حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 529
المشاهدات: 188779
تحميل: 4119


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188779 / تحميل: 4119
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

ـ أما هذه فنعم.

ـ أشهد لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : « من سبني فقد سبّ الله ومن سبّ علي بن أبي طالب فقد سبني ».

فأطرقوا برءوسهم الى الأرض خجلا لا يطيقون جوابا ثم تركهم وانصرف وقد ترك الحزن يحز في نفوسهم والتفت الى قائده فقال له :

« كيف رأيتهم؟ »

فأجابه وهو جذلان بما فعله بهؤلاء المجرمين قائلا :

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس الى شفار الجازر

فأنس ابن عباس وقال له : زدني فداك أبي وأمي!؟

خزر العيون منكسي أذقانهم

نظر الذليل الى العزيز القاهر

ـ زدني فداك أبي وأمي!؟

ـ ما عندي مزيد ، ولكن عندي :

أحياؤهم تجني على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر(1)

وجرت محاورة بين ابن عباس وبين معاوية ، وهي تكشف عن الخطط الرهيبة التي سلكها معاوية في اخفاء مآثر الامام وفى حجب مناقبه وفضائله ، نسوق نصها لما لها من الأهمية البالغة ، فقد ذكر المؤرخون ان معاوية بعد عام الصلح حج بيت الله الحرام فاجتاز على جماعة من قريش فقاموا إليه سوى ابن عباس ، فبادره معاوية قائلا :

ـ يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين؟ يا ابن عباس ، إن ابن عمي عثمان قتل مظلوما.

ـ فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما ، فسلم الأمر الى ولده ، وهذا

__________________

(1) مروج الذهب 2 / 299 ، الرياض النضرة 2 / 166.

٣٤١

ابنه ـ وأشار الى عبد الله بن عمر ـ.

ـ إن عمر قتله مشرك.

ـ فمن قتل عثمان؟

ـ قتله المسلمون.

ـ فذلك أدحض لحجتك ، إن كان المسلمون قتلوه ، وخذلوه فليس إلا بحق!!

ـ فانا كتبنا الى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فكف لسانك يا ابن عباس.

ـ فتنهانا عن قراءة القرآن؟

ـ لا.

ـ فتنهانا عن تأويله؟

ـ نعم.

ـ فنقرأه ، ولا نسأل عما عنى الله به؟

ـ نعم.

ـ فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

ـ العمل به.

ـ فكيف نعمل به ، حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

ـ سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

ـ إنما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فاسأل عنه آل أبي سفيان ، وآل أبي معيط؟؟

ـ فاقرءوا القرآن ، ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم ، ومما قال رسول الله ، وارووا ما سوى ذلك.

٣٤٢

ـ قال الله تعالى « يريدون أن يطفئوا نور الله بأفوافهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ».

ـ يا ابن عباس اكفني نفسك ، وكفّ عني لسانك ، وإن كنت فاعلا فليكن سرا ، ولا تسمعه أحدا علانية(1) .

ودلت هذه المحاورة على عمق الأساليب التي اعتمد عليها معاوية فى محاربة أهل البيت ، وفي ستر فضائلهم ، وحجب المسلمين عنهم.

4 ـ الأحنف بن قيس :

ودخل الأحنف بن قيس على معاوية فلما استقر به المجالس قام وغد أثيم من الشاميين خطيبا فافتتح خطابه بسب أمير المؤمنين وثقل ذلك على الأحنف ، فالتفت الى معاوية وقد اسودّ الفضاء فى وجهه مما داخله من الحزن قائلا :

« إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك فى لعن المرسلين لعنهم ، فاتق الله يا معاوية ، ودع عنك عليا فلقد لقى ربه ، وأفرد بقبره ، وخلي بعمله كان والله مبرورا فى سبقه ـ أي الى الإسلام ـ طاهر الثوب ، ميمون النقيبة ، عظيم المصيبة ».

فالتاع معاوية من هذا التقريع ، وتألم من هذا الثناء العاطر على أمير المؤمنين أمام أهل الشام ، فالتفت الى الأحنف قائلا :

« يا أحنف. لقد أغضيت العين على القذى وقلت ما ترى ، أما والله لتصعدن المنبر وتلعن عليا كرها أو طوعا ».

فقال له الأحنف : إن تعفنى فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فو الله لا تجري شفتاي به أبدا.

__________________

(1) شرح النهج ابن ابى الحديد 3 / 15 ، وسليم بن قيس.

٣٤٣

فلم يعتن معاوية بكلامه وقال له بشدة :

« قم فاصعد المنبر ».

ـ أما والله لأنصفنك فى القول والفعل.

ـ وما أنت قائل إن أنصفتني؟!

ـ أصعد المنبر فأحمد الله وأثني عليه ، وأصلي على نبيه محمد (ص) ثم أقول أيها الناس ، إن أمير المؤمنين معاوية أمر أن العن عليا ، وإن عليا ومعاوية اختلفا واقتتلا فادعا كل واحد منهما أنه بغي عليه وعلى فئته ، فاذا دعوت فأمنوا رحمكم الله ، ثم أقول اللهم العن أنت وملائكتك وأنبيائك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللهم ألعنهم لعنا كثيرا ، أمنوا رحمكم الله ، يا معاوية لا ازيد على هذا ولا انقص حرفا ، ولو كان فيه ذهاب روحي.

فراوغ معاوية وقال : « إذا نعفيك يا أبا بحر »(1) .

5 ـ كثير بن كثير :

ومن جملة المنكرين لسب الإمام الشاعر العبقري كثير بن كثير السهمي(2)

__________________

(1) العقد الفريد 2 / 144 ، المستطرف 1 / 54 ، ثمرات الأوراق ص 59.

(2) كثير بن كثير بن المطلب بن ابي وداعة القرشي السهمي ، روى عن ابيه وعن سعيد بن جبير وجماعة ، وروى عنه جماعة آخرون ، قال ابن سعد كان شاعرا قليل الحديث ، وقال احمد وابن معين إنه ثقة ، وذكره ابن حبان فى الثقات ، جاء ذلك فى تهذيب التهذيب 8 / 426. وذكره المرزباني في معجم الشعراء 2 / 348 وقال إن السبب في نظمه لهذه الأبيات انه سمع عبد الله بن الزبير يتناول اهل البيت فنظمها ، وقيل إن السبب في نظمها ان هشام بن عبد الملك كتب الى عامله بالمدينة أن يأخذ الناس بسب امير المؤمنين فمن اجل ذلك نظم كثير هذه الأبيات. ـ

٣٤٤

فقد دفعته عقيدته الدينية وشعوره الحي الى شجب ذلك ، واعلان سخطه وقد نظم ذلك بأبيات تمثلت فيها الروعة والرقة :

لعن الله من يسب عليا

وحسينا من سوقة وإمام

أيسب المطهرون جدودا

والكرام الأخوال والأعمام

يأمن الطير والحمام ولا

يأمن آل الرسول عند المقام

طبت بيتا وطاب أهلك أهلا

أهل بيت النبي والإسلام

رحمة الله والسلام عليهم

كلما قام قائم بسلام(1)

6 ـ أنيس الأنصاري :

ولما أقام معاوية الخطباء يعلنون سب أمير المؤمنين (ع) وانتقاصه اندفع أنيس الأنصاري وهو من أطائب الصحابة ، فأنكر على معاوية ذلك فقد خطب ، وقال بعد حمد الله والثناء عليه :

« إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل ـ يعني عليا ـ وشتمه وإني أقسم بالله إني سمعت رسول الله (ص) يقول : « إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر » ، وأقسم بالله ما أحد أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته »(2) .

7 ـ زيد بن أرقم :

ورأى الصحابي زيد بن أرقم المغيرة بن شعبة يعلن سب أمير المؤمنين

__________________

ـ وذكر ابن أبي الحديد هذه الأبيات ونسبها الى عبد الله بن كثير السهمي وهو اشتباه إذ لم يوجد في كتب التراجم هذا الاسم ، والموجود كثير بن كثير ، وان هذه الأبيات له.

(1) شرح ابن أبي الحديد 3 / 475.

(2) الاصابة 1 / 89 ، أسد الغابة 1 / 134.

٣٤٥

فانبرى إليه منكرا سبه للإمام قائلا :

« يا مغيرة ، ألم تعلم أن رسول الله (ص) نهى عن سب الأموات؟

فلم تسب عليا وقد مات؟ »(1) .

8 ـ أبو بكرة :

وخطب بسر بن أبي ارطاة الأثيم المجرم في البصرة فشتم أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنبر ، ثم التفت الى الناس فقال لهم :

« ناشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني ».

فقال أبو بكرة :

« اللهم لا نعلمك إلا كاذبا!! ».

فطاش عقل بسر وأمر بأبي بكرة فخنق ثم أنقذوه منه(2) .

وعلى أي حال ، فإن هؤلاء الناقمين على معاوية كانوا مدفوعين بدافع الحرص على كرامة الإسلام المتمثلة في الإمام أمير المؤمنين ، فقد رأوا أن معاوية قد عمد الى إبادة مآثر الإمام ، فاندفعوا الى الإنكار عليه.

لقد حاول معاوية وأتباعه القضاء على أمير المؤمنين ، وتحطيم شخصيته الرفيعة ، ولكن الله بارادته الأزلية قد حكم ببقاء الحق وخلوده. وبزوال الباطل وانعدامه ، وإنه وإن انتصر على الحق زمانا ، فان انتصاره لا بد أن يتلاشى كما يتلاشى الدخان في الفضاء ، فها هو أمير المؤمنين قد استوعب ذكره جميع لغات الأرض ، وعجت المحافل والنوادي بذكره ومدحه ، وبالافتخار والاعتزاز بشخصيته المقدسة ، وها هو قبره الشريف قد أصبح كعبة للوافدين وملجأ للملهوفين ، وملاذا للمؤمنين ، تؤمه الملايين من المسلمين

__________________

(1) الأغاني 6 / 2 ، شرح ابن أبي الحديد 1 / 360.

(2) الطبري 6 / 96.

٣٤٦

كما تؤم بيت الله الحرام يتبركون بزيارته ، ويتقربون الى الله بالوفادة عليه حقا هذا هو الظفر والفتح ، والعاقبة للمتقين.

وها هو معاوية لا يذكر إلا مع الاحتقار والاستخفاف وسوء المصير ووخز الضمير ، وها هو قبره المحطم في مزبلة من مزابل الشام قد استولى عليه الهوان ، وخيّم عليه الذل ، حقا هذه هي الميتة ، وهذا هو الخزي والعار.

وقد وقف الشاعر الكبير محمد مجذوب السوري على قبر معاوية ، فرأى قذارة ذلك القبر المهان ، ورأى الذباب تعربد فيه ، فاندفع الى نظم قصيدته العصماء وقد جاء فيها :

هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه

لأسال مدمعك المصير الأسود

كتل من الترب المهين بخربة

سكر الذباب بها فراح يعربد

خفيت معالمها على زوارها

فكأنها في مجهل لا يقصد

ومشى بها ركب البلى فجدارها

عار يكاد من الضراعة يسجد

والقبة الشماء نكّص طرفها

فبكل جزء للفناء بها يد

تهمي السحائب من خلال شقوقها

والريح في جنباتها تتردد

حتى المصلى مظلم فكأنه

مذ كان لم يجتز به متعبد

لقد مشى موكب الزمن ، وإذا بالإمام أمير المؤمنين هو عملاق الإنسانية ورائد العدالة الاجتماعية الكبرى في الأرض ، وإذا بمعاوية قد عاد فى عرف المسلمين وغيرهم هو الباغي الأثيم الذي تلاحقه النقمة والاحتقار.

2 ـ خراج دارابجرد :

ومن جملة الشروط التي اشترطها الإمام على معاوية أن يعطيه خراج دارابجرد ليرفه بذلك على الفقراء والمعوزين من شيعته ، ولكن معاوية قد

٣٤٧

خاس بذلك ولم يف به كما صرح بذلك أبو الفداء. وذكر الطبري ان أهل البصرة حالوا بين الإمام وبين خراج دارابجرد. ونص ابن الأثير ان منعهم كان بايعاز من معاوية ، والغرض منه لئلا تقوى شوكة الإمام ويعظم أمره.

3 ـ شيعة أمير المؤمنين :

ومن أهم الشروط التي اشترطها الإمام على خصمه الأمن العام لشيعته وشيعة أبيه وعدم التعرض لهم بسوء أو مكروه ولكن ابن أبي سفيان قد نقض عهده فلم يف للإمام بذلك ، وجعل أهم أهدافه القضاء على هذه الطبقة المؤمنة التي آمنت بحق أهل البيت (ع) ، لقد أسرف معاوية فى ارهابها وارهاقها ، فأذاق بعضها كأس الحمام ، وأودع البعض الآخر فى ظلمات السجون ، وقد وجد الشيعة من العناء والمحن والخطوب ما تنوء بحمله الجبال ، وما نحسب أن أمّة من الأمم لاقت من الأذى والاضطهاد كما لاقته شيعة أهل البيت ، وكان أشدهم بلاء وأعظمهم محنة وشقاء أهل الكوفة ، فقد استعمل عليهم معاوية زيادا بعد هلاك المغيرة ، وكان بهم عالما ، فأشاع فيهم القتل والاعدام ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل عيونهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، وشردهم وطردهم(1) ، ورفع معاوية مذكرة الى جميع عماله وولاته جاء فيها : « انظروا الى من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه » ، ثم شفع ذلك بنسخة أخرى جاء فيها : « ومن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به وأهدموا داره ».

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 3 / 15.

٣٤٨

وتحدث الامام الباقر (ع) عما جرى على أهل البيت وعلى شيعتهم من الاضطهاد والأذى في زمن معاوية فقال : « وقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره »(1) .

انه منذ ولي الأمر ابن هند انفتح باب الظلم والجور على شيعة أمير المؤمنين (ع) فلقد جابهوا من المشكلات السياسية والمعضلات الاجتماعية ولاقوا من الهوان والعذاب والتنكيل الى حد لا سبيل الى تصويره في فضاعته ومرارته ، فقد بلغ الحال أن حب أهل البيت (ع) أصبح عارا ومنقصة أو ذنبا وخطيئة يقترفها الشخص ، وحكم بعضهم أن مودة أهل البيت كفر والحاد ومروق من الدين ، وقد حكى لنا ذلك شاعر الإسلام والعقيدة الكميت بقوله :

يشيرون بالأيدي إلي وقولهم

ألا خاب هذا والمشيرون أخيب

فطائفة قد كفرتني بحبكم

وطائفة قالوا مسيء ومذنب

يعيبونني من خبهم(2) وضلالهم

على حبكم بل يسخرون وأعجب

وقالوا ترابي هواه ورأيه

بذلك أدعى فيهم وألقب(3)

ويقول أبو الأسود الدؤلي :

أحب محمدا حبا شديدا

وعباسا وحمزة والوصيا(4)

هوى أعطيته منذ استدارت

رحى الإسلام لم يعدل سويا(5)

__________________

(1) نفس المصدر.

(2) الخب : الخداع.

(3) الهاشميات.

(4) الوصي : هو الإمام أمير المؤمنين.

(5) أي لا مثيل له.

٣٤٩

بنو عم النبي وأقربوه

أحب الناس كلهم إليّا

فان يك حبهم رشدا أصبه

ولست بمخطئ إن كان غيا(1)

ويرد عبد الله بن كثير السهمي على من عابه على موالاة آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله :

إن امرأ أمست معايبه

حب النبي لغير ذي ذنب

وبني أبي حسن ووالدهم

من طاب فى الأرحام والصلب

أيعد ذنبا أن أحبهم!!

بل حبهم كفارة الذنب(2)

وقد سار على منهاج معاوية فى ظلم الشيعة واحتقارهم خلفاؤه الأمويون وملوك بني العباس من بعدهم ، ولو أردنا أن نستعرض الى ما لاقوه من المحن والخطوب السود لاحتجنا فى بيان ذلك الى مجلد ضخم.

ومهما يكن من شيء فان الشيعة لم يعتنوا بارهاب معاوية وتنكيله وتعذيبه لهم ، فقد قدموا أنفسهم قرابين وضحايا لفكرتهم الدينية المقدسة وها نحن نقدم أسماء بعض الشهداء الذين قتلهم معاوية صبرا لا لذنب اقترفوه ، سوى مودتهم لأهل البيت وهم :

حجر بن عدي :

وحجر بن عدي من أهم الشخصيات الإسلامية الرفيعة فقد كان في طليعة صحابة النبي (ص) في فضله وعلمه وقداسته وزهده وعبادته ، فقد بلغ من عظيم طاعته الى الله انه ما أحدث إلا توضأ وما توضأ إلا صلى ، وكان يصلي فى اليوم والليلة الف ركعة ، وكان مستجاب الدعوة فانه لما

__________________

(1) الكامل للمبرد ص 545.

(2) البيان والتبيين 3 / 360.

٣٥٠

أخذ اسيرا الى معاوية اصابته جنابة في أثناء الطريق فقال للموكل به : اعطني شرابي اتطهر به ، فأجابه الموكل به : اخاف ان تموت عطشا إذا اعطيته لك فيقتلني معاوية ، فشقّ على حجر أن يبقى جنبا ، فدعا الله ان يمكنه من الماء ، فاستجاب الله دعاءه ، فبعث سحابة اسكبت ماء غزيرا ، فأخذ منه ما احتاجه(1) ، إن فضائل حجر ومآثره أكثر من أن تحصى وعلينا ان نبحث عن سبب شهادته :

بقي حجر بعد صلح الإمام الحسن (ع) ينسج من حيوط محنته بلواه الخالدة فى التأريخ ، ويضرب الرقم القياسي لنكران السياسة الأموية العمياء التي تهدد المجتمع الإسلامى بفقدان الحياة والتي تحيي العصبيات الجاهلية التي حطمها الإسلام ، وتهدم الكفاءات والمواهب ، وتحتكر الصلاحيات وتنتهب الأقوات ، وتروع المجتمع بعد أمنه وتفرقه بعد اجتماعه ، وتفقره بعد غناه ، وتذله بعد عزه ، وتستعبده بعد حريته ، وتتجاهر بارتكاب الباطل والمنكر ، وقد رأى حجر واصحابه الصفوة المؤمنون أن السكوت وعدم النقد لهذه السياسة المجرمة ما هو إلا التمادي فى الباطل ، والتعزيز للمنكر والاستهانة بالحق ، وعلى المسلم الذي فهم الإسلام حقا أن يسير على سنّة الرسول (ص) الداعية الى مناجزة الظالمين والمستبدين وأعداء الشعوب.

ان حجرا هو الذي فهم الإسلام حقا ، وعرف اهدافه ، واحاط بقيمه كان تلميذا فى مدرسة النبي (ص) وخريجا من مدرسة الإمام ، فكيف لا ينكر باطل معاوية ، ولا يقاوم ظلمه وظلم ولاته وعماله ، ولا يحارب بدعهم وأهواءهم.

__________________

(1) الاصابة 1 / 313.

٣٥١

لقد رأى حجر المغيرة قد نزى على المنبر بجامع الكوفة وتعرض فى أثناء خطابه الى سب أمير المؤمنين (ع) فلم يسعه السكوت فانبرى إليه منكرا عليه قائلا : « كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل ، ومن تزكون اولى بالذم »

ووثب قوم من أصحاب حجر فقالوا بمثل مقالته فالتفت المغيرة الى حجر قائلا : « يا حجر لقد رمى بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك يا حجر اتّق غضب السلطان اتّق غضبه وسطوته ، فإن غضبة السلطان مما تهلك أمثالك كثيرا »

ولم يزل حجر متحمسا على نكران السياسة الأموية ، حتى أشار على المغيرة جمع من المرتزقين والمتزلفين الى السلطة بقتل حجر ، فامتنع من اجابتهم وقال :

« لا أحب أن يبتدأ أهل هذا المصر بقتل خيارهم ، وسفك دمائهم فيسعدوا بذلك ، وأشقى ، ويعز في الدنيا معاوية ، ويذل يوم القيامة المغيرة ».

ولم تزل بطانة المغيرة تلح عليه في أمر حجر ، فأجابهم جواب المنافق الخبير :

« إني قد قتلته ».

« كيف ذاك؟ »

« إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة »

وهلك المغيرة ، وولي الكوفة من بعده زياد بن سمية فجعل حجر

ينكر عليه خططه الملتوية ، ويشدد النقمة على سياسته الإرهابية ، فقد نزى زياد على المنبر يوم الجمعة فأطال في خطابه حتى ضاق وقت الصلاة

٣٥٢

فانبرى إليه حجر منكرا عليه تأخير الفريضة قائلا :

« الصلاة ».

فلم يعتن ابن سمية بمقالة حجر ولم يعر للصلاة أي اهتمام ثم مضى في خطبته ، فانبرى إليه حجر ثانيا رافعا صوته « الصلاة » ولم يقم زياد وزنا لإنكار حجر ، فاسترسل في خطابه فخشى حجر فوت الصلاة ، فضرب بيده الى كف من الحصا ، وثار الناس معه ، فلما رأى ذلك زياد نزل عن المنبر وصلى بالناس ، وقد انتفخت أوداجه غيظا وغضبا من حجر ، وعزم على التنكيل به ، وقد اعرب عن عزمه السيئ فى خطابه الذي ألقاه فى الجامع قائلا فيه :

« ما انا بشيء إن لم أمنع ساحة الكوفة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ، ويل أمّك يا حجر « سقط العشاء بك على سرحان » ثم تمثل بقول الشاعر :

ابلغ نصيحة أن راعي ابلها

سقط العشاء به على سرحان

وأرسل زياد الى جماعة من وجوه الكوفة وأشرافها فأمرهم أن يردوا حجرا عن خطته ، فامتنع عليهم حجر ، وأخيرا أمر الشرطة أن يأتوه به فانطلقت الشرطة للقبض عليه ، فحدثت بينهم وبين أصحابه مناوشات ، وأخيرا لم تستطع القبض عليه ، فقد التفت حوله جموع من المؤمنين تمنعه وتمنع أصحابه من تسليمهم الى زياد ، وكان قيس بن فهدان الكندي يلهب نار الحماس والثورة فى نفوس الكوفيين فكان يقوم خطيبا فى المحافل والنوادي فيمجد حجرا وأصحابه ويدعو المسلمين الى حمايته ونصرته وكان يرتجز ويقول :

يا قوم حجر دافعوا وصاولوا

وعن أخيكم ساعة فقاتلوا

لا يلقين منكم لحجر خاذل

أليس فيكم رامح ونابل

٣٥٣

وفارس مستلئم وراجل

وضارب بالسيف لا يزايل

وتحصن حجر وأصحابه فلم يتمكن عليهم زياد فخاف منهم فجمع الزعماء وأبناء البيوت الذين تستعين بهم السلطة على تحقيق أهدافها فقال لهم :

« يا أهل الكوفة ، أتشجون بيد ، وتأسون بأخرى ، أبدانكم معي وأهواءكم مع حجر الهجهاجة ، الأحمق المذبوب ، انتم معي وإخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر ، هذا والله من دحسكم(1) وغشكم والله لتظهرن لي براءتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم »(2) .

فانبروا إليه يظاهرون له الطاعة والولاء قائلين : « معاذ الله سبحانه أن يكون لنا فيما هاهنا رأى إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ وكل ما ظننا أن فيه رضاك وما يستبين به طاعتنا وخلافنا لحجر فمرنا به ».

فقال لهم : « فليقم كل امرئ منكم الى هذه الجماعة حول حجر فليدع كل رجل منكم اخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه »

وقام هؤلاء الأجلاف بافساد أمر حجر وخذلان الناس عنه وأمر زياد مدير شرطته العام شداد بن الهيثم الهلالي بالقبض على حجر وأصحابه ثم عرف أن مدير شرطته لا يتمكن عليه فاستدعا محمد بن الأشعث الكندي(3)

__________________

(1) الدحس : الافساد.

(2) الصعر : الميل الى احد الشقين.

(3) محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الكوفي أمّه فروة أخت أبي بكر قيل ولد على عهد رسول الله (ص) وهذا لا يصح لأن الأشعث تزوج بفروة في خلافة أبي بكر ، ولاّه ابن الزبير الموصل ، وقتله المختار سنة 66 ، وقيل سنة 70 جاء ذلك في تهذيب التهذيب 9 / 64.

٣٥٤

فقال له :

« يا أبا ميثاء أما والله لتأتيني بحجر ، أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارا إلا هدمتها ثم لا تسلم حتى أقطعك إربا إربا ».

« أمهلني ثلاثا حتى أطلبه ».

« أمهلتك فان جئت به وإلا عد نفسك من الهلكى ».

وقام ابن الأشعث مع مدير الشرطة فتتبعوا حجرا واصحابه وبعد مصادمات عنيفة جرت بين الفريقين استطاعت جلاوزة زياد القبض على حجر واصحابه فجيء بهم إليه فأمر بايداعهم فى السجن.

وطلب زياد من اهل الكوفة ان يشهدوا على حجر واصحابه ، فشهد قوم بأنهم تولوا عليا ، وعابوا عثمان ، ونالوا من معاوية ، فلم يرض زياد بهذه الشهادة وقال : إنها غير قاطعة ، فانبرى ابو بردة بن ابي موسى الأشعري الوغد فكتب شهادة هذا نصها :

« هذا ما شهد عليه ابو بردة بن أبي موسى الأشعري لله رب العالمين اشهد ان حجر بن عدي خلع الطاعة ، وفارق الجماعة ، ولعن الخليفة ، ودعا الى الحرب ، وجمع إليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء ».

فرضى زياد بهذا وطلب الى الناس ان يمضوا هذه الشهادة فأمضاها خلق كثير حتى بلغ الشهود سبعين رجلا فيما قال المؤرخون : ورفع الوثيقة الى معاوية ، فأمره بأن يحمله إليه ويشده موثوقا بالحديد ، وامر زياد باخراج حجر واصحابه ليلا الى دمشق ، فاخرجوا ، ووقعت النياحة ، وعلا الصراخ المؤلم في دار حجر ، وصعدت ابنته ولا عقب له غيرها فوق سطح الدار تلقي على القافلة ـ التي تسير الى الموت ـ نظرة الوداع وهي تبكي أمر

٣٥٥

البكاء واشجاه ، واخذت تناجي القمر وتبثّه احزانها ولوعتها وتصوغ من محنتها وبلواها ومصابها ابياتا يلمس فيها ذوب قلبها :

ترفع أيها القمر المنير

لعلك أن ترى حجرا يسير

يسير الى معاوية بن حرب

ليقتله كذا زعم الأمير

ويصلبه على بابي دمشق

وتأكل من محاسنه الطيور

تجبرت الجبابر بعد حجر

وطاب لها الخورنق والسدير(1)

الا يا حجر حجر بني عدي

تلقتك السلامة والسرور

اخاف عليك ما اردى عليا

وشيخا فى دمشق له زئير

الا يا ليت حجرا مات موتا

ولم ينحر كما نحر البعير

فان تهلك فكل عميد قوم

الى هلك من الدنيا يصير(2)

وانتهت القافلة الى مرج عذراء فلما عرف حجر انه بهذه القرية قال : « والله اني لأول مسلم نبحته كلابها ، واول مسلم كبر بواديها »(3) ، وتقدم البريد بأخبارهم الى معاوية ، فأنس وارتاح بذلك ، فأرسل إليهم رجلا

__________________

(1) الخورنق والسدير : قصران يقعان بالقرب من الحيرة بناهما النعمان ابن امرئ القيس ، ويقال : ان السبب فى بنائهما ان يزدجرد بن سابور كان لا يعيش له ولد فسأل عن مكان صحيح الهواء فذكروا له ظهر الحيرة ، فدفع ابنه بهرام الى النعمان وامره ببناء الخورنق فبناه في عشرين سنة ، وكان الباني له رجل يسمى سنمار جاء ذلك في نهاية الارب 1 / 372.

(2) مروج الذهب 2 / 307 ، وقيل ان الأبيات الى هند بنت زيد الأنصارية ترثي بها حجرا ، وكانت تتشيع.

(3) الكامل 3 / 192 ، وذكر ابن حجر في الاصابة ان حجرا هو الذي فتح مرج عذراء واخيرا كانت شهادته بها.

٣٥٦

اعور فأمره باعدامهم إن لم يتبرّءوا من أمير المؤمنين ويسبوه ، فلما قدم عليهم رآه بعضهم فقال متنبئا :

« ان صدق الزجر(1) فانه سيقتل منا النصف وينجو الباقون ».

« وكيف ذاك!!؟ »

« أما ترون الرجل المقبل مصابا بإحدى عينيه؟ »

وقدم عليهم الجلاد فالتفت الى حجر قائلا :

« إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ، ومعدن الكفر والطغيان ، والمتولي لأبي تراب ، وقتل أصحابك إلا ان ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرءوا منه ».

فانبرى إليه حجر مع الزمرة الصالحة التي آمنت بايمانه وهم يضربون أمثلة للعقيدة وللفداء في سبيل الله قائلين بلسان واحد :

« إن الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه احب إلينا من دخول النار ».

ورجع نصف من اصحاب حجر عن عقيدتهم والنصف الآخر بقوا على عقيدتهم وولائهم لأمير المؤمنين (ع) ، وصدق زجر من قال منهم انه يقتل منهم النصف ، ثم حفرت قبورهم وقام الجلادون لتنفيذ حكم الاعدام فيهم فطلب منهم حجر حاجة ـ قبل تنفيذ اعدامه ـ غالية عنده رخيصة عند القوم قائلا :

« اتركوني أتوضأ واصلي ، فأني ما توضأت إلا صليت ».

فسمحوا له بذلك فصلى حجر وأطال في صلاته وبعد الفراغ منها التفت الى القوم قائلا :

__________________

(1) الزجر : الحدس.

٣٥٧

« والله ما صليت صلاة أخف منها ولو لا أن تظنوا فيّ جزعا من الموت لاسكثرت منها ».

وأخذ يناجي ربه ويبثه شكواه واحزانه من هذه الأمّة التي اسلمته الى عدوه الماكر قائلا :

« اللهم إنا نستعديك على امتنا فان اهل الكوفة شهدوا علينا وان اهل الشام يقتلوننا ، أما والله لئن قتلتموني بها فاني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها واول رجل من المسلمين نبحته كلابها ».

وانطلق إليه الخبيث الأعور هدبة بن فياض القضاعي شاهرا سيفه فلما رآه حجر ارتعدت اوصاله ، وخارت قواه فقالوا له :

« زعمت انك لا تجزع من الموت ، فابرأ من صاحبك وندعك!؟ »

فقال لهم حجر :

« وما لي لا اجزع وارى قبرا محفورا ، وكفنا منشورا ، وسيفا مشهورا ، وإني والله إن جزعت من القتل لا اقول ما يسخط الرب »(1) .

ثم اجري عليه الاعدام فكان آخر ما انطلق من حنجرته :

لا تطلقوا عني حديدا ، ولا تغسلوا عني دما ، فاني ملاق معاوية على الجادة »(2) ، والقي حجر الى الأرض جثة هامدة يتخبط بدمه مع ستة من اصحابه الشهداء الأبرار ، ففي ذمة الله يا حجر أنت وأصحابك ، فقد مضيتم الى عالم الخلود وانتم شهداء العقيدة ، وشهداء الانسانية الكاملة فأنتم من اروع امثلة البطولة الفذة التي ثارت على الظلم والطغيان ، وقاومت جور الحاكمين واستبداد الطغاة الظالمين.

__________________

(1) الكامل 3 / 192.

(2) الاستيعاب 1 / 256.

٣٥٨

ضحايا العقيدة من اصحاب حجر :

ولم يذق حجر الحمام ويقتل صبرا وحده فقد قتل معه ومن بعده جماعة من اصحابه المثاليين الذين ضحّوا بحياتهم الغالية تجاه عقيدتهم الدينية ، ومبدأهم المقدس غير مبالين بالموت ، وبهؤلاء وامثالهم من ابطال الخلود ، وعظماء العالم ترتكز العقائد ، ويستقيم الحق ، ويعم العدل ويزول الظلم ، وها نحن نذكر اسماءهم مع ما جرى عليهم من العسف والتنكيل من قبل معاوية وولاته :

أ ـ عبد الرحمن :

وكان عبد الرحمن بن حسان العنزي فى طليعة اصحاب حجر ، وأخذ معه مكبلا بالحديد الى مرج عذراء ، فطلب من الجلاوزة مواجهة معاوية لعله ان يعفو عنه فاستجابوا لقوله ، فجيء به إليه ، فلما مثل عنده قال له معاوية :

« إيه أخا ربيعة ، ما تقول في علي؟ »

ـ دعني ولا تسألني ، فهو خير لك!!

ـ والله لا ادعك.

ـ أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ، والآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس.

ولم يجد معاوية بعد هذا وسيلة يستبيح بها اراقة دمه ، فعرج الى دم عثمان الذي بلى به المسلمون حيا وميتا فقال له :

ـ ما قولك فى عثمان؟.

ـ هو أول من فتح باب الظلم ، وارتج أبواب الحق.

٣٥٩

ـ قتلت نفسك!!

ـ بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي.

لقد ظن أن أسرته تتشفع به وتفك أسره ، وتدفع عنه ظلامته ، فلم يجبه أحد ، وأشاح معاوية بوجهه عنه ثم رفع رسالة الى عامله زياد جاء فيها :

« أما بعد : فان هذا العنزي شر من بعثته فعاقبه عقوبته التي هو أهلها وأقتله أشر قتلة ».

ولما وردت رسالته الى زياد بعث به الى قس الناطف(1) وأمر بدفنه حيا فيه فدفن وهو حي(2) .

ب ـ صيفي بن فسيل :

وصيفي بن فسيل الشيباني من أبطال المسلمين وعباقرتهم وأفذاذهم ومن خيرة أصحاب حجر سعى به الى زياد فبعث الدعي خلفه ، فلما حضر عنده بادره بالسؤال عن أمير المؤمنين (ع) ليتخذ من ذلك وسيلة يستحل بها دمه فقال له بنبرات تقطر غيظا وغضبا.

ـ يا عدو الله!! ما تقول في أبي تراب؟

ـ ما أعرف أبا تراب.

ـ ما أعرفك به!!

ـ ما أعرفه ،

ـ أما تعرف علي بن أبي طالب؟

ـ بلى.

__________________

(1) موضع قريب من الكوفة.

(2) الطبري 6 / 155.

٣٦٠