حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217949 / تحميل: 6642
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأمّة تجربة ، وأكبر منك سنا ، فأنت أحق أن تجيبني الى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ، ولك الأمر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ ، تحمله الى حيث أحببت ، ولك خراج أي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجبيها أمينك ويحملها لك في كل سنة ، ولك أن لا يستولى عليك بالإساءة ، ولا تقضى دونك الأمور ، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله ، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام »(١) .

واشتملت هذه الرسالة ـ بكلتا الروايتين ـ على دجل معاوية ومراوغته ، وأغاليطه كما يقول الدكتور « أحمد رفاعي »(٢) ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فى محتوياتها وهي :

١ ـ جاء فيها « أن هذه الأمّة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم للإسلام ، ولا قرابتكم من نبيكم. الخ » إن من تتبع الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي (ص) عرف زيف هذا الكلام ومجافته للواقع ، فان العترة الطاهرة واجهت بعد النبي (ص) أشق المحن والخطوب ، فان الجرح لما يندمل والرسول لما يقبر استبد القوم بالأمر ، وعقدوا سقيفتهم متهالكين على الحكم ، وتغافلوا عترة نبيهم فلم يأخذوا رأيهم ولم يعتنوا بهم ولما تم انتخاب أبي بكر خفوا مسرعين الى بيت بضعته وريحانته وهم يحملون مشاعل النار لإحراقه ، وسحبوا أخا النبي ووصيه أمير المؤمنين مقادا بحمائل سيفه ليبايع قسرا ، وهو يستجير فلا يجار ، وخلد بعد ذلك الى العزلة يسامر همومه وشجونه ، وتتابعت عليهم منذ ذلك اليوم المصائب والخطوب فلم يمض على انتقال النبي (ص) الى دار الخلد خمسون عاما وإذا بالمسلمين

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ١٣.

(٢) عصر المأمون ١ / ١٧.

٦١

في موكب جهير يجوب البيداء من بلد الى بلد وهم يحملون رءوس أبنائه على أطراف الرماح ، وبناته سبايا « يتصفح وجوههن القريب والبعيد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ». وبعد هذه المحن التي ألمّت بهم هل أدت الأمّة حقهم وعرفت مكانتهم ولم تجهل فضلهم.

٢ ـ ومن محتوياتها : « ورأى صالحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم أن يولوا الأمر من قريش الخ ». إن صالحاء المسلمين وخيارهم كانوا مع أمير المؤمنين ولم يرتضوا بيعة أبي بكر ، وأقاموا على ذلك سيلا من الاحتجاج والإنكار ذكرناه بالتفصيل فى الجزء الأول من هذا الكتاب.

لقد كانت مغبة اختيار قريش أن يحكم رقاب المسلمين معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم من أئمة الظلم والجور الذين أغرقوا البلاد في الماسي والشجون وأمعنوا فى إذلال المسلمين وإرهاقهم حتى بايعوا في عهد يزيد انهم خول وعبيد له هذا ما رآه صالحاء الناس من قريش في صرف الأمر عن عترة نبيهم كما قال معاوية وقد وفقت فى اختيارها ـ كما يقولون ـ فانا لله وإنا إليه راجعون.

٣ ـ ومن غريب هذه الرسالة قوله : « فلو علمت أنك أضبط للرعية مني وأحوط على هذه الأمّة ، وأحسن سياسة. الخ » نعم تجلت حيطته على الإسلام وحسن سياسته حينما تم له الأمر ، وصفا له الملك ، فانه أخذ يتتبع صالحاء المسلمين وأبرارهم فيمعن في قتلهم ومطاردتهم وزجهم في السجون. ومن حيطته على الإسلام استلحاقه لزياد بن أبيه ، وسبه لأمير المؤمنين على المنابر ، وفي قنوت الصلاة ، ونصبه ليزيد حاكما على المسلمين وأمثال هذه الموبقات والجرائم التي سودت وجه التاريخ.

٦٢

مذكرة معاوية :

وأرسل معاوية الى الإمام مذكرة يحذره فيها من الخلاف عليه ، ويمنيه بالخلافة من بعده إن تنازل له عن الأمر وهذا نصها :

« أما بعد : فان الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وأيس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه ، وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأجريت لك ما شرطت وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :

وإن أحد أسدى إليك أمانة

فأوف بها تدعى إذا مت وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى

ولا تجفه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي ، فأنت أولى الناس بها والسلام ».

وأكبر الظن ان هذه الرسالة المشتملة على مثل هذا اللون من التهديد والتوعيد إنما بعثها معاوية الى الإمام بعد ما اتصل اتصالا وثيقا بزعماء الجيش العراقي وقادته فضمنوا له تنفيذ مخططاته ، فانه لم يكتب ذلك إلا بعد الاتصال بزعماء العراق وانقطاع أمله من إجابة الحسن له.

جواب الامام :

ولم يعتن الإمام بتهديد معاوية ، وأجابه بجواب يلمس فيه الحزم والإصرار منه على الحرب وهذا نصه :

« أما بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، تذكر فيه ما ذكرت ، وتركت جوابك خشية البغي عليك ، وبالله أعوذ من ذلك ، فاتبع الحق تعلم أني

٦٣

من أهله ، وعليّ أثم أن أقول فأكذب والسلام ».

وكانت هذه الرسالة هي آخر الرسائل التي دارت بين الإمام ومعاوية وعلى أثرها علم معاوية أنه لا يجديه خداعه وأباطيله ، ولا تنفع مغالطاته السياسية ، وعرف أن الإمام مصمم على حربه فاتجه بعد ذلك الى الحرب وتهيئة أسبابه ومقتضياته.

٦٤

اعلان الحرب

٦٥
٦٦

وبعد ما فشلت أغاليط معاوية ومخططاته السياسية رأى أن خير وسيلة له للتغلب على الأحداث أن يبادر الى اعلان الحرب لئلا يتبلور الموقف ، وتفوت الفرصة وأكبر الظن ـ انه بالإضافة الى ذلك ـ إنما استعجل الحرب لأمور وهي :

١ ـ إنه اتصل اتصالا وثيقا بزعماء العراق ، وقادة الجيش ، ورؤساء القبائل فاشترى ضمائرهم الرخيصة بالأموال ومنّاهم بالوظائف ، فأجابوه سرا الى خيانة الإمام وتنفيذ أغراضه ، ويدل على ذلك مذكرته التي بعثها الى عماله وولاته يطلب منهم النجدة والالتحاق به فانه أعرب فيها عن اتصالهم به.

٢ ـ علمه بتفكك الجيش العراقي وتفلله وعدم طاعته للإمام وذلك مسبب عن أمور نذكرها مشفوعة بالتفصيل عند عرض علل الصلح وأسبابه

٣ ـ علمه بوجود الخطر الداخلي الذي مني به العراق ، وسلمت منه الشام ، وهي فكرة الخوارج التي انتشرت مبادئها بين الأوساط العراقية ومن أوليات مبادئهم اعلان التمرد والعصيان على الحكم القائم ، ونشر الفوضى في البلاد ليتسنى لهم الإطاحة به واستلام قيادة الأمّة.

٤ ـ مقتل الإمام أمير المؤمنين (ع) الذي فقد به العراق قائدا وموجها وخطيبا ، يحملهم على الحق ويثيبهم الى الصواب ، وقد أصبح العراقيون بعد فقده يسيرون فى ظلام قاتم ، ويتخبطون خبط عشواء قد فقدوا الرائد والدليل.

هذه الأمور ـ فيما نعلم ـ هي التي حفزت معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله ، فان العراق لو لم يمن بمثل هذه الكوارث والفتن لما وجد معاوية الى الحرب سبيلا ، ولبذل جميع طاقاته في تأخير الحرب ، وعقد

٦٧

الهدنة المؤقتة ـ كما فعل ذلك مع ملك الروم ـ حتى يتبين له الأمر فانا لا ننسى كلماته التي تنم عن خوفه وفزعه من العراقيين حينما كانوا صفا واحدا غير مبتلين بالتفكك والانحلال فقد قال : « ما ذكرت عيونهم تحت المغافر(١) بصفين إلا لبس على عقلي » ووصف اتحادهم بقوله : « إن قلوبهم كقلب رجل واحد » فلولا اختلافهم وتشتتهم لما بادر معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله.

مذكرة معاوية لعماله :

ورفع معاوية مذكرة ذات مضمون واحد الى جميع عماله وولاته ، يحثهم فيها على الخروج الى حرب الإمام ويأمرهم بالالتحاق به سريعا بأحسن هيئة ، وأتم استعداد وهذا نصها :

« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين ، الى فلان ابن فلان ، ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد : فالحمد لله الذي كفاكم مئونة عدوكم ، وقتلة خليفتكم ، إن الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين ، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم ، فأقبلوا الي حين يأتيكم كتابي هذا بجاهدكم وجندكم ، وحسن عدتكم ، فقد أصبتم بحمد الله الثأر ، وبلغتم الأمل ، وأهلك الله أهل البغي والعدوان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(٢) .

__________________

(١) المغافر : جمع ، مفرده : مغفر ومغفرة ، وهو زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ١٣.

٦٨

ولما وصلت هذه الرسالة الى عماله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثهم على الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول الله وسبطه وفي أقرب وقت التحقت به قوى هائلة منظمة لا ينقصها شيء من حيث الكراع والسلاح ، والعدد والعدة.

ولما توفرت له القوة الهائلة من الجند والعسكر وأصحاب المطامع الذين لا يقدسون سوى المادة زحف بهم نحو العراق وتولى بنفسه القيادة العامة للجيش ، وأناب عنه في عاصمته الضحاك بن قيس الفهري ، وقد كان عدد الجيش الذي نزح معه ستين ألفا ، وقيل أكثر من ذلك ، ومهما كان عدده فقد كان مطيعا لقوله ، ممتثلا لأمره ، منفذا لرغباته ، مذعنا له لا يخالفه ولا يعصيه.

وطوى معاوية البيداء بجيشه الجرار فلما انتهى الى جسر منبج(١) .

__________________

(١) جسر منبج : بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء بلد قديم ، المسافة بينه وبين حلب يومان ، أول من بناه كسرى ، وقد أنجب جماعة من الشعراء يعد فى طليعتهم البحتري ، وقد عناها المتنبي بقوله :

قيل بمنبج مثواه ونائله

فى الأفق يسأل عمن غيره سألا

ولها يتشوق ابراهيم بن المدبر ، وكان يهوى جارية بها في قوله :

وليلة عين المرج زار خياله

فهيّج لي شوقا وجدد أحزاني

فأشرقت أعلى الدير أنظر طامحا

بألمح آماقي وأنظر انساني

لعلي أرى أبيات منبج رؤية

تسكن من وجدي وتكشف أشجاني

جاء ذلك في معجم البلدان ٨ / ١٦٩.

٦٩

فزع العراقيين :

وحينما أذيع خبر توجهه وبلوغه الى هذا المحل عم العراقيين الذعر والخوف ، ولما علم الإمام بتوجهه أمر بعض أصحابه أن ينادى فى العاصمة « الصلاة جامعة » ويقصد بذلك جمع الناس فى جامع البلد ، فنودي بذلك وما هي إلا فترة يسيرة من الزمن حتى اكتظ الجامع بالجماهير الحاشدة فخرج (ع) فاعتلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« أما بعد : فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ، ثم قال لأهل الجهاد : اصبروا إن الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ، انه بلغنى أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك ، اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم في النخيلة(١) حتى ننظر وتنظرون ، ونرى وترون »(٢) .

ولما أنهى (ع) خطابه وجم الحاضرون ، وأخرست ألسنتهم ، واصفرّت ألوانهم كأنهم قد سيقوا الى الموت ، فلم يجب الإمام أحد منهم كل ذلك لخوفهم من أهل الشام ، وحبهم للسلم ، وإيثارهم للعافية ، وكان هذا التخاذل في بداية الدعوة الى جهاد العدو ينذر بالخطر ويدعو الى التشاؤم واليأس من صلاحهم.

__________________

(١) النخيلة : تصغير نخلة موضع قريب من الكوفة على سمت الشام وبه قتل معاوية الخوارج لما ورد الى الكوفة وفيهم يقول ابن الأصم راثيا :

إني أدين بما دان الشراة به

يوم النخيلة عند الجوسق الحرب

جاء ذلك فى معجم البلدان ٨ / ٢٧٦.

(٢) شرح النهج ابن أبي الحديد ٤ / ١٣.

٧٠

ولما رأى الصحابي العظيم والحازم اليقظ عدي بن حاتم(١) سكوت الجماهير وعدم اجابتهم للإمام غاظه ذلك والتاع أشد اللوعة ، فانبرى إليهم

__________________

(١) عدي بن حاتم الطائي كان أبوه حاتم مضرب المثل في الجود والسخاء ، يكنى عدي بأبي طريف ، وفد على النبي (ص) فى السنة التاسعة من الهجرة وكان نصرانيا فاسلم ، ولإسلامه حديث طريف طويل ، ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ، روى عن النبي (ص) أحاديث كثيرة ، كان جوادا شريفا في قومه عظيما عندهم ، وعند غيرهم ، وكان حاظر الجواب ، ومن أهل الدين والتقى ، وهو القائل : ما دخل عليّ وقت الصلاة إلا وأنا مشتاق إليها ، ودخل يوما على عمر بن الخطاب فرأى منه تكبرا واستخفافا بحقه ، فالتفت إليه قائلا : أتعرفني؟ فأجابه عمر ، بلى والله أعرفك ، أكرمك الله بأحسن المعرفة ، أعرفك والله أسلمت إذ كفروا ، وعرفت إذ أنكروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا فقال عدي : حسبي حسبي. شهد فتوح العراق ، ووقعة القادسية ، ووقعة النهروان ، ويوم الجسر مع أبي عبيدة وغير ذلك ، ومن كرمه ونبله أن الأشعث ابن قيس أرسل إليه شخصا يستعير منه قدور حاتم ، فملأها عدي طعاما وحملها إليه فأرسل إليه الأشعث إنما أردناها فارغة ، فأجابه عدي ، إنا لا نعيرها فارغة ، وكان يفت الخبز للنمل ويقول : إنهن جارات ولهن حق ، كان من المنحرفين عن عثمان ، وشهد مع الامام وقعة الجمل ففقئت عينه بها ، وله ولدان ، قتل أحدهما مع الامام علي ، والآخر مع الخوارج ، وشهد صفين أيضا وكان له بها مواقف مشهورة توفي سنة سبع وستين من الهجرة ، وقيل غير ذلك ، كان له من العمر مائة وعشرون سنة ، قيل توفى بالكوفة ، وقيل بقرقيسيا والأول أصح ، جاء ذلك فى أسد الغابة ٣ / ٣٩٢ ، وقريب منه جاء فى كل من الاصابة والاستيعاب وتهذيب التهذيب.

٧١

منكرا سكوتهم وتخاذلهم المفضوح قائلا بنبرات تقطر حماسا وعزما :

« أنا عدي بن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!!! ألا تجيبون إمامكم ، وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فاذا جد الجد راوغوا كالثعالب ، أما تخافون مقت الله ، ولا عيبها وعارها ».

ثم التفت الى الإمام مظهرا له الطاعة والامتثال قائلا :

« أصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، قد سمعنا مقالتك ، وانتهينا الى أمرك ، وسمعنا لك ، وأطعنا فيما قلت ورأيت ».

ثم أظهر الى المجتمع عزمه على الخروج لحرب معاوية فورا قائلا :

« وهذا وجهي الى معسكرنا ، فمن أحب أن يوافي فليواف ».

ثم خرج من المسجد وكانت دابته بالباب فركبها وخرج وحده من دون أن يلتحق به أحد وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، فانتهى الى النخيلة فعسكر بها وحده(١) .

وهكذا اضطرب غيظا وموجدة كل من الزعيم قيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي(٢) ، وزياد بن صعصعة التميمي لما رأوا

__________________

(١) شرح النهج ابن أبي الحديد ٤ / ١٤.

(٢) معقل بن قيس الرياحي : أدرك النبي (ص) ، قال ابن عساكر : أوفد عمار معقلا على عمر يخبره بفتح تستر ، كما وجهه الى بني ناجية حين ارتدوا وكان من امراء الإمام علي (ع) يوم الجمل ومدير شرطته ، وذكر خليفة بن الخياط أن المستورد بن علقمة اليربوعي الخارجي بارزه لما خرج بعد علي فقتل كل منهما الآخر وكان ذلك سنة ٤٢ هجرية في خلافة معاوية وقيل سنة ٣٩ في خلافة علي جاء ذلك في الاصابة ٣ / ٤٧٥ ،

٧٢

سكوت الجماهير وعدم إجابتهم بشيء ، فلاموهم على هذا التخاذل وبعثوا فيهم روح النشاط الى حرب عدوهم ومناجزته ثم التفتوا الى الامام وكلموه بمثل كلام عدي فى الانقياد والطاعة والامتثال لأمره فشكرهم الامام على موقفهم المشرف ، وأثنى على شعورهم الطيب قائلا :

« ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والنصيحة فجزاكم الله خيرا ».

وخرج الامام (ع) من فوره لرد العدوان الأموي ، واستخلف فى عاصمته المغيرة بن نوفل بن الحرث(١) وأمره بحثّ الناس الى الجهاد واشخاصهم إليه فى النخيلة ، وطوى (ع) البيداء بجيشه الجرار المتخاذل ـ وسيأتي وصفه بعد قليل ـ حتى انتهى الى النخيلة فاستقام فيها فنظم جيشه(٢) ثم ارتحل عنها وسار حتى انتهى الى ( دير عبد الرحمن ) فأقام

__________________

(١) المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ولد على عهد الرسول (ص) بمكة قبل الهجرة ، وقيل لم يدرك من حياة رسول الله (ص) إلا ست سنين يكنى بأبي يحيى تزوج بامامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وكانت امامة زوجا للإمام علي ، فلما قتل أوصى (ع) أن يتزوجها المغيرة من بعده ، فلما مات (ع) تزوج بها المغيرة. وهو ممن شهد مع الامام صفين ، وكان في أيام عثمان قاضيا ، وقد روى عن النبي (ص) حديثا واحدا وهو قوله (ص) : « من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا ، فقد بات لله بالمحاربة » جاء ذلك في أسد الغابة ٤ / ٤٠٧.

(٢) جاء في الخرائج والجرائح ص ٢٢٨ أنه نزح مع الامام من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا وبما وعدوا ، وغرّوه كما غرّوا الامام عليا من قبل وعسكر (ع) في النخيلة عشرة أيام فلم يحضر معه إلا أربعة آلاف فرجع الى الكوفة ليستنفر الناس وخطب خطبته التي يقول فيها : « قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي ».

٧٣

به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلفون من جنده ، وعنّ له أن يرسل مقدمة جيشه للاستطلاع على حال العدو وإيقافه فى محله لا يتجاوزه الى آخر ، واختار الى مقدمته خلّص أصحابه من الباسلين والماهرين ، وكان عددهم اثنى عشر الفا ، واعطى القيادة العامة الى ابن عمه عبيد الله بن العباس ، وقبل أن تتحرك هذه الفصيلة من الجيش دعا الامام قائدها العام عبيد الله فزوده بهذه الوصية القيّمة وهي :

« يا ابن العم! إني باعث معك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر ، الرجل منهم يزيد الكتيبة ، فسر بهم ، وألن لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك ، وادنهم من مجلسك ، فانهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، وسر بهم على شط الفرات ، ثم امضي حتى تستقبل بهم معاوية ، فان أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك ، فاني على أثرك وشيكا ، وليكن خبرك عندي كل يوم ، وشاور هذين ـ قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله ، وإن أصبت ، فقيس بن سعد على الناس ، فان اصيب ، فسعيد بن قيس على الناس ». وحفلت هذه الوصية بما يلي :

١ ـ إنها دلت على اطلاعه الوافر في تدبير شئون الدولة ، فان التوصية بالجيش بهذا اللون المشتمل على العطف والحنان ، والاطراء عليه بمثل هذا الثناء ، من أنهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، والزام القيادة العامة باللين والبسط مما يزيد الجيش اخلاصا وإيمانا بدولته ، ومن الطبيعى ان الجيش إذا أخلص لحكومته ، وآمن بسياستها ثبتت قواعدها ، وظفرت بسياج حصين يمنع عنها العدوان الخارجي ، ويقيها من الشر والفتن الداخلية ، ويوجب لها المزيد من الهدوء والاستقرار.

٧٤

٢ ـ وأما أمره أن لا يعتدي عبيد الله على معاوية ، ولا يناجزه الحرب حتى يكون هو المبتدي فليس ذلك لأن معاوية من مصاديق قوله تعالى : « وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين »(١) فان معاوية لم يبق وليجة للاعتداء إلا سلكها ، فقد اعتدى في تخلفه عن بيعة أمير المؤمنين ، ومحاربته له في صفين ، وفي بعثه السفاح بسر بن أبي أرطاة وفعله بأمره ما فعل من المنكرات ، ولم يزل معتديا وخارجا على الاسلام الى حين وفاة أمير المؤمنين ، ولكن إنما أمر الحسن (ع) أن لا يبتدي عبيد الله بحربه لسد مراوغاته حتى لا يستطيع أن يدعي أنه ما جاء للحرب وإنما جاء للتداول في اصلاح أمر المسلمين.

٣ ـ ونصت وصية الامام على الزام عبيد الله بمشاورة قيس بن سعد وسعيد بن قيس وترشيحهما للقيادة من بعده ، وفي ذلك الفات منه الى الجيش ان أمره المتبع هو المقرون بمشاورة الرجلين ، كما فيه توثيق لهما ، والحق انه لم يكن في جيش الامام من يضارعهما في نزعاتهما الخيرة وفي ولائهما لأهل البيت (ع) ، وأعظم بهما شأنا أنهما نالا ثقة الامام واهتمامه.

وقبل أن نطوي الحديث على هذا الموضوع نعرض بعض الجهات التي ترتبط فيه وهي :

١ ـ اختيار عبيد الله :

ويتساءل الكثير عن الحكمة التي رشح الامام من أجلها عبيد الله لقيادة مقدمة جيشه مع أنه كان في ذلك الجيش من هو أصلب منه إيمانا وأقوى عقيدة ، وأعظم اخلاصا كالزعيم قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس

__________________

(١) سورة البقرة آية ١٨٩.

٧٥

واضرابهما من الثقات والمؤمنين. « والجواب عن ذلك » ـ أولا ـ ان الامام (ع) أراد بذلك تشجيعه واخلاصه باسناد القيادة العامة إليه ـ وثانيا ـ ان له من الكفاءة والقدرة والحزم ما يجعله أهلا لهذا المنصب الرفيع ، فهو قد تربى فى مدرسة الامام أمير المؤمنين (ع) ولكفاءته وقدرته نصبه الامام (ع) واليا على اليمن. ـ وثالثا ـ إنه حري بأن يخلص ويبذل قصارى جهوده في المعركة لأنه موتور من قبل معاوية ، فلقد قتل ولديه بسر بن ارطاة. ـ ورابعا ـ ان الامام (ع) لم يجعل القيادة العامة بيده بل جعلها ثلاثية بينه وبين قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس ، وقد أوفى المسألة حقها من جميع الوجوه سماحة المغفور له آل ياسين(١) .

٢ ـ عدد الجيش :

واضطربت كلمة المؤرخين في تحديد الجيش الذي نزح مع الامام الى مظلم ساباط ، فابن أبي الحديد ذكر أنه نزح مع الامام جيش عظيم ولم يحدده إلا أنه حدد المقدمة التي تولى قيادتها عبيد الله فقال : « إن عددها كان اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر(٢) . وذكر الطبري وغيره انه كان اربعين ألفا(٣) ، ويستفاد من مطاوي بعض الأحاديث التي دارت بين الامام وبعض أصحابه في أمر الصلح أن عدد الجيش كان مائة ألف كقول سليمان بن صرد للامام (ع) وهو في مقام التقريع له

__________________

(١) صلح الحسن ص ٩٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ١٤.

(٣) تأريخ الطبري ٦ / ٩٤.

٧٦

على امضائه وقبوله الصلح « أما بعد : فان تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق »(١) ، كما يستفاد أيضا أنه كان تسعين ألفا(٢) ، وقيل أنه سبعون ألفا(٣) الى غير ذلك ، والذي نذهب إليه أن عدد الجيش كان يربو على أربعين ألفا ، ويدل على ذلك ما حدث به نوف البكالي(٤) قال : لما عزم الامام على العودة الى حرب معاوية قبيل وفاته باسبوع عقد للحسين على عشرة آلاف ، ولأبي أيوب على عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد على عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٥١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٤ ذكر ذلك في جواب زياد الى معاوية حينما هدده وذلك قبل أن يستلحقه به ، فقال زياد : إن ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، وبقية الأحزاب ، كتب يتوعدني ويتهددني وبيني وبينه ابنا رسول الله فى تسعين ألفا.

(٣) البداية والنهاية ٨ / ٤٢ وجاء فيه أن رجلا دخل على الحسن بن علي وبيده صحيفة فقال له الرجل : ما هذه؟ فأجابه الامام ان معاوية يعدنيها ويتوعد ، فقال الرجل : قد كنت على النصف منه ، فأجابه الامام : إني خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون أو أكثر أو أقل تنضح أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم اهريق دمه ، وقريب من هذا ذكره ابن أبي الحديد فى شرح النهج ٤ / ٧.

(٤) نوف البكالي : بفتح الباء وتخفيف الكاف ، كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، ونقل عن تغلب انه منسوب الى بكال قبيلة من همدان ، ويقال : بكيل وهو أكثر ، وقال ابن أبي الحديد : انه بكال بكسر الباء وهي قبيلة من حمير منهم هذا الشخص وهو نوف بن فضالة صاحب الامام علي (ع) جاء ذلك في التعليقات ص ٣٥٤.

٧٧

وهو يريد الرجعة الى صفين ، فما دارت عليه الجمعة حتى ضربه ابن ملجم بالسيف(١) ، فهذا القول يروي لنا جيشا مسلحا كان متهيئا للحرب قد عدّ اسماء جماعة من قادته لهم السلطة على ثلاثين ألف جندي مسلح ولم يذكر لنا أسماء القادة الآخر الذين نصبهم الإمام على كتائب جيشه ولا كمية عدد الجيش الآخر ولا شك بأنهم كانوا يربون على عشرة آلاف ، هؤلاء جميعا قد بايعوا الحسن ونفروا معه الى حرب عدوه ، ويدل على ذلك ما رواه ( أبو الفداء ) ان الحسن تجهز الى حرب معاوية بالجيش الذي بايع أباه(٢) ويؤيده أيضا ما ذكره ( ابن الأثير ) قال :

« كان أمير المؤمنين علي قد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت لما ظهر ما كان يخبرهم به عن أهل الشام ، فبينما هو يتجهز للمسير قتلعليه‌السلام ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له ، فلما قتل وبايع الناس ولده الحسن بلغه مسير معاوية في أهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا عليا وسار عن الكوفة الى لقاء معاوية »(٣) .

ويؤكد ذلك حديث المسيب بن نجبة مع الامام في أمر الصلح قال له « ما ينقضي عجبي منك صالحت معاوية ومعك أربعون ألفا »(٤) .

فعدد الجيش على هذه الروايات المتوافرة كان أربعين الفا ، وهو الذي يذهب إليه ، وقد ناقش سماحة الحجة المغفور له آل ياسين الروايات

__________________

(١) شرح النهج محمد عبده ٢ / ١٣٢.

(٢) تاريخ أبي الفداء ١ / ١٩٣.

(٣) الكامل ٣ / ٦١.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٦.

٧٨

المتقدمة واختار بعد التصفية والمناقشة ان عدده كان عشرين ألفا أو يزيد قليلا(١) .

ومهما كان الأمر فان الاختلاف في عدده ليس بذي خطر لأن الجيش مهما كان عدده كثيرا وخطيرا إذا كان مختلف الأهواء والنزعات لا بد وأن ينخذل ولا يحرز فتحا ونصرا ، لأن الاعتبار في النصر والظفر دائما إنما هو بالإخلاص والإيمان والعقيدة ووحدة الكلمة ، لا بالكثرة وضخامة العدد فكم فئة قليلة تضامنت فيما بينها ، واتحدت وتعاونت ، قد حازت النصر وفتحت فتحا مبينا ، وسحقت القوى المقابلة لها وإن كانت أكثر منها عدة وأعظم استعدادا أوفر قوة ، والجيش العراقي مهما بلغ عدده وبولغ في كثرته فانه مصاب بالاختلاف والتفكك والانحلال ومع ذلك فكيف يظفر بالنجاح وما ذا تفيده الكثرة؟ وضخامة العدد؟.

٣ ـ وصف الجيش :

لا شك أن الجيش هو العماد الذي يقوم عليه عرش الدولة ، ويبتنى عليه كيانها ، وهو السياج الواقي للحكومة والشعب من الاعتداء ، وعليه المعول فى حفظ النظام وسيادة الأمن ، لكن فيما إذا كان مخلصا فى دفاعه ومؤمنا بحكومته ، وأما إذا كان خائنا أو لا ينظر لدولته إلا بنظر العداء والانتقام ويترقب الفرص للفتك بها وتمكين العدو منها ، فانها حتما لا تنجح في أي ميدان من ميادين الصراع الداخلي والخارجي ولا تفوز بالنجاح حينما يتلبد جوّها السياسى بالغيوم القاتمة والأخطار الفاتكة ، وكان الجيش العراقي الذي زحف مع الإمام لمحاربة معاوية قد ركس فى الفتنة وماج في الشقاء

__________________

(١) صلح الحسن ص ١٠٦.

٧٩

فكان خطره على الدولة أعظم من خطر معاوية ، وقد وصفه الشيخ المفيدرحمه‌الله وقسمه الى عناصر وقد أجاد فى وصفه وأبدع في تقسيمه ، قال طيب الله مثواه :

« واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ، ثم خفوا وخف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه ، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب فتن وطمع بالغنائم ، وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون الى دين »(١) .

وأعرب الشيخ المفيد نضّر الله مثواه في كلامه ـ أولا ـ عن كراهة الجيش للحرب ، وإيثاره للعافية ، ورغبته في السلم ، وأفاد ـ ثانيا ـ في تقسيمه ان الجيش ينقسم الى عناصر متباينة فى أفكارها ، مختلفة في عقائدها وهي كما يلي :

١ ـ الشيعة :

وهؤلاء فيما يظهر عدد قليل في الجيش العراقي ولو كانوا عددا كثيرا فيه ، لما أجبر أمير المؤمنين (ع) على التحكيم في صفين ولما صالح الحسن معاوية وهذا العنصر يخالف بقية العناصر في تفكيره وشعوره وإيمانه فهو يرى أن الخلافة من حقوق أهل البيت وانهم أوصياء النبي وحضنة الإسلام وحماته ، وطاعتهم مفروضة على جميع المسلمين.

__________________

(١) الارشاد ص ١٦٩ ، وذكر هذا المعنى بعينه علي بن محمد الشهير بابن الصباغ في الفصول المهمة ص ١٤٣ ، والأربلي فى كشف الغمة ص ١٦١ ، والمجلسي في البحار ١٠ / ١١٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فالآيات تشرح حالهم بإمعان وتخبر بأنّهم « لا يقاتلونكم » معاشر المؤمنين جميعاً إلاّ في قرى محصنة ، أي لا يبرزون لحربكم خوفاً منكم ، وإنّما يقاتلونكم متدرّعين بحصونهم ، أو « من وراء جدر » ، أي يرمونكم من وراء الجدر بالنبل والحجر.

( بأسهم بينهم شديد ) ، والمراد من البأس هو العداء ، أي عداوة بعضهم لبعض شديدة ، فليسوا متّفقي القلوب ، ولذلك يعقبه بقوله :( وقلوبهم شتى ) ، ثمّ يعلل ذلك بقوله :( ذلك بأنّهم لا يعقلون ) .

ثمّ يمثّل لهم مثلاً ، فيقول : إنّ مثلهم في اغترارهم بعددهم وعدّتهم وقوتهم( كمثل الذين من قبلهم ) ، والمراد مشركو قريش الذين قتلوا ببدر قبل جلاء بني النضير بستة أشهر ، ويحتمل أن يكون المراد قبيلة بني قينقاع حيث نقضوا العهد فأجلاهم رسول الله بعد رجوعه من بدر.

فهؤلاء( ذاقوا وبال أمرهم ) ، أي عقوبة كفرهم ولهم عذاب أليم.

٢٦١

الحشر

٥٢

التمثيل الثاني والخمسون

( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ للاِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ) .(١)

تفسير الآية هذه الآية أيضاً ناظرة إلى قصة بني النضير ، فلمّا تآمروا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلاء ، ولكنّ المنافقين وعدوهم بالنصر ، فقالوا لهم :( لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم ) .

ولكن كان ذلك الوعد كاذباً ، ولذلك يقول سبحانه :( والله يشهد انّهم لكاذبون ) وآية كذبهم :( لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُون ) .(٢)

ولقد صدق الخبر الخبر ، فأجلاهم الرسول بقوة وشدة ، فما ظهر منهم أي نصر ومؤازرة ودعم ، فكان وعدهم كوعد الشيطان ، إذ قال للإنسان أكفر فلمّا كفر قال إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين ، بمعنى انّه أمره بالكفر ولكنّه تبرّأ منه في النهاية.

وهل المخاطب في قوله : « اكفر » مطلق الإنسان الذي ينخدع بأحابيل

__________________

١ ـ الحشر : ١٦.

٢ ـ الحشر : ١٢.

٢٦٢

الشيطان ووعوده الكاذبة ثمّ يتركه ويتبرّأ منه ، أو المراد شخص معين ؟ وجهان.

فلو قلنا بالثاني ، فقد وعد الشيطان قريشاً بالنصر في غزوة بدر ، كما يحكي عنه سبحانه ، ويقول( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرى ما لاَ تَرَوْنَ إِنّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقابِ ) .(١)

وهناك قول ثالث ، وهو انّ الشيطان وعد عابداً من بني إسرائيل اسمه برصيصا حيث انخدع بالشيطان وكفر ، وفي اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه. ذكر المفسرون انّ برصيصا عبد الله زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرأون على يده ، وانّه أُتِي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها إخوة فأتوه بها ، فكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها ، فحملت ، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها ، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب وانّه دفنها في مكان كذا ، ثمّ أتى بقية إخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه ، فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشيطان ، فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك ، أخلصك مما أنت فيه ؟ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة ، فقال : كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة ، فقال : اكتفي منك بالإيماء فأوحى له بالسجود ، فكفر بالله ، وقتل الرجل.(٢)

__________________

١ ـ الأنفال : ٤٨.

٢ ـ مجمع البيان : ٥ / ٢٦٥.

٢٦٣

الحشر

٥٣

التمثيل الثالث والخمسون

( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .(١)

تفسير الآية

« الخشوع » : الضراعة ، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح على عكس الضراعة ، فانّ أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ، وقد روي إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

ويؤيد ما ذكره انّه سبحانه ينسب الخشوع إلى الأصوات والأبصار ، ويقول :( وخشعت الأصوات ) ،( خاشعة أبصارهم ) ، (أبصارهم خاشعة ) .

ولو أردنا أن نُعرّفه ، فنقول : هو عبارة عن السكينة الحاكمة على الجوارح مستشعراً بعظمة الخالق.

و « التصدع » : التفرق بعد التلاؤم.

إنّ للمفسرين في تفسير الآية رأيين :

أحدهما : انّه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ، مع ما له من الغلظة والقسوة

__________________

١ ـ الحشر : ٢١.

٢٦٤

وكبر الجسم وقوة المقاومة قبال النوازل ، لتأثّر وتصدّع من خشية الله ، فإذا كان هذا حال الجبل ، فالإنسان أحقّ بأن يخشع لله إذا تلا آياته.

فما أقسى قلوب هؤلاء الكفّار وأغلظ طباعهم حيث لا يتأثرون بسماع القرآن واستماعه وتلاوته.

ثانيهما : انّ كلّ من له حظّ في الوجود فله حظ من العلم والشعور ، ومن جملتها الجبال فلها نوع من الإدراك والشعور ، كما قال سبحانه :( وَإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْها لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) .(١)

فعلى هذا ، فمعنى الآية انّ هذا القرآن لو نزل على جبل لتلاشى وتصدّع من خشية الله ، غير انّه لم ينزل عليه.

وعلى كلا المعنيين ، فليست الآية من قبيل التمثيل أي تشبيه شيء بشيء ، بل من قبيل وصف القرآن وبيان عظمته بما يحتوى من الحقائق والأصول ، وإنّها على الوصف التالي : « لو أنزلناه على جبل لصار كذا وكذا ».

نعم يمكن أن يعد لازم معنى الآية من قبيل التشبيه ، وهو انّه سبحانه يشبّه قلوب الكفّار والعصاة الذين لا يتأثرون بالقرآن بالجبل والحجارة ، وانّ قلوبهم كالحجارة لو لم تكن أكثر صلابة ، بشهادة انّ الحجارة يتفجر منها الأنهار أو تهبط من خشية الله ، فلأجل ذلك جعلنا الآية من قبيل التمثيل وإن كان بلحاظ المعنى الالتزامي لها.

__________________

١ ـ البقرة : ٧٤.

٢٦٥

الجمعة

٥٤

التمثيل الرابع والخمسون

( مَثَلُ الّذينَ حُمّلُوا التُّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمِين ) .(١)

تفسير الآية

« الأسفار » : السَّفر : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالاَعيان نحو سَفَرَ العمامة عن الرأس ، والخمار عن الوجه ، إلى أن قال : والسّفْر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق وجمعه أسفار.(٢)

ذكر المفسرون انّه سبحانه لما قال : إنّه بعثه إلى الاَُميّين أخذت اليهود الآية ذريعة لاِنكار سعة رسالته ، وقالوا : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى العرب خاصة ولم يبعث إليهم ، فعند ذلك نزلت الآية وشبّهتهم بالحمار الذي يحمل أسفاراً لا ينتفع منها ، إذ جاء في التوراة نعت الرسول والبشارة بمقدمه والدخول في دينه.

مضافاً إلى أنّه يمثل حال من يفهم معاني القرآن ولا يعمل به ويعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه ، والمراد من قوله( حُمّلُوا ) أي كلّفوا بالقيام بها ، وقيل :

__________________

١ ـ الجمعة : ٥.

٢ ـ مفردات الراغب : مادة «سفر ».

٢٦٦

ليس هو من الحمل على الظهر ، وإنّما هو من الحمالة بمعنى الكفالة والضمان ، ولذا قيل للكفيل : الحميل ، والمراد والذين ضمنوا أحكام التوراة ، ثمّ لم يحملوها ، أي لم يأدّوا حقها ولم يحملوها حق حملها ، فهؤلاء أشبه بالحمار ، كما قال :( كَمَثَلِ الحِمار يَحْمِلُ أَسْفاراً ) .

وانتخب الحمار من بين سائر الحيوانات لما فيه من الذل والحقارة ما ليس في غيره بل والجهل والبلادة ، مضافاً إلى المناسبة اللفظية الموجودة بين لفظ الأسفار والحمار.

فعلى كلّ تقدير فالآية تندّد باليهود ، وفي الوقت نفسه تحذر عامة المسلمين في أن لا يكون حالهم حال اليهود ، في عدم الانتفاع بالكتاب المنزل الذي فيه دواء كلّ داء وشفاء لما في الصدور.

وللأسف الشديد أصبح القرآن بين المسلمين مهجوراً ، إذ يتبرك به في العرائس ، أو يجعل تعاويذ للأطفال ، أو زينة الرفوف ، أو يقرأ في القبور إلى غير ذلك ممّا أبعد المسلمين عن النظر في القرآن بتدبّر.

ثمّ إنّه سبحانه يصف اليهود المكذبة للقرآن وآياته ، بقوله :( بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوم الظالِمين ) .

٢٦٧

التحريم

٥٥

التمثيل الخامس والخمسون

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَينِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلين ) .(١)

تفسير الآية

إنّ إحدى الأساليب التربوية هي عرض نماذج واقعية لمن بلغ القمة في مكارم الأخلاق وجلائلها أو سقط في حضيض مساوئ الأخلاق ، والقرآن في هذه الآية يعرض زوجتين من زوجات الأنبياء ابتليتا بالنفاق والخيانة ولم ينفعهما قربهما من أنبياء الله.

ثمّ إنّ الحافز لهذا التمثيل هو التنديد بزوجتي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اللّتين اشتركتا في إفشاء سره ، والغرض هو إيقافهما على أنّهما لا تنجوان من العذاب لمجرد مكانتهما من الرسول كما لم ينفع زوجة نوح ولوط ، فواجهتا العذاب الأليم.

يذكر سبحانه في هذه الصورة قصة إفشاء سرّ النبي بواسطة بعض أزواجه يقول :( وَإِذْ أَسَـرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً فَلَمّـا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ

__________________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢٦٨

عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبير ) .(١)

وهذه الآية على اختصارها تشتمل على مطالب :

١. انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ إلى بعض أزواجه حديثاً ، كما يقول سبحانه :( وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً ) ، وأمّا ما هو السر الذي أسرّه إليها فغير واضح ، ولا يمكن الاعتماد بما ورد في التفاسير من تحريم العسل على نفسه وغيره.

٢. انّ هذه المرأة التي أسرّ إليها النبي لم تحتفظ بسره وأفشته ، فحدّثت به زوجة أخرى ، كما يقول سبحانه :( فلمّا نبّأت به ) ، والمفسرون اتفقوا على أنّ الأولى منهما هي حفصة والثانية هي عائشة.

وبذلك أساءت الصحبة وأفشت سر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّ واجبها كان كتم هذا السر.

٣. انّه سبحانه أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله به ، كما يقول سبحانه :( وأظهره الله عليه ) أي أطلعه الله عليه.

٤. انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عرّف حفصة ببعض ما ذكرت وأعرض عن ذكر كلّ ما أفشت ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علم جميع ذلك ولكنّه أخذ بمكارم الأخلاق ، فلم يذكر لها جميع ما صدر منها ، والتغافل من خلق الكرام ، وقد ورد في المثل : « مااستقصى كريم قط ».

٥. لما أخبر رسول الله حفصة بما أظهره الله عليه سألت ، وقالت : من أخبرك بهذا؟ فأجاب الرسول : نبّأني العليم الخبير ، كما يقول سبحانه :( فلمّا نبّأها به

__________________

١ ـ التحريم : ٣.

٢٦٩

قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير ) .

وبما انّ مستمع السر كمفشيه عاص ، يعود سبحانه يندّد بهما ويأمرهما بالتوبة ، لأجل ما كسبت قلوبهما من الآثام ، وانّه لو لم تكُفَّا عن إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاعلما انّ الله يتولّـى حفظه ونصرته ، وأمين الوحي معين له وناصر يحفظه ، وصالح المؤمنين وخيارهم يؤيدونه ، وبعدهم ملائكة الله من أعوانه. كما يقول سبحانه :( ان تتوبا فقد صغت قلوبكما ) أي مالت إلى الإثم ، وإن تظاهرا عليه أي تعاونا على إيذاء النبي ، فانّ الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.

هاتان الآيتان توقفنا على مكانة الزوجتين من القيام بوظائف الزوجية ، حيث إنّ حفظ الاَمانة من واجب الزوجة حيال زوجها ، كما أنّ الآية الثانية تعرب عن مكانتهما عند الله سبحانه حيث تجعلهما على مفترق الطرق : إمّا التوبة لأجل الإثم ، وإمّا التمادي في غيّهما وإحباط كلّ ما تهدفان إليه ، لأنّ له أعواناً مثل ربه والملائكة وصالح المؤمنين.

وبما انّ السورة تكفّلت بيان تلك القصة ناسب أن يمثل سبحانه حالهما بزوجتين لرسولين أذاعتا سرهما وخانتاهما.إذ لم تكن خيانتهما خيانة فجور لما ورد : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنّما كانت خيانتهما في الدين.

قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس : إنّه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح ، كما أنّ امرأة لوط دلّت على أضيافه.

وعلى كلّ حال فقد شاركت هذه الزوجات الأربع في إذاعة أسرار أزواجهنّ ، وبذلك صرن نموذجاً بارزاً للخيانة.

وقد كنَّ يتصورنّ انّ صلتهن بالرسل تحول دون عذاب الله ، ولم يقفن على أنّ

٢٧٠

مجرد الصلة لا تنفع مالم يكن هناك إيمان وعمل صالح ، قال سبحانه :( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ ) (١) وقال سبحانه مخاطباً بني آدم :( يا بَنِى آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .(٢)

ومن هنا تقف على أنّ صحبة الرسول لا تنفع مالم يضم إليه إيمان خالص وعمل صالح ، فلا تكون مجالسة الرسول دليلاً على العدالة ولا على النجاة ، وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمام الله سبحانه كالتابعين يحكم عليهم بما يحكم على التابعين ، فكما أنّ الصنف الثاني بين صالح وطالح ، فهكذا الصحابة بين صالح وطالح.

__________________

١ ـ المؤمنون : ١٠١.

٢ ـ الأعراف : ٣٥.

٢٧١

التحريم

٥٦

التمثيل السادس والخمسون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امرأتَ فِرْعَون إذْ قالَتْ رَبّ ابنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنّةِ وَنَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمين * وَمَرْيم ابْنَتَ عِمْرانَ الّتي أحصَنَت فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقت بِكَلِماتِ رَبّها وَكُتُبهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتين ) .(١)

تفسير الآيات

« الحصن » : جمعه حصون وهي القلاع ، ويطلق على المرأة العفيفة ، لأنّها تحصّن نفسها بالعفاف تارة وبالتزويج أخرى.

القنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع ، قوله :( كُلّ لَهُ قانِتُون ) أي خاضعون.

لما مثّل القرآن بنماذج بارزة للفجور من النساء أردفه بذكر نماذج أخرى للتقوى والعفاف من النساء بلغن من التقوى والإيمان منزلة عظيمة حتى تركن الحياة الدنيوية ولذائذها وعزفن عن كل ذلك بغية الحفاظ على إيمانهنّ ، وقد مثل القرآن بآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فقد بلغت من الإيمان والتقوى بمكان انّها طلبت من الله سبحانه أن يبني لها بيتاً في الجنة ، فقد آمنت بموسى لمّا رأت معاجزه

__________________

١ ـ التحريم : ١١ ـ ١٢.

٢٧٢

الباهرة ودلائله الساطعة ، فأظهرت إيمانها غير خائفة من بطش فرعون وقد نقل انّه وتدها بأربعة أوتاد واستقبل بها الشمس.

هذه هي المرأة الكاملة التي ضحّت في سبيل عقيدتها واستقبلت الشهادة بصدر رحب ولم تعر للدنيا وزخارفها أيّة أهمية ، وكان هتافها حينما واجهت الموت قولها :( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين ) .

فقولها : « عندك » ، يهدف إلى القرب من رحمة الله ، وقولها : « في الجنة » يبين مكان القرب.

فقد اختارت جوار ربها والقرب منه وآثرت بيتاً يبنيه لها ربها على قصر فرعون الذي كان يبهر العقول ، ولكن زينة الحياة الدنيا عندها نعمة زائلة لا تقاس بالنعمة الدائمة.

ثمّ إنّه سبحانه يضرب مثلاً آخر للمؤمن ات مريم ابنة عمران ، ويصفها بقوله :( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين ) .

ترى أنّه سبحانه يصفها بالصفات التالية :

١.( أحصنت فرجها ) فصارت عفيفة كريمة وهذا بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها ، كما يعرب عنه قوله سبحانه :( وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ) (١) وفي سورة الأنبياء قوله :( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا ) .(٢)

__________________

١ ـ النساء : ١٥٦.

٢ ـ الأنبياء : ٩١.

٢٧٣

٢.( فنفخنا فيه من روحنا ) : أي كونها عفيفة محصّنة صارت مستحقة للثناء والجزاء ، فأجرى سبحانه روح المسيح فيها ، وإضافة الروح إليه إضافة تشريفية ، فهي امرأة لا زوج لها انجبت ولداً صار نبياً من أنبياء الله العظام.

وقد أُشير إلى هذين الوصفين في سورة الأنبياء ، قال سبحانه :( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِين ) .

وهناك اختلاف بين الآيتين ، فقد جاء الضمير في سورة الأنبياء مؤنثاً فقال :( فنَفخنا فيها من روحنا ) وفي الوقت نفسه جاء في سورة التحريم مذكراً( فنفخنا فيه من روحنا ) .

وقد ذكر هنا وجه وهو :

إنّ الضمير في سورة الأنبياء يرجع إلى مريم ، وأمّا المقام فإنّما يرجع إلى عيسى ، أي فنفخنا فيه حتى أنّ من قرأه « فيها » أرجع الضمير إلى نفس عيسى والنفس مؤنثة.

أقول : هذا لا يلائم ظاهر الآية ، لأنّه سبحانه بصدد بيان الجزاء لمريم لأجل صيانة فرجها ، فيجب أن يعود الجزاء إليها ، فالنفخ في عيسى يكون تكريماً لعيسى ولا يعد جزاءً لمريم.

٣.( صدَّقت بكلمات ربّها وكتبه ) : ولعل المراد من الكلمات الشرائع المتقدمة ، والكتب : الكتب النازلة ، كما يحتمل أن يكون المراد الوحي الذي لم يكن على شكل كتاب.

٤.( وكانت من القانتين ) : أي كانت مطيعة لله سبحانه ، ومن القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه ، وقد جيء بصيغة المذكر تغليباً ، يقول

٢٧٤

سبحانه :( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعين ) .(١)

ونختم البحث بذكر ثلاث روايات :

١. روى الطبري ، عن أبي موسى ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».(٢)

٢. أخرج الحاكم ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن( قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ) ».(٣)

٣. أخرج الطبراني ، عن سعد بن جنادة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله زوجني في الجنة : مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأُخت موسى ».

__________________

١ ـ آل عمران : ٤٣.

٢ ـ مجمع البيان : ٥ / ٣٢٠.

٣ ـ و ٤. الدر المنثور : ٨ / ٢٢٩.

٢٧٥

الملك

٥٧

التمثيل السابع والخمسون

( أَمَّنْ هذا الّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَه بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْههِ أَهْدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيم ) .(١)

تفسير الآيات

« لجّ » : من اللجاج : التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه.

« عُتُوّ » : التمرّد.

« النفور » : التباعد عن الحقّ.

« مكب » : من الكبو ، وهو إسقاط الشيء على وجهه ، قال سبحانه :( فَكُبَّتْ وُجُوهُهُم فِي النّار ) . ومنه قوله : « إنّ الجواد قد يكبو » أي قد يسقط ، والمراد هنا بقرينة مقابله :( يمشي سوياً ) ، أي من يمشي ووجهه إلى الأرض لا الساقط. وقال الطبرسي : أي منكساً رأسه إلى الأرض ، فهو لا يبصر الطريق ولا من يستقبله.

وأمّا الآيات فقد جاءت بصيغة السؤال بين الضالين الذين لجّوا في عتو ونفور وظلّوا متمسّكين بالأوثان والأصنام ، وبين المهتدين الذين يمشون في جادة

__________________

١ ـ الملك : ٢١ ـ ٢٢.

٢٧٦

 التوحيد ولا يعبدون إلاّ الله القادر على كلّ شيء.

فمثل هؤلاء مثل من يمشي على أرض متعرجة غير مستوية يكثر فيها العثار ، وبالتالى يسقط الماشي مكباً على وجهه ، ومن يمشي على جادة مستوية مستقيمة ليس فيها عثرات ، فيصل إلى هدفه بسهولة.

فالاختلاف بين هاتين الطائفتين ليس في كيفية المشي ، وإنّما الاختلاف في طريقهم حيث إنّ طرق الكفّار ملتوية متعرجة فيها عقبات كثيرة ، وطريق المهتدين مستقيمة لا اعوجاج فيها ، فعاقبة المشي في الطريق الأوّل هو الانكباب على الأرض ، وعاقبة المشي في الطريق الثاني هو الوصول إلى الهدف ، فتأويل الآية : أفمن يمشي على طريق غير مستقيم بل متعرج ملتوٍ مكبّاً على وجهه أهدى أم من يمشي على صراط مستقيم بقامة مستقيمة.

قال العلاّمة الطباطبائي : والمراد أنّهم بلجاجهم في عتوّ عجيب ونفور من الحقّ ، كمن يسلك سبيلاً وهو مكب على وجه لا يرى ما في الطريق من ارتفاع وانخفاض ومزالق ومعاثر ، فليس هذا السائر كمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ، فيرى موضع قدمه وما يواجهه من الطريق على استقامة ، وما يقصده من الغاية ، وهؤلاء الكفّار سائرون سبيل الحياة وهم يعاندون الحقّ على علم به ، فيغمضون عن معرفة ما عليهم أن يعرفوه والعمل بما عليهم أن يعملوا به ، ولا يخضعون للحق حتى يكونوا على بصيرة من الأمر ويسلكوا سبيل الحياة وهم مستوون على صراط مستقيم فيأمنوا الهلاك.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٩ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٢٧٧

خاتمة المطاف

ربما عدّ غير واحد ممّن كتب في أمثال القرآن ، الآية التالية منها :

( وَما جَعَلْنا أَصحابَ النّارِ إلاّ مَلائكةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُم إلاّ فِتْنةً لِلّذينَ كَفَرُوا ليَستَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزدادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرتابَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالمُوَْمِنُونَ وَلِيَقُول الّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكافِرُون ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلّ اللهُ مَن يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلمُ جنودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ وَما هِيَ إلاّ ذِكرى لِلبَشر ) .(١)

تفسير الآية

لمّا نزل قوله سبحانه( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وما أدراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي ولا تَذَرُ * لواحَةٌ للبشرِ * عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) .(٢)

قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أُمّهاتكم أتسمعون ابن أبي كبيشة يخبركم انّ خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم(٣) الشجعان ، أفيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم.

__________________

١ ـ المدثر : ٣١.

٢ ـ المدثر : ٢٦ ـ ٣٠.

٣ ـ الدهم : الجماعة الكثيرة.

٢٧٨

فقال أبو أسد الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، فأكفوني أنتم اثنين ، فنزلت هذه الآية :( وَما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة ) ، أي جعلنا أصحاب النار ملائكة أقوياء مقتدرون وهم غلاظ شداد ، يقابلون المذنبين بقوة ، وهم أمامهم ضعفاء عاجزون ، ويكفي في قوتهم انّه سبحانه يصف واحداً منهم بقوله :( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) .(١)

فالكفّار ما قدروا الله حقّ قدره وما قدروا جنود ربّهم ، وظنوا انّ كلّ جندي من جنوده سبحانه يعادل قوة فرد منهم.

ثمّ إنّه سبحانه يذكر الوجوه التالية سبباً لجعل عدتهم تسعة عشر :

١.( فتنة للذين كفروا ) .

٢.( ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب ) .

٣.( يزداد الّذين آمنوا إيماناً ) .

٤.( لا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ) .

٥.( وَليقول الّذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ) .

وإليك تفسير هذه الفقرات :

أمّا الأولى : فيريد انّه سبحانه لم يجعل عدتهم تسعة عشر إلاّ للإفتتان والاختبار ، قال سبحانه :( واعلموا انّما أموالكم وأولادكم فتنة ) أي يختبر بهم الإنسان ، فجعل عدتهم تسعة عشر يختبر بها الكافر والمؤمن ، فيزداد الكافر حيرة واستهزاءً ويزداد المؤمن إيماناً وتصديقاً ، كما هو حال كلّ ظاهرة تتعلق بعالم الغيب. يقول سبحانه :( وَإذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ

__________________

١ ـ النجم : ٥ ـ ٦.

٢٧٩

إيماناً فَأَمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُون ) .(١)

ولا تظن انّ عمله سبحانه هذا يوجب تعزيز داعية الكفر ، وهو أشبه بالجبر وإضلال الناس ووجه ذلك انّ الاستهزاء والابتعاد عن الحقّ أثر الكفر الذي اختاره على الإيمان ، فهذا هو السبب في أن تكون الآيات الإلهية موجبة لزيادة الكفر والابتعاد عن الحقّ ، والدليل على ذلك انّ هذه الآيات في جانب آخر نور وهدى وموجباً لزيادة الإيمان والتصديق.

وأمّا الثانية : أي استيقان أهل الكتاب من اليهود والنصارى انّه حقّ وانّ محمّداً رسول صادق حيث أخبر بما في كتبهم من غير قراءة ولا تعلم.

وأمّا الثالثة : وهي ازدياد إيمان المؤمنين ، وذلك بتصديق أهل الكتاب ، فإذا رأوا تسليم أهل الكتاب وتصديقهم يترسخ الإيمان في قلوبهم.

وأمّا الرابعة : أعني قوله :( ولا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ) ، فهو أشبه بالتأكيد للوجه الثاني والثالث.

وفسره الطبرسي بقوله : وليستيقن من لم يؤمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن آمن به صحة نبوته إذا تدبّروا وتفكّروا.

وأمّا الخامسة : وهي تقوّل الكافرين ومن في قلوبهم مرض بالاعتراض ، بقولهم : ماذا أراد الله بهذا الوصف والعدد ، وهذه الفقرة ليست من غايات جعل عدتهم تسعة عشر ، وإنّما هي نتيجة تعود إليهم قهراً ، ويسمّى ذلك لام العاقبة ، كما في قوله سبحانه :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ) (٢) ومن المعلوم

__________________

١ ـ التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥. ٢ ـ القصص : ٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529