حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218071 / تحميل: 6650
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

1 ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

2 ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

3 ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(1)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

1 ـ لاحظ عدة الأُصول : 1 / 366.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى 381 هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم 1049 ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(1) .

2 ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم 211 ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(2) ، والمتوفّى سنة 423 هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(3) .

3 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة 249 هـ والمتوفّى سنة 333 هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(4)

__________________

1 ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة 495 ، الرقم 25 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 156 ، تحت الرقم 695 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 184 ، تحت الرقم 709.

2 ـ رجال الشيخ : 450 ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

3 ـ الفهرس : 4 ـ 6 ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم 7 و « الطبعة الثانية » : 27 ـ 29.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 44 ، الرقم 30 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص 28 ،

٤٣

4 ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام 280 هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(1)

5 ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 207 ) والشيخ الطوسي(2) وتوفّي سنة 401 هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

6 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(3) .

7 ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة 350 هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم 223 ) ، له كتاب « الطبقات ».

8 ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 236 ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(4) .

9 ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام 149 هـ ، والمتوفّى عام 224 هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم 76 ، وفي « الطبعة الثانية » ص 52 ، تحت الرقم 86 ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233.

1 ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم 196 ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 24 ، تحت الرقم 63 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 48 ، تحت الرقم 73 ، وفي الرجال في الصفحة 453 ، الرقم 90.

2 ـ رجال الشيخ : 449 ، الرقم 64 ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 33 ، تحت الرقم 89 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 57 ، تحت الرقم 99.

3 ـ ترجمه الشيخ في رجاله : 456 ، الرقم 108 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 37 ، تحت الرقم 107 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 61 ، تحت الرقم 117.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 454 ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة 29 ، تحت الرقم 78 : « توفي سنة 346 هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة 53 ، تحت الرقم 88.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(1) .

10 ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة 254 هـ ، وقيل 260 هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (2) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(3) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(4) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

1 ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : 347 ، الرقم 9 والصفحة 372 ، الرقم 11 والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 46 ، تحت الرقم 151 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 72 ، تحت الرقم 162.

2 ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 124 ، تحت الرقم 552 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 150 ، تحت الرقم 564 ، وفي الرجال في الصفحة 420 ، الرقم 1 ، والصفحة 434 ، الرقم 2.

3 ـ الخلاصة : 251 ، طبع النجف.

4 ـ طبع الكتاب عام 1378.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(1) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (2) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (4) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (5) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(1) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ـ 12 ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الثمانية.

2 ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام 219 هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(1) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

1 ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

1 ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(1) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(2) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(3) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1018.

2 ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة 141 ، الرقم 604 ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة 167 الرقم 615.

3 ـ رجال الشيخ : 497.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(1) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(2) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(3) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

1 ـ راجع رجال النجاشي : الرقم 944.

2 ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

3 ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 34 ، الرقم 90 ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة 58 ، الرقم 100.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(1) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

2 ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(3) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 17.

2 ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

3 ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء 12 ، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

يجزي الله المحسنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، إن الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله (ص) رحما ، كان إماما فقيها قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أن أحدا خير منّا ما اصطفى محمدا منا ، فلما اختار محمد عليا إماما ، واختارك علي بعده واخترت الحسين بعدك سلمنا ورضينا بمن هو الرضا »(١) .

وذكر الدينوري : أن الإمام في ساعاته الأخيرة بعث خلف أخيه محمد وكان في ضيعة له ، فلما مثل عنده فتح (ع) عينيه ، وكان مغمى عليه ، فالتفت الى أخيه الحسين أولا موصيا له بمحمد قائلا له :

« يا أخي ، أوصيك بمحمد خيرا ، فانه جلدة ما بين العينين ».

ثم التفت إلى محمد :

« يا محمد ، وأنا أوصيك بالحسين كانفه ووازره »(٢) .

الى الرفيق الاعلى :

وثقل حال الإمام واشتد به الوجع فأخذ يعاني آلام الاحتضار فعلم أنه لم يبق من حياته الغالية إلا بضع دقائق فالتفت إلى أهله قائلا :

« أخرجوني الى صحن الدار ، أنظر في ملكوت السماء ».

فحملوه الى صحن الدار فلما استقر به رفع رأسه الى السماء وأخذ يناجي ربه ويتضرع إليه قائلا :

« اللهم إني احتسب عندك نفسي فإنها أعز الأنفس عليّ لم أصب بمثلها ، اللهم آنس صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ».

__________________

(١) محمد بن الحنفية ص ٥٢.

(٢) الأخبار الطوال ص ٢٠٣.

٤٨١

ثم حضر فى ذهنه غدر معاوية به ، ونكثه للعهود ، واغتياله إياه فقال :

« لقد حاقت شربته ، والله ما وفى بما وعد ، ولا صدق فيما قال »(١) .

وأخذ يتلو آي الذكر الحكيم ويبتهل الى الله ويناجيه حتى فاضت نفسه الزكية الى جنة المأوى ، وسمت الى الرفيق الأعلى ، تلك النفس الكريمة التي لم يخلق لها نظير فيما مضى من سالف الزمن ، وما هو آت حلما وسخاء وعلما وعطفا وحنانا وبرا على الناس جميعا.

لقد مات حليم المسلمين ، وسيد شباب أهل الجنة ، وريحانة الرسول وقرة عينه ، فاظلمت الدنيا لفقده ، وأشرقت الآخرة بقدومه(٢) .

وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين ، وعلا الصراخ والعويل من بيوت يثرب ، وهرع أبو هريرة وهو باك العين ، مذهول اللب الى مسجد رسول الله (ص) وهو ينادي بأعلى صوته :

__________________

(١) تذكرة الخواص ص ٢٣ ، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٢٦ ، حلية الأولياء ٢ / ٣٨ ، صفة الصفوة ١ / ٣٢٠.

(٢) اختلف المؤرخون في السنة التي توفى فيها الإمام فقيل سنة ٤٩ هج ، ذهب الى ذلك ابن الأثير ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ، وقيل سنة ٥١ هج ، ذهب الى ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن قتيبة فى الإمامة والسياسة ، وقيل غير ذلك ، وأما الشهر الذي توفي فيه فقد اختلف فيه أيضا ، فقيل في ربيع الأول لخمس بقين منه ، وقيل في صفر لليلتين بقيتا منه ، وقيل يوم العاشر من المحرم يوم الأحد سنة ٤٥ من الهجرة ، كما في المسامرات ص ٢٦ ، والمشهور عند الشيعة انه توفى في صفر في السابع منه إذ تقام فيه مراسيم الذكرى له ، وقد ذكر السيد مهدي الكاظمي في دوائر المعارف ص ٢٣ تفصيل الأقوال في وفاته.

٤٨٢

« يا أيها الناس ، مات اليوم حب رسول الله (ص) فابكوا »(١) .

وصدعت كلماته القلوب ، وتركت الأسى يحز في النفوس ، وهرع من في يثرب نحو ثوى الإمام وهم ما بين واجم وصائح ومشدوه ونائح قد نخب الحزن قلوبهم على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذا لهم وملجأ ومفزعا إن نزلت بهم كارثة أو حلت بهم مصيبة.

تجهيز الامام :

وأخذ سيد الشهداء في تجهيز أخيه وقد أعانه على ذلك عبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن جعفر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، فغسله وكفنه وحنطه وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون ، وبعد الفراغ من تجهيزه أمر (ع) بحمل الجثمان المقدس الى مسجد الرسول لأجل الصلاة عليه(٢) .

مواكب التشييع :

كان تشييع الإمام تشييعا حافلا لم تشهد نظيره عاصمة الرسول ، فقد بعث الهاشميون الى العوالي والقرى المحيطة بيثرب من يعلمهم بموت الإمام فنزحوا جميعا الى يثرب ليفوزوا بتشييع الجثمان العظيم(٣) وقد حدث ثعلبة ابن مالك عن كثرة المشيعين فقال :

« شهدت الحسن يوم مات ، ودفن في البقيع ، ولو طرحت فيه

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠١ ، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٢٧.

(٢) أعيان الشيعة ٤ / ٨٠.

(٣) تاريخ ابن عساكر ٨ / ٢٢٨.

٤٨٣

ابرة لما وقعت إلا على رأس انسان »(١) ،

وقد بلغ من ضخامة التشييع أن البقيع ما كان يسع أحدا من كثرة الناس ، وحق على المسلمين أن يخفوا لتشييع حفيد نبيهم الذي تكفل بصالحهم ، وعال بضعيفهم وعاجزهم ، وأوقف نفسه على البر والمعروف إليهم.

الصلاة على الجثمانه :

وحمل الجثمان المقدس من ثوي الإمام الى مسجد النبي (ص) على أطراف الأنامل قد حفت به الوجوه والأشراف ، فوضع في الجامع فتقدم الإمام الحسين (ع) فصلى عليه وقد ائتمت به بقية الصحابة والناس على اختلاف طبقاتهم ، وذكر ابن أبي الحديد : ان الإمام الحسين (ع) أمر سعيد بن العاص بالصلاة عليه وقال له : لو لا انها سنة لما قدمتك(٢) وهذا القول بعيد نظرا لتوتر العلاقات بين الأمويين والهاشميين فكيف يقدم الإمام الحسين عميدهم للصلاة عليه؟ والصحيح ما روي أنه لم يحضر أحد من الأمويين فى موكب التشييع سوى سعيد بن العاص(٣) .

الفتنة الكبرى :

واتجهت مواكب التشييع نحو المرقد النبوي ليجددوا بالجثمان الطاهر عهدا عند جده ويوارونه بجواره ، ولما علم الأمويون ذلك تكتلوا وانضم

__________________

(١) الاصابة ١ / ٣٣٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ١٨.

(٣) تاريخ الخميس ٢ / ٣٢٣.

٤٨٤

بعضهم الى بعض فقد دفعتهم الأنانية والعداء للهاشميين الى إحداث المعارضة والشغب في دفن الإمام بجوار جده ذلك لأنهم رأوا أن عميدهم عثمان قد دفن في حش كوكب مقبرة اليهود ، ويدفن الحسن مع جده فيكون ذلك عارا عليهم وخزيا ، وأخذوا يهتفون بلسان واحد :

« يا رب هيجاء ، هي خير من دعة ، أيدفن عثمان بأقصى المدينة ، ويدفن الحسن عند جده!!؟ ».

وانعطف مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص نحو عائشة وهما يستفزانها ويستنجدان بها في مناصرتهم ، وقد عرفا دخيلة نفسها وما تكنه من الموجدة والغيرة والحسد لولد علي وفاطمة قائلين لها :

« يا أم المؤمنين ، إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله والله لئن دفن الحسن بجوار جده ليذهبن فخر أبيك ، وصاحبه عمر الى يوم القيامة ».

وألهبت هذه الكلمات نار الثورة في نفسها فاندفعت بغير اختيار لمناصرتهما كما اندفعت قبل ذلك لحرب أمير المؤمنين (ع) لا على أساس وثيق ، بل للعاطفة والميول التي طبعت المرأة نفسيا على الانقياد إليهما ، والتفتت الى مروان قائلة :

« ما أصنع يا مروان؟ »

ـ الحقي به ، وامنعيه من أن يدفن معه.

فقامت مسرعة مدهوشة ، فجيء لها ببغلة فامتطتها وأقبلت الى مواكب التشييع الحاشدة ، وهي تصيح بلا اختيار قائلة :

« لا تدخلوا بيتي من لا أحب!! إن دفن الحسن في بيتي لتجز

٤٨٥

هذه ـ وأومأت الى ناصيتها ـ »(١) .

وما علمت عائشة أن كلامها سيؤدي الى إراقة الدماء ، والى تفريق صفوف المسلمين ، وهي من دون شك لا يهمها ذلك ، فقد أراقت يوم الجمل سيلا عارما من دمائهم استجابة لعواطفها المترعة بالحقد تجاه أمير المؤمنين.

وإنا لنتساءل ـ أولا ـ : من أين جاء لها البيت الذي دفن فيه رسول الله (ص)؟ ألم يزعم أبوها أن رسول الله (ص) قال : « إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ، ولا فضة ، ولا دارا ولا عقارا » فهل إن هذه الرواية اختصت بسيدة النساء فاطمة سلام الله عليها فمنعت من ارثها ، وحرمت من حقها ، وإذا كانت عامة فلما ذا لا تعمل بها أم المؤمنين؟ ولو سلمنا أنها ترث من البيت فما هو مقدار حصتها منه ، لأنها لا تستحق إلا التسع من الثمن ، وقد قيل :

لك التسع من الثمن

وبالكل تملكت

وبالاضافة لذلك فان الزوجة لا ترث من الأرض ، وإنما ترث من العمارات ، وسائر الأموال المنقولة.

ونتساءل ـ ثانيا ـ : لما ذا لا تحب ريحانة رسول الله (ص) وثمرة

__________________

(١) ذكر فريق كبير من المؤرخين منع عائشة لدفن الامام الحسن بجوار جده منهم ابن أبي الحديد فى شرح النهج ٤ / ١٨ ، والسبط الجوزي فى تذكرة الخواص ص ٢٢٣ ، واليعقوبي في تاريخه ١ / ٢٠٠ ، وأبو الفداء فى تاريخه ١ / ١٩٢ ، وأبو علي النيسابوري فى روضة الواعظين ص ١٤٣ ، وأبو الفرج فى مقاتل الطالبيين ص ٥٢ ، وجاء أيضا في الخرائج والجرائح ص ٢٣ ، وفي روض المناظر ، وفي البحار.

٤٨٦

فؤاده ، وقد قال فيه : « اللهم إني أحبه ، وأحب من يحبه » لقد جافت عائشة بذلك ما أثر عن رسول الله (ص) في سبطه وريحانته(١) .

نعم استجابت عائشة لرغبات الأمويبن ، وانطلقت فى موكبهم فمنعت سبط النبي أن يدفن مع جده ، وما راعت حرمة العترة الطاهرة التي فرض الله مودتها فى كتابه الكريم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

اجازة عائشة لدفن عبد الرحمن :

ونصّ المؤرخون أن عائشة سمحت بأن يدفن عبد الرحمن بن عوف فى حجرة النبي (ص)(٢) وهو من الغرابة بمكان ، فهل ان عبد الرحمن أولى بالنبي (ص) من الإمام الحسن الذي هو سبطه وريحانته ، رحماك يا رب!! أي موقف هذا الذي وقفته عائشة ، فإنها تسمح لابن عوف أن يوارى مع رسول الله ، ويحضى بجواره ، وتبعد عنه ريحانته ، وفلذة كبده ، فتحول بينه وبين أغلى أمانيه ، ولم ترع عواطف النبي (ص) وشدة حبه له وتعلقه به ،

وعلق الاستاذ السيد سعيد الأفغاني على موقف عائشة فقال : ولعل آخر تعبير عن موقفها ـ يعنى عائشة ـ السلبى من علي ، انقباضها عن ولديه الحسن والحسين ، فلقد كانت تحتجب منهما وهما لها من المحارم ، انهما سبطا زوجها ولا تحل لهما ، ولا يحلان لها ، ومن المعروف بداهة انه لا تحل امرأة الرجل لولده ولا لولد ولده وأولاد بناتهم ، وهي تعرف

__________________

(١) ذكرنا الأحاديث الواردة من النبي (ص) التي أجمع عليها المسلمون في حق الإمام الحسن في الحلقة الأولى من هذا الكتاب.

(٢) الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة ص ٤٠٤.

٤٨٧

ذلك حق المعرفة لكنها حجبتهما ، ولم تكن تأذن لهما إلا من وراء حجاب مبالغة في مباعدتهما ، ولقد علّق على هذا الحادث ابن عباس بقوله : ان دخولهما عليها لحل(١) ثم كانت الأمنية الأخيرة للحسن بعد وفاة علي وتنازله لمعاوية عن الخلافة أن يدفن عند جده رسول الله (ص) وهي أمنية حق ما كان ينبغي أن يحرمها إذ كان أقرب الأحياء يومئذ من رسول الله (ص) وهو أمسهم به رحما بعد ابنته وأزواجه ، ولكن للأهواء السياسية منحى لا يخضع لحق ولا منطق(٢) .

لقد ارتكبت عائشة في فعلها شططا ، وأوضحت عما تكنه من العداء لأمير المؤمنين ولأولاده ، ونحن لا نجد ما يبرر فعلها ، ولما رأى محمد بن الحنفية موقفها المرير انبرى إليها وقد قد قلبه قائلا بنبرات تقطر غضبا : « يا عائشة ، يوما على جمل ، ويوما على بغل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ».

فأثارت هذه الكلمات الغضب في نفسها فأرادت أن تفصل محمدا عن الفاطميين وتفرق بينهم وبينه قائلة له.

« هؤلاء بنو الفواطم لا يتكلمون ».

ولم يخف على الحسين ما ارادته عائشة من التفرقة وصدع الشمل فاندفع إليها رادا عليها مقالها قائلا :

« وأنت تبعدين محمدا من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث من الفواطم ، فاطمة بنت عمران بن عائد بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة ».

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ٥٠.

(٢) عائشة والسياسة ص ٢١٨.

٤٨٨

فقالت عائشة وهي مغيظة حانقة :

« نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون »(١) .

وانعطف نحو عائشة ابن أخيها القاسم بن محمد الطيب ابن الطيب فزجرها وردعها عن موقفها قائلا :

« يا عمة ، ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال يوم البغلة السهباء؟!! »(٢)

وأقبل إليها ابن عباس وهو لا يبصر طريقه من الغضب فسدد لها سهما من منطقه الفياض قائلا :

« وا سوأتاه ، يوما على بغل ، ويوما على جمل ، تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقابلين أولياءه ».

ثم التفت الى مروان فقال له :

« ارجع يا مروان من حيث جئت ، فانا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ، ولكن نريد أن نجدد به عهدا ، ثم ندفنه عند جدته فاطمة بنت أسد عملا بوصيته ، ولو أوصانا بدفنه عند جده لعلمت من هو أقصر باعا »(٣) .

ولما رأى ذلك أبو هريرة أخذ ينادي بأعلى صوته :

« أرأيتم لو مات ابن لموسى بن عمران ، أما كان يدفن مع أبيه؟

__________________

(١) اعلام الورى في اعلام الهدى ص ١٢٦.

(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٠.

(٣) روضة الواعظين ص ١٤٣ ، أعيان الشيعة ٤ / ٨١ ، وابن عباس ليس هو حبر الأمّة عبد الله فانه كان في دمشق ، بل المراد هو أحد ولد العباس أما عبيد الله أو غيره.

٤٨٩

وإني سمعت رسول الله (ص) يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. »

ولم يسجل التاريخ لأبي هريرة موقفا كريما سوى هذا الموقف ، وقد اغتاظ مروان من مقالته وصاح به لقد ضاع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) . وخرج أبان بن عثمان وهو رافع عقيرته قائلا :

« إن هذا لهو العجب يدفن ابن قاتل عثمان مع رسول الله وأبي بكر وعمر ، ويدفن أمير المؤمنين الشهيد المظلوم ببقيع الغرقد »(٢) .

ولما رأى الهاشميون موقف بني أميّة ومنعهم من دفن الإمام بجوار

__________________

(١) أعيان الشيعة ٤ / ٨١ ، وجاء قريبا منه فى مستدرك الحاكم ٣ / ١٧١ وجاء فى تاريخ ابن عساكر ان محرز بن جعفر روى عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله ، وقد دفن عثمان فى البقيع ، فقلت : يا مروان اتق الله ، ولا تقل لعلي إلا خيرا ، أشهد لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : يوم خيبر لأعطي الراية رجلا يحبه الله ورسوله ليس بفرار ، وأشهد سمعت رسول الله يقول في حسن : « اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه ». قال مروان : إنك والله أكثرت على رسول الله ، فلا نسمع منك ما تقول ، فهل غيرك يعلم ما تقول؟ قال : قلت : هذا أبو سعيد الخدري ، فقال مروان : لقد ضاع حديث رسول الله ، حين لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري والله ما أبو سعيد الخدري إلا غلام ، ولقد جئت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله بيسير فاتق الله يا أبا هريرة ، قال : قلت : نعم ما أوصيت به ، وسكت عنه.

(٢) تاريخ ابن عساكر الجزء الثاني عشر صورة فوتغرافية بمكتبة الإمام أمير المؤمنين.

٤٩٠

جده عزموا على مناجزتهم ، فانحاز كل منهما في جانب ، وهمّ بعضهم على بعضهم بالهجوم ، فلما رأى الإمام الحسين (ع) ذلك بادر نحو الهاشميين فصاح بهم :

« الله الله يا بني هاشم ، لا تضيعوا وصية أخي ، واعدلوا به الى البقيع ، فانه أقسم عليّ إن أنا منعت من دفنه مع جده أن لا أخاصم فيه أحدا وأن أدفنه في البقيع مع أمّه ».

ثم التفت الى الأمويين فقال لهم :

« والله لو لا عهد الحسن إليّ أن لا أهريق في أمره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد الذي بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا »(١) .

ثم أمر (ع) بحمل الجثمان المقدس الى البقيع ، فحمل على الأنامل قد حفّ به الهاشميون والطالبيون وهم يذرفون الدموع ، ويصعدون من الحسرات ما يسعره الألم ، قد أخذتهم المائقة ، وأذاب الحزن قلوبهم على

__________________

(١) وذهب مؤرخو الشيعة أن عائشة أمرت بني أميّة برمي جنازة الحسن فرموها حتى استل منها سبعون سهما ذكر ذلك في ناسخ التواريخ وغيره ، ويؤيده ما جاء في تاريخ ابن عساكر ج ١٢ « وانتهى الحسين الى قبر النبيّ (ص) فقال : احفروا هاهنا ، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير ولم يحل بينه وبينه ، وصاح مروان في بني أميّة فلبسوا السلاح ، وقال مروان : لا كان هذا أبدا فقال له الحسين : يا ابن الزرقاء مالك ولهذا أو أولى أنت به؟!!. قال مروان : لا كان هذا ولا يخلص إليه وأنا حي ، وصاح بحلف الفضول فاجتمعت هاشم ، وتيم ورهن أسد و وقد لبسوا السلاح ، وعقد مروان لواء وعقد الحسين لواء ، فقال الهاشميون : يدفن مع النبي (ص) حتى كانت بينهم المراماة في النبل. الخ. »

٤٩١

فقيدهم العظيم ، وعلى ما ارتكبه الأمويون منهم.

وجيء بالجثمان الطاهر إلى البقيع فأودع في مقره الأخير بجوار جدته فاطمة بنت أسد(١) لقد أودع في الثرى ريحانة الرسول وسبطه ، فاقبر معه الحلم والكرم والفضل.

على حافة القبر :

ووقف سيد الشهداء على حافة القبر وهو شاخص العين لم يطرف له هدب ، ولم يهدأ له قلب ، وأخذ يؤبّن أخاه ، ويصوغ من حزنه كلمات :

« رحمك الله أبا محمد ، إن كنت لتباصر الحق مظانه ، وتؤثر الله عند التداحض فى مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ، وتفيض عليها يدا طاهرة الأطراف ، نقية الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤنة عليك ، ولا غرو فأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع لبان الحكمة ، فالى روح وريحان ، وجنة ونعيم ، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا ولكم حسن الأسى(٢) عنه »(٣) .

ثم جلس على القبر وأخذ يروي أديمه بماء عينيه ، وينشد :

أأدهن رأسي أم تطيب محاسني

وخدك معفور وأنت سليب

أأشرب ماء المزن من غير مائه

وقد ضمن الأحشاء منك لهيب

أو أستمتع الدنيا لشيء أحبه

الى كل ما أدنى إليك حبيب

__________________

(١) كفاية الطالب ص ٢٦٨ وغيره.

(٢) الأسى : بضم أوله وكسره ، جمع أسوة بالضم والكسر ، وهو ما يتعزى به.

(٣) عيون الأخبار.

٤٩٢

سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة

وما اخضر في دوح الحجاز قضيب

غريب وأكناف الحجاز تحوطه

ألا كل من تحت التراب غريب

فلا يفرح الباقي ببعد الذي مضى

فكل فتى للموت فيه نصيب

وليس حريبا من أصيب بماله

ولكن من وارى أخاه حريب

بكائي طويل والدموع غزيرة

وأنت بعيد والمزار قريب

نسيبك من أمسى يناجيك طيفه

وليس لمن تحت التراب نسيب(١)

وأقبل أخوه ، الثاكل الحزين محمد بن الحنفية فوقف على حافة القبر كأنه يعاني آلام الاحتضار قد استجاب لأحاسيس نفسه الولهى ، وقلبه المتصدع الذي ليس فيه فراغ لغير الأسى والحزن وهو يصوغ من حزنه كلمات قائلا :

« رحمك الله يا أبا محمد ، فو الله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح عمّر بدنك ، ونعم البدن بدن تضمنه كفنك ، ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، وجدك المصطفى ، وأبوك المرتضى ، وأمّك فاطمة الزهراء ، وعمك جعفر الطيار في جنة المأوى ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ، وأرضعتك ثدى الإيمان فطبت حيا وميتا ، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ، ولا شاكة في الخيار لك ، وإنك وأخاك لسيدا شباب أهل الجنة ، فعليك أبا محمد منا السلام »(٢) .

وبعد الفراغ من دفن الإمام وتأبينه أقبلت الجماهير ترفع للإمام

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ١٤٢ ، وقيل ان الأبيات أنشدها محمد بن الحنفية

(٢) زهر الآداب ١ / ٥٥ ، تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٠.

٤٩٣

الحسين التعازي الحارة وتواسيه بمصابه الأليم وهو (ع) واقف يشكرهم على مواساتهم وتعازيهم.

صدى الفاجعة :

وما أذيع النبأ المؤلم فى العالم الإسلامى إلا واهتز من أقصاه الى أدناه حزنا ووجدا ، فلقد مات سيد المسلمين وإمامهم ، والملجأ الوحيد لهم ، وقد أدخل موته ذلا على عموم العرب والمسلمين(١) وعلينا أن ننظر الى العواصم الإسلامية التي غمرها الحزن وهي :

١ ـ يثرب :

أما يثرب عاصمة الإسلام فقد لبست الحزن والحداد على الفقيد الراحل فعطلت أسواقها ومكاسبها(٢) ، وبكاه الرجال والنساء سبعة أيام واستمرت نساء بنى هاشم فى النياحة عليه شهرا ، وأظهرن الحداد ، ولبسن السواد سنة كاملة(٣) .

٢ ـ مكة :

وعم الحزن والأسى أهل مكة ، فانه لما انتهى إليهم النبأ المريع أغلقوا حوانيتهم ، وعطلوا مكاسبهم ، واستمروا بالنياحة ، يبكون رجالا ونساء سبعة أيام(٤) .

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ١ / ٥٣ وجاء فيه ان عمر بن بشير سأل أبا اسحاق فقال له : متى ذل الناس؟ فقال : حين مات الحسن.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٣ ، أسد الغابة ٢ / ١١ ، أعيان الشيعة ٤ / ٨٠.

(٣) البداية والنهاية ٨ / ٤٤.

(٤) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٢٨.

٤٩٤

٣ ـ البصرة :

وحمل النبأ المؤلم الى البصرة عبد الله بن سلمة ، فأخبر به حاكمها زياد بن أبيه ، وفهم بذلك الحكم بن أبي العاص الثقفي فخرج الى الناس فنعى إليهم الإمام ، فلما سمعوا بذلك ، علا منهم البكاء والضجيج ، وسمع أبو بكرة أخو زياد الصراخ والعويل وكان سقيما ، فقال لزوجه ميسة بنت سخام :

« ما هذا؟ »

ـ مات الحسن بن علي ، والحمد لله الذي أراح الناس منه.

فقال لها بصوت خافت :

« اسكتي ويحك ، فقد أراحه الله من شر كثير ، وفقد الناس بموته خيرا كثيرا ، يرحم الله حسنا »(١) .

ورثاه شاعر البصرة الجارود بن أبي سبرة فقال :

إذا كان شر سار يوما وليلة

وإن كان خيرا خرد السير أربعا

إذا ما يريد الشر أقبل نحونا

باحدى الدواهي الربدسار وأسرعا(٢)

٤ ـ الكوفة :

وحينما أذيع النبأ المؤلم في الكوفة تصدعت القلوب وارجفت من هوله النفوس ، وأخذ الكوفيون بالبكاء والنحيب ، وهم يعددون مزايا الإمام ويذكرون خطأهم وتقصيرهم تجاهه ، وقد رثاه شاعرهم الموهوب سليمان ابن قتة بقوله :

يا كذب الله من نعى حسنا

ليس لتكذيب نعيه ثمن

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٤.

(٢) نفس المصدر ص ٦.

٤٩٥

كنت خليلي وكنت خالصتي

لكل حي من أهله سكن

أجول في الدار لا أراك وفي

الدار أناس جوارهم غبن

بدلتهم منك ليت انهم

أضحوا وبيني وبينهم عدن(١)

ورثاه شاعر الكوفة الكبير قيس بن عمر الشهير بالنجاشي بأبيات ذكر فيها جريمة بنت الأشعث وذكر فضل الإمام وجوده وسخاءه :

جعدة ابكيه ولا تسأمي

بعد بكاء المعول الثاكل

لم يسبل الستر على مثله

في الأرض من حاف ومن ناعل

كان إذا شبت له ناره

يرفعها بالسند الغاتل

كيما يراهما يائس مرمل

وفرد قوم ليس بالآهل

يغلى بنيء اللحم حتى إذا

أنضجه لم يغل من آكل

أعنى الذي أسلمنا هلكه

للزمن المستحرج الماحل(٢)

واجتمع زعماء الشيعة وشخصياتهم فى ثوي سليمان بن صرد الخزاعي فرفعوا الى الإمام الحسين رسالة يعزونه بمصابه المؤلم ويعربون له الولاء والإخلاص والطاعة لأمره وهذا نصها :

« بسم الله الرحمن الرحيم : للحسين بن علي ، من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، سلام عليك ، فانا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد : فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم يبعث حيا ، غفر الله ذنبه ، وتقبل حسناته ، وألحقه بنبيه (ص) ، وضاعف لك الأجر فى المصاب به ، وجبّر بك المصيبة

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ١٨.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٠٣.

٤٩٦

من بعده فعند الله تحتسبه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ما أعظم ما أصيبت به هذه الأمّة عامة ، وأنت وهذه الشيعة خاصة ، بهلاك ابن الوصي وابن بنت النبي ، علم الهدى ، ونور البلاد المرجو لإقامة الدين ، وإعادة سيرة الصالحين ، فاصبر رحمك الله على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، فان فيك خلفا ممن كان قبلك ، وإن الله يؤتى رشده من يهتدي بهديك ، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك المحزونة بحزنك ، المسرورة بسرورك ، السائرة بسيرتك ، المنتظرة لأمرك ، شرح الله صدرك ، ورفع ذكرك ، وأعظم أجرك ، وغفر ذنبك ، ورد عليك حقك ، والسلام »(١) .

سرور معاوية :

كان معاوية يتشوف بفارغ الصبر أنباء يثرب ، ويترقب البريد ساعة فساعة ، قد ألح على عامله أن يعرفه بأخبار الإمام في كل يوم ، ولما انتهى إليه النبأ بموت الإمام لم يملك نفسه من السرور حتى خرّ ساجدا ، وكبّر وكبّر من كان معه في الخضراء ، ولما سمعت ذلك زوجه فاختة بنت قرضة خرجت من خوخة لها فرأت زوجها قد غمره الفرح والسرور فقالت له :

« سرك الله يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ »

ـ موت الحسن.

فاستعبرت ، وقالت : « إنا لله وإنا راجعون ». ثم بكت وقالت :

« مات سيد المسلمين ، وابن بنت رسول الله (ص) »(٢) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٣.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٠٥.

٤٩٧

وأخذ معاوية يتعجب من سرعة تأثير السم الذي بعثه للإمام قائلا :

« يا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه!! »(١) .

وبلغ معاوية ما أراده الهاشميون من دفن الحسن في بيت النبي (ص) فقال : ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبيّ وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع ، إن يك ظنى بمروان صادقا لا يخلصون الى ذلك وجعل يقول : ويها مروان أنت لها »(٢)

ووفد عليه المقدام بن عدي بن كرب وكان من شيعة أمير المؤمنين فقال له معاوية مظهرا له الشماتة بموت الإمام :

« يا مقدام ، أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ »

فاسترجع المقدام ، واستعبر ، فالتفت إليه معاوية والسرور باد على وجهه ، وابتسامة ظاهرة على شفتيه قائلا له باستهزاء :

« أترى موت الحسن مصيبة؟!! »

ـ ولم لا أراها مصيبة؟ وقد وضعه رسول الله (ص) فى حجره وقال : هذا مني ، وحسين من علي(٣) .

لقد فرح معاوية بموت الإمام ، لأنه قد تمت بحسابه بوارق آماله وأحلامه وتحقق عنده جعل الملك العضوض وراثة في أبنائه وذريته ، وقد وصف لنا الفضل بن العباس مدى سرور معاوية وشماتته بموت الإمام بقوله :

أصبح اليوم ابن هند شامتا

ظاهر النخوة إذ مات الحسن

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٧٤.

(٢) تاريخ ابن عساكر.

(٣) كفاية الطالب ص ٢٦٨ ،

٤٩٨

رحمة الله عليه إنه

طالما أشجى ابن هند وأرن

استراح اليوم منه بعده

إذ ثوى رهنا لأحداث الزمن

فارتع اليوم ابن هند آمنا

إنما يقمص بالعير السمن

لست بالبافى فلا تشمت به

كل حي بالمنايا مرتهن

يا ابن هند إن تذق كأس الردى

تك فى الدهر كشيء لم يكن(١)

وذكر المؤرخون أن ابن عباس دخل على معاوية فلما استقر به المجالس التفت إليه معاوية ـ وهو جذلان مسرور بموت الإمام ـ قائلا : « يا ابن عباس هلك الحسن!!! »

ـ نعم هلك ، إنا لله وإنا إليه راجعون ـ قال ذلك مكررا ـ وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته ، أما والله ما سدّ جسده حفرتك ، ولا زاد نقصان أجله في عمرك ، ولقد مات وهو خير منك ، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله (ص) فجبر الله مصيبته ، وخلف من بعده أحسن الخلف ».

وشهق ابن عباس من الحزن ثم انفجر باكيا فبكى من حضر في بلاط معاوية ، وتباكى معاوية رياء ، فلم ير أكثر باك في ذلك اليوم ، والتفت معاوية والفرح والسرور باد على سحنات وجهه قائلا له : « يا ابن عباس إنه ترك بنين صغارا ».

ولم يخف على ابن عباس ما فى كلام معاوية من الشماتة فقال له : كلنا كنا صغارا فكبرنا ».

ـ كم أتى له من العمر؟

ـ أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحد مولده.

__________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمى ١ / ١٤١.

٤٩٩

وسكت معاوية برهة ثم التفت إليه ليعرف مدى اتجاهه نحو الحسين قائلا : « يا ابن عباس ، أصبحت سيد قومك!؟ »

وعرف ابن عباس غايته فقال له : « أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا ».

فأجابه معاوية على عادته من المراوغة : « لله أبوك يا ابن عباس!! ما استنبأتك إلا وجدتك معدا!! »

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن حياة الإمام أبي محمد ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا ، فقد خسر المسلمون بفقده قيادته الروحية والزمنية ، وأسلمهم فقده للخطوب والنكبات ، وجاهد الأمويون من بعده الى اذلال المسلمين ، والى ارغامهم على ما يكرهون.

وأعرض الى القراء ان هذا الكتاب انما هو خلاصة ما توصلت إليه من الدراسة لحياة الإمام الزكي أبي محمد ، وعن تراثه ومثله ، وعن عصره وخلافته ، وما أحاط به من الظروف العصيبة التي ألجأته الى الصلح ، ولا أزعم أني قد وفقت الى الكمال فيه ، فان الكمال لله ، ولكني لم أدع جاهدا في البحث والتنقيب ، وفى عرض الأخبار وتحليلها ، ومناقشة بعضها ، وعسى أن أكون قد وفقت في جميع ذلك الى اعطاء صورة حية عن الإمام وعن العصر الذي عاش فيه ، وقد توسعت كثيرا في عرض الأحداث التي رافقت الإمام ، وفيما أحسب أن في عرض ذلك ضرورة ملحة يقتضيها البحث.

وإني أرى من الحق ـ وأنا في ختام البحث ـ أن أرفع أعمق الشكر الى حضرة المحسن النبيل الحاج محمد رشاد نجل الوجيه الحاج محمد جواد عجينة على تبرعه بطبع هذا الكتاب رغبة منه في خدمة أهل البيت (ع) ، وفي احياء مآثر هذا الإمام العظيم سائلا من الله أن يعوضه المزيد من الأجر ويحسن له الصنيع إنه تعالى ولي القصد والتوفيق.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529