حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217927 / تحميل: 6638
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) .( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .

« القرآن الكريم »

٣
٤

الاهداء

إليك. يا من لا تحصى مواهبه وملكاته وعبقرياته.

إليك يا من تمت بخلافته في يوم « عيد الغدير » النعمة الكبرى ، وكمل الدين.

إليك. يا وصى رسول الله «ص» وصهره ، وصاحبه وخليله إليك. يا أمير المؤمنين.

أتقدم الى روحانيتك المقدسة ، وبيدى « الحلقة الثانية » من حياة الامام الحسن ، كبير ولدك وشريكك في آية التطهير ، وولي عهدك ، الذي سكبت في نفسه كمالك اللامتناهي ، وغذيته بأروع المثل العليا راجيا من مقامك الرفيع قبولها واذا منحتني القبول وتلطفت علي بالرضا ، فهو غاية النجاح ومنتهى الأمل والسعادة لعبدك.

المؤلف

٥
٦

امام الكتاب

قدم الجزء الاول من هذا الكتاب سماحة الامام المغفور له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء نضّر الله مثواه وقد وعد في تقديمه أن يعطي البيان حقه ويكشف الحجب والغموض ، ويرفع الابهام والالتباس في صلح الامام الحسن مع معاوية ـ فيما اذا سمحت له ظروفه بذلك ـ وعند ما انتهى الكتاب من الطبع وعرض عليه كتب هذه الكلمة الرائعة ، وهو في أواخر أيام حياته ، وقد اشتملت على مواضيع خطيرة ، وأبحاث مهمة ، وقد ابرز فيها دقائق التأريخ ، وهي تعد ـ بحق ـ آية من آيات الفن من حيث العمق والتحليل وروعة الاسلوب وبما أن الكتاب هو الباعث على تحريرها رأينا أن نتوج الجزء الثاني بها ، ونتحف القراء بهذه الاضبارة الممتعة من بحوث الامام كاشف الغطاء.

٧
٨

بنو هاشم ، وبنو أمية

والحسن ومعاوية

العداوات ، والتباغض بين الأفراد والقبائل ، والجماعات غريزة بعيدة المدى في طبيعة البشر من أول عهده ، وبدء وجوده على هذه الكرة من عهد هابيل وقابيل ، مستمرة في جميع الاجيال إلى هذا الجيل ، ومنشأ العداوة وبواعثها غالبا هو التنافس والتعالي والانانية التي تدفع إلى حب الأثرة والغلبة والسيطرة ، والاستيلاء على مال أو جاه ، أو ولاية وإمرة وانكى العداوات العداوات التي تبعث عن ترة وطلب ثار وغسل عار وللتشفى والانتقام ، ولكن اسوأ العداء أثرا ، وأبعده مدى ، والذي يستحيل تحويله ولا يمكن زواله هو عداوة الضدية الذاتية ، والمباينة الجوهرية كعداوة الظلام للنور ، والرذيلة للفضيلة ، والقبح للحسن. والشر للخير وامثال ذا ، فان هذا العداء والتنافر يستحيل من أن يزول إلا بزوال احدهما إذ كل يضاد الآخر في اصل وجوده وطباع ذاته ، وكل واحد يمتنع على الآخر فلا يجتمعان ولا يرتفعان ، فالذوات الشريرة بذاتها وفي جوهرها تضاد الذوات الخيرة وتعاديها ، وكل واحد من هذين المتضادين المتعاندين يجد ويجتهد في ازالة الآخر ومحوه من الوجود كالنور والظلام لا يجتمعان في محل واحد أبدا ، وكل منهما بطباعه يتنافى مع الآخر ويعاديه وكالفضيلة والرذيلة في الانسان ، وعلى هذا الطراز ، ومن هذا النوع عداوة بنى هاشم وبنى

٩

أمية عداوة جوهرية ذاتية يستحيل تحويلها ويمتنع زوالها عداوة الظلام للنور والشر للخير ، والخبيث للطيب ، ويعرف كل واحد منهما بثماره وآثاره ، وقديما قيل : « من ثمارهم تعرفونهم » الشجرة لا تعرف إلا من ثمرها أنها خبيثة أم طيبة ، والانسان لا يعرف خبثه وطيبه إلا من أعماله وملكاته وخصاله.

أولد عبد مناف هاشما ، وعبد شمس ، ونشب العداء بينهما منذ نشا وشبا لا لشيء سوى اختلاف الجوهرين ، وتباين الذاتين ، ثم استشرى الشر واتسعت عدوى العداء بين القبيلين بحكم الوراثة ، وكان لكل واحد من هذا القبيل ضد له من القبيل الآخر ، فعدوه بالنسب ، هاشم وعبد شمس ، وعبد المطلب وأمية ، وأبو طالب وحرب ، ومحمد «ص» وأبو سفيان ، ما اشرقت أول بارقة من اشعة الاسلام ، وما اعلن البشير النذير بدعوة التوحيد إلا وثارت نعرة الشرك والوثنية لطمس أنوار الاحدية وقام بحمل معاول المعارضة والهدم لما يبنيه ، ويتبناه منقذ البشرية من مخالب الوحشية ، قام بها ثالوث الجبت والطاغوت ، أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان ، وكان الثالث زعيم الحزب الأموى أشدهم مناوئة للاسلام ومحاربة له ، نصبوا كل الحبائل ، وتوسلوا بجميع الوسائل لاخفات صوته واخماد ضوئه ، واعملوا كل بأس ، وسطوة في مقاومة تلك الدعوة حتى الجأت جماعة ممن تدين بها فهاجروا إلى الحبشة ، وتحمل النبي واصحابه من الاضطهاد والأذى أكثر من عشر سنين حتى اضطر إلى الجلاء من وطنه ووطن آبائه ، ومركز عزه ، فهاجر إلى يثرب فطارده أبو سفيان وتلاحقه إلى دار هجرته ، وما رفعت راية حرب على الاسلام إلا وبنو أمية وزعيمهم أبو سفيان قائدها ورافعها يلهب نارها ويثير غبارها ويتربص باخماد ذلك

١٠

النور ، الدوائر ، ويهيج نعرة القبائل ، إلى أن فتح الله الفتح المبين وأمكن الله نبيه من جبابرة قريش وملكهم عنوة ، فصاروا عبيدا وملكا بحكم قوانين الحرب ، والاستيلاء على المحاربين ، بالقوة والسلاح ولكنه سلام الله عليه أطلقهم وعفا عنهم ، وقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء واكتفى منهم بظاهر الاسلام واطلاق لسانهم بالشهادتين ، وقلوبهم مماوءة بالكفر والحقد على الاسلام ، يتربصون الفرص لمحو سطوره. وقلع جذوره « ما اسلموا بل استسلموا. ولما وجدوا اعوانا على الاسلام وثبوا » ما تغير شيء من نفسيات أبى سفيان وبنى أميه بعد دخولهم في حظيرة الاسلام قلامة ظفر ، إنما تغير وضع المحاربة ، وكيفية الكفاح والمقاومة ، دخل أبو سفيان ومعاوية في الاسلام ، ليفتكوا في الاسلام ويكيدوا له ، والعدو الداخل أقدر على الكيد والفتك من العدو الخارج وهذه العداوة ذاتية متأصلة ، والذاتي لا يزول وليست هى من تنافس على مال ، أو تزاحم على منصب أو جاه ، بل هى عداوة المبادئ عداوة التضاد الطبيعي ، والتنافر الفطري عداوة الظلام للنور ، والضلال للهدى والباطل للحق والجور للعدل ، ولذا بقى بنو أمية على كفرهم الداخلي ومكرهم الباطني مع عدادهم في المسلمين وتمتعهم بنعم الاسلام وبركاته لكن لم يمس الاسلام شعرة من شعورهم ولا بلّ ريشة من اجنحتهم ، كالبط يعيش طول عمره في الماء ولا يبل الماء ريشة منه ( فيما يقولون ) نعم أقروا باسلامهم حقنا لدمائهم وتربصا لسنوح الفرصة لهدم عروش الاسلام وقواعده ، حتى إذا أدلى من كانت له السلطة بالخلافة إلى أول خليفة منهم طاروا فرحا ، وأعلنوا ببعض ما كانت تكنه صدورهم ، فجمعهم أبو سفيان وقال : « تلقفوها يا بنى أمية ، تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار ».

١١

ثم أخذوا زمام الخليفة الأموي بأيديهم ، وصاروا يقودونه « كالجمل الذلول » حيث شاءوا ، فاتخذوا مال المسلمين دولا ، وعباد الله خولا ، وانتفضت بلاد المسلمين من جميع أقطارها عليه وعليهم إلى أن حاصروه في داره ، وضايقوه على أن يخلع نفسه من الخلافة ، ويجعلها شورى بين المسلمين فتقاعس وتصلب أولا ، ثم لما اشتد الحصار عليه وحبسوا عنه حتى الماء والطعام تراخت اعصابه ، ووهنت اطنابه ، وحاول أن يخمد نار الفتنة بخلع نفسه اجابة للثائرين الذين شددوا الحصار فاحس بنو أمية وقيادتهم يومئذ بيد مروان في المدينة ، ومعاوية في الشام ، بأن صاحبهم إذا خلع نفسه فسوف يفلت الحبل من ايديهم ، وقد غلط الدهر أو غلط المسلمون غلطة يستحيل أن يعودوا لمثلها أبدا ، وبأي سابقة ، أو مكرمة لبني أمية أو جهاد في الاسلام يستحقون أن تكون خلافة المسلمين في واحد منهم ، وهم اعداء الاسلام وخصومه في كل موقف من مواقفه ، وفي كل يوم من ايامه ، أدرك كل ذلك مروان ومن معه من حزبه فتواطئوا مع زعيمهم بالشام أن يجهزوا على صاحبهم فيقتلوه قبل أن يخلع نفسه وقبل أن يفلت حبل الحيلة من أيديهم ، نعم يقتلونه ويتخذون قتله ذريعة إلى مطالبة فئة من المسلمين بدمه ، ويتظاهرون لسائر المسلمين بأنه قتل مظلوما ولا بد من الأخذ بثاره فيكون أقوى وسيلة إلى استرجاع الخلافة إليهم ، ولو لا قتل عثمان وقميص عثمان لما صارت الخلافة إلى معاوية ومروان وابناء مروان ، ولكان من المستحيل أن يحلموا بها في يقظة أو منام ولكن جاءت صاحبهم الاول من غير ثمن ، وقد دفعها إليه من قبله دفعا نعم اراد السابق أن يحولها عن بني هاشم إلى خصومهم الألداء بني أمية ففتل حبل الشورى ، وابرمه بحيث تصير الخلافة لا محالة إلى عثمان ، وما اكتفى

١٢

بذلك حتى نفخ روح الطموح إليها في نفس معاوية الطليق ابن الطليق ، وهو وأبوه اكبر الاعداء الألداء للاسلام ، كان كل سنة يحاسب عماله ويصادر أموالهم ، ويعاملهم بأشد الأحوال إلا معاوية ، تتواتر الاخبار لديه بأن معاوية يسرف في صرف أموال المسلمين ويلبس الحرير والديباج فيتغاضى عنه بل يعتذر له ، ويقول : « ذاك كسرى العرب »(١) مع أن معاوية كان من الضعة والفقر والهوان باقصى مكان ، كان من الصعاليك الساقطين في نظر المجتمع حتى أن أحد أشراف العرب وفد على النبي «ص».

ولما أراد الخروج أمر النبي «ص» معاوية أن يشيعه إلى خارج المدينة وكان الحر شديدا والأرض يغلى رملها ويفور ومعاوية حافي القدمين فقال للوافد الذي خرج في تشييعه :

اردفني خلفك.

ـ أنت لا تصلح أن تكون رديف الأشراف والملوك!.

ـ ألا فاعطني نعليك اتقى بهما حرارة الشمس.

ـ أنت احقر من ان تلبس نعلى.

ـ ما أصنع وقد احترقت رجلاى؟

ـ امشى في ظل ناقتي ولا تصلح لأكثر من هذا!!.

__________________

(١) كان عمر يضفى على معاوية ثوب البطولات ، ويخلع عليه النعوت والألقاب ويبالغ في تسديده ، ولا يسمح بانتقاصه ، فقد جاء في الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة ( ج ٣ ص ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ) ان قوما ذموا معاوية عند عمر فقال : دعونا من ذم فتى من قريش ، من يضحك في الغضب ولا ينال ما عنده الاعلى الرضا ، ولا يؤخذ ما فوق راسه الا من تحت قدميه. ولا ندرى لما هذا الاطرء على هذا الطليق الذي نظر إليه الرسول «ص» نظرة ريبة وشك في اسلامه.

١٣

تعسا لك يا زمان وأف لك يا دهر هذا الصعلوك النذل صار أو صيروه كسرى العرب!!!.

نعم : معاوية ومروان هما اللذان دبرا الحيلة في قتل عثمان ، ومكنوا الثائرين من قتله ، وقضية الجيش الذي أرسله معاوية من الشام إلى المدينة ووصيته له بأن لا يدخل المدينة حتى يقتل عثمان تشهد لذلك وهي مشهورة

نعم : وقد اعانهم على قتله أيضا احدى زوجات النبي التي كانت تهرج على عثمان وتصرخ في النوادى « اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا » ثم بعد أن امتثلوا أمرها وقتلوه ، ثارت أو أثاروها إلى الطلب بدمه ، وكانت من جراء ذلك واقعة الجمل التي ذهب ضحيتها عشرون الفا من المسلمين ، وفتحت باب الحروب بين أهل القبلة ، وقال أحد شعراء ذلك العصر يخاطبها ويؤنبها

وأنت البلاء وأنت الشقاء

وأنت السحاب وأنت المطر

وأنت أمرت بقتل الامام

وقلت لنا إنه قد كفر

وقال الآخر :

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجى إلى البصرة أجنادها

كأنها في فعلها هرة

من جوعها تأكل أولادها

وهذه النكات التي رشح القلم بها هنا وهي من أسرار دقائق التأريخ والتي قلّ من تنبه لها إنما جاءت عفوا ، وما كانت من القصد في شيء ، إنما المقصود بالبيان ان معاوية وأبا سفيان لما بهرهما الاسلام وقهرهما على الدخول فيه حفظا لحوبائهما(١) من التلف ، أظهرا الاسلام صورة واضمرا الكيد والفتك به سريرة ، وبقيا يتربصان فكلما سنحت فرصة لذلك ظهرت ركيزتهم في اقوالهم وفي اعمالهم.

__________________

(١) حوبائهما : تثنية حوباء وهي النفس تجمع على حوباوات.

١٤

وكان معاوية أدهى من أبيه الذي كبر وخرف في آخر عمره ومن دهائه وعزمه كان يحتفظ بصورة الاسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ، ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده فلا يتجاهر بشرب الخمر والاغاني ، ولا يقتل النفس المحرمة ولا يلعب بالفهود ، ولا يضرب على المزمار والعود ، نعم : قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهب ولا بأس بذلك فانه « كسرى العرب » وما احتفظ بشعائر الاسلام إلا لحاجة في نفس يعقوب ، ومن باب الهدوء قبل العاصفة والمشى رويدا لأخذ الصيد.

بقى على ظاهر الايمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لامير المؤمنين في صفين ، فلما استشهد سلام الله عليه ، تنفس الصعداء ، وغمرته المسرة وامكنته الفرصة من اللعب على الحبل وتدبير الحيل ، ولكن بعد أن بويع الحسن «ع» والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه. وشيعته ومواليه ، ومنهم الرءوس ، والضروس ، والانياب ، والعديد ، والعدة ، والسلاح ، والكراع ، فوجد أنه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى ، فان الحسن سبط رسول الله ، وابن بنته ، وريحانته ، وهو لوداعته ، وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره ، بل كان كله خير وبركة ، ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان ، بل قد يقال إنه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله «ص» إلى ابن هند آكلة الأكباد ، اقلق معاوية ، وأقضّ مضجعه التفكير بهذه النقاط المركزة التي لا مجال فيها للنقاش والجدال ، ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها وكشف كربتها ، فلجأ إلى عاملين قويين ، « أولهما » المال الذي يلوى اعناق الرجال ، ويسيل في لعبه

١٥

لعاب الأبطال ، وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه ، وأمسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله أميرا حتى على قيس بن سعد بن عبادة ذلك الزعيم العظيم الفارس المغوار المتفاني اخلاصا في حب الحسن وأبيه ، نعم : بعث إليه معاوية باكثر من خمسين الفا ، ووعده عند مجيئه إليه بمثلها ، فانسل إلى معاوية في جنح الظلام ، وأصبح الناس ولا أمير لهم فصلى بهم قيس ، وهوّن عليهم ، هذه الفادحة التي أوهت عزيمة الجيش ، وهيئتهم للهزيمة ، قبل النضال ، وقل ساعد الله قلبك يا أبا محمد كيف تحملت هذه الرزايا التي أقبلت عليك متتابعة كقطع الليل ، وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل بارز من الشيعة ورجالهم وأبطالهم فاستمالهم إليه جميعا ، ولم يستعص عليه ويسلم من مكره وحبائله إلا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد ، وحجر بن عدى وأمثالهم ممن ناطحوا صخرة الظلم والضلال براسخ إيمانهم ، وما اختلجهم الشك في كفر معاوية وأبيه وبنيه ، طرفة عين ، وكان قيس « أقسم بالله أن لا يلقى معاوية إلا وبينهما الرمح أو السيف » في قضية معروفة ، هذا أول تدبير أتخذه معاوية للغلبة على الحسن ، واستبداده بالأمر واغتصاب الخلافة منه « الثاني » وهي حيلة تأثيرها أشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليها الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح(١) نعم : أشد ما فتّ في عضد الحسن طلب معاوية الصلح ، فقد كانت أفتك غيلة ، وأهلك حيلة لأن المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال ، والخواص منهم ، اما العامة فلا ينالهم منه شيء ولكن الناس

__________________

(١) وهي تضارع خديعته في رفع المصاحف التي استطابها الجيش العراقي فلم يقرر حق مصيره بعد ما أشرف على الفتح والظفر.

١٦

كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم ، وأخربت ديارهم في أقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس : الجمل ، وصفين ، والنهروان فاصبحت الدعوة الى الحرب ثقيلة وبيلة ، والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة ، وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب الموقف حسابا دقيقا ، حساب الناظر المتدبر في العواقب ، فوضع الرفض والقبول في كفتى الميزان ليرى لأيهما الرجحان ، فوجد أنه لو رفض الصلح وأصر على الحرب ، فلا يخلو أما أن يكون هو الغالب ، ومعاوية المغلوب وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ، ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ، ولكن هل مغبة ذلك إلا تظلم الناس لبني أمية ، وظهورهم باوجع مظاهر المظلومية ، بالامس قتلوا عثمان عين الامويين ، وامير المؤمنين « كما يقولون » واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين ، وخال المؤمنين ( يا لها من رزية ) ويتهيأ لبني أمية قميص ثانى فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية ، والناس رعاع ينعقون مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر ، فما ذا يكون موقف الحسن إذا؟ لو افترضناه ، هو « الغالب ».

أما لو كان هو « المغلوب » فاول كلمة تقال من كل متكلم إن الحسن هو الذي القى نفسه بالتهلكة ، فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فابى وبغى ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، وحينئذ يتم لمعاوية وأبى سفيان ما أرادا من الكيد للاسلام وارجاع الناس الى جاهليتهم الأولى وعبادة اللات والعزى ، ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ ضرمة ، بل كان نظر الحسن «ع» فى قبول الصلح أدق من هذا وذاك ، أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله ، وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا ، وبدون أن يزج الناس في حرب ، ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء.

١٧

فقد ذكرنا أن معاوية المسلم ظاهرا العدو للاسلام حقيقة ، وواقعا كان لوجود المزاحم يخدع الناس بغشاء رقيق من التزمت في ارتكاب الكبائر والموبقات ، وما ينطوى عليه من معاداة الاسلام وتصميم العزيمة على قلع جذوره واطفاء نوره ، يتكتم بكل ذلك خوفا من رغبة الناس إلى الحسن وأبيه من قبل فاراد الحسن أن يخلى له الميدان ، ويسلم له الأمر ويرفع الخصومة ، حتى يظهر ما يبطن ، ويبوح بكفره ، ويعلن ويرفع عن وجهه ذلك الغشاء الصفيق ويعرف الناس حقيقة أمره ، وكامن سره ، وهكذا فعل ، وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين ، وقال :

« إني ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد اعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي. »

أنظر الى القحة والصلف وعدم الحياء وضيق الوعاء وصفاقة الوجه ، أما وأيم الله إنه لو لم يكن لقبول الصلح الا ظهور هذه الكلمات من معاوية لكفى بها دليلا على افتضاح معاوية ، ومعرفة الناس بكفره ، فما ظنك به وقد استمر على هذه الخطة الكافرة ، والخطيئة السافرة ، والتحدى للاسلام وهدم قواعده جهارا.

لو لا صلح الحسن لما استلحق معاوية زيادا بأبى سفيان ، وهو ولده من الزنا ، فضرب قول رسول الله «ص» « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ضربها بالحجر وبعرض الجدار بلا خيفة ، ولا حذر.

لو لا الصلح لما قتل حجر بن عدي سيد الأوابين ، وعشرة من أعلام خيار الصحابة والتابعين ، قتلهم بمرج عذراء صبرا ، من دون أى سبب مبرر

لو لا الصلح لما قتل معاوية الصحابي الجليل عمرو بن الحمق ، وحمل رأسه الى الشام ، وهو أول رأس حمل في الاسلام.

لو لا الصلح لما سقى معاوية الحسن السم على يد جعيدة بنت الاشعث

١٨

لو لا الصلح لما أجبر معاوية البقية الصالحة من أولاد المهاجرين والانصار على أخذ البيعة ليزيد ، وحاله في الفسق والفجور مشهور إلى كثير من أمثال هذه المخازى ، والفظائع التي لا يبلغها الاحصاء. ولكن تأمل مليا وأنظر من الغالب ومن المغلوب.

انظر ما صنع الحسن بمعاوية في صلحه وكيف هدّ جميع مساعيه وهدم كل مبانيه حتى ظهر الحق وزهق الباطل ، وخسر هنالك المبطلون فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب والمتعين على الحسن ، كما أن المحاربة والثورة على يزيد في تلك الظروف كان هو الواجب والمتعين على أخيه الحسين ، كل ذلك للتفاوت بين الزمانين ، والاختلاف بين الرجلين

ولو لا صلح الحسن الذي فضح معاوية ، وشهادة الحسين التي قضت على يزيد ، وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت.

لو لا تضحية هذين السبطين لذهبت جهود جدهما بطرفة عين ، ولصار الدين دين آل أبي سفيان دين الغدر والمكر ، دين الفسق والفجور ، دين الحانات والخمور ، دين العهار ، دين الفهود والقرود ، دين إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين.

فجزا كما الله يا سيدى شباب الجنة ويا سبطي رسول الله ، جزا كما الله عن الاسلام وأهله أفضل الجزاء ، فو الله ما عبد الله عابد ولا وحده موحد. وما حقت فريضة ولا أقيمت سنة ولا ساغت في الاسلام شريعة ولا زاغت من الضلال إلى الهدى أمة إلا ولكما بعد الله ورسوله الفضل والمنة والحجة البالغة والمحجة.

جاء رسول الله بالهدى والنور والخير والبركة للانسانية أجمع من غير لون ولون وعنصر وآخر وأمة دون أمة وقوم سوى آخرين جاء بالاسلام والنور المبين فشيّد قواعده وأحكمه وأقومه وأكمله وأتمه ولم يترك فيه أى

١٩

نقص وأى عوج وجاء أبو سفيان والشجرة الملعونة في القرآن معاوية ويزيد ومروان فحملوا معاول الكفر والشرك وتحاملوا على تلك الأسس والقواعد يقلعون جذورها ويخمدون نورها « يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون » فوقف السبطان بما لهما من قوة وسلطان سدا منيعا دون ذلك البنيان ، وما تم لهما ما أرادا من حفظ شريعة جدهما إلا بالتضحية العظمى بانفسهم وأموالهم ورجالهم وأطفالهم وبكل ما في دنيا النعمة والنعيم والعيش الوسيم ، بذلوا كل ذلك في سبيل الله ولحفظ دين الله ، ولو لا هذه التضحية وتلك المفادات لأصبح دين الاسلام أسطورة من الاساطير لا تجده إلا في الكتاب والقماطير يذكره التأريخ كما يذكر الحوادث العابرة والأمم المنقرضة.

« سبحان الله والله أكبر ولله الحمد » من هنا تعرف ويجب أن تعرف السر في حفاوة المنقذ الأعظم تلك الحفاوة البليغة والتعظيم الخارج عن نطاق العرف والمعتاد بل وعن رواق التعقل والسداد ذلك النبي العظيم والشخصية الحبيبة إلى المبدء الاعظم التي ملأها هيبة وعظمة ووقارا ، والذي لا تهزه العواصف ولا تستميله العواطف ولا خامره في لحظة من عمره العبث واللهو واللعب الذي كانت غريزته التي فطر عليها قوله : « ما أنا من دد ولا الددمني » والذي كان من الوقار والهيبة والاتزان ربما يدخل عليه الرجل الذي مار آه من ذى قبل فترتعد فرائصه من هيبته فيقول له النبي : « لا تفزع فاني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد » حذرا من أن يقول المسلمون فيه ما قالت النصارى في المسيح ، هذا الطود العظيم ، يحمل الحسن والحسين وهما طفلان على كتفيه ، ويمشي بهما وهما على متنيه في ملأ من المسلمين رافعا صوته ليسمعوا « نعم الجمل جملكما ، ونعم الراكبان أنتما » ثم يأتي الحسين وهو غلام فيعلو على ظهر النبي والنبي ساجد فلا يرفع رأسه حتى ينزل

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40
٤١

يتناول هذا الباب بيان الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح من خلال فصلين.

الفصل الأول وهو مكرس لبيان أقوال المستشرقين في الحسنعليه‌السلام إذ عرضوه شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.

الفصل الثاني مكرس لبيان أقوال الإسلاميين من القدامى والمحدثين في الكوفيين زمن الحسن إذ عرضوهم انهم ضعفاء متخاذلون متفرقون بل كان بعضهم / كالمختار الثقفي / يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته.

وانتهى البحث في كلا الفصلين إلى ان المستشرقين والإسلاميين كانوا قد استندوا في تحليلاتهم إلى روايات ذكرتها مصادر التاريخ الإسلامي المبكرة كطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وتاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها.

وقد رفض الشيعة بل السنة أيضا / كما هو الحق / الروايات الطاعنة في شخصية الحسن انطلاقا من الإيمان بعصمة الحسن أو الإيمان بانه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي بعلمه وتقواه.

اما الروايات الطاعنة في الكوفة فقد قبِلَها أكثر الباحثين الشيعة وكل الباحثين السنة من المؤرخين القدامى والمحدثين ولكن البحث توصل إلى ان الروايات الطاعنة في الحسنعليه‌السلام أو الكوفيين هي من وضع الامويون ثم تبنى ترويجها والزيادة فيها العباسيون ومن سايرهم من الأخباريين نكاية بالحسنيين الثائرين وتطويقا لمرجعية الامام الصادق الآخذة بالتوسع وبالكوفة مركز كلا الحركتين في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري.

٤٢

الباب الأول / الفصل الأول

المستشرقون : الحسن عليه‌السلام شخصية ضعيفة منهارة

أنحى الباحثون المستشرقون باللائمة على الحسنعليه‌السلام لأنه صالح وتنازل عن الحكم لخصمه معاوية بشروط ولم يف له بشيء منها ، وقد وصفوه بانه لم يكن رجل الساعة المطلوب ، ولم يكن ابنا جدير لعليعليه‌السلام ، وانه كان شخصية متخاذلة انصرف إلى ملذاته وشهواته ، وفيما يلي ما عثرنا عليه من كلماتهم في هذا السبيل :

الدكتور فيليب حتي اللبناني 1886 ـ 1978 :

قال : «ولكن الحسن الذي كان يميل إلى الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها معاوية».(1)

الراهب اليسوعي البلجيكي لامنس 1862 ـ 1937 :

تبنت الموسوعة الإسلامية(2) تحت عنوان : (الحسن) بن علي بن أبي طالب ما كتبه المستشرق البلجيكي (لامنس) المتخصص بالتاريخ الإسلامي(3) عن الحسنعليه‌السلام قال :

__________________

(1) حتي ، فيليب ، العرب ، ص 78 كتبه بالانجليزية وطبع لاول مرة لندن سنة 1937 م.

(2) أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت إلى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت إلى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(3) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي

٤٣

«الحسن اكبر أبناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.

وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة. واثبت الحسن كذلك انه مبذر كثير السرف فقد اختص كلّاَ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون ان تكون له فيها مشاركة إيجابية.

ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام بالشؤون العامة في حياة أبيه.

وبويع الحسن بالخلافة في العراق بعد مقتل عي فحاول أنصاره أَن يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام ، وقَلَبَ هذا الإلحاح من جانبهم خُطط الحسن القعيد الهمة فلم يَعُد يفكر الال في التفاهم مع معاوية كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق. وانتهى بهم الأمر إلى اثخان إمامهم اسما لا فعلا بالجراح. فتملكت الحسن منذ ذلك

__________________

شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين. ولد في مدينة خنث ، (Gent) وبالفرنسية ، (Gand) في بلجيكا في أوّل يوليو سنة 1862 م. وجاء إلى بيروت في صباه ، وتعلم في الكلية اليسوعية ببيروت. وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878 م ، فامضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير (في جبل لبنان) ، طوال عامين. ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات. وفي 1886 م صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت. وسافر إلى انجلترة ، وإلى لوفان. ووصل إلى فيينا في 1896 م. وعاد إلى بيروت 1897 م ، حيث عيَّن معلماً للتاريخ والجغرافية في كلية اليسوعيين. ولمَّا أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلِّية اليسوعيين في 1907 م ، صار فيه أستاذاً للتاريخ الإسلامي. ولمَّا توفي لويس شيخو في 1927 م ، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق ، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت. ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية أخرى تدعى (البشير) ، وقد تولَّى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمان طويل : مرة في 1894 م ، ومرة أخرى من 1900 م إلى 1903 م. وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة ، يكتبها بالفرنسية ، ثمَّ يتولَّى غيره ترجمتها إلى العربية ، وتنشر باللغة العربية. وتوفي لامنس في 23 أبريل 1937 م. وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين رئيسيين : (أ) السيرة النبوية (ب) بداية الخلافة الأموية. لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية ، وتاريخ سوريا وآثارها.

٤٤

الوقت فكرة واحدة هي الوصول إلى اتفاق مع الأمويين. وترك له معاوية ان يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة. ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أخرى ودَخَل كورة في فارس طيلة حياته. وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بَيْدَ انه أُجيب إلى كل ما سأله حتى ان حفيد النبي اجترأَ فجاهر بالندم على أَنه لم يضاعف طلبه وترك العراق مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.

وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للذات ووافق معاوية على ان يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك الا أمرا واحدا هو الا يخِلّ الحسن بأمن الدولة. وكان قد أَجبره من قبل عن الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماع عُقِدَ في (اذرح).

ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك انه كان واثقا من قعود همته وإيثاره للدعة.

ومع هذا فقد استمر الانقسام في البيت العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وان اجتمعا على مناهضة ابن الحنفية وغيره من أبناء علي.

وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل إفراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته. وقد بذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية.

وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو (سيد الشهداء) الذي خلع على ابن فاطمة هذا التافه الشأن.

ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص. وقد أعطى هذا الاتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغضة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثما لا مبرر له.

كما ان الحسن المستهتر كان قد اصبح مسالما منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أَبهظته مطالبه المتكررة. ومن اليسير ان نعلل ارتياح معاوية وتنفسه الصعداء عندما سمع بمرض الحسن. وربما كانت وفاته عام 49 هـ بالغا من العمر الخامسة والأربعين».(1)

__________________

(1) الموسوعة الإسلامية فنسك وآخرين ج 7 ص 401 ـ 402.أقول : من كلامه هذا يتبين لنا ان

٤٥

جرهارد كونسلمان الاماني المعاصر :

وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع نجم الشيعة) (Gerhard Konslman) كلمات لامنس بقوله : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.

وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس ، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب الشيعي ، فنشأت لذلك رواية تقول ان الحسن قتل بتدبير معاوية ولكن من المستبعد ان يكون معاوية ضالعا في موت الحسن ، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها الخليفة أدرك تماما أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).(1)

بروكلمان الالماني 1956 ـ 1868 (Corl Brockelmann ) :

وقال (بروكلمان) في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) : ان الحسن لم يكن رجل الساعة الذي تحتاجه الدولة فقد رفض ان يقود جنده في هجوم على خصمه.

اوكلي 1894 (Simon Ockley ) :

يرى في كتابه (HITORY OF THE SARACENS P347) : ان الحسن لم يكن مؤهلا للموقف حيث كان يميل إلى السلم وينظر إلى دماء المسلمين نظرة رعب يصعب علينا تصورها.

سايكس 1867 ـ 1945 (Sykes Perly Molesworth Sir ) :

ويرى (سايكس) في كتابه (HISTORY OF PERSIA) ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لأنه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بإرسال اثني عشر ألف جندي

__________________

الدكتور البدوي كان على صواب حين قال في حق لامنس انه : (يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين).

(1) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة (Star Shia Sarface) ، ترجمه من الالمانية محمد أبو رحمة ، طبع مكتبة مدبولي القاهرة ط 2 : 1414 ـ 1993.

٤٦

كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يبتزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(1)

الكاتب العراقي هادي العلوي :

وكتب هادي العلوي(2) : ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا أو عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول إليه الأمر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه أبوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الأيديولوجيا(3)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن أمامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الأباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(4)

سند المستشرقين في حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة

استند الباحثون المستشرقون في تكوين هذه الرؤية السلبية عن الحسنعليه‌السلام إلى روايات أوردتها مصادر تاريخية إسلامية أمثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ وتاريخ الطبري ت 310 هـ وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية لابن كثير. وقد أوردنا في الفصل السابع من الباب الثالث من هذا الكتاب نماذج منها.

__________________

(1) الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الأموي ، ص 74.

(2) أدرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه مسلما شيعيا ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديولوجيا ومنهم المستشرقين في البحث.

(3) الخربوطلي ،العراق في ظلم الحكم الأموي ص 74.

(4) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 م تموز السنة 37 العدد 9. ومن الغريب ان العلوي؟ هذا عرفه أصدقاءه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولابد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي وأصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم علياعليه‌السلام ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

٤٧

الباب الأول / الفصل الثاني

الإسلاميون : الكوفيون متفرقون متخاذلون

الإسلاميون القدامى

أبو حنيفة الدينوري ت 282 هـ :

قال أبو حنيفة الدينوري : (لما رأى الحسن من أصحابه الفشل ارسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية).(1)

ابن واضح اليعقوبي 284 هـ :

قال اليعقوبي : (فلما رأى الحسن ان أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالَحَ معاوية).(2)

ابن جرير الطبري 310 هـ :

وقال الطبري في تاريخه : فلما رأى (أي الحسنعليه‌السلام ) تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.(3)

__________________

(1) الدينوري ،الاخبار الطوال ، ص 320 ، دار إحياء الكتب العربي القاهرة 1960 م.

(2) اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي ، دار صادر بيروت ، ج 2 ص 215.

(3) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 3 ص 330 ، مؤسسة الاعلمي بيروت 1983. ومثله ابن مسكويه ،تجارب الامم ، دار سروش للطباعة طهران 2001 م ، ج 1 ص 388. وكذلك ابن كثير في تاريخه.

٤٨

ابن الاثير ت 620 هـ :

روى ابن الاثير في الكامل قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم احدا ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(1)

قال ابن الاثير : وكان الذي طلب الحسن من معاوية ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دارابجرد من فارس وان لا يشتم عليا فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي ، فطلب ان لا يشتم وهو يسمع فأجبه إلى ذلك ، ثم لم يفِ له به أيضا ، واما خراج دارابجرد(2) فان أهل البصرة منعوه منه وقالوا هو فيئنا لا نعطيه أحدا وكان منهم بأمر معاوية أيضا.(3)

ابن كثير ت 774 هـ :

قال ابن كثير : لما مات علي ـ قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن عليرضي‌الله‌عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.(4)

__________________

(1) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407 ، دار صادر بيروت 1966 م.

(2) ولاية بفارس (مراصد الاطلاع).

(3) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 405.

(4) ابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 17 ، دار إحياء التراث العربي بيروت 1988 م ،أقول : لم يكن ابن كثير حياديا في موضعين من كلامه الأول : حين جعل بيعة أهل العراق للحسن رد فعل لبيعة الشاميين لمعاوية ، والحال ان معاوية قد بايعه الشاميون سنة 38 هـ بعد ان خلع عمرو بن العاص علياعليه‌السلام على مواصلة قتال عليعليه‌السلام وعلى الغارة على اطراف الكوفة ، الثاني : ذمه لأهل الكوفة وانهم خذلوا الحسنعليه‌السلام في الوقت الذي يقول القسطلاني فيارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (ج 4 ص 411) قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفا. ، انظر أيضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج 16 ص 239.

٤٩

الشيخ المفيد 412 هـ :

قال الشيخ المفيد احد مراجع الشيعة في أخريات القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس في كتابه (الإرشاد) ما خلاصته : (كتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ، فلم يثق به الحسنعليه‌السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير انه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة).(1)

أقول : يتضح من كلام الشيخ المفيد ان الامام الحسن كان مضطرا إلى الصلح بسبب ضعف البصائر في حقه وفساد الجيش عليه وقد فصل تلميذه السيد المرتضى رأيه هذا فيما يلي :

السيد المرتضى 436 هـ :

وكتب من بعده تلميذه السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء) ما خلاصته : (فإن الذي جرى منهعليه‌السلام من أمر الصلح كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيِّنا جليّاً ، لان المجتمعين له من الأصحاب وان كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبَوا إلى دنيا معاوية ، فأظهروا لهعليه‌السلام النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحسعليه‌السلام بهذا منهم قبل التولج والتلبس ، فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت ...

وقد صرحعليه‌السلام بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت حقناً للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهل والمخلصين من أصحابي ...

__________________

(1) الشيخ المفيد ،الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، ص 191 ، دار المفيد بيروت 1993 م.

٥٠

أوَ ليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمغوَل كان معه أصاب فخذه. فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع من يده وحملعليه‌السلام إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولاه إياها فأدخل منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحفظه في ابنب بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاهعليه‌السلام بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم عن النصرة والمعونة؟.

أقول :

اما الذي ضربه في مظلم ساباط فهو من الخوارج ممن انتظم في حلقات الإرهاب التي قتلت أباه علياعليه‌السلام ، واما ما نسب إلى المختار الثقفي فهو مما افتري عليه رحمه الله تعالى.

الشيخ الطبرسي 548 هجرية :

وكتب من بعده الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن : ووقع الصلح بين الحسن ومعاوية في سنة 41 هجرية ، وإنما هادنهعليه‌السلام خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره(1)

احمد بن علي الطبرسي ت 560 هـ صاحب كتاب الاحتجاج :

روى مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما طُعِن الحسنعليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس متحيرون ، فقال الامام الحسنعليه‌السلام أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في

__________________

(1) الطبرسي ، الفضل بن الحسن ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ، ص 213 ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم 1417 هـ.

٥١

أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(1)

ابن أبي الفتح الإربلي ت 692 هـ :

وكتب من بعده ابن أبي الفتح الاربلي قال :

وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة (منها) أن يترك سب أمير المؤمنينعليه‌السلام والقنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يعترض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده على الوفاء به.

فلما استتمت الهدنة قال في خطبته : إني مَنّيتُ الحسن ، وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.(2)

ابن طباطبا ت 701 هجرية :

قال : اما أهل الكوفة والبصرة فكان أهل البيت مذعورين منهم لما جرى منهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام والحسن والحسينعليهما‌السلام من الخذلان والغدر وسفك الدماء.(3)

__________________

(1) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 44 ص 21 ، مؤسسة الوفاء بيروت 1983 م. عن الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 290.

(2) ابن أبي الفتح الإربلي ، كشف الغمة ، ج 2 ص 138 ، دار الاضواء بيروت 1985 م.

(3) محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي ،الفخري في الاداب السلطانية ، ص 144 ، دار القلم العربي 1997 م.

٥٢

مشاهير المتأخرين من الباحثين الشيعة

والكلام الانف الذكر لدى متقدمي المؤرخين هو المشهور اليوم عند كتّاب الشيعة المحدثين.

العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين :

كتب الشيخ راضي آل ياسين من علماء الشيعة المعاصرين في كتابه (صلح الحسن) المطبوع سنة 1952 م ، وهو افضل كتاب في موضوعه وقد حذا حذو الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى في وجهة تحليل دوافع الصلح :

قال : (وازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له)(1) . (وكان للحسن في مسكن بقية من جيش لا تجد المعنويات سبيلها إليه الا بالمعجزة بعد النكبة التي أصيب بها هذا العسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية آلاف من افراده). (واما النسبة العددية فقد كان اكبر عدد بلغه جيش الحسنعليه‌السلام حينما زحف به إلى لقاء معاوية عشرين ألفا أو يزيدها قليلا وكان جيش معاوية الذي عسكر به على حدود العراق ستين ألفا ، فللحسن يومئذ ثلث أعداد جيش معاوية) وجاءت عملية الفرار التي اجتاحت معسكر مسكن والتي انهزم بها ابن العم (عبيد الله بن عباس) ورب ابن عم ليس بابن عم كما يقول المثل العربي ـ بثمانية آلاف فتصاعدت النسبة صعودا مريعا ، وبقي الحسن في معسكريه جميعا على الخمس من معسكر معاوية وإذا اعتبرنا هنا القاعدة العسكرية الحديثة التي تنسب القوة المعنوية إلى الكثرة العددية بنسبة ثلاثة إلى واحد رجعنا إلى نتيجة مؤسفة جدا هي نسبة واحد إلى خمسة عشر. وإذا نظرنا إلى جيش الحسن الذي بقي ينازل معاوية في مسكن وحده على ضوء هذه القاعدة رأيناه ينازل عدوا يعده خمسة وأربعين ضعفا بالضبط).

ثم قال : وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فسد جيله ، أو خانت جنوده ، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.

__________________

(1) آل ياسين ،صلح الحسن عليه‌السلام ، 133.

٥٣

العلامة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله :

كتب في مقدمته لكتاب حياة الامام الحسن للشيخ باقر شريف القرشيرحمه‌الله (1)

(كان من دهاء معاوية عزمه ان يحتفظ بصورة الإسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده يتجاهر بشرب الخمر والأغاني ولا يقتل النفس المحترمة ويلعب بالفهود ولا يضرب المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهي ولا بأس بلك فانه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الإسلام الا لحاجة في نفس يعقوب بقي على ظاهر الإيمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين فلما استشهد سلام الله عليه تنفس الصعداء وغمرته المسرة وأمكنته الفرصة من اللعب على ال حبل وتدبير الحيل ولكن بعد ان بويع الحسنعليه‌السلام والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه وشيعته ومواليه ، ومنهم الرؤوس والضروس والانياب والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد انه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل قد يقال انه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله إلى ابن هند آكلة الاكباد؟

اقلق معاوية واقض مضجعه التفكير بهذه النقاط ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها فلجأ إلى عاملين :

أولهما : المال الذي يلوي أعناق الرجال ويسيل في لعبه لعاب الرجال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه وامسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميرا حتى على قيس بن سعد بعث إليه بأكثر من خمسمائة ألف؟ ووعده عنه مجيئه إليه بمثلها(2) . وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل

__________________

(1) القرشي ، الشيخ باقر شريف ،حياة الامام الحسن عليه‌السلام ، 1952 م.

(2)أقول : نحن نستبعد ان يصدر ذلك من عبيد الله بن العباس وهو وأخواه عبد الله وقثم اعتمدهم عليعليه‌السلام في دولته لينهضوا بالتعليم بما علمهم أيام العزلة فجعل عبد الله على البصرة وقثم على مكة

٥٤

بارز من الشيعة ورجالهم وابطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه الا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدي وامثالهم.

الثاني وهي حيلة في تأثيرها الشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليه الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح وذلك ان المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال اما العامة فلا ينالهم شيء منه ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس الجمل وصفين ونهروان فأصبحت الدعوة إلى الحرب ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة.

وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لا يهما الرجحان.

فوجد انه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو اما ان يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس لبني أمية وظهورهم لهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ بالأمس قتلوا عثمان عينَ الأمويين وأميرَ المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين (يا لها من رزية). ويتهيأ لبني أمية قميص ثان فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية والناس رعاع ينعقون

__________________

وعبيد الله على اليمن. ثم ان عبيد الله موتور فقد قتل بسر ولدين له ، وفيشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 2 ص 17 ـ 18 قال وروى أبو الحسن المدائني : اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسنعليه‌السلام ، فقال له ابن عباس ، أنت أمرت اللعين السيء الفدم ان يتقل ابني؟ فقال : ما أمرته بذلك ، ولوددت انه لم يكن قتلهما ، فغضب بسر ونزع سيفه ، فألقاه ، وقال لمعاوية ، اقبض سيفك ، قلدتنيه وأمرتني ان أخبط به الناس ففعلت ، حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو ولم آمر. فقال : خذ سيفك إليك ، فلعمري انك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف ، قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله : اتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني! هو أحقر وألام من ذلك ولكني والله لا أرى لي مقنعا ولا أدرك ثارا الا ان أصيب بهما يزيد وعبيد الله. فتبسم معاوية وقال : وما ذنب معاوية وابني معاوية! والله ما علمت ولا أمرت ، ولا رضيت ولا هويت. واحتملها منه لشرفه وسؤدده ، ولو كان عبيد الله قد استجاب لمعاوية ومال إلى معسكره بالمال لكان معاوية يواجهه بها ولا يتركها له ، والذي نراه انه الرواية من وضع الأخباريين في العهد العباسي.

٥٥

مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب؟

اما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ شرمة.

بل كان نظر الحسنعليه‌السلام في قبول الصلح ادق من هذا وذاك ، أراد ان يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارات نفسه قبل ان يكون غالبا أو مغلوبا وبدون ان يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء.(1)

وهكذا وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين وقال (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي)

المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدررحمه‌الله وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري :

وقال المرجع المعاصر السيد كاظم الحائري يبين رأيه في مبررات إقدام الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح مع معاوية ثم يذكر ضمنا رأي أستاذه المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله في الموضوع.

__________________

(1)أقول : كانت مبادرة معاوية للصلح هي ان يبقى الحسنعليه‌السلام على بلاده وان يبقى معاوية على بلاده وتوقف الحرب وفي خيار الرفض يأتي كلام الشيخرحمه‌الله . وفي حالة قبولها لا تستلزم ان يسلم الحسن ملك العراق الا في حالة كون الحسنعليه‌السلام لا يثق بجيشه وبالوضع العام للكوفيين وهو التعليل المشهور ، ومنه تعليل الشيخرحمه‌الله وفي قبال التعليل المشهور هناك تعليل آخر قدمناه في هذا الكتاب وهو ان الحسنعليه‌السلام يعلم ان قبوله للصلح بصيغة معاوية معناه تكريس الانشقاق وجهل أهل الشام بحقيقة إمامة الهدى التي يمثلها عليعليه‌السلام ولا علاج لهذا الجهل الا بعلاج الانشقاق واختلاط الناس وفضح معاوية انه كان كاذبا في دعواه وليس من طريق لذلك الا ان يتنازل الحسنعليه‌السلام عن الحكم بشروط يضعها هو ويلتزمها معاوية ، وهنا يأتي احتمال ان يغدر معاوية بالحسنعليه‌السلام وينقض شروطه ولم يخف هذا الاحتمال عن الحسنعليه‌السلام ولكنه سيكون غدرا ونقضا بعد فوات الأوان ، وتفصيله في الباب الثاني من هذا الكتاب.

٥٦

قال : (وبالحقيقة هناك تفسيران يفسران اقدام الامام على إبرام الصلح مع معاوية أحدهما خاص والآخر عام.

أما التفسير الخاص : فهو ما بينه أستاذنا السيد الشهيد حول المرض الذي كانت الأمة مبتلاة به ، وهو مرض الشك ، حيث كانت الأمة تشك في طبيعة الصراع الذي كان ناشبا بين الامام الحسنعليه‌السلام ومعاوية وتصوره صراعا من اجل حيازة السلطة ، وليس صراعا بين الحق ممثلا بالإمام الحسنعليه‌السلام والباطل ممثلا بمعاوية.

وليس من سبيل لمعالجة هذا المرض الا بمصالحة معاوية لأن الصلح وحده هو القادر على كشف حقيقة معاوية وإذا ما كشفت الأمة حقيقة معاوية سوف تدرك أن حربه على الامام الحسنعليه‌السلام انما هي حرب ظالمة ، وأن الامام الحسنعليه‌السلام انما يدافع عن الحق وعن الرسالة وليس عن السلطان والجاه والرئاسة ، وبالتالي فانه سوف يصار على تعرية بني أمية وكشف زيفهم وضلالهم ، وبهذا يزال مرض الشك الذي كانت الأمة مبتلاة به فلا تشك بعدئذ بحقانية الأئمة في دفاعهم عن الرسالة ولا تصدق بشعارات بني أمية الكاذبة الزائفة.(1)

وأما التفسير العام : فهو الذي يفسر نهوض الأئمة بالأمر على أساس الأمر الواقع ، فالإمامعليه‌السلام لا ينهض بالأمر الا عندما تتوافر لديه قوة ومقدرة تكفي لإنجاح مهمته وفق المقاييس المعقولة ، ولا يشترط في هذه القوة أن تكون اكبر من قوة العدو من الناحية المادية ، بل يكفي أن تكون متوافرة على شروط القوة المعنوية الأخرى ، والإمام الحسنعليه‌السلام لم يحصل على هذه القوة حتى بالحد الأدنى الذي يمكن ان تستمر بواسطته المجابهة ، ولهذا اضطر إلى إيقاع الصلح مع معاوية(2) :

وقد نقل الشيخ علي الكوراني رؤية الشهيد الصدر بقوله : قال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدرقدس‌سره : تصاب المجتمعات بعدة أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام هو

__________________

(1)أقول : وهذا التحليل لدوافع الصلح قد بذر بذرته العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين وقد ذكرنا كلامهقدس‌سره في المقدمة.

(2) الحائري ، السيد كاظم ،القيادة الإسلامية .

٥٧

مرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذي كان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له الإمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

باحثون آخرون من الشيعة المعاصرين :

وهناك باحثون وكتاب آخرون من الشيعة تبنوا الرؤية السائدة نفسها أمثال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام الحسن ، والسيد محمد جواد فضل الله في كتابه حياة الامام الحسن والشيخ مهدي البيشوائي في كتابه سيرة الأئمة والشيخ احمد زماني في كتابه حقائق بنهان وغيرهم.

__________________

(1) العاملي ، الانتصار ، دار السيرة لبنان 1422 م ، ج 8 ص 137 ـ 139.أقول : وفي ضوء البيانين المعبرين عن رأي الشهيد الصدررحمه‌الله ، مراد الشهيد الصدررحمه‌الله ، بالأمة الشاكة هم أهل العراق لان أهل الشام ما كانوا يشكون في حقانية معاوية بوصفه ثقة الخليفتين عمر وعثمان وقد ولي لهما ست عشرة سنة وإذا كان هناك شيء من الشك عن بعضهم فقد إزالته الاعلام الكاذب مدة خمس سنوات في حرب صفين وما بعدها ثم كيف يشكون وقد تحولوا إلى قتلة للأبرياء من النساء والاطفال سالبين اموالهم في غاراتهم!

٥٨

الشيخ مهدي البيشوائي :

كتب الشيخ البيشوائي رأيه ضمن حديثه عن الحسنعليه‌السلام في كتابه عن سيرة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام وهو احدث ما كتب (الطبعة الأولى سنة 1423 هجرية) انطلاقا من الرؤية السائدة في الصلح وقد أفاد من الكتب التي كتبت قبله قال (وينبغي القول عموما ان الامام الحسنعليه‌السلام لم يصالح في الواقع بل فرض عليه الصلح أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأخرى بحيث أوجدت وضعا جعل الصلح أمرا ضروريا مفروضا على الامام ، ولم ير حلا غير ذلك بحيث لو كان أي شخص يعيش طظروفه لما كان يختار غير الصلح والهدنة ...

فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي لان الروم الشرقية كانت تتحين الفرصة المناسبة ...

ومن ناحية السياسة الداخلية لم يكن يتمتع أهل العراق لا سيما الكوفيون منهم بالاستعداد النفسي للقتال وكانت حروب الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة ولدت عند أصحاب الامام علي حنينا إلى السلم والموادعة وقد برز ذلك حين دعاهم الحسن للتجهز لحرب الشام كانت الاستجابة بطيئة جدا مما جعل احد أصحاب أمير المؤمنين يوبخهم على التثاقل والتخاذل.

ثم أورد نص الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أوردناه فيما سبق ...

ثم قل : ولم يكن العراقيون على مرام واتجاه واحد ، مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم يرفعون في كل يوم راية من الرايات وشعارا من الشعارات.

ثم ذكر ما أورده صاحب كتاب الاحتجاج من قولٍ نسبه إلى الحسنعليه‌السلام : والله ما سلمت الأمر إليه (أي معاوية) الا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل ...).(1)

__________________

(1) البيشوائي ، الشيخ مهدي ،سيرة الأئمة ، ترجمه من الفارسية إلى العربية حسين الواسطي 1423 هجرية ، ص 92 فما بعدها.

٥٩

أقول : ورؤية أولئك الاعلام والباحثين المتأَخرين جميعا تستند إلى ما كتبه الشيخ المفيدرحمه‌الله ، الذي لخص رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مع حذف الأسانيد واسقاط بعض الفقرات.

الشيخ وحيد الخراساني المرجع الشيعي المعاصر

في مدينة قم المقدسة :

قال : (وقد ابتلي السبط الأكبر بمصيبة تظهر عظمتها من مقايسة أصحابه بأصحاب أخيه الحسينعليه‌السلام ، وأما الحسنعليه‌السلام فخطب بعد وفاة أبيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (أما والله ما ثنانا ن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتنم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا. ثم أصبحتم تصدون [تعدون] قتيلين : قتيلا بصفين تبكون عليه ، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر. وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلنااه منه ، وأغضضنا عن القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم : بل البقية والحياة.

ثم أورد جزءا من رواية قال (ولما وجه إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ، كتب إليه معاوية : إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي المال وقلب على الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الحسنعليه‌السلام فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529