حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام14%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218041 / تحميل: 6645
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن نصير، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي الحسن العرني(1) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

___________________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصيررحمه‌الله .

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي(1) .

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم(2) .

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قولهرحمه‌الله : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضاعليه‌السلام ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في باب من لم يسم عنه فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(1) الخلاصة: 73 ط الحجرى‌

(2) رجال ابن داود ص 338‌

٢١

___________________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (1) .

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضاعليه‌السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني(2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد(3) .

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك(4) .

قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة(5) .

وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(1) رجال الشيخ ص 341 وفيه الغرلى.

(2) رجال الشيخ ص 387‌

(3) القاموس: 1 / 209‌

(4) رجال الشيخ ص 393 وفيه البوشنجى.

(5) القاموس: 1 / 179‌

٢٢

اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

___________________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي(1) باللام بعد الزاء.

قولهعليه‌السلام : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار، كما قال عز من قائل( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (2) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح: غني به غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت، وغني بالمكان أي أقام به، وغني أي عاش، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك(3) .

وفي القاموس: وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام، وغنيت لك مني بالمودة بقيت(4) .

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(1) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(2) سورة يونس: 32‌

(3) الصحاح: 6 / 2449‌

(4) القاموس: 4 / 371 - 372‌

٢٣

10 - وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيهعليه‌السلام .

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكره البرقي في كتاب الرجال(1) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله: والله سماكم في السماء شرطة الخميس(3) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائهعليه‌السلام منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي(4) .

قولهعليه‌السلام : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت(5) وأبوك، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول، كما في( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (6) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(1) رجال البرقى ص 3‌

(2) رجال الشيخ: 47 وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(3) الخلاصة: 51 ط الحجرى‌

(4) الخلاصة: 93‌

(5) كما في المطبوع منه‌

(6) سورة المنافقين: 10‌

٢٤

وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

11 - وذكر هشام، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي‌

___________________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب: بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد، وقد روي لازما الا انه غير معروف، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قولهرحمه‌الله : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س: الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط: والشرطة بالضم ما اشترطت، يقال: خذ شرطتك، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروف، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها(1) .

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة(2) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها: أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين سماهم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(1) القاموس: 2 / 211 و 368‌

(2) وفي « ن »: الشرط‌

٢٥

ابن أبي طالبعليه‌السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

12 - أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد ابن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال كان الناس أهل‌

___________________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد اللهعليهما‌السلام والكبير اسمه كنكر(1) .

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهماعليهما‌السلام والاكبر كنكر(2) .

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت: وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قولهعليه‌السلام : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قولهرحمه‌الله : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(3)

__________________

(1) رجال الشيخ: 139‌

(2) رجال الشيخ: 328‌

(3) رجال الشيخ: 100‌

٢٦

ردة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب: أصل الغفر الستر، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العامة والخاصة: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر(1) .

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش(2) وسيدهم، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم فقال: يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك.

قولهعليه‌السلام : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد زمان يسير، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(1) راجع الطرائف: 405 المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(2) وفي « س »: أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌

٢٧

عليهم الرحا

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان: الاول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال: دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية(1) .

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: احداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(1) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ص 22. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.

٢٨

وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام

___________________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها(1) .

غير مستقيم على اطلاقه.

قولهعليه‌السلام : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن العشرة الذين نصروهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر(2) .

وقال العلامة في الخلاصة: قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مشكور لم يبايع أبا بكر(3) .

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي: أن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الامير، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسنعليه‌السلام ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية: قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره فقال: يا قيس انه امامي يعني الحسنعليه‌السلام .

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(1) المجازات النبوية: 156‌

(2) رجال الشيخ: 54‌

(3) الخلاصة: 136‌

٢٩

مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

___________________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده(1) .

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص(2) الخلافة ولص الامامة.

قولهعليه‌السلام : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء بهعليه‌السلام مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس: انه بايع لا أنه قد وقعت منهعليه‌السلام المبايعة، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنهعليه‌السلام كان يقول: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل(3) .

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(1) راجع رجال الكشى: 110 ط جامعة مشهد‌

(2) وفي « ن »: متغمص‌

(3) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار: 8 / 172‌

٣٠

أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

___________________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، وقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر: موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وتشهّد وتشهّد علي وقال: لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري(1) . فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه: انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(1) ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1380. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص 258 فراجع تغتنم.

٣١

13 - جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي: فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس: فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(1) .

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس: يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء، وأبرينة وتكسر قرية بمرو، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي(2) .

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان(3) .

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه(4) .

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه، بل يكتفون فيهم بالمدح، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قولهرحمه‌الله : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 112‌

(2) القاموس: 4 / 201‌

(3) رجال الشيخ: 458‌

(4) رجال ابن داود: 80‌

٣٢

حدثني ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

___________________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال: الحسن بن خرزاذ قمي(1) .

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم: الحسن بن خرزاد من أهل كش(2) . وهو هذا الرجل.

قولهرحمه‌الله : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قولهعليه‌السلام : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة(3) .

وقال في باب السين: سلمان الفارسي مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة(4) .

وقال في باب العين: عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 413‌

(2) رجال الشيخ: 463‌

(3) رجال الشيخ: 36‌

(4) المصدر: 43‌

٣٣

تنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان عليعليه‌السلام يقول: وأنا امامهم، وهم الذين صلوا على فاطمةعليها‌السلام .

14 - محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال، قال حدثني العباس ابن عامر، وجعفر بن محمد بن حكيم، عن أبان بن عثمان، عن الحارث النصري بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام قال فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس اذا؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال، فقال: انها فتحت على الضلال أي والله‌

___________________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان(1) .

وقال في باب الميم: المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة(2) .

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة(3) واختاره العلامةرحمه‌الله في الخلاصة(4) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قولهرحمه‌الله : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسنعليهم‌السلام ، وروى عن زيد بن علي، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(1) المصدر: 46‌

(2) المصدر: 57 وفي النسخ « قد بيناه ».

(3) المصدر: 37‌

(4) الخلاصة: 60.

٣٤

هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة: هلكوا مكان ولكن.

قولهعليه‌السلام : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايتهعليه‌السلام (1) .

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال(2) وهو من الاصفياء من أصحابهعليه‌السلام .

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة(3) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (4) .

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل: هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(1) رجال الشيخ: 39‌

(2) المصدر: 63‌

(3) المصدر: 12‌

(4) المصدر: 63‌

٣٥

___________________________________________________________

وقال في القاموس: شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان(1) .

وما قاله العلامة في الخلاصة: ومن خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن(2) . ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله: وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة(3) . فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا(4) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة(5) .

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الاصفياء، فقد ذكره البرقي(6) ولم يذكره الشيخ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي(7) .

__________________

(1) القاموس: 2 / 55‌

(2) الخلاصة: 193‌

(3) رجال ابن داود: 183‌

(4) رجال الشيخ: 45 وفيه سمير مكان شمير.

(5) الخلاصة: 87‌

(6) رجال البرقى: 3 والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(7) الخلاصة: 192 قال ناقلا عن البرقى: ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.

٣٦

15 - حمدويه، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لا بي جعفرعليه‌السلام ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال، فقال: الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال، فقلت: بلى. قال: المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

16 - علي بن محمد القتيبي النيسابوري، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل، عن أبي حمزة، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما مروا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى، ثم قال: ليت السيوف‌

___________________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا - من قبائل الانصار، ذكره المطرزي في المغرب في ذ - ج وهو الصواب، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م - ج، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ - ج: ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه(1) .

قولهرحمه‌الله : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قولهعليه‌السلام : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب: وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 190‌

٣٧

قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

17 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفصل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

18 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى عليعليه‌السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

___________________________________________________________

الانصار، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قولهرحمه‌الله : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان، وحديث كل منهما يعد صحيحا، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية(1) وفي المعلقات على الاستبصار(2) بما لا مزيد عليه.

__________________

(1) الرواشح السماوية: 70‌

(2) التعليقة على الاستبصار: 4. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.

٣٨

عليعليه‌السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق عليعليه‌السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار؟ فقال: لا. قلت: فعمار من أهل الردة؟ فقال: ان عمارا قد قاتل مع عليعليه‌السلام بعد.

19 - وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك، عن النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : يا سلمان اذهب الى فاطمةعليها‌السلام فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت: هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: أنا ذرة لا بي ذر، وقالت الاخرى: أنا مقدودة للمقداد، ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

20 - محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال حدثني‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام وقال: نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه(1) .

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك - بفتح النون وكسر الهاء - بيت من أصحابنا بالكوفة، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(1) رجال الشيخ: 288‌

٣٩

علي بن سليمان بن داود الرازي، قال حدثنا علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام وقال: علي بن سليمان بن داود الرقي(1) .

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان - بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها - بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي: بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس: محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره(2) .

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين، وكان له اتصال بصاحب الامرعليه‌السلام وخرج(3) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال: انه فاسد، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة(4) .

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 433‌

(2) القاموس: 4 / 230‌

(3) وفي « س »: وخرجت‌

(4) الخلاصة: 100‌

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لينكل به ، وهذا نص كتابه :

« أما بعد : فانظر عبد الله بن هاشم بن عتبة فشدّ يده الى عنقه ثم ابعث به إليّ ».

ولما وصلت رسالة معاوية الى زياد قام فى طلبه وحينما علم بذلك عبد الله هرب واختفى منه ، وعلم به بعض الأوغاد فجاء الى معاوية ليتقرب إليه فأخبره انه قد اختفى عند امراة مخزومية ، فكتب معاوية الى زياد ما يلي :

« أما بعد : فاذا اتاك كتابي هذا فاعمد الى حي بنى مخزوم ففتشه دارا دارا حتى تأتي الى دار فلانة المخزومية فاستخرج عبد الله بن هاشم المرقال منها ، فاحلق راسه والبسه جبة شعر وقيّده وغل يده الى عنقه واحمله على قتب بغير وطاء ولا غطاء واقدمه إلي ».

وقام زياد ففتش حي بنى مخزوم حتى ظفر بعبد الله فحمله إليه بالكيفية التي ارادها وهو مهان الجانب ، محطم الكيان فوصل الى دمشق في يوم الجمعة وهو يوم القبول الذي اعده معاوية لمقابلة اشراف قريش ووجوه العراقيين ولم يشعر معاوية إلا وابن هاشم قد ادخل عليه فعرفه ولم يعرفه ابن العاص فالتفت معاوية إليه قائلا :

« يا أبا عبد الله ، هل تعرف هذا الفتى؟ » قال : لا.

فقال معاوية هذا الذي يقول أبوه يوم صفين :

إني شريت النفس لما اعتلا

وأكثر اللوم وما أقلا

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

أسلهم بذي الكعوب سلا

لا خير عندي في كريم ولى

٣٨١

فبهر ابن العاص وقال متمثلا :

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وتذكر ابن العاص مواقف أبيه يوم صفين فقال لمعاوية :

« دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب فاشخب اوداجه على أثباجه ولا ترده الى أهل العراق ، فانه لا يصبر على النفاق ، وهم أهل غدر وشقاق ، وحزب ابليس ليوم هيجانه ، وإن له هوى سيوديه ، ورأيا سيطغيه ، وبطانة ستقويه ، وجزاء سيئة سيئة مثلها.

فانبرى إليه عبد الله كالأسد الغضبان مسددا له سهاما من القول غير هياب له قائلا :

« يا عمرو ، إن أقتل فرجل اسلمه قومه ، وأدركه يومه ، أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال ونحن ندعوك الى النزال ، وأنت تلوذ بشمال النطاف(١) ، وعقائق الرصاف(٢) كالأمة السوداء ، والنعجة القوداء ، لا تدفع يد لامس؟ »

فالتاع ابن العاص ولم يستطع أن يقول شيئا سوى التهديد والتوعيد له قائلا :

« أما والله لقد وقعت في لهازم شدقم(٣) للأقران ذي لبد ، ولا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين ».

فأجابه ابن هاشم غير معتن بتهديده قائلا :

__________________

(١) النطاف : الماء القليل.

(٢) العقائق : سهام الاعتذار. والرصاف : الحجارة التي توضع عند مسيل الماء ..

(٣) اللهازم : جمع مفرده لهزم وهي الأنياب. والشدقم : الأسد.

٣٨٢

« أما والله يا ابن العاص إنك لبطر فى الرخاء ، جبان عند اللقاء ، غشوم إذا وليت ، هياب إذا لقيت ، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك ، لا يستعجل في المدة ، ولا يرتجي في الشدة ، أفلا كان هذا منك إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغارا ، ولم يمزقوا كبارا لهم أيد شداد وألسنة حداد ، يدعمون العوج ، ويذهبون الحرج ، يكثرون القليل ، ويشفون الغليل ، ويعزون الذليل؟ »

فلم يطق ابن العاص جوابا وبقي يفتش في حقيبة مكره عيبا يوصم به عبد الله فلم يجد شيئا سوى افتعال الكذب فقال :

« أما والله لقد رأيت أباك يومئذ تخفق احشاؤه(١) وتبق أمعاؤه وتضطرب أصلاؤه(٢) كأنما انطبق عليه ضمد ».

فانبرى إليه عبد الله مجيبا عن بهتانه وكذبه قائلا له :

« يا عمرو ، إنا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك كذوبا غادرا ، خلوت بأقوام لا يعرفونك ، وجند لا يساومونك ، ولو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ عليك عقلك(٣) ، ولتلجلج لسانك ، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي أثقله حمله ».

والتفت إليهما معاوية فقطع حديثهما قائلا : « إيها عنكما » ثم أمر باطلاق سراح عبد الله ، فاستاء ابن العاص لهذا العفو ، وانبرى الى معاوية يحرضه على الفتك والبطش به ويذكره مواقف أبيه هاشم في أيام صفين وقد نظم ذلك بأبيات من الشعر قال :

__________________

(١) تخفق : أي تضطرب.

(٢) الاصلاء : أواسط الظهر.

(٣) جحظ عقله : أي نظر الى رأيه فرأى سوء ما ارتأى.

٣٨٣

أمرتك أمرا حازما فعصيتني

وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

أليس أبوه يا معاوية الذي

أعان عليا يوم حز الغلاصم

فلم ينثن حتى جرت من دمائنا

بصفين أمثال البحور الخضارم

وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه

ويوشك أن تقرع به سن نادم

فأجابه عبد الله :

معاوي إن المرء عمرا أبت له

ضغينة صدر غشها غير نائم

يرى لك قتلي يا ابن هند وإنما

يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم

على انهم لا يقتلون أسيرهم

إذا منعت منه عهود المسالم

وقد كان منا يوم صفين نقرة

عليك جناها هاشم وابن هاشم

قضى ما قضى منها وليس الذي مضى

ولا ما جرى إلا كأضغاث حالم

فان تعف عني تعف عن ذي قرابة

وإن تر قتلي تستحل محارمى

واندفع معاوية قائلا :

أرى العفو عن عليا قريش وسيلة

الى الله فى يوم العضيب القماطر

ولست أرى قتل العداة ابن هاشم

بادراك ثاري في لؤي وعامر

بل العفو عنه بعد ما بان جرمه

وزلت به إحدى الجدود العواثر

فكان أبوه يوم صفين جمرة

علينا فأردته رماح نهابر(١)

لقد روع عبد الله وأفزعه معاوية وهو لم يقترف ذنبا سوى ولائه لأمير المؤمنين (ع) الذي جعله ابن هند من أعظم الموبقات والجرائم ، وصرحت بعض المصادر أنه لم يعفو عنه بل أودعه فى ظلمات السجون.

٣ ـ عبد الله بن خليفة الطائي.

وعبد الله بن خليفة الطائي ممن عرف بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٤ ، وشرح ابن أبي الحديد.

٣٨٤

فقد جاء إليه حينما توجه (ع) الى البصرة فقال له :

« الحمد لله الذي ردّ الحق الى أهله ، ووضعه في موضعه ، فان كره ذلك قوم فقد والله كرهوا محمدا (ص) ونابذوه وقاتلوه ، فرد الله كيدهم في نحورهم وجعل دائرة السوء عليهم ، والله لأجاهد معك في كل موطن تحفظا لحق رسول الله (ص) »(١) .

وقد دلّ حديثه على تبصره في دينه ، وعلى طيب عنصره ، وحسن رأيه ، ولعظيم ايمانه ووفور عقله ، كان من المقربين عند الإمام ومن الذين يستشيرهم في مهام اموره(٢) .

وفي محنة حجر كان عبد الله في طليعة أصحابه ومن المعارضين للسياسة الأموية ، ومن المشتركين معه في ثورته ، ولما قبض زياد على حجر وأصحابه أمر شرطته أن يأتوه بعبد الله ، ففتشوا عنه فوجدوه ، فناجزهم عبد الله ، وبعد صراع جرى فيما بينهم لم يتمكن عبد الله على انقاذ نفسه منهم فاستولوا عليه ، فاستنجدت اخته النوار بقومها واسرتها فطلبت نصرة أخيها قائلة :

« يا معشر طيء أتسلمون سنانكم ولسانكم عبد الله بن خليفة؟ » فثار الطائيون على الشرطة فضربوهم وناجزوهم حتى انتزعوا منهم عبد الله فرجعت الشرطة الى زياد وأخبرته بالأمر فاستدعا زعيم طيء وعميدها عدي ابن حاتم فقال له :

« ائتني بعبد الله بن خليفة؟ »

وبعد حديث جرى بينهما أجابه ابن حاتم بمنطق الأحرار قائلا :

« لا والله لا أتاك به أبدا ، أجيئك بابن عمي تقتله؟ والله لو كان

__________________

(١) الفوائد المطبوع على هامش التعليقات ص ٢٠٢.

(٢) نفس المصدر.

٣٨٥

تحت قدمي ما رفعتهما عنه ».

فالتاع زياد وأمر به الى السجن ، ولم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلا أتوا زيادا فكلموه في شأن عدي ، وأخبروه بعظم شأنه وشرفه ، فاضطر زياد الى اطلاق سراحه ، ولكنه شرط عليه أن يغيب ابن عمه عن الكوفة فوافق عدي على ذلك ، وأمر عبد الله أن يغادر الكوفة ويلحق با ( لجبلين ) ، فغادر عبد الله الكوفة ، وقد سرى الألم العاصف في محياه على بعده عن وطنه وعلى فراقه لأصحابه وأهله ، وقد أرسل الى عدي بعد نفيه قصيدة عصماء يرثي بها حجرا وأصحابه ويذكر فيها ما يعانيه من ألم الفراق فيقول في رثاء حجر :

ولاقى بها(١) حجر من الله رحمة

فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا

ولا زال تهطال ملث وديمة

على قبر حجر أو ينادى فيحشرا

فيا حجر من للخيل تدمى نحورها

وللملك المغزى إذا ما تغشمرا(٢)

ومن صادع بالحق بعدك ناطق

بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا

فنعم أخو الإسلام كنت وانني

لأطمع أن تؤتى الخلود وتحبرا

وقد كنت تعطي السيف في الحرب حقه

وتعرف معروفا وتنكر منكرا

ثم يسترسل فى رثاء حجر فيذكر صفاته ومواهبه وملكاته ويبكيه أمر البكاء وينتهي في قصيدته الى وصف محنته وبلواه والى ما يلاقيه من الألم والأسى في غربته فيقول :

فها أنا ذا آوي بأجبال طيء

طريدا فلو شاء الإله لغيرا

نفاني عدوي ظالما عن مهاجري

رضيت بما شاء الإله وقدرا

__________________

(١) الضمير يرجع الى مرج عذراء.

(٢) تغشمرا : أي أخذ قهرا وظلما.

٣٨٦

وأسلمني قومى بغير جناية

كأن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا

وذكر الطبري وابن الأثير بقية قصيدته التي أعرب فيها عن شجونه وأحزانه ، وظل عبد الله منفيا حتى مات بالجبلين قبل موت زياد(١) .

٤ ـ صعصعة بن صوحان :

وصعصعة بن صوحان من سادات العرب وفصحائهم النابهين وخطبائهم المفوهين كان من ذوي الفضيلة والدين ، أسلم على عهد رسول الله (ص) وهو صغير ولم يجتمع به لصغر سنه ، ووفد على عمر وكان يقسم أموال الغنائم وكان مقدارها ألف ألف درهم ففضها على المسلمين وبقيت منها فضلة فاختلفت الصحابة فيها فقام فيهم عمر خطيبا فقال في خطابه :

« أيها الناس ، قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس ، فما تقولون فيها؟ »

فانبرى إليه صعصعة منكرا عليه تحيره فى هذه المسألة البسيطة قائلا :

« يا أمير المؤمنين ، إنما تشاور الناس فيما لم ينزل الله فيه قرآنا ، وأما ما أنزل الله به القرآن ووضعه مواضعه فضعه فى مواضعه التي وضعه الله تعالى ».

فاستحسن عمر رأيه وقال له : « صدقت أنت مني وأنا منك » ثم قسم المال بين المسلمين »(٢) .

وكان صعصعة من صفوة أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومن الملازمين له ، وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في حقه : « ما كان مع أمير المؤمنين من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه »(٣) . ومرض صعصعة فعاده (ع) فقال له :

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٥٧ ، الكامل ٣ / ٢٤١.

(٢) الاستيعاب ٢ / ١٨٩.

(٣) التعليقات ص ١٨٣.

٣٨٧

« يا صعصعة ، لا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك!! »

ـ بلى والله أعدها منّة من الله وفضلا علي.

ـ إنك إن كنت على ما علمتك فأنت خفيف المؤنة حسن المعونة.

ـ وأنت والله يا أمير المؤمنين بالله عليما وبالمؤمنين رءوفا رحيما(١) .

ولحصافة رأيه ، وسداد منطقه كان الإمام (ع) يرسله فى مهامه فقد أرسله مرة الى معاوية ومعه كتاب منه ، فلما انتهى إليه قال معاوية مشيدا بنفسه ومبررا لأعماله :

« الأرض لله وأنا خليفة الله فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركت منه كان جائزا لي ».

وثقل على صعصعة هذا الكلام الملتوي فانبرى إليه مجيبا.

تمنيك نفسك ما لا يكو

ن جهلا معاوي لا تأثم

فتألم معاوية وقال منددا به :

« تعلمت الكلام؟ »

ـ العلم بالتعلم ومن لا يعلم يجهل.

ـ ما أحوجك الى أن أذيقك وبال أمرك.

ـ ليس ذلك بيدك ، ذلك بيد الذي لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها.

ـ من يحول بيني وبينك؟

ـ الذي يحول بين المرء وقلبه.

ـ اتسع بطنك للكلام كما اتسع بطن البعير للشعير.

ـ اتسع بطن من لا يشبع ، ودعا عليه من لا يجمع(٢) .

__________________

(١) التعليقات.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٤٢.

٣٨٨

ودلت هذه المحاورة على قوة جنان صعصعة وانه ليس بالرعديد ولا الهياب ، فقد ردّ على معاوية مقالته بالمثل وقابله بالاستخفاف والاستهانة وهو غير خائف من سلطانه.

وخطب معاوية بعد ما تم له الأمر ، فقام إليه صعصعة فعلق على كل جملة من خطابه ، وفيما يلي خطاب معاوية مع رد صعصعة عليه.

قال معاوية :

ـ لو أن أبا سفيان ، ولد الناس كلهم كانوا أكياسا ..

ـ قد ولد الناس كلهم من هو خير من أبي سفيان آدم ، فمنهم الأحمق والكيّس!!

ـ إن أرضنا قريبة من المحشر.

ـ إن المحشر لا يبعد على مؤمن ، ولا يقرب من كافر.

ـ إن أرضنا أرض مقدسة.

ـ إن الأرض لا يقدسها شيء ، ولا ينجسها ، إنما تقدسها الأعمال.

ـ عباد الله اتخذوا الله وليّا ، واتخذوا خلفاءه جنة تحرزوا بها.

ـ كيف؟! وقد عطلت السنة ، واخفرت الذمة ، فصارت عشواء مطلخمة ، في دهياء مدلهمة ، قد استوعبتها الأحداث ، وتمكنت منها الانكاث.

فثار معاويه وصاح به :

ـ يا صعصعة ، لإن تقع على ضلعك خير لك من استبراء رأيك ، وإبداء ضعفك ، تعرض بالحسن بن علي ، ولقد هممت أن أبعث إليه ، فأجابه صعصعة قائلا :

« أي والله ، وجدتهم أكرمكم جدودا ، وأحياكم حدودا ، وأوفاكم

٣٨٩

عهدا ، ولو بعثت إليه لوجدته في الرأي أديبا ، وفي الأمر صليبا ، وفى الكرم نجيبا ، يلذعك بحرارة لسانه ، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره!! »

ولسع قوله معاوية فراح يهدده قائلا :

ـ لأجفينك عن الوساد ، ولأشردن بك في البلاد.

ـ والله إن فى الأرض لسعة ، وإن فى فراقك لدعة.

ـ والله لأحبسن عطاءك.

ـ إن كان ذلك بيدك فافعل ، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفذ خزائنه ، ولا يبيد عطاؤه ، ولا يحيف في قضيته.

ـ لقد استقتلت!!

ـ مهلا ، لم أقل جهلا ، ولم أستحل قتلا ، لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ومن قتل مظلوما كان الله لقاتله مقيما ، يرهقه أليما ، ويجرعه حميما ، ويصليه جحيما(١) ...

وانصرف صعصعة وترك معاوية يتميز غيظا وكمدا ، وعمد بعد ذلك الى سجنه مع جماعة من أصحابه ، وبقوا فى سجنه مدة من الزمن فدخل عليهم قائلا لهم :

« نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا ، أي الخلفاء رأيتموني؟ ».

فانبرى إليه عبد الله بن الكواء قائلا :

« لو لا انك عزمت علينا ما قلنا ، لأنك جبار عنيد ، لا تراقب الله فى قتل الأخيار ، ولكنا نقول : قد علمنا أنك واسع الدنيا ضيق الآخرة قريب الثرى ، بعيد المرعى ، تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات!! »

فقال معاوية له : « إن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ٦ / ٤٢٥.

٣٩٠

بيضته ، التاركين لمحارمه ، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله ، والمحلين ما حرم الله ، والمحرمين ما أحل الله ».

فأجابه ابن الكواء : « يا ابن أبي سفيان ، إن لكل كلام جوابا ونحن نخاف جبروتك ، فان كنت تطلق السنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها فى الله لومة لائم ، وإلا فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه ».

فقال له معاوية : « لا والله لا يطلق لك لسان ».

وسكت عبد الله فتكلم صعصعة :

« تكلمات يا ابن أبي سفيان فأبلغت ، ولم تقصر عما أردت ، وليس الأمر كما ذكرت ، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ، ودانهم كبرا واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا!! أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى وما كنت فيه إلا كما قال القائل : « لا حلي ولا سيري »(١) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله (ص) وإنما أنت طليق ابن طليق أطلقكما رسول الله (ص) فانى تصلح الخلافة لطليق؟ »

وامتلأ قلب معاوية غيظا وكمدا فالتفت إليهم :

« لو لا أني أرجع الى قول أبي طالب حيث يقول :

قابلت جهلهم حلما ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلتكم »(٢) .

وكان صعصعة من جملة الأشخاص الذين طلب لهم الإمام الحسن (ع)

__________________

(١) أصل هذا المثل ( لا حاء ولا ساء ) ومعناه أنه ليس لك فيه أمر ولا نهي ، جاء ذلك في مجمع الأمثال ٢ / ١٥٨.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٤١.

٣٩١

من معاوية الأمن وعدم التعرض لهم بسوء ومكروه(١) ولكن معاوية لم يف بذلك فقد روعه وأفزعه وأودعه في سجنه كما روع غيره من زعماء الشيعة ، وصرحت بعض المصادر ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة الى الجزيرة أو الى البحرين أو الى جزيرة ابن كافان فمات بها معتقلا منفيا عن وطنه وبلاده وفي رثائه يقول المرزباني(٢) :

هلا سألت بني الجارود أي فتى

عند الشفاعة والبان ابن صوحانا

كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا

عق ولم نجز بالإحسان إحسانا(٣)

٥ ـ عدي بن حاتم :

وعدي بن حاتم من أهم الشخصيات الرفيعة الفذة في العراق ، فقد كان قبل الإسلام يتمتع بمجد أصيل وشرف أثيل ، فهو ابن حاتم مضرب المثل في الجود والسخاء ، وبالإضافة الى مجده الموروث فقد كان في الإسلام من ابطال العقيدة ، ومن عيون المؤمنين ، ومن رجال الإسلام البارزين ، وقد تقدم في هامش هذا الكتاب شيء موجز عن ترجمته ، والمهم التعرض الى ما لاقاه من الهوان والاستخفاف من قبل ابن هند لأجل ولائه واخلاصه لأمير المؤمنين (ع) فقد دخل يوما على معاوية فقال له متشمتا به :

__________________

(١) رجال الكشي ص ٤٦.

(٢) المرزباني : بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاء وفتح الباء الموحدة وهو جد من انتسب إليه من الأعيان جاء ذلك في اللباب ٣ / ١٢٤ ، وجاء فى وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٣ ، أن لفظ المرزبان لفظ فارسي معناه صاحب الحد ، فان مرز معناه الحد وبان معناه صاحب ، وهو في الأصل عندهم اسم لمن كان دون الملك.

(٣) الاصابة ٢ / ١٩٢.

٣٩٢

ـ ما فعلت الطرفات؟(١) .

ـ قتلوا مع علي.

ـ ما أنصفك علي قتل أولادك وأبقى أولاده!!.

ـ ما أنصفك علي إذ قتل وبقيت بعده.

فتألم ابن هند من مقال عدي وقال مهددا له :

« أما إنه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن ـ يعني به عديا ـ ».

فانبرى إليه عدي وهو غير مكترث بتهديده قائلا له :

« والله إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا ، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا ، لندنين إليك من الشر شبرا ، وإن حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم(٢) لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي ، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف ».

فراوغ معاوية على عادته وقال :

« هذه كلمات حكم فاكتبوها ».

ثم أقبل عليه يحدثه كأنه لم يخاطبه بشيء(٣) ثم قال له :

« صف لي عليا ».

ـ إن رأيت أن تعفيني.

ـ لا أعفيك.

فأخذ عدي في وصف أمير المؤمنين فقال :

__________________

(١) الطرفات : أولاد عدي وهم طريف وطارف وطرفة.

(٢) الحيزوم : وسط الظهر.

(٣) مروج الذهب ٢ / ٣٠٩.

٣٩٣

« كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلا ، ويحكم فصلا تتفجر الحكمة من جوانبه ، والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ، ويقلب كفيه على ما مضى ، يعجبه من اللباس القصير ، ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا ، وقربه منا لا نكلمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فان تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويتحبب الى المساكين ، لا يخاف القوي ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل فى محرابه وأرخى الليل سرباله ، وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول :

« يا دنيا ، إليّ تعرضت أم إليّ أقبلت؟ غري غيري لا حان حينك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعيشك حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ، وقلة الأنيس ».

فوكفت عينا معاوية ، وجعل ينشفهما بكمه وهو يقول :

« يرحم الله أبا الحسن ، كان كذلك ، فكيف صبرك عنه؟ »

ـ كصبر من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تسكن عبرتها.

ـ فكيف ذكرك له؟

ـ وهل يتركني الدهر أن أنساه؟(١) ،

وقد دل هذا الحديث على ولاء عدي لأمير المؤمنين ومن أجل ولائه

__________________

(١) المحاسن والمساوي ١ / ٣٢.

٣٩٤

واخلاصه فقد روع وأفزع ، وقد تقدم أن زيادا أودعه في السجن حفنة من الأيام من أجل عبد الله بن خليفة الطائي ولم يراع شخصيته الكريمة ، ومكانته الاجتماعية ، وعظم منزلته ، وإنما فعل ذلك به ليقضي على شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٦ ـ جارية بن قدامة :

ووفد معاوية بن قدامة السعدي على معاوية ، فقال له معاوية :

ـ أنت الساعي مع علي بن أبي طالب ، والموقد النار في شعلك ، تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟

ـ يا معاوية دع عنك عليا ، فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ، ولا غششناه منذ صحبناه.

ـ ويحك يا جارية!! ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية!!

ـ أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية(١) !

ـ لا أمّ لك.

ـ أم ما ولدتني(٢) ، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا.

ـ إنك لتهددني؟

ـ إنك لم تملكنا قسرة ، ولم تفتحنا عنوة ، ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق ، فان وفيت لنا وفينا ، وإن ترغب الى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا ، وأدرعا شدادا ، وأسنّة حدادا ، فان بسطت إلينا

__________________

(١) وفي رواية ابن عبد ربه ( ما كان أهونك على أهلك إذ سموك معاوية ) وهي الأنثى من الكلاب.

(٢) وفي رواية ابن عبد ربه أمي ولدتني للسيوف.

٣٩٥

فترا من غدر ، زلفنا إليك بباع من ختر.

ـ لا كثر الله في الناس من أمثالك.

وتركه جارية والأسى ملأ اهابه(١) ، لقد لقي جارية هذا الهوان ، والتبكيت من أجل ولائه للعترة الطاهرة التي فرض الله مودتها على جميع المسلمين.

ترويع نساء الشيعة :

ولم يقتصر معاوية فى ارهابه واضطهاده على رجال الشيعة وزعمائهم فقد أخذ يتحرى نساءهم فما ذكرت له امرأة منهم ذات مكانة مهمة إلا وبعث خلفها فقابلها بالاستخفاف والاستهانة ، وأدخل الفزع والخوف فى نفسها ، وإذا وفدت عليه امرأة منهم قابلها بالإذلال ، وأظهر لها ما يكنه في نفسه من الحقد والبغض العارم للإمام أمير المؤمنين ولشيعته وها نحن نقدم الى القارئ الكريم أسماء بعض السيدات اللاتي بعث خلفهن ، واللاتي وفدن عليه مع ما جرى بينهن وبينه من الحديث :

١ ـ الزرقاء بنت عدي :

وكانت الزرقاء بنت عدي بن غالب ممن عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين (ع) ، وكانت من ربات البلاغة والفصاحة والرأي الصائب وكانت في واقعة صفين تدعو الجماهير الى نصرة أمير المؤمنين (ع) وتحرضهم على قتال عدوه ، ولما فجع الإسلام بقتل أمير المؤمنين وانتهى الأمر الى ابن هند كتب الى عامله بالكوفة أن يحمل إليه الزرقاء بنت عدي فبعث بها إليه ، فلما دخلت عليه رحب بها ثم قال لها :

__________________

(١) تأريخ الخلفاء ص ١٩٩.

٣٩٦

« هل تعلمين لم بعثت إليك؟ ».

ـ سبحان الله أنّى لي بعلم ما لم أعلم!! وهل يعلم ما فى القلوب إلا الله.

ـ بعثت إليك أن أسألك ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين بين الصفين توقدين الحرب ، وتحرضين على القتال ، فما حملك على ذلك؟

ـ يا أمير المؤمنين ، إنه قد مات الرأس ، وبتر الذنب ، والدهر ذو غير ، ومن تفكر أبصار ، والأمر يحدث بعده الأمر!!!

ـ صدقت فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟

ـ ما أحفظه.

ـ ولكني والله أحفظه لله أبوك لقد سمعتك تقولين : أيها الناس إنكم فى فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء تسمع لناعقها ، ولا تسلس لقائدها ، إن المصباح لا يضيء في الشمس وإن الكواكب لا تنير مع القمر ، وإن البغل لا يسبق الفرس وان الزف(١) لا يوازن الحجر ، ولا يقطع الحديد إلا الحديد ، ألا من استرشدنا أرشدناه ومن استخبرنا أخبرناه ، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها ، فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار ، فكان قد اندمل شعب الشتات ، والتأمت كلمة العدل ، وغلب الحق باطله ، فلا يعجلن أحد فيقول : كيف العدل وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، ألا إن خضاب النساء الحناء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير عواقب الأمور ، إيها الى الحرب غير ناكصين ، ولا متشاكسين فهذا يوم له ما بعده.

وبعد ما تلى معاوية كلامها تأثر منه واندفع وهو مغيظ محنق فقال لها :

__________________

(١) الزف : الصغير من الريش.

٣٩٧

« والله يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه ».

« أحسن الله بشارتك ، وأدام سلامتك ، مثلك من بشر بخير وسر جليسه ».

« وقد سرّك ذلك؟ »

« نعم والله لقد سرني قولك فأنّى لي بتصديق الفعل!؟ »

فتبهر معاوية من اخلاصها لأمير المؤمنين فقال :

« والله لوفاؤكم له بعد موته احبّ إليّ من حبكم له فى حياته ، اذكري حاجتك؟ »

ـ إني قد آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه شيئا أبدا ومثلك أعطى من غير مسألة ، وجاد عن غير طلب.

ـ صدقت.

ثم أقطعها ضيعة وأوصلها وردها الى أهلها(١) .

إنه وإن أكرمها أخيرا ، وأجزل لها العطاء إلا أنه قد روعها وأفزعها أولا وأظهر لها الظفر والغلبة والنصر عليها.

٢ ـ أم الخير البارقية :

كانت أم الخير بنت الحريش البارقية من سيدات النساء ومن البليغات البارعات ، وقد عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين (ع) ، وكانت في واقعة صفين تحرض الجماهير على حرب ابن هند ، وتحفزهم الى الذب عن أمير المؤمنين ونصرته ، وقد تألم معاوية من مواقفها ، وأضمر لها الحقد والعداء ، ولما انحسرت روح الإسلام باستيلائه على زمام الحكم كتب الى واليه على الكوفة يأمره بأن يحمل إليه أم الخير لينتقم منها ، فلما ورد

__________________

(١) بلاغات النساء لطيفور طبع النجف ص ٣٢ صبح الأعشى ، المستطرف.

٣٩٨

الكتاب الى عامله بعثها إليه ، فلما دخلت على معاوية قالت :

« السلام عليك يا أمير المؤمنين ».

ـ وعليك السلام ، وبالرغم والله دعوتنى بهذا الاسم.

ـ مه يا هذا ، فان بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه.

ـ صدقت يا خالة ، وكيف رأيت مسيرك؟

ـ لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت الى ملك جزل ، وعطاء بذل ، فأنا في عيش أنيق ، عند ملك رفيق.

ـ بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم.

ـ مه يا هذا ، لك والله من دحض المقال ما تردّى عاقبته.

ـ ليس لهذا أردناك.

ـ إنما أجرى فى ميدانك إذا أجريت شيئا أجريته ، فاسأل عما بدا لك؟

ـ كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟

ـ لم أكن والله رويته قبل ، ولا زورته بعد ، وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة ، فان شئت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت؟

ـ لا أشاء ذلك!!

ثم التفت الى أصحابه فقال لهم : أيكم حفظ كلام أم الخير؟ فانبرى إليه أحدهم فقال له : أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد فقال له : هاته ، فقال : كأني بها وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية وعلى جمل أرمك(١) وقد احيط حولها وبيدها سوط منتشر الضفر وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول :

« يا أيها الناس ، اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، إن الله

__________________

(١) جمل أرمك : أي لونه كلون الرماد.

٣٩٩

قد أوضح الحق ، وأبان الدليل ، ونوّر السبيل ، ورفع العلم ، فلم يدعكم فى عمياء مبهمة ، ولا سوداء مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله! أفرارا عن أمير المؤمنين؟ أم فرارا من الزحف؟ أم رغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول : « ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرون ونبلو أخباركم ».

ثم رفعت رأسها الى السماء وهي تقول : « اللهم قد عيل الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشر الرعب ، وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع الكلمة على التقوى ، والّف القلوب على الهدى ، ورد الحق الى أهله ، هلموا رحمكم الله الى الإمام العادل ، والوصي الوفي ، والصديق الأكبر ، إنها احن بدرية ، وأحقاد جاهلية ، وضغائن أحدية ، وثب بها معاوية حين الغافلة ، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس ».

ثم قالت : « قاتلوا أئمة الكفر انهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون » صبرا معاشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربكم ، قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة ، فرت من قسورة ، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض ، باعوا الآخرة بالدنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا البصيرة بالعمى ، وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل الندامة فيطلبون الاقالة إنه والله من ضل عن الحق وقع فى الباطل ، ومن لم يسكن الجنة نزل النار ، أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستبطئوا مدة الآخرة فسعوا لها ، والله أيها الناس لو لا أن تبطل الحقوق ، وتعطل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه ، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ عن ابن عم رسول الله (ص) وزوج ابنته وأبي ابنيه؟ خلق من طينته ، وتفرع من

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529