حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 529
المشاهدات: 188731
تحميل: 4119


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188731 / تحميل: 4119
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

لينكل به ، وهذا نص كتابه :

« أما بعد : فانظر عبد الله بن هاشم بن عتبة فشدّ يده الى عنقه ثم ابعث به إليّ ».

ولما وصلت رسالة معاوية الى زياد قام فى طلبه وحينما علم بذلك عبد الله هرب واختفى منه ، وعلم به بعض الأوغاد فجاء الى معاوية ليتقرب إليه فأخبره انه قد اختفى عند امراة مخزومية ، فكتب معاوية الى زياد ما يلي :

« أما بعد : فاذا اتاك كتابي هذا فاعمد الى حي بنى مخزوم ففتشه دارا دارا حتى تأتي الى دار فلانة المخزومية فاستخرج عبد الله بن هاشم المرقال منها ، فاحلق راسه والبسه جبة شعر وقيّده وغل يده الى عنقه واحمله على قتب بغير وطاء ولا غطاء واقدمه إلي ».

وقام زياد ففتش حي بنى مخزوم حتى ظفر بعبد الله فحمله إليه بالكيفية التي ارادها وهو مهان الجانب ، محطم الكيان فوصل الى دمشق في يوم الجمعة وهو يوم القبول الذي اعده معاوية لمقابلة اشراف قريش ووجوه العراقيين ولم يشعر معاوية إلا وابن هاشم قد ادخل عليه فعرفه ولم يعرفه ابن العاص فالتفت معاوية إليه قائلا :

« يا أبا عبد الله ، هل تعرف هذا الفتى؟ » قال : لا.

فقال معاوية هذا الذي يقول أبوه يوم صفين :

إني شريت النفس لما اعتلا

وأكثر اللوم وما أقلا

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

أسلهم بذي الكعوب سلا

لا خير عندي في كريم ولى

٣٨١

فبهر ابن العاص وقال متمثلا :

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وتذكر ابن العاص مواقف أبيه يوم صفين فقال لمعاوية :

« دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب فاشخب اوداجه على أثباجه ولا ترده الى أهل العراق ، فانه لا يصبر على النفاق ، وهم أهل غدر وشقاق ، وحزب ابليس ليوم هيجانه ، وإن له هوى سيوديه ، ورأيا سيطغيه ، وبطانة ستقويه ، وجزاء سيئة سيئة مثلها.

فانبرى إليه عبد الله كالأسد الغضبان مسددا له سهاما من القول غير هياب له قائلا :

« يا عمرو ، إن أقتل فرجل اسلمه قومه ، وأدركه يومه ، أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال ونحن ندعوك الى النزال ، وأنت تلوذ بشمال النطاف(1) ، وعقائق الرصاف(2) كالأمة السوداء ، والنعجة القوداء ، لا تدفع يد لامس؟ »

فالتاع ابن العاص ولم يستطع أن يقول شيئا سوى التهديد والتوعيد له قائلا :

« أما والله لقد وقعت في لهازم شدقم(3) للأقران ذي لبد ، ولا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين ».

فأجابه ابن هاشم غير معتن بتهديده قائلا :

__________________

(1) النطاف : الماء القليل.

(2) العقائق : سهام الاعتذار. والرصاف : الحجارة التي توضع عند مسيل الماء ..

(3) اللهازم : جمع مفرده لهزم وهي الأنياب. والشدقم : الأسد.

٣٨٢

« أما والله يا ابن العاص إنك لبطر فى الرخاء ، جبان عند اللقاء ، غشوم إذا وليت ، هياب إذا لقيت ، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك ، لا يستعجل في المدة ، ولا يرتجي في الشدة ، أفلا كان هذا منك إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغارا ، ولم يمزقوا كبارا لهم أيد شداد وألسنة حداد ، يدعمون العوج ، ويذهبون الحرج ، يكثرون القليل ، ويشفون الغليل ، ويعزون الذليل؟ »

فلم يطق ابن العاص جوابا وبقي يفتش في حقيبة مكره عيبا يوصم به عبد الله فلم يجد شيئا سوى افتعال الكذب فقال :

« أما والله لقد رأيت أباك يومئذ تخفق احشاؤه(1) وتبق أمعاؤه وتضطرب أصلاؤه(2) كأنما انطبق عليه ضمد ».

فانبرى إليه عبد الله مجيبا عن بهتانه وكذبه قائلا له :

« يا عمرو ، إنا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك كذوبا غادرا ، خلوت بأقوام لا يعرفونك ، وجند لا يساومونك ، ولو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ عليك عقلك(3) ، ولتلجلج لسانك ، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي أثقله حمله ».

والتفت إليهما معاوية فقطع حديثهما قائلا : « إيها عنكما » ثم أمر باطلاق سراح عبد الله ، فاستاء ابن العاص لهذا العفو ، وانبرى الى معاوية يحرضه على الفتك والبطش به ويذكره مواقف أبيه هاشم في أيام صفين وقد نظم ذلك بأبيات من الشعر قال :

__________________

(1) تخفق : أي تضطرب.

(2) الاصلاء : أواسط الظهر.

(3) جحظ عقله : أي نظر الى رأيه فرأى سوء ما ارتأى.

٣٨٣

أمرتك أمرا حازما فعصيتني

وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

أليس أبوه يا معاوية الذي

أعان عليا يوم حز الغلاصم

فلم ينثن حتى جرت من دمائنا

بصفين أمثال البحور الخضارم

وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه

ويوشك أن تقرع به سن نادم

فأجابه عبد الله :

معاوي إن المرء عمرا أبت له

ضغينة صدر غشها غير نائم

يرى لك قتلي يا ابن هند وإنما

يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم

على انهم لا يقتلون أسيرهم

إذا منعت منه عهود المسالم

وقد كان منا يوم صفين نقرة

عليك جناها هاشم وابن هاشم

قضى ما قضى منها وليس الذي مضى

ولا ما جرى إلا كأضغاث حالم

فان تعف عني تعف عن ذي قرابة

وإن تر قتلي تستحل محارمى

واندفع معاوية قائلا :

أرى العفو عن عليا قريش وسيلة

الى الله فى يوم العضيب القماطر

ولست أرى قتل العداة ابن هاشم

بادراك ثاري في لؤي وعامر

بل العفو عنه بعد ما بان جرمه

وزلت به إحدى الجدود العواثر

فكان أبوه يوم صفين جمرة

علينا فأردته رماح نهابر(1)

لقد روع عبد الله وأفزعه معاوية وهو لم يقترف ذنبا سوى ولائه لأمير المؤمنين (ع) الذي جعله ابن هند من أعظم الموبقات والجرائم ، وصرحت بعض المصادر أنه لم يعفو عنه بل أودعه فى ظلمات السجون.

3 ـ عبد الله بن خليفة الطائي.

وعبد الله بن خليفة الطائي ممن عرف بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين

__________________

(1) مروج الذهب 2 / 312 ـ 314 ، وشرح ابن أبي الحديد.

٣٨٤

فقد جاء إليه حينما توجه (ع) الى البصرة فقال له :

« الحمد لله الذي ردّ الحق الى أهله ، ووضعه في موضعه ، فان كره ذلك قوم فقد والله كرهوا محمدا (ص) ونابذوه وقاتلوه ، فرد الله كيدهم في نحورهم وجعل دائرة السوء عليهم ، والله لأجاهد معك في كل موطن تحفظا لحق رسول الله (ص) »(1) .

وقد دلّ حديثه على تبصره في دينه ، وعلى طيب عنصره ، وحسن رأيه ، ولعظيم ايمانه ووفور عقله ، كان من المقربين عند الإمام ومن الذين يستشيرهم في مهام اموره(2) .

وفي محنة حجر كان عبد الله في طليعة أصحابه ومن المعارضين للسياسة الأموية ، ومن المشتركين معه في ثورته ، ولما قبض زياد على حجر وأصحابه أمر شرطته أن يأتوه بعبد الله ، ففتشوا عنه فوجدوه ، فناجزهم عبد الله ، وبعد صراع جرى فيما بينهم لم يتمكن عبد الله على انقاذ نفسه منهم فاستولوا عليه ، فاستنجدت اخته النوار بقومها واسرتها فطلبت نصرة أخيها قائلة :

« يا معشر طيء أتسلمون سنانكم ولسانكم عبد الله بن خليفة؟ » فثار الطائيون على الشرطة فضربوهم وناجزوهم حتى انتزعوا منهم عبد الله فرجعت الشرطة الى زياد وأخبرته بالأمر فاستدعا زعيم طيء وعميدها عدي ابن حاتم فقال له :

« ائتني بعبد الله بن خليفة؟ »

وبعد حديث جرى بينهما أجابه ابن حاتم بمنطق الأحرار قائلا :

« لا والله لا أتاك به أبدا ، أجيئك بابن عمي تقتله؟ والله لو كان

__________________

(1) الفوائد المطبوع على هامش التعليقات ص 202.

(2) نفس المصدر.

٣٨٥

تحت قدمي ما رفعتهما عنه ».

فالتاع زياد وأمر به الى السجن ، ولم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلا أتوا زيادا فكلموه في شأن عدي ، وأخبروه بعظم شأنه وشرفه ، فاضطر زياد الى اطلاق سراحه ، ولكنه شرط عليه أن يغيب ابن عمه عن الكوفة فوافق عدي على ذلك ، وأمر عبد الله أن يغادر الكوفة ويلحق با ( لجبلين ) ، فغادر عبد الله الكوفة ، وقد سرى الألم العاصف في محياه على بعده عن وطنه وعلى فراقه لأصحابه وأهله ، وقد أرسل الى عدي بعد نفيه قصيدة عصماء يرثي بها حجرا وأصحابه ويذكر فيها ما يعانيه من ألم الفراق فيقول في رثاء حجر :

ولاقى بها(1) حجر من الله رحمة

فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا

ولا زال تهطال ملث وديمة

على قبر حجر أو ينادى فيحشرا

فيا حجر من للخيل تدمى نحورها

وللملك المغزى إذا ما تغشمرا(2)

ومن صادع بالحق بعدك ناطق

بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا

فنعم أخو الإسلام كنت وانني

لأطمع أن تؤتى الخلود وتحبرا

وقد كنت تعطي السيف في الحرب حقه

وتعرف معروفا وتنكر منكرا

ثم يسترسل فى رثاء حجر فيذكر صفاته ومواهبه وملكاته ويبكيه أمر البكاء وينتهي في قصيدته الى وصف محنته وبلواه والى ما يلاقيه من الألم والأسى في غربته فيقول :

فها أنا ذا آوي بأجبال طيء

طريدا فلو شاء الإله لغيرا

نفاني عدوي ظالما عن مهاجري

رضيت بما شاء الإله وقدرا

__________________

(1) الضمير يرجع الى مرج عذراء.

(2) تغشمرا : أي أخذ قهرا وظلما.

٣٨٦

وأسلمني قومى بغير جناية

كأن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا

وذكر الطبري وابن الأثير بقية قصيدته التي أعرب فيها عن شجونه وأحزانه ، وظل عبد الله منفيا حتى مات بالجبلين قبل موت زياد(1) .

4 ـ صعصعة بن صوحان :

وصعصعة بن صوحان من سادات العرب وفصحائهم النابهين وخطبائهم المفوهين كان من ذوي الفضيلة والدين ، أسلم على عهد رسول الله (ص) وهو صغير ولم يجتمع به لصغر سنه ، ووفد على عمر وكان يقسم أموال الغنائم وكان مقدارها ألف ألف درهم ففضها على المسلمين وبقيت منها فضلة فاختلفت الصحابة فيها فقام فيهم عمر خطيبا فقال في خطابه :

« أيها الناس ، قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس ، فما تقولون فيها؟ »

فانبرى إليه صعصعة منكرا عليه تحيره فى هذه المسألة البسيطة قائلا :

« يا أمير المؤمنين ، إنما تشاور الناس فيما لم ينزل الله فيه قرآنا ، وأما ما أنزل الله به القرآن ووضعه مواضعه فضعه فى مواضعه التي وضعه الله تعالى ».

فاستحسن عمر رأيه وقال له : « صدقت أنت مني وأنا منك » ثم قسم المال بين المسلمين »(2) .

وكان صعصعة من صفوة أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومن الملازمين له ، وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في حقه : « ما كان مع أمير المؤمنين من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه »(3) . ومرض صعصعة فعاده (ع) فقال له :

__________________

(1) الطبري 6 / 157 ، الكامل 3 / 241.

(2) الاستيعاب 2 / 189.

(3) التعليقات ص 183.

٣٨٧

« يا صعصعة ، لا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك!! »

ـ بلى والله أعدها منّة من الله وفضلا علي.

ـ إنك إن كنت على ما علمتك فأنت خفيف المؤنة حسن المعونة.

ـ وأنت والله يا أمير المؤمنين بالله عليما وبالمؤمنين رءوفا رحيما(1) .

ولحصافة رأيه ، وسداد منطقه كان الإمام (ع) يرسله فى مهامه فقد أرسله مرة الى معاوية ومعه كتاب منه ، فلما انتهى إليه قال معاوية مشيدا بنفسه ومبررا لأعماله :

« الأرض لله وأنا خليفة الله فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركت منه كان جائزا لي ».

وثقل على صعصعة هذا الكلام الملتوي فانبرى إليه مجيبا.

تمنيك نفسك ما لا يكو

ن جهلا معاوي لا تأثم

فتألم معاوية وقال منددا به :

« تعلمت الكلام؟ »

ـ العلم بالتعلم ومن لا يعلم يجهل.

ـ ما أحوجك الى أن أذيقك وبال أمرك.

ـ ليس ذلك بيدك ، ذلك بيد الذي لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها.

ـ من يحول بيني وبينك؟

ـ الذي يحول بين المرء وقلبه.

ـ اتسع بطنك للكلام كما اتسع بطن البعير للشعير.

ـ اتسع بطن من لا يشبع ، ودعا عليه من لا يجمع(2) .

__________________

(1) التعليقات.

(2) مروج الذهب 2 / 342.

٣٨٨

ودلت هذه المحاورة على قوة جنان صعصعة وانه ليس بالرعديد ولا الهياب ، فقد ردّ على معاوية مقالته بالمثل وقابله بالاستخفاف والاستهانة وهو غير خائف من سلطانه.

وخطب معاوية بعد ما تم له الأمر ، فقام إليه صعصعة فعلق على كل جملة من خطابه ، وفيما يلي خطاب معاوية مع رد صعصعة عليه.

قال معاوية :

ـ لو أن أبا سفيان ، ولد الناس كلهم كانوا أكياسا ..

ـ قد ولد الناس كلهم من هو خير من أبي سفيان آدم ، فمنهم الأحمق والكيّس!!

ـ إن أرضنا قريبة من المحشر.

ـ إن المحشر لا يبعد على مؤمن ، ولا يقرب من كافر.

ـ إن أرضنا أرض مقدسة.

ـ إن الأرض لا يقدسها شيء ، ولا ينجسها ، إنما تقدسها الأعمال.

ـ عباد الله اتخذوا الله وليّا ، واتخذوا خلفاءه جنة تحرزوا بها.

ـ كيف؟! وقد عطلت السنة ، واخفرت الذمة ، فصارت عشواء مطلخمة ، في دهياء مدلهمة ، قد استوعبتها الأحداث ، وتمكنت منها الانكاث.

فثار معاويه وصاح به :

ـ يا صعصعة ، لإن تقع على ضلعك خير لك من استبراء رأيك ، وإبداء ضعفك ، تعرض بالحسن بن علي ، ولقد هممت أن أبعث إليه ، فأجابه صعصعة قائلا :

« أي والله ، وجدتهم أكرمكم جدودا ، وأحياكم حدودا ، وأوفاكم

٣٨٩

عهدا ، ولو بعثت إليه لوجدته في الرأي أديبا ، وفي الأمر صليبا ، وفى الكرم نجيبا ، يلذعك بحرارة لسانه ، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره!! »

ولسع قوله معاوية فراح يهدده قائلا :

ـ لأجفينك عن الوساد ، ولأشردن بك في البلاد.

ـ والله إن فى الأرض لسعة ، وإن فى فراقك لدعة.

ـ والله لأحبسن عطاءك.

ـ إن كان ذلك بيدك فافعل ، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفذ خزائنه ، ولا يبيد عطاؤه ، ولا يحيف في قضيته.

ـ لقد استقتلت!!

ـ مهلا ، لم أقل جهلا ، ولم أستحل قتلا ، لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ومن قتل مظلوما كان الله لقاتله مقيما ، يرهقه أليما ، ويجرعه حميما ، ويصليه جحيما(1) ...

وانصرف صعصعة وترك معاوية يتميز غيظا وكمدا ، وعمد بعد ذلك الى سجنه مع جماعة من أصحابه ، وبقوا فى سجنه مدة من الزمن فدخل عليهم قائلا لهم :

« نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا ، أي الخلفاء رأيتموني؟ ».

فانبرى إليه عبد الله بن الكواء قائلا :

« لو لا انك عزمت علينا ما قلنا ، لأنك جبار عنيد ، لا تراقب الله فى قتل الأخيار ، ولكنا نقول : قد علمنا أنك واسع الدنيا ضيق الآخرة قريب الثرى ، بعيد المرعى ، تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات!! »

فقال معاوية له : « إن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 6 / 425.

٣٩٠

بيضته ، التاركين لمحارمه ، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله ، والمحلين ما حرم الله ، والمحرمين ما أحل الله ».

فأجابه ابن الكواء : « يا ابن أبي سفيان ، إن لكل كلام جوابا ونحن نخاف جبروتك ، فان كنت تطلق السنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها فى الله لومة لائم ، وإلا فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه ».

فقال له معاوية : « لا والله لا يطلق لك لسان ».

وسكت عبد الله فتكلم صعصعة :

« تكلمات يا ابن أبي سفيان فأبلغت ، ولم تقصر عما أردت ، وليس الأمر كما ذكرت ، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ، ودانهم كبرا واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا!! أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى وما كنت فيه إلا كما قال القائل : « لا حلي ولا سيري »(1) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله (ص) وإنما أنت طليق ابن طليق أطلقكما رسول الله (ص) فانى تصلح الخلافة لطليق؟ »

وامتلأ قلب معاوية غيظا وكمدا فالتفت إليهم :

« لو لا أني أرجع الى قول أبي طالب حيث يقول :

قابلت جهلهم حلما ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلتكم »(2) .

وكان صعصعة من جملة الأشخاص الذين طلب لهم الإمام الحسن (ع)

__________________

(1) أصل هذا المثل ( لا حاء ولا ساء ) ومعناه أنه ليس لك فيه أمر ولا نهي ، جاء ذلك في مجمع الأمثال 2 / 158.

(2) مروج الذهب 2 / 341.

٣٩١

من معاوية الأمن وعدم التعرض لهم بسوء ومكروه(1) ولكن معاوية لم يف بذلك فقد روعه وأفزعه وأودعه في سجنه كما روع غيره من زعماء الشيعة ، وصرحت بعض المصادر ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة الى الجزيرة أو الى البحرين أو الى جزيرة ابن كافان فمات بها معتقلا منفيا عن وطنه وبلاده وفي رثائه يقول المرزباني(2) :

هلا سألت بني الجارود أي فتى

عند الشفاعة والبان ابن صوحانا

كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا

عق ولم نجز بالإحسان إحسانا(3)

5 ـ عدي بن حاتم :

وعدي بن حاتم من أهم الشخصيات الرفيعة الفذة في العراق ، فقد كان قبل الإسلام يتمتع بمجد أصيل وشرف أثيل ، فهو ابن حاتم مضرب المثل في الجود والسخاء ، وبالإضافة الى مجده الموروث فقد كان في الإسلام من ابطال العقيدة ، ومن عيون المؤمنين ، ومن رجال الإسلام البارزين ، وقد تقدم في هامش هذا الكتاب شيء موجز عن ترجمته ، والمهم التعرض الى ما لاقاه من الهوان والاستخفاف من قبل ابن هند لأجل ولائه واخلاصه لأمير المؤمنين (ع) فقد دخل يوما على معاوية فقال له متشمتا به :

__________________

(1) رجال الكشي ص 46.

(2) المرزباني : بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاء وفتح الباء الموحدة وهو جد من انتسب إليه من الأعيان جاء ذلك في اللباب 3 / 124 ، وجاء فى وفيات الأعيان 3 / 443 ، أن لفظ المرزبان لفظ فارسي معناه صاحب الحد ، فان مرز معناه الحد وبان معناه صاحب ، وهو في الأصل عندهم اسم لمن كان دون الملك.

(3) الاصابة 2 / 192.

٣٩٢

ـ ما فعلت الطرفات؟(1) .

ـ قتلوا مع علي.

ـ ما أنصفك علي قتل أولادك وأبقى أولاده!!.

ـ ما أنصفك علي إذ قتل وبقيت بعده.

فتألم ابن هند من مقال عدي وقال مهددا له :

« أما إنه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن ـ يعني به عديا ـ ».

فانبرى إليه عدي وهو غير مكترث بتهديده قائلا له :

« والله إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا ، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا ، لندنين إليك من الشر شبرا ، وإن حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم(2) لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي ، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف ».

فراوغ معاوية على عادته وقال :

« هذه كلمات حكم فاكتبوها ».

ثم أقبل عليه يحدثه كأنه لم يخاطبه بشيء(3) ثم قال له :

« صف لي عليا ».

ـ إن رأيت أن تعفيني.

ـ لا أعفيك.

فأخذ عدي في وصف أمير المؤمنين فقال :

__________________

(1) الطرفات : أولاد عدي وهم طريف وطارف وطرفة.

(2) الحيزوم : وسط الظهر.

(3) مروج الذهب 2 / 309.

٣٩٣

« كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلا ، ويحكم فصلا تتفجر الحكمة من جوانبه ، والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ، ويقلب كفيه على ما مضى ، يعجبه من اللباس القصير ، ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا ، وقربه منا لا نكلمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فان تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويتحبب الى المساكين ، لا يخاف القوي ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل فى محرابه وأرخى الليل سرباله ، وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول :

« يا دنيا ، إليّ تعرضت أم إليّ أقبلت؟ غري غيري لا حان حينك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعيشك حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ، وقلة الأنيس ».

فوكفت عينا معاوية ، وجعل ينشفهما بكمه وهو يقول :

« يرحم الله أبا الحسن ، كان كذلك ، فكيف صبرك عنه؟ »

ـ كصبر من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تسكن عبرتها.

ـ فكيف ذكرك له؟

ـ وهل يتركني الدهر أن أنساه؟(1) ،

وقد دل هذا الحديث على ولاء عدي لأمير المؤمنين ومن أجل ولائه

__________________

(1) المحاسن والمساوي 1 / 32.

٣٩٤

واخلاصه فقد روع وأفزع ، وقد تقدم أن زيادا أودعه في السجن حفنة من الأيام من أجل عبد الله بن خليفة الطائي ولم يراع شخصيته الكريمة ، ومكانته الاجتماعية ، وعظم منزلته ، وإنما فعل ذلك به ليقضي على شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

6 ـ جارية بن قدامة :

ووفد معاوية بن قدامة السعدي على معاوية ، فقال له معاوية :

ـ أنت الساعي مع علي بن أبي طالب ، والموقد النار في شعلك ، تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟

ـ يا معاوية دع عنك عليا ، فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ، ولا غششناه منذ صحبناه.

ـ ويحك يا جارية!! ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية!!

ـ أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية(1) !

ـ لا أمّ لك.

ـ أم ما ولدتني(2) ، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا.

ـ إنك لتهددني؟

ـ إنك لم تملكنا قسرة ، ولم تفتحنا عنوة ، ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق ، فان وفيت لنا وفينا ، وإن ترغب الى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا ، وأدرعا شدادا ، وأسنّة حدادا ، فان بسطت إلينا

__________________

(1) وفي رواية ابن عبد ربه ( ما كان أهونك على أهلك إذ سموك معاوية ) وهي الأنثى من الكلاب.

(2) وفي رواية ابن عبد ربه أمي ولدتني للسيوف.

٣٩٥

فترا من غدر ، زلفنا إليك بباع من ختر.

ـ لا كثر الله في الناس من أمثالك.

وتركه جارية والأسى ملأ اهابه(1) ، لقد لقي جارية هذا الهوان ، والتبكيت من أجل ولائه للعترة الطاهرة التي فرض الله مودتها على جميع المسلمين.

ترويع نساء الشيعة :

ولم يقتصر معاوية فى ارهابه واضطهاده على رجال الشيعة وزعمائهم فقد أخذ يتحرى نساءهم فما ذكرت له امرأة منهم ذات مكانة مهمة إلا وبعث خلفها فقابلها بالاستخفاف والاستهانة ، وأدخل الفزع والخوف فى نفسها ، وإذا وفدت عليه امرأة منهم قابلها بالإذلال ، وأظهر لها ما يكنه في نفسه من الحقد والبغض العارم للإمام أمير المؤمنين ولشيعته وها نحن نقدم الى القارئ الكريم أسماء بعض السيدات اللاتي بعث خلفهن ، واللاتي وفدن عليه مع ما جرى بينهن وبينه من الحديث :

1 ـ الزرقاء بنت عدي :

وكانت الزرقاء بنت عدي بن غالب ممن عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين (ع) ، وكانت من ربات البلاغة والفصاحة والرأي الصائب وكانت في واقعة صفين تدعو الجماهير الى نصرة أمير المؤمنين (ع) وتحرضهم على قتال عدوه ، ولما فجع الإسلام بقتل أمير المؤمنين وانتهى الأمر الى ابن هند كتب الى عامله بالكوفة أن يحمل إليه الزرقاء بنت عدي فبعث بها إليه ، فلما دخلت عليه رحب بها ثم قال لها :

__________________

(1) تأريخ الخلفاء ص 199.

٣٩٦

« هل تعلمين لم بعثت إليك؟ ».

ـ سبحان الله أنّى لي بعلم ما لم أعلم!! وهل يعلم ما فى القلوب إلا الله.

ـ بعثت إليك أن أسألك ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين بين الصفين توقدين الحرب ، وتحرضين على القتال ، فما حملك على ذلك؟

ـ يا أمير المؤمنين ، إنه قد مات الرأس ، وبتر الذنب ، والدهر ذو غير ، ومن تفكر أبصار ، والأمر يحدث بعده الأمر!!!

ـ صدقت فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟

ـ ما أحفظه.

ـ ولكني والله أحفظه لله أبوك لقد سمعتك تقولين : أيها الناس إنكم فى فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء تسمع لناعقها ، ولا تسلس لقائدها ، إن المصباح لا يضيء في الشمس وإن الكواكب لا تنير مع القمر ، وإن البغل لا يسبق الفرس وان الزف(1) لا يوازن الحجر ، ولا يقطع الحديد إلا الحديد ، ألا من استرشدنا أرشدناه ومن استخبرنا أخبرناه ، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها ، فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار ، فكان قد اندمل شعب الشتات ، والتأمت كلمة العدل ، وغلب الحق باطله ، فلا يعجلن أحد فيقول : كيف العدل وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، ألا إن خضاب النساء الحناء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير عواقب الأمور ، إيها الى الحرب غير ناكصين ، ولا متشاكسين فهذا يوم له ما بعده.

وبعد ما تلى معاوية كلامها تأثر منه واندفع وهو مغيظ محنق فقال لها :

__________________

(1) الزف : الصغير من الريش.

٣٩٧

« والله يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه ».

« أحسن الله بشارتك ، وأدام سلامتك ، مثلك من بشر بخير وسر جليسه ».

« وقد سرّك ذلك؟ »

« نعم والله لقد سرني قولك فأنّى لي بتصديق الفعل!؟ »

فتبهر معاوية من اخلاصها لأمير المؤمنين فقال :

« والله لوفاؤكم له بعد موته احبّ إليّ من حبكم له فى حياته ، اذكري حاجتك؟ »

ـ إني قد آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه شيئا أبدا ومثلك أعطى من غير مسألة ، وجاد عن غير طلب.

ـ صدقت.

ثم أقطعها ضيعة وأوصلها وردها الى أهلها(1) .

إنه وإن أكرمها أخيرا ، وأجزل لها العطاء إلا أنه قد روعها وأفزعها أولا وأظهر لها الظفر والغلبة والنصر عليها.

2 ـ أم الخير البارقية :

كانت أم الخير بنت الحريش البارقية من سيدات النساء ومن البليغات البارعات ، وقد عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنين (ع) ، وكانت في واقعة صفين تحرض الجماهير على حرب ابن هند ، وتحفزهم الى الذب عن أمير المؤمنين ونصرته ، وقد تألم معاوية من مواقفها ، وأضمر لها الحقد والعداء ، ولما انحسرت روح الإسلام باستيلائه على زمام الحكم كتب الى واليه على الكوفة يأمره بأن يحمل إليه أم الخير لينتقم منها ، فلما ورد

__________________

(1) بلاغات النساء لطيفور طبع النجف ص 32 صبح الأعشى ، المستطرف.

٣٩٨

الكتاب الى عامله بعثها إليه ، فلما دخلت على معاوية قالت :

« السلام عليك يا أمير المؤمنين ».

ـ وعليك السلام ، وبالرغم والله دعوتنى بهذا الاسم.

ـ مه يا هذا ، فان بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه.

ـ صدقت يا خالة ، وكيف رأيت مسيرك؟

ـ لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت الى ملك جزل ، وعطاء بذل ، فأنا في عيش أنيق ، عند ملك رفيق.

ـ بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم.

ـ مه يا هذا ، لك والله من دحض المقال ما تردّى عاقبته.

ـ ليس لهذا أردناك.

ـ إنما أجرى فى ميدانك إذا أجريت شيئا أجريته ، فاسأل عما بدا لك؟

ـ كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟

ـ لم أكن والله رويته قبل ، ولا زورته بعد ، وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة ، فان شئت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت؟

ـ لا أشاء ذلك!!

ثم التفت الى أصحابه فقال لهم : أيكم حفظ كلام أم الخير؟ فانبرى إليه أحدهم فقال له : أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد فقال له : هاته ، فقال : كأني بها وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية وعلى جمل أرمك(1) وقد احيط حولها وبيدها سوط منتشر الضفر وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول :

« يا أيها الناس ، اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، إن الله

__________________

(1) جمل أرمك : أي لونه كلون الرماد.

٣٩٩

قد أوضح الحق ، وأبان الدليل ، ونوّر السبيل ، ورفع العلم ، فلم يدعكم فى عمياء مبهمة ، ولا سوداء مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله! أفرارا عن أمير المؤمنين؟ أم فرارا من الزحف؟ أم رغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول : « ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرون ونبلو أخباركم ».

ثم رفعت رأسها الى السماء وهي تقول : « اللهم قد عيل الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشر الرعب ، وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع الكلمة على التقوى ، والّف القلوب على الهدى ، ورد الحق الى أهله ، هلموا رحمكم الله الى الإمام العادل ، والوصي الوفي ، والصديق الأكبر ، إنها احن بدرية ، وأحقاد جاهلية ، وضغائن أحدية ، وثب بها معاوية حين الغافلة ، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس ».

ثم قالت : « قاتلوا أئمة الكفر انهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون » صبرا معاشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربكم ، قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة ، فرت من قسورة ، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض ، باعوا الآخرة بالدنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا البصيرة بالعمى ، وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل الندامة فيطلبون الاقالة إنه والله من ضل عن الحق وقع فى الباطل ، ومن لم يسكن الجنة نزل النار ، أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستبطئوا مدة الآخرة فسعوا لها ، والله أيها الناس لو لا أن تبطل الحقوق ، وتعطل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه ، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ عن ابن عم رسول الله (ص) وزوج ابنته وأبي ابنيه؟ خلق من طينته ، وتفرع من

٤٠٠