حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307340 / تحميل: 6767
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وليس في تاريخ هذا الشرق ولا في غيره حاكم كالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عدله ونزاهته ، وإيثاره للحقّ على كلّ شيء ، فقد كان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ لمْ يخضع لأيّة نزعة عاطفية ، ولمْ يستجب لأي هوى مطاع ، وإنّما سار على الطريق الواضح والمنهج السليم الذي سلكه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يحاب ولمْ يداهن في دينه ، وتبنّى النصح الخالص لجميع المسلمين ، وقد حاول جاهداً أيّام حكومته أنْ يرفعَ راية الإسلام ويحقّق مبادئه التي كان منها رفع الحيف والظلم ، ومنع الاستغلال ، وإزالة الفوارق بين أبناء المسلمين.

وكان مِن أعظم ما عنى به وضع أموال الدولة في مواضعها ، فلمْ ينفقَ أيّ شيء منها إلاّ على مرافقها التي عيّنها الإسلام ، وما تاجر بها ، ولو اشترى بها العواطف والضمائر ـ كما كان يفعل معاوية ـ لما تنكّر عليه النفعيون في جيشه ، كالأشعث بن قيس وغيره مِن أقطاب الخيانة والعمالة. لقد احتاط في أموال الدولة كأشدّ ما يكون الاحتياط ، وأجهد نفسه وحمّلها مِنْ أمره رهقاً مِنْ أجل أنْ يبسط العدل الاقتصادي بين الناس.

يقول عبد الله بن رزين : دخلت على علي (عليه السّلام) يوم الأضحى ، فقرّب إلينا حريرة ، فقلت له : أصلحك الله! لو قرّبت إلينا مِن هذا البط فإنّ الله قد أكثر الخير. فقال : «يا بن رزين ، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : لا يحلّ لخليفة مِن مال الله إلاّ قصعتان ؛ قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس»(١) .

وقد نقم على سياسته كلّ مَنْ استسلم لدوافع المادة وشهواتها ، فراحوا يعملون جاهدين للإطاحة بحكومته ، وتشكيل حكومة تضمن مصالحهم الاقتصادية والسياسية. ومِن المؤكد أنّ الإمام (عليه السّلام) كان يعلم كيف يجلب له الطاعة ، وكيف يبسط

__________________

(١) جواهر المطالب ـ شمس الدين أبو البركات / ٤٣ ، مِن مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

١٠١

سلطانه ونفوذه على اُولئك الذين نقموا عليه ، ولكن ذلك لا يتم إلاّ بأنْ يداهن في دينه ، فيوارب ويخادع ، ويعطي المال في غير حقّه ، فيكون كبقية عشّاق المُلْك والسلطان. ومِن الطبيعي إنّ الانحراف عن الحقّ والمتاجرة بمصالح الأُمّة ممّا يأباه علي (عليه السّلام) ، وتأباه مُثُلُه العليا ، فلا السلطة تغريه ، ولا اجتماع الناس حوله تزيده عزّة ، ولا تفرّقهم عنه تزيده وحشة كما كان يقول.

لقد كان الإمام (عليه السّلام) يؤمن إيماناً خالصاً بالدين ، ويرى مِن الضرورة أنْ يكون هو المسيطر على قلوب الناس وتفكيرهم ، وأنْ لا يكون هناك أيّ ظلّ للمنافع والأهواء. وممّا لا شك فيه أنّ هذا النوع الخالص مِن الإيمان لمْ يتحقّق إلاّ للقلة القليلة مِن أصحابه ، كحِجْر بن عدي ، ومالك الأشتر ، وعدي بن حاتم ، وميثم التمّار ونظرائهم ممّن تغذّوا بهديه ، وهم الذين قرؤوا القرآن فأحكموه ، وتدبّروا الفرض فأقاموه ، وأحيوا السُنّة وأماتوا البدعة على حدّ تعبيره. أمّا الأكثرية الساحقة مِن جيشه وشعبه ، فإنّهم لمْ يعوا أهدافه ومبادئه ، وجهلوا القيم العليا في سياسته المشرقة التي كانت تهدف إلى ضمان حقوق المظلومين والمضطهدين.

لقد تحرّج الإمام (عليه السّلام) في سلوكه السياسي ، فأخضع سياسته العامّة للقيم الدينية والخلقية ؛ فبسط الحقّ بجميع رحابه ومفاهيمه ، ولمْ يعد أي نفوذ للأقوياء ، ولا سلطان للرأسمالية القرشية التي كانت تعتبر السواد بستاناً لقريش. وقد هبّت القوى المنحرفة عن الحقّ في وجه الإمام (عليه السّلام) فأشعلت نار الحرب ، وأوقفت مسيرة الإمام (عليه السّلام) في تطبيق العدل الاجتماعي ، ووضعت السدود والحواجز في طريقه.

وقد وقف الإمام العظيم ملتاعاً حزيناً ، قد احتوشته ذئاب الإثرة والاستغلال ، وتناهبت مشاعره الأحداث المُفزعة التي تواكبت عليه ، وكان مِن أفجعها الفتن الداخلية التي كانت تثيرها الخوارج ، الذين كانوا يعيشون معه ، وهم يجاهرونه بالعداء ، وينشرون الفتن والاختلاف ، ويتربصون

١٠٢

الفرص للخروج عليه.

مؤتمرُ مكة :

ونزح فريق مِن الخوارج إلى مكة فعقدوا فيها مؤتمراً ، عرضوا فيه مصارع إخوانهم الذين قتلوا في النهروان ، كما عرضوا فيه الأحداث الجسام التي يواجهها العالم الإسلامي والتي أدّت إلى اختلافه وتفكّكه ، وعزوها إلى ثلاث ـ حسب ما يزعمون ـ : الإمام علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص.

وقد عقدوا النيّة بعد تبادل الرأي على القيام باغتيالهم ، وانبرى لتنفيذ هذا المخطط كلّ مِنْ.

١ ـ عبد الرحمن بن ملجم : تعهد بقتل الإمام علي (عليه السّلام).

٢ ـ الحجّاج بن عبد الله الصريمي : تعهد بقتل معاوية.

٣ ـ عمرو بن بكر التميمي : التزم بقتل ابن العاص.

وقد اتفقوا على القيام بعملية الاغتيال في ليلة الثامن عشر مِن رمضان ، ساعة خروج هؤلاء الثلاثة إلى صلاة الصبح ، وقد أقاموا بمكة أشهراً ، واعتمروا في رجب ، ثمّ تفرّقوا وقصد كلّ واحد لتنفيذ ما عهد إليه.

رأيٌ رخيص :

مِن الآراء الزائفة التي تحملها بعض الكتب ما ذهب إليه الدكتور (بديع شريف) مِن اتّهام الفرس بقتل علي(١) ، وهل وقف الدكتور على نسب ابن ملجم وأنّه كان فارسياً؟! أليس هو مِن مراد إحدى القبائل

__________________

(١) الصراع بين الموالي والعرب / ٣٢ ـ ٣٣.

١٠٣

العربية التي كانت تقطن في الكوفة؟! وعلّق الدكتور نوري جعفر على هذا الرأي بقوله : ومَنْ يدري! فلعلّ حبّ الفرس لعلي هو الذي جعل هؤلاء الكتّاب يبغضونهم ، ويكيلون لهم التهم بغير حساب(١) .

اشتراكُ الاُمويِّين في المؤامرة :

وذكر المؤرّخون هذا الحادث الخطير بشيء كثير مِن التحفّظ ، فلمْ يكشفوا النقاب عن أبعاده ، والذي نراه في كثير مِن الترجيح أنّ المؤامرة لمْ تكن مقتصرة على الخوارج ، وإنّما كان للحزب الاُموي ضلع كبير فيها ، والذي يدعم ذلك ما يلي :

١ ـ أنّ أبا الأسود الدؤلي ألقى تبعة مقتل الإمام (عليه السّلام) على بني اُميّة ، وذلك في مقطوعته التي رثا بها الإمام (عليه السّلام) ، فقد جاء فيها :

ألا أبلغ معاويةَ بنَ حربٍ

فلا قرّت عيونُ الشامتينا

أفي شهر الصيامِ فجعتمونا

بخيرِ الناس طُرّاً أجمعينا

قتلتُمْ خيرَ مَنْ ركب المطايا

ورحّلها ومَنْ ركب السفينا(٢)

ومعنى هذه الأبيات أنّ معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الإمام (عليه السّلام) ، الذي هو خير الناس ، فهو مسؤول عن إراقة دمه. ومِن الطبيعي أنّ أبا الأسود لمْ ينسب هذه الجريمة لمعاوية إلاّ بعد التأكد منها ، فقد كان الرجل متحرّجاً أشدّ التحرّج فيما يقول.

٢ ـ أنّ القاضي نعمان المصري ، وهو مِن المؤرّخين القُدامى ، قد ذكر قولاً في أنّ معاوية هو الذي دسّ ابن ملجم لاغتيال الإمام (عليه السّلام) ، قال ما نصه :

__________________

(١) الصراع بين الموالي ومبادئ الإسلام / ١٠٣.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٩٨.

١٠٤

وقيل : إنّ معاوية عامَلَه ـ أي عامل ابن ملجم ـ على ذلك ـ أي على اغتيال الإمام (عليه السّلام) ـ ودسّ إليه فيه ، وجعل له مالاً عليه(١) .

٣ ـ وممّا يؤكد اشتراك الحزب الاُموي في المؤامرة هو أنّ الأشعث بن قيس قد ساند ابن ملجم ، ورافقه أثناء عملية الاغتيال ، فقد قال له : النجا فقد فضحك الصبح. ولمّا سمعه حِجْر بن عدي صاح به : قتلته يا أعور! وكان الأشعث مِن أقوى العناصر المؤيدة للحزب الاُموي ، فهو الذي أرغم الإمام (عليه السّلام) على قبول التحكيم ، وهدّد الإمام (عليه السّلام) بالقتل قبل قتله بزمان قليل ، كما كان عيناً لمعاوية بالكوفة.

إنّ المؤامرة ـ كما يقول الرواة ـ قد أُحيطت بكثير مِن السرّ والكتمان ، فما الذي أوجب فهم الأشعث ودعمه لها لولا الإيعاز إليه مِن الخارج؟!

٤ ـ إنّ مؤتمر الخوارج قد انعقد في مكة أيّام موسم الحجّ ، وهي حافلة ـ مِن دون شك ـ بالكثيرين مِن أعضاء الحزب الاُموي الذين نزحوا إلى مكة لإشاعة الكراهية والنقمة على حكومة الإمام (عليه السّلام) ، وأغلب الظنّ أنّهم تعرّفوا على الخوارج الذين كانوا مِن أعدى الناس للإمام (عليه السّلام) ، فقاموا بالدعم الكامل لهم على اغتيال الإمام (عليه السّلام).

وممّا يساعد على ذلك أنّ الخوارج بعد انقضاء الموسم أقاموا بمكة إلى رجب ، فاعتمروا في البيت ، ثمّ نزحوا إلى تنفيذ مخططهم ، فمِن المحتمل أنْ يكونوا في طيلة هذه المدّة على اتصال دائم مع الحزب الاُموي ، وسائر الأحزاب الاُخرى المناهضة لحكم الإمام (عليه السّلام).

٥ ـ والذي يدعو إلى الاطمئنان في أنّ الحزب الاُموي كان له الضلع الكبير في هذه المؤامرة ، هو أنّ ابن ملجم كان معلّماً للقرآن(٢) ،

__________________

(١) المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري / ٩٨ ، مِن مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم.

(٢) لسان ميزان ٣ / ٤٤٠.

١٠٥

وكان يأخذ رزقه مِن بيت المال ، ولمْ تكن عنده أيّة سعة مالية ، فمِنْ أين له الأموال التي اشترى بها سيفه ـ الذي اغتال به الإمام (عليه السّلام) ـ بألف وسمّه بألف؟! ومِنْ أين له الأموال التي أعطاها مهراً لقطام ، وهو ثلاثة آلاف وعبد وقَينة؟! كلّ ذلك يدعو إلى الظنّ أنّه تلقّى دعماً مالياً مِن الاُمويِّين إزاء قيامه باغتيال الإمام (عليه السّلام).

٦ ـ وممّا يؤكد أنّ ابن ملجم كان عميلاً للحزب الاُموي هو أنّه كان على اتصال وثيق بعمرو بن العاص ، وزميلاً له منذ عهدٍ بعيدٍ ؛ فإنّه لمّا فتح ابن العاص مصر كان ابن ملجم معه ، وكان أثيراً عنده ، فقد أمره بالنزول بالقرب منه(١) .

وأكبر الظنّ أنّه أحاط ابن العاص علماً بما اتفق عليه مع زميليه مِن عملية الاغتيال له وللإمام (عليه السّلام) ومعاوية ؛ ولذا لمْ يخرج ابن العاص إلى الصلاة ، وإنّما استناب غيره ، فلم تكن نجاته وليدة مصادفة ، وإنّما جاءت وليدة مؤامرة حيكت اُصولها مع ابن العاص.

هذه بعض الاُمور التي توجب الظنّ باشتراك الحزب الاُموي في تدبير المؤامرة ودعمها.

اغتيالُ الإمام (عليه السّلام) :

وأطلّ على المسلمين شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن ، وقد كان الإمام (عليه السّلام) على يقين بانتقاله إلى حظيرة القدس في بحر هذا الشهر العظيم ، فكان يجهد نفسه ويرهقها على أنْ يفطر على خبز الشعير وجريش الملح ، وأنْ لا يزيد على ثلاث لقم ـ حسب ما يقوله المؤرّخون ـ ، وكان يُحيي ليالي هذا الشهر بالعبادة.

ولمّا أقبلت ليلة الثامن عشر أحس الإمام (عليه السّلام) بنزول الرزء القاصم ،

__________________

(١) لسان ميزان ٣ / ٤٤٠.

١٠٦

فكان برماً تساوره الهموم والأحزان ، وجعل يتأمل في الكواكب ، وهي مرتعشة الضوء كأنّها ترسل أشعة حزنها إلى الأرض ، وطفق يقول :

«ما كذبتُ ولا كُذّبت ، إنّها الليلة التي وُعِدْتُ فيها».

وأنفق الإمام (عليه السّلام) ليله ساهراً ، وقد راودته ذكريات جهاده وعظيم عنائه في الإسلام ، وزاد وجيبه وشوقه لملاقاة ابن عمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ ليشكو إليه ما عاناه مِن أُمّته مِن الأود. وتوجّه الإمام (عليه السّلام) بمشاعره وعواطفه إلى الله يطلب منه الفوز والرضوان ، وقبل أنْ تشرق أنوار ذلك الفجر ـ الذي دام في ظلامه على البؤساء والمحرومين ـ انطلق الإمام (عليه السّلام) فأسبغ الوضوء ، وتهيّأ إلى الخروج مِن البيت ، فصاحت في وجهه وزّ ، كأنّها صاحب ملتاعة حزينة ، تُنذر بالخطر العظيم الذي سيدهم أرض العرب والمسلمين.

وتنبّأ الإمام مِن لوعتهن بنزول القضاء ، فقال : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، صوائح تتبعها نوائح»(١) . وخرج الإمام (عليه السّلام) إلى بيت الله ، فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله ، ثمّ شرع في صلاته ، وبينما هو ماثل بين يدي الله وذكره على شفتيه إذ هوى عليه المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم ، وهو يهتف بشعار الخوارج : (الحكم لله لا لك) ، فعلا رأس الإمام (عليه السّلام) بالسيف فقدّ جبهته الشريفة التي طالما عفّرها بالسجود لله ، وانتهت الضربة الغادرة إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر فيه إلاّ في سعادة الناس ، وجمعهم على صعيد الحقّ. ولمّا أحسّ الإمام (عليه السّلام) بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة ، وانطلق صوته يدوّي في رحاب الجامع قائلاً : «فزتُ وربِّ الكعبة».

لقد كنتَ يا أمير المؤمنين أوّل الفائزين ، وأعظم الرابحين

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢٩١.

١٠٧

بمرضاة الله ، فقد سايرتَ الحقّ منذ نعومة أظفارك ، فلمْ تداهن في دينك ، ولمْ تؤثر رضا أحدٍ على طاعة الله ، قد جاهدتَ وناضلتَ مِن أجل أنْ تعلو كلمة الله في الأرض ، ووقيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بنفسك ومُهجتك. لقد فزتَ ، وانتصرتْ مبادئك ، وبقيتَ أنت وحدك حديث الدهر بما تركته مِن سيرةٍ مشرقةٍ أضاءت سماء الدنيا ، وغذّت الأجيال بجوهر الحقّ والعدل.

وخفّ الناس مسرعين إلى الجامع حينما أُذيعَ مقتل الإمام (عليه السّلام) ، فوجدوه طريحاً في محرابه وهو يلهج بذكر الله ، قد نزف دمه. ثمّ حُمل إلى داره والناس تعجّ بالبكاء ، وهم يهتفون ـ بذوب الروح ـ : قُتلَ إمام الحقّ والعدل! قُتِلَ أبو الضعفاء وأخو الغرباء! واستقبلته عائلته بالصراخ ، فأمرهنَّ (عليه السّلام) بالخلود إلى الصبر. وغرق الإمام الحسن (عليه السّلام) بالبكاء ، فالتفت إليه الإمام (عليه السّلام) قائلاً : «يا بُني ، لا تبكِ فأنت تُقْتَلُ بالسمّ ، ويُقْتَلُ أخوك الحُسين بالسيف». وتحقّق تنبّؤ الإمام (عليه السّلام) ، فلمْ تمضِ حفنةٌ مِن السنين وإذا بالحسن (عليه السّلام) اغتاله معاوية بالسمّ فذابت أحشاؤه ، وأمّا الحُسين (عليه السّلام) فتناهبت جسمه السيوف والرماح ، وتقطّعت أوصاله على صعيد كربلاء.

ويقول المؤرّخون : إنّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) لمْ يكن حاضراً بالكوفة حينما اغتيل أبوه ، وإنّما كان في معسكر النخيلة قائداً لفرقة مِن الجيش الذي أعدّه الإمام (عليه السّلام) لمناجزة معاوية ، وقد أرسل إليه الإمام الحسن (عليه السّلام) رسولاً يعرّفه بما جرى على أبيه ، فقفل راجعاً إلى الكوفة وهو غارق بالأسى والشجون ، فوجد أباه على حافّة الموت ، فألقى بنفسه عليه يوسعه تقبيلاً ، ودموعه تتبلور على خديه.

١٠٨

وأخذ الإمام العظيم يوصي أولاده بالمُثل الكريمة والقيم الإنسانية ، وعهد إليهم أنْ لا يقتلوا غير قاتله ، وأنْ لا يتّخذوا مِنْ قتله سبباً لإثارة الفتنة وإراقة الدماء بين المسلمين ، كما فعل بنو اُميّة حينما قُتِلَ عميدهم عثمان.

الى رفيق الاعلى :

وأخذ الإمام (عليه السّلام) يعاني آلام الاحتضار وهو يتلو آيات الذكر الحكيم ، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى : «لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ». ثمّ فاضت روحه الزكية تحفّها ملائكة الرحمن ، فمادت أركان العدل في الأرض ، وانطمست معالم الدين. لقد مات ملاذ المنكوبين والمحرومين ، الذي جهد نفسه أنْ يقيم في ربوع هذا الكون دولة تكتسح الإثرة والاستغلال ، وتقيم العدل والحقّ بين الناس.

وقام سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بتجهيز أبيهما ، فغسّلا جسده الطاهر وأدرجاه في أكفانه ، وفي الهزيع الأخير مِن الليل حملوه إلى مقرّه الأخير فدفنوه في النجف الأشرف ، وقد واروا معه العدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية لمّا وافاه النبأ بمقتل الإمام (عليه السّلام) فرح ، واتّخذ يوم قتله عيداً رسمياً في دمشق ، فقد تمّت بوارق آماله ، وتمّ له اتّخاذ المُلْك وسيلة لاستعباد المسلمين ، وإرغامهم على ما يكرهون.

متاركُ حكومة الإمام (عليه السّلام) :

وتركت حكومة الإمام (عليه السّلام) آثاراً بالغة الأهميّة والخطورة في المجتمع الإسلامي ، ولعلّ مِن أهمها ما يلي :

١٠٩

١ ـ أنّها أبرزت الواقع الإسلامي بجميع طاقاته في عالم السياسة والحكم ، فقد كان الإمام (عليه السّلام) يهدف في حكمه إلى إزالة الفوارق الاجتماعية بين الناس ، وتحقيق الفرض المتكافئة بينهم على اختلاف قومياتهم وأديانهم ، ومعاملة جميع الطوائف بروح المساواة والعدالة فيما بينهم مِن دون أنْ تتمتّع أي طائفة بامتيازٍ خاصٍ. وقد أوجدت هذه السياسة للإمام (عليه السّلام) رصيداً شعبياً هائلاً ، فقد ظلّ علي (عليه السّلام) قائماً في قلوب الجماهير الشعبية بما تركه مِنْ صنوف العدل والمساواة ، وقد هام بحبّه الأحرار ، ونظروا إليه كأعظم مصلح اجتماعي في الأرض ، وقدّموه على جميع أعلام تلك العصور.

يقول أيمن بن خريم الأسدي مخاطباً بني هاشم ، وعلى رأسهم الإمام (عليه السّلام) :

أأجعلُكمْ وأقواماً سواءً

وبينكُمُ وبينهمُ الهواءُ

وهمْ أرضٌ لأرجلِكُمْ وأنتمْ

لأرؤوسِهمْ وأعينِهم سماءُ(١)

٢ ـ أنّ مبادئ الإمام (عليه السّلام) وآراءه النيّرة ظلّت تطارد الاُمويِّين وتلاحقهم في قصورهم ، فكانوا ينظرون إليها شبحاً مُخيفاً يُهدّد سلطانهم ، ممّا جعلهم يفرضون سبّه على المنابر ؛ للحطّ مِن شأنه ، وصرْف الناس عن قِيَمه ومبادِئه.

٣ ـ أنّ حكومة الإمام (عليه السّلام) التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية الكبرى قد جرّت لأبنائه كثيراً مِن المشاكل والمصاعب ، وألحقت بهم التنكيل والقتل مِن حكّام عصرهم ، وقد تنبّأ النّبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، فقد روى أبو جعفر الإسكافي أنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السّلام) فوجد عليّاً (عليه السّلام) نائماً ، فذهبت لتوقظه ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : «دعيه ، فرُبّ سهرٍ له بعدي طويل ، ورُبّ جفوةٍ لأهل بيتي مِنْ أجله». فبكت فاطمة (عليها السّلام) ، فقال لها : «لا تبكي فإنّه معي ، وفي موقف الكرامة عندي»(٢) .

__________________

(١) الأغاني ١ / ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧.

١١٠

لقد أمعن الحكم الاُموي والعباسي في ظلم أبناء الإمام (عليه السّلام) ؛ لأنّهم تبنَّوا حقوق المظلومين والمضطهدين ، وتبنَّوا المبادئ العليا التي رفع شعارها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فناضلوا كأشدّ ما يكون النضال في سبيل تحقيقها على مسرح الحياة.

وكان مِن أشدّ أبناء الإمام (عليه السّلام) حماساً واندفاعاً في حماية مبادئ أبيه الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد انطلق إلى ساحات الجهاد عازماً على الموت ، آيساً مِن الحياة ؛ ليحمي مبادئ جدّه وأبيه ، ويرفع راية الإسلام عاليةً خفّاقة ، وينكّس أعلام الشرك والإلحاد ، ويحطّم قيود العبودية والذلّ.

٤ ـ أوجد الإمام (عليه السّلام) في أثناء حكمه القصير وعياً أصيلاً في مقارعة الظلم ومناهضة الجور ، فقد هبّ في وجه الحكم الاُموي أعلام أصحابه كحِجْر بن عدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وعبد الله بن عفيف الأزدي وأمثالهم مِن الذين تربّوا بهدي الإمام (عليه السّلام) ، فدوّخوا اُولئك الظالمين بثورات متلاحقة أطاحت بزهوهم وجبروتهم. لقد كان حكم الإمام (عليه السّلام) ـ حقّاً ـ مدرسة للنضال والثورة ، ومدرسة لبث الوعي الديني والإدراك الاجتماعي ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مخلّفات حكومة الإمام (عليه السّلام).

خلافةُ الحسن (عليه السّلام) :

وتقلّد الإمام الحسن (عليه السّلام) أزمة الخلافة الإسلامية بعد أبيه ، فتسلّم قيادة حكومة شكلية عصفت بها الفتن ، ومزّقت جيشها الحروب والأحزاب ، ولمْ تَعُدْ هناك أيّة قاعدة شعبية تستند إليها الدولة ، فقد كان الاتّجاه العام الذي يمثّله الوجوه والأشراف مع معاوية ، فقد كانوا على اتصال وثيق به قبل مقتل الإمام (عليه السّلام) وبعده ، كما كان لهم الدور الكبير في إفساد جيش الإمام (عليه السّلام) حينما مُنِيَ جيش معاوية بالهزيمة والفِرار. وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الإمام الحسن (عليه السّلام)

١١١

بعد أنْ تقلّد الخلافة أخذ يتهيّأ للحرب ، وقد أمر بعقد اجتماع عام في جامع الكوفة ، وقد حضرته القوات المسلّحة وغيرها ، وألقى الإمام (عليه السّلام) خطاباً رائعاً ومؤثراً دعا فيه إلى تلاحم القوى ووحدة الصف ، وحذّر فيه مِن الدعايات التي تبثّها أجهزة الحكم الاُموي ، ثمّ ندب الناس لحرب معاوية ، فلمّا سمعوا ذلك وجلت قلوبهم وكُمّتْ أفواههم ، ولمْ يستجب منهم أحد سوى البطل المُلهم عَدِي بن حاتم ، فانبرى يُعلن دعمه الكامل للإمام (عليه السّلام) ، ووجّه أعنف اللوم والتقريع لأهل الكوفة على موقفهم الانهزامي ، واستبان للإمام وغيره أنّ جيشه لا يريد الحرب ، فقد خلع يد الطاعة ، وانساب في ميادين العصيان والتمرّد.

وبعد جهود مكثّفة قام بها بعض المخلصين للإمام (عليه السّلام) نفر للحرب أخلاط مِن الناس ـ على حدّ تعبير الشيخ المُفيد ـ كان أكثرهم مِن الخوارج والشكّاكين وذوي الأطماع ، وهذه العناصر لمْ تؤمن بقضية الإمام (عليه السّلام) ، وقد تطعّمت بالخيانة والغدر.

ويقول الرواة : إنّ الإمام (عليه السّلام) أسند مقدمة قيادة جيشه لعبيد الله بن العباس ـ الذي وتره معاوية بابنيه ـ ليكون ذلك داعية إخلاص له ، وحينما التقى جيشه بجيش معاوية مدّ إليه معاوية أسلاك مكره ، فمنّاه بمليون درهم يدفع نصفه في الوقت ، والنصف الآخر إذا التحقّ به(١) . وسال لعاب عبيد الله فاستجاب لدنيا معاوية ، ومال عن الحقّ ، فالتحق بمعسكر الظلم والجور ومعه ثمانية آلاف مِن الجيش(٢) ، غير حافل بالخيانة والعار ، ولا بالأضرار الفظيعة التي ألحقها بجيش ابن عمّه ؛ فقد تفلّلت جميع وحداته وقواعده.

ولمْ تقتصر الخيانة على عبيد الله ، وإنّما خان غيره مِن كبار قادة ذلك

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ / ٢٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩١.

١١٢

الجيش فالتحقوا بمعاوية ، وتركوا الإمام (عليه السّلام) في أرباض ذلك الجيش المنهزم يصعد آهاته وآلامه. ولمْ تقتصر محنة الإمام (عليه السّلام) وبلاؤه في جيشه على خيانة قادة فرقه ، وإنّما تجاوز بلاؤه إلى ما هو أعظم مِن ذلك ، فقد قامت فصائل مِن ذلك الجيش بأعمال رهيبة بالغة الخطورة ، وهي :

١ ـ الاعتداء على الإمام (عليه السّلام).

وقام الرجس الخبيث الجرّاح بن سنان بالاعتداء على الإمام (عليه السّلام) ، فطعنه في فخذه بمغول(١) ، فهوى الإمام (عليه السّلام) جريحاً ، وحُمِلَ إلى المواني لمعالجة جرحه(٢) ، وطعنه شخص آخر بخنجر في أثناء الصلاة(٣) ، كما رماه شخص بسهم في أثناء الصلاة إلاّ أنّه لمْ يؤثّر فيه شيئاً(٤) ، وأيقن الإمام (عليه السّلام) أنّ أهل الكوفة جادون في قتله واغتياله.

٢ ـ الحكم عليه بالكفر.

وأُصيب ذلك الجيش بدينه وعقيدته ، فقد رموا حفيد نبيّهم وريحانته بالكفر والمروق مِن الدين ، فقد جابهه الجرّاح بن سنان رافعاً عقيرته ، قائلاً : أشركت يا حسن كما أشرك أبوك(٥) . وكان هذا رأي جميع الخوارج الذين كانوا يمثّلون الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش.

٣ ـ الخيانة العظمى.

والخيانة العظمى التي قام بها بعض زعماء ذلك الجيش أنّهم راسلوا

__________________

(١) المغول : آلة تشبه السيف.

(٢) الإرشاد / ١٧٠.

(٣) و (٤) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٥.

(٥) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٣.

١١٣

معاوية ، وضمنوا له تسليم الإمام (عليه السّلام) أسيراً ، أو اغتياله متى رغب وشاء(١) ، وأقضَّ ذلك مضجع الإمام (عليه السّلام) ، فخاف أنْ يؤسر ويُسلّم إلى معاوية فيمنّ عليه ، ويسجّل بذلك يداً لبني اُميّة على الأُسرة النّبوية ، كما كان (عليه السّلام) يتحدّث بذلك بعد إبرام الصلح.

٤ ـ نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام).

وعمد أجلاف أهل الكوفة إلى نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) وأجهزته ، فنزعوا بساطاً كان جالساً عليه ، كما سلبوا منه رداءه(٢) .

هذه بعض الأحداث الرهيبة التي قام بها ذلك الجيش الذي تمرّس في الخيانة والغدر.

الصلحُ :

ووقف الإمام الحسن (عليه السّلام) مِن هذه الفتن السود موقف الحازم اليقظ ، الذي تمثّلت فيه الحكمة بجميع رحابها ومفاهيمها ، فرأى أنّه أمام أمرين :

١ ـ أنْ يفتح باب الحرب مع معاوية ، وهو على يقين لا يخامره أدنى شك أنّ الغلبة ستكون لمعاوية ؛ فإمّا أنْ يُقتل هو وأصحابه وأهل بيته الذين يمثّلون القيم الإسلامية ، ويخسر الإسلام بتضحيتهم قادته ودعاته مِن دون أنْ تستفيد القضية الإسلامية أيّ شيء ؛ فإنّ معاوية بحسب قابلياته الدبلوماسية يحمّل المسؤولية على الإمام (عليه السّلام) ، ويُلقي على تضحيته ألف حجاب ، أو أنّه يؤسر فيمنّ عليه معاوية فتكون سيئة على بني هاشم ، وفخراً لبني اُميّة.

٢ ـ أنْ يصالح معاوية فيحفظ للإسلام رجاله ودعاته ، ويبرز في

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي.

١١٤

صلحه واقع معاوية ، ويكشف عنه ذلك الستار الصفيق الذي تستّر به ، وقد اختار (عليه السّلام) هذا الأمر على ما فيه مِن قذى في العين ، وشجى في الحلق.

ويقول المؤرّخون : إنّه جمع جيشه فعرض عليهم الحرب أو السلم ، فتعالت الأصوات مِن كلّ جانب وهم ينادون : البقيّة البقيّة(١) .

لقد استجابوا للذلّ ورضوا بالهوان ومالوا عن الحقّ ، وقد أيقن الإمام (عليه السّلام) أنّهم قد فقدوا الشعور والإحساس ، وأنّه ليس بالمستطاع أنْ يحملهم على الطاعة ويكرههم على الحرب ، فاستجاب ـ على كره ومرارة ـ إلى الصلح.

لقد كان الصلح أمراً ضرورياً يحتّمه الشرع ، ويلزم به العقل ، وتقضي به الظروف الاجتماعية الملبدة بالمشاكل السياسية ؛ فإنّ مِن المؤكد أنّه لو فتح باب الحرب لمُنِيَ جيشه بالهزيمة ، ومُنِيَت الأُمّة مِن جرّاء ذلك بكارثة لا حدّ لأبعادها.

أمّا كيفية الصلح وشروطه وأسبابه ، وزيف الناقدين له فقد تحدّثنا عنها بالتفضيل في كتابنا حياة الإمام الحسن (عليه السّلام).

موقفُ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

والشيء المحقّق أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قد تجاوب فكرياً مع أخيه في أمر الصلح ، وأنّه تمّ باتفاقٍ بينهما ، فقد كانت الأوضاع الراهنة تقضي بضرورته ، وأنّه لا بدّ منه.

وهناك بعض الروايات الموضوعة تعاكس ما ذكرناه ، وأنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) كان كارهاً للصلح ، وقد همّ أنْ يعارضه فأنذره أخوه

__________________

(١) حماة الإسلام ١ / ١٢٣ ، المجتنى لابن دريد / ٣٦.

١١٥

بأنْ يقذفه في بيت فيطيّنه عليه حتّى يتمّ أمر الصلح ، فرأى أنّ مِن الوفاء لأخيه أنْ يطيعه ولا يخالف له أمراً ، فأجابه إلى ذلك. وقد دلّلنا على افتعال ذلك وعدم صحته إطلاقاً في كتابنا حياة الإمام الحسن (عليه السّلام).

عدي بن حاتم مع الحسين (عليه السّلام) :

ولمّا أُبرم أمر الصلح خفّ عدي بن حاتم ومعه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) وقلبه يلتهب ناراً ، فدعا الإمامَ إلى إثارة الحرب قائلاً : يا أبا عبد الله ، شريتم الذلّ بالعزّ ، وقبلتم القليل وتركتم الكثير! أطعنا اليوم واعصنا الدهر ؛ دع الحسن وما رأى مِن هذا الصلح ، واجمع إليك شيعتك مِن أهل الكوفة وغيرها ، وولّني وصاحبي هذه المقدمة ، فلا يشعر ابن هند إلاّ ونحن نقارعه بالسيوف.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «إنّا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا»(١) . ولو كان الحسين (عليه السّلام) يرى مجالاً للتغلّب على الأحداث لخاض الحرب وناجز معاوية ، ولكنْ قد سُدّتْ عليه وعلى أخيه جميع النوافذ والسبل ، فرؤوا أنّه لا طريق لهم إلاّ الصلح.

تحوّلُ الخلافة :

وتحوّلت الخلافة الإسلاميّة مِن طاقتها الأصيلة ومفاهيمها البنّاءة إلى مُلْكٍ عضوض مستبد ، لا ظل فيه للعدل ، ولا شبح فيه للحقّ ؛ قد تسلّطت الطغمة

__________________

(١) الأخبار الطوال / ٢٠٣.

١١٦

الحاكمة مِن بني أُميّة على الأُمّة ، وهي تمعن في إذلالها ونهب ثرواتها وإرغامها على العبودية. يقول بعض الكتّاب : ونجمَ عن زوال الخلافة الراشدة وانتقال الخلافة إلى بني أُميّة نتائج كبيرة ، فقد انتصرت اُسرة بني أُميّة على الاُسرة الهاشميّة ، وهذا كان معناه انتصار الأرستقراطية القرشية وأصحاب رؤوس المال والمضاربات التجارية على أصحاب المبادئ والمُثل.

لقد كان نصر معاوية هزيمة لكلّ الجهود التي بُذلت للحدّ مِن طغيان الرأسمالية القرشية ، هزيمة لحلف الفضول ، وهزيمة للدوافع المباشرة لقيام الإسلام وحربه على الاستغلال والظلم ، هزيمة للمُثل والمبادئ ، ونجاح للحنكة والسياسة المدعومة بالتجربة والمال ، ولقد كان لهذه الهزيمة وقع مفجع على الإسلام وأجيال المسلمين.

ويقول نيكلسون : واعتبر المسلمون انتصار بني أُميّة وعلى رأسها معاوية ، انتصاراً للأرستقراطية والوثنية التي ناصبت الرسول وأصحابه العداء ، والتي جاهدها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى قضى عليها ، وصبر معه المسلمون على جهادها ومقاومتها حتّى نصرهم الله ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام ، ذلك الدين السمح الذي جعل الناس سواسية في السّراء والضرّاء ، وأزال سيادة رهطٍ كانوا يحتقرون الفقراء ، ويستذلون الضعفاء ، ويبتزّون الأموال.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد فُجع العالم الإسلامي بعد الصلح بكارثة كبرى ، فخرج مِن عالم الدعة والأمن والاستقرار إلى عالم مليء بالظلم والجور ؛ فقد أسرع الاُمويّون بعد أنْ استتب لهم الأمر إلى الاستبداد بشؤون المسلمين ، وإرغامهم على ما يكرهون.

وعانى الكوفيّون مِن الظلم ما لم يعانه غيرهم ؛ فقد أخذت

١١٧

السلطة تحاسبهم حساباً عسيراً على وقوفهم مع الإمام (عليه السّلام) في أيّام صفين ، وعهدت في شؤونهم إلى الجلادين أمثال المغيرة بن شعبة ، وزياد بن أبيه ، فصبّوا عليهم وابلاً مِن العذاب الأليم ، وأخذ الكوفيّون يندبون حظهم التعيس على ما اقترفوه من عظيم الإثم في خذلانهم للإمام أمير المؤمنين وولده الحسن (عليهما السّلام) ، وجعلوا يلحّون على الإمام الحسين (عليه السّلام) بوفودهم ورسائلهم لينقذهم مِن ظلم الاُمويِّين وجورهم. إلاّ أنّ مِن المدهش حقّاً أنّه لمّا استجاب لهم شهروا في وجهه السّيوف ، وقطّعوا أوصاله وأوصال أبنائه على صعيد كربلاء وبهذا ينتهي بنا المطاف عن اُفول دولة الحقّ.

١١٨

حكومةُ معاوية

١١٩
١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لأهداف عليا.

وبعبارة اُخرى : إنَّ الافعال الخارقة للعادة ليست ظواهر عارية عن العلل ، بل إنَّ علتها غير طبيعيّة ، وافتقاد العلة الطبيعية ( وخاصة العلة الطبيعية غير المعروفة ) ليس دليلا على افتقاد مطلق العلة.

والخلاصة ؛ إن قوانين الخلقة ليست بحيث لا يمكن تبدُّلها ، وتغيّرها بارادة بارئها وخالقها.

إنهم يقولون : إنَّ جميع خوارق العادة ، وجميع أفعال الأنبياء العجيبة الّتي تتصف بصفة الاعجاز ، والخارجة عن اطار القوانين الطبيعية ، تتحقق من هذه الزاوية.

إنَّ هذا الفريق من الناس لا يسمَحُون لأنفسهم بان يرفضوا الأعمال الخارقة للعادة ، والكرامات الّتي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، والاحاديث ، أو وردت في المصادر التاريخية الصحيحة المعتبرة ، أو يكشوا فيها بحجة أنها لا توافق الموازين الطبيعية ، والقوانين العلمية.

وها نحن نشير إلى قضيتين عجيبتين وقعتا في فترة الطفولة من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع اخذ ما قلناه بنظر الاعتبار لا يبقى أي مجال للترديد ، أو الاستبعاد :

١ ـ لقد نقَلَ المؤرخون عن « حليمة السعدية » قولها بأنها لمّا تكفلَّت إرضاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادت أن ترضعه في محضر اُمّها ، ففتحت جيبها وأخرجت ثديها الايسر ، وأخذت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجرها ، ووضعت ثديها في فمه ، فترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثديها ، ومالَ إلى ثديها الأيمن ، فاخذت « حليمة » ثديها الأيمن من يد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعت ثديها الأيسر في فمه وذلك أنَّ ثديها الأيمن كان جهاماً ( أي خالياً من اللبن ولم يكن يدرُّ به ) ، وخافت ( حليمة ) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مصَّ الثدي ولم يجد فيه شيئاً لا يأخذ ـ بعده ـ الأيسر. ولكن النبيّ أصرَّ على أخذ الثدي الأيمن ، فلمّا مصَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأيمن امتلأ فانفتح حتّى ملأ شدقيه

٢٢١

فادهش الجميع ذلك(١) .

٢ ـ وتقول « حليمة » أيضاً : إن البوادي أجدبت وحملنا الجُهد على دخول البلد ، فدخلتُ مكة مع نساء بني سعد فأخذتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرفنا به البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتّى أثرينا ، وكثرت مواشينا ، وأموالنا(٢) .

إنَّ مَن المسلم أنَّ حكم الماديين ، أومن يحذو حذوهم ويتبع منهجهم في هذه المسائل يختلف عن حكم المؤمنين باللّه.

فان أتباع المنهج المادي إذ عجزوا عن تفسير هذا النوع من القضايا من زاوية العلوم الطبيعية ، نجدهم يبادرون إلى اعتبار هذه الحوادث من نسج الخيال ، ومن ولائد الاوهام ، واما إذا كانوا اكثر تأدباً لقالوا : إن رسول الإسلام ليس بحاجة إلى امثال هذه المعاجز :

ونحن نقول : لا نقاش في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غني عن هذه المعاجز إلاّ أن عدم الحاجة شيء ، والحكم بصحة هذه الاُمور أو بطلانها شيء آخر.

وأما المؤمن باللّه الّذي يردُّ النظام الطبيعي ، إلى مشيئة اللّه خالق الكون وارادته العليا ، ويعتقد بأن كل الحركات والظواهر في العالم الطبيعي من اصغر اجزائه ( الذرة ) إلى اكبر موجوداته ( المجرة ) يجري تحت تدبيره ، ونظارته ، فانه بعد التحقق من مصادر هذه الحوادث والتأكد من وقوعها ينظر إليها بنظر الاحترام ، وأمّا إذا لم يطمئن إليها لم يرفضها رفضاً قاطعاً.

ولقد ورد في القرآن الكريم نظائر عديدة لهذه القصة حول « مريم » اُم عيسى فالقرآن يخبرنا عن تساقط الرطب الجَنيّ من جذع النخلة اليابسة كرامة لوالدة المسيح عندما لجأت إليه مريم عند المخاض إذ يقول : « ...ألاّ تَحزَني قَدْ جَعلَ رَبُّكِ تَحتك سَريّاً. وَهُزِّي إليْكِ بِجذْع النَخلةِ تُساقِط عَليْك رُطباً جَنِيّاً »(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

٢ ـ المناقب لابن شهراشوب : ج ١ ، ص ٢٤.

٣ ـ مريم : ٢٤ و ٢٥.

٢٢٢

إنه وان كان الفرق بين « مريم » و « حليمة » شاسعاً وكبيراً من حيث الملكات الفاضلة والمكانة ، والمنزلة ، إلاّ أن منزلة « مريم »عليها‌السلام لو استوجبت مثل هذا اللطف الالهي ، ففي المقام استوجب نفسُ مقام الوليد العظيم ، ومكانته عند اللّه تعالى أن تشمله العناية الالهية.

كما انه قد جاء في القرآن الكريم حول مريمعليها‌السلام امور اُخرى مشابهة.

ان عصمة هذه المرأة الطاهرة ، وتقاها وطهرها البالغ كانت بحيث أن « زكريا » كلّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً ، فاذا سألها : مِن أينَ لكِ هذا قالت : هو مِنْ عِند اللّه؟(١) .

وَعلى هذا الأساس يجب أن لا نتردَّد ولا نسمح لانفسنا بأن نشك في مثل هذه الكرامات ، أو نستبعدها.

خَمسَةُ أعوام في الصَحْراء :

أمضى وليدُ « عبد المطلب » في قبيلة « بني سعد » مدة خمسة أعوام ، بلغ فيها أشده.

وخلالَ هذه المدة اخذته « حليمة » إلى اُمّه مرتين أو ثلاث ، وقد سلّمته إلى اُمه في آخر مرة.

وكانت المرّة الاُولى من تلك المرات عند فطامه ، ولهذا السبب اتت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « حليمة » إلى مكة ولكنها عادت به إلى الصحراء باصرار منها ، وكان السبب وراء هذا الاصرار على اصطحابه معها إلى البادية هو أن هذا الوليد قد اصبح مبعث خير ورخاء ، وبركة في منطقتها ، وقد دفع شيوعُ مرض الوباء في « مكة » إلى أن تقبل امُّه الكريمة بهذا الطلب(٢) .

وأما المرةُ الثانيةُ من تلك المرات فكانت عندما قدم جماعة من نصارى

__________________

١ ـ «وَكَفَّلها زكريّا كُلَّما دَخلَ عَلَيْها زكَريّا المِحْرابَ وَجدَ عِنْدها رزْقاً قال يا مَريَمُ أنّى لَكِ هذا قالَتْ هُو مِنْ عِنْد اللّه » ( آل عمران : ٣٧ ).

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٤٠١.

٢٢٣

الحبشة إلى الحجاز ، فوقع نظرهم على محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « بني سعد » ، ووجدوا فيه جميع العلائم المذكورة في الكتب السماوية للنبي الّذي سيأتي بعد عيسى المسيحعليه‌السلام ، ولهذا عزموا على أخذه غيلة إلى بلادهم لما عرفوا ان له شأنا عظيماً ، لينالوا شرف احتضانه ويذهبوا بفخره(١) .

ولا مجال لاستبعاد هذه القضية لأن علائم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذُكِرَت في الانجيل حسب تصريح القرآن الكريم ، فلا يبعد أن علماء النصارى قد تعرّفوا في ذلك الوقت على النبيّ من العلائم الّتي قرأوها ودرسوها في كتبهم.

يقول القرآن الكريم في هذا المجال : «وَإذْ قالَ عِيْسى بْنُ مرْيَم يا بَني إسْرائيلَ إنّي رَسُولُ اللّه إليْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْن يَديَّ مِنَ التوْراة وَمُبشِّراً بِرَسُول يأتْي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أَحمَد فَلمّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبيْنٌ »(٢) .

ثمّ انّ في هذا الصعيد آياتٌ اُخر صرَّحت بجلاء بأن علائم رسول الإسلام في الكتب السماوية الماضية في وضوح ، ومن غير إبهام ، وأن الامم السابقة كانت على علم بهذا الأمر(٣) .

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٢ ـ الصف : ٦.

٣ ـ «الذين يتَّبِعُونَ الرسول النبيّ الاُميَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مكْتُوباً عِندَهُمْ في التوراة والإنْجيل » ( الأعراف : ١٥٧ ).

٢٢٤

٧

العَوْدة

إلى اَحضان العائلة

لقد خَلقَت يدُ القدرة الالهية كلَ فرد من أفراد النوع الانساني لأمر معين ، فهناك من خلق لا كتساب العلم والمعرفة ، وهناك من خُلقَ للاختراع والاكتشاف ، وثالثٌ خلق للسعي والعمل ، وبعض للتدبير والسياسة وفريق للتدريس والتربية وهكذا.

وإن المربِّين المخلصين الذين يهمّهم تقدم الأَفراد أو رقيّ مجتمعهم لا يعمدون إلى نَصب أحد في عمل من الاعمال ولا يعهدون إليه مسؤولية من المسؤوليات إلاّ بعد اختبار سليقته ومواهبه ، بغية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، إذ في غير هذه الحالة يتعرِّض المجتمع لضررين كبيرين : احدهما : أن لا يوكل إلى الفرد ما يستطيع القيام به ، والثاني : ان يبقى العمل الّذي قام به ناقصاً ، مبتوراً.

وقد قيل في المثل : لكل انسان موهبة ، والسعيد هو من اكتشف تلكم المواهب ، واصابها.

وقد ذكروا أن استاذاً كان ينصح تلميذاً له كسولا ، ويعدّد له مضارَّ الكسل والتواني ، ويصف له حال من ترك الاشتغال بالعلم ، وضيّع ربيع حياته في البطالة والغفلة.

وبينما الاستاذ ينصح تلميذه ـ وهو يسمع مواعظ اُستاذه ـ رأى تلميذه يرسم

٢٢٥

بقطعة من الجص صورة على المنضدة ، فادرك من فوره أن هذا الصبيّ لم يُخلق للدرس وتحصيل العلم ، بل خلقته يد القدرة للرسم ، فطلب منه أن يصطحب اباه إلى المدرسة في اليوم القادم ، ثم قال لوالد الصبيّ : إذا كان ولدك هذا كسولا في التعلم ، والتحصيل فانه يمتلك ذوقاً رفيعاً في الرسم ، ورغبة كبيرة في التصوير.

وقبل الوالد نصيحة المعلّم هذه ولم يمض زمانٌ طويل إلاّ وبرع الصبي وغدى قمة في هذا الفن ، بعد أن تابع هوايته بشغف وأكثر من ممارستها.

إن فترة الطفولة والصبا في حياة الأشخاص خير فرصة لأولياء الأطفال بأن يختبروا مواهب أبنائهم ، ويتعرفوا عليها من خلال تصرفاتهم ، وأفكارهم وردودهم ، لأن حركات الطفل وأقواله الجميلة والحلوة خير مرآة لما ينطوي عليه من مواهب وقابليات وصفات لوتوفرت لها ظروف التربية الصحيحة لأمكن الاستفادة منها على أفضل صورة ، وأحسن وجه.

إن مطالعة فاحصة لحياة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقواله وأفعاله إلى وقت البعثة المباكرة تُوقفنا على صورة كاملة لشخصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضح لنا أهدافه العليا ، على أن مطالعة صفحات الطفولة في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط لا تكشف لنا عن مستقبله المشرق ، بل ان دراسة الصورة الاجمالية لحياته وتاريخه إلى يوم مبعثه الشريف ، وإعلانه عن نبوَّته وقيادته للمجتمع ، تخبرنا عن ذلك المستقبل العظيم ، وبالتالي عن هذه الحقيقة وهي ان هذه الشخصية خُلِقَت لأيّ عمل ، وأن إدعاء الرسالة والقيادة له هل ينسجمُ مع سوابقه التاريخية أم لا؟؟

هل تُؤيّد تفاصيلُ حياتِه خلال أربعين سنة قبل الرسالة ، وهل تؤيّد أفعالُه واقوالُه ، وبالتالي : سلوكه مع الناس ومعاشرته الطويلة مع الآخرين رسالته أم لا؟؟

من هنا نعمدُ إلى عرض بعض الصفحات من حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ايامها وسنواتها الاولى.

٢٢٦

لقد حافظت مرضعةُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه خمس سنوات ، وقامت في هذه المدة برعاية شؤونه خير قيام ، وبالغت في كفالته والعناية به ، وفي خلال هذه المدة تعلّم النبي لغة العرب على احسن ما يكون ، حتّى انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفتخر بذلك في ما بعد إذ كان يقول :

أنا أعربكُمْ ( اي أفصحكم ) وارضعت في بني سعد »(١) .

ثم ان « حليمة » جاءت به إلى « مكة » ، وبقي عند امّه الحنون ردحاً من الزمن ، وفي كفالة جده العظيم : « عبد المطلب » ردحاً آخر منه ، وكان هو السلوة الوحيدة لاقاربه والبقية الباقية من ابيه : « عبد اللّه »(٢) .

سَفْرةٌ إلى يثرب :

منذ أن فقَدت كَنّة « عبد المطلب » وعروس ابنه : « آمنة » زوجها الشاب الكريم : « عبد اللّه » باتت تترقب الفرص لتذهب إلى « يثرب » وتزور قبر زوجها الحبيب الفقيد عن كثب ، وتزور اقاربها في يثرب في نفس الوقت.

وذات مرة فكَّرت بأن تلك الفرصة قد سنحت ، وأن ولدها « محمَّداً » قد كبُر ، ويمكنه أن يشاركها في حزنها ، فتهيأت هي واُمّ ايمن للسفر ، واتجهت نحو يثرب برفقه « محمَّد » ، ولبثت هناك شهراً.

ولقد انطوت ( وبالاحرى حملت ) هذه السفرة على بعض الآلام الروحية لوليد قريش « محمّد » لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيها ولأوّل مرة البيت الّذي توفي فيه والده العزيز ، ودفن(٣) وكانت والدته قد حدَّثته بامور عن والده إلى ذلك الحين.

وكانت لا تزال سحابةُ الحزن تخيّم على روحه الشريفة إذ فوجئ بحادثة مقرحة اُخرى ، وغشيه موج آخر من الحزن لأنه عند عودته إلى مكة فقد اُمّه

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٨٩.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٧.

٣ ـ كان البيت الّذي يضمّ قبر « عبد اللّه »عليه‌السلام لا يزال موجوداً حتّى قُبيل توسعة الدائرة حول المسجد النبوي الطاهر ، ولكنه اُزيل بحجّة إيجاد تلك التوسعة.

٢٢٧

العزيزة في اثناء الطريق في منطقة تدعى ب‍ « الابواء »(١) .

إنَ هذه الحادثة قد عزَّزتْ مكانة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشيرته اكثر فأكثر ، وجعلته يتمتع بمحبّة أزيد منهم ، فهو الزهرة الوحيدة من تلك الجنينة المباركة ، كما انه صار منذ ذلك الحين يتمتع بعناية أكبر من قبل جده « عبد المطلب » ولهذا كان يحبُّه اكثر من أبنائه ، بل ويؤثره عليهم جميعاً.

ومن ذلك أنه كان يُمدُّ في فناء الكعبة المعظمة بساطٌ لزعيم قريش « عبد المطلب » فيجلس هو عليه ويتحلَّقُ حوله وجوهُ قريش وسادتها وأولادُه فإذا وقَعت عيناه على بقية عبد اللّه « محمَّد » أمر بأن يُفرَّجَ له حتّى يتقدم نحوه ثم يُجلِسُه إلى جنبه على ذلك البساط المخصوص به(٢) .

ان القرآن الكريم يُذكّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفترة يتمه ويقول : «ألمَ يجدْكَ يتيماً فآوى ».

إن الحكمة وراءيتم وليد قريش ليست واضحة لنا تمام الوضوح ، ولكننا نعلم إجمالا بأن سيل هذه الحوادث المؤلمة احيانا ، والمزعجة احيانا اخرى لم يك خالياً عن حكمة معقولة ومصلحة رشيدة ، بيد أننا مع كل هذا يمكن لنا الحدس بأن اللّه تعالى أراد أن يذوق قائد العالم البشري ومعلمه ، وإمام الإنسانية وهاديها ـ وقبل ان يتسلم مهامه ، ويزاول مسؤولياته العظمى ويبدأ قيادته ـ حُلو الحياة ومرَّها ، ويجرِّب سراء العيش وضرّاءه ، حتّى تتهيَّأ لديه تلك الروحُ الكبرى الصبورة الصامدة ، ويدّخر من تلك الحوادث الصعبة تجارب ودروساً ، ويعدّ نفسه لمواجهة مسلسل الشدائد والمصاعب ، والمشاق والمتاعب الّتي كانت تنتظره في المستقبل.

وربما أراد اللّه تعالى أن لا تكون في عنق نبيِّه طاعة لأحد ، ولهذا انشأه حراً خلياً من كل قيد ، منذ الايام الاُولى من حياته ، يصنع نفسَه بنفسِه ويقيّض لها موجبات الرشد ، واسباب الرقيّ ليتضح أن نبوغَهُ ليس نبوغاً بشرياً عادياً ومألوفاً

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٠٥.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٦٨.

٢٢٨

وانه لم يكن لوالديه اي دخل فيه وفي مصيره ، وبالتالي فان عظمته الباهرة نابعةٌ من مصدر الوحي ، وليست من العوامل العادية والاسباب المأنوسة المتعارفة.

وَفاة عبْدالمُطَّلب :

لقد جرت عادة الحياة ان تتعرض للمرء باستمرار ، وتستهدف سفينة حياته كالأمواج المتلاحقة مُوجِّهة ضرباتها القوية لروحه ، ونفسه.

أجل هذه هي طبيعة الحياة وسنتها مع أفراد النوع الانساني من دون استثناء.

ولم يكن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعزل عن هذ السنة المعروفة وهذه القاعدة الحياتية العامة.

فلم تكن أمواج الحزن تفارق قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفاة والديه بعد حتّى فاجأته مصيبة كبرى.

إنه لم يكن يمض من عمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر من ثمان سنوات إلا وفقد جدّه العظيم « عبد المطلب » ، وقد اعتصَرت وفاة « عبد المطلب » قلب رسول اللّه ألماً وحزناً ، وكان لها وقعٌ شديدٌ على نفسه المباركة ، حتّى أنه بكى لفقده بكاء شديداً وظلّت دموعُه تجري من أجله إلى أن وري في لحده ، ولم ينس ذكره أبداً!!(١) .

كفالة أبي طالب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

سيكون لنا حديثٌ مفصَّل حول شخصيّة أبي طالب في فصل خاص(٢) وسنثبت هناك إيمانه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوثائق والأدلة القاطعة ، ولكنَّ من المناسب الآن أن نستعرض بعض الحوادث المرتبطة بفترة كفالته للنبي

__________________

١ ـ كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ٢ ، ص ١٠ و ١١ من تاريخه حول سيرة عبد المطلب ، وأنه كان موحِّداً لاوثنياً ، وذكر أن الإسلام أمضى الكثير من سننه.

٢ ـ في حوادث السنة العاشرة.

٢٢٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لقد تكَفَّل أبو طالب ـ ولأَسباب خاصة ـ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقبل تحمُّل هذه المسؤولية بفخر واعتزاز ، ولأنّ أبا طالب ـ مضافاً إلى العلل المشار إليها ـ كان أخاً لوالد النبي من أُمٍّ واحدة أيضاً(١) كما أنّه كانَ معروفاً بجوده وكرمه ، ومن هنا أوكلّ « عبد المطلب » أمر كفالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفيده ، إليه ، وسوف نقص عليك تدريجاً سطوراً ذهبية من تاريخه ، تمثل شاهد صدق على خدماته القيمة ، وأياديه الجليلة.

يقولون : إن النبي شارك وهو في العاشرة من عمره جنباً إلى جنب مع عمّه في حرب من الحروب(٢) وحيث أن هذه الحرب وقعت في الأشهر الحُرم لذلك سُمّيت بحرب « الفجار » وقد وردت تفاصيل حروب « الفجار » في التاريخ بشكل مسهَب.

سَفرةٌ إلى الشام :

لقد جرت العادة ان يسافر تجار قريش إلى الشام كل سنة مرة واحدة.

فعزم « ابو طالب » على أن يشارك في رحلة قريش السنوية هذه ذات مرة ، وعالج مشكلة ابن اخيه « محمَّد » الّذي ما كان يقدر على مفارقته بأنه قرر أن يتركه في مكة في حراسة جماعة من الرجال ، ولكنه ساعة الرحيل واجه من ابن اخيه العزيز ما غيّر بسببه قراره المذكور فقد شاهد « محمَّداً » وقد اغرورقت عيناه بالدموع لفراق كفيله الحميم « ابي طالب » ، فاحدثت ملامح « محمَّد » الكئيبة طوفاناً من المشاعر العاطفية في قلب « أبي طالب » بحيث اضطرته إلى أن يرضى

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٧٩ ، وامهما هي فاطمة المخزومية.

٢ ـ لقد كتب اليعقوبي في تاريخه : ج ١ ، ص ١٥ طبعة النجف أنّ أبا طالب لم يشترك في هذه الحرب قط ، كما لم يسمح لبني هاشم بالمشاركة فيها أيضاً ، لأنه كان ظلماً وعدواناً وقطيعة رحم واستحلالا للشهر الحرام.

٢٣٠

بمشقة اصطحاب « محمَّد » في تلك الرحلة(١) .

لقد كانت سفرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الّتي قام بها بصحبة عمّه وكافله « ابي طالب » في الثانية عشرة من عمره ، من اجمل وأطرف اسفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَبر فيها على : « مَديَن » و « وادي القرى » و « ديار ثمود » واطّلع على مشاهد الشام الطبيعية الجميلة.

ولم تكن قافلة قريش التجارية قد وَصلت إلى مقصدها حتّى حدثت في منطقة تدعى « بصرى » قضية غيرت برنامج « ابي طالب » وتسببت في عدوله عن المضي به في تلك الرحلة والقفول إلى مكة.

واليك فيما يلي مجمل هذه القضية :

كان يسكن في « بصرى » من نواحي الشام راهبٌ مسيحي يدعى « بحيرا » يتعبّد في صومعته ، يحترمه النصارى في تلك الديار.

وكانت القوافل التجارية إذا مرت على صومعته توقفت عندها بعض الوقت وتبركت بالحضور عنده.

وقد اتفق أن التقى هذا الراهبُ قافلة قريش الّتي كان فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلفت نظره شخصيةُ « محمَّد » ، وراح يحدق في ملامحه ، وكانت نظراته هذه تحمل سراً عميقاً ينطوي عليه قلبه منذ زمن بعيد وبعد دقائق من

__________________

١ ـ ويذكر « أبو طالب » في ابيات له قصّة هذه السفرة وما جرى فيها من البدء إلى الختام نقتطف منها بعض الأبيات :

إنَّ ابنَ آمِنة النبي محمَّداً

عِندي يفوقُ منازل الأولاد

لما تعَلّق بالزمام رحمتُه

والعيسُ قد قلَّصْنَ بالازواد

فَارفضَّ من عينيّ دمع ذارفٌ

مثل الجمان مُفرّق الأفراد

راعيتُ فيه قرابة موصولة

وحفَظت فيه وصية الأجداد

وأمرتُه بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجاد

حتّى إذا ما القومُ بُصرى عاينوا

لاقوا على شرك من المرصاد

حبراً فاخبرهم حديثاً صادقاً

عنه وردّ معاشر الحُسّاد

( تاريخ ابن عساكر : ج ١ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٢ وديوان ابي طالب : ص ٣٣ ـ ٣٥ ).

٢٣١

النظرات الفاحصة ، والتحديق في وجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج عن صمته وانبرى سائلا : اُنشدكم باللّه أيّكم وليّه؟

فاشار جماعة منهم إلى « أبي طالب » وقالوا : هذا وليّه.

فقال « ابو طالب » : إنه ابن أخي ، سلني عمّا بدا لك.

فقال « بحيرا » : إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا ، هذا سيّدُ العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه رحمة للعالمين. إحذرْ عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنَّ قتلَه(١) .

هذا وقد اتفق اكثر المؤرخين على أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعدَّ تلك المنطقة ، وليس من الواضح أن عمه « أبا طالب » بعثه إلى مكة مع أحد ، ( ويُستَبعد أن يكون عمُه قد رضي بمفارقته منذ أن سمع تلك التحذيرات من الراهب بحيرا ) ، أم أنه اصطحبه بنفسه إلى مكة ، وانثنى عن مواصلة سفره إلى الشام(٢) .

وربما قيل أنه تابع ـ بحذر شديد ـ سفرَهُ إلى الشام مع ابن اخيه « محمَّد ».

اُكذُوبَةُ المُسْتشرقيْن :

لقد آلينا على أنفسنا في هذا الكتاب ان نشير إلى أخطاء المستشرقين وغلطاتهم بل وربما أكاذيبهم ، واتهاماتهم الباطلة ، وشُبههُم الواهية ليتضح للقراء الكرام الى أي مدى يحاول هذا الفريق إرباك أَذهان البُسطاء من الناس ، وبلبلة عقولهم حول قضايا الإسلام!!

إن قضية اللقاء الّذي تم ـ في بصرى ـ بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والراهب « بحيرا » لم تكن سوى قضية بسيطة ، وحادثة عابرة وقصيرة ، إلا أنها وقعت في ما بعد ذريعة بايدي هذه الزمرة ( المستشرقون ) فراحوا يصرّون أشدّ اصرار على أنّ

__________________

١ ـ روى تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٣٢ و ٣٣ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٠ ـ ١٨٣ هذه القصّة بتفصيل اكبر وقد اختصرناها هنا تمشياً مع حجم هذا الكتاب.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٨٢ و ١٨٣.

٢٣٢

ما أظهره رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعاليم رفيعة سامية بعد ٢٨ عاماً ، واستطاع بها أن يُحيي بها تلك الاُمة الميّتة قد تلقاها من الراهب « بحيرا » في هذه السفرة. ويقولون : إن « محمَّداً » بما تمتع به من قوة ذاكرة ، وصفاء نفس ودقة فكر ، وعظمة روح وهبته اياها يد القدر ، أخذ من الراهب « بحيرا » في لقائه به ، قصص الانبياء السالفين والاقوام البائدة مثل عاد وثمود ، وكثيراً من تعاليمه الحيوية.

ولا ريب في أن هذا الكلام ليس سوى تصور خيالي لا يتلاءم ولا ينسجم مع حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل وتكذبه الموازين العقلية ، واليك بعض الشواهد على هذا :

١ ـ لقد كان « محمَّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باجماع المؤرخين اُميّاً ، لم يتعلم القراءة والكتابة ، وكان عند سفره إلى الشام ، ولقائه ب‍ « بحيرا » لم يتجاوز ربيعه الثاني عشر بعد ، فهل يصدق العقل ـ والحال هذه ـ أن يستطيع صبيٌ لم يدرس ولم يتعلّم القراءة والكتابة ولم يتجاوز ربيعه الثاني عشر ان يستوعب تلك الحقائق من « التوراة » و « الإنجيل » ، ثم يعرضها ـ في سن الاربعين ـ على الناس بعنوان الوحي الالهيّ والشريعة السماوية؟!

إن مثل هذا الأمر خارج عن الموازين العادية ، بل ربما يكون من الاُمور المستحيلة لو أخذنا بنظر الاعتبار حجم الإستعداد البشري.

٢ ـ إن مدة هذا اللقاء كان اقل بكثير من أن يستطيع محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة أن يستوعب « التوراة » و « الانجيل » ، لأن هذه الرحلة كانت رحلة تجارية ولم يستغرق الذهاب والاياب والاقامة اكثر من أربعة أشهر ، لأن قريشاً كانت تقوم في كل سنة برحلتين ، في الصيف إلى « الشام » ، وفي الشتاء إلى « اليمن » ، ومع هذا لا يُظنّ أن تكون الرحلة برمتها قد استغرقت اكثر من اربعة أشهر ، ولا يستطيع اكبر علماء العالم واذكاهم من أن يستوعب في مثل هذه المدة القصيرة جداً محتويات ذينك الكتابين ، فضلا عن صبي لم يدرس ، ولم يتعلم القراءة والكتابة من احد.

٢٣٣

هذا مضافاً إلى أنه لم يكن يصاحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الراهب كل تلك الاشهر الاربعة بل ان اللقاء الّذي وقع إتفاقاً في أحد منازل الطريق لم يستغرق سوى عدة ساعات لا اكثر.

٣ ـ إن النَص التاريخي يشهد بأن « ابا طالب » كان ينوي اصطحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام ، ولم يكن مقصده الأصلي « بصرى » بل إن « بصرى » كان منزلا في أثناء الطريق تستريح عنده القوافل التجارية أحياناً ، ولفترة جداً قصيرة.

فكيف يمكن في مثل هذه الصورة ان يمكث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة ، ويشتغل بتحصيل علوم « التوراة » و « الانجيل » ومعارفهما؟ سواء قلنا بأن « ابا طالب » أخذه معه إلى الشام ، أو عاد به من تلك المنطقة إلى مكة أو أعاده بصحبة أحد إلى مكة؟!

وعلى كل حال فان مقصد القافلة ومقصد « ابي طالب » لم يكن « بصرى » ليقال : ان القافلة اشتغلت فيها بتجارتها ، بينما اغتنم « محمَّد » الفرصة واشتغل بتحصيل معارف العهدين.

٤ ـ إذا كان محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تلقى اُموراً ومعارف من الراهب المذكور اذن لاشتهر ذلك بين قريش حتماً ، ولتناقل الجميع خبر ذلك بعد العودة إلى مكة.

هذا مضافاً إلى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ما كان يتسطيع أن يدعي امام قومه في ما بعد بأنه اُميُّ لم يدرس كتاباً ، ولا تلمذ على أحد ، في حين أن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح رسالته بهذا العنوان ، ولم يقل أحدٌ ، يا محمَّد كيف تدعي بأنك لم تقرأ ولم تدرس عند احد وقد درست عند راهب « بصرى » وتلقيت منه هذه الحقائق الناصعة وانت في الثانية عشرة من عمرك؟

لقد وَجَّه مشركوا مكة جميع انواع الإتهام إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالغوا في البحث عن أيّة نقطة ضعف في قرآنه يمكن أن يتذرعوا بها لتفنيد دعوته ، حتّى أنهم عندما شاهدوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات مرةْ عند

٢٣٤

« مروة » يجالس غلاماً نصرانياً استغلوا تلك الفرصة وقالوا : لقد أخذ « محمّد » كلامه من هذا الغلام ، ويروي القرآن الكريم مزعمتهم هذه بقوله : «ولَقدْ نَعلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحدْونَ إليْه أَعجَمِيَّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيّ مُبيْنٌ »(١) .

ولكن القرآن الكريم لم يتعرض لذكر هذه الفرية قط كما أن قريشاً المجادلين المعاندين لم يتذرعوا بها أبداً ، وهذا هو بعينه دليلٌ قاطعٌ وقويٌ على أن هذه الفرية من افتراءات المستشرقين في عصرنا هذا ، ومن نسج خيالهم!!

٥ ـ إن قصص الانبياء والرسل الّتي جاءت في القرآن الكريم على وجه التفصيل تتعارض وتتنافى مع ما جاء في التوراة والانجيل.

فقد ذُكِرَت قصصُ الأنبياء واحوالهم في هذين الكتابين بصورة مشينة جداً ، وطُرحت بشكل لا يتفق مع المعايير العلمية والعقلية مطلقاً ، وان مقايسة عاجلة بين هذين الكتابين من جانب وبين القرآن الكريم من جانب آخر تثبت بأن قضايا القرآن الكريم ومعارفه لم تتخذ من ذينك الكاتبين بحال ، ولو أن النبيَ محمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اكتسب معارفه ومعلوماته حول الانبياء والرسل من العهدين لجاء كلامُه مزيجاً بالخرافات والأَوهام(٢) .

٦ ـ إذا كان راهب « بُصرى » يمتلك كل هذه الكمية من المعلومات الدينية والعلميّة الّتي عرضها رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا لم يحض هو بأي شيء من الشهرة ، ولماذا ترى لم يُربِّ غير « محمَّد » في حين أن معبَده كان مزار الناس ومقصدَ القوافل؟!

٧ ـ يعتبرُ الكتاب المسيحيّون « محمّداً »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا أميناً صادقاً ، والآيات القرآنية تصرح بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم مسبق

__________________

١ ـ النحل : ١٠٣.

٢ ـ تتجلى هذه الحقيقة أكثر فاكثر إذا ما قارنّا بين مواضيع القرآن الكريم ، وبين ما جاء في نصوص العهدين ( التوراة والأنجيل ) وقد تصدى بعض الكتاب الاسلاميين لمثل هذه المقارنة ، وقد تعرضنا لها ايضاً في بعض دراساتنا.

٢٣٥

أصلاً بقصص الأَنبياء والاُمم السابقين ، وأن معلوماته في هذا الصعيد لم تحصل لديه إلا عن طريق الوحي.

فقد جاء في سورة « القصص » الآية (٤٤) هكذا : «وما كُنْتَ بجانِب الغرْبيِّ إذْ قَضيْنا إلى مُوْسى الأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِديْن ».

وجاء في سورة « هود » الآية (٤٩) بعد نقل قصة نوح : «تِلْكَ مِنْ أَنباء الْغَيْبِ نُوحيها إليكَ ما كُنْتَ تَعلَمُها أَنْت وَلا قومُك مِنْ قَبْل هذا ».

إن هذه الآيات توضح أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على علم أبداً بهذه الحوادث ، والوقائع.

وهكذا جاء في الآية (٤٤) من سورة « آل عمران » : «ذلِكَ مِنْ أنْباء الْغيْبِ نُوْحيه إلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيهِمْ إذْ يُلْقُوْنَ أقْلامهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَديْهم إذْ يَخْتصِمُونَ ».

إن هذه الآية وغيرها من الآيات العديدة تصرح بأن هذه الأخبار الغيبيّة وصلت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الوحي فقط ، وهو لم يكن على علم بها مطلقاً.

نَظْرةٌ إجْماليَّة إلى التَوْراة الحاضِرَة :

إنَّ هذا الكتاب السَماويّ تورَّط في تناقضات عجيبة في بيان قصص الأنبياء والمرسلين لا يمكن نسبتها إلى الوحي مطلقا ، وها نحن نأتي هنا بنماذج في هذا المجال من التوراة ليتضح لنا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان قد أخذَ قضايا القرآن الكريم من ذلك الراهب فلماذا لا يحتوي هذا الكتاب العظيم على تلك الأضاليل الّتي انطوى عليها « التوراة » و « الانجيل ».

واليك بعض ما جاء حول الأَنبياء والمرسلين في « التوراة » و « الانجيل » ونقارن ذلك بما جاء في القرآن الكريم ليتضح مدى الفرق بين الكتابين ( العهدين ، والقرآن ).

* * *

٢٣٦

١ ـ داودعليه‌السلام :

جاء في التوراة : « إن داود رأى من على السطح امرأة تستحمّ ، وكانت المرأة جميلة المنظر جداً ، فارسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : إنها امرأة اُوريّا فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهَّرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها ، وحبلت المرأة ، فارسلت وأخبرت داود وقالت : إني حُبلى ، فارسل داود إلى يؤاب يقول : اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة(١) ، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت فلما سمعت امرأة أوريّا أنه قدمات اُوريّا رجلُها ندبت بعلها ، ولمّا مضت المناحة أرسل داود وضمَّها إلى بيته وصارت له إمرأة ، وولدت له إبناً ، وامّا الأمرُ الّذي فعله داود فقبح في عينيّ الرب »!!(٢) .

هكذا تصف التوراة النبيّ الكريم داود ، وترميه بالزنا ، واكراه امرأة محصنة على خيانة زوجها!!

بينما يصف القرآن الكريم النبيّ داودعليه‌السلام بافضل الاوصاف إذ يقول ( في الآية ١٥ و ١٦ من سورة النمل ) : «وَلَقَدْ آتَيْنا داوود وسلَيْمانَ عِلْماً وَقالا ألحَمْدُ للّه الَّذيْ فَضَّلنا عَلى كثير مِنْ عِبادِهِ وَقالَ يا أيُّهَا الناسَ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَيْر وَاُوتيْنا مِنْ كُلِّ شَيء إنَّ هذا لَهُوَ الفَضْلِ الْمُبِيْنِ ».

٢ ـ النبيّ سليمانعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن النبيّ العظيم سليمانعليه‌السلام :

١ ـ « وداود الملكُ ولد سليمان من الّتي لاُوريّا »(٣) .

أي ان سليمان النبيّ الكريم ـ والعياذ باللّه ـ هو ابن زنا!!

__________________

١ ـ أي في مقدمة الجيش المحارب.

٢ ـ العهد القديم ( التوراة ) : صموئيل ، الثاني الاصحاح الحادي عشر ٣ إلى ٢٧.

٣ ـ إنجيل مَتَّى : الاصحاح الأول ٦.

٢٣٧

٢ ـ وَأَحَبَّ المَلِكُ سُلَيمان نساء غريبة مِنَ الذين قالَ عَنْهُمْ الربُ لبنيّ اسرائيل : لا تدخلونَ إليهم ، وهُمْ لا يَدُخلونَ إليكم لأَنَّهُمْ يُميلونَ قلوبَكم وراء آلهتهم ، فالتصق سلَيمانُ بهؤلاء بالمحبَّة ، وكانت له سبع مئة من النساء السيدات ، وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبَهُ وكان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه أملن قلبه وراء آلهة اُخرى ، ولم يكن قلبُه كاملا مع الرب الهِهِ كقلب داود ابيه ، فذهب سليمان وراء عَشتُورت إلاهة الصيد ونين ، وملكوم رجس العمونيين ، وعمل سليمان الشرَّ في عيني الرب ، ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه ، فغضب الربُ على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل »!!!(١) .

إن سليمان ـ حسب هذه التعابير التوراتية ـ يعشق النساء الاجنبيات ، ويتقرب اليهن بصنع أصنام لَهُنَّ. ويعبدها معهن ، ويرتكب الشرور الّتي أغضبت الرب!!

بينما يقول القرآن الكريم عن سليمانعليه‌السلام «ولقد آتيْنا داودَ وَسُلَيْمانَ عِلماً »(٢) .

ويقول : «وَلِسُلَيْمان الرِّيْح عاصِفَة تَجْري بأَمْره إلى الأرض الَّتي باركْنا فيها ، وَكنا بِكُلِّ شَيء عالِمين »(٣) .

إنه نبي عظيم اختاره اللّه تعالى لوحيه ، وأصطفاه لأَداء رسالاته.

٣ ـ يعقوبعليه‌السلام :

إنَّ « التوراة » تصف النبي العظيم يعقوبعليه‌السلام بأنه رجل كذّاب مخادع ، أخذ النبوة من ابيه بالمكر والخداع ، « فعِند ما شاخَ اسحاقُ وكَلّت عيناهُ عن النظر دعا عيسو إبنه الاكبر ، وطلب منه أن يصطادله صيداً ، ويصنع له طعاماً جيداً حتّى يباركه ، ويعطيه النبوة ، ولكن يعقوب ( ابن إسحاق من رفقة

__________________

١ ـ التوراة : الملوك الأول الاصحاح : ١١ ، العبارات ١ : ١١.

٢٣٨

زوجته الأخرى ) بادر إلى صنع طعام لذيذ لأبيه وتظاهر بأنه عيسو ، لابساً ثياب عيسو ، وقطعاً من جلود جَدْيي المعزى على عنقه لأن عيسو كان مشعراً وكان يعقوب املس الجسد ، فبارك اسحاق ابنه يعقوب ومنحه النبوة ، وبعد ذلك قدم عيسو من الصيد ، فعرف اسحاقُ بانه خُدِع ، وأن يعقوب أخذ منه النبوة بالمكر ، فارتعد اسحاقٌ ارتعاداً عظيماً جداً وقال لعيسو متأسفاً : قد جاء أخوك بمكر ، وأخذ بركتك »!!(١) .

هذا هو حال يعقوب في لسان « التوراة » المحرفة!!

وأما القرآن الكريم فانه يقول عن هذا النبيّ الطاهر : «وَوَهبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنا مِن قَبلُ وَمِنْ ذريّته داوود وَسُليمانَ وَأيّوبَ وَيُوسفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزي الُمحْسِنيْن »(٢) .

ويقول تعالى أيضاً : «وَاذْكُرْ عِبادنا إبْراهِيْمَ وَاسْحاقَ وَيَعْقُوبَ اُوْلى الأَيْدي والأَبْصار. انا أخلَصْناهُمْ بخالِصَة ذِكْرى الدّار. وإنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفيْنَ الأَخيار »(٣) .

٤ ـ إبْراهيمعليه‌السلام :

تقول « التوراة » عن إبراهيمعليه‌السلام إنّه لمّا اراد أن يدخلَ مصر قال لِزوجته سارة : إني قد علمتُ أنك إمرأة حسَنة المنظر ، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون : هذه إمرأَته ، فيقتلونني ، ويَسْتَبْقونكِ ، قولي إنكِ اُختي ، ليكونَ لي خيرٌ بسببكِ وتحيا نفسي من أجلِكِ.

وكذلك فعَلتْ سارة واخِذت إلى بيت فرعون ، فصنع إلى إبرام خيراً

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح السابع والعشرون : ١ إلى ٤٦ ، وقد ذكرنا هذه القصّة من التوراة بتلخيص.

٢٣٩

بسببها ، وصار له غنم ، وبقر ، وحمير ، وعبيد ، وإماء ، واُتن ، وجمال ، ولما عرف فرعون ـ في ما بعد ـ ان سارة زوجة ابراهيم ، وليس اُخته عاتبه قائلا : لماذا لم تخبرني إنها إمرأتك ، لماذا قلت : هي اُختي حتّى أخذتها لي لتكونَ زوجتي والآن هو ذا إمرأتك ، خذْها واذهب »(١) .

إن ابراهيم الخليلعليه‌السلام في وصف التوراة رجلٌ كذابٌ ، يكذب ويحتال.

أما القرآن الكريم فيصف هذا النبي الجليل بأعظم الأوصاف ، ويعتبره أعظم الأنبياء إذ يقول عنه انه :

١ ـ حنيف مُوحِّدٌ للّه : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٢ ـ إمامُ الناس : «إنّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً » ( البقرة : ١٣٤ ).

٣ ـ مُسْلِمٌ : «ولكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً » ( آل عمران : ٦٧ ).

٤ ـ حَليمٌ : «إنَّ إبراهيم لأوّاةٌ حَلِيْمٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٥ ـ امة كامِلَة بمفرده : «إنّ إبراهيم كانَ أُمَّة » ( النحل : ١٢٠ ).

٦ ـ أواهٌ يَخشى اللّه : «إنَّ إبراهِيْم لأوّاهٌ » ( التوبة : ٨٤ ).

٧ ـ مصطفى : «لمنَ المُصْطَفين الأَخْيار » ( ص : ٤٨ ).

٨ ـ ذو قلب سَليم : «إذ جاء رَبّه بِقَلْب سَلِيْم » ( الصافات : ٤٨ ).

٥ ـ المسيحعليه‌السلام :

إن عيسى ـ حسب رواية الإنجيل ـ يحتقر اُمه ، ويزدري بها ، فذات يوم جاء إخوته واُمه ووقفوا خارجاً وارسلوا يدعونه ، وكان الجمع جالساً حوله ، فقالوا له « هو ذا امُّك وإخوتك خارجاً يطلبونك ، فأجابَهُم قائلا : من اُميّ وإخوتي؟ ثم نظرَ حوله إلى الجالِسين وقال : ها اُمّي وإخوتي ، لأَنَّ مَنْ يصنع مشيئة اللّه هو أخي واُختي واُمّي »!!(٢)

__________________

١ ـ سفر التكوين : الاصحاح الثاني عشر ١ ـ ٢٠.

٢ ـ إنجيل مرقس : الاصحاح الثالث : ٣١ ـ ٣٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470