حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307322 / تحميل: 6767
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن نصير، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي الحسن العرني(1) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

___________________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصيررحمه‌الله .

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي(1) .

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم(2) .

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قولهرحمه‌الله : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضاعليه‌السلام ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في باب من لم يسم عنه فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(1) الخلاصة: 73 ط الحجرى‌

(2) رجال ابن داود ص 338‌

٢١

___________________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (1) .

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضاعليه‌السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني(2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد(3) .

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك(4) .

قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة(5) .

وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(1) رجال الشيخ ص 341 وفيه الغرلى.

(2) رجال الشيخ ص 387‌

(3) القاموس: 1 / 209‌

(4) رجال الشيخ ص 393 وفيه البوشنجى.

(5) القاموس: 1 / 179‌

٢٢

اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

___________________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي(1) باللام بعد الزاء.

قولهعليه‌السلام : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار، كما قال عز من قائل( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (2) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح: غني به غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت، وغني بالمكان أي أقام به، وغني أي عاش، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك(3) .

وفي القاموس: وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام، وغنيت لك مني بالمودة بقيت(4) .

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(1) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(2) سورة يونس: 32‌

(3) الصحاح: 6 / 2449‌

(4) القاموس: 4 / 371 - 372‌

٢٣

10 - وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيهعليه‌السلام .

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكره البرقي في كتاب الرجال(1) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله: والله سماكم في السماء شرطة الخميس(3) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائهعليه‌السلام منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي(4) .

قولهعليه‌السلام : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت(5) وأبوك، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول، كما في( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (6) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(1) رجال البرقى ص 3‌

(2) رجال الشيخ: 47 وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(3) الخلاصة: 51 ط الحجرى‌

(4) الخلاصة: 93‌

(5) كما في المطبوع منه‌

(6) سورة المنافقين: 10‌

٢٤

وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

11 - وذكر هشام، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي‌

___________________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب: بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد، وقد روي لازما الا انه غير معروف، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قولهرحمه‌الله : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س: الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط: والشرطة بالضم ما اشترطت، يقال: خذ شرطتك، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروف، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها(1) .

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة(2) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها: أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين سماهم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(1) القاموس: 2 / 211 و 368‌

(2) وفي « ن »: الشرط‌

٢٥

ابن أبي طالبعليه‌السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

12 - أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد ابن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال كان الناس أهل‌

___________________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد اللهعليهما‌السلام والكبير اسمه كنكر(1) .

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهماعليهما‌السلام والاكبر كنكر(2) .

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت: وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قولهعليه‌السلام : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قولهرحمه‌الله : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(3)

__________________

(1) رجال الشيخ: 139‌

(2) رجال الشيخ: 328‌

(3) رجال الشيخ: 100‌

٢٦

ردة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب: أصل الغفر الستر، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العامة والخاصة: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر(1) .

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش(2) وسيدهم، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم فقال: يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك.

قولهعليه‌السلام : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد زمان يسير، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(1) راجع الطرائف: 405 المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(2) وفي « س »: أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌

٢٧

عليهم الرحا

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان: الاول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال: دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية(1) .

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: احداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(1) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ص 22. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.

٢٨

وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام

___________________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها(1) .

غير مستقيم على اطلاقه.

قولهعليه‌السلام : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن العشرة الذين نصروهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر(2) .

وقال العلامة في الخلاصة: قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مشكور لم يبايع أبا بكر(3) .

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي: أن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الامير، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسنعليه‌السلام ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية: قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره فقال: يا قيس انه امامي يعني الحسنعليه‌السلام .

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(1) المجازات النبوية: 156‌

(2) رجال الشيخ: 54‌

(3) الخلاصة: 136‌

٢٩

مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

___________________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده(1) .

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص(2) الخلافة ولص الامامة.

قولهعليه‌السلام : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء بهعليه‌السلام مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس: انه بايع لا أنه قد وقعت منهعليه‌السلام المبايعة، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنهعليه‌السلام كان يقول: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل(3) .

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(1) راجع رجال الكشى: 110 ط جامعة مشهد‌

(2) وفي « ن »: متغمص‌

(3) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار: 8 / 172‌

٣٠

أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

___________________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، وقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر: موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وتشهّد وتشهّد علي وقال: لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري(1) . فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه: انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(1) ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1380. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص 258 فراجع تغتنم.

٣١

13 - جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي: فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس: فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(1) .

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس: يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء، وأبرينة وتكسر قرية بمرو، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي(2) .

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان(3) .

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه(4) .

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه، بل يكتفون فيهم بالمدح، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قولهرحمه‌الله : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 112‌

(2) القاموس: 4 / 201‌

(3) رجال الشيخ: 458‌

(4) رجال ابن داود: 80‌

٣٢

حدثني ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

___________________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال: الحسن بن خرزاذ قمي(1) .

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم: الحسن بن خرزاد من أهل كش(2) . وهو هذا الرجل.

قولهرحمه‌الله : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قولهعليه‌السلام : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة(3) .

وقال في باب السين: سلمان الفارسي مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة(4) .

وقال في باب العين: عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 413‌

(2) رجال الشيخ: 463‌

(3) رجال الشيخ: 36‌

(4) المصدر: 43‌

٣٣

تنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان عليعليه‌السلام يقول: وأنا امامهم، وهم الذين صلوا على فاطمةعليها‌السلام .

14 - محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال، قال حدثني العباس ابن عامر، وجعفر بن محمد بن حكيم، عن أبان بن عثمان، عن الحارث النصري بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام قال فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس اذا؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال، فقال: انها فتحت على الضلال أي والله‌

___________________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان(1) .

وقال في باب الميم: المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة(2) .

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة(3) واختاره العلامةرحمه‌الله في الخلاصة(4) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قولهرحمه‌الله : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسنعليهم‌السلام ، وروى عن زيد بن علي، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(1) المصدر: 46‌

(2) المصدر: 57 وفي النسخ « قد بيناه ».

(3) المصدر: 37‌

(4) الخلاصة: 60.

٣٤

هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة: هلكوا مكان ولكن.

قولهعليه‌السلام : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايتهعليه‌السلام (1) .

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال(2) وهو من الاصفياء من أصحابهعليه‌السلام .

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة(3) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (4) .

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل: هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(1) رجال الشيخ: 39‌

(2) المصدر: 63‌

(3) المصدر: 12‌

(4) المصدر: 63‌

٣٥

___________________________________________________________

وقال في القاموس: شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان(1) .

وما قاله العلامة في الخلاصة: ومن خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن(2) . ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله: وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة(3) . فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا(4) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة(5) .

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الاصفياء، فقد ذكره البرقي(6) ولم يذكره الشيخ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي(7) .

__________________

(1) القاموس: 2 / 55‌

(2) الخلاصة: 193‌

(3) رجال ابن داود: 183‌

(4) رجال الشيخ: 45 وفيه سمير مكان شمير.

(5) الخلاصة: 87‌

(6) رجال البرقى: 3 والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(7) الخلاصة: 192 قال ناقلا عن البرقى: ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.

٣٦

15 - حمدويه، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لا بي جعفرعليه‌السلام ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال، فقال: الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال، فقلت: بلى. قال: المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

16 - علي بن محمد القتيبي النيسابوري، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل، عن أبي حمزة، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما مروا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى، ثم قال: ليت السيوف‌

___________________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا - من قبائل الانصار، ذكره المطرزي في المغرب في ذ - ج وهو الصواب، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م - ج، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ - ج: ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه(1) .

قولهرحمه‌الله : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قولهعليه‌السلام : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب: وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 190‌

٣٧

قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

17 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفصل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

18 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى عليعليه‌السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

___________________________________________________________

الانصار، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قولهرحمه‌الله : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان، وحديث كل منهما يعد صحيحا، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية(1) وفي المعلقات على الاستبصار(2) بما لا مزيد عليه.

__________________

(1) الرواشح السماوية: 70‌

(2) التعليقة على الاستبصار: 4. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.

٣٨

عليعليه‌السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق عليعليه‌السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار؟ فقال: لا. قلت: فعمار من أهل الردة؟ فقال: ان عمارا قد قاتل مع عليعليه‌السلام بعد.

19 - وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك، عن النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : يا سلمان اذهب الى فاطمةعليها‌السلام فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت: هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: أنا ذرة لا بي ذر، وقالت الاخرى: أنا مقدودة للمقداد، ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

20 - محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال حدثني‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام وقال: نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه(1) .

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك - بفتح النون وكسر الهاء - بيت من أصحابنا بالكوفة، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(1) رجال الشيخ: 288‌

٣٩

علي بن سليمان بن داود الرازي، قال حدثنا علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام وقال: علي بن سليمان بن داود الرقي(1) .

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان - بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها - بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي: بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس: محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره(2) .

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين، وكان له اتصال بصاحب الامرعليه‌السلام وخرج(3) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال: انه فاسد، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة(4) .

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 433‌

(2) القاموس: 4 / 230‌

(3) وفي « س »: وخرجت‌

(4) الخلاصة: 100‌

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وعلى أيّ حالٍ ، فقد حطّم الإمام بخروجه لعائلته جميع مخطّطات السياسة الاُمويّة ، ونسف جميع ما أقامه معاوية من معالم الظلم.

فقد قمْنَ عقائل الوحي بدور فعال ببثّ الوعي الاجتماعي ، وتعريف المجتمع بواقع الاُمويِّين ، وتجريدهم من الإطار الديني ، ولولاهنَّ لاندرست معالم ثورة الحُسين وذهبت أدراج الرياح.

إنّ مِنْ ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، واستمرار فعالياتها في بثّ الإصلاح الاجتماعي على امتداد التاريخ ، هو حمل ودائع الرسالة وعقائل الوحي مع الإمام ، فقد قمْنَ بدور مشرق ببلورة الرأي العام ، فحملنَ راية الإيمان التي حملها الإمام العظيم ، ونشرنَ مبادئه العليا التي استشهد مِنْ أجلها.

فقد انبرت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وشقيقة الحُسين السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى ساحات الجهاد ، وهي تدكُّ حصونَ الظالمين وتدمّر جميع ما أحرزوه مِن الانتصارات في قتل أخيها ، وتلحق بهم الهزيمة والعار وتملأ بيوتهم مأساة وحزناً.

لقد أقبلت قائدة المسيرة الحسينيّة عقيلة الوحي زينب (عليها السّلام) إلى ساحة المعركة وهي تشقّ صفوف الجيش ، تفتّش عن جثمان أخيها الإمام العظيم ، فلمّا وقفت عليه شخصت لها أبصار الجيش واستحال إلى سمع ، فماذا تقول أمام هذه الخطوب المذهلة التي تواكبت عليها؟

إنّها وقفت عليه غير مدهوشة ولمْ تذهلها الرزايا التي تميد منها الجبال ، فشخصت ببصرها إلى السّماء وهي تقول بحماسة الإيمان وحرارة العقيدة : اللّهم تقبّل منّا هذا القربان.

وأطلقت بذلك أوّل شرارة للثورة على الحكم الاُموي بعد أخيها ، وودّ الجيش أنْ تسيخ به الأرض ؛ فقد استبان له عِظَمُ ما اقترفه مِن الإثم ، وإنّه قد أباد

٣٠١

عناصر الإسلام ومراكز الوعي والإيمان.

ولمّا اقتربت سبايا أهل البيت (عليهم السّلام) إلى الكوفة خرجت الجماهير الحاشدة لاستقبال السبايا ، فخطبت فيهم عقيلة الوحي خطاباً مثيراً ومذهلاً ، وإذا بالناس حيارى لا يعون ولا يدرون ، قد استحالت بيوتهم إلى مآتم وهم يندبون حظّهم التعيس ويبكون على ما اقترفوه مِن الجرم ، وحينما انتهت إلى دار الإمارة استقبلها الطاغية متشفّياً بأحطّ وأخس ما يكون التشفّي قائلاً : كيف رأيتِ صنع الله بأخيك؟

وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود فأجابته بكلمات النصر والظفر قائلةً : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتخاصم فانظر لمَنْ الفلج يومئذ ثكلتك أُمّك يابن مرجانة.

وأخزت هذه الكلمات ابن مرجانة فكانت أشقّ عليه مِنْ ضرب السيوف وطعن الرماح. ولمّا انتهت إلى الشام هزّت العرش الاُموي بخطابها المثير الرائع ، وحقّقت بذلك مِن النصر ما لمْ تحقّقه الجيوش.

لقد كان حمل الإمام الحُسين (عليه السّلام) لعائلته قائماً على أساس مِن الوعي العميق الذي أحرز به الفتح والنصر.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض أسباب الثورة الحسينيّة ومخططاتها.

٣٠٢

في مكّة

٣٠٣
٣٠٤

وبعدما أعلن الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضه الكامل لبيعة يزيد اتّجه مع أهل بيته إلى مكّة التي هي حرم الله وحرم رسوله ؛ عائذاً ببيتها الحرام الذي فرض فيه تعالى الأمن والطمأنينة لجميع العباد.

لقد اتّجه إلى هذا البلد الأمين ؛ ليكون بمأمن مِنْ شرور الاُمويِّين واعتداءاتهم.

ويقول المؤرّخون : إنّه خرج ليلة الأحد لليلتين بقيتا مِنْ رجب سنة (٦٠ هـ)(١) ، وقد خيّم الذعر على المدنيين حينما رؤوا آل النّبي (صلّى الله عليه وآله) ينزحون عنهم إلى غير مآب.

وفصل الركب مِنْ يثرب وهو جادّ في مسيرته ، وكان الإمام (عليه السّلام) يتلو قوله تعالى : «رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ». لقد شبّه خروجه بخروج موسى على فرعون زمانه ، وكذلك قد خرج على طاغية زمانه فرعون هذه الأُمّة ؛ ليقيم الحقّ ويبني صروح العدل ، وسلك الطريق العام الذي يسلكه الناس مِنْ دون أنْ يتجنّب عنه.

وأشار عليه بعض أصحابه أنْ يحيد عنه كما فعل ابن الزّبير مخافة أنْ يدركه الطلب مِن السلطة في يثرب ، فأجابه (عليه السّلام) بكلّ بساطة وثقة في النفس قائلاً : «لا والله ، لا فارقت هذا الطريق أبداً أو أنظر إلى أبيات مكّة ، أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى».

لقد رضي بكلّ قضاء يبرمه الله ، ولمْ يضعف ولمْ توهن عزيمته الأحداث الهائلة التي لا يطيقها أيّ إنسان ، وكان يتمثّل في أثناء مسيره

__________________

(١) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٥ ، المنتظم لابن الجوزي ، الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ، وفي الفتوح ٥ / ٣٤ أنّه خرج لثلاث ليال مضين من شعبان.

٣٠٥

بشعر يزيد بن المفرغ :

لا ذُعرتُ السَّوام في فلق الصبحِ

مغيراً ولا دُعيت يزيدا

يوم اُعطي مِن المهانةِ ضيماً

والمنايا ترصدنني أنْ أحيدا(١)

لقد كان على ثقة أنّ المنايا ترصده مادام مصمّماً على عزمه الجبّار في أنْ يعيش عزيزاً لا يُضام ، ولا يُذلّ ولا يخضع لحكم يزيد.

ويقول بعض الرواة : إنّه كان في مسيرته ينشد هذه الأبيات :

إذا المرءُ لمْ يحمِ بنيهِ وعرسَهُ

ونسوتَهُ كان اللئيمَ المسببا

وفي دون ما يبغي يزيد بنا غداً

نخوضُ حياضَ الموتِ شرقاً ومَغرِبا

ونضربُ ضرباً كالحريقِ مقدماً

إذا ما رآه ضيغمٌ راح هاربا

ودلّ هذا الشعر على مدى عزمه على أنْ يخوضَ حياض الموت ؛ سواء أكانت في المشرق أم في المغرب ولا يبايع يزيد بن معاوية.

مع عبد الله بن مطيع :

واستقبله في أثناء الطريق عبد الله بن مطيع العدوي ، فقال له : أين تريد أبا عبد الله؟ جعلني الله فداك.

ـ «أمّا في وقتي هذا اُريد مكّة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك».

ـ خار الله لك يابن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه ، إنّي أشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.

ـ «ما هي؟».

__________________

(١) تاريخ الطبري.

٣٠٦

ـ إذا أتيت مكّة فاحذر أنْ يغرّك أهل الكوفة ؛ فيها قُتِلَ أبوك ، وأخوك طعنوه بطعنة كادت أنْ تأتي على نفسه ، فالزم الحرم فإنّك سيد العرب في دهرك ، فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.

وشكره الإمام وودّعه ودعا له بخير(١) ، وسار موكب الإمام يجدّ السير لا يلوي على شيء حتّى انتهى إلى مكّة ، فلمّا نظر الإمام (عليه السّلام) إلى جبالها تلا قوله تعالى : «وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى‏ رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السّبِيلِ »(٢) .

__________________

(١) المنتظم ـ ابن الجوزي ـ الجزء الخامس ، الفتوح ٥ / ٣٤ ، وجاء في تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٥٥ أنّ الحُسين مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئراً ، فقال له : إلى أين فداك أبي وأمي ، فقال له : «أردت مكّة». وذكر له كتب أهل الكوفة إليه ، فقال ابن مطيع : فداك أبي وأمي! متّعنا بنفسك ولا تسرِ إليهم. فأبى الحُسين. ثمّ قال له ابن مطيع : إنّ بئري هذه قد رسحتها ، وهذا اليوم أوان تمامها قد خرج إلينا في الدلو شيء مِن مائها ، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة ، فقال (عليه السّلام) : «هات مِن مائها». فأتاه منه فشرب منه وتمضمض وردّه في البئر ، فعذب ماؤها. وجاء في وسيلة المال في عدّ مناقب الآل ـ صفي الدين / ١٨٥ : أنّ عبد الله لقى الحُسين (عليه السّلام) فقال له : جعلت فداك أين تريد؟ فقال : «أمّا الآن فمكّة ، وأمّا بعدها فأستخير الله». فقال : خار الله لك وجعلنا فداك! الزم الحرم فإنّك سيد العرب ، لا يعدل بك أهل الحجاز أحداً ، وتتداعى إليك الناس مِنْ كلّ جانب. لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي ، فوالله إنْ هلكت لنسترقنَّ بعدك.

(٢) الفتوح ٥ / ٣٧.

٣٠٧

لقد كانت هجرته إلى مكّة كهجرة موسى إلى مدين ، فكلّ منهما قد فرّ مِنْ فرعون زمانه ، وهاجر لمقاومة الظلم ومناهضة الطغيان.

في مكّة :

وانتهى الإمام إلى مكّة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين مِنْ شعبان(١) ، وقد حطّ رحله في دار العباس بن عبد المطلب(٢) ، وقد استُقبل استقبالاً حافلاً مِن المكيين ، وجعلوا يختلفون إليه بكرةً وعشيةً وهم يسألونه عن أحكام دينهم وأحاديث نبيّهم.

يقول ابن كثير : وعكف الناس بمكة يفدون إليه ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه وينتفعون بما يسمعون منه ، ويضبطون ما يروون عنه(٣) .

لقد كان بجاذبيته الروحية مهوى القلوب وندى الأفئدة ، وقد حامت حوله النفوس تروي غليلها مِنْ نمير علومه التي هي امتداد مِنْ علوم جدّه مفجّر العلم والنور في الأرض.

احتفاء الحِجّاج والمعتمرين به :

وأخذ القادمون إلى بيت الله مِن الحِجّاج والمعتمرين مِنْ سائر الآفاق يختلفون إليه(٤) ، ويهتفون بالدعوة إليه ويطوفون حوله ، هذا يلتمس

__________________

(١) المنتظم لابن الجوزي ، الإفادة في تاريخ الأئمة السادة.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٦٨ ، وفي الأخبار الطوال / ٢٠٩ ، أنّه نزل في شعب علي.

(٣) البداية والنهاية.

(٤) الفصول المهمة لابن الصباغ / ١٧٠ ، وسيلة المال في عدّ مناقب الآل / ١٨٥.

٣٠٨

منه العلم والحديث وذاك يقتبس مِنه الحكم النافعة والكلم الجامعة ؛ ليهتدي بأنوارهما في ظلمات الحياة(١) ، ولم يترك الإمام ثانية مِنْ وقته تمرّ دون أنْ يبثّ الوعي الاجتماعي ، ويدعو إلى اليقظة والحذر مِن السياسة الاُمويّة الهادفة إلى استعباد المسلمين وإذلاهم.

فزع ابن الزّبير :

وكان ابن الزّبير لاجئاً إلى مكّة فراراً مِن البيعة ليزيد ، وقد ثقل عليه اختلاف الناس على الإمام الحُسين (عليه السّلام) وإجماعهم على تعظيمه وتبجيله وزهد الناس وانصرافهم عنه ؛ لأنّه لمْ يكن يتمتع بصفة محبوبة ولا بنزعة كريمة.

يقول زيد بن علي الجذعاني : وكانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة ؛ لأنّه كان بخيلاً ضيّق العطن(٢) ، سيّئ الخُلُق ، حسوداً كثير الخلاف. أخرج محمّد بن الحنفيّة ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف(٣) .

ومِنْ مظاهر ذاتياته الشحّ والبخل ، وفيه يقول الشاعر :

رأيتُ أبا بكر وربُّك غالبٌ

على أمره يبغي الخلافةَ بالتمرِ(٤)

وقد عانى الشعب في أيّام حكمه القصير الجوع والحرمان ، كما عانت الموالي التي بالغت في نصرته أشدّ ألوان الضيق ، وقد عبّر شاعرهم عن خيبة أملهم في نصرته يقول :

__________________

(١) نهضة الحسين / ٧٣.

(٢) العطن : مبرك الإبل ، ومربض الغنم.

(٣) فوات الوفيات ١ / ٤٤٨.

(٤) المعارف ـ ابن قتيبة / ٧٦.

٣٠٩

إنّ المواليَ أمستْ وهي عاتبةٌ

على الخليفةِ تشكو الجوع والسَّغبا

ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا

أيّ الملوكِ على مَنْ حولنا غلبا(١)

وأظهر ابن الزّبير النسك والطاعة والتقشف ؛ تصنّعاً لصيد البسطاء وإغراء السذّج. وقد وصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بقوله : «ينصب حبالة الدين لاصطفاء الدنيا»(٢) .

ومِن المؤكد أنّه لمْ يكن يبغي في خروجه على سلطان بني أُميّة وجه الله ؛ وإنّما كان يبغي المُلْك والسلطان ، وقد أدلى بذلك عبد الله بن عمر حينما ألحّت عليه زوجته في مبايعته ، وذكرت له طاعته وتقواه ، فقال لها : أما رأيت بغلات معاوية التي كان يحجّ عليها الشهباء؟ فإنّ ابن الزّبير ما يريد غيرهن(٣) .

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ ابن الزّبير لمْ يكن شيء أثقل عليه مِنْ أمر الحُسين ؛ لعلمه بأنّه لا يبايعه أحد مع وجود الحُسين (عليه السّلام) ؛ لأنّه ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فليس على وجه الأرض أحدٌ يساميه ولا يساويه ، كما يقول ابن كثير(٤) .

وأكّد ذلك (أوكلي) قال : إنّ ابن الزّبير كان مقتنعاً تماماً بأنّ كلّ جهوده ستضيع عبثاً طالماً بقي الحُسين على قيد الحياة ، ولكن إذا أصابه مكروه فإنّ طريق الخلافة سيكون ممهّداً له.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٢٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٤.

(٣) المختار / ٩٥.

(٤) البداية والنهاية ٨ / ١٥٠ وجاء في وسيلة المال / ١٨٥ ، وقد ثقلت وطأة الحُسين على ابن الزّبير ؛ لأنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحُسين بالبلد ، ولا يتهيأ له ما يطلب منهم مع وجود الحُسين.

٣١٠

وكان يشير على الإمام بالخروج إلى العراق للتخلّص منه ، ويقول له : ما يمنعك مِنْ شيعتك وشيعة أبيك؟ فو الله ، لو أنّ لي مثلهم ما توجّهت إلاّ إليهم(١) .

ولمْ يمنح ابن الزّبير النصيحة للإمام ولمْ يخلص له في الرأي ؛ وإنّما أراد أنْ يستريح منه.

ولمْ تخفَ على الإمام دوافعه ، فراح يقول لأصحابه : «إنّ هذا ـ وأشار إلى ابن الزّبير ـ ليس شيء مِن الدنيا أحبّ إليه مِنْ أن أخرج مِن الحجاز ، وقد علم أنّ الناس لا يعدلونه بي ؛ فودّ أنّي خرجت حتّى يخلو له»(٢) .

ولمْ تحفل السلطة الاُمويّة بابن الزّبير وإنّما وجّهت جميع اهتمامها نحو الإمام الحُسين (عليه السّلام).

رأي الغزالي :

واستبعد الشيخ محمّد الغزالي أنّ ابن الزّبير قد أشار على الحُسين بالخروج إلى العراق ليستريح منه ، قال : فعبد الله بن الزّبير اتقى الله وأعرق في الإسلام مِنْ أنْ يقترف هذه الدنية(٣) .

وهذا الرأي بعيد عن الواقع ؛ فإنّ ابن الزّبير لمْ تكن له أيّة حريجة في الدين ، فهو الذي أجّج نار الفتنة في حرب الجمل وزج أباه فيها ، وقد تهالك على السلطان وضحّى بكلّ شيء في سبيله ، وقد كان مِنْ

__________________

(١) تاريخ الإسلام ـ الذهبي ٢ / ٢٦٨.

تاريخ ابن الأثير ٤ / ١٦ ، الطبري ٦ / ٢١٦.

(٣) من معالم الحق / ١٣١.

٣١١

أعدى الناس للعترة الطاهرة ، ومَنْ كان هذا شأنه فهل يكون تقيّاً وعريقاً في الإسلام؟!

رأي رخيص :

مِن الآراء الرخيصة ما ذهب إليه أنيس زكريا المعروف بنزعته الاُمويّة ، أنّ مِنْ أهمّ الأسباب التي أدّت إلى قتل الإمام الحُسين (عليه السّلام) تشجيع ابن الزّبير له في الخروج إلى العراق ، فقد كان له أثره المهم في نفسه(١) .

وهذا القول مِنْ أهزل الآراء ؛ فإنّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) لمْ يتأثر بقول ابن الزّبير ولمْ ينخدع بتشجيعه له ، وإنّما كانت هناك عوامل أُخرى حفّزته إلى الخروج إلى العراق ، وقد ذكرناها بالتفصيل في البحوث السابقة.

فزع السلطة المحلّية :

وذُعرت السلطة المحلّية في مكّة مِنْ قدوم الإمام إليها ، وخافت أنْ يتّخذها مقرّاً سياسياً لدعوته ، ومنطلقاً لإعلان الثورة على حكومة دمشق ، وقد خفت حاكم مكّة عمرو بن سعيد الأشدق وهو مذعور فقابل الإمام ، فقال له : ما أقدمك؟

ـ «عائذاً بالله ، وبهذا البيت»(٢) .

__________________

(١) الدولة الاُمويّة في الشام / ٥٤.

(٢) تذكرة الخواصّ / ٢٤٨.

٣١٢

لقد جاء الإمام (عليه السّلام) عائذاً ببيت الله الحرام الذي مَنْ دخله كان آمناً ، وكان محصناً مِنْ كلّ ظلم واعتداء.

ولمْ يحفل الأشدق بكلام الإمام ، وإنّما رفع رسالة إلى يزيد أحاطه بها علماً بمجيء الإمام إلى مكّة ، واختلاف الناس إليه وازدحامهم على مجلسه وإجماعهم على تعظيمه ، وأخبره إنّ ذلك يشكّل خطراً على الدولة الاُمويّة.

قلق يزيد :

واضطرب يزيد كأشدّ ما يكون الاضطراب حينما وافته الأنباء بامتناع الحُسين عن بيعته ، وهجرته إلى مكّة واتّخاذها مركزاً لدعوته ، وإرسال العراق الوفود والرسائل إلى الدعوة لبيعته ، فكتب إلى عبد الله بن عباس رسالة ، وهذا نصها :

أمّا بعد ، فإنّ ابن عمّك حُسيناً ، وعدو الله ابن الزّبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة ؛ فأمّا ابن الزّبير فإنّه صريع الفنا وقتيل السيف غداً ، وأمّا الحُسين فقد أحببت الأعذار إليكم أهل البيت ممّا كان منه ، وقد بلغني أنّ رجالاً مِنْ شعيته مِن أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة ، وقد تعلمون ما بيني وبينكم مِن الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام ، وقد قطع ذلك الحُسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد بلادك ، فالقه فاردده عن السعي في الفتنة ، فإنْ قبل منك وأناب فله عندى الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإنْ طلب الزيادة فاضمن له ما أدّيك ، وأنفّذ ضمانك وأقوم له بذلك

٣١٣

وله عليّ الأيمان المغلظّة ، والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كلّ الأمور عليها. عجّل بجواب كتابي وبكلّ حاجة لك قبلي ، والسلام. وختم كتابه بهذه الأبيات :

يا أيّها الراكبُ العادي مطيّتَهُ

على غُذافرةٍ في سيرِها قحمُ

أبلغ قريشاً على نأي المزارِ بها

بيني وبين حُسينِ اللهُ والرَّحِمُ

وموقفٌ بفناء البيتِ أنشدُهُ

عهدَ الإله وما توفي به الذممُ

عنيتمُ قومَكم فخراً بأُمّكمُ

أُمٌّ لَعمري حَصانٌ عفةٌ كرمُ

هي التي لا يداني فضلَها أحدٌ

بنتُ الرسول وخيرُ الناس قد علموا

إنّي لأعلمُ أو ظنّاً كعالمِهِ

والظنُّ يصدقُ أحياناً فينتظمُ

أنْ سوف يتركُكُمْ ما تدّعون بها

قتلى تهاداكُمُ العقبانُ والرّخمُ

يا قومَنا لا تشبّوا الحربَ إذ سكنتْ

وأمسكوا بحبالِ السلمِ واعتصموا

قد جرّب الحربَ مَنْ قد كان قبلَكُمُ

مِن القرونِ وقد بادتْ بها الاُممُ

فأنصفوا قومَكم لا تهلكوا برحاً

فرُبَّ ذي برحٍ زلّت به القدمُ

ودلّت هذه الرسالة على غباوة يزيد ؛ فقد حسب أنّ الإمام يطلب المال والثراء في خروجه عليه ، ولمْ يعلم أنّه إنّما ناهضه لا يبغي بذلك إلاّ الله والتماس الأجر في الدار الآخرة.

جواب ابن عباس :

وأجابه ابن عباس : أمّا بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحُسين وابن الزّبير بمكة ؛ فأمّا ابن الزّبير فرجل منقطع عنّا برأيه وهواه ؛ يكاتمنا مع ذلك أضغاناً يسرّها في صدره ، يوري علينا وري الزناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارى في أمره ما أنت راء ؛ وأمّا الحُسين فإنّه لمّا نزل مكة

٣١٤

وترك حرم جدّه ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فأخبرني أنّ عمّالك بالمدينة أساؤا إليه ، وعجّلوا عليه بالكلام الفاحش فأقبل إلى حرم الله مستجيراً به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ولنْ أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ بها النائرة ، ويخمد بها الفتنة ، ويحقن بها دماء الأُمّة.

فاتّقِ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنَ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ولا تحقّر له مهراة(١) ، فكم مِنْ حافر لغيره حفراً وقع فيه ، وكم مِنْ مؤمّل أملاً لمْ يؤت أمله ، وخذْ بحظّك مِنْ تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ؛ فإنّ كلّ ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكلّ ما اشتغلت به مِنْ أسباب الآخرة ينفع ويبقى. والسلام(٢) .

وحفلت هذه الرسالة بما يلي :

١ ـ أنّه لا علاقة لبني هاشم بابن الزّبير ولا هم مسؤولون عن تصرفاته ؛ فقد كان عدواً لهم يتربص بهم الدوائر ويبغي لهم الغوائل.

٢ ـ أنّ الإمام الحُسين إنّما نزح مِنْ يثرب إلى مكّة لا لإثارة الفتنة ؛ وإنّما لإساءة عمّال يزيد له ، وقد قدم إلى مكّة ليستجير ببيتها الحرام.

إقصاء حاكم المدينة :

كان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والياً على يثرب بعد عزل مروان عنها ، وكان فيما يقول المؤرّخون فطناً ذكيّاً ، يحب العافية ويكره الفتنة ، ولمّا امتنع الإمام الحُسين (عليه السّلام) مِن البيعة ليزيد لمْ يتّخذ معه

__________________

(١) المهراة : الحفرة.

(٢) تذكرة الخواصّ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠ ، تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٠.

٣١٥

الإجراءات الصارمة ولمْ يكرهه على ما لا يحبّ ، وإنّما فسح له المجال في الرحيل إلى مكّة مِنْ دون أنْ يعوّقه عنها ، في حين قد أصرّ عليه مروان بالتنكيل به فرفض ذلك ، وقد نقل الاُمويّون موقفه المتّسم باللين والتسامح مع الحُسين إلى يزيد فغضب عليه وعزله عن ولايته(١) ، وقد عهد بها إلى جبّار مِنْ جبابرة الاُمويِّين عمرو بن سعيد الأشدق(٢) وقد عُرِفَ بالقسوة والغلظة ، فقدم إلى المدينة في رمضان بعد أنْ تسلّم ولايته عليها فصلّى بالناس صلاة العتمة.

وفي الصباح خرج على الناس وعليه قميص أحمر وعمامة حمراء ، فرماه الناس بأبصارهم منكرين ما هو عليه ، فصعد المنبر فقال : يا أهل المدينة ، ما لكم ترموننا بأبصاركم كأنّكم تقروننا سيوفكم؟ أنسيتم ما فعلتم! أما لو انتقم في الأولى ما عدتم إلى الثانية ، أغرّكم إذ قتلتم عثمان فوجدتموه صابراً حليماً وإماماً ، فذهب غضبه وذهبت ذاته فاغتنموا أنفسكم ، فقد وليكم إمام بالشباب المقتبل البعيد الأمل ، وقد اعتدل جمسه واشتدّ عظمه ، ورمى الدهر ببصره واستقبله بأسره ، فهو إنْ عضّ لهس وإنْ وطيء فرس ، لا يقلقه الحصى ولا تقرع له العصا.

وعرض في خطابه لابن الزّبير فقال : فو الله لنغزونّه ، ثمّ لئن دخل الكعبة لنحرقنّها عليه على رغم

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٤٨.

(٢) الأشدق : لقّب بذلك لتشادقه الكلام. وقيل : إنّما لقّب بذلك لأنّه كان أفقم مائل الذقن ، جاء ذلك في البيان والتبيين ١ / ٣١٥ ، وقيل : إنّما لقّب بذلك لأنّه أصابه اعوجاج في حلقه لإغراقه في شتم علي ، جاء ذلك في معجم الشعراء / ٢٣١.

٣١٦

أنف مَنْ رغم(١) .

ورعف الطاغية على المنبر فألقى إليه رجل عمامة فمسح بها دمه ، فقال رجل مِنْ خثعم : دمٌ على المنبر في عمامة فتنة عمّت وعلا ذكرها وربّ الكعبة(٢) . وقد اُثر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : «ليرعفنَّ على منبري جبّار مِن جبابرة بني اُميّة فيسيل رعافه»(٣) .

وعزم الأشدق على مقابلة الجبهة المعارضة بالقوة والبطش ، وقد حفّزه إلى ذلك ما حلّ بسلفه الوليد مِن الإقصاء وسلب الثقة عنه ؛ نتيجة تساهله مع الحُسين (عليه السّلام).

ولعلّ مِنْ أوثق الأسباب التي دعت الإمام الحُسين (عليه السّلام) إلى مغادرة الحجاز هو الحذر مِنْ بطش هذا الطاغية به ، والخوف مِنْ اغتياله وهو في الحرم.

الحُسين مع ابن عمر وابن عباس :

وكان عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر مقيمين في مكّة حينما أقبل الإمام الحُسين إليها ، وقد خفّا لاستقباله والتشرّف بخدمته وكانا قد عزما على مغادرة مكّة.

فقال له ابن عمر : أبا عبد الله ، رحمك الله ، اتّقِ الله الذي إليه معادك ، فقد عرفت مِنْ عداوة أهل هذا البيت ـ يعني بني اُميّة ـ لكمْ ، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ولستُ آمن أنْ يميلَ الناس إليه ؛ لمكان هذه الصفراء

__________________

(١) تاريخ الإسلام ـ الذهبي ٢ / ٢٦٨.

(٢) سمط النجوم العوالي ٣ / ٥٧.

(٣) مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٠.

٣١٧

والبيضاء فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإنّي قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «حُسين مقتول ، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرتَ لمعاوية مِنْ قبل ، فلعلّ الله أنْ يحكم بينك وبين القوم الظالمين.

فقال له أبيّ الضيم : «أنا اُبايع يزيد وأدخل في صلحه وقد قال النّبي (صلّى الله عليه وآله) فيه وفي أبيه ما قال؟!». وانبرى ابن عباس فقال له : صدقت أبا عبد الله ؛ قال النّبي (صلّى الله عليه وآله) في حياته : «ما لي وليزيد! لا بارك الله في يزيد ، وإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين. والذي نفسي بيده ، لا يُقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». وبكى ابن عباس والحُسين ، والتفت إليه قائلاً : «يابن عباس ، أتعلم أنّي ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟».

ـ اللّهم نعم ، نعلم ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وإنّ نصرك لفرض على هذه الاُمّة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا يقبل أحدهما دون الاُخرى.

فقال له الحُسين (عليه السّلام) : «يابن عباس ، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ داره وقراره ، ومولده وحرم رسوله ، ومجاورة قبره ومسجده وموضع مهاجره ، فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقر في قرار ، ولا يأوي في

٣١٨

موطن ، يريدون في ذلك قتله وسفك دمه ، وهو لمْ يشرك بالله ولا اتّخذ من دونه وليّاً ، ولمْ يتغيّر عمّا كان عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟».

وانبرى ابن عباس يؤيد كلامه ويدعم قوله قائلاً : ما أقول فيهم إلاّ أنّهم كفروا بالله ورسوله ، (وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ، يُرَاءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلا قَلِيلاً ، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلَى‏ هؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى‏ هؤُلاَءِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ، وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى ، وأمّا أنت يا بن رسول الله ، فإنّك رأس الفخار برسول الله ، فلا تظنَّ يابن بنت رسول الله أنّ الله غافلٌ عمّا يفعل الظالمون ، وأنا أشهد أنّ مَنْ رغِبَ عن مجاورتك وطمعَ في محاربتك ومحاربة نبيّك محمّد فما له مِنْ خلاق.

وانبرى الإمام الحُسين فصدّق قوله قائلاً : «اللّهم نعم».

وانطلق ابن عباس يظهر له الاستعداد للقيام بنصرته قائلاً : جعلت فداك يابن بنت رسول الله ، كأنّك تريدني إلى نفسك وتريد منّي أنْ أنصرك ، والله الذي لا إله إلاّ هو أنْ لو ضربتُ بين يديك بسيفي هذا بيدي حتّى انخلعا جميعاً من كفّي لما كنت ممّن وفّى مِنْ حقك عشر العشر ، وها أنا بين يديك مرني بأمرك.

وقطع ابن عمر كلامه ، وأقبل على الحُسين ، فقال له : مهلاً عما قد عزمت عليه ، وارجع مِنْ هنا إلى المدينة وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لهم على نفسك حجّة وسبيلاً ، وإنْ أحببت أنْ لا تبايع فأنت متروك حتّى ترى رأيك ، فإنّ يزيد بن معاوية عسى أنْ لا يعيش إلاّ قليلاً فيكفيك الله أمره.

وزجره الإمام (عليه السّلام) ، وردّ عليه قوله قائلاً :

٣١٩

«اُفٍ لهذا الكلام أبداً ما دامت السماوات والأرض! أسألك يا عبد الله ، أنا عندك على خطأ مِنْ أمري؟ فإنْ كنت على خطأ ردّني فأنا أخضع وأسمع وأطيع».

فقال ابن عمر : اللّهم لا ، ولمْ يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسول الله على خطأ ، وليس مثلك مِنْ طهارته وصفوته مِنْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على مثل يزيد بن معاوية ، ولكنْ أخشى أنْ يُضربَ وجهُك هذا الحسن الجميل بالسيوف وترى مِنْ هذه الاُمّة ما لا تحبّ ، فارجع معنا إلى المدينة ، وإنْ لمْ تحبّ أنْ تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزلك.

والتفت إليه الإمام فأخبره عن خبث الاُمويِّين وسوء نواياهم نحوه قائلاً : «هيهات يابن عمر! إنّ القوم لا يتركوني وإنْ أصابوني ، وإنْ لمْ يصيبوني فلا يزالون حتّى اُبايع وأنا كاره أو يقتلوني. أما تعلم يا عبد الله ، إنّ مِنْ هوان الدنيا على الله تعالى أنّه اُتي برأس يحيى بن زكريا إلى بغي مِنْ بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم؟! أما تعلم يا أبا عبد الرحمن ، إنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلّهم كأنّهم لمْ يصنعوا شيئاً ، فلمْ يعجّل الله عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟!»(١)

وكشفت هذه المحاورة عن تصميمه على الثورة وعزمه على مناجزة يزيد ؛ لأنّه لا يتركه وشأنه ؛ فإمّا أنْ يبايعَ وبذلك يذلّ هو ويذلّ الإسلام

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٣٨ ـ ٤٢.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470