حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218115 / تحميل: 6651
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ولاية علي بن مسلم على الموصل ثم انتزاعها منه وانقراض أمر بني المسيب من الموصل:

ولما قتل إبراهيم وملك تُتُش الموصل ولّى عليها علي بن أخيه مسلم بن قريش، فدخلها مع أمه صفية عند ملك شاه، واستقرت هي وأعمالها في ولايته، وسار تُتُش إلى ديار بكر فملكها، ثم إلى أذربيجان فاستولى عليها. وزحف إليه بركيارق وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تُتُش، وقام بمكانه ابنه رضوان وملك حَلب وأمره السلطان بركيارق بإطلاق كربوقا فأطلقه. واجتمعت عليه رجال، وجاء إلى حران فملكها، فكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه توران بن وهيب وأبو الهيجاء الكردي يستنصرونه على علي بن مسلم بن قريش بالموصل، فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين فملكها. ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه ورجع إلى مدينة بلد. وقتل بها محمد بن مسلم غريقاً، وعاد إلى حصار الموصل، واستنجد علي بن مسلم بالأمير جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر، فسار إليه منجداً له، وبعث كربوقا إليه عسكراً مع أخيه ألتوتناش، فرده مهزوماً إلى الجزيرة، فتمسك بطاعة كربوقا وجاء مدداً له على حصار الموصل، واشتد الحصار بعلي بن مسلم، فخرج من الموصل ولحق بصدقة بن مزيد بالحلَّة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار تسعة أشهر. وانقرض ملك بني المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده.

ما جاء من أخبارهم بتاريخ أبي الفداء الجزء الثالث:

في هذه السنة (٣٨٠) استولى أبو الذوّاد محمد بن المسيب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر أمير بني عقيل على الموصل، وقتل أبا الطاهر ابن ناصر الدولة بن حمدان، وقتل أولاده وعدة من قواده بعد قتال جرى بينهما واستقر أمر أبي الذوّاد بالموصل.

وفي سنة ٣٨٦ مات أبو ذَوّاد بن المسيب أمير الموصل وولي بعده أخوه المقلَّد بن المسيب.

وفي سنة ٣٩١ قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب بن رافع بن

٢٢١

المقلَّد بن جعفر بن عمر بن مهنا بن يُزَيدْ (بالتصغير) بن عبد الله بن زيد من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي، وكان المقلَّد المذكور أعور، وأخوه أبو الذوّاد محمد بن المسيب هو أول من استولى منهم على الموصل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة. واستمر مالكها حتى قتل في هذه السنة، قتله مماليكه التُّرك بالأنبار وكان قد عظم شأنه، ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلَّد بن المسيب. وفي هذه الصفحة في حوادث سنة ٣٩٢ جرى بين قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب انتصر فيها قرواش، ثم انتصر عسكر بهاء الدولة.

وفي حوادث سنة ٤١١ في الموصل قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد على وزيره أبي القاسم المغربي، ثم أطلقه فيما بعد وقبض أيضاً على سليمان بن فهد، وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد، ثم صعد إلى الموصل وخدم المقلَّد بن المسيب والد قرواش، ثم نظر في ضياع قرواش فظلم أهلها، ثم سخط قرواش عليه وحبسه، ثم قتله وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي:

ولـيل كـوجه البرقعيدي مظلم وبـرد أغـانيه وطـول قرونه

سـريت ونومي فيه نوم مشرد كـعقل سـليمان بن فهد ودينه

عـلى أولـق فـيه التفات كأنه أبـو جـابر في خطبه وجنونه

إلـى أن بدا نور الصباح كأنه سنى وجه قرواش وضوء جبينه

وكان من حديث هذه الأبيات أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية، وكان عنده المذكورون، وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش وسليمان بن فهد الوزير المذكور، وأبو جابر وكان حاجباً لقرواش. فأمر قرواش الزمكدم أن يهجو المذكورين ويمدحه فقال هذه الأبيات البديهية.

في حوادث سنة ٤٢٥ وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد صاحب نصيبين فقصد ولده قريش عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين واستقر قريش بها.

في حوادث سنة ٤٣٧ قتل عيسى بن موسى لهَمَذاني صاحب أربل،

٢٢٢

قتله ابنا أخ له وملكا قلعة أربل، وكان لعيسى أخ آخر اسمه سلار بن موسى قد نزل على قرواش صاحب الموصل لوحشة كانت بين سلار وأخيه عيسى. فلما بلغه قتل أخيه سار قرواش إلى أربل ومعه سلار فملكها وتسلمها سلار وعاد قرواش إلى الموصل.

في حوادث سنة ٤٤٢ استولى أبو كامل بركة بن المقلَّد، على أخيه قرواش بن المقلَّد، ولم يبق لقرواش مع أخيه المذكور تصرف في المملكة وغلب عليها أبو كامل المذكور ولقبُه زعيم الدولة.

في حوادث سنة ٤٤٣ تُوفِّي بركة بن المقلَّد بن المسيب بتكريت، واجتمع العرب وكبراء الدولة على إقامة ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلَّد وكان بدران بن المقلَّد المذكور صاحب نصيبين، ثم صارت لقريش المذكور بعده. وكان قرواش تحت الاعتقال منذ اعتقله أخوه بركة مع القيام بوظائفه ورواتبه، فلما تولّى قريش نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتقله بها.

في حوادث سنة ٤٤٤ مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة، أو منيع قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي الذي كان صاحب الموصل، وكان محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحمل فدفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وقيل: إن ابن أخيه قريش بن بدران المذكور أحضر عمه قرواشاً المذكور من الحبس إلى مجلسه وقتله فيه. وكان قرواش من ذوي العقل وله شعر حسن منه:

لـلـه در الـنـائبات فـإنه صدأ القلوب وصيقل الأحرار

مـا كنت إلاَّ زبرة فطبعنني سيفاً وأطلق صرفهن غراري

وجمع قرواش المذكور بين أختين في نكاحه، فقيل له: إن الشريعة تحرم ذلك، فقال: وأي شيء عندنا تجيزه الشريعة. وقال مرة: ما برقبتي غير خمسة أو ستة قتلتهم من البادية، وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.

في حوادث سنة ٤٥٠ سار إبراهيم نيال بعد انفصاله عن الموصل إلى هَمَذان وسار طغرلبك من بغداد في أثر أخيه أيضاً إلى هَمَذان، وتبعه من كان ببغداد من التُّرك، فقصد البساسيري بغداد ومعه قريش بن بدران

٢٢٣

العقيلي في مائتي فارس، ووصل إليها يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام ونزل بمشرعة الزوايا. وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر، وأمر فأذّن بحي على خير العمل ثم عبر عسكره إلى الزاهر، وخطب بالجمعة الأُخرى من وصوله للمصري بجامع الرصافة أيضاً، وجرى بينه وبين مخالفيه حروب في أثناء الأسبوع. وجمع البساسيري جماعته ونهب الحريم، ودخل الباب النوبي فركب الخليفة القائم لابساً للسواد، وعلى كتفه البردة وبيده سيف وعلى رأسه اللواء، وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة وسرى النهب إلى باب الفردوس من داره، فلما رأى القائم ذلك رجع إلى ورائه، ثم صعد إلى المنظرة ومع القائم رئيس الرؤساء، وقال رئيس الرؤساء لقريش بن بدران: يا علم الدين أمير المؤمنين القائم يستذم بذمامك وذمام رسول الله وذمام العربية على نفسه وماله وأهل وأصحابه، فأعطى قريش بحضرته ذماماً، فنزل القائم ورئيس الرؤساء إلى قريش من الباب المقابل لباب الحَلبة وسارا معه، فأرسل البساسيري إلى قريش، وقال له: أتخالف ما استقر بيننا وتنقض ما تعاهدنا عليه، وكانا قد تعاهدا على المشاركة وأن لا يستبد أحدهما دون الآخر. ثم اتفقا على أن يسلم رئيس الرؤساء إلى البساسيري؛ لأنه عدوه ويبقى الخليفة عند قريش. وحمل قريش الخليفة إلى معسكره ببردته والقضيب ولوائه، ونهبت دار الخليفة وحريمها أياماً، ثم سلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس. وسار به مهارس والخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فنزل بها وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلـبك، وأما البساسيري فإنه ركب يوم عيد النحر إلى المصلّى بالجانب الشرقي وعلى رأسه ألوية خليفة مصر، وأحسن إلى الناس، ولم يتعصب لمذهب، وكانت والدة القائم باقية، وقد قاربت تسعين سنة، فأفرد لها البساسيري داراً وأعطاها جاريتين من جواريها، وأجرى لها الجِراية، وكان قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء، فأحضره من الحبس، فقال رئيس الرؤساء: العفو، فقال له البساسيري: أنت قدرت فما عفوت، وأنت صاحب طيلسان وفعلت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي. وجرى على رئيس الرؤساء أمور من التشهير الممقوت ما ندع ذكره، ومات تعذيباً وصلباً وأرسل البساسيري إلى المستنصر العلوي بمصر يعرِّفه بإقامة الخطبة له بالعراق، وكان الوزير هناك ابن أخي أبي القاسم المغربي، وهو ممن هرب

٢٢٤

من البساسيري. فبرَّد فعل البساسيري وخوف من عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بخلاف ما أمله. ثم سار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها. وأما طغرلبك فكان قد خرج عليه أخوه إبراهيم نيال وجرى بينه وبينه قتال، وآخره أن طغرلبك انتصر على أخيه إبراهيم نيال وأسره وخنقه بوتر، وكان قد خرج عليه مراراً وطغرلبك يعفو عنه، فلم يعف عنه في هذه المرة. وفي هذه السنة أعاد طغرلبك القائم إلى مقر ملكه وانتهى الأمر بقتل البساسيري.

في سنة ٤٥٢ تُوفِّي قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل ونصيبين، وكانت وفاته بنصيبين، وقام بالأمر بعده ابنه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش.

في سنة ٤٥٨ أقطع ألب ارسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل، الأنبار، وتكريت زيادة على الموصل.

في سنة ٤٧٧ سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش، ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك، وقيل: أكسب، والأول أصح جد الملوك لأرتقية، فانهزم شرف الدولة مسلم وانحصر في آمد ونزل الأمير أرتق على آمد فحصره، فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكِّنه من الخروج من آمد، فأذن له أرتق وخرج شرف الدولة من آمد في حادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة، فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به ثم سير السلطان عميد الدولة إلى الموصل، فاستولى عليها عميد الدولة، وهذا اقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي، ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى السلطان. فقدم شرف الدولة إليه وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيج وكان قد ذهبت أمواله فاقترض شرف الدولة مسلم ما خدم به السلطان وقدم إليه خيلاً من جملتها فرسه الذي نجا عليه في المعركة، وكان اسم الفرس بشّار، وكان سابقاً وسابق به السلطان الخيل، فجاء سابقاً فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب فرضي السلطان على مسلم وخلع عليه وأقرَّه على بلاده.

٢٢٥

في حوادث هذه السنة نفسها قال: لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية أرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فأنكر سليمان ذلك. وقال: إن صاحب أنطاكية كان نصرانياً فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية. ولم يعطه شيئاً، فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف أعمال أنطاكية، فانهزم عسكر مسلم، وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة، وقُتِل بين يدي أربعمائة غلام من أحداث حَلب. وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب أحول، واتسع ملكه، وزاد على ملك من تقدمه من أهل بيته، فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج، وديار ربيعة ومضر عن الجزيرة وحَلب وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل وغيرها. وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة بالأمر والعدل. ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس، فأخرجوه وملَّكوه، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج.

وأما قلعة حَلب فكان بها منذ قتل مسلم بن قريش سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وهو ابن عم شرف الدولة مسلم، فحاصر تُتُش القلعة سبعة عشر يوماً، فبلغه وصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه.

ولما قتل سليمان بن قطلومش مسلم بن قريش أرسل إلى ابن الْحُتَّيتي العباسي مقدم أهل حَلب يطلب منه تسليمها، فاستمهله إلى أن يكاتب السلطان ملكشاه، وأرسل ابن الْحُتَّيتي استدعى تُتُش إلى حَلب، وكان مع تُتُش أرتق بن أكسك؛ وقد فارق خدمة ملكشاه خوفاً من إطلاق مسلم بن قريش من آمد، وكان ابن الْحُتَّيتي قد كاتب السلطان ملكشاه في أمر حَلب فسار إليها من أصفهان في جمادى الآخرة، فملك في طريقه حران وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش. ثم سار إلى الرها فملكها وملك قلعة جعبر، ثم ملك منبج وسار إلى حَلب فلما قاربها رحل أخوه تُتُش عنها على البرية وتوجَّه إلى دمشق، ووصل السلطان إلى حَلب وتسلمها وتسلم القلعة من سالم بن مالك بن بدران العقيلي على أن يعوضه بقلعة جعبر

٢٢٦

فبقيت بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي.

سنة ٤٨٦ وفيها تحرك تُتُش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه، واتفق معه اقسنقر صاحب حَلب، وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية وبران صاحب الرها. وسار تُتُش ومعه اقسنقر فافتتح نصيبين عنوة ثم قصد الموصل، وكنا قد ذكرنا (أبو الفداء) في سنة سبع وسبعين وأربعمائة أنه لما قتل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب وغيرهما استولى على الموصل إبراهيم بن قريش أخو مسلم. ثم إن ملكشاه قبض على إبراهيم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأخذ منه الموصل، وبقي إبراهيم معه حتى مات ملكشاه، فأطلق إبراهيم وسار إلى الموصل وملكها. فلما قصد تُتُش في هذه السنة الموصل خرج إبراهيم لقتاله، والتقوا بالمضيّع من أعمال الموصل، وجرى بينهم قتال شديد انهزمت فيه المواصلة، وأخذ إبراهيم بن قريش أسيراً وجماعة من أمراء العرب، فقُتلوا وملك تُتُش الموصل، واستثاب عليها علي بن مسلم بن قريش وأمه صفية عمة تُتُش، وأرسل تُتُش إلى بغداد يطلب الخطبة فتوقفوا فيها. ثم سار تُتُش واستولى على ديار بكر.

في سنة ٤٨٩ بعد مقتل تُتُش سنة ٤٨٨ قصد كربوغا نصيبين، وبها محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش، فطلع محمد إلى كربوغا واستحلفه ثم غدر كربوغا بمحمد، وقبض عليه وحاصر نصيبين وملكها، ثم سار إلى الموصل وقتل في طريقه محمد بن مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب، وحصر الموصل وبها علي بن مسلم أخو محمد المذكور من حين استنابه بها تتش، فلما ضاق عليه الأمر هرب من الموصل إلى صدقة بن مزيد بالحلَّة بعد حصار تسعة أشهر.

سنة ٥١٩ وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب قلعة جعبر، وملكها بعده ابنه مالك بن سالم.

الجزء الثالث ص١٨ سنة (٥٤١) سار عماد الدين زنكي، ونزل على قلعة جعبر وحصرها وصاحبها علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وأرسل عسكراً إلى قلعة فنك وهي تجاور جزيرة ابن عمر، فحصرها أيضاً وصاحبها حسام الدين الكردي البشنوي.

٢٢٧

ولما طال على زنكي منازلة قلعة جعبر أرسل مع حسَّان البعلبكي الذي كان صاحب منبج يقول لصاحب قلعة جعبر: قل لي من يخلصك مني،فقال صاحب قلعة جعبر لحسَّان: يخلصني منك الذي خلصك من بلك بن بهرام بن أرتق، وكان بلك محاصراً منبج، فجاءه سهم قتله فرجع حسَّان إلى زنكي ولم يخبره بذلك فاستمر زنكي منازلاً قلعة جعبر، فوثب عليه جماعة من مماليكه وقتلوه في خامس ربيع الآخر من هذه السنة بالليل وهربوا إلى قلعة جعبر، فصاح من بها على العسكر وأعلموهم بقتل زنكي فدخل أصحابه إليه وبه رمق ودفن بالرقة.

سنة ٥٦٤ في هذه السنة ملك نور الدين محمود قلعة جعبر وأخذها من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وكانت بأيديهم من أيام السلطان ملكشاه، ولم يقدر نور الدين على أخذها إلا بعد أن أسر صاحبها مالك المذكور بنو كِلاب، وأحضروه إلى نور الدين محمود، واجتهد به على تسليمها فلم يفعل، فأرسل عسكراً مقدمهم فخر الدين مسعود بن أبي علي الزعفراني وردفه بعسكر آخر مع مجد الدين أبي بكر المعروف بابن الداية، وكان رضيع نور الدين وحصروا قلعة جعبر، فلم يظفروا منها بشيء وما زالوا على صاحبها مالك حتى سلمها وأخذ عنها عوضاً مدينة سروج بأعمالها والملوحة من بلد حَلب وعشرين ألف دينار معجلة وباب بزاعة.

ما جاء في كامل ابن الأثير من أوليتهم وأخبارهم

الجزء التاسع في سنة ٣٠٨ لما ملك أبو طاهر والحسين ابنا حمدان بلاد الموصل طمع فيها باذ وجمع الأكراد، فأكثر وممن أطاعه الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فنك، وكانوا كثيراً وكاتب أهل الموصل فاستمالهم فأجابه بعضهم، فسار إليهم ونزل بالجانب الشرقي فضعفا عنه. وراسلا أبا الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل واستنصراه، فطلب منهما جزيرة ابن عمر ونصيبين وبلداً غير ذلك. فأجاباه إلى ما طلب، وانتهى الأمر بانتصار الأميرين الحماديين بمناصرة أبي الذوّاد على باذ، فكانت هذه أول إمرة لبني عقيل في دولة بني حمدان.

في سنة ٣٨٠ لما انهزم أبو طاهر بن حمدان من أبي علي بن مروان

٢٢٨

سار إلى نصيبين في قلة من أصحابه وكانوا قد تفرقوا، فطمع فيه أبو الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، وكان صاحب نصيبين حينئذ، فثار بأبي طاهر، فأسره وأسر ولده وعدة من قوادهم، وقتلهم وسار إلى الموصل فملكها وأعمالها، وكاتب بهاء الدولة يسأله أن ينفذ إليه من يقيم عنده من أصحابه يتولّى الأمور. فسيَّر إليه قائداً من قواده وكان بهاء الدولة قد سار من العراق إلى الأهواز، وأقام نائب بهاء الدولة وليس له من الأمر شيء، ولا يحكم إلا فيما يريده أبو الذوَّاد.

في سنة (٣٨٢) كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، فملكها آخر سنة إحدى وثمانين، فاجتمعت عقيل وأميرهم أبو الذواد محمد بن المسيب على حربه، فجرى بينهم عدة وقائع ظهر من أبي جعفر فيها بأس شديد حتى أنه كان يضع له كرسياً بين الصفين ويجلس عليه. فهابه العرب، واستمد من بهاء الدولة عسكراً فأمده بالوزير أبي القاسم علي بن أحمد، وكان مسيره أول هذه السنة. فلما وصل إلى العسكر كتب بهاء الدولة إلى أبي جعفر بالقبض عليه، فعلم أبو جعفر أنه إن قبض عليه اختلف العسكر وظفر به العرب، فتراجع في أمره. وكان سبب ذلك أن ابن المعلم كان عدواً له، فسعى به عند بهاء الدولة فأمر بقبضه، وكان بهاء الدولة أذناً يسمع ما يقال له ويفعل به، وعلم الوزير الخبر، فشرع في صلح أبي الذوّاد وأخذ رهائنه والعود إلى بغداد فأشار عليه أصحابه باللحاق بأبي الذوّاد، فلم يفعل أنفة وحسن عهد فلما وصل إلى بغداد رأى ابن المعلم قد قُبِض وقُتِل وكُفِي شره. ولما أتاه خبر قبض ابن المعلم وقتله ظهر عليه الانكسار، فقال له خواصه: ما هذا الهم وقد كفيت شر عدوك، فقال: إن ملكاً قرب رجلاً كما قرب بهاء الدولة ابن المعلم، ثم فعل به هذا لحقيق بأن تخاف ملابسته. وكان بهاء الدولة قد أرسل الشريف أبا أحمد الموسوي رسولاً إلى أبي الذوّاد فأسره العرب ثم أطلقوه، فورد إلى الموصل وانحدر إلى بغداد.

سنة (٣٨٦) في هذه السنة ملك المقلَّد بن المسيب مدينة الموصل، وكان سبب ذلك أن أخاه أبا الذَّوّاد تُوفِّي في هذه السنة، فطمع المقلَّد في الإمارة فلم تساعده عقيل على ذلك، وقلدوا أخاه علياً؛ لأنه أكبر منه فشرع المقلَّد واستمال الديلم الذين كانوا مع أبي جعفر الحجاج بالموصل فمال

٢٢٩

إليه بعضهم، وكتب إلى بهاء الدولة يضمن منه البلد بألفي ألف درهم كل سنة، ثم حضر عند أخيه علي وأظهر له أن بهاء الدولة قد ولاه الموصل وسأله مساعدته على أبي جعفر؛ لأنه قد منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصل، فخرج إليهم كل من استماله المقلَّد من الديلم، وضعف الحجاج وطلب منهم الأمان فأمنوه ووعدهم يوماً يخرج إليهم فيه. ثم إنه انحدر في السفن قبل ذلك اليوم، فلم يشعروا به إلا بعد انحداره، فتبعوه فلم ينالوا منه شيئاً ونجا بماله منهم، وسار إلى بهاء الدولة ودخل المقلَّد البلد. واستقر الأمر بينه وبين أخيه على أن يخطب لهما ويقدِّم علي لكبره ويكون له معه نائب يجبي المال، واشتركا في البلد والولاية وسار علي إلى البر وأقام المقلَّد وجرى الأمر على ذلك مدة مديدة، ثم تشاجروا واختصموا وكان المقلَّد يتولّى حماية غربي الفرات من أرض العراق، وكان له ببغداد نائب فيه تهور، فجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة، فكتب إلى المقلَّد يشكو، فانحدر من الموصل في عساكره وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة حرب انهزموا فيها. وكتب إلى بهاء الدولة يعتذر وطلب إنفاذ من يعقد عليه ضمان القصر وغيره، وكان بهاء الدولة مشغولاً بمن يقاتله من عساكر أخيه، فاضطر إلى المغالطة، ومد المقلَّد يده فأخذ الأموال، فبرز نائب بهاء الدولة ببغداد وهو حينئذ أبو علي بن إسماعيل، وخرج إلى حرب المقلَّد، فبلغ الخبر إليه فأنفذ أصحابه ليلاً فاقتتلوا وعادوا إلى المقلَّد، فلما بلغ الخبر إلى بهاء الدولة بمجيء أصحاب المقلَّد إلى بغداد أنفذ أبا جعفر الحجاج إلى بغداد وأمره بمصالحة المقلَّد والقبض على أبي علي بن إسماعيل. فسار إلى بغداد في آخر ذي الحجَّة، فلما وصل إليها أرسله المقلَّد في الصلح، فاصطلحا على أن يحمل لبهاء الدولة عشرة آلاف دينار، ولا يأخذ من البلاد إلا رسم الحماية، ويخطب لأبي جعفر بعد بهاء الدولة، وأن يخلع على المقلَّد الخلع السلطانية،ويُلقَّب بحسام الدولة، ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين. واستقر الأمر على ذلك، وجلس القادر بالله له ولم يف المقلَّد من ذلك بشيء إلا بحمل المال، واستولى على البلاد ومد يده في المال وقصده المتصرفون والأماثل وعظم قدره.

سنة (٣٨٧): في هذه السنة قبض المقلَّد على أخيه علي؛ وكان سبب ذلك ما تقدم ذكره من الاختلاف الواقع بين أصحابهما واشتغل المقلَّد بما

٢٣٠

سبق بيانه بالعراق، فلما خلا وجهه وعاد إلى الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه، ثم خافه وعمل الحيلة في قبض أخيه، فأحضر عسكره من الديلم والأكراد، وأعلمهم أنه يريد قصد دقوقا وحلَّفهم على الطاعة، وكانت داره ملاصقة دار أخيه، فنقب في الحائط ودخل عليه وهو سكران فأخذه وأدخله الخزانة، وقبض عليه وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللحاق بتكريت قبل أن يسمع أخوه الحسن الخبر. ففعلت ذلك وخلصت، وكانت في الحلَّة التي له على أربعة فراسخ من تكريت وسمع الحسن الخبر، فبادر إلى الحلَّة ليقبض أولاد أخيه فلم يجدهم. وأقام المقلَّد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم، واجتمع عنده زهاء ألفي فارس، وسار الحسن إلى حلل أخيه ومعه أولاد أخيه علي وحرمه ويستنفرهم على المقلَّد، واجتمع معهم نحو عشرة آلاف وراسل المقلَّد يؤذنه بالحرب، فسار عن الموصل وبقي بينهم، فنزل واحد ونزل بإزاء العلث، فحضره وجوه العرب واختلفوا عليه، فمنهم من أشار بالحرب منهم رافع بن محمد بن مقن، ومنهم من أشار بالكف عن القتال وصلة الرحم منهم غريب بن محمد بن مقن، وتنازع هو وأخوه فبينما هم في ذلك قيل للمقلَّد: إنّ أختك رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك وقد جاءتك، فركب وخرج إليها، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه علياً ورد إليه ماله ومثله معه وأنزله في خيم ضربها له. فسر الناس بذلك، وتحالفا وعاد إلى حلته وعاد المقلَّد إلى الموصل، وتجهَّز للمسير إلى أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي؛ لأنه تعصب لأخيه علي وقصد ولاية المقلَّد بالأذى فسار إليه. ولما خرج علي من محبسه اجتمع العرب إليه، وأشاروا عليه بقصد أخيه المقلَّد فسار إلى الموصل، وبها أصحاب المقلَّد وامتنعوا عليه فافتتحها، فسمع المقلَّد بذلك فعاد إليه، واجتاز في طريقه بحلة أخيه الحسن، فخرج إليه ورأى كثرة عسكره، فخاف على أخيه علي منه، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر، وسار إلى أخيه علي، وقال له: إن الأعور يعني المقلَّد قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل، وأمره بإفساد عسكر المقلَّد، فكتب إليهم فظفر المقلَّد بالكتب، فأخذها وسار مجدِّاً إلى الموصل، فخرج إليه أخواه علي والحسن وصالحاه ودخل الموصل وهما معه. ثم خاف علي فهرب من الموصل ليلاً وتبعه الحسن وتردُّدت الرسل بينهم، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر، وبقوا كذلك

٢٣١

إلى سنة تسع وثمانين ومات علي سنة تسعين وقام الحسن مقامه، فقصده المقلَّد ومعه بنو خفاجة، فهرب الحسن إلى العراق وتبعه المقلَّد، فلم يدركه فعاد، ولما استقر أمر المقلَّد بعد أخيه علي سار إلى بلد علي بن مزيد الأسدي، فدخله ثانية والتجأ ابن مزيد إلى مهذّب الدولة، فتوسط ما بينه وبين المقلَّد. وأصلح الأمر معه، وسار المقلَّد إلى دقوقا فملكها ثم ملكها عليه جبريل بن محمد، ثم عادت إلى المقلَّد، ثم ملكها محمد بن عناز بعده، ثم أخذها بعده قرواش، ثم انتقلت إلى فخر الدولة أبي غالب ثم إلى جبريل وموصك بن جكويه من أمراء الأكراد، ثم قصدها بدران بن المقلَّد وأخذها منهما.

سنة (٣٩١): في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب العقيلي غيلة قتله مماليك له ترك. وكان سبب قتله أن هؤلاء الغلمان كانوا قد هربوا منه فتبعهم وظفر بهم وقتل منهم وقطع وأعاد الباقين، فخافوه على نفوسهم فاغتنم بعضهم غفلته وقتلوه بالأنبار. وكان قد عظم أمره وراسل وجوه العساكر ببغداد، وأراد التغلب على الملك، فأتاه الله من حيث لا يشعر. ولما قُتِل كان ولده الأكبر قرواش غائباً، وكانت أمواله وخزائنه بالأنبار فخاف نائبه عبد الله بن إبراهيم بن شهرويه بادرة الجند، فراسل أبا منصور بن قراد اللديد، وكان بالسندية فاستدعاه إليه، وقال له: أن أجعل بينك وبين قراوش عهداً وأُزوجه ابنتك، وأقاسمك على ما خلفه أبوه وتساعده على عمه الحسن إن قصده وطمع فيه. فأجابه إلى ذلك وحمى الخزائن والبلد، وأرسل عبد الله إلى قرواش يحثه على الوصول، فوصل وقاسمه على المال وأقام قراد عنده، ثم إن الحسن بن المسيب جمع مشايخ عقيل وشكا قرواشاً إليهم وما صنع مع قراد، فقالوا له: خوفُه منك حمله على ذلك، فبذل من نفسه الموافقة له والوقوف عند رضاه، وسفر المشايخ بينهما فاصطلحا، واتفقا على أن يسير الحسن إلى قرواش شبه المحارب ويخرج هو وقراد لقتاله، فإذا لقي بعضهم بعضاً عادوا جميعاً على قراد فأخذوه. فسار الحسن وخرج قرواش وقراد لقتاله. فلما تراءى الجمعان جاء بعض أصحاب قراد إليه فأعلمه الحال، فهرب على فرس له وتبعه قرواش والحسن فلم يدركاه، وعاد قرواش إلى بيت قراد، فأخذ ما فيه من الأموال التي أخذها من قرواش وهي بحالها. وسار قرواش إلى الكوفة فأوقع بخفاجة

٢٣٢

عندها وقعة عظيمة، فساروا بعدها إلى الشام، فأقاموا هناك حتى أحضرهم أبو جعفر الحجاج.

سنة (٣٩٢): في هذه السنة سيَّر قرواش بن المقلَّد جمعاً من عقيل إلى المدائن، فحصروها فسيَّر إليهم أبو جعفر نائب بهاء الدولة جيشاً فأزالوهم عنها، فاجتمعت عقيل وأبو الحسن مزيد في بني أسد وقويت شوكتهم. فخرج الحجاج إليهم واستنجد خفاجة وأحضرهم من الشام فاجتمعوا معه واقتتلوا بنواحي (باكرم) في رمضان، فانهزمت الديلم والتُّرك وأُسر منهم خلق كثير واستبيح عسكرهم، فجمع أبو جعفر من عنده من العسكر وخرج إلى بني عقيل وابن مزيد، وقتل من أصحابهم خلق كثير وأسر مثلهم وسار إلى حلل ابن مزيد فأوقع بمن فيها فانهزموا أيضاً، فنهبت الحلل والبيوت والأموال، ورأوا فيها من العين والمصاغ والثياب ما لا يقدر قدره.

سنة (٣٩٧): في المحرم جرت وقعة بين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلَّد العقيلي وبين أبي علي بن ثمال الخفاجي. وكان سببها أن قرواش جمع جمعاً كثيراً وسار إلى الكوفة وأبو علي غائب عنها، فدخلها ونزل بها وعرف أبو علي الخبر فسار إليه فالتقوا واقتتلوا، فانهزم قرواش وعاد إلى الأنبار مغلولاً، وملك أبو علي الكوفة وأخذ أصحاب قرواش فصادرهم.

سنة (٣٩٩): في هذه السنة قتل عيسى بن خلاط العقيلي أبا علي بن ثمال الخفاجي الذي كان والياً للحاكم بأمر الله صاحب مصر على الرحبة، وملكها، وأقام فيها مدة ثم قصده بدران بن المقلَّد، فأخذها منه وبقيت لبدران، فأمر الحاكم بأمر الله نائبه بدمشق لؤلؤاً البشاري بالمسير إليها، فقصد الرقة أولاً وملكها، ثم سار إلى الرحبة وملكها، ثم انتهى أمر ملكها إلى صالح بن مرداس صاحب حَلب.

سنة (٤٠١): في هذه السنة أيضاً خطب قرواش بن المقلَّد أمير بني عقيل للحاكم بأمر الله العلوي صاحب مصر بأعماله كلها، وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها، وكان ابتداء الخطبة بالموصل: (الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانهدَّت بقدرته أركان النصب، وأطلع

٢٣٣

بنوره شمس الحق من العرب. فأرسل القادر بالله أمير المؤمنين القاضي أبا بكر بن الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك، وأن العلويين والعباسيين انتقلوا من الكوفة إلى بغداد، فأكرم بهاء الدولة القاضي أبا بكر، وكتب إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إلى حرب قرواش، وأطلق له مائة ألف دينار ينفقها في العسكر، وخلع على القاضي أبي بكر وولاّه قضاء عمان والسواحل، وسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش، فأرسل يعتذر وقطع خطبة العلويين وأعاد خطبة القادر بالله.

سنة (٤٠١): وفيها تُوفِّي أبو عبد الله محمد بن مقن بن مقلد بن جعفر بن عمر بن المهيا العقيلي، وفي مقلد يجتمع آل المسيب وآل مقن، وكان عمره مائة وعشرة سنين، وكان بخيلاً شديد البخل وشهد مع القرامطة أخذ الحجر الأسود.

سنة (٤١٧): في هذه السنة اجتمع دُبيس بن علي بن مزيد الأسدي وأبو الفتيان منيع بن حسَّان أمير خفاجة، وجمعا عشائرهما وغيرهم، وانضاف إليهما عسكر بغداد على قتال قرواش بن المقلَّد العقيلي؛ وكان سببه أن خفاجة تعرضوا إلى السواد وما بيد قرواش منه، فانحدر من الموصل لدفعهم فاستعانوا بدُبيس، فسار إليهم واجتمعوا، فأتاهم عسكر بغداد فالتقوا بظاهر الكوفة وهي لقرواش، فجرى بين مقدمته ومقدمتهما مناوشة وعلم قرواش أنه لا طاقة له بهم، فسار ليلاً جريدة في نفر يسير وعلم أصحابه بذلك فتبعوه منهزمين، فوصلوا إلى الأنبار وسارت أسد وخفاجة خلفهم. فلما قاربوا الأنبار فارقها قرواش إلى حلله، فلم يمكنهم الإقدام عليه واستولوا على الأنبار ثم تفرقوا.

وفي هذه السنة أصعد الأثير عنبر إلى الموصل من بغداد، وكان سببه أن الأثير كان حاكماً في الدولة البويهية ماضي الحكم نافذ الأمر والجند من أطوع الناس له وأسمعهم لقوله. فلما كان الآن زال ذلك وخالفه الجند فزالت طاعته عنهم، فلم يلتفتوا إليه فخافهم على نفسه، فسار إلى قرواش فندم الجند على ذلك وسألوه أن يعود فلم يفعل. وأصعد إلى الموصل مع قرواش فأخذ ملكه وإقطاعه بالعراق. ثم إن نجدة الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعا جمعاً كثيراً من عقيل، وانضم إليهم بدران أخو قرواش وساروا يريدون حرب قرواش. وكان قرواش لما سمع خبرهم قد اجتمع

٢٣٤

هو وغريب بن معن والأثير عنبر، وأتاه مدد من ابن مروان، فاجتمع في ثلاثة عشر ألف مقاتل، فالتقوا عند بلد واقتتلوا وثبت بعضهم لبعض وكثر القتل. ففعل ثروان بن قراد فعلا جميلاً، وذلك أنه قصد غريباً في وسط المصاف واعتنقه وصالحه، وفعل أبو الفضل بدران بن المقلَّد بأخيه قرواش كذلك، فاصطلح الجميع وأعاد قرواش إلى أخيه بدران مدينة نصيبين.

الصفحة نفسها والسنة نفسها سار منيع بن حسَّان أمير خفاجة في الجامعين وهي لنور الدولة دُبيس فنهبها، فسار دُبيس في طلبه إلى الكوفة، ففارقها وقصد الأنبار، وهي لقرواش كان استعادها بعد ما ذكرناه قبل. فلما نازلها منيع قاتله أهلها، فلم يكن لهم بخفاجة طاقة، فدخل جنود خفاجة الأنبار ونهبوها وأحرقوا أسواقها، فانحدر قرواش إليهم ليمنعهم، وكان مريضاً ومعه غريب والأثير عنبر، ثم تركها ومضى إلى القصر فاشتد طمع جنود خفاجة وعادوا إلى الأنبار فأحرقوها مرة ثانية. وسار قرواش إلى الجامعين فاجتمع هو ونور الدولة دُبيس بن مزيد في عشرة آلاف مقاتل. فلم يقدر قرواش في ذلك الجيش العظيم على هذه الألف، وشرع أهل الأنبار في بناء سور على البلد وأعادهم قرواش، وأقام عندهم الشتاء، ثم إن منيع بن حسَّان سار إلى الملك أبي كاليجار فأطاعه، فخلع عليه وأتى منيع الخفاجي إلى الكوفة، فخطب فيها لأبي كاليجار وأزال حكم عقيل عن سقي الفرات.

سنة (٤١٩): في هذه السنة في جمادى الأولى سار بدران بن المقلَّد العقيلي في جمع من العرب إلى نصيبين وحصرها، وكانت لنصر الدولة بن مروان، فخرج إليه عسكر نصر الدولة الذين بها وقاتلوه، فهزمهم واستظهر عليهم، وقتل جماعة من أهل نصيبين والعسكر، فسيَّر نصر الدولة عسكراً آخر نجدة لمن بنصيبين، فأرسل إليهم بدران عسكراً فلقوهم فقاتلوهم وهزموهم وقتلوا أكثرهم، فأزعج ذلك ابن مروان وأقلقه، فسير عسكراً آخر ثلاثة آلاف فارس، فدخلوا نصيبين واجتمعوا بمن فيها وخرجوا إلى بدران فاقتتلوا، فانهزم بدران ومن معه بعد قتال شديد وقت الظهر وتبعهم عسكر ابن مروان، ثم عطف عليهم بدران وأصحابه، فلم يثبتوا له. فأكثر فيهم القتل والأسر وغنم الأموال، فعاد عسكر ابن مروان مغلوبين، فدخلوا نصيبين فاجتمعوا بها، واقتتلوا مرة أُخرى وكانوا على السواء. ثم سمع بدران بأن

٢٣٥

أخاه قرواشاً قد وصل إلى الموصل، فرحل خوفاً منه؛ لأنهما كانا مختلفين.

في سنة (٤٢٠) يذكر دخول الغز ديار بكر ومقاومة قرواش لهم ويذكر ملكهم مدينة الموصل ومقاومة قرواش لهم وانكساره، ثم يذكر ظفر قرواش بهم ص ١٦٣ مما يجب أن يضم إلى أخبار بني المقلَّد مع ما ذكر في ص١٦٤.

في سنة (٤٢١) قد ذكرنا محاصرة بدران نصيبين، وأنه رحل عنها خوفاً من قرواش، فلما رحل شرع في إصلاح الحال معه فاصطلحا، ثم جرى بين قرواش ونصر الدولة بن مروان نفرة كان سببها أن نصر الدولة كان قد تزوج ابنة قرواش، فآثر عليها غيرها فأرسلت إلى أبيها تشكو منه، فأرسل يطلبها إليه، فسيرها فأقامت بالموصل، ثم إن ولد مستحفظ جزيرة ابن عمر وهي لابن مروان هرب إلى قرواش، وأطمعه في الجزيرة، فأرسل إلى نصر الدولة يطلب منه صداق ابنته، وهو عشرون ألف دينار ويطلب الجزيرة لنفقتها، ويطلب نصيبين لأخيه بدران ويحتج بما أخرج بسببها عام أول، وتردُّدت الرسل بينهما في ذلك، فلم يستقر حال فسير جيشاً لمحاصرة الجزيرة وجيشاً مع أخيه بدران إلى نصيبين، فحصرها بدران وأتاه قرواش، فحصرها معه فلم يُمْلَك واحِد من البلدين، وتفرق من كان معه من العرب والأكراد. فلما رأى بدران تفرق الناس عن أخيه سار إلى نصر الدولة بن مروان بميافارقين يطلب منه نصيبين، فسلمها إليه وأرسل من صداق ابنة قرواش خمسة عشر ألف دينار واصطلحا.

وفي هذه السنة في جمادى الأولى اختلف قرواش وغريب بن مقن؛ وكان سبب ذلك أن غريباً جمع جمعاً كثيراً من العرب والأكراد، واستمد جلال الدولة فأمده بجملة صالحة من العسكر، فسار إلى تكريت فحصرها وهي لأبي المسيب رافع بن الحسين، وكان قد توجه إلى الموصل وسأل قرواشاً النجدة، فجمعا وحشدا وسارا منحدرين فيمن معهما، فبلغا الدكة وغريب يحاصر تكريت، وقد ضيَّق على من بها وأهلها يطلبون منه الأمان فلم يؤمنهم، فحفظوا نفوسهم وقاتلوا أشد قتال. فلما بلغه وصول قرواش ورافع سار إليهم، فالتقوا بالدكة واقتتلوا، فغدر بغريب بعض من معه ونهبوا سواده وسواد الأجناد الجلالية، فانهزم وتبعهم قرواش ورافع، ثم كفوا عنه وعن أصحابه ولم يتعرضوا إلى حلته وماله فيها وحفظوا ذلك أجمع، ثم إنهم تراسلوا واصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من الوفاق.

٢٣٦

سنة (٤٢٥): وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد وقصد ولده عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين، وكان بنو نُمير قد طمعوا فيها وحصروها، فسار إليهم ابن بدران فدفعهم عنها.

سنة (٤٣٣) يذكر الحلف بين جلال الدولة وقرواش صاحب الموصل.

سنة (٤٤٠) ذكر الحلف بين قرواش والأكراد الحميدية والهذبانية. وفيها كانت الوحشة بين معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل بن المقلَّد، فانضاف قريش بن بدران بن المقلَّد إلى عمّه قرواش وجمع جمعاً، وقاتل عمه أبا كامل، فظفر ونصر وانهزم أبو كامل ولم يزل قريش يغري قرواشاً بأخيه حتى تأكدت الوحشة وتفاقم الشر بينهما.

ظهور الخلاف بين قرواش وأخيه أبي كامل وصلحهما:

سنة (٤٤١): في هذه السنة ظهر الخلاف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهوراً آل إلى المحاربة، وقد تقدم سبب ذلك. فلما اشتد الأمر وفسد الحال فساداً لا يمكن إصلاحه جمع كل منهما جمعاً لمحاربة صاحبه، وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد، وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان، وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي وغيرهما من الأكراد، وساروا إلى معلثايا، فأخرجوا المدينة ونهبوها ونزلوا بالمُغيثة، وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب فنزلوا بمرج بابنيثا وبين الطائفتين نحو فرسخ واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم، وافترقوا من غير ظفر، ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان بل كان ناحية، ووافقه أبو الحسن الحُميدي وساروا عن قرواش، وفارقه جمع من العرب وقصدوا أخاه، فضعف أمر قرواش وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير فركبت العرب من أصحاب أبي كامل لقصده، فمنعهم وأسفر الصبح يوم الاثنين، وقد تسرع بعضهم ونهب بعضاً من عرب قرواش، وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ونقله إلى حلته وأحسن عشرته، ثم أنفذه إلى الموصل محجوراً عليه وجعل معه بعض زوجاته في دار. وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار؛ لسوء طريقهم وفسادهم فهرب الباقون

٢٣٧

منهم وبقي بعضهم بالسندية، فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة، وقتلوا حارساً وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل، فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل، فكثروا وثار بهم أصحاب قرواش، فاقتتلوا فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة وهرب الباقون. فبلغه خبر استيلاء أخيه، ولم يبلغه عود أصحابه. ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه واشتطوا عليه، فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته، فبادرهم إليه وقبل يده، وقال له: إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك فيَّ وأشعرك الوحشة مني، والآن فأنت الأمير وأنا الطائع لأمرك والتابع لك. فقال له قرواش: بل أنت الأخ والأمر لك مسلّم، وأنت أقوم به مني، وصلح الحال بينهما وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره. وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا، فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالاً عنها، فتظاهر بلال بالخلاف عليهما وجمع إلى نفسه جمعاً، وقاتل أصحاب قرواش وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما، فانحدر قرواش من الموصل إليهما وحصرهما وأخذهما.

وفي هذه السنة سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من أعمال العراق وبادوريا، فنهبوها وأخذوا من الأموال الكثير وكانا في إقطاع البساسيري، فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم، فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلَّد، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى الفريقان فيه بلاء حسناً وصبرا صبراً جميلاً وقُتل جماعة من الفريقين.

في هذه السنة في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه، وكان سبب ملكها أن قرواشاً أساء السيرة في أهلها، ومد يده إلى أموالهم فسار جماعة من أهلها إلى البساسيري ببغداد، وسألوه أن ينفذ معهم عسكراً يسلمون إليه الأنبار. فأجابهم إلى ذلك وسيّر معهم جيشاً، فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري، وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحداً من أصحابه أن يأخذ رطل الخبز بغير ثمنه. وأقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد.

سنة (٤٤٢) وفي هذه السنة في جمادى الأولى استولى زعيم الدولة

٢٣٨

أبو كامل بركة بن المقلَّد على أخيه قرواش، وحجر عليه ومنعه من التصرف على اختياره؛ وسبب ذلك أن قرواشاً كان قد أنف من تحكم أخيه في البلاد، وأنه قد صار لا حكم له فعمل على الانحدار إلى بغداد ومفارقة أخيه. وسار عن الموصل، فشق ذلك على بركة وعظم عنده، ثم أرسل إليه نفراً من أعيان أصحابه يشيرون عليه بالعود واجتماع الكلمة ويحذرونه من الفرقة والاختلاف، فلما بلّغوه ذلك امتنع عليهم، فقالوا: أنت ممنوع عن فعلك والرأي لك القبول والعود ما دامت الرغبة إليك، فعلم حينئذ أنه يُمنع قهراً، فأجاب إلى العود على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل، وسار معهم. فلما قارب حلة أخيه زعيم الدولة لقيه وأنزله عنده، فهرب أصحابه وأهله خوفاً فأمّنهم زعيم الدولة، وحضر عنده وخدمه وأظهر له الخدمة وجعل عليه من يمنعه من التصرف على اختياره.

سنة (٤٤٣) وفي هذه السنة في شهر رمضان تُوفِّي زعيم الدولة أبو كامل بركة بن المقلَّد بتكريت، وكان انحدر إليها في حلله قاصداً نحو العراق لينازع النواب به عن الملك الرحيم وينهب البلاد. فلما بلغها انتقض عليه جرح كان أصابه من الغز لما ملكوا الموصل، فتُوفِّي ودفن بمشهد الخضر بتكريت. واجتمعت العرب من أصحابه على تأمير علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران بن المقلَّد، فعاد بالحلل والعرب إلى الموصل وأرسل إلى عمه قرواش، وهو تحت الاعتقال يعلمه بوفاة زعيم الدولة وقيامه بالإمارة، وأنه يتصرف على اختياره ويقوم بالأمر نيابة عنه. فلما وصل قريش إلى الموصل جرى بينه وبين عمه قرواش منازعة ضعف فيها قرواش وقوي ابن أخيه ومالت العرب إليه، واستقرت الإمارة له وعاد عمه إلى ما كان عليه من الاعتقال الجميل والاقتصار به على قليل من الحاشية والنساء والنفقة، ثم نقله إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتُقل بها.

سنة (٤٤٤): في هذه السنة جرى حِلف بين علم الدين قريش بن بدران وبين أخيه المقلَّد، وكان قريش قد نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل وسجنه بها وارتحل يطلب العراق، فجرى بينه وبين أخيه المقلَّد منازعة أدت إلى الاختلاف، فسار المقلَّد إلى نور الدولة دُبيس بن مزيد ملتجئاً إليه فحمل أخاه الغيظ منه على أن نهب حلته وعاد

٢٣٩

إلى الموصل، واختلَّت أحواله واختلفت العرب عليه، وأخرج نواب الملك الرحيم ببغداد إلى ما كان بيد قريش من العراق بالجانب الشرقي من عُكبرا والعلث وغيرهما من قبض غلته، وسلم الجانب الغربي من أوانا ونهر بيطر إلى أبي الهندي بلال بن غريب. ثم إن قريشاً استمال العرب وأصلحهم، فأذعنوا له بعد وفاة عمه قرواش، فإنه تُوفِّي هذه الأيام، وانحدر إلى العراق؛ ليستعيد ما أخذ منه، فوصل إلى الصالحية وسير بعض أصحابه إلى ناحية الحظيرة وما والاها، فنهبوا ما هناك وعادوا فلقوا كامل بن محمد بن المسيّب صاحب الحظيرة، فأوقع بهم وقاتلهم فأرسلوا إلى قريش يعرفونه الحال، فسار إليهم في عدة كثيرة من العرب والأكراد، فانهزم كامل وتبعه قريش فلم يلحقه، فقصد حلل بلال بن غريب وهي خالية من الرجال، فنهبها وقاتله بلال وأبلى بلاء حسناً فجرح ثم انهزم، وراسل قريش نواب الملك الرحيم يطلب ببذل الطاعة ويطلب تقرير ما كان له عليه، فأجابوه إلى ذلك على كره؛ لقوته وضعفهم واشتغال الملك الرحيم بخوزستان عنهم، فاستقر أمره وقوي شأنه. وفي هذه الصفحة: وفي السنة نفسها مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة أبو المنيع قرواش بن المقلَّد العُقيلي الذي كان صاحب الموصل محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحُمل ميتاً إلى الموصل، ودفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وكان من رجال العرب وذوي العقل منهم وله شعر حسن. وأورد له عن (دمية القصر) البيتين المنقولين عن تاريخ ابن خلدون وهذه الأبيات التي لم يوردها ابن خلدون:

مـن كان يحمد أو يذم موّرث لـلمال مـن آبـائه وجدوده

إنـي امـرؤ لـله أشكر وحده شـكراً كـثيراً جـالباً لمزيده

لـي أشقرٌ سمح العنان مغاور يعطيك ما يرضيك من مجهوده

ومـهند عـضب إذا جـردته خلت البروق تموج في تجريده

ومـثقف لـدنُ الـسنان كأنم أم الـمنايا رُكـبت في عوده

وبـذا حـويُت المال إلا أنني سـلّطت جود يدي على تبديده

وفي هذه السنة ورد سعدي بن أبي الشوك في جيش من عند السلطان طغرلبك إلى نواحي العراق، فدوَّخ كثيراً منها وأسرف في

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ولم يشك في الله طرفة عين ، وأيم الله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأقرعن جبينك بكلام تبقى سمته عليك ما حييت ، فاياك والابراز علي فاني من قد عرفت لست بضعيف الغميزة(١) ولا بهش المشاشة(٢) ولا بمرئ المأكلة وإني من قريش كاوسط القلادة ، يعرف حسبي ، ولا أدعى لغير أبي وقد تحاكمت فيك رجال من قريش فغلب عليك ألأمهم نسبا وأظهرهم لعنة فاياك عنى فانك رجس ، وأما نحن بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس ، وطهرنا تطهيرا »(٣) .

٨ ـ ومما وقع للإمام في دمشق انه دخل على معاوية فلما رآه قام إليه واحتفى به فساء ذلك مروان واضطرب غيظا وموجدة واندفع قائلا :

يا حسن ، لو لا حلم أمير المؤمنين وما قد بنى له آباؤه الكرام من المجد والعلا ما أقعدك هذا المقعد ، ولقتلك وأنت له مستوجب بقودك الجماهير

فلما أحسست بنا وعلمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام ، وصناديد بني أمية اذعنت بالطاعة ، واحتجزت بالبيعة ، وبعثت تطلب الأمان ، أما والله لو لا ذلك لأريق دمك ، وعلمت أنا نعطي السيوف حقها عند الوغى فاحمد الله اذا ابتلاك بمعاوية فعفا عنك بحلمه ثم صنع بك ما ترى!. ».

فرد عليه الإمام قائلا :

ويحك يا مروان ، لقد تقلدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها والمخاذلة عند مخالطتها ، نحن ـ هبلتك الهوابل ـ لنا الحجج البوالغ ، ولنا إن شكرتم عليكم النعم السوابغ ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار ، فشتان ما بين المنزلتين تفخر ببني أمية وتزعم أنهم صبر في الحروب أسد عند اللقاء

__________________

(١) الغميزة : ضعف العقل أو العمل.

(٢) المشاشة : الأرض اللينة كنى (ع) بذلك عن مقدرته وحزمه.

(٣) شرح ابن ابى الحديد ٤ / ١٠ المحاسن والمساوى.

٣٢١

ثكلتك أمك أولئك البهاليل السادة والحماة الذادة والكرام القادة بنو عبد المطلب أما والله لقد رأيتهم وجميع من في هذا البيت ما هالتهم الأهوال ولم يحيدوا عن الأبطال كالليوث الضارية الباسلة الحنقة فعندها وليت هاربا وأخذت أسيرا فقلدت قومك العار لأنك في الحروب خوار ، أيراق دمى زعمت؟!! أفلا أرقت دم من وثب على عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل؟ وأنت تثغو ثغاء النعجة!! وتنادي بالويل والثبور كالأمة اللكعاء ألا دفعت عنه بيد أو ناضلت عنه بسهم؟! لقد أرتعدت فرائصك!! وغشي بصرك فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه فأنجيتك من القتل ومنعتك منه ثم تحث معاوية على قتلي؟ ولو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفان ، أنت معه أقصر يدا وأضيق باعا وأجبن قلبا من أن تجسر على ذلك ثم تزعم أنى ابتليت بحلم معاوية أما والله لهو أعرف بشأنه ، وأشكر لما وليناه هذا الأمر فمتى بدا له ، فلا يغضين جفنه على القذى معك فو الله لاعقبن أهل الشام بجيش يضيق عنه فضاؤها ويستأصل فرسانها ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب والروغان ، ولا يرد عنك الطلب تدريجك الكلام فنحن من لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر ، وفروعنا السادة الأخيار ، أنطلق إن كنت صادقا ».

فقال ابن العاص مستهزا بمروان :

« ينطق بالخنا وتنطق بالصدق ». ثم أنشأ يقول :

قد يضرط العير والمكواة تأخذه

لا يضرط العير والمكواة في النار

« ذق وبال أمرك يا مروان ».

وصاح معاوية بمروان :

« قد كنت نهيتك عن هذا الرجل وأنت تأبى إلا إنهما كما فيما لا يعنيك أربع على نفسك فليس أبوك كأبيه ولا أنت مثله ، أنت ابن الطريد الشريد وهو ابن

٣٢٢

رسول الله (ص) الكريم ، ولكن رب باحث عن حتفه وحافر عن مديته ».

وانتفخت أوداج مروان غضبا وحنقا فاندفع نحو معاوية قائلا :

« ارم من دون بيضتك ، وقم بحجة عشيرتك ».

ثم التفت إلى ابن العاص قائلا :

« وطعنك أبوه فوقيت نفسك بخصييك فلذلك تحذره ».

ثم قام وهو محطم الكيان قد أهين وحقر فقال معاوية :

« لا تجار البحور فتغمرك ، ولا الجبال فتبهرك »(١) .

٩ ـ ودخل الإمام على معاوية وكان في مجلس ضيق فجلس (ع) عند رجليه فتحدث معاوية بما شاء أن يتحدث به ثم قال « عجبا لعائشة!! تزعم أني في غير ما أنا أهله ، وان الذي أصبحت فيه ليس لي بحق ، مالها ولهذا يغفر الله لها ، انما كان ينازعنى أبو هذا الجالس ـ وأشار إلى الحسن ـ وقد استأثر الله به ».

فقال (ع) : « أوعجب ذلك يا معاوية!! ».

ـ أي والله! :.

ـ أفلا اخبرك بما هو أعجب؟!!.

ـ ما هو؟

ـ جلوسك في صدر المجالس وأنا عند رجليك.

فضحك معاوية وراوغ على عادته وقال :

« يا ابن أخي بلغنى أن عليك دينا ، كم هو؟ ».

ـ مائة الف.

ـ أمرنا لك بثلاثمائة ألف ، مائة ألف منها لدينك ، ومائة ألف تقسمها

__________________

(١) المحاسن والمساوى ١ / ٦٣ ـ ٦٥.

٣٢٣

في أهل بيتك خاصة ، ومائة ألف لخاصة نفسك ، فقم مكرما فاقبض صلتك.

وخرج الإمام من عنده وكان يزيد حاضرا في مجلس أبيه فلما رأى حفاوته بالإمام ساءه ذلك وحينما انصرف من في المجالس اندفع قائلا :

« تالله ما رأيت رجلا مثلك ، استقبلك بما استقبلك به ثم أمرت له بثلاثمائة ألف! »

ـ يا بني ، إن الحق حقهم فمن جاءك منهم فاحث له(١) .

وقد اعترف معاوية أن الخلافة الإسلامية لأهل البيت وانه قد غصبها منهم.

هذه بعض مناظرات الإمام مع خصومه ، قد روى أكثرها البيهقي والجاحظ ، ونصّ عليها غيرهما من المؤرخين ، وقد فضح بها الإمام معاوية وأتباعه ، وأبدا عارهم وعيارهم ، وأظهر لأهل الشام مخازي بنى أمية ، وعيوب آل أبي سفيان ، فهي بحق ثورة على حكومة معاوية ، فقد حطمت كيانه ، وأنزلته من عرشه إلى قبره.

وشكك بعض أهل العلم فى بعض تلك المناظرات ، واحتمل فيها الوضع لأنها قد اشتملت على تعيير الإمام لخصومه باسلوب يستبعد صدور منه وقد استدل على ذلك بما روى من أن الإمام لم تسمع منه كلمة فحش قط إلا قوله لمروان : « ليس لك عندي إلا ما رغم به أنفك » ومع هذا فكيف يصدر ذلك منه ، وهو احتمال موهوم لأن خصومه الحقراء قد تجرءوا عليه وجابهوه بألفاظ قاسية بذيئة ، فرد عليهم اعتداءهم ، ولكن لم يستعن بالكذب ، ولم يتذرع بالبذاء كما تذرعوا به.

وعلى أي حال فان معاوية بالرغم مما انزله الإمام به من الذل والهوان فانه كان يحذر جانبه ويخشاه وذلك لما له من المكانة المرموقة في نفوس المسلمين ، وتقديمهم له بالفضل على غيره ، وكانوا يعلنون ذلك أمام معاوية

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ / ٤.

٣٢٤

فقد ذكر رواة الأثر ان معاوية تحدث في مجلسه فقال :

« اخبروني بخير الناس أبا وأما ، وعما وعمة ، وخالا وخالة ، وجدا وجدة ».

وانما قال ذلك ليرى مدى انطباع المسلمين عن الإمام ، فقام إليه مالك بن عجلان فقال له : « هذا ـ وأشار إلى الحسن ـ خير الناس أبوه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت رسول الله (ص) ، وعمه جعفر الطيار في الجنان ، وعمته أم هاني بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ، وخالته زينب بنت رسول الله ، وجده رسول الله (ص) ، وجدته خديجة بنت خويلد ».

فسكت معاوية ولم يطق جوابا ، ولما انصرف الإمام انبرى ابن العاص الى مالك فانكر عليه قوله ، قائلا له :

« أحب بني هاشم حملك على أن تكلمات بالباطل؟! ».

فرد عليه مالك قائلا :

« ما قلت إلا حقا : وما أحد من الناس يطلب مرضاة المخلوق بمعصية الخالق ، إلا لم يعط أمنيته في دنياه ، وختم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضرهم عودا ، واوراهم زندا ».

والتفت إلى معاوية فقال له : « أليس هم كذلك؟ » ولم يسع معاوية إلا التصديق لكلامه(١) .

ان معاوية كان يخشى من الإمام ويحذر من انتفاضته عليه ، ولا تزال ذكريات صفين ماثلة امامه فيفزع منها ، ويخاف ان تعود عليه مرة اخرى ، ولهذا كان يرعى عواطف الإمام ، وقد ذكر المؤرخون ان عمرو ابن عثمان بن عفان ، واسامة بن زيد مولى رسول الله (ص) تخاصما عند

__________________

(١) المحاسن والمساوى ١ / ٦٢.

٣٢٥

معاوية في ارض فقال عمرو لأسامة : « كأنك تنكرني؟! » فرد عليه اسامة مقالته ، وكثر التشاجر بينهما فهدده أسامة بالهاشميين ، ثم قام فجلس إلى جانب الحسن (ع) وقام الهاشميون فجلسوا إلى جانبه ، ولما راى الأمويون ذلك انضموا إلى ابن عثمان ، وخاف معاوية من اثارة الفتنة فبادر الى حسم النزاع قائلا :

« لا تعجلوا أنا كنت شاهدا إذ أقطعها رسول الله (ص) اسامة ».

وقد حكم بذلك لأسامة وقدمه على عمرو ولما خرج الإمام اقبل الأمويون على معاوية يلومونه على ذلك ، وقالوا له : « الا كنت اصلحت بيننا؟ » فأجابهم معاوية بما ينم عن فزعه وخوفه قائلا :

« دعوني فو الله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين إلا لبس علي عقلي ، وإن الحرب اولها نجوى ، واوسطها شكوى ، وآخرها بلوى ».

ثم تمثل بأبيات لامرئ القيس قائلا :

الحرب اول ما تكون فتية

تدنو بزينتها لكل جهول

حتى إذا حميت وشب ضرامها

عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزت راسها وتنكرت

مكروهة للّثم والتقبيل

ثم قال : ما في القلوب يشب الحروب ، والأمر الكبير يدفعه الأمر الصغير ، وتمثل بقول الشاعر :

قد يلحق الصغير بالجليل

وإنما القرم من الأفيل

وتسحق النخل من الفسيل(١)

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن سفر الإمام إلى دمشق ، وعن مناظراته فيها.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣٠٩.

٣٢٦

خرق معاوية شروط الصّلح

٣٢٧
٣٢٨

والتزمت أغلب الأمم والشعوب على اختلاف عناصرها وأديانها بالوفاء بالعهود ، وتنفيذ الشروط ، وعدم مجافاتها لما تلتزم به ، وذلك حرصا منها على الروابط الاجتماعية ، وحفظا على النظام العام ، وقد اهتم الإسلام بهذه الناحية اهتماما بالغا فأكد رعاية العهود ، وضرورة الوفاء بها قال تعالى :( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) (١) وقال تعالى :( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) (٢) لقد دعا تعالى المسلمين ـ بهذه الآية ـ إلى أن يهبوا إلى نصرة إخوانهم في الدين وإلى الاشتراك معهم في عمليات الحروب إذا دعوهم إلى ذلك وقد استثنى تعالى المسلمين الذين بينهم وبين المشركين عهد وميثاق فانه لا يجوز لهم خرق ذلك الميثاق ، وذلك لما للعهود من الأهمية عند الله ، يقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمنون عند شروطهم ، وقال (ص) : « المؤمن إذا وعد وفى » ويقول أمير المؤمنين (ع) في عهده لمالك الأشتر :

« وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة ، أو ألبسته منك ذمة ، فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت.

فانه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود.

وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استبلوا من عواقب الغدر. فلا تغدرن بذمتك ، ولا تخيسن بعهدك ، ولا تختلن عدوك فانه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي. وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته ، وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى

__________________

(١) سورة بني إسرائيل : آية ٣٤.

(٢) سورة الأنفال : آية ٧٢.

٣٢٩

جواره ».

هذا هو موقف الإسلام تجاه المعاهدات والشروط فقد الزم بوفائها ورعايتها ، وحرم نكثها ، ولنرجع بعد هذا إلى اتفاقية الصلح التي تمت بين الإمام ومعاوية ، لنرى مدى الالتزام بها من الجانبين ، أما ما يخص الإمام الحسن (ع) من الشروط التي اشترطها معاوية عليه فانه لم يكن سوى شرط واحد وهو أن لا يخرج الإمام عليه ، وقد وفى له بذلك ، فقد خف إليه خلص شيعته بعد أن أعلن معاوية نقضه للشروط التي أعطاها للإمام ، فعرضوا عليه أن يخرج على معاوية ، ويناجزه فأبى (ع) أن ينقض ما أعطاه من العهد ، وبعد خروجه من الكوفة وشخوصه إلى يثرب جاءه زعماء شيعته فطلبوا منه مناجزة معاوية ، وضمنوا له احتلال الكوفة وإخلائها من عامل معاوية ، فامتنع (ع) من إجابتهم وأمرهم بالخلود الى الصبر ـ كما تقدم بيان ذلك ـ.

وأما ما يخص معاوية فانه قد خان بعهده ، وحنث بيمينه ، وكذب بمواعيده ، بالرغم من أنه الزم نفسه بالإيمان المغلظة والعهود المؤكدة على الوفاء بما أعطاه للإمام من شروط فقد جاء فى ختام المعاهدة بتوقيعه : « وعلى معاوية بن أبي سفيان ، عهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه. » فلم تمض أيام على امضاء المعاهدة حتى أعلن نقضها فقال أمام المسلمين : « الا ان كل شيء أعطيته للحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به! » يقول الحصين بن نمير : « ما وفى معاوية للحسن بشيء مما أعطاه ، قتل حجرا وأصحاب حجر ، وبايع لابنه وسم الحسن. »(١) .

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ / ١٦.

٣٣٠

إن جميع ما شملته بنود المعاهدة من شرط قد نقضها « كسرى العرب » فلم يف بشيء منها ، وقد أسفر بذلك عن سياسته التي رفعت شعار الغدر ونكث الذمم ونقض العهود ، وفيما بلي الشروط التي نقضها ولم يف بها.

١ ـ سبه لأمير المؤمنين :

إذا مات الإنسان وجب أن تموت معه الحزازات ، وتنطوي معه الأحقاد ، وسائر المؤثرات ، وقد جرت سيرة الناس على ذلك منذ فجر التأريخ ، ولكن ابن هند قد جافى ذلك ، فقد أخذ بعد إبرام الصلح يعلن سب أمير المؤمنينعليه‌السلام ويبالغ فى انتقاصه ، لم يمنعه عنه أنه قد اشترط عليه تركه فى اتفاقية الصلح ، ولم يمنعه عنه انتقال الإمام إلى جوار الله ، وقد قيل :

واحترام الأموات حتم وإن كا

نوا بعادا فكيف بالقرباء(١)

لقد اندفع معاوية بجميع طاقاته وقواه إلى النيل من الإمام وإلى الحط من شأنه ، وقد سخّر جميع أجهزة دولته فى ذلك حتى جعل سب العترة الطاهرة سنة من سنن المسلمين يحتجون على تركها ، ويتنادون عليها ويأثمون على عدم أدائها.

ومما لا شبهة فيه أن سب أمير المؤمنين (ع) إنما هو سب للنبي (ص) وانتقاص له فقد أثر عنه (ص) أنه قال : « من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله »(٢) وأثر عنه أنه قال : من آذى عليا فقد

__________________

(١) ديوان الرصافى ص ٥٨٩.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٢١ ، ذخائر العقبى ص ٦٦.

٣٣١

آذاني. »(١) وقال (ص) : « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ».

وتواترت الأخبار عنه (ص) في أن الإمام أخوه ، ووصيه ، وخليله وباب مدينة علمه ، ولو لا جهاده ودفاعه عن دين الله لما قام الإسلام ، وما عبد الله عابد ، ولا وحّده موحد ، وقديما قيل :

أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها

أما بواعث سبه ، فان معاوية علم أنه لا يستقيم له الأمر إلا بانتقاص الإمام والنيل منه وقد صرح بذلك مروان بن الحكم فقال :

« لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك ـ أي بسب علي ـ ».(٢)

وعلى أي حال فان معاوية حينما رجع إلى دمشق بعد الصلح أمر بجمع الناس فقام فيهم خطيبا فقال :

« أيها الناس ، إن رسول الله (ص) قال لي : إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فان فيها الأبدال ، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب ».

__________________

(١) مسند الامام أحمد بن حنبل ٣ / ٤٨٣ ، أسد الغابة ٤ / ١١٣ » وجاء في مجمع الهيثمي ٩ / ١٢٩ عن سعد بن أبي وقاص قال كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا من علي فأقبل رسول الله (ص) غضبان يعرف فى وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه ، فقال (ص) : مالكم ومالي؟ من آذى عليا فقد آذاني ، وفي ذخائر العقبى ص ٦٥ عن عمرو بن شاس الأسلمي قال : قال رسول الله (ص) : « من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ».

(٢) الصواعق المحرقة ص ٣٣.

٣٣٢

فأخذ الناس في لعنه وانتقاصه(١) ثم اتخذ سبه سنة جارية في خطب الجمعة والأعياد ، فكان يخطب على الناس ويقول في آخر خطبته :

« اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك ، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما » فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر(٢) ثم كتب إلى جميع عماله وولاته بلعن أخي رسول الله وسيد هذه الأمة.

فانبرت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنونه ويبرءون منه(٣)

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٣ / ٣٦١.

(٢) النصائح الكافية ص ٧٢ نقله عن أبي عثمان الجاحظ فى كتاب « الرد على الإمامية ».

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٣ / ١٥ ومن الخير أن نذكر موقف أمير المؤمنين وولده الحسن من سب معاوية فقد جاء في شرح النهج ١ / ٤٢٠ أن أمير المؤمنين ٧ سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام صفين فنهرهم ونهاهم وقال لهم : « إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب فى القول وأبلغ فى العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دماءنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ».

وأما موقف الإمام الحسن من سب معاوية فقد جاءه رسول معاوية فلما رأى الرسول هيبة الإمام وعظمته قال له : « أسأل الله أن يحفظك ويهلك هؤلاء القوم ».

فنهره الإمام وقال له : « رفقا لا تخن من ائتمنك ، وحسبك أن تحبني لحب رسول الله (ص) ولأبي وأمى ، ومن الخيانة أن يثق بك قوم وأنت عدو لهم وتدعو عليهم » الملاحم والفتن ص ١٤٣.

٣٣٣

وسار عماله على ذلك ، ومن أبى منهم عزله ، فقد عزل سعيد بن العاص عن إمارة يثرب لأنه امتنع من سب الإمام ، وجعل في مكانه مروان بن الحكم ، وقد بالغ هذا الوغد الخبيث في لعن الإمام وانتقاصه حتى امتنع الإمام الحسن (ع) من الحضور فى الجامع(١) وكان المغيرة بن شعبة يبالغ فى كثرة السب حتى لم يحص أحد كثرة سبه له(٢) وكان زياد يحرض الناس على ذلك ، ومن أبى عرضه على السيف(٣) .

لقد بالغ الولاة في لعن الإمام حتى جعلوا سبه من أجزاء صلاة الجمعة وبلغ الحال أن بعضهم نسي اللعن في خطبة الجمعة فذكره وهو في السفر فقضاه ، وبنوا مسجدا سموه « مسجد الذكر »(٤) وخطب هشام بن عبد الملك بعرفة فلم يتناول الإمام بسوء فانكر عليه عبد الملك بن الوليد قائلا :

« يا أمير المؤمنين ، هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب »

فقال له هشام : « ليس لهذا جئنا »(٥) ولما ولي عبد الملك بن مروان جعل في طليعة مهامه سب أمير المؤمنين ، وتعميم لعنه على جميع الحضر الإسلامية ، وقد رمى بالفجور فى مجلسه ، وكان خالد بن عبد الله القسرى(٦) وهو أحد ولاة الأمويين على مكة والعراق يجاهر في لعن

__________________

(١) تطهير الجنان واللسان ص ١٤٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٣٦١.

(٣) المسعودي على هامش ابن الأثير ٦ / ٩٩.

(٤) مقتل الحسين للمقرم ص ١٩٨.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٣ / ٤٧٦.

(٦) خالد بن عبد الله القسري كان امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك وكانت أمه نصرانية فبنى لها كنيسة تتعبد بها وفي ذلك يقول الفرزدق فى هجائه : ـ

٣٣٤

أمير المؤمنين والحسن والحسين فكان ينزو على المنبر ويقول :

« اللهم العن علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله (ص) على ابنته ، وأبا الحسن والحسين ».

ثم يلتفت إلى الناس ويقول لهم :

« هل كنيت؟ »(١) .

وذكر الحافظ السيوطى أنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين الف منبر يلعن عليها ابن أبي طالب (ع) وذلك بما سنه لهم معاوية ، وفي ذلك يقول العلامة أحمد حفظي مصطفى الشافعي في أرجوزته :

وقد حكى الشيخ السيوطي أنه

قد كان فيما جعلوه سنة

سبعون الف منبر وعشرة

من فوقهن يلعنون حيدرة

وهذه في جنبها العظائم

تصغر بل توجه اللوائم(٢)

ولما رأى سواد الناس والطبقة الواطئة في الشعب أن أحب شيء

__________________

ـ

ألا قبح الرحمن ظهر مطية

أتتنا تهادى من دمشق بخالد

وكيف يؤم الناس من كانت أمه

تدين بأن الله ليس بواحد

بنى بيعة فيها الصليب لأمه

ويهدم من بغض منار المساجد

وعزله هشام عن العراقين لأنه قد أكره امرأة مسلمة على الزنا ثم قتله في أيام الوليد ، جاء ذلك فى وفيات الأعيان ٥ / ١٥٢ ـ ١٦٢ وقريب منه ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ١٠ / ٢٠ والعجب من ابن حبان حيث عد هذا المجرم الأثيم من الثقات كما ذكر ذلك ابن حجر فى تهذيب التهذيب ٣ / ١٠١ قاتل الله العصبية فانها تلبس الباطل لباس الحق.

(١) النصائح ص ٨٠.

(٢) النصائح ص ٧٩.

٣٣٥

للسلطة الأموية وأقوى سبب للاتّصال بها سب أمير المؤمنين (ع) وانتقاصه أخذوا يتقربون إليها بذلك فقد أقبل بعض الأوغاد إلى الحجاج وهو رافع عقيرته قائلا :

« أيها الأمير ، إن أهلي عقوني فسموني عليا ، وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج ».

فأنس الحجاج بذلك وتضاحك وقال له :

« للطف ما توصلت به فقد وليتك موضع كذ »(١) .

لقد انتشر سب أمير المؤمنين ولعنه في جميع الأقطار الإسلامية سوى سجستان فانه لم يلعن على منابرها إلا مرة واحدة ولما أصر الأمويون على ذلك امتنعوا عليهم حتى أضطر الأمويون أخيرا إلى موافقتهم(٢) وبذلك فقد حاز أهل سجستان الشرف والمجد وسجلت لهم هذه المأثرة بمداد من الشرف والنور.

وظل الأمويون مصرين على سب بطل الإسلام وحامى حوزته وقد بذلوا قصارى جهودهم فى نشر ذلك إلى أن جاء دور عمر بن عبد العزيز فمنع السب وكتب بالمنع إلى جميع عماله وولاته ، وأمر أن يجعل بدل اللعن فى خطبة الجمعة والأعياد قوله تعالى :( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (٣) .

وقيل بل جعل مكان ذلك قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

__________________

(١) النصائح الكافية وشرح ابن أبي الحديد ١ / ٣٥٦.

(٢) معجم البلدان.

(٣) سورة الحشر : آية ١٠.

٣٣٦

وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) .

وقيل بل جعلهما معا(٢) وقد سجل بذلك مكرمة لا تنسى مدى الأجيال والأحقاب ، وقد مدحه شاعر العبقرية والنبوغ السيد الشريف الرضيرحمه‌الله على ذلك وشكر له هذه اليد البيضاء التي أسداها على عموم المسلمين فقال :

يا ابن عبد العزيز لو بكت الع

ين فتى من أمية لبكيتك

__________________

(١) سورة النحل : آية ٩٠.

(٢) الغدير ١٠ / ٢٦٦ وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٣٥٦ ان عمر حدث عن السبب في تركه لسب أمير المؤمنين قال : كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود فمر بي يوما وأنا العب مع الصبيان ونحن نلعن عليا فكره ذلك ودخل المسجد فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردى فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسست منه بذلك فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي فقلت له ما بال الشيخ؟ فقال لي أنت اللاعن عليا منذ اليوم؟ قلت نعم قال فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضى عنهم؟ فقلت له يا أبت وهل كان علي من أهل بدر؟ فقال ويحك وهل كانت بدر كلها إلا له ، فقلت له لا أعود ، فقال بالله عليك لا تعود فقلت له نعم وقال كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذ أمير المدينة فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي (ع) فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوما يا أبت أنت أفصح الناس ، وأخطبهم فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييا ، فقال يا بني لو علم من تحت منبرنا من ـ

٣٣٧

غير أني أقول إنك قد طب

ت وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب والقذ

ف فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولو اني رأيت قبرك لاستحيي

ت من أن أرى وما حييتك

وقليل ان لو بزلت دماء ال

بدن ضربا على الذرى وسقيتك

دير سمعان فيك مأوى أبي حفص

فبودي لو أنني آويتك

دير سمعان لا أغبك غيث

خير ميت من آل مروان ميتك

(١) لقد قدم له السيد الشريف آيات الشكر والثناء بهذه الأبيات الرائعة وشكره على محوه لهذه البدعة التي أثبتت جاهلية معاوية ، ومروقه من الدين

المنكرون ذلك :

وأثار سب الامام أمير المؤمنين سخط الأخيار والمتحرجين فى دينهم لأن الامام نفس النبي (ص) وأخوه وأبو سبطيه ، وصاحب العناء فى الاسلام ، ولأن سب المسلم من أفحش المحرمات ، فقد أثر عن النبي أنه

__________________

ـ أهل الشام وغيرهم فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد ، فقال عمر فوقرت كلمته فى صدري مع ما قال لي معلمي أيام صغرى فأعطيت الله عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيرنه فلما منّ الله علي بالخلافة اسقطت ذلك ، وجاء فى « الاسلام بين السنة والشيعة » ص ٢٥ أن عمر بن عبد العزيز لما ألغى سب أمير المؤمنين خطب بعض الخطباء بجامع « حران » ولما ختم خطابه لم يسب أمير المؤمنين فتصايح الناس من كل جانب ويحك السنة السنة ، تركت السنة وذكرت بعض للصادر ان جميع الحضر الاسلامية تركت سب أمير المؤمنين بعد تحريم عمر بن عبد العزيز له سوى أهل حمص فإنهم أصروا على ذلك.

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٣٥٧.

٣٣٨

« سباب المسلم فسوق »(١) ، وقال (ص) : « لا يكون المؤمن لعانا »(٢) الى غير ذلك من الأحاديث التي وردت عنه (ص) فى تحريم سب المسلم وقذفه ، فلذا اندفعوا الى اعلان سخطهم والى الانكار عليه وعلى ولاته ، ونسوق نص كلامهم في ذلك :

١ ـ سعد بن أبي وقاص :

وعزّ على سعد أن يسمع سب أمير المؤمنين وهو يعير ذلك أذنا صماء من دون أن ينكر عليه ، فقد ذكر المؤرخون ان معاوية بعد عام الصلح قصد بيت الله الحرام ، وبعد فراغه من الطواف توجه الى دار الندوة فلما استقرّ به المجالس شرع فى سبّ أمير المؤمنين فغضب سعد والتفت الى معاوية قائلا :

« يا معاوية أجلستني على سريرك ثم شرعت فى سبّ عليّ ، والله لان يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن أكون صهرا لرسول الله (ص) ولي من الولد ما لعلي أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس والله لأن يكون رسول الله (ص) قال لي ما قال له فيه يوم خيبر : « لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه » أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله (ص) قال لي ما قال له فى غزوة تبوك : « ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله

__________________

(١) الترغيب والترهيب ٣ / ٣٩٤ ، وفيض القدير ٤ / ٨٤.

(٢) صحيح الترمذي.

٣٣٩

ما دخلت لك دارا ما بقيت ، ثم نهض وهو غضبان ثائر »(١) .

٢ ـ السيدة أم سلمة :

وكانت السيدة أم سلمة عالمة بمنزلة أمير المؤمنين (ص) ولما له من المنزلة الكريمة عند رسول الله (ص) ولما رأت أن معاوية يسبه علانية وجهرا اندفعت الى انكار ذلك وقد رفعت الى معاوية مذكرة جاء فيها : « إنكم تعلنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب (ع) ومن أحبه ، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله ».

ولكن انكارها لم يجد شيئا فقد بقي معاوية مصرّا على غيه وإثمه(٢) .

٣ ـ عبد الله بن عباس :

واجتاز حبر الأمّة عبد الله بن عباس على قوم يسبون أمير المؤمنين فقال لقائده : ادنني منهم فأدناه ، فانبرى إليهم وقد قدّ قلبه قائلا لهم بنبرات تقطر غضبا وألما :

ـ أيّكم الساب رسول الله؟

ـ نعوذ بالله أن نسب رسول الله!!

ـ أيّكم الساب علي بن أبي طالب!

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣١٧ ، وذكره ابن كثير فى تاريخه ، ومسلم فى صحيحه ، والترمذي في صحيحه مع اختلاف يسير بين الروايات ، وذكر المسعودي جواب معاوية لسعد ما يقبح التصريح به رأينا من المناسب تركه.

(٢) العقد الفريد ٣ / ١٢٧ ، وجاء فى مستدرك الصحيحين ١ / ١٢١.

عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكم؟ فقلت : معاذ الله ، أو سبحان الله ، أو كلمة نحوها فقالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : من سبّ عليا فقد سبني.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529