا قنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : على رسلك يا أخي. ثم قامعليه‌السلام فقال : أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا! فقالت طوائف من أهل المسجد : آمين. ثم تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الاسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين).

رواية المدايني :

ورواية أبي الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتابه (الاحداث) : قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام عليعليه‌السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن عليعليه‌السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريق في الأرض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسينعليه‌السلام وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف).(1)

__________________

(1) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج 11 ص 46.

٥١٦

تحليل المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدر

ومنذ عهد العلامة المحقق الشيخ راضي ال ياسين في كتابه صلح الامام الحسن ، والعلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين في تقديمه له سادت فكرة تحليلية حول الصلح مفادها : ان الامام الحسنعليه‌السلام بصلحه وشروطه / مع علمه ان معاوية سوف لا يفي بواحدة منها / استهدف فضحه امام المسلمين والحفاظ على الثلة الطيبة من شيعة علي ، وقد اخذت صيغتها التامة على يد المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله قال (أصيب المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام بمرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذيكان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له لا إمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

__________________

(1) العاملي ،الانتصار ج 8 ص 137 ـ 139.

٥١٧

المشكلات امام القراءة السائدة

يرد على القراءة السائدة للصلح ان الروايات اليت اعتمدت عليها معارضة بروايات اخرى ولكن الباحثين اغفلوها عند التحليل ،

ففي قبال ما رواه ابن الاثير واعتمده الباحثون في التحليل ان الحسن قال : رأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم احد ابدا الا غُلِب ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) ونظيراتها. توجد روايات تعطي رؤية اخرى عن اهل الكوفة

منها : ما رواه هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال : أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقي بن القطامي قالوا : لما قدم معاوية المدينة أتاه وجوه الناس ، ودخل عليه عبد الله بن الزبير ، فقال له معاوية : ألا تعجب للحسن بن علي ، أنه لم يدخل علي (وفي رواية : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي :) منذ قدمت المدينة ، وأنا بها منذ ثلاث ، قال : يا أمير المؤمنين! دع عنك حسنا فإن مثلك ومثله كما قال «الشماخ» :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

صدورهم تغلي علي مراضها

والله لو شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) به من أم الحُوار بحُوارها. قال معاوية : أردت أن تغريني به ، والله لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه.(1)

وفي رواية المدائني قال ، قال معاوية لابن الزبير : ألا تعجب من الحسن وتثاقله عنّي؟ فقال ابن الزبير : مثلك ومثل الحسن كما قال الشاعر :

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تأرى عليّ مِراضها(2)

__________________

(1) ابو الفرج الاصفهاني ،الأغاني ج 9 ص 173 (قال ابو الفرج نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدّثنا عليّ بن صالح صاحب المصلَّى قال حدّثنا ابن دأب) ، أيضا ابن حمدون ت 562 هـالتذكرة الحمدونية ج 5 ص 192. والحُوار : ولد الناقة من وقت ولادته الى ان يفطم ويفصل. وقول معاوية والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه : هي المجاملة حياء التي استشهد ببيت الشهر لأجلها ، هي مجاملة لأجل ان يعبر مرحلة فرضها عليه الحسن لمعالجة الانشقاق وفتح الشام لأخبار عليعليه‌السلام وقد انتقم معاوية بعد ذلك من الحسن بدس السم له. ومن شيعته بتشريدهم وقتلهم.

(2) : وفي رواية تغلي. و (مِراض) جمع مريض ، ومرض القلب او الصدرهو الشك والعداوة ، وهو هنا العداوة ، والمعنى أجامل اقواما حياء ولكني ارى قلوبهم او صدورهم تغلي عليَّ حقدا وعداواة. وفي

٥١٨

فقال معاوية : والله ما جامل ولقد أعلن ، قال : بلى والله لقد جامل ، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل ،(1)

فقال : أراك يا ابن الزبير تجول في ضلالتك.(2)

أقول : وقول ابن الزبير (ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) بهمن أم الحوار بحوارها).

يشهد له قول الحسن حين خرج من الكوفة الى المدينة إذ تمثل بقول الشاعر :

وما عن قِلى فارقتُ دارَ معاشري

هم المانعون حوزتي وذماري

__________________

لسان العرب أَتأَر إِليه النَّظَرَ : أَحَدَّه. وأَتأَره بصره : أَتْبَعَه إِياه ، وقد اراد معاوية باستشهاده بالبيت ان يُفهم ابن الزبيران الحسنعليه‌السلام يجامله مجاملة قد اضطر اليها لحل ازمة الانشقاقفي امة جده ، والا فان قلب الحسن يغلي علي لانه لا ينسى قتلى شيعة ابيه في صفين واعلامه الكاذب فيه. وقد روى المجلسي في بحار الانوار ج 44 ص 57 ان الحسنعليه‌السلام أنشأ.

أجامل أقواما حياء وقد أرى

قلوبهم تغلي علي مراضها

قال البهبودي في / خامش 57 : أظن الصحيح هكذا :

أجامل أقواما حياء ، وقد أرى

قدورهم تغلى على مراضها

يقال : غلت القدر تغلى غليانا : جاشت وثارت بقوة الحرارة ، ومراض القدر أسفلها إذا غطى من الماء ، يقول : انهم يثورون ثورة ظاهرية كالقدر التي ثارتأعلاه ولم تغلِ

أسفلها ، فهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.

أقول : لم اجد في لسان العرب ولا في تاج العروس ، ان مِراض القدر اسفلها ، ومهما يكن فان استشهاد الامام الحسن بالبيت ان صحت القصة فهوعليه‌السلام يريد انه جامل معاوية وهش في وجهه بما تقتضيه مصلحة الرسالة والامة وهو يعلم ان قلب معاوية يغلي عليه عداوة لقتلاه في بدر. اما المعنى الذي ذهب اليه البهبودي فهو بعيد.

والبيت سواء استشهد به معاوية او الامام الحسنعليه‌السلام فمعناه واحد ، مع ملاحظة ان معاوية حين استشهد به اراد بن ان الحسنعليه‌السلام حين جامله فان قلبه يغلي عليه بما قتل من شيعة ابيه في صفين وبما عرضه من اعلامه الكاذب فيه ، وان الحسن حين استشهد به لو صحت الرواية اراد انه اجبر معاوية على مجاملته مع ان قلبه يغلي عليه حقدا لقتلاه في بدر ، ولم يأخذ بثأرهم لان ثأرهم في تصوره لا يكون الا حين يقتل من بني هاشم علياءهم الامر الذي حققه ولده يزيد بعده بوصية منه. ومن هنا فان حلم معاوية ليس حلما وايضا بل هو تكتيك بلغة العصر كما كشف ذلك لعائشة بنت عثمان حين قال لها : فأظهرنا لهم حلما تحته غضب).

(1) أي حرب صعبة [زبن] : الزَّبْنُ ، كالضَّرْبِ : الدَّفْعُ ، كما في الصِّحاح. وفي المُحْكَم : دَفْعُ الشيء عن الشيء ، كالناقَةِ تَزْبِنُ ولَدَها عن ضرْعِها برِجْلِها وتَزْبِنُ الحالِبَ. زَبَنَ الشيء يَزْبِنُه زَبْناً وزَبَنَ به : دَفَعَه (تاج العروس).

(2) البلاذري ،انساب الاشراف ، ج 5 ص 38.

٥١٩

ويشهد لهايضا قول معاوية للزرقاء بنت عدي وقد استضافها وحاورها (والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته!).(1)

وفي قبال الجزءالاخرمن رواية ابن الاثير وهو قوله (مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر) :

ما رواه البلاذري عن عوانة : أن علياعليه‌السلام كتب إلى قيس ابن سعد بن عبادة وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله بن شبيل الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادّون معدّون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.

وعن قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه عليّ من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :

لا تحسبني يا عليّ غافلا

لأوردن الكوفة القبائلا

ستين ألفا فارسا وراجلا

فقال : عليّ :

لأبلغن العاصي بن العاصي

ستين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص.(2)

ويشهد له ايضا : ما رواه سليم قال : (ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف وكثرت الشيعة(3) بعد ذلك المجلس من ذلكاليوم وتكلموا ، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه

__________________

(1) ان بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ، ص 63 ، ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 1 ص 220. ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 49 ، التستري ،قاموس الرجال ج 12 ص 259 ـ 260.

(2) البلاذري ، انساب الاشراف ج 2 ص 481. والدلاص الدروع اللينة. والاحْتِقابُ شَدُّ الحَقِيبةِ من خَلْفٍ ، وكذلك ما حُمِلَ مِن شيء من خَلْف.

(3) أي الموالين له المعادين لعدوه المتبرئين منهم ..

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529