حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام3%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219876 / تحميل: 6747
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فرية على رسول الله (ص) ومصيبة وان هي منعته فاعظم بها على أبيك فضيحة ».

ثم تركه وانصرف ، فقال زياد :

« جزاك الله يا أخي عن النصيحة خيرا ساخطا كنت أو راضيا »(١)

٧ ـ يزيد بن المفرغ :

وهجا هذا الشاعر العبقرى زيادا ببيتين من الشعر كانتا وصما عليه وعارا مدى الأجيال والأحقاب وهما :

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر

هل نلت مكرمة إلا بتأمير

عاشت سمية ما عاشت وما علمت

أن ابنها من قريش في الجماهير

وارتاع زياد وحزن من هذا الهجاء ، فقال :

« ما هجيت قط أشد علي من هذين البيتين »(٢) .

ولم يقتصر هذا الشاعر الفذ على ذلك فقد نظم أقسى الشعر والذعه نقدا وهجاء لزياد ومعاوية على ارتكابهما هذه الجريمة التي انتهكت بها حرمة الإسلام وإليك بعض ما جادت به قريحته وخياله الخصب :

شهدت بأن أمك لم تباشر

أبا سفيان واضعة القناع

ولكن كان أمر فيه لبس

على حذر شديد وارتياع

إذا أودى معاوية بن حرب

فبشر شعب قعبك بانصداع

وقال أيضا :

إن زيادا ونافعا وأبا

بكرة عندي من أعجب العجب

__________________

(١) ابن أبي الحديد ٤ / ٧٠ ، الإستيعاب ١ / ٥٥٠ مع اختلاف يسير.

(٢) نهاية الأرب فى فنون الأدب ٣ / ٢٨١ وفي رواية ( ما شجيت بشيء أشد علي من قول ابن المفرغ ).

١٨١

هم رجال ثلاثة خلقوا

في رحم أنثى وكلهم لأب

ذا قرشي كما تقول وذا

مولى وهذا ابن عمه عربي(١)

وذكر المسعودى في « مروج الذهب » ان هذه الأبيات إلى خالد النجاري وانه قال في هجاء زياد لما استلحق به عبادا :

أعباد ما اللؤم عنك محول

ولا لك أم من قريش ولا أب

وقل لعبيد الله مالك والد

بحق ولا يدري امرؤ كيف تنسب

لقد كان استلحاق زياد لعباد على غرار استلحاق معاوية له مخالفا لسنة رسول الله وقد قال (ص) : « من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام » وما جرأ زيادا على ارتكاب هذه الموبقة إلا معاوية فهو الذي فتح باب الفساد ، وخالف أحكام الإسلام وتعاليمه وفروضه من دون خيفة ولا حذر.

٨ ـ الحسن البصري :

ومن جملة الناقمين على معاوية والناكرين عليه الحسن البصري(٢) فقد

__________________

(١) الإصابة ١ / ٥٦٣.

(٢) الحسن البصري : أبوه أبو يسار كان مولى لزيد بن ثابت الأنصاري ، وأمه خيرة كانت مولاة لأم سلمة زوج النبي (ص) ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب ، بالمدينة يقال أنه ولد على الرق ، وكان من سادات التابعين وكبرائهم ، توفى بالبصرة مستهل رجب سنة ١١٠ ، وكان تشييعه حافلا لم يشهد له أحد نظيرا ، قال حميد الطويل توفى الحسن عشية الخميس ، وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره ، وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر بالجامع ، ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ لأنهم تبعوا كلهم جنازته ، ولم يبق بالمسجد من يصلي العصر ، ولم يحضر ابن سيرين ـ

١٨٢

جعل هذا الاستلحاق إحدى موبقاته وسيئاته ومردياته فقال : « اربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها ( يعني الخلافة ) بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير والديباج ، ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا ، وقد قال رسول الله (ص) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ويلا له من حجر وأصحاب حجر مرتين »(١)

وهذه الجرائم الأربعة التي هي بعض موبقات معاوية تعد من أفظع فظع الكبائر التي اقترفها ، وسيحاسب عليها حسابا عسيرا عند الله ، وذلك لما أحدثته من المضاعفات السيئة التي مني بها المسلمون.

٩ ـ السكتواري :

وقال العلامة السكتواري : « أول قضية ردت من قضايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علانية دعوة معاوية زيادا ، وكان أبو سفيان تبرأ منه وادعى أنه ليس من أولاده ، وقضى بقطع نسبه ، فلما تأمر معاوية قربه واستأمره ، ففعل ما فعل زيادا بن أبيه ـ يعني ابن زنية ـ من الطغيان والإساءة في حق أهل بيت النبوة »(٢) .

وهؤلاء بعض الناقمين على معاوية والمنكرين عليه في استلحاقه زيادا ،

__________________

ـ جنازته لشيء كان بينهما ، جاء ذلك في وفيات الأعيان ٤ / ١٢٤ وكان الحسن من المؤازرين لبني مروان حتى قالوا عنه : لو لا لسان الحسن وسيف الحجاج لوئدت الدولة المروانية في لحدها ، وأخذت من وكرها ، وذكر الحفاظ أنه كان مدلسا في حديثه.

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٥٧ ، تأريخ أبي الفداء ١ / ١٩٦.

(٢) محاضرة الأوائل ص ١٣٦.

١٨٣

وهم ـ من دون شك ـ كانوا مدفوعين بدافع العقيدة والغيرة على الإسلام فقد رأوا أن معاوية قد عمد بذلك إلى احياء سنن الجاهلية وبدعها ، واماتة ما فرضه الإسلام ، استجابة لعواطفه ورغبته الملحة في السيطرة على المسلمين وإخضاع القوى المعارضة له بشتى الوسائل والأساليب.

وعلى أي حال فان زيادا قد استخدم جميع الوسائل لإثبات نسبه وإلحاقه بالعنصر الأموي فقد كتب إلى عائشة رسالة افتتحها بقوله : « من زياد بن أبي سفيان » وقد ظن أنها ستقر نسبه فيتخذ من ذلك دليلا يستدل به على صحة نسبه ، ولم يخف ذلك على عائشة فقد أجابته « من عائشة أم المؤمنين إلى ولدها زياد »(١) وقد خاب بذلك سعيه ، وباء بالفشل والخزي ، ولما ولي الكوفة قال لأهلها :

ـ قد جئتكم في أمر ما طلبته إلا لكم.

ـ أدعنا إلى ما شئت.

ـ تلحقون نسبي إلى معاوية.

فاعلن الأحرار والمؤمنون عدم إجابتهم له قائلين :

« أما بشهادة الزور فلا!! »(٢) .

لقد أبت العرب من أن تلحق هذا الدعي بها ، ولكن السلطة الأموية سجلته في ديوان قريش ، وظل على هذا الحال هو وأبناؤه ولما انقرضت الدولة الأموية وجاءت دولة بني العباس الغى الخليفة المهدي هذا الاستلحاق وأمر باخراج آل زياد من ديوان قريش ومن العرب وذلك في سنة ١٥٩ هج وبذلك فقد عادت ذرية زياد إلى جدها الأول عبيد الرومي.

__________________

(١) النصائح ص ٥٨.

(٢) الطبري ٦ / ١٢٣.

١٨٤

١٥ ـ عماله وولاته :

وعانت الشعوب الإسلامية في أيام معاوية ألوانا مريعة من المحن والخطوب لأن الحكم القائم فيها مبني على العنف والجبروت ، وعلى البطش والإرهاق ، واستنزاف الثروات ، وعلى التنكر لجميع القيم الإنسانية ، حتى ضج المجتمع من الظلم والجور والاستبداد ، فلم تبق حاضرة من الحضّر الإسلامية إلا عمها الخوف ، وساد فيها الإرهاب والاضطراب.

ومن مظاهر ذلك الظلم الاجتماعي أن معاوية سلط على المسلمين حثالة من شذاذ الجلادين والسفاكين ، فاسرفوا في سفك الدماء ، وعمدوا إلى نهب امكانيات البلاد ، وحكموا البلاد حكما كيفيا يستند إلى الأهواء والشهوات فلا عهد له بالدعة والعدل ، وقد وصف الخوارج قسوة ذلك الحكم ومدى شذوذه وجوره ، فقالوا : « إن بني أميّة فرقة بطشهم بطش الجبارين ، يأخذون بالظنة ويقضون بالهوى ، ويقتلون على الغضب »(١) .

وهو وصف دقيق للسياسة الأموية الجائرة التي انتهجت منهج الشدة في جميع مجالاتها ، فلم تؤمن بحقوق الإنسان ، ولا بكرامته ، واستحقاقه الحياة ، فكانت تسوق المواطنين إلى المجازر والسجون ، وتقضي بالهوى والشهوات ، فلا تستند فى حكمها إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وتقتل على الغيظ والغضب في سبيل مصالحها وأهدافها الضيقة.

وقد عبر عمرو بن العاص وزير معاوية ، وو الى مصر عما يكنه في نفسه الشريرة من الاستهتار والاستهانة بحقوق المسلمين ، فقال : « إنما السواد بستان لقريش » إن السواد الذي هو ملك للمسلمين ، وسائر الشؤون الاقتصادية

__________________

(١) البيان ١ / ٩٥.

١٨٥

الأخرى فى رأيه ملك لقريش ، وأي حق لها في ذلك وهي التي ناجزت النبي (ص) وأعلنت الحرب على أهدافه ومبادئه ، ووقفت صامدة تدافع عن جاهليتها وأوثانها ، فأي حق لها بأموال المسلمين ، وأي حق لها في السيطرة على شئونهم.

وعلى أي حال فان كسرى العرب ـ كما يقولون ـ قد مكن المجرمين والسفاكين من رقاب المسلمين ، فاسند لهم الحكم المطلق ، يتصرفون فى العباد والبلاد كيفما شاءوا ، قد أقر جورهم ، وأمضى ظلمهم ، وحمى جانبهم فقاموا بدورهم على استعباد المسلمين وإذلالهم وإرهاقهم ، ونذكر عرضا موجزا من تراجم هؤلاء السفاكين مع بيان بعض ما صدر منهم من الأعمال البربرية ، وإلى القراء ذلك :

١ ـ سمرة بن جندب :

ومن سماسرة معاوية وأعوانه على نشر الظلم والجور سمرة بن جندب الشقي الأثيم ، فقد سودت جرائمه وجه التأريخ وصحائف السير ، وقبل التحدث عن سيرته فى زمن ولايته من قبل السلطة الأموية نذكر ـ بايجاز ـ سيرته أيام النبيّ (ص) ، لقد كان هذا الوغد في زمان النبيّ معروفا بالنفاق والتمرد ، فقد ذكر الرواة انه زاحم أحد الأنصار في نخل ـ وما أهونها ـ كانت له في بستان ذلك الأنصاري فشكا أمره إلى رسول الله (ص) فاستدعى سمرة فلما مثل بين يديه قال (ص) له :

« بع نخلك من هذا وخذ ثمنه ».

ـ لا أفعل.

ـ خذ نخلا مكان نخلك.

ـ لا أفعل.

١٨٦

ـ فاشتر منه بستانه.

ـ لا أفعل.

ـ فاترك لي هذا ولك الجنة.

ـ لا أفعل.

ولما رأى رسول الله (ص) عناد سمرة وشره وخبثه وضراوته وإضراره للأنصاري التفت (ص) ـ والاستياء بادي عليه ـ إلى الأنصاري قائلا :

« اذهب فاقطع نخله فانه لا حق له فيه »(١) .

وتدل هذه القصة على تمادي سمرة فى الأثم والشقاء ، وانعدام الانسانية والمثل الكريمة من نفسه فقد ترجاه سيد النبيين وأشرف المخلوقين في حسم النزاع والخصومة ، وضمن له عوض تلك النخيلات الزهيدة بقعة في الفردوس مقر الأنبياء والصالحين يتنعم فيها فلم يجبه وأصر على تمرده وعصيانه فحرم نفسه السعادة ورضى لها بالشقاء ، ومن موبقات سمرة ومردياته انه كان يبيع الخمر بعد ما حرمها الإسلام فبلغ عمر بن الخطاب ذلك فقال :

« قاتل الله سمرة ان رسول الله قال لعن الله اليهود حرمت عليهم

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٣٦٣ وذكر الزمخشري في الفائق ان رسول الله قال لسمرة انك رجل مضار لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ، وفي رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) أن رسول الله (ص) قال للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار ، وادعى فخر المحققين في الايضاح في باب الرهن تواتر هذا الحديث ، والتواتر المدعى أما اجمالي أو معنوي ، وأما اللفظى فغير حاصل نظرا لاختلاف اللفظ في نقل الحديث وقد بسطنا الكلام في هذه القاعدة في الجزء الثالث من مؤلفنا ( إيضاح الكفاية ).

١٨٧

الشحوم فباعوها »(١) هذا وضع سمرة في غلظته وجفائه وتمرده ولما آل الأمر إلى معاوية استعمله زياد على البصرة نائبا عنه فاسرف في قتل الأبرياء وإزهاق الأنفس بغير حق فقد حدث محمد بن سليم قال سألت أنس بن سيرين(٢) :

« هل كان سمرة قتل أحدا؟ ».

فاندفع أنس بحرارة والتأثر بادى عليه قائلا :

« وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له ( يعني زيادا ) « هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا!! ».

فانبرى الأثيم معلنا عدم اهتمامه باراقة دماء المسلمين قائلا :

« لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت »(٣) .

وقال أبو سوار العدوي(٤) : قتل سمرة من قومى في غداة سبعة

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٢٥ وفي رواية الزمخشري في « الفائق » قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها « أي أذابوها فباعوها ».

(٢) أنس بن سيرين الأنصاري ولد لسنة أو لسنتين بقيتا من خلافة عثمان روى عن جماعة من الصحابة وروى عنه جماعة. قال ابن معين وغيره إنه ثقة وقال ابن سعد إنه ثقة قليل الحديث وقال العجلى تابعي ثقة مات سنة « ١١٨ هج » وقيل مات سنة « ١٢٠ هج » جاء ذلك في تهذيب التهذيب « ١ / ٣٧٤ ».

(٣) الكامل ٣ / ١٨٣ الطبري ٦ / ١٣٢.

(٤) أبو سوار العدوي : قيل اسمه حسان بن حريث وقيل حريث بن حسان وقيل منقذ روى عن أمير المؤمنين «ع» وعن الإمام الحسن وروى عنه جماعة آخرون قال ابن سعد كان ثقة وعن أبي داود انه من ثقات الناس وقال النسائي في الكنى ـ

١٨٨

وأربعين رجلا قد جمع القرآن(١) . وحدّث عوف عن اجرام سمرة قال : أقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بنى أسد خرج رجل من بعض أزقتهم ففاجأ أول القوم فحمل عليه رجل فاوجره الحربة « عبثا وعتوا » قال ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة وهو متشحط بدمه فقال :

« ما هذا؟ ».

« أصابته أوائل خيل الأمير!! ».

فقال « عتوا واستكبارا » : « إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا(٢) وكان هذا الطاغي الظامئ إلى إراقة الدماء يقتل على الظنة والتهمة فقيل له :

« يا سمرة : ما تقول لربك غدا؟ تؤتى بالرجل فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله ، ثم تؤتى بآخر فيقال لك ليس الذي قتلته بخارجي إنما وجدناه ماضيا في حاجته فشبه علينا وإنما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني!! »

فأجاب سمرة عما انطوت عليه نفسه من الوحشية والإجرام وما طبع عليه من الزيغ والضلال قائلا :

« وأي بأس في ذلك؟!! إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة وإن كان من أهل النار مضى إلى النار »(٣) .

وحدث الحسن البصري قال جاء رجل من أهل خراسان إلى البصرة فزكى مالا كان معه في بيت المال ، وأخذ براءة ثم دخل المسجد فصلى ركعتين ، فأخذه سمرة واتهمه برأي الخوارج فقدمه فضرب عنقه فنظروا

__________________

ـ ابو السوار حسان بن حريث العدوي ثقة جاء ذلك في تهذيب التهذيب ١٢ / ١٢٣.

(١) تأريخ الطبري ٦ / ١٣٢ وغيره.

(٢) الكامل ٣ / ١٨٣ وذكره الإمام شرف الدين في الفصول المهمة ( ص ١٢٢ ).

(٣) ابن أبي الحديد ١ / ٣٦٣.

١٨٩

فيما معه فاذا البراءة ـ أي البراءة من فكرة الخوارج ـ بخط بيت المال فاندفع أبو بكرة نحو سمرة وهو منكر عليه قائلا :

« يا سمرة أما سمعت الله تعالى يقول : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى؟ ».

فقال سمرة : « أخوك ( يعني زيادا ) أمرني بذلك »(١) .

وبقى سمرة ملازما لزياد فلما هلك صار بخدمة الأثيم الوغد ابنه ( عبيد الله ) فكان مديرا لشرطته واشترك معه في أفظع جريمة سجلها التأريخ وهي : قتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول (ص) الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام فكان يحرض الناس على حربه والخروج إلى قتله(٢) ومن اجرامه وموبقاته انه جيء إليه بجمهور من المسلمين فكان يقول للرجل ما دينك؟ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، واني بريء من الحرورية ، فيأمر به فتضرب عنقه حتى أعدم في جلسة واحدة ما يزيد على عشرين مسلما(٣) وما فعل سمرة هذه الموبقات إلا إرضاء لمعاوية وقد قال بعد ما عزله عن ولاية البصرة : « لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا »(٤) .

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد.

(٢) شرح ابن أبي الحديد.

(٣) النصائح ص ٥٤.

(٤) نفس المصدر ، والعجب من البخاري حيث أخذ بأقوال سمرة واعتمد على حديثه في ٨ / ١٣٨ وبموجب هذه الأعمال التي ذكرتها رواة الأثر يجب أن يعد من جملة المارقين عن الدين ولا تؤخذ رواياته وأخباره ولكن قاتل الله العصبية فانها القت الناس فى شر عظيم ، وحرفتهم عن الطريق القويم.

١٩٠

ومهما يكن من شيء فان هذه الفظائع التي صدرت من سمرة تدل نفس تجردت منها الإنسانية والرحمة وتمادت فى العقوق والإجرام والشر.

٢ ـ بسر بن ارطاة :

ومن ولاة معاوية وأعوانه على تحقيق الظلم والجور والعسف والإرهاب بسر بن ارطاة الوغد الأثيم الذي فعل الأفاعيل المنكرة فقتل الشيوخ الركع وذبح الأطفال الرضع لتدعيم ملك معاوية وسلطانه ، فانه لما وجهه معاوية مع جيشه إلى اليمن فعل الأفاعيل المنكرة التي لم يشاهد التأريخ نظيرا لها في فظاعتها وقسوتها ، وقبل أن يتوجه هذا الأثيم إلى مهمته استدعاه معاوية فزوده بوصيته النارية التي احتوت على ترويع المسلمين وقتلهم وهذا نصها :

« سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس وأخف من مررت به وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل فى طاعتنا فاذا دخلت المدينة فارهم أنك تريد أنفسهم واخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم ثم سر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد وارهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة واجعلها شرودات حتى تأتي صنعاء والجند فان لنا بها شيعة وقد جاءني كتابهم »(١) .

وقد امتثل هذا المجرم وصية ابن هند فروع المسلمين وأدخل الفزع والخوف فيهم وأشاع القتل والفساد في الأرض ، فقد سبى نساء همدان وأقمن في الأسواق فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت فكن أول مسلمات سبين في الإسلام(٢) واجتاز على قوم واقفين على بئر لهم فالقاهم مع غلمانهم

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ١١٧.

(٢) الإستيعاب ١ / ١٦٥ العلم الشامخ ص ٥٧٠.

١٩١

في تلك البئر(١) ثم ولى عنهم وزحف إلى يثرب فدخلها بغير حرب وصعد المنبر فاعرب عن طغيانه وكفره قائلا : « والله لو لا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها ( يعنى المدينة ) محتلما » واستقام فيها شهرا فهدم دور أهلها وجعل يستعرض الناس فلا يقال له عن أحد أنه شرك في دم عثمان إلا قتله ثم زحف بجيشه إلى اليمن فقتل جمهورا غفيرا. شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام وطلب طفلين لعبيد الله بن العباس فلما ظفر بهما أمر بقتلهما فقام إليه رجل من كنانة فقال له :

« على م تقتل هذين؟ ولا ذنب لهما ، فان كنت قاتلهما فاقتلني »

فأمر بقتل الكناني ثم قتل الطفلين ، فانبرت إليه امرأة من كنانة وقد طاش لبها من هذا العمل الفظيع فقالت بنبرات تقطر ألما وحزنا :

( يا هذا قتلت الرجال ، فعلى م تقتل هذين والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام ، والله يا ابن أبي أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء )(٢) .

نعم والله إن سلطة معاوية لسلطة سوء فقد قامت على الظلم والجور وأسست على إراقة الدماء وإدخال الرعب والفزع في نفوس الأبرياء.

وذكر الرواة أن هذا الأثيم قتل ثلاثين ألفا من المسلمين عدا من

__________________

(١) النصائح ص ٥٤.

(٢) الكامل ٣ / ١٩٤ الطبري ٦ / ٨٠ وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٢٠ أن بسرا التفت إلى نسوة كنانة فقال لهن : والله لهممت أن أضع فيكن السيف ، فقالت له : الناقدة لجوره : ( والله لأحب إلي إن فعلت ) ثم زحف هذا المجرم إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخ من أبناء فارس لأن ابني عبيد الله بن العباس كانا متسترين في بيت امرأة من أبنائهم تعرف بابنة بزرج.

١٩٢

أحرقهم بالنار(١) .

٣ ـ أبو هريرة :

كان شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي ذليل الجانب محطم الكيان نشأ في صباه ، وهو عاشق للهرة ، مولع بحبها حتى لقب بها(٢) قضى شطرا من حياته وهو بائس فقير معدم يعيش على التسول فان لم يجده كان خادما فى البيوت يستأجر نفسه لشبع بطنه(٣) راضيا بهذه الضعة والهوان ، ولما انبثق نور الإسلام دخل فيمن دخل في الإسلام فكان على وضعه الأول من الفقر والبؤس وقد أدرج نفسه بفقراء الصفة(٤) يعيش بفضلات البيوت وصدقات المسلمين ، وقد وصف فقره وسوء حاله فقال : « كنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة »(٥) وكان يتصل برسول الله (ص) ليشبع بطنه ويسد خلته(٦) وهكذا بقى على هذا الحال المرير حفنة من السنين وهو جائع عريان لا مأوى له ولا مال فلما انتهى أمر الخلافة إلى عمر تفضل عليه

__________________

(١) ابن أبي الحديد ١ / ١٢٠.

(٢) المعارف ١ / ٩٣ وجاء فيه أن أبا هريرة كان يقول : ( وكنيت بأبي هرة بهرة صغيرة كنت العب بها ) ولغرامه بالهرة وهيامه بحبها حدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ) ذكره البخاري فى صحيحه ٢ / ١٤٩.

(٣) الإصابة ٤ / ٢٠٧ وذكره أبو نعيم في الحلية وابن سعد في الطبقات.

(٤) الصفة : موضع مظلل من مسجد النبيّ (ص) كان أضياف الاسلام يبيتون بها ، ذكر ذلك الفيروزآبادي في ( القاموس ) في مادة الصف.

(٥) صحيح البخاري ٢ / ١.

(٦) الإصابة ٤ / ٢٠٤.

١٩٣

فأنقذه من هوة الفقر وحضيض البؤس فاستعمله واليا على البحرين سنة احدى وعشرين من الهجرة فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله لأنه ظهرت منه الخيانة ، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه ما اختلسه من أموال المسلمين فقال له :

« علمت أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغنى أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار ».

فقال أبو هريرة وقد استولى عليه الخوف :

« يا أمير المؤمنين ، كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت ».

فقال له عمر وهو ثائر غضبان : « حسبت لك رزقك ومئونتك وهذا فضل فأده ».

ـ ليس لك ذلك.

ـ بلى والله وأوجع ظهرك.

ثم قام عليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، ولما أخذ الألم منه مأخذا عظيما وافق على إرجاعها وقال :

« ائت بها وأحتسبها عند الله ».

فانبرى إليه عمر مبطلا زعمه في هذا الاحتساب قائلا :

« ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت بك أميمة(١) إلا لرعية الغنم ».

ثم أخذ الأموال التي اختلسها(٢) ورجع أبو هريرة إلى حاله الأول

__________________

(١) الرجع والرجيع : العذرة والروث ( أميمة ) أم أبى هريرة.

(٢) العقد الفريد ١ / ٢٥.

١٩٤

قابعا في زوايا الخمول قد وصم بالخيانة والاختلاس ولما انتهى الأمر إلى عثمان انضم إليه وصار من أعوانه وأخذ يفتعل الأحاديث في فضله ، فقال قال رسول الله (ص) :

« إن لكل نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان »(١) .

« لكل نبى رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان »(٢) .

إلى غير ذلك من الأحاديث التي زورها على رسول الله (ص) فى فضل عثمان والأمويين ، ولما انتفضت الأمة على عثمان وقتلته لسوء تصرفاته وعدم تدبيره ، وصارت الخلافة إلى أمير المؤمنين (ع) رجع أبو هريرة إلى الذبول بعد النضارة ، فهاجر من يثرب إلى دمشق فعقد صلته بمعاوية وأخذ يتزلف إليه ويعمل في إرضائه بكل طريق وجعل يروي لأهل الشام عن رسول الله قائلا لهم إن رسول الله (ص) قال :

« إن الله ائتمن على وحيه ثلاثا أنا وجبرئيل ومعاوية!! ».

وقال لهم : « إن النبي (ص) ناول معاوية سهما ، فقال له : خذ هذا السهم حتى تلقاني في الجنة »(٣) .

وهكذا أخذ أبو هريرة يفتعل الحديث تلو الحديث في فضل معاوية والأمويين والصحابة يتقرب بذلك إلى معاوية لينال من دنياه وقد أغدق

__________________

(١) ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة اسحاق بن نجيح وجزم ببطلانه

(٢) أورده الذهبى في ميزان الاعتدال في ترجمة عثمان بن خالد وعده من منكراته.

(٣) رواهما الخطيب البغدادي في تأريخه وأثبتهما سماحة الإمام شرف الدين من الموضوعات في كتابه ( أبو هريرة ) ص ٢٧.

١٩٥

عليه بالأموال الطائلة ورفع من شأنه فكساه الخز والبسه الكتان المشيق(١) ولما كان عام الجماعة قدم مع معاوية إلى العراق فلما رأى كثرة المستقبلين له جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مرارا وقال :

« يا أهل العراق ، أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله ، وأحرق نفسي بالنار؟!! والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : إن لكل نبي حرما ، وان المدينة حرمى فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد أن عليا أحدث فيها ».

فلما بلغ معاوية ذلك أجازه وأكرمه ، وولاه إمارة المدينة(٢) لقد استحق أبو هريرة هذا المنصب العظيم لأنه افتعل الحديث ضد أمير المؤمنين تقربا لمعاوية ، وسعيا وراء منافعه وأطماعه.

لقد فتك شيخ المضيرة بالإسلام فتكا ذريعا بسبب رواياته المفتعلة التي شوهت الشريعة الإسلامية ، والصقت بها الخرافات والأوهام ، وأضافت الى الدين ما ليس منه ، وشتّت شمل المسلمين ، وتركتهم أشياعا وأحزابا مختلفين في أصول الدين وفي فروعه وفي كل شيء ، وقد بحث سماحة الإمام المغفور له شرف الدين عن موضوعات أبي هريرة في كتابه الخالد « أبو هريرة » وكذلك تناوله بالنقد سماحة العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية في كتابه « شيخ المضيرة » وأثبت أنه في طليعة الوضاعين والمحرفين للسنة الاسلامية المقدسة ، والمسلمون في أمس الحاجة إلى أمثال هذه البحوث الحرة التي تكشف الغطاء عن هؤلاء الدجالين الذين لم يألوا جاهدا فى الكيد للإسلام ، والبغي للمسلمين بما وضعوه من الروايات التي لا واقعية ولا نصيب

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١٧٥.

(٢) ابن أبي الحديد ١ / ٣٥٨.

١٩٦

لها من الصحة.

٤ ـ زياد بن أبيه :

ومن أخطر ولاة معاوية وأكثرهم جورا وظلما زياد بن أبيه ، فقد ذكر الرواة أنه أول من شدد السلطة ، وأكد الملك لمعاوية فجرد سيفه ، وأخذ بالظنة ، وعاقب على الشبهة(١) وهو أول من مشى بين يديه بالأعمدة الحديدية ، وأول من جلس الناس بين يديه على الكراسي ، وأول من اتخذ العسس والحرس(٢) وقد زاد معاوية في ربقة سلطانه فولاه البصرة والكوفة وسجستان وفارس والسند والهند(٣) .

وقد ارتطمت هذه الأقطار الاسلامية الخاضعة لنفوذه بالبلاء والمحن والشقاء وعم فيها الهرج والمرج وانتزعت منها جميع الحريات واضطربت أفكار أهلها بالخوف والفزع من تلك السلطة الجائرة التي لم تعرف الرحمة والرأفة ، فقد أخذت بالظنة والتهمة وقطعت الأيدي والأرجل ، وسملت الأعين ، حتى خيم الموت على جميع الأحرار والنبلاء وبلغت الشدة والصرامة في الحكم إلى حد لا سبيل إلى تصويره ، وقد عبر زياد عن سياسته العمياء وخطته الارهابية في خطبته البتراء(٤) فقد جاء فيها :

« وإني اقسم بالله لآخذن الولى بالولى ، والمقيم بالظاعن ، والمقبل بالمدبر ، والصحيح منكم بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : أنج سعد فقد هلك سعيد ».

__________________

(١) الكامل ١٠ / ١٨٣.

(٢) صبح الأعشى ١ / ٤١٦.

(٣) الطبري ٦ / ١٣٤.

(٤) إنما سميت خطبة زياد بالبتراء لأنه لم يحمد الله فيها.

١٩٧

ومنها :

« وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة فمن غرق قوما غرقناه ، ومن حرق على قوم حرقناه ، ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه ، ومن نبش قبرا دفنته حيا. ثم قال : وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي »(١) .

ومعنى هذا الخطاب أن ما بينه الله ورسوله للمسلمين من الحدود لم يكن في رأي زياد كافيا لحمل أهل البصرة والكوفة على الجادة والرجوع بهم إلى الصراط المستقيم ، فالاسلام لا يغرق من أغرق ، ولا يحرق من أحرق ولا ينقب عن قلب السارق وإن نقب عن البيوت والاسلام لا يدفن الناس في القبور أحياء وإن نبشوا عن الموتى في قبورهم والاسلام لا يقيم الحدود بالشبهة وإنما يدرؤها بها فهذا من التشريع في الدين وهو أقل ما قام به زياد من الموبقات ، إن هذه السياسة المنكرة التي أعلنها زياد لم يعرفها المسلمون ولم يألفوها ، وقد دلت على أن صاحبها طاغية يريد أن يحكم الناس بالبغي ويملأ قلوبهم رعبا ورهبا ويغتصب منهم الطاعة والخضوع للسلطان اغتصابا

لقد قضت سياسة زياد الملتوية بأخذ الصحيح بذنب السقيم والمقبل بذنب المدبر وهو حكم كيفي يبرأ من العدل والرحمة ، وحينما القى خطابه القاسي قام إليه أبو بلال مرداس بن أدية وهو يهمس ويقول :

« أنبأنا الله بغير ما قلت قال الله عز وجل( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (٢) ( أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٣) ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ

__________________

(١) الكامل ٣ / ٢٢٦.

(٢) سورة النجم آية ٣٧.

(٣) سورة النجم آية ٣٨.

١٩٨

ما سَعى ) (١) فأوعدنا الله خيرا مما وعدت يا زياد.

فانبرى إليه زياد قائلا بنبرات تقطر غضبا وانتقاما :

« إنا لا نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيلا حتى تخوض إليها الدماء »(٢)

وسار زياد على هذه الخطة الارهابية الجائرة التي تحمل شارات الموت والاعدام لجميع الأحرار والمفكرين حتى ضرب الرقم القياسي للسلطة الجائرة وقد بلغ به الاجرام أنه كان يقتل بعض النفوس وهو يعلم ببراءتها وعدم تدخلها واشتراكها فى أي أمر من الأمور السياسية ، فقد قبضت شرطته على أعرابي فجيء به مخفورا إليه فقال له زياد :

ـ هل سمعت النداء؟.

ـ لا والله ، قدمت بحلوبة لي ، وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع فأقمت لأصبح ، ولا علم لي بما كان من الأمير.

ـ أظنك والله صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة.

ثم أمر به فضربت عنقه صبرا(٣) من دون أن يقترف أي ذنب ، وهكذا كان زياد يلغ فى دماء المسلمين ، لا حرمة لها عنده ، ولا حريجة له في سفكها ، وقد بالغ هذا الوغد الأثيم فى سفك دماء شيعة آل محمد (ص) فقتلهم تحت كل كوكب ، وتحت كل حجر ومدر ، وقطع الأرجل والأيدي منهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، وسمل أعينهم ، وطردهم وشردهم(٤) ففي ذمة الله تلك الدماء الزكية التي سفكت ، والنفوس الكريمة

__________________

(١) سورة النجم آية ٣٩.

(٢) الطبري ٦ / ١٣٥.

(٣) الطبري ٦ / ١٣٥.

(٤) ابن أبي الحديد ٣ / ١٥.

١٩٩

التي روعت ، والنساء التي رملت ، والأطفال التي يتمت.

هؤلاء بعض ولاة معاوية وجلاديه الذين سلطهم على الأمة الاسلامية فذبحوا أبناءها ، واستحيوا نساءها ، ونهبوا ثرواتها ، وعمدوا إلى اشاعة المنكرات والفساد فيها.

الجور الشامل :

وعمد ولاة ابن هند إلى نشر الجور والظلم في جميع أنحاء البلاد فكانت دوائرهم مصدرا للقلق والاضطراب وبابا من أبواب البلاء على الناس فما راجعها أحد إلا اكتوى بنارها ، يقول عبد الملك في وصفها : « أنعم الناس عيشا من له ما يكفيه ، وزوجة ترضيه ، ولا يعرف أبوابنا الخبيثة فتؤذيه »(١) .

لقد بالغ الولاة فى ظلم المواطنين واضطهادهم فأخذوا ينهبون الاموال بغير حق ، ويشددون في أمر الخراج ، ويرغمون الناس على أدائها يقول « فان فلوتن » « وبدل أن يتخذ الخلفاء ـ أي ملوك الأمويين ـ التدابير لمحاسبة الولاة ، ومنعهم من الظلم نجدهم يقاسمونهم فى فوائدهم من الأموال التي جمعوها بتلك الطرق المفضوحة ، وهذا معناه رضى الخلفاء بسوء تصرف العمال مع أهل البلاد بالاضافة إلى أنه دليل على أن بعضهم كان يهمه مصالح الخزينة المركزية بالدرجة الأولى »(٢) .

ان معاوية وسائر ملوك بنى أمية لم يحاسبوا واليا من ولاتهم ، ولم يمنعوهم من الظلم والاعتداء على الناس ، يقول عاقبة بن هبيرة الأسدي لمعاوية

__________________

(١) الكامل ١٠ / ١٨٣.

(٢) السيادة العربية : ص ٢٨.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529