حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام0%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
تصنيف:

الصفحات: 529
المشاهدات: 188836
تحميل: 4119


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188836 / تحميل: 4119
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

يجزي الله المحسنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، إن الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله (ص) رحما ، كان إماما فقيها قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أن أحدا خير منّا ما اصطفى محمدا منا ، فلما اختار محمد عليا إماما ، واختارك علي بعده واخترت الحسين بعدك سلمنا ورضينا بمن هو الرضا »(1) .

وذكر الدينوري : أن الإمام في ساعاته الأخيرة بعث خلف أخيه محمد وكان في ضيعة له ، فلما مثل عنده فتح (ع) عينيه ، وكان مغمى عليه ، فالتفت الى أخيه الحسين أولا موصيا له بمحمد قائلا له :

« يا أخي ، أوصيك بمحمد خيرا ، فانه جلدة ما بين العينين ».

ثم التفت إلى محمد :

« يا محمد ، وأنا أوصيك بالحسين كانفه ووازره »(2) .

الى الرفيق الاعلى :

وثقل حال الإمام واشتد به الوجع فأخذ يعاني آلام الاحتضار فعلم أنه لم يبق من حياته الغالية إلا بضع دقائق فالتفت إلى أهله قائلا :

« أخرجوني الى صحن الدار ، أنظر في ملكوت السماء ».

فحملوه الى صحن الدار فلما استقر به رفع رأسه الى السماء وأخذ يناجي ربه ويتضرع إليه قائلا :

« اللهم إني احتسب عندك نفسي فإنها أعز الأنفس عليّ لم أصب بمثلها ، اللهم آنس صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ».

__________________

(1) محمد بن الحنفية ص 52.

(2) الأخبار الطوال ص 203.

٤٨١

ثم حضر فى ذهنه غدر معاوية به ، ونكثه للعهود ، واغتياله إياه فقال :

« لقد حاقت شربته ، والله ما وفى بما وعد ، ولا صدق فيما قال »(1) .

وأخذ يتلو آي الذكر الحكيم ويبتهل الى الله ويناجيه حتى فاضت نفسه الزكية الى جنة المأوى ، وسمت الى الرفيق الأعلى ، تلك النفس الكريمة التي لم يخلق لها نظير فيما مضى من سالف الزمن ، وما هو آت حلما وسخاء وعلما وعطفا وحنانا وبرا على الناس جميعا.

لقد مات حليم المسلمين ، وسيد شباب أهل الجنة ، وريحانة الرسول وقرة عينه ، فاظلمت الدنيا لفقده ، وأشرقت الآخرة بقدومه(2) .

وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين ، وعلا الصراخ والعويل من بيوت يثرب ، وهرع أبو هريرة وهو باك العين ، مذهول اللب الى مسجد رسول الله (ص) وهو ينادي بأعلى صوته :

__________________

(1) تذكرة الخواص ص 23 ، تاريخ ابن عساكر 4 / 226 ، حلية الأولياء 2 / 38 ، صفة الصفوة 1 / 320.

(2) اختلف المؤرخون في السنة التي توفى فيها الإمام فقيل سنة 49 هج ، ذهب الى ذلك ابن الأثير ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ، وقيل سنة 51 هج ، ذهب الى ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن قتيبة فى الإمامة والسياسة ، وقيل غير ذلك ، وأما الشهر الذي توفي فيه فقد اختلف فيه أيضا ، فقيل في ربيع الأول لخمس بقين منه ، وقيل في صفر لليلتين بقيتا منه ، وقيل يوم العاشر من المحرم يوم الأحد سنة 45 من الهجرة ، كما في المسامرات ص 26 ، والمشهور عند الشيعة انه توفى في صفر في السابع منه إذ تقام فيه مراسيم الذكرى له ، وقد ذكر السيد مهدي الكاظمي في دوائر المعارف ص 23 تفصيل الأقوال في وفاته.

٤٨٢

« يا أيها الناس ، مات اليوم حب رسول الله (ص) فابكوا »(1) .

وصدعت كلماته القلوب ، وتركت الأسى يحز في النفوس ، وهرع من في يثرب نحو ثوى الإمام وهم ما بين واجم وصائح ومشدوه ونائح قد نخب الحزن قلوبهم على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذا لهم وملجأ ومفزعا إن نزلت بهم كارثة أو حلت بهم مصيبة.

تجهيز الامام :

وأخذ سيد الشهداء في تجهيز أخيه وقد أعانه على ذلك عبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن جعفر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، فغسله وكفنه وحنطه وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون ، وبعد الفراغ من تجهيزه أمر (ع) بحمل الجثمان المقدس الى مسجد الرسول لأجل الصلاة عليه(2) .

مواكب التشييع :

كان تشييع الإمام تشييعا حافلا لم تشهد نظيره عاصمة الرسول ، فقد بعث الهاشميون الى العوالي والقرى المحيطة بيثرب من يعلمهم بموت الإمام فنزحوا جميعا الى يثرب ليفوزوا بتشييع الجثمان العظيم(3) وقد حدث ثعلبة ابن مالك عن كثرة المشيعين فقال :

« شهدت الحسن يوم مات ، ودفن في البقيع ، ولو طرحت فيه

__________________

(1) تهذيب التهذيب 2 / 301 ، تاريخ ابن عساكر 4 / 227.

(2) أعيان الشيعة 4 / 80.

(3) تاريخ ابن عساكر 8 / 228.

٤٨٣

ابرة لما وقعت إلا على رأس انسان »(1) ،

وقد بلغ من ضخامة التشييع أن البقيع ما كان يسع أحدا من كثرة الناس ، وحق على المسلمين أن يخفوا لتشييع حفيد نبيهم الذي تكفل بصالحهم ، وعال بضعيفهم وعاجزهم ، وأوقف نفسه على البر والمعروف إليهم.

الصلاة على الجثمانه :

وحمل الجثمان المقدس من ثوي الإمام الى مسجد النبي (ص) على أطراف الأنامل قد حفت به الوجوه والأشراف ، فوضع في الجامع فتقدم الإمام الحسين (ع) فصلى عليه وقد ائتمت به بقية الصحابة والناس على اختلاف طبقاتهم ، وذكر ابن أبي الحديد : ان الإمام الحسين (ع) أمر سعيد بن العاص بالصلاة عليه وقال له : لو لا انها سنة لما قدمتك(2) وهذا القول بعيد نظرا لتوتر العلاقات بين الأمويين والهاشميين فكيف يقدم الإمام الحسين عميدهم للصلاة عليه؟ والصحيح ما روي أنه لم يحضر أحد من الأمويين فى موكب التشييع سوى سعيد بن العاص(3) .

الفتنة الكبرى :

واتجهت مواكب التشييع نحو المرقد النبوي ليجددوا بالجثمان الطاهر عهدا عند جده ويوارونه بجواره ، ولما علم الأمويون ذلك تكتلوا وانضم

__________________

(1) الاصابة 1 / 330.

(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 18.

(3) تاريخ الخميس 2 / 323.

٤٨٤

بعضهم الى بعض فقد دفعتهم الأنانية والعداء للهاشميين الى إحداث المعارضة والشغب في دفن الإمام بجوار جده ذلك لأنهم رأوا أن عميدهم عثمان قد دفن في حش كوكب مقبرة اليهود ، ويدفن الحسن مع جده فيكون ذلك عارا عليهم وخزيا ، وأخذوا يهتفون بلسان واحد :

« يا رب هيجاء ، هي خير من دعة ، أيدفن عثمان بأقصى المدينة ، ويدفن الحسن عند جده!!؟ ».

وانعطف مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص نحو عائشة وهما يستفزانها ويستنجدان بها في مناصرتهم ، وقد عرفا دخيلة نفسها وما تكنه من الموجدة والغيرة والحسد لولد علي وفاطمة قائلين لها :

« يا أم المؤمنين ، إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله والله لئن دفن الحسن بجوار جده ليذهبن فخر أبيك ، وصاحبه عمر الى يوم القيامة ».

وألهبت هذه الكلمات نار الثورة في نفسها فاندفعت بغير اختيار لمناصرتهما كما اندفعت قبل ذلك لحرب أمير المؤمنين (ع) لا على أساس وثيق ، بل للعاطفة والميول التي طبعت المرأة نفسيا على الانقياد إليهما ، والتفتت الى مروان قائلة :

« ما أصنع يا مروان؟ »

ـ الحقي به ، وامنعيه من أن يدفن معه.

فقامت مسرعة مدهوشة ، فجيء لها ببغلة فامتطتها وأقبلت الى مواكب التشييع الحاشدة ، وهي تصيح بلا اختيار قائلة :

« لا تدخلوا بيتي من لا أحب!! إن دفن الحسن في بيتي لتجز

٤٨٥

هذه ـ وأومأت الى ناصيتها ـ »(1) .

وما علمت عائشة أن كلامها سيؤدي الى إراقة الدماء ، والى تفريق صفوف المسلمين ، وهي من دون شك لا يهمها ذلك ، فقد أراقت يوم الجمل سيلا عارما من دمائهم استجابة لعواطفها المترعة بالحقد تجاه أمير المؤمنين.

وإنا لنتساءل ـ أولا ـ : من أين جاء لها البيت الذي دفن فيه رسول الله (ص)؟ ألم يزعم أبوها أن رسول الله (ص) قال : « إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ، ولا فضة ، ولا دارا ولا عقارا » فهل إن هذه الرواية اختصت بسيدة النساء فاطمة سلام الله عليها فمنعت من ارثها ، وحرمت من حقها ، وإذا كانت عامة فلما ذا لا تعمل بها أم المؤمنين؟ ولو سلمنا أنها ترث من البيت فما هو مقدار حصتها منه ، لأنها لا تستحق إلا التسع من الثمن ، وقد قيل :

لك التسع من الثمن

وبالكل تملكت

وبالاضافة لذلك فان الزوجة لا ترث من الأرض ، وإنما ترث من العمارات ، وسائر الأموال المنقولة.

ونتساءل ـ ثانيا ـ : لما ذا لا تحب ريحانة رسول الله (ص) وثمرة

__________________

(1) ذكر فريق كبير من المؤرخين منع عائشة لدفن الامام الحسن بجوار جده منهم ابن أبي الحديد فى شرح النهج 4 / 18 ، والسبط الجوزي فى تذكرة الخواص ص 223 ، واليعقوبي في تاريخه 1 / 200 ، وأبو الفداء فى تاريخه 1 / 192 ، وأبو علي النيسابوري فى روضة الواعظين ص 143 ، وأبو الفرج فى مقاتل الطالبيين ص 52 ، وجاء أيضا في الخرائج والجرائح ص 23 ، وفي روض المناظر ، وفي البحار.

٤٨٦

فؤاده ، وقد قال فيه : « اللهم إني أحبه ، وأحب من يحبه » لقد جافت عائشة بذلك ما أثر عن رسول الله (ص) في سبطه وريحانته(1) .

نعم استجابت عائشة لرغبات الأمويبن ، وانطلقت فى موكبهم فمنعت سبط النبي أن يدفن مع جده ، وما راعت حرمة العترة الطاهرة التي فرض الله مودتها فى كتابه الكريم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

اجازة عائشة لدفن عبد الرحمن :

ونصّ المؤرخون أن عائشة سمحت بأن يدفن عبد الرحمن بن عوف فى حجرة النبي (ص)(2) وهو من الغرابة بمكان ، فهل ان عبد الرحمن أولى بالنبي (ص) من الإمام الحسن الذي هو سبطه وريحانته ، رحماك يا رب!! أي موقف هذا الذي وقفته عائشة ، فإنها تسمح لابن عوف أن يوارى مع رسول الله ، ويحضى بجواره ، وتبعد عنه ريحانته ، وفلذة كبده ، فتحول بينه وبين أغلى أمانيه ، ولم ترع عواطف النبي (ص) وشدة حبه له وتعلقه به ،

وعلق الاستاذ السيد سعيد الأفغاني على موقف عائشة فقال : ولعل آخر تعبير عن موقفها ـ يعنى عائشة ـ السلبى من علي ، انقباضها عن ولديه الحسن والحسين ، فلقد كانت تحتجب منهما وهما لها من المحارم ، انهما سبطا زوجها ولا تحل لهما ، ولا يحلان لها ، ومن المعروف بداهة انه لا تحل امرأة الرجل لولده ولا لولد ولده وأولاد بناتهم ، وهي تعرف

__________________

(1) ذكرنا الأحاديث الواردة من النبي (ص) التي أجمع عليها المسلمون في حق الإمام الحسن في الحلقة الأولى من هذا الكتاب.

(2) الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة ص 404.

٤٨٧

ذلك حق المعرفة لكنها حجبتهما ، ولم تكن تأذن لهما إلا من وراء حجاب مبالغة في مباعدتهما ، ولقد علّق على هذا الحادث ابن عباس بقوله : ان دخولهما عليها لحل(1) ثم كانت الأمنية الأخيرة للحسن بعد وفاة علي وتنازله لمعاوية عن الخلافة أن يدفن عند جده رسول الله (ص) وهي أمنية حق ما كان ينبغي أن يحرمها إذ كان أقرب الأحياء يومئذ من رسول الله (ص) وهو أمسهم به رحما بعد ابنته وأزواجه ، ولكن للأهواء السياسية منحى لا يخضع لحق ولا منطق(2) .

لقد ارتكبت عائشة في فعلها شططا ، وأوضحت عما تكنه من العداء لأمير المؤمنين ولأولاده ، ونحن لا نجد ما يبرر فعلها ، ولما رأى محمد بن الحنفية موقفها المرير انبرى إليها وقد قد قلبه قائلا بنبرات تقطر غضبا : « يا عائشة ، يوما على جمل ، ويوما على بغل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ».

فأثارت هذه الكلمات الغضب في نفسها فأرادت أن تفصل محمدا عن الفاطميين وتفرق بينهم وبينه قائلة له.

« هؤلاء بنو الفواطم لا يتكلمون ».

ولم يخف على الحسين ما ارادته عائشة من التفرقة وصدع الشمل فاندفع إليها رادا عليها مقالها قائلا :

« وأنت تبعدين محمدا من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث من الفواطم ، فاطمة بنت عمران بن عائد بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة ».

__________________

(1) طبقات ابن سعد 8 / 50.

(2) عائشة والسياسة ص 218.

٤٨٨

فقالت عائشة وهي مغيظة حانقة :

« نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون »(1) .

وانعطف نحو عائشة ابن أخيها القاسم بن محمد الطيب ابن الطيب فزجرها وردعها عن موقفها قائلا :

« يا عمة ، ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال يوم البغلة السهباء؟!! »(2)

وأقبل إليها ابن عباس وهو لا يبصر طريقه من الغضب فسدد لها سهما من منطقه الفياض قائلا :

« وا سوأتاه ، يوما على بغل ، ويوما على جمل ، تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقابلين أولياءه ».

ثم التفت الى مروان فقال له :

« ارجع يا مروان من حيث جئت ، فانا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ، ولكن نريد أن نجدد به عهدا ، ثم ندفنه عند جدته فاطمة بنت أسد عملا بوصيته ، ولو أوصانا بدفنه عند جده لعلمت من هو أقصر باعا »(3) .

ولما رأى ذلك أبو هريرة أخذ ينادي بأعلى صوته :

« أرأيتم لو مات ابن لموسى بن عمران ، أما كان يدفن مع أبيه؟

__________________

(1) اعلام الورى في اعلام الهدى ص 126.

(2) تأريخ اليعقوبي 2 / 200.

(3) روضة الواعظين ص 143 ، أعيان الشيعة 4 / 81 ، وابن عباس ليس هو حبر الأمّة عبد الله فانه كان في دمشق ، بل المراد هو أحد ولد العباس أما عبيد الله أو غيره.

٤٨٩

وإني سمعت رسول الله (ص) يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. »

ولم يسجل التاريخ لأبي هريرة موقفا كريما سوى هذا الموقف ، وقد اغتاظ مروان من مقالته وصاح به لقد ضاع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) . وخرج أبان بن عثمان وهو رافع عقيرته قائلا :

« إن هذا لهو العجب يدفن ابن قاتل عثمان مع رسول الله وأبي بكر وعمر ، ويدفن أمير المؤمنين الشهيد المظلوم ببقيع الغرقد »(2) .

ولما رأى الهاشميون موقف بني أميّة ومنعهم من دفن الإمام بجوار

__________________

(1) أعيان الشيعة 4 / 81 ، وجاء قريبا منه فى مستدرك الحاكم 3 / 171 وجاء فى تاريخ ابن عساكر ان محرز بن جعفر روى عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله ، وقد دفن عثمان فى البقيع ، فقلت : يا مروان اتق الله ، ولا تقل لعلي إلا خيرا ، أشهد لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : يوم خيبر لأعطي الراية رجلا يحبه الله ورسوله ليس بفرار ، وأشهد سمعت رسول الله يقول في حسن : « اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه ». قال مروان : إنك والله أكثرت على رسول الله ، فلا نسمع منك ما تقول ، فهل غيرك يعلم ما تقول؟ قال : قلت : هذا أبو سعيد الخدري ، فقال مروان : لقد ضاع حديث رسول الله ، حين لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري والله ما أبو سعيد الخدري إلا غلام ، ولقد جئت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله بيسير فاتق الله يا أبا هريرة ، قال : قلت : نعم ما أوصيت به ، وسكت عنه.

(2) تاريخ ابن عساكر الجزء الثاني عشر صورة فوتغرافية بمكتبة الإمام أمير المؤمنين.

٤٩٠

جده عزموا على مناجزتهم ، فانحاز كل منهما في جانب ، وهمّ بعضهم على بعضهم بالهجوم ، فلما رأى الإمام الحسين (ع) ذلك بادر نحو الهاشميين فصاح بهم :

« الله الله يا بني هاشم ، لا تضيعوا وصية أخي ، واعدلوا به الى البقيع ، فانه أقسم عليّ إن أنا منعت من دفنه مع جده أن لا أخاصم فيه أحدا وأن أدفنه في البقيع مع أمّه ».

ثم التفت الى الأمويين فقال لهم :

« والله لو لا عهد الحسن إليّ أن لا أهريق في أمره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد الذي بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا »(1) .

ثم أمر (ع) بحمل الجثمان المقدس الى البقيع ، فحمل على الأنامل قد حفّ به الهاشميون والطالبيون وهم يذرفون الدموع ، ويصعدون من الحسرات ما يسعره الألم ، قد أخذتهم المائقة ، وأذاب الحزن قلوبهم على

__________________

(1) وذهب مؤرخو الشيعة أن عائشة أمرت بني أميّة برمي جنازة الحسن فرموها حتى استل منها سبعون سهما ذكر ذلك في ناسخ التواريخ وغيره ، ويؤيده ما جاء في تاريخ ابن عساكر ج 12 « وانتهى الحسين الى قبر النبيّ (ص) فقال : احفروا هاهنا ، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير ولم يحل بينه وبينه ، وصاح مروان في بني أميّة فلبسوا السلاح ، وقال مروان : لا كان هذا أبدا فقال له الحسين : يا ابن الزرقاء مالك ولهذا أو أولى أنت به؟!!. قال مروان : لا كان هذا ولا يخلص إليه وأنا حي ، وصاح بحلف الفضول فاجتمعت هاشم ، وتيم ورهن أسد و وقد لبسوا السلاح ، وعقد مروان لواء وعقد الحسين لواء ، فقال الهاشميون : يدفن مع النبي (ص) حتى كانت بينهم المراماة في النبل. الخ. »

٤٩١

فقيدهم العظيم ، وعلى ما ارتكبه الأمويون منهم.

وجيء بالجثمان الطاهر إلى البقيع فأودع في مقره الأخير بجوار جدته فاطمة بنت أسد(1) لقد أودع في الثرى ريحانة الرسول وسبطه ، فاقبر معه الحلم والكرم والفضل.

على حافة القبر :

ووقف سيد الشهداء على حافة القبر وهو شاخص العين لم يطرف له هدب ، ولم يهدأ له قلب ، وأخذ يؤبّن أخاه ، ويصوغ من حزنه كلمات :

« رحمك الله أبا محمد ، إن كنت لتباصر الحق مظانه ، وتؤثر الله عند التداحض فى مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ، وتفيض عليها يدا طاهرة الأطراف ، نقية الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤنة عليك ، ولا غرو فأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع لبان الحكمة ، فالى روح وريحان ، وجنة ونعيم ، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا ولكم حسن الأسى(2) عنه »(3) .

ثم جلس على القبر وأخذ يروي أديمه بماء عينيه ، وينشد :

أأدهن رأسي أم تطيب محاسني

وخدك معفور وأنت سليب

أأشرب ماء المزن من غير مائه

وقد ضمن الأحشاء منك لهيب

أو أستمتع الدنيا لشيء أحبه

الى كل ما أدنى إليك حبيب

__________________

(1) كفاية الطالب ص 268 وغيره.

(2) الأسى : بضم أوله وكسره ، جمع أسوة بالضم والكسر ، وهو ما يتعزى به.

(3) عيون الأخبار.

٤٩٢

سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة

وما اخضر في دوح الحجاز قضيب

غريب وأكناف الحجاز تحوطه

ألا كل من تحت التراب غريب

فلا يفرح الباقي ببعد الذي مضى

فكل فتى للموت فيه نصيب

وليس حريبا من أصيب بماله

ولكن من وارى أخاه حريب

بكائي طويل والدموع غزيرة

وأنت بعيد والمزار قريب

نسيبك من أمسى يناجيك طيفه

وليس لمن تحت التراب نسيب(1)

وأقبل أخوه ، الثاكل الحزين محمد بن الحنفية فوقف على حافة القبر كأنه يعاني آلام الاحتضار قد استجاب لأحاسيس نفسه الولهى ، وقلبه المتصدع الذي ليس فيه فراغ لغير الأسى والحزن وهو يصوغ من حزنه كلمات قائلا :

« رحمك الله يا أبا محمد ، فو الله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح عمّر بدنك ، ونعم البدن بدن تضمنه كفنك ، ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، وجدك المصطفى ، وأبوك المرتضى ، وأمّك فاطمة الزهراء ، وعمك جعفر الطيار في جنة المأوى ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ، وأرضعتك ثدى الإيمان فطبت حيا وميتا ، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ، ولا شاكة في الخيار لك ، وإنك وأخاك لسيدا شباب أهل الجنة ، فعليك أبا محمد منا السلام »(2) .

وبعد الفراغ من دفن الإمام وتأبينه أقبلت الجماهير ترفع للإمام

__________________

(1) مقتل الحسين 1 / 142 ، وقيل ان الأبيات أنشدها محمد بن الحنفية

(2) زهر الآداب 1 / 55 ، تأريخ اليعقوبي 2 / 200.

٤٩٣

الحسين التعازي الحارة وتواسيه بمصابه الأليم وهو (ع) واقف يشكرهم على مواساتهم وتعازيهم.

صدى الفاجعة :

وما أذيع النبأ المؤلم فى العالم الإسلامى إلا واهتز من أقصاه الى أدناه حزنا ووجدا ، فلقد مات سيد المسلمين وإمامهم ، والملجأ الوحيد لهم ، وقد أدخل موته ذلا على عموم العرب والمسلمين(1) وعلينا أن ننظر الى العواصم الإسلامية التي غمرها الحزن وهي :

1 ـ يثرب :

أما يثرب عاصمة الإسلام فقد لبست الحزن والحداد على الفقيد الراحل فعطلت أسواقها ومكاسبها(2) ، وبكاه الرجال والنساء سبعة أيام واستمرت نساء بنى هاشم فى النياحة عليه شهرا ، وأظهرن الحداد ، ولبسن السواد سنة كاملة(3) .

2 ـ مكة :

وعم الحزن والأسى أهل مكة ، فانه لما انتهى إليهم النبأ المريع أغلقوا حوانيتهم ، وعطلوا مكاسبهم ، واستمروا بالنياحة ، يبكون رجالا ونساء سبعة أيام(4) .

__________________

(1) مقاتل الطالبيين 1 / 53 وجاء فيه ان عمر بن بشير سأل أبا اسحاق فقال له : متى ذل الناس؟ فقال : حين مات الحسن.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 173 ، أسد الغابة 2 / 11 ، أعيان الشيعة 4 / 80.

(3) البداية والنهاية 8 / 44.

(4) تاريخ ابن عساكر 4 / 228.

٤٩٤

3 ـ البصرة :

وحمل النبأ المؤلم الى البصرة عبد الله بن سلمة ، فأخبر به حاكمها زياد بن أبيه ، وفهم بذلك الحكم بن أبي العاص الثقفي فخرج الى الناس فنعى إليهم الإمام ، فلما سمعوا بذلك ، علا منهم البكاء والضجيج ، وسمع أبو بكرة أخو زياد الصراخ والعويل وكان سقيما ، فقال لزوجه ميسة بنت سخام :

« ما هذا؟ »

ـ مات الحسن بن علي ، والحمد لله الذي أراح الناس منه.

فقال لها بصوت خافت :

« اسكتي ويحك ، فقد أراحه الله من شر كثير ، وفقد الناس بموته خيرا كثيرا ، يرحم الله حسنا »(1) .

ورثاه شاعر البصرة الجارود بن أبي سبرة فقال :

إذا كان شر سار يوما وليلة

وإن كان خيرا خرد السير أربعا

إذا ما يريد الشر أقبل نحونا

باحدى الدواهي الربدسار وأسرعا(2)

4 ـ الكوفة :

وحينما أذيع النبأ المؤلم في الكوفة تصدعت القلوب وارجفت من هوله النفوس ، وأخذ الكوفيون بالبكاء والنحيب ، وهم يعددون مزايا الإمام ويذكرون خطأهم وتقصيرهم تجاهه ، وقد رثاه شاعرهم الموهوب سليمان ابن قتة بقوله :

يا كذب الله من نعى حسنا

ليس لتكذيب نعيه ثمن

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 4.

(2) نفس المصدر ص 6.

٤٩٥

كنت خليلي وكنت خالصتي

لكل حي من أهله سكن

أجول في الدار لا أراك وفي

الدار أناس جوارهم غبن

بدلتهم منك ليت انهم

أضحوا وبيني وبينهم عدن(1)

ورثاه شاعر الكوفة الكبير قيس بن عمر الشهير بالنجاشي بأبيات ذكر فيها جريمة بنت الأشعث وذكر فضل الإمام وجوده وسخاءه :

جعدة ابكيه ولا تسأمي

بعد بكاء المعول الثاكل

لم يسبل الستر على مثله

في الأرض من حاف ومن ناعل

كان إذا شبت له ناره

يرفعها بالسند الغاتل

كيما يراهما يائس مرمل

وفرد قوم ليس بالآهل

يغلى بنيء اللحم حتى إذا

أنضجه لم يغل من آكل

أعنى الذي أسلمنا هلكه

للزمن المستحرج الماحل(2)

واجتمع زعماء الشيعة وشخصياتهم فى ثوي سليمان بن صرد الخزاعي فرفعوا الى الإمام الحسين رسالة يعزونه بمصابه المؤلم ويعربون له الولاء والإخلاص والطاعة لأمره وهذا نصها :

« بسم الله الرحمن الرحيم : للحسين بن علي ، من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، سلام عليك ، فانا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد : فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم يبعث حيا ، غفر الله ذنبه ، وتقبل حسناته ، وألحقه بنبيه (ص) ، وضاعف لك الأجر فى المصاب به ، وجبّر بك المصيبة

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 18.

(2) مروج الذهب 2 / 303.

٤٩٦

من بعده فعند الله تحتسبه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ما أعظم ما أصيبت به هذه الأمّة عامة ، وأنت وهذه الشيعة خاصة ، بهلاك ابن الوصي وابن بنت النبي ، علم الهدى ، ونور البلاد المرجو لإقامة الدين ، وإعادة سيرة الصالحين ، فاصبر رحمك الله على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، فان فيك خلفا ممن كان قبلك ، وإن الله يؤتى رشده من يهتدي بهديك ، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك المحزونة بحزنك ، المسرورة بسرورك ، السائرة بسيرتك ، المنتظرة لأمرك ، شرح الله صدرك ، ورفع ذكرك ، وأعظم أجرك ، وغفر ذنبك ، ورد عليك حقك ، والسلام »(1) .

سرور معاوية :

كان معاوية يتشوف بفارغ الصبر أنباء يثرب ، ويترقب البريد ساعة فساعة ، قد ألح على عامله أن يعرفه بأخبار الإمام في كل يوم ، ولما انتهى إليه النبأ بموت الإمام لم يملك نفسه من السرور حتى خرّ ساجدا ، وكبّر وكبّر من كان معه في الخضراء ، ولما سمعت ذلك زوجه فاختة بنت قرضة خرجت من خوخة لها فرأت زوجها قد غمره الفرح والسرور فقالت له :

« سرك الله يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ »

ـ موت الحسن.

فاستعبرت ، وقالت : « إنا لله وإنا راجعون ». ثم بكت وقالت :

« مات سيد المسلمين ، وابن بنت رسول الله (ص) »(2) .

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 203.

(2) مروج الذهب 2 / 305.

٤٩٧

وأخذ معاوية يتعجب من سرعة تأثير السم الذي بعثه للإمام قائلا :

« يا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه!! »(1) .

وبلغ معاوية ما أراده الهاشميون من دفن الحسن في بيت النبي (ص) فقال : ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبيّ وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع ، إن يك ظنى بمروان صادقا لا يخلصون الى ذلك وجعل يقول : ويها مروان أنت لها »(2)

ووفد عليه المقدام بن عدي بن كرب وكان من شيعة أمير المؤمنين فقال له معاوية مظهرا له الشماتة بموت الإمام :

« يا مقدام ، أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ »

فاسترجع المقدام ، واستعبر ، فالتفت إليه معاوية والسرور باد على وجهه ، وابتسامة ظاهرة على شفتيه قائلا له باستهزاء :

« أترى موت الحسن مصيبة؟!! »

ـ ولم لا أراها مصيبة؟ وقد وضعه رسول الله (ص) فى حجره وقال : هذا مني ، وحسين من علي(3) .

لقد فرح معاوية بموت الإمام ، لأنه قد تمت بحسابه بوارق آماله وأحلامه وتحقق عنده جعل الملك العضوض وراثة في أبنائه وذريته ، وقد وصف لنا الفضل بن العباس مدى سرور معاوية وشماتته بموت الإمام بقوله :

أصبح اليوم ابن هند شامتا

ظاهر النخوة إذ مات الحسن

__________________

(1) الاستيعاب 1 / 374.

(2) تاريخ ابن عساكر.

(3) كفاية الطالب ص 268 ،

٤٩٨

رحمة الله عليه إنه

طالما أشجى ابن هند وأرن

استراح اليوم منه بعده

إذ ثوى رهنا لأحداث الزمن

فارتع اليوم ابن هند آمنا

إنما يقمص بالعير السمن

لست بالبافى فلا تشمت به

كل حي بالمنايا مرتهن

يا ابن هند إن تذق كأس الردى

تك فى الدهر كشيء لم يكن(1)

وذكر المؤرخون أن ابن عباس دخل على معاوية فلما استقر به المجالس التفت إليه معاوية ـ وهو جذلان مسرور بموت الإمام ـ قائلا : « يا ابن عباس هلك الحسن!!! »

ـ نعم هلك ، إنا لله وإنا إليه راجعون ـ قال ذلك مكررا ـ وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته ، أما والله ما سدّ جسده حفرتك ، ولا زاد نقصان أجله في عمرك ، ولقد مات وهو خير منك ، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله (ص) فجبر الله مصيبته ، وخلف من بعده أحسن الخلف ».

وشهق ابن عباس من الحزن ثم انفجر باكيا فبكى من حضر في بلاط معاوية ، وتباكى معاوية رياء ، فلم ير أكثر باك في ذلك اليوم ، والتفت معاوية والفرح والسرور باد على سحنات وجهه قائلا له : « يا ابن عباس إنه ترك بنين صغارا ».

ولم يخف على ابن عباس ما فى كلام معاوية من الشماتة فقال له : كلنا كنا صغارا فكبرنا ».

ـ كم أتى له من العمر؟

ـ أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحد مولده.

__________________

(1) مقتل الحسين للخوارزمى 1 / 141.

٤٩٩

وسكت معاوية برهة ثم التفت إليه ليعرف مدى اتجاهه نحو الحسين قائلا : « يا ابن عباس ، أصبحت سيد قومك!؟ »

وعرف ابن عباس غايته فقال له : « أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا ».

فأجابه معاوية على عادته من المراوغة : « لله أبوك يا ابن عباس!! ما استنبأتك إلا وجدتك معدا!! »

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن حياة الإمام أبي محمد ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا ، فقد خسر المسلمون بفقده قيادته الروحية والزمنية ، وأسلمهم فقده للخطوب والنكبات ، وجاهد الأمويون من بعده الى اذلال المسلمين ، والى ارغامهم على ما يكرهون.

وأعرض الى القراء ان هذا الكتاب انما هو خلاصة ما توصلت إليه من الدراسة لحياة الإمام الزكي أبي محمد ، وعن تراثه ومثله ، وعن عصره وخلافته ، وما أحاط به من الظروف العصيبة التي ألجأته الى الصلح ، ولا أزعم أني قد وفقت الى الكمال فيه ، فان الكمال لله ، ولكني لم أدع جاهدا في البحث والتنقيب ، وفى عرض الأخبار وتحليلها ، ومناقشة بعضها ، وعسى أن أكون قد وفقت في جميع ذلك الى اعطاء صورة حية عن الإمام وعن العصر الذي عاش فيه ، وقد توسعت كثيرا في عرض الأحداث التي رافقت الإمام ، وفيما أحسب أن في عرض ذلك ضرورة ملحة يقتضيها البحث.

وإني أرى من الحق ـ وأنا في ختام البحث ـ أن أرفع أعمق الشكر الى حضرة المحسن النبيل الحاج محمد رشاد نجل الوجيه الحاج محمد جواد عجينة على تبرعه بطبع هذا الكتاب رغبة منه في خدمة أهل البيت (ع) ، وفي احياء مآثر هذا الإمام العظيم سائلا من الله أن يعوضه المزيد من الأجر ويحسن له الصنيع إنه تعالى ولي القصد والتوفيق.

٥٠٠