حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 529
المشاهدات: 188828
تحميل: 4119


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188828 / تحميل: 4119
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

أزواجه وعقبه

٤٤١
٤٤٢

وتساءل السائلون عن كثرة أزواج الإمام الحسن (ع) وأرجف المرجفون فى ذلك ، وقد بلغ الحقد وسوء الظن ببعض الجاهلين أن قالوا إنه إنما تزوج بهذه الكثرة اجابة لداعي الهوى واشباعا للشهوة ، وما عرفوا أن الإمام بعيد كل البعد عن الانقياد لهذه الغرائز فهو سيد شباب أهل الجنة وممن نطق القرآن الكريم بعصمته وطهارته ، وسنذكر نص كلام القائلين بذلك مشفوعا ببيان بطلانه وفساده ، وحيث أن الموضوع قد حامت حوله الشكوك والظنون ، وحفّت به التهم والطعون فلا بد من البحث عنه وبيان الواقع فيه ولو اجمالا ، فنقول : قد ذهب بعض أهل العلم الى تصحيح ذلك والى عدم منافاته لسيرة الإمام وهديه ، وذهب بعض آخر الى وضع ذلك وعدم صحته ، ومن الخير أن نسوق أدلة الطرفين ، أما المصححون فقد استدلوا عليه بما يلي :

1 ـ انه لا مانع بحسب الشريعة الإسلامية المقدسة من كثرة الزواج فقد ندب الإسلام إليه كثيرا ، وقد اشتهرت كلمة المنقذ الأعظم في الحث على ذلك فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تناكحوا تناسلوا حتى أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالقسط ». وقال سفيان الثوري : « ليس فى النساء سرف ». وقال الخليفة الثاني : « إني أتزوج المرأة ومالي فيها من أرب ، وأطؤها ومالي فيها من شهوة » ، فقيل له : « فلما ذا تتزوجها؟ » فقال : « حتى يخرج مني من يكاثر به النبي (ص) » وتزوج المغيرة بن شعبة بألف امرأة(1) ، وقد كان لأمير المؤمنين (ع) أربع نسوة ، وتسعة عشر وليدة(2) هذا في الإسلام. وأما قبل الإسلام فقد كان لسليمان بن

__________________

(1) الإستيعاب 4 / 370.

(2) شرح الشفاء لعلي القاري 1 / 208.

٤٤٣

داود سبعمائة حرة وثلاثمائة سرية ، وتزوج أبوه داود (ع) بمائة حرة وثلاثمائة سرية ، فكثرة التزويج لا مانع منها بحسب الشرع الإسلامى وغيره ، وعليه فأي حزازة على الإمام في ارتكابه لذلك؟

2 ـ إنما تزوج بهذه الكثرة لتقوى شوكته ، ويشتد أزره بالمصاهرة على الأمويين الذين بذلوا جميع جهودهم للقضاء على الهاشميين وتحطيم كيانهم ومحو ذكرهم.

3 ـ إن أولياء النسوة كانوا يعرضون بناتهم على الإمام ويلحون عليه بالتزويج بهن لأجل التشرف به ، والتقرب إليه ، فهو حفيد النبي (ص) وسبطه الأكبر ، وسيد شباب أهل الجنة ، ومضافا الى ذلك انهم رأوا أن عائشة بنت أبي بكر كان أبوها من أواسط قريش شرفا وبسبب زواج النبي (ص) بابنته قد احتل مكانة مرموقة فى العالم الإسلامى ، ولهذا الأمر كانوا يعرضون بناتهم على الإمام ويلحون عليه بالتزويج بهن ليحضوا بالعز والشرف بمصاهرة الإمام لهم ، هذا ما استدل به المصححون للكثرة وأما النافون فقد استدلوا على ذلك بأمور :

1 ـ كراهة الطلاق شرعا.

لقد ثبت عند القائلين بالكثرة والملتزمين بها ان الإمام كان مطلاقا وانه كان يفارق من تزوجها بأقرب وقت ، ومن المعلوم ان الطلاق من أبغض الأشياء في الإسلام ، وقد تواترت الأخبار في كراهته وفي النهي عنه ، فقد أثر عن النبي (ص) انه لما بلغه أن أبا أيوب يريد أن يطلق زوجه ، قال (ص) إن طلاق أم أيوب لحوب ـ أى أثم ـ وقال أبو عبد الله الصادق (ع) : إن الله يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شيء أبغض الى الله عز وجل من الطلاق

٤٤٤

وقال أبو عبد الله (ع) : ما من شيء مما أحله الله أبغض إليه من الطلاق وإن الله عز وجل يبغض المطلاق الذواق ، وقالعليه‌السلام : تزوجوا ، ولا تطلقوا ، فإن الطلاق يهتز منه العرش(1) ومع هذه الكراهة الشديدة كيف يرتكبه الإمام ويبالغ فيه؟

2 ـ منافاته لهدي الإمام.

وقد ثبت ان الإمام حليم المسلمين والمثل الأعلى للأخلاق الفاضلة ، ومن المعلوم أن الطلاق ينافي الحلم إذ فيه كسر لقلب المرأة وإذلال لها وذلك لا يتفق مع ما عرف به الإمام من الحرص على ادخال السرور على الناس واجتناب المساءة ، والأذى لكل انسان.

3 ـ انشغاله عن ذلك.

لقد كان الإمام مشغولا عن أمثال هذه الأمور بعبادته واتجاهه نحو الله وعمله المستمر في حقل الإصلاح وقضاء حوائج الناس وجلب الخير لهم ودفع الشر والشقاء عنهم فلا تفكير له إلا بالأمور الإصلاحية ، وليس عنده مزيد من الوقت ليقضيه فى ذلك.

هذا مجموع ما استدل به النافون ، وإن كان بعضه لا يخلو من ضعف.

أما أنا فبحسب تتبعي عن أحوال الإمام أرى أن هذه الكثرة موضوعة وبعيدة عن الواقع كل البعد ، وبيان ذلك لا يتم إلا بعرض الروايات ، والبحث عن سندها الذي هو شرط فى قبول الرواية فنقول : قد اختلف رواة الأثر فى ذلك اختلافا كثيرا فقد روي أنهن :

1 ـ سبعون.

2 ـ تسعون.

__________________

(1) وسائل الشيعة 15 / 267 ـ 268.

٤٤٥

3 ـ مائتان وخمسون.

4 ـ ثلاثمائة.

وروي غير هذا إلا أنه من الشذوذ بمكان ، والمهم البحث عن سند هذه الروايات فعليها يدور البحث نفيا واثباتا فنقول :

أما الرواية ( الأولى ) : فقد ذكرها ابن أبي الحديد وغيره(1) وقد أخذوها عن علي بن عبد الله البصري الشهير بالمدائني المتوفى سنة ( 225 هج ) وهو من الضعفاء الذين لا يعول على أحاديثهم ، فقد امتنع مسلم من الرواية عنه فى صحيحه(2) ، وضعفه ابن عدي فى الكامل فقال فيه : « ليس بالقوي الحديث ، وهو صاحب الأخبار قل ماله من الروايات المسندة »(3) وقال له الأصمعي : والله لتتركن الإسلام وراء ظهرك(4) ، وكان من خلص أصحاب أبي اسحاق الموصلي ، وقد رافقه من أجل أمواله وثرائه. فقد روى أحمد بن أبي خيثمة قال : كان أبي ويحيى بن معين ، ومصعب الزبيري يجلسون على باب مصعب فمر رجل على حمار فاره ، وبزة حسنة فسلم ، وخص بسلامه يحيى فقال له : يا أبا الحسن الى أين؟ قال : الى دار هذا الكريم الذي يملأ كمي دنانير ودراهم اسحاق الموصلي ، فلما ولى قال يحيى : ثقة ، ثقة ، ثقة فسألت أبي من هذا؟ فقال : هذا المدائني(5) وكان يروي عن عوانة بن الحكم المتوفى سنة ( 158 هج ) وهو عثماني وكان

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 8.

(2) ميزان الاعتدال 3 / 138 ط دار احياء الكتاب العربية.

(3) لسان الميزان 4 / 252.

(4) ميزان الاعتدال 3 / 139.

(5) لسان الميزان 4 / 253 ، معجم الأدباء 12 / 126.

٤٤٦

يضع الأخبار لبني أمية(1) ، ولذا كان المدائني يشيد بالأمويين ويبالغ فى تمجيدهم وبالإضافة لذلك ، فقد كان مولى لسمرة بن حبيب الأموي(2) ، والموالي على الأكثر تنطبع في نفوسهم ميول مواليهم وسائر نزعاتهم ، وقد تأثر المدائني بنفسية سمرة ، فكان أموي النزعة ومن المنحرفين عن أهل البيت وبعد هذا فلا يبقى لنا أي وثوق برواياته واحاديثه.

وأما الرواية ( الثانية ) : فقد اقتصر على روايتها الشبلنجي(3) وقد رواها مرسلة فلا يصح التعويل عليها نظرا لارسالها.

وأما الرواية ( الثالثة ) و ( الرابعة ) : فقد رواهما المجلسي(4) ، وابن شهر اشوب(5) ، وقد نص كل منهما انه قد أخذهما عن ( قوت القلوب ) لأبي طالب المكي المتوفى سنة ( 380 هج ) ، وقد راجعنا هذا الكتاب فوجدناه قد ذكر ذلك ، وهذا نص ما جاء فيه :

« وتزوج الحسن بن علي (ع) مائتين وخمسين ، وقيل ثلاثمائة ، وكان علي يضجر من ذلك ويكره حياء من أهلهن إذ طلقهن ، وكان يقول : ان حسنا مطلق فلا تنكحوه ، فقال له رجل من همدان : والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء ، فمن أحب أمسك ، ومن كره فارق ، فسرّ علي بذلك وأنشأ يقول :

__________________

(1) لسان الميزان 4 / 386.

(2) معجم الأدباء 14 / 124 ، وفى لسان الميزان 4 / 253 انه مولى لعبد الرحمن بن سمرة.

(3) نور الأبصار ص 111.

(4) البحار 10 / 137.

(5) المناقب 2 / 246.

٤٤٧

ولو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وهذا أحد ما كان الحسن يشبه فيه رسول الله (ص) وكان يشبهه فى الخلق والخلق ، فقد قال رسول الله (ص) : اشبهت خلقي وخلقي وقال : حسن مني وحسين من علي ، وكان الحسن ربما عقد له على أربعة وربما طلق أربعة »(1) .

وأبو طالب المكي لا يعول على مؤلفه ، فقد ورد في ترجمته انه لما ألف ( قوت القلوب ) ، كان طعامه عروق البردي حتى اخضر جلده من كثرة تناولها ، وكان مصابا ( بالهستيريا ) ، قدم بغداد واعظا فاحتف به البغداديون فرأوا في حديثه هذيانا وخروجا عن موازين الاستقامة فتركوه ونبذوه ، ومن هجره وشذوذ قوله : « ليس على المخلوقين أضر من الخالق » وكان يبيح سماع الغناء فدعا عليه عبد الصمد بن علي ودخل عليه معاتبا فقال له أبو طالب :

فيا ليل كم فيك من متعة

ويا صبح ليتك لم تقرب

فخرج منه عبد الصمد وهو ساخط عليه ، ومن شذوذه انه لما حضرته الوفاة دخل عليه بعض أصدقائه فقال له أبو طالب : « إن ختم لي بخير فانثر على جنازتي لوزا وسكرا » ، فقال له صديقه : وما علامة الغفران لك؟ قال : إن قبضت على يدك. فلما حان موته قبض على يد صاحبه قبضا شديدا ، فامتثل زميله ذلك فنثر على جنازته لوزا وسكرا(2) ، ونص المترجمون له أيضا أنه ذكر في كتابه أحاديث لا أصل لها.

__________________

(1) قوت القلوب 2 / 246.

(2) البداية والنهاية 11 / 319 ، لسان الميزان 5 / 300 ، الكنى والألقاب 1 / 106 ، المنتظم لابن الجوزي 7 / 190.

٤٤٨

ومع هذا فكيف يعول على رواياته ويؤخذ بها ، ومن أخذ عنه فهو غير عالم بحاله ، وعلى كل فالرقم القياسي لكثرة أزواج الإمام مستندة إليه ومأخوذة عنه ، ونظرا لما هو فيه من الشذوذ والانحراف فلا يمكن التعويل على ما ذكره.

ومهما يكن من شيء فليس عندنا دليل مثبت لكثرة أزواج الإمام سوى هذه الروايات ، وهي لا تصلح للاعتماد عليها نظرا للشبه والطعون التي حامت حولها ، ويؤيد افتعال تلكم الكثرة امور :

1 ـ انها لو صحت لكان للإمام من الأولاد جمع غفير يتناسب معها والحال أن النسابين والرواة لم يذكروا للإمام ذرية كثيرة فان الرقم القياسي الذي ذكر لها اثنان وعشرون ولدا ما بين ذكر وانثى وهذا لا يلتئم كليا مع تلك الكثرة ولا يلتقي معها بصلة.

2 ـ ومما يزيد وضوحا في افتعال تلكم الروايات هي المناظرات التي جرت بين الإمام الحسن (ع) وبين خصومه فى دمشق وغيره ، وقد أجهدوا نفوسهم ، وانفقوا كثيرا من الوقت للتفتيش عما يشين الامام ليتخذوه وسيلة الى التطاول عليه ، والنيل منه ، فلم يجدوا لذلك سبيلا ، كما تقدم بيانه عند عرض مناظراته ، ولو كان الامام (ع) كثير الزواج والطلاق ـ كما يقولون ـ لقالوا له : أنت لا تصلح للخلافة لأنك مشغول بالنساء ، ولطبلوا بذلك ، واتخذوه وسيلة للتشهير به ، وجابهوه به عند اجتماعهم به فسكوتهم عنه وعدم ذكرهم له مما يدل على عدم واقعيته وصحته.

3 ـ ومما يؤيد عدم صحة تلك الروايات أن أبا جعفر محمد بن حبيب المتوفى سنة ( 245 هج ) قد ذكر فى كتابه ( المحبر ) ثلاثة أصهار للإمام ، وهم : الامام علي بن الحسين (ع) وعنده أم عبد الله ، وعبد الله بن الزبير

٤٤٩

وعنده أم الحسن ، وعمرو بن المنذر وعنده أم سلمة(1) ولم يزد على ذلك ولو كان الامام (ع) كثير الأزواج لكان له من الأصهار ما يتناسب مع تلك الكثرة ، ومضافا لذلك فان أبا جعفر من المعنيين بأمثال هذه البحوث فقد ذكر في ( المحبر ) كثيرا من نوادر الأزواج ، ولو كان للإمام تلك الكثرة من الأزواج لألمع لها في محبره.

4 ـ ومما يدل على وضع ذلك وعدم صحته ما روي أن الامام أمير المؤمنين (ع) كان يصعد المنبر فيقول : « لا تزوجوا الحسن فانه مطلاق » كما روى ذلك أبو طالب وغيره ، إن نهي أمير المؤمنين الناس عن تزويج ولده على المنبر لا يخلو إما أن يكون قد نهى (ع) ولده عن ذلك فلم يستجب له حتى اضطر (ع) الى الجهر به والى نهي الناس عن تزويجه ، وإما أن يكون ذلك النهي ابتداء من دون أن يعرف ولده الامام الحسن (ع) مبغوضية ذلك وكراهته لأبيه وكلا الأمرين بعيدان كل البعد

أما « الأول » فهو بعيد لأن الامام الحسن من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وممن باهل بهم النبي (ص) ومن المستحيل أن يخالف أباه ويعصي أمره.

وأما « الثاني » فبعيد أيضا لأن الاولى بالامام أمير المؤمنين أن يعرف ولده بمبعوضية ذلك وكراهته له ولا يعلن ذلك على المنبر أمام الجماهير الحاشدة الأمر الذي لا يخلو من حزازة على ولده ووصيه وشريكه فى آية التطهير ، ومضافا الى ذلك أن الأمر إما أن يكون سائغا شرعا أو ليس بسائغ فان كان سائغا فما معنى نهى الامام (ع) عنه ، وإن لم يكن سائغا فكيف يرتكبه الحسن؟ إنا لا نشك في افتعال هذا الحديث ووضعه من

__________________

(1) المحبر ص 57.

٤٥٠

خصوم الامام ليشوهوا بذلك سيرته العاطرة التي تحكي سيرة جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أبيه أمير المؤمنين (ع).

5 ـ ومما يؤيد افتعال تلك الكثرة لأزواجه ما روي أن الامام الحسنعليه‌السلام لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته ، وهن يقلن نحن أزواج الامام الحسن(1) . ان افتعال ذلك صريح واضح ، فانا لا نتصور ما يبرر خروج تلك الكوكبة من النسوة حافيات حاسرات ، وهن يهتفن أمام الجماهير بأنهن زوجات الامام ، فان كان الموجب لخروجهن إظهار الأسى والحزن ، فما الموجب لهذا التعريف والسير فى الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن ، إن هذا الحديث وأمثاله قد وضعه خصوم العلويين من الأمويين والعباسيين ، والغرض منه الحط من قيمة الامام ، وتقليل أهميته.

ومن الأخبار الموضوعة التي تشابه تلك الأخبار ما رواه محمد بن سيرين ان الامام الحسن (ع) تزوج بامرأة فبعث لها صداقا مائة جارية مع كل جارية الف درهم(2) إنا نستبعد أن يعطي الامام هذه الأموال الضخمة مهرا لاحدى زوجاته فان ذلك لون من ألوان الاسراف والتبذير ، وهو منهى عنه في الاسلام ، فقد أمر بالاقتصار ، على مهر السنة ، وكره تجاوزه ، فقد أثر عن النبي (ص) أنه قال : « أفضل نساء أمتي أقلهن مهرا » ، وتزوج (ص) نساءه بمهر السنة ، وكذلك تزوج أمير المؤمنين به ولم يتجاوزه ، وسبب ذلك تسهيل أمر الزواج لئلا يكون فيه ارهاق وعسر

__________________

(1) البحار

(2) البداية والنهاية 8 / 38 ، المسالك للشهيد الثاني.

٤٥١

على الناس ، ومن المقطوع به ان الامام الحسن (ع) لا يجافى سنة جده ولا يسلك أي مسلك يتنافى مع شريعته. إن هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات فى المقام تؤيد وضع كثرة الأزواج ، وتزيد فى الافتعال وضوحا وجلاء.

وعلى أي حال ، فليس هناك دليل يثبت كثرة أزواج الإمام سوى تلكم الروايات ، ونظرا لما ورد عليها من الطعون فلا تصلح دليلا للإثبات.

فرية المنصور :

وأكبر الظن أن أبا جعفر المنصور هو أول من افتعل ذلك ، وعنه أخذ المؤرخون ، وسبب ذلك هو ما قام به الحسنيون من الثورات التي كادت أن تطيح بسلطانه ، وعلى أثرها القى القبض على عبد الله بن الحسن وخطب على الخراسانيين في الهاشمية خطابا شحنه بالسبّ والشتم لأمير المؤمنين ولأولاده ، وافتعل فيه على الحسن ذلك ، وهذا نص خطابه :

« إن ولد آل أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة ، فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير ، فقام فيها علي بن أبي طالب (ع) ، فما أفلح وحكم الحاكمين ، فاختلفت عليه الأمة ، وافترقت الكلمة ، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته ، فقتلوه ، ثم قام بعده الحسن بن علي فو الله ما كان برجل عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسّ إليه معاوية أني أجعلك ولي عهدي ، فخلعه ، وانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه ، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ، ويطلق غدا أخرى ، فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه »(1) ..

وحفل خطابه بالمغالطات والأكاذيب فقد جاء فيه :

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 226.

٤٥٢

1 ـ إن الإمام أمير المؤمنين (ع) قد حكم الحاكمين ، وهو افتراء محض ، فان الذي حكم الحاكمين إنما هم المتمردون من جيش الإمام ، فقد أصرّوا على ذلك ، وأرغموه على قبوله ، فاضطر (ع) الى اجابتهم كما بيّنا ذلك في الحلقة الأولى من هذا الكتاب.

2 ـ وجاء في خطابه ان الإمام قد وثبت عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه ، وقد جافى بذلك الواقع ، فان الذي قتله إنما هم الخوارج ، وهم ليسوا من شيعته ، ولا من أنصاره ، وإنما كانوا من ألدّ أعدائه وخصومه.

3 ـ وذكر ان الإمام الحسن (ع) أقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ، ويطلق غدا أخرى ، وهو بعيد كل البعد ولم يفه به أحد سواه.

وإنما عمد الى تلفيق هذه الأكاذيب لأجل تدعيم ملكه وسلطانه ، وقهر الحسنيين والحط من شأنهم ، لأنه قد بايع محمدا ذا النفس الزكية مرتين ، ولم يكن له أي أمل بالخلافة كما لم يكن له أي شأن في المجتمع فقد كان فقيرا بائسا يجوب في القرى والأرياف وهو يمدح العترة الطاهرة فيتصدق عليه المسلمون ، وليس له ولأسرته أي خدمة للمجتمع حتى يستحق هذا المنصب الخطير.

ومن مفتريات هذا الطاغية السفاك على سبط الرسول (ص) وريحانته ما جاء في كتابه الى ذي النفس الزكية ، وهذا نصه :

« وأفضى أمر جدك ـ يعني أمير المؤمنين (ع) ـ الى الحسن فباعها الى معاوية بخرق ودراهم ، ولحق بالحجاز ، وأسلم شيعته بيد معاوية ، ودفع الأمر الى غير أهله ، وأخذ مالا من غير ولائه ، ولا حله ، فان كان لكم فيها شيء فقد بعتموه ، وأخذتم ثمنه. »(1)

__________________

(1) صبح الأعشى 1 / 233 ، جمهرة رسائل العرب 3 / 92.

٤٥٣

لقد عمد المنصور الى هذا التهريج ، والى هذه المغالطات ليبرر تقمصه للخلافة فقد أخذها بغير حق لأن الثورة التي أطاحت بالحكم الأموي كانت من أجل العلويين ، ولارجاع حقهم الغصيب ، وليس للعباسيين فيها أي نصيب.

مخاريو لامنس :

وطالما تحدى لامنس كرامة الإسلام ، فألصق به التهم ، وطعن برجاله وحماته ، وقد ذكرنا في أسباب الصلح شطرا من مفترياته على الإمام ، وقد كتب في بحثه عن أزواج الإمام ما نصه :

« ولما تجاوز ـ يعنى الإمام الحسن (ع) ـ الشباب ، وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق فاحصي له حوالي المائة زوجة ، والصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المطلاق ، وأوقعت عليا في خصومات عنيفة وأثبت الحسن كذلك أنه مبذر كثير السرف ، وقد خصص لكل من زوجاته مسكنا ذا خدم وحشم ، وهكذا نرى كيف يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر »(1)

لقد اعتمد لامنس في قوله : إن الإمام كان كثير الزواج والطلاق على أقوال المدائني وأمثاله من المؤرخين الذين تابعوا السلطة الحاكمة فكتبوا لها لا للتاريخ ، وقد استقى المستشرقون الذين كادوا للإسلام في بحوثهم من منهل المؤرخين الذين ساندوا تلك الدول الجائرة التي ناهضت أهل البيت ، وعملت على تشويه واقعهم والحط من كرامتهم ، وقد زاد عليهم ( لامنس ) فذكر من المخاريق والأكاذيب بما لم يقل به أحد غيره فقد قال :

__________________

(1) دائرة المعارف 7 / 400.

٤٥٤

1 ـ إنه القى أباه بسبب كثرة زواجه وطلاقه في خصومات عنيفة ، ولم يشر أحد ممن ترجم الإمام الى تلك الخصومات العنيفة التي زعمها لامنس.

2 ـ وذكر ان الإمام خصص لكل من زوجاته مسكنا ذا خدم وحشم ، إن جميع المؤرخين لم ينقلوا ذلك ، وهو من الكذب السافر والافتراء المحض.

إن لجان التبشير المسيحي التي حاربت الإسلام وبغت عليه هي التي تدفع هذه الأقلام المأجورة وتزج بها للنيل من الإسلام ، والى تشويه واقعه والحط من قيم رجاله واعلامه الذين أناروا الطريق للركب الإنساني ، ورفعوا منار الحضارة في العالم.

الى هنا ينتهي بنا الحديث عن كثرة أزواج الإمام مع ما حف بها من الطعون والشكوك ، وقد بقي علينا أن نشير الى أسماء أزواجه اللاتي ذكرهن المؤرخون مع بيان ما عثرنا عليه من تراجمهن وإليك ذلك :

1 ـ خولة الفزارية :

وخولة بنت منظور الفزارية من سيدات النساء في وفور عقلها وكمالها تزوج بها الإمام ، وفي ليلة اقترانه بها بات معها على سطح الدار فشدت خمارها برجله ، وشدت الطرف الآخر بخلخالها فلما استيقظ وجد ذلك فسألها عنه فقالت له معربة عن اخلاصها وحرصها على حياته :

« خشيت أن تقوم من وسن النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب ».

فلما رأى ذلك منها أحبها وأقام عندها سبعة أيام(1) وقد بقيت عنده حولا لم تتزين ولم تكتحل حتى رزقت منه السيد الجليل ( الحسن ) فتزينت

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 4 / 216.

٤٥٥

حينئذ ، فدخل عليها الامام فرآها متزينة فقال لها : « ما هذا؟ » فقالت له : « خفت أن أتزين وأتصنع فتقول النساء تجملت فلم تر عنده شيئا ، فأما وقد رزقت ولدا فلا أبالي » ، وبقيت عنده إلى أن توفي (ع) فجزعت عليه جزعا شديدا فقال لها أبوها مسليا :

نبئت خولة أمس قد جزعت

من أن تنوب نوائب الدهر

لا تجزعي يا خول واصطبري

إن الكرام بنوا على الصبر(1)

وذكرت السيدة زينب بنت علي العاملية في ترجمة خولة ما حاصله انها لما بلغت مبالغ النساء خطبها جملة من وجهاء قريش وأشرافهم فأمتنع أبوها من إجابتهم لأنهم ليسوا بأكفاء لها ، ثم انه طلق امها مليكة بنت خارجة فتزوجها من بعده طلحة بن عبيد الله ، وتزوج ابنه محمد بخولة فأولدت له ابراهيم وداود وأم القاسم ، وقتل زوجها محمد في واقعة الجمل فخطبها جماعة من الناس فجعلت أمرها بيد الحسن (ع) فتزوجها ، ولما نزح الإمام الى يثرب حملها معه ، فبلغ أباها ذلك ، فأقبل الى مسجد رسول الله (ص) وبيده راية فركزها في المسجد فلم يبق قيسي إلا وانضم تحتها ، وهو يهتف بقومه ويستنجد بهم على أخذ بنته من الامام ، فلما بلغه (ع) ذلك خلى سراحها فأخذها وخرج فجعلت خولة تتوسل به على ارجاعها وتندد بعمله وتذكر له فضل الامام ، فندم على فعله وقال لها : البثي هاهنا فان كان للرجل بك من حاجة سيلحق بك ، فلحقه الامام مع أخيه الحسين ، وعبد الله بن عباس ، فلما انتهوا إليه قابلهم بحفاوة وتكريم وأرجعها الى الامام ، وفي ذلك يقول جبير العبسي :

إن الندى في بني ذبيان قد علموا

والجود في آل منظور بن سيار

_________________

(1) الأمالي للزجاج ص 7.

٤٥٦

والماطرين بأيديهم ندى ديما

وكل غيث من الوسمى مدرار

تزور جارتهم وهنا قواضبهم

وما فتاهم لها سرا بزوار

ترضى قريش بهم صهرا لأنفسهم

وهم رضا لبني أخت وأصهار

ثم انها بقيت عند الإمام حتى أسنت ، ولما مات الإمام لم تتزوج من بعده. وقيل انها تزوجت بعبد الله بن الزبير ودخلت عليها النوار زوج الفرزدق مستشفعة بزوجها فأجابتها الى ذلك ، فكلمات عبد الله به فأجابها الى ذلك وفي هذا يقول الفرزدق :

أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم

وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا

مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا(1)

وعندي ان هذه القصة ضرب من الخيال ولا نصيب لها من الواقع وذلك لأن زواج الإمام بها من دون مراجعة أبيها أمر لا يتناسب مع كرامة الإمام ومحال أن يقدم عليه من دون مراجعته وأخذ رأيه فى ذلك ، ومضافا لهذا فانه من المستبعد عدم علم أبيها بقتل زوجها الأول في تلك المدة الطويلة من الزمن حتى تزوج بها الإمام ، ويبعده أيضا نزوحه الى يثرب واستنجاده بأسرته ليأخذ ابنته من الامام ، وقد كان يتطلب مصاهرة الأشراف ، ومناسبة العظماء ، فردّ جماعة من الأشراف الذين خطبوا ابنته لأنهم ليسوا أكفاء لها ، وبعد هذا فكيف لا يرضى بمصاهرة الامام له وهو من ألمع الشخصيات في العالم الاسلامى ، إنا لا نشك في افتعال ذلك وعدم صحته.

2 ـ جعدة بنت الأشعث :

واختلف المؤرخون في اسمها ، فقيل سكينة ، وقيل شعثاء ، وقيل

__________________

(1) الدر المنثور ص 187 ، وعمدة الطالب ص 73.

٤٥٧

عائشة ، والأصح انها جعدة حسب ما ذكره أكثر المؤرخين(1) ، وسبب زواج الامام بها أن أمير المؤمنين خطب من سعيد بن قيس الهمداني ابنته أم عران لولده الحسن فقال له سعيد : أمهلني يا أمير المؤمنين حتى أستشير ثم خرج من عنده فلقيه الأشعث فسأله عن مجيئه فأخبره بالأمر فقال له هذا المنافق مخادعا :

« كيف تزوج الحسن وهو يفتخر عليها ولا ينصفها ويسيء إليها؟! فيقول لها : أنا ابن رسول الله ، وابن أمير المؤمنين ، وليس لها هذا الفضل ولكن هل لك فى ابن عمها فهي له وهو لها ».

ـ ومن ذلك؟

ـ محمد بن الأشعث.

فانخدع هذا الغبي من مقالته وقال : « قد زوجته من ابنتي ».

وأخذ الأشعث يشتد نحو أمير المؤمنين ، فقال له :

« خطبت الى الحسن ابنة سعيد؟ »

ـ نعم.

ـ فهل لك فى أشرف منها بيتا ، وأكرم منها حسبا ، وأتم منها جمالا وأكثر مالا؟

ـ ومن هي؟

ـ جعدة بنت الأشعث بن قيس.

ـ قد قاولنا رجلا ـ يعني سعيدا الهمداني ـ.

ـ ليس الى ذلك الذي قاولته من سبيل.

ـ إنه فارقني ليستشير أمها.

__________________

(1) مقاتل الطالبيين ص 33 وغيره.

٤٥٨

ـ قد زوجها من محمد بن الأشعث.

ـ متى؟!!

ـ قبل أن آتيك.

فوافق أمير المؤمنين ، ولما فهم سعيد باغراء الأشعث ومخادعته له أقبل نحوه يشتد فقال له : « يا أعور خدعتني!! »

ـ أنت أعور خبيث ، حيث تستشير في ابن رسول الله ألست الأحمق؟!

وأقبل الأشعث الى الامام فقال له : « يا أبا محمد ألا تزور أهلك » مستعجلا فى الأمر خوفا من فواته ، ثم إنه فرش أبسطة من باب بيته الى بيت الامام وزف ابنته إليه(1) بهذه الصورة كان زواج الامام بجعدة.

3 ـ عائشة الخثعمية :

ومن جملة أزواج الامام عائشة الخثعمية تزوجها في حياة أمير المؤمنين ولما قتل (ع) أقبلت الى الامام الحسن فأظهرت الشماتة بوفاة أبيه فقالت له :

« لتهنك الخلافة ». ولما علمعليه‌السلام شماتتها قال لها :

« ألقتل علي تظهرين الشماتة؟ اذهبي فأنت طالق ».

فتلفعت بثيابها وقعدت حتى انقضت عدتها فبعث لها بقية صداقها وعشرة آلاف درهم صدقة لتستعين بها على أمورها ، فلما وصلت إليها قالت : « متاع قليل من حبيب مفارق »(2) ، ولم يذكر التاريخ ان الإمام طلق زوجه سوى هذه وأم كلثوم وامرأة من بني شيبان ، فأين كثرة الزواج والطلاق التي طبل بها بعض المؤرخين؟

وأما بقية أزواجه اللاتي لم نعثر على تراجمهن فهن :

__________________

(1) الأذكياء لابن الجوزي ص 27.

(2) تأريخ ابن عساكر 4 / 216.

٤٥٩

4 ـ أم كلثوم بنت الفضل بن العباس ، تزوجها (ع) ثم فارقها فتزوجها من بعده أبو موسى الأشعري(1) .

5 ـ أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي ، أولدت منه ولدا أسماه طلحة.

6 ـ أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري ، أولدت منه ولدا أسماه زيدا

7 ـ هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

8 ـ امرأة من بنات عمرو بن أهيم المنقري.

9 ـ امرأة من ثقيف ، أولدت له ولدا أسماه عمرا.

10 ـ امرأة من بنات زرارة.

11 ـ امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة

، فقيل له إنها ترى رأي الخوارج فطلقها وقال : « إنى أكره أن أضم الى نحري جمرة من جمر جهنم »(2) .

12 ـ أم عبد الله

، وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي.

13 ـ أم القاسم ، وهي أم ولد ، وقيل اسمها نفيلة ، وقيل رملة.

فمجموع ما تزوجه الامام من النساء هذا العدد المذكور لم يتجاوزه بقليل ، وهو كما ترى لا يمت الى الكثرة المزعومة بصلة ، الى هنا ينتهي بنا الحديث عن أزواج الامام

وقد بقي علينا الاشارة الى عدد أولاده ذكورا وأناثا ، وقد اختلف المؤرخون في ذلك اختلافا كثيرا فقد روي أنهم :

1 ـ اثنا عشر ، ثمانية ذكورا وأربع اناث(3) .

__________________

(1) الاستيعاب 3 / 204.

(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 8 ، وقد ذكر اسماء هذه النسوة.

(3) الارشاد.

٤٦٠