حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام16%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307413 / تحميل: 6768
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ـ فذاك أبو تراب.

ـ كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين (ع).

والتفت مدير شرطة زياد الى صيفي منكرا عليه مقاله ليتقرب الى ابن سمية قائلا :

« يقول لك الأمير : هو ابو تراب ، وتقول أنت : لا؟!! »

فنهره صيفي ورد عليه وهو غير معتن به ولا بأميره قائلا :

« وإن كذب الأمير أتريد أن اكذب وأشهد له على باطل كما شهد! »

فثار ابن سمية وانتفخت اوداجه غضبا ، فقال له :

« وهذا أيضا مع ذنبك ».

والتفت الى شرطته وهو مغيظ فقال لهم : « علي بالعصا » فأتى بها فالتفت الى صيفي :

« ما قولك؟ ».

فقال له بكل شجاعة وايمان :

« أحسن قول أنا قائله فى عبد من عباد الله المؤمنين. »

وأمر زياد جلاوزته بضرب عاتقه حتى يلصق بالأرض ، فبادروا إليه وضربوه ضربا عنيفا حتى وصل عاتقه الى الأرض ، ثم أمرهم بالكف عنه والتفت إليه :

« إيه ما قولك فى علي؟ »

وأصر بطل العقيدة على ايمانه فقال :

ـ والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني.

ـ لتلعننه أو لأضربن عنقك!

ـ إذا تضربها والله قبل ذلك فان أبيت إلا أن تضربها. رضيت

٣٦١

بالله وشقيت أنت!

« ادفعوا في رقبته ».

ثم أمر به ثانيا أن يوقر في الحديد ويلقى فى ظلمات السجون(1) وأخيرا بعثه مع حجر فاستشهد معه في مرج عذراء.

ج ـ قبيصة بن ربيعة :

ومن جملة أصحاب حجر الذين أرهقهم زياد قبيصة بن ربيعة العبسي فقد بعث إليه مدير شرطته شداد بن الهيثم فهجم عليه خفية فلما أحس به قبيصة أخذ سيفه ووقف للدفاع عن نفسه ولحق به فريق من قومه فقال مدير الشرطة الى قبيصة مخادعا :

« أنت آمن على دمك ومالك ، فلم تقتل نفسك؟ »

ولما سمع بذلك اصحابه انخدعوا فلم يحاموا عنه ولم ينقذوه لأن خوفهم من سلطة زياد كان اشد وقعا في نفوسهم من خطر الموت ، فاندفعوا قائلين :

« قد امنت فعلام تقتل نفسك وتقتلنا معك؟ »

ولم يذعن لمقالة اصحابه وذلك لعلمه بغدر الأمويين وعدم وفائهم بالعهد والوعد فقال لهم :

« ويحكم إن هذا الدعي ابن العاهرة ، والله لئن وقعت فى يده لا افلت ابدا أو يقتلني ».

ـ كلا.

ولما لم يجد بدا من ذلك وضع يده في ايديهم وأخذ اسيرا الى زياد فلما مثل عنده قال له :

« أما والله لأجعلن لك شاغلا عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء »

__________________

(1) الطبري 4 / 198 ، الكامل 3 / 139.

٣٦٢

ـ إني لم آتك إلا على الأمان.

ـ انطلقوا به الى السجن(1) .

لقد نقض زياد الأمان وخاس بالميثاق ، ثم أمر به أن يحمل مع حجر وأصحابه الى مرج عذراء ، فحمل معهم ، فلما انتهت قافلتهم الى جبانة ( عرزم ) وكانت فيها داره ، نظر إليها وإذا بناته قد أشرفن من أعلا الدار ينظرن إليه ، وهن يخمشن الوجوه ، ويخلطن الدموع بالدعاء ، قد أخذتهن المائقة ، ومزق الأسى قلوبهن ، فلما نظر الى ذلك المنظر الرهيب طلب من الشرطة الموكلة بخفارته أن يسمحوا له بالدنو من بناته ليوصيهن بما أراد ، فسمحوا له بذلك ، فلما دنا منهن علا صراخهن فأمرهن بالسكوت والخلود الى الصبر ، وأرضاهن بوصيته التي مثلت الإيمان والرضا بقضاء الله قائلا :

« اتقين الله عز وجل ، واصبرن ، فاني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين إما الشهادة وهي السعادة ، وإما الانصراف إليكن في عافية ، وإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مئونتكن هو الله تعالى ، وهو حي لا يموت ، أرجو أن لا يضيعكن ، وأن يحفظني فيكن ».

ثم ودعهن وانصرف ، ولما رأى من معه شجو بناته وما داخلهن من الفزع والمصاب رقّوا لهن ، ثم رفعوا أيديهم بالدعاء والابتهال الى الله تعالى طالبين منه العافية والسلامة الى قبيصة فانبرى إليهم قائلا :

« إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي حيث لا ينصرونني »(2) .

__________________

(1) تاريخ الطبري 6 / 149.

(2) نفس المصدر.

٣٦٣

أراد بذلك عدم نصرة قومه وخذلانهم له ، وان ذلك أشد وقعا على نفسه من هلاكه ، وسار قبيصة مع حجر الى مرج عذراء فاستشهد معه ، وأما بقية اصحاب حجر الذين استشهدوا معه فلم نعثر على معلومات وافية عنهم ، ونشير الى أسمائهم وهم :

شريك بن شداد الحضرمي.

كدام بن حيان العنزي.

محرز بن شهاب التميمي.

وهؤلاء الحماة الذين قدموا نفوسهم ضحايا للعقيدة ، وقرابين للحق

كانوا من خيار المسلمين ومن صالحائهم ، قد ساقتهم السلطة الأموية الى ساحة الإعدام ، فاستباحت دماءهم ، لا لذنب اقترفوه ، سوى مودتهم للعترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم في لزوم مراعاتها ومودتها.

صدى الفاجعة :

وذعر المسلمون لهذا الحادث الخطير ، وعم السخط جميع ارجاء البلاد لأن حجرا من أعلام الإسلام ، ومن خيار صحابة النبيّ (ص) ، وقد انتهكت في قتله حرمة الإسلام ، لأنه لم يحدث فسادا في الأرض ، وإنما رأى منكرا فناهضه ، وجورا فناجزه ، رأى زيادا يؤخر الصلاة فطالبه باقامتها ورآه يسب امير المؤمنين فطالبه بالكف عنه ، فقتل من اجل ذلك ، وقد اندفعت الشخصيات الرفيعة في العالم الإسلامى الى اعلان سخطها على معاوية والى الإنكار عليه ، ومن الخير ان نذكر بعضهم ونستمع الى نقدهم وهم :

أ ـ الإمام الحسين (ع).

ورفع الإمام الحسين (ع) من يثرب رسالة الى معاوية أنكر فيها

٣٦٤

اشد الإنكار على ما ارتكبه من قتل حجر واصحابه الأبرار وهذا نصها :

« الست القاتل حجرا اخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون فى الله لومة لائم؟ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الإيمان المغلظة ، والمواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث ، كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم »(1) .

لقد انكر الإمام (ع) برسالته على معاوية استباحته لدم حجر واصحابه المثاليين الذين انكروا الظلم وناهضوا الجور ، واستعظموا البدع وقد قتلهم ظلما وعدوانا ، بعد ما أكد على نفسه واعطاهم المواثيق المؤكدة ان لا يأخذهم بحدث ولا بإحنة فيما مضى ، ولكن ابن هند قد خاس بذلك ولم يف به.

ب ـ عائشة :

ومن جملة المنكرين على معاوية عائشة ، فقد دخل عليها في بيتها بعد منصرفه من الحج فقالت له :

« أأمنت ان اخبأ لك من يقتلك؟ »

فقال لها مخادعا :

« بيت الأمن دخلت ».

ـ اما خشيت الله في قتل حجر واصحابه؟(2) .

وكانت دوما تتحدث عن مصاب حجر فقد حدثت عما سمعته من رسول الله (ص) فى فضله قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول :

__________________

(1) البحار 10 / 149.

(2) الطبري 6 / 156.

٣٦٥

سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء »(1) وقالت منددة بأهل الكوفة : « أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس ، أما والله إن كانوا لجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها ولله در لبيد حيث يقول :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

لا ينفعون ولا يرجى خيرهم

ويعاب قائلهم وان لم يشغب(2)

ج ـ الربيع بن زياد :

ومن الناقمين على معاوية الربيع بن زياد البصري(3) عامله على خراسان فانه لما سمع بالنبإ المؤلم طاش لبّه وذهبت نفسه حسرات فقال والحزن باد عليه :

« لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ـ أي بعد مقتل حجر ـ ولو نفرت عند قتله لم يقتل واحد منهم صبرا. ولكنها أقرت فذلت!! »

إن أهل الكوفة لو منعوا السلطة الأموية من قتل حجر وأصحابه لما

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 55 ، الاصابة 1 / 314.

(2) الاستيعاب 1 / 357.

(3) الربيع بن زياد بن أنس الحارثي البصري كان عاملا لمعاوية على خراسان وكان كاتبه الحسن البصري ، روي عن أبي بن كعب ، وعن جماعة وروى عنه قوم ، توفي سنة 51 ، جاء ذلك في تهذيب التهذيب 3 / 43 ، وجاء في الاصابة 1 / 491 ، ان الربيع وفد على عمر بن الخطاب فقال له : يا أمير المؤمنين والله ما وليت هذه الأمّة إلا ببلية ابتليت بها ، ولو أن شاة ضلت بشاطئ الفرات لسئلت عنها يوم القيامة ، فبكى عمر حينما سمع منه هذا الكلام.

٣٦٦

تمكن الأمويون من قتل أحرارهم وأخيارهم ، ولكنهم رضوا بالخمول والذل وكرهوا الموت في سبيل الله ، فهان أمرهم وذلوا ، وعمل فيهم الأمويون ما أرادوا من اخضاعهم للذل والهوان.

وبقي الربيع ذاهل النفس ، خائر القوى ، قد مزق الأسى قلبه ، فلما صار يوم الجمعة صلى بالناس صلاة الجمعة ، وبعد الفراغ منها خطب الناس فقال فى خطابه :

« أيها الناس ، إني قد مللت الحياة وإني داع فأمنوا » ثم رفع يديه بالدعاء فقال :

« اللهم ، إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل ».

فاستجاب الله دعاءه فما فارق المجالس حتى وافاه الأجل المحتوم(1) .

د ـ الحسن البصري :

وعدّ الحسن البصري قتل حجر إحدى الموبقات الأربعة التي ارتكبها معاوية ، فقال فيما يخص حجرا :

« ويل له من حجر وأصحاب حجر مرتين »(2) .

ه ـ عبد الله بن عمر :

لقد ذعر ابن عمر حينما علم بمقتل حجر ، فقد أخبر بقتله وهو بالسوق وكان محتبى فأطلق حبوته وولى وهو يبكي أشد البكاء وأمرّه(3) .

و ـ معاوية بن خديج :

__________________

(1) الكامل 3 / 195.

(2) ذكرنا حديثه بكامله مع ترجمته فى فصول هذا الكتاب.

(3) الاصابة 1 / 314.

٣٦٧

وانتهى الخبر المؤلم الى معاوية بن خديج(1) وكان في افريقية مع الجيش ، فقال لقومه الذين كانوا معه من كندة :

« ألا ترون أنا نقاتل لقريش ونقتل أنفسنا لنثبت ملكها ، وأنهم يثبون على بنى عمنا فيقتلونهم ».

لقد كان قتل حجر من الأحداث الكبار وكان صدعا في الاسلام وبلاء على عموم العرب ، وكان معاوية نفسه لا يشك فى ذلك فكان ينظر إليه شبحا مخيفا ويردد ذكره في خلواته ، وقد ذكره كثيرا في مرضه الذي هلك فيه فكان يقول : « ويلي منك يا حجر » وكان يقول : « يوم لي من ابن الأدبار ـ يعني حجرا ـ طويل » قال ذلك ثلاث مرات(2) .

نعم ، أن يومه لطويل من حجر وأمثاله من المؤمنين والصالحين الذين سفك دماءهم لا لذنب اقترفوه ، سوى حبهم لأهل البيت ، وهنا ينتهي بنا الحديث عن محنة حجر وأصحابه لنلتقي بزملاء له آخرين.

رشيد الهجري :

ورشيد الهجري يعد في طليعة رجال الإسلام ورعا وتقى وعلما وفضلا ، فقد تتلمذ فى مدرسة أمير المؤمنين ونال الكثير من علومه ومعارفه فكان (ع) يسميه ( رشيد البلايا ) وحدثت ابنته قنو قالت : سمعت أبي يقول :

__________________

(1) معاوية بن خديج بن جفنة السكوني ، وقيل الكندي : هو الذي قتل العبد الصالح الطيب محمد بن أبي بكر بأمر ابن العاص ، وقد غزا افريقية ثلاث مرات ، جاء ذلك في الاستيعاب 3 / 389.

(2) الطبري 6 / 156.

٣٦٨

« قال لي أمير المؤمنين ، يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ »

ـ يا أمير المؤمنين آخر ذلك الى الجنة؟

ـ يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.

وخرج رشيد مع أمير المؤمنين الى بستان فاستظلا تحت نخلة ، فقام صاحب البستان الى نخلة ، فأخذ منها رطبا وقدمه الى أمير المؤمنين فأكلعليه‌السلام منه ، فالتفت رشيد الى الإمام قائلا له :

« ما أطيب هذا الرطب!؟ »

ـ أما انك ستصلب على جذعها!!

فكان رشيد بعد حديث الإمام يتعاهد تلك النخلة التي أكل من رطبها فيسقيها ويتعبد تحتها واجتاز عليها يوما فرأى سعفها قد قطع فشعر بدنو أجله ، واجتاز عليها مرة أخرى فرأى نصفها قد جعل زرنوقا يستسقى عليه فتيقن بدنو الأجل المحتوم منه(1) ، وفي فترات تلك المدة الرهيبة بعث خلفه ابن سمية ، فلما حضر عنده قال له :

« ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ »

ـ تقطعون يديّ ورجليّ وتصلبونني.

ـ أما والله لأكذّبن حديثه ، خلّوا سبيله.

فخلت الجلاوزة سراحه ، فلما خرج قال زياد لجلاوزته : ردّوه ، فردوه إليه ، فالتفت له قائلا :

« لا نجد لك شيئا أصلح مما قال صاحبك ، إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه » ، فامتثلت الجلاوزة أمره ، فقطعوا

__________________

(1) التعليقات على منهج المقال ص 140.

٣٦٩

يديه ورجليه وهو يتكلم ، فغاظ كلامه زيادا ، فقال لجلاوزته : اصلبوه خنقا ، فقال رشيد لهم : « قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه ـ أراد بذلك قطع لسانه ـ » فأمر ابن سمية بقطع لسانه ولما أرادوا قطع لسانه قال لهم : « نفسوا عني حتى أتكلم كلمة واحدة » ، فأعطوه ذلك ، فقال : « هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين (ع) أخبرني بقطع لساني » ، ثم قطع الجلاوزة لسانه(1) .

أي ذنب اقترفه هذا العابد العظيم حتى يستحق هذا التنكيل ويمثل به بدلك التمثيل الفظيع ، ولكن ابن سمية ومعاوية قد راما بذلك تصفية الحساب مع شيعة أهل البيت والقضاء على روح التشيع.

عمرو بن الحمق الخزاعي :

وكان عمرو بن الحمق يحمل شعورا دينيا قويا حيا ، وكان من خيرة

الصحابة في ورعه وتقواه ، وهو الذي سقى النبي لبنا فدعا له (ص) بأن يمتعه الله بشبابه ، فاستجاب الله دعاء نبيه فأخذ عمرو بعنق الثمانين عاما ولم تر في كريمته شعرة بيضاء(2) .

وكان من صفوة أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومن خلص أصحابه ، وقد دعاعليه‌السلام له فقال : « اللهم نوّر قلبه بالتقى ، واهده الى صراطك المستقيم »(3) ، وكان (ع) يكبره ويجله ويقدمه على غيره ، فقد قال

__________________

(1) سفينة البحار 1 / 522 ، وقال الحافظ الذهبي في التذكرة قتل زياد رشيدا الهجري لتشيعه ، فقطع لسانه وصلبه.

(2) الاصابة 2 / 526.

(3) سفينة البحار 2 / 360.

٣٧٠

له : « ليت في جندي مثلك مائة ». وقال لأمير المؤمنين معربا له عن ولائه واخلاصه :

« يا أمير المؤمنين ، والله ما أحببتك للدنيا ولا للمنزلة تكون لي بها ، وإنما أحببتك لخمس خصال ، إنك أول المؤمنين إيمانا ، وابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعظم المهاجرين والأنصار ، وزوج سيدة النساءعليها‌السلام ، وأبو ذريته الباقية من رسول الله (ص) ، فلو قطعت الجبال الرواسي ، وعبرت البحار الطوامي في توهين عدوك وتلقيح حجتك لرأيت ذلك قليلا من كثير ما يجب علي من حقك »(1) .

وقد دلّ حديثه على عقيدته وإيمانه وعظيم ولائه لأمير المؤمنين (ع) ولاء يلتمس منه وجه الله ويبغي فيه الدار الآخرة.

ولما ولى زياد الكوفة وتتبع زعماء الشيعة ووجوههم خاف الخزاعي من سلطته الغاشمة ففرّ الى المدائن ومعه رفاعة بن شداد فمكثا فيها برهة من الزمن ثم هربا الى الموصل وقبل أن يصلا إليها مكثا في جبل هناك ليستجما فيه ، وبلغ بلتعة بن أبي عبد الله عامل معاوية أن رجلين قد كمنا في جبل من جبال الموصل فاستنكر شأنهما فسار إليهما مع فريق من أصحابه ، فلما انتهوا الى الجبل خرج إليهما عمرو ورفاعة ، فأما عمرو فقد كان مريضا لأنه قد سقي سما وليس عنده قوى يستطيع بها على خلاص نفسه فوقف ولم يهرب ، وأما رفاعة فقد كان في شرخ الشباب فاعتلى فرسه ثم التفت الى عمرو فقال له : « أقاتل عنك؟ ».

فنهاه عن ذلك وقال له :

« وما ينفعني أن تقاتل انج بنفسك إن استطعت. »

__________________

(1) التعليقات ص 246.

٣٧١

ومضى رفاعة فهجم على القوم فأفرجوا له ، ثم خرجوا فى طلبه فلم يتمكنوا عليه لأنه كان راميا ، وأخذ عمرو أسيرا وطلبوا منه أن يعرفهم شخصيته فامتنع وقال لهم :

« أنا من إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضر لكم ».

وأصروا عليه أن يعرفهم نفسه ، فأبى ، فارتابوا من أمره ، فأرسلوه مخفورا الى عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي حاكم الموصل ، فلما رآه عرفه ورفع بالوقت رسالة الى معاوية عرفه بالأمر ، فأجابه :

« إنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص(1) كانت معه ، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان ».

فأخرجه عبد الرحمن وأمر بطعنه تسع طعنات فمات في الاولى أو الثانية منها(2) ثم احتز رأسه وبعثه الى معاوية فأمر أن يطاف به في الشام وغيره فكان أول رأس طيف به في الإسلام(3) ثم أمر به أن يبعث الى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في سجنه فجيء به فوضع فى حجرها وهي غافلة لا تعلم من أمره شيئا ، فلما بصرت به اضطربت حتى كادت أن تموت ثم قالت ودموعها تتبلور على وجهها :

« وا حزناه لصغره في دار هوان ، وضيق من ضيمه سلطان ، نفيتموه عني طويلا ، وأهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية ».

__________________

(1) المشاقص : جمع مفرده ـ مشقص ـ النصل العريض ، أو سهم فيه نصل عريض.

(2) تاريخ الطبري.

(3) الاستيعاب 2 / 517.

٣٧٢

ثم التفتت الى الحرسي فقالت له :

« ارجع به أيها الرسول الى معاوية فقل له : ولا تطوه دونه ، أيتم الله ولدك ، وأوحش منك أهلك ، ولا غفر لك ذنبك ».

ورجع الرسول الى معاوية فأخبره بمقالتها فغضب وغاظه كلامها فأمر باحضارها في مجلسه ، فجيء بها إليه فقال لها :

« أنت يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغنى؟ »

فانبرت إليه غير مكترثة ولا هيّابة لسلطانه قائلة :

« نعم ، غير نازعة عنه ، ولا معتذرة منه ، ولا منكرة له ، فلعمري لقد اجتهدت فى الدعاء ان نفع الاجتهاد وإن الحق لمن وراء العباد ، وما بلغت شيئا من جزائك وإن الله بالنقمة من ورائك!! »

فالتفت إياس بن حسل الى معاوية متقربا إليه :

« أقتل هذه يا أمير المؤمنين؟ فو الله ما كان زوجها أحق بالقتل منها ».

فقالت له : « تبا لك ، ويلك بين لحييك كجثمان الضفدع ، ثم أنت تدعوه الى قتلي كما قتل زوجي بالأمس!!! إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ».

فضحك معاوية وقال متبهرا :

« لله درك اخرجي!! ثم لا أسمع بك في شيء من الشام ».

فقالت له : « وأبي لأخرجن ثم لا تسمع لي في شيء من الشام فما الشام لي بحبيب ولا اعرج فيها على حميم ، وما هي لي بوطن ، ولا أحن فيها الى سكن ، ولقد عظم فيها ديني ، وما قرت فيها عيني ، وما أنا فيها إليك بعائدة ، ولا حيث كنت بحامدة ».

وثقل كلامها على معاوية فأشار إليها ببنانه بالخروج ، فخرجت

٣٧٣

وهي تقول :

واعجبي لمعاوية يكف عنى لسانه ويشير الى الخروج ببنانه ، أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد شديد أوجع من نوافد الحديد ، أو ما أنا بابنة الشريد ».

ثم خرجت من مجلسه(1) لقد كان قتل عمرو من الأحداث الجسام في الإسلام لأنه من صحابة النبي (ص) وقد عمد معاوية الى اراقة دمه فخالف بذلك ما أمر الله به من حرمة سفك دماء المسلمين إلا بالحق ، ولم يشف قتله غليل معاوية فقد أمر بأن يطاف برأسه في بلاد المسلمين وبعث به الى زوجته فروعها وكادت أن تموت من ألم المصاب ، وقد رفع الإمام الحسين (ع) من يثرب رسالة الى معاوية انكر فيها ارتكابه لهذا الحادث الخطير وهذا نصها :

« أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه ، واصفر لونه بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ثم قتلته جرأة على ربك ، واستخفافا بذلك العهد »(2) .

لقد اشاد الإمام بفضل عمرو فذكر أنه صاحب رسول الله (ص) وانه قد أبلت العبادة جسمه ، كما ذكر ان معاوية قد ابرم عهدا خاصا فى شأنه يتضمن أمنه وعدم البغي عليه ولكنه قد خاس بعهده ولم يف به.

__________________

(1) أعلام النساء 1 / 4.

(2) التعليقات ص 246.

٣٧٤

أوفى بن حصن :

وكان أوفى بن حصن من المنددين بالسياسة الأموية ، ومن الناقدين لسلطتهم ، وكان يذيع مساوئهم بين أوساط الكوفيين فبلغ ذلك زيادا فبعث في طلبه فاختفى أوفى واستعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى فشك في أمره فقال لمن معه :

« من هذا؟ »

ـ أوفى بن حصن.

ـ عليّ به.

فجيء به إليه فقال متبهرا : « أتتك بخائن رجلاه تسعى ». ثم التفت إليه قائلا :

ـ ما رأيك في عثمان؟

ـ ختن رسول الله (ص) على ابنتيه.

ـ ما تقول في معاوية؟

ـ جواد حليم.

ـ ما تقول فيّ؟

ـ بلغني أنك قلت بالبصرة : « والله لآخذن البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر »

ـ قد قلت ذلك.

ـ خبطتها خبط عشواء!!

ـ ليس النفاخ بشر الزمرة.

ثم أمر بقتله(1) ، إن نكران أوفى لسياسة زياد في ذلك الظرف

__________________

(1) الكامل 3 / 183.

٣٧٥

العصيب من اعظم الأعمال التي قام بها ، ومن أفضل الجهاد الذي عناه رسول الله (ص) بقوله : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل تكلم عند سلطان جائر ، فأمر به فقتل »(1) .

جويرية بن مسهر العبدي :

وكان جويرية من خلّص أصحاب الإمام أمير المؤمنين ومن حملة حديثه ومن المقربين عنده فقد نظر إليه يوما فناداه : يا جويرية الحق بي فأني إذا رأيتك هويتك ، ثم حدثه ببعض أسرار الإمامة وقال له : « يا جويرية أحب حبيبنا ما أحبنا فاذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما ابغضنا فاذا أحبنا فأحبه »(2) ، ودخل على أمير المؤمنين يوما وكان مضطجعا فقال له جويرية :

« أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك ».

فتبسم أمير المؤمنين (ع) وانبرى إليه فأخبره بما يجري عليه من بعده من ولاة الجور قائلا :

« وأحدثك يا جويرية بأمرك ، أما والذي نفسي بيده لتعتلن(3) الى العتل الزنيم ، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر »(4) .

وما دارت الأيام حتى استدعى ابن سمية جويرية فأمر بقطع يده ورجله

__________________

(1) النصائح ص 60.

(2) ابن أبي الحديد وقريب منه جاء في التعليقات ص 366.

(3) لتعتلن : أي لتجذبن.

(4) الكافر : القصير.

٣٧٦

ثم صلبه على جذع قصير(1) ، وقد ألف هشام بن محمد السائب كتابا فى فاجعة جويرية ورشيد وميثم التمار(2) .

عبد الله بن يحيى الحضرمي :

وكان عبد الله الحضرمى من أولياء أمير المؤمنين ومن صفوة أصحابه وكان من شرطة الخميس(3) وقد قال (ع) له يوم الجمل :

« أبشر يا عبد الله فانك وأباك من شرطة الخميس حقا لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس(4) .

ولما قتل أمير المؤمنين (ع) حزن عليه عبد الله حزنا مرهقا فترك الكوفة وبنى له صومعة يتعبد فيها هو وأصحابه المؤمنون ، ولما علم ابن هند بجزعهم وحزنهم على موت أمير المؤمنين (ع) أمر باحضارهم عنده ، فلما جيء بهم أمر بقتلهم صبرا فقتلوا(5) ففي ذمة الله هؤلاء الصلحاء الأخيار الذين سفكت دماؤهم ، وتقطعت أوصالهم ، ولم يرتكبوا ذنبا أو يحدثوا في الإسلام حدثا سوى ولائهم لأمير المؤمنين (ع) امتثالا لرسول الله صلى الله

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد.

(2) التعليقات ص 366.

(3) الخميس : اسم من أسماء الجيش سمي به لأنه قد قسم الى خمسة أقسام المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة ، وقيل : إنما سمى به لأن الغنائم تخمّس فيه جاء ذلك فى نهاية ابن الأثير ، وذكرت بعض المصادر أن شرطة الخميس كانوا معروفين بالثقة والعدالة حتى كانت شهادة أحدهم تعدل شهادة رجلين.

(4) التعليقات ص 214.

(5) البحار 10 / 102.

٣٧٧

عليه وآله الذي فرض ودّه على جميع المسلمين.

ولم يقتصر معاوية في عدائه للشيعة على قتل زعمائهم ، فقد قام بأمور بالغة الخطورة وهي :

هدم دور الشيعة :

وبذل معاوية جميع جهوده في سبيل القضاء على شيعة أمير المؤمنين فأمر عماله أن يهدموا دورهم ، فقامت جلاوزته بهدمها(1) وقد تركهم بلا مأوى يأوون إليه كل ذلك لأجل القضاء على التشيع ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام .

عدم قبول شهادة الشيعة :

وعمل معاوية جميع ما يمكنه في اذلال الشيعة وفهرهم ، فقد كتب الى جميع عماله أن لا يجيزوا لأحد من شيعة أمير المؤمنين وأهل بيته شهادة(2) فامتثل العمال أمره ، فلم تقبل شهادة الشيعة وهم من ثقات المسلمين وعدولهم وأخيارهم.

اشاعة الارهاب والاعتقال :

وأذاع معاوية الرعب والإرهاب فى نفوس الشيعة فخلّد بعضهم في السجون حتى ماتوا ، وروّع جمعا آخرين حتى تركوا أوطانهم وفرّوا هائمين على وجه الأرض يطاردهم الخوف والرعب ، وقد قبضت شرطته

__________________

(1) اعيان الشيعة 4 / 46.

(2) شرح ابن أبي الحديد 3 / 15 ، ذخيرة الدارين ص 19.

٣٧٨

على الكثيرين منهم فجيء بهم مخفورين إليه فقابلهم بالاستخفاف والاستهانة والتحقير ونحن نذكر أسماءهم مع ما جرى عليهم من العسف والظلم وهم :

1 ـ محمد بن أبي حذيفة :

محمد بن أبي حذيفة يعد في طليعة ثقات الإسلام ومن خيرة صالحاء المسلمين فقد كان من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وقد قال أمير المؤمنين (ع) في حقه : « ان المحامدة تأبى أن يعصى الله » ثم عده منهم ، وكان ملازما لأمير المؤمنين وفى خدمته ، ولما قتل (ع) وانتهى الأمر الى معاوية أراد قتله ثم بدا له أن يسجنه فسجنه أمدا غير قصير ، والتفت يوما الى أصحابه فقال لهم : « ألا نرسل الى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ونخبره بضلاله ، ونأمره أن يقوم فيسب عليا » فأجابوه الى ذلك ، ثم أمر باحضاره فلما مثل عنده التفت إليه قائلا :

« يا محمد ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب (ع) ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما وان عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه وان عليا هو الذي دس الناس في قتله ونحن اليوم نطلب بدمه ».

فأجابه محمد : « إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك ».

فقال له معاوية : أجل. واندفع محمد فقال له :

« فو الله الذي لا إله غيره ما اعلم أحدا شرك في دم عثمان والّب الناس عليه غيرك لما استعملك ، ومن كان مثلك فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى ففعلوا به ما بلغك ، والله ما أحد شرك فى قتله بدئا وأخيرا إلا طلحة والزبير وعائشة فهم الذين شهدوا عليه بالعظمة وألّبوا عليه الناس وشركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار والأنصار جميعا ».

٣٧٩

فارتاع معاوية وقال منكرا عليه :

« قد كان ذلك؟!! »

« أي والله ، وإني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد ، ما زاد الإسلام فيك لا قليلا ولا كثيرا وإن علامة ذلك فيك لبينة تلومنى على حبي عليا ، خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وانصاري وخرج معك ابناء المنافقين والطلقاء والعنقاء خدعتهم عن دينهم ، وخدعوك عن دنياك ، والله يا معاوية ما خفي عليك ما صنعت ، وما خفي عليهم ما صنعوا إذ احلوا انفسهم بسخط الله في طاعتك ، والله لا ازال احب عليا لله ولرسوله ، وابغضك في الله ورسوله ابدا ما بقيت!! »

ففزع معاوية وقال : « إني اراك على ضلالك بعد ردوه الى السجن »

فردوه للسجن فمكث فيه مدة من الزمن حتى مات فيه(1) .

لقد لاقى محمد حتفه وهو مروع في ظلمات السجون لأنه لم يرتض اعمال معاوية ولم يقره على منكراته ومساوئه ، وهكذا كان مصير الأحرار والنبلاء المعارضين لحكومة معاوية يلاقون التعذيب والتنكيل والتخليد في السجون.

2 ـ عبد الله بن هاشم المرقال :

ومن زعماء الشيعة وعيونهم الذين روعهم معاوية الزعيم المثالي عبد الله ابن هاشم المرقال ، فقد كان معاوية يحمل فى نفسه كمدا وحقدا عليه وذلك لولائه واخلاصه لأمير المؤمنين (ع) ولموقف ابيه هاشم في يوم صفين ذلك الموقف الخالد الذي اخافه وارهبه حتى صمم على الهزيمة والفرار ، وللتشفي والانتقام منه فقد كتب الى عامله زياد رسالة يطلب فيها القبض على عبد الله

__________________

(1) رجال الكشي ص 47.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

فأجابه مفتخراً بأنّه مِنْ عملاء السلطة الاُمويّة وأذنابها قائلاً :

أنا مَنْ عرف الحقّ إذ تركته ونصح الاُمّة ، والإمام إذ غششته وسمع وأطاع إذ عصيته ، أنا مسلم بن عمرو.

أيّ حقّ عرفه الباهلي؟ وأيّ نصيحة أسداها للاُمّة هذا الجلف الجافي الذي ارتطم في الباطل وماج في الضلال؟ لقد كان منتهى ما يفخر به تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو صفحةُ عارٍ وخزي على الإنسانية في جميع مراحل التاريخ.

وردّ عليه مسلم بمنطقه الفيّاض قائلاً : لاُمِّك الثكل! ما أجفاك وأفظك ، وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم منّي.

واستحيا عمارة بن عقبة(١) مِنْ جفوة الباهلي وقسوته ، فدعا بماء بارد فصبّه في قدح فأخذ مسلم كلّما أراد أنْ يشرب يمتلئ القدح دماً ، وفعل ذلك ثلاثاً ، فقال وقد ذاب قلبه مِن الظمأ : لو كان مِن الرزق المقسوم لشربته(٢) .

وهكذا شاءت المقادير أنْ يُحرمَ مِن الماء ويموت ظامئاً ، كما حُرِمَ مِن الماء ابن عمّه ريحانة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة.

مع ابن زياد :

وكان مِنْ أعظم ما رُزئ به مسلم أنْ يدخلَ أسيراً علي الدعيّ ابن مرجانة ، فقد ودّ أنّ الأرض وارته ولا يمثُل أمامه ، وقد شاءت المقادير

__________________

(١) في الإرشاد / ٢٣٩ ، وبعث عمرو بن حريث غلاماً له فجاء بقُلّة عليها منديل وقدح فصبّ فيه ماء ، وقال له : اشرب.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٣.

٤٠١

أنْ يدخل عليه ، وقد دخل تحفُّ به الشرطة ، فلمْ يحفل البطل بابن زياد ولم يعنَ به ، فسلّم على الناس ولمْ يسلّم عليه ، فأنكر عليه الحرسي وهو مِنْ صعاليك الكوفة قائلاً : هلاّ تسلّم على الأمير؟ فصاح به مسلم محتقراً له ولأميره : اسكت لا اُمّ لك! ما لك والكلام؟! والله ليس لي بأمير فاُسلّم عليه.

وكيف يكون ابن مرجانة أميراً على مسلم سيّد الأحرار وأحد المستشهدين في سبيل الكرامة الإنسانية؟! إنّما هو أمير على اُولئك الممسوخين الذين لمْ يألفوا إلاّ الخنوع والذلّ والعار.

والتاع الطاغية مِن احتقار مسلم له وتبدّد جبروته ، فصاح به : لا عليك ، سلّمت أمْ لمْ تسلّم فإنّك مقتول.

ولمْ يملك الطاغية سوى سفك الدّم الحرام ، وحَسِبَ أنّ ذلك يخيف مسلماً أو يوجب انهياره وخضوعه له ، فانبرى إليه بطل عدنان قائلاً بكلّ ثقةٍ واعتزاز بالنفس : إنْ قتلتني فقد قَتَلَ مَنْ هو شرٌّ مِنك مَنْ كان خيراً منّي.

ولذعه هذا الكلام الصارم وأطاح بغلوائه ، فقد ألحقه مسلم بالجلاّدين والسفّاكين مِنْ قتلة الأحرار والمصلحين. واندفع الطاغية يصبح بمسلم : يا شاق ، يا عاق ، خرجت على إمام زمانك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة.

أيّ إمام خرج عليه مسلم ، وأيّ عصاً للمسلمين شقّها ، وأيّ فتنة ألقحها؟! إنّما خرج على قرين الفهود والقرود. لقد خرج لينقذ الاُمّة مِنْ محنتها أيّام ذلك الحكم الأسود.

وانبرى مسلم يردّ عليه قائلاً :

٤٠٢

والله ، ما كان معاوية خليفة بإجماع الاُمّة ، بل تغلّب على وصيّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) بالحيلة ، وأخذ منه الخلافة بالغصب ، وكذلك ابنه يزيد ؛ وأمّا الفتنة فإنّما ألقحتها أنت وأبوك زياد مِنْ بني علاج. وأنا أرجو أنْ يرزقني الله الشهادة على يد شرّ بربته ، فوالله ما خالفت ولا كفرت ولا بدّلت ، وإنّما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحُسين بن علي ، ونحن أولى بالخلافة مِنْ معاوية وابنه وآل زياد.

وكانت هذه الكلمات أشدّ على ابن مرجانة مِن الموت ، فقد كشفت واقعه أمام شرطته وعملائه ، وجرّدته مِنْ كلّ نزعة إنسانية ، وأبرزته كأحقر مخلوق على وجه الأرض. ولمْ يجد الدّعيّ وسيلةً يلجأ إليها سوى الافتعالات الكاذبة التي هي بضاعته وبضاعة أبيه زياد مِنْ قبل. فأخذ يتّهم مسلماً بما هو برئ منه قائلاً : يا فاسق ، ألمْ تكن تشرب الخمر في المدينة؟

فصاح به مسلم : أحقّ والله بشرب الخمر مَنْ يقتل النفس المحرّمة وهو يلهو ويلعب كأنّه لمْ يسمع شيئاً.

واسترد الطاغية تفكيره فرأى أنّ هذه الأكاذيب لا تجديه شيئاً ، فراح يقول له : منّتك نفسك أمراً حال الله بينك وبينه وجعله لأهله.

فقال مسلم باستهزاء وسخرية : مَنْ أهله؟!

ـ يزيد بن معاوية.

ـ الحمد لله ، كفى بالله حاكماً بيننا وبينكم.

ـ أتظنّ أنّ لك مِن الأمر شيئاً؟

٤٠٣

ـ لا والله ، ما هو الظنّ ولكنّه اليقين.

ـ قتلني الله إنْ لمْ أقتلك.

ـ إنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المُثلة وخبث السريرة. والله ، لو كان معي عشرة ممّن أثق بهم وقدرت على شربة ماء لطال عليك أنْ تراني في هذا القصر ، ولكنْ إنْ كنت عزمت على قتلي فأقم لي رجلاً مِنْ قريش أوصي له بما اُريد(١) . وسمح له الطاغية بأن يوصي بما أهمّه.

وصيّة مسلم :

ونظر مسلم في مجلس ابن زياد فرأى عمر بن سعد فأحبّ أنْ يعهد إليه بوصيته ، فقال له : لا أرى في المجلس قرشيّاً غيرك(٢) ، ولي إليك حاجة وهي سرّ(٣) .

واستشاط ابن زياد غضباً حيث نفاه مسلم مِنْ قريش ، وأبطل استلحاقه ببني اُميّة ، فقد أبطل ذلك النسب اللصيق الذي ثبت بشهادة أبي مريم الخمّار ، ولمْ يستطع أنْ يقول ابن زياد شيئاً.

وامتنع ابن سعد مِن الاستجابة لمسلم ؛ ارضاءً لعواطف سيّده ابن مرجانة ، وكسباً لمودّته. وقد لمس ابن زياد خوره وخنوعه فأسرّها في نفسه

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٩٧ ـ ٩٩.

(٢) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب / ١٣٤.

(٣) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٤ ، الإرشاد / ٢٣٩.

٤٠٤

ورأى أنّه خليق بأنْ يرشّحه لقيادة قوّاته المسلحة التي يزجّ بها لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وأمر ابن زياد عمر بن سعد بأنْ يقوم مع مسلم ليعهد إليه بوصيته ، وقام ابن سعد معه فأوصاه مسلم بما يلي :

١ ـ أنّ عليه ديناً بالكوفة يبلغ سبعمئة درهم ، فيبيع سيفه ودرعه ليوفيها عنه(١) .

وقد دلّ ذلك على شدّة احتياطه وتحرّجه في دينه ، كما أوصى أنْ يعطي لطوعة ما يفضل مِنْ وفاء دينه.

٢ ـ أنْ يستوهب جئته مِن ابن زياد فيواريها(٢) ؛ وذلك لعلمه بخبث الاُمويِّين وإنّهم لا يتركون المُثلة.

٣ ـ أنْ يكتب للحُسين بخبره(٣) فقد شغله أمره ؛ لأنّه كتب إليه بالقدوم إلى الكوفة.

وأقبل ابن سعد يلهث على ابن زياد فقال له : أتدري أيّها الأمير ما قال لي؟ إنّه قال : كذا وكذا(٤) .

وأنكر عليه ابن زياد إبداءه السرّ فقال : لا يخونك الأمين ، ولكنْ قد يؤتمن الخائن ؛ أمّا ماله فهو لك تصنع به ما شئت ، وأمّا الحُسين فإنْ لمْ يردنا لمْ نرده وإنْ أرادنا لمْ نكفّ عنه ، وأمّا جثته فإنّا لن نشفّعك فيها(٥) .

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٤ ، وفي الطبري ٦ / ٢١٢ إنّ عليّ ستمئة درهم ، وفي الأخبار الطوال / ٢٤١ إنّ عليّ ألف درهم.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٢.

(٣) الإرشاد / ٢٣٩.

(٤) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٤.

(٥) وفي الإرشاد / ٢٣٩ أمّا جثّته فإنّا لا نبالي إذا قتلناه ما صُنِعَ بها.

٤٠٥

لقد ترك الطاغية شفاعة ابن سعد في جثة مسلم ؛ فقد عزم على التمثيل بها للتشفّي منه وليتّخذ مِنْ ذلك وسيلة لإرهاب الناس وخوفهم.

الطاغية مع مسلم :

وصاح ابن مرجانة بمسلم ، فقال له : بماذا أتيت إلى هذا البلد؟ شتّت أمرهم ، وفرّقت كلمتهم ، ورميت بعضهم على بعض.

وانطلق فخر هاشم قائلاً بكلّ ثقة واعتزاز بالنفس : لست لذلك أتيت هذا البلد ولكنّكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف ، وتأمّرتم على الناس مِنْ غير رضى ، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ؛ فأتيناهم لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنّة ، وكنّا أهلاً لذلك ؛ فإنّه لمْ تزل الخلافة لنا منذ قُتِلَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ولا تزال الخلافة لنا ، فإنّا قُهرنا عليها.

إنّكم أوّل مَنْ خرج على إمام هدى وشقّ عصا المسلمين ، وأخذ هذا الأمر غصباً ونازع أهله بالظلم والعدوان(١) .

وأدلى مسلم بهذا الحديث عن أسباب الثورة التي أعلنها الإمام الحُسين على الحكم الاُموي ، وقد التاع الطاغية مِنْ كلام مسلم وتبدّدت نشوة ظفره ، فلمْ يجد مسلكاً ينفذ منه لإطفاء غضبه سوى السبّ للعترة الطاهرة ، فأخذ يسبّ علياً والحسن والحُسين.

وثار مسلم في وجهه ، فقال له : أنت وأبوك أحقّ بالشتم منهم ، فاقض ما أنت قاض ؛ فنحن

__________________

(١) الفتوح ٥ / ١٠١.

٤٠٦

أهل البيت موكّل بنا البلاء(١) .

لقد ظلّ مسلم حتّى الرمق الأخير مِنْ حياته عالي الهمّة ، وجابه الأخطار ببأس شديد ، فكان في دفاعه ومنطقه مع ابن مرجانة مثالاً للبطولات النادرة.

إلى الرفيق الأعلى :

وآن للقائد العظيم أنْ يُنقل عن هذه الحياة بعد ما أدّى رسالته بأمانة وإخلاص ، وقد رُزِقَ الشهادة على يد الممسوخ القذر ابن مرجانة ، فندب لقتله بكير بن حمران الذي ضربه مسلم ، فقال له : خذ مسلماً واصعد به إلى أعلى القصر واضرب عنقه بيدك ؛ ليكون ذلك أشفى لصدرك.

والتفت مسلم إلى ابن الأشعث الذي أعطاه الأمان فقال له : يابن الأشعث ، أما والله ، لولا أنّك آمنتني ما استسلمت. قمْ بسيفك دوني فقد اخفرت ذمّتك. فلمْ يحفل به ابن الأشعث(٢) .

واستقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فصعد به إلى أعلى القصر وهو يسبح الله ويستغفره بكلّ طمأنينة ورضى ، وهو يقول : اللّهم ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا(٣) .

وأشرف به الجلاّد على موضع الحذائيين فضرب عنقه ، ورمى برأسه

__________________

(١) الفتوح ٥ / ١٠٢ ، وفي تاريخ ابن الأثير ، والإرشاد أنّ مسلماً لم يكلّم ابن زياد بعد شتمه له.

(٢) الطبري ٦ / ٢١٣.

(٣) الفتوح ٥ / ١٠٣.

٤٠٧

وجسده إلى الأرض(١) ، وهكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي يحمل نزعات عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ومُثُلَ ابن عمّه الحُسين ، وقد استشهد دفاعاً عن الحقّ ودفاعاً عن حقوق المظلومين والمضطهدين.

ونزل القاتل الأثيم فاستقبله ابن زياد ، فقال له : ما كان يقول وأنتم تصعدون به؟

ـ كان يسبّح الله ويستغفره ، فلمّا أردت قتله قلت له : الحمد لله الذي أمكنني منك وأقادني منك. فضربته ضربة لمْ تغن شيئاً ، فقال لي : أما ترى فيّ خدشاً تخدشنيه وفاءً مِنْ دمك أيّها العبد.

فبهر ابن زياد وراح يبدي إعجابه وإكباره له قائلاً : أوَفخراً عند الموت(٢) !

وقد انطوت بقتل مسلم صفحة مشرقة مِنْ أروع صفحات العقيدة والجهاد في الإسلام ، فقد استشهد في سبيل العدالة الاجتماعية ومن أجل إنقاذ الاُمّة وتحريرها مِن الظلم والجور. وهو أوّل شهيد مِن الاُسرة النّبوية يُقتل علناً أمام المسلمين ولمْ يقوموا بحمايته والذبّ عنه.

سلبه :

وانبرى سليل الخيانة محمّد بن الأشعث(٣) إلى سلب مسلم ، فسلب

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٩.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٤.

(٣) الأشعث بن قيس : إنّما سمي بالأشعث لشعوثة رأسه ، واسمه سعد بن كرب ، هلك بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بأربعين ليلة ، وكان عمره ٦٣ سنة ، جاء ذلك في تاريخ الصحابة / ٥ ؛ أمّا محمّد بن الأشعث فأمّه اُمّ فروة أخت أبى بكر لأبيه ، جاء ذلك في الرياض المستطاب / ٨.

٤٠٨

سيفه ودرعه وهو غير حافل بالعار والخزي ، وقد تعرّض للنقد اللاذع مِنْ جميع الأوساط في الكوفة.

ويقول بعض الشعراء في هجائه :

وتركت عمّكَ أنْ تُقاتلَ دونَهُ

فشلاً ولولا أنتَ كان منيعا

وقتلتَ وافدَ آلِ بيت محمّدٍ

وسلبت أسيافاً له ودروعا(١)

وعمد بعض أجلاف أهل الكوفة فسلبوا رداء مسلم وثيابه.

تنفيذ الإعدام في هانئ :

وأمر الطاغية بإعدام الزعيم الكبير هانئ بن عروة وإلحاقه بمسلم ؛ مبالغة في إذلال زعماء الكوفة وإذاعة للذعر والخوف بين الناس.

وقام محمّد بن الأشعث فتشفّع فيه خوفاً مِنْ بطش اُسرته قائلاً : أصلح الله الأمير ، إنّك قد عرفت شرفه في عشيرته(٢) ، وقد عرف قومه إنّي وأسماء بن خارجة جئنا به إليك ، فاُنشدك الله أيّها الأمير لما وهبته لي ؛ فإنّي أخاف عداوة أهل بيته ، وإنّهم سادات أهل الكوفة وأكثرهم عدداً.

فلمْ يحفل ابن زياد وإنّما زبره وصاح به ، فسكت العبد ، واُخرج البطل إلى السوق في موضع تُباع فيه الأغنام مبالغة في إذلاله. ولمّا عُلم أنّه ملاق حتفه جعل يستنجد باُسرته وقد رفع عقيرته : وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم. وا عشيرتاه(٣) !

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٨.

(٢) وفي رواية (عرفت شرفه في مصره).

(٣) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥.

٤٠٩

ولو كانت عند مذحج صبابة مِن الشرف والنبل لانبرت إلى إنقاذ زعيمها ، ولكنّها كانت كغيرها مِنْ قبائل الكوفة قد طلّقت المعروف ثلاثاً.

وعمد هانئ إلى إخراج يده مِن الكتاف وهو يطلب السلاح ليدافع به عن نفسه ، فلمّا بصروا به بادروا إليه فأوثقوه كتافاً ، وقالوا له : امدد عنقك. فأجاب برباطة جأش ورسوخ يقين : لا والله ، ما كنت بالذي أعينكم على نفسي.

وانبرى إليه وغد مِنْ شرطة ابن زياد يُقال له رشيد التركي(١) فضربه بالسيف فلمْ يصنع به شيئاً ، ورفع هانئ صوته قائلاً : اللّهم إلى رحمتك ورضوانك. اللّهم ، اجعل هذا اليوم كفّارة لذنوبي ؛ فإنّي إنّما تعصّبت لابن بنت محمّد.

وضربه الباغي ضربة أخرى فهوى إلى الأرض يتخبّط بدمه الزاكي ، ولمْ يلبث قليلاً حتّى فارق الحياة(٢) ، وكان عمره يوم استشهد تسعاً وتسعين سنة(٣) ، وقد مضى شهيداً دون مبادئه وعقيدته ، وجزع لقتله الأحرار والمصلحون.

وقد رثاه أبو الأسود الدؤلي بقوله :

__________________

(١) وقد ثار لدم هانئ عبدُ الرحمن بن حصين فقتل رشيداً ، وفي ذلك يقول :

إنّي قتلتُ راشد التركيّا

وليته أبيض مشرفيّا

أرضى بذلك النّبيا

جاء ذلك في أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥.

(٢) الدر النظيم / ١٦٠ ، مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، أنساب الأشراف ١ ق ١.

(٣) مرآة الزمان / ٨٥.

٤١٠

أقول: وذاك مِنْ جزعٍ ووجدِ

أزالَ اللهُ مُلكَ بني زيادِ

هُمُ جدعوا الاُنوفَ وكنّ شُمّاً

بقتلهِمُ الكريمَ أخا مرادِ(١)

ورثى الأخطل ابنَ زياد بقوله :

ولمْ يكُ عن يومِ ابنِ عروة غائباً

كما لمْ يغبْ عن ليلة ابنِ عقيلِ

أخو الحرب صرّاها فليس بناكلٍ

جبارٍ ولا وجب الفؤاد ثقيلِ

السحل في الشوارع :

وعهد الطاغية إلى زبانيته وعملائه بسحل جثة مسلم وهانئ في الشوارع والأسواق ، فعمدوا إلى شدّ أرجلهما بالحبال وأخذوا يسحلونهما في الطرق(٢) ؛ وذلك لإخافة العامة وشيوع الإرهاب ، وليكونا عبرة لكلّ مَنْ تحدّثه نفسه بالخروج على الحكم الاُموي.

لقد سُحب هانئ أمام اُسرته وقومه ، ولو كان عندهم ذرّة مِن الشرف والحمية لانبروا إلى تخليص جثة زعيمهم مِنْ أيدي الغوغاء الذين بالغوا في إهانتها.

صلب الجثّتين :

ولمّا قضى الطاغية إربه في سحل جثة مسلم وهانئ أمر بصلبهما ،

__________________

(١) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥ ، ديوان أبي الأسود.

(٢) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥ ، الدر النظيم / ١٦٠ ، مقتل الخوارزمي ١ / ٢١٥.

٤١١

فصُلِبا منكوسين(١) في الكناسة(٢) ، فكان مسلم فيما يقول المؤرّخون أوّل قتيل صُلِبَتْ جثته مِنْ بني هاشم(٣) ، وقد استعظم المسلمون كأشدّ ما يكون الاستعظام هذا الحادث الخطير ؛ فإنّ هذا التمثيل الفظيع إنّما هو جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ، ومسلم وهانئ إنّما هما مِنْ روّاد الحقّ ودُعاة الإصلاح في الإرض.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد أخضع الطاغية بعد قتله لمسلم وهانئ العراق الثائر ، وارتمت جميع أوساطه تحت قدميه بدون أيّة مقاومة.

الرؤوس إلى دمشق :

وعمد ابن مرجانة إلى إرسال رأس مسلم وهانئ وعمارة بن صلخب الأزدي(٤) هدية إلى سيّده يزيد ؛ لينال الجائزة ويحرز إخلاص الاُسرة المالكة له.

وقد أرسل معها هذه الرسالة : أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه وكفاه مؤونة عدوّه. أخبر أمير المؤمنين ـ أكرمه الله ـ أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما العيون ، ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فضربت أعناقهما وبعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حيّة الوداعي الهمداني ، والزّبير بن الأروح التميمي ، وهما مِنْ أهل السمع والطاعة ، فليسألهما أمير المؤمنين

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٩٤.

(٢) المناقب والمثالب / ١٧٢.

(٣) مروج الذهب ٣ / ٧.

(٤) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٥٥.

٤١٢

عمّا أحبّ ؛ فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً ، والسّلام(١) .

واحتوت هذه الرسالة على العمليات التي قام بها الطاغية للقضاء على الثورة ، والتي كان مِنْ أهمّها :

١ ـ استعانته بالعيون والجواسيس في معرفة شؤون الثورة والوقوف على أسرارها ، وقد قام بهذه العملية معقل مولاه.

٢ ـ إنّه دسّ لهانئ العضو البارز في الثورة الرجال حتّى صار تحت قبضته واعتقله ، وكذلك كاد لمسلم حينما ثار عليه ، فقد أرسل عيون أهل الكوفة ووجوهها مع العرفاء فأخذوا يذيعون الذعر وينشرون الإرهاب حتّى انهزم جيشه.

جواب يزيد :

ولمّا انتهت الرؤوس إلى دمشق سرّ يزيد بذلك سروراً بالغاً ، وكتب لابن مرجانة جواباً عن رسالته شكره فيها ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّك لمْ تعد إذ كنت كما أحبّ. عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابض. فقد كفيت وصدقت ظنّي ورأيي فيك وقد دعوت رسوليك فسألتهما عن الذين ذكرت ، فقد وجدتهما في رأيهما وعقلهما وفهمهما وفضلهما ومذهبهما كما ذكرت ، وقد أمرت لكلّ واحد منهما بعشرة آلاف درهم وسرّحتهما إليك فاستوص بهما خيراً.

وقد بلغني أنّ الحُسين بن علي قد عزم على المسير إلى العراق ، فضع المراصد والمناظر واحترس واحبس على الظنّ ، واكتب إليّ في كلّ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٤.

٤١٣

يوم بما تجدّد لك مِنْ خيرٍ أو شرٍّ ، والسّلام(١) .

وحفلت هذه الرسالة بالتقدير البالغ لابن زياد وأضفت عليه صفة الحازم اليقظ ، وإنّه قد حقّق ظنّ يزيد فيه أنّه أهل للقيام بمثل هذه الأعمال الخطيرة. وقد عرّفه يزيد بعزم الإمام الحُسين على التوجّه إلى العراق ، وأوصاه باتّخاذ التدابير التالية :

١ ـ وضع المراصد والحرس على جميع الطرق والمواصلات.

٢ ـ التحرّس في أعماله ، وأنْ يكون حذراً يقظاً.

٣ ـ أخذ الناس بسياسة البطش والإرهاب.

__________________

(١) الفتوح ٥ / ١٠٩ ، أنساب الأشراف ١ ق ١ ، ولمْ يتعرض المؤرّخون إلى شؤون هذه الرؤوس الكريمة ، فهل دُفنت في دمشق أو في مكان آخر؟ فقد أهملوا ذلك ، إلاّ أنّه جاء في مرآة الزمان / ٥٩ فيما يخصّ رأس هانئ ما نصه : أنّه في هذه السنّة ـ أي سنة ٣٠٢ هـ ـ ورد الخبر إلى بغداد أنّه وُجِدَ بخراسان بالقصر أزجاً فيه ألف رأس في برج ، في اُذن كلّ واحد خيط من إبريسم فيه رقعة فيها اسم صاحبه ، وكان مِنْ جملتها رأس هانئ بن عروة ، وحاتم بن حنّة ، وطلق بن معاذ وغيرهم. وتاريخهم ـ أيّ تاريخ وضعهم في ذلك الأزج ـ سنة سبعين مِن الهجرة.

ونقل الزركلي في هامش أعلامه ٩ / ٥١ عن صلة تاريخ الطبري / ٦٢ مِنْ حوادث سنة ٣٠٤ هـ أنّه ورد إلى بغداد كتاب مِنْ خراسان يذكر فيه أنّه وجِدَ بقندهار في أبراج سورها برج متّصل بها ، فيه خمسة آلاف رأس في سلال مِنْ حشيش ، ومِنْ هذه الرؤوس تسعة وعشرون رأساً ، في اُذن كلّ رأس منها رقعة مشدودة بخيط إبريسم باسم رجل منهم. وعدّ منهم هانئ بن عروة ، وقال : إنّهم قد وجدوا على حالهم إلاّ أنّه قد جفّت جلودهم ، والشعر عليها بحالته لمْ يتغيّر.

٤١٤

٤ ـ أنْ يكون على اتصال دائم مع يزيد ويكتب له بجميع ما يحدث في القطر ، وطبّق ابن مرجانة جميع ما عهده إليه سيّده ، ونفّذ ما يلي :

إعلانُ الأحكام العرفية :

وبعدما أطاح الطاغية بثورة مسلم قبض على العراق بيد مِنْ حديد ، وأعلن الأحكام العرفية في جميع أنحاء العراق ، واعتمد في تنفيذ خططه على القسوة البالغة ، فأشاع مِن الظلم والجور ما لا يوصف. فكان اسمه موجباً لإثارة الفزع والخوف في نفوس العراقيين كما كان اسم أبيه زياد مِنْ قبل.

لقد فوّضتْ إليه حكومة دمشق السلطات الواسعة ، وأمرته بأخذ الناس بالظنّة وإعدام كلّ مَنْ يحقد على الحكم الاُموي ، أو له ضلع بالاشتراك في أيّة مؤامرة تُحاك ضدّه.

وبهذه الأساليب الرهيبة ساق الناس لحرب الحُسين. فقد كان يحكم بالموت على كلّ مَنْ يتخلّف ، أو يرتدع عن الخوض في المعركة(١) .

احتلال الحدود العراقية :

واحتل ابن زياد جميع الحدود العراقية احتلالاً عسكرياً ، ومنع الناس مِن الدخول للعراق والخروج منه إلاّ بإذن وتأشير خاص مِنْ شرطة الحدود ، وكانوا إذا أخذوا رجلاً أجروا معه التحقيق الكامل. فإنْ علموا براءته أطلقوا سراحه ، وإلاّ بعثوه مخفوراً إلى السلطة المركزية في الكوفة ؛ لتجري معه المزيد مِن التحقيق. وقد احتاط في هذه الجهة أشدّ الاحتياط ؛ مخافة أنْ يلج أحدٌ إلى العراق أو يخرج منه مِنْ شيعة الإمام الحُسين. ويقول المؤرّخون :

__________________

(١) الدولة الاُمويّة في الشام / ٥٦.

٤١٥

إنّه جعل على جميع المفارق ورؤوس المنازل عيوناً مِنْ عسكره ، كما عيّن في البرّ نقاطاً ومسالح ترصد جميع الحركات ، وقد بعث الحُصين بن نمير رئيس شرطته إلى القادسية ومنها إلى خفان ثمّ إلى القطقطانية وجبل لعلع ، ورتّب في كلّ مكان جماعة مِن الفرسان والخيّالة ؛ لتفتيش الداخل والخارج.

وقد حفظت هذه الإجراءات تلك المناطق مِن الاشتراك بأيّ عمل ضدّ الدولة ، كما حفظت خطوط المواصلات بين الكوفة والشام ، وقد ألقت الشرطة القبض على مسهر الصيداوي رسول الإمام الحُسين إلى الكوفة وبعثته مخفوراً إلى ابن زياد ، وسنذكر حديثه في البحوث الآتية :

الاعتقالات الواسعة :

وقام ابن زياد بحملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوف الشيعة. فاعتقل منهم فيما يقول بعض المؤرّخين اثني عشر ألفاً(١) ، وكان مِنْ بين المعتقلين سليمان بن صرد الخزاعي والمختار بن يوسف الثقفي وأربعمئة مِنْ الأعيان والوجوه(٢) .

وقد أثارث هذه الإجراءات عاصفة مِن الفزع والهلع لا في الكوفة فحسب وإنّما في جميع أنحاء العراق ، وقد ابتعد الكوفيون عن التدخّل في أيّة مشكلة سياسية ، ولمْ تبدِ منهم أيّة حركة مِنْ حركات المعارضة وأيقنوا أنْ لا قدرة لهم على الإطاحة بالعرش الاُموي ، وظلّوا قابعين تحت وطأة سياطه القاسية.

__________________

(١) المختار ، مرآة العصر الاُموي / ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء ١ / ١٠٩.

٤١٦

إخفاق الثورة

٤١٧
٤١٨

ويتساءل الكثيرون عن الأسباب التي أدّت إلى إخفاق مسلم في ثورته مع ما كان يتمتع به مِن القوى العسكرية ، في حين أنّ خصمه لمْ تكن عنده أيّة قوّة يستطيع أنْ يدافع بها عن نفسه ، فضلاً عن الهجوم والدخول في عمليات القتال ، ويعزو بعضهم السبب في ذلك إلى قلّة خبرة مسلم في الشؤون السياسية وعجزه مِن السيطرة على الموقف ؛ فترك المجال مفتوحاً لعدوه حتّى تغلّب عليه.

وهذا الرأي فيما يبدو سطحي ليست له أيّة صبغة مِن التحقيق ؛ وذلك لعدم ابتنائه على دراسة الأحداث بعمق وشمول ، ومِنْ أهمها فيما نحسب دراسة المجتمع الكوفي وما مُنِيَ به مِن التناقض في سلوكه الفردي والاجتماعي ، والوقوف على المخططات السياسية التي اعتمد عليها ابن زياد للتغلّب على الأحداث ، والنظر في الصلاحيات المُعطاة لمسلم بن عقيل مِنْ قبل الإمام ؛ فإنّ الإحاطة بهذه الاُمور توضّح لنا الأسباب في إخفاق الثورة ، وفيما يلي ذلك :

المجتمع الكوفي :

ولا بدّ لنا أنْ نتحدّث بمزيد مِن التحقيق عن طبيعة المجتمع الكوفي ؛ فإنّه المرآة الذي تنعكس عليه الأحداث الهائلة التي لعبت دورها الخطير في تاريخ الإسلام السياسي ، وأنْ نتبيّن العناصر التي سكنت الكوفة وننظر إلى طبيعة الصلات الاجتماعية فيما بينهما ، والحياة الاقتصادية التي كانت تعيش فيها ؛ فإنّ البحث عن ذلك يلقي الأضواء على فشل الثورة ، كما يلقي الأضواء على التذبذب والانحرافات الفكرية التي مُنِيَ بها هذا المجتمع ، والتي كان مِنْ نتائجها ارتكابه لأبشع جريمة في تاريخ الإنسانية وهي إقدامه على قتل ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإلى القراء ذلك :

٤١٩

الظواهر الاجتماعية :

أمّا الظواهر الاجتماعية التي تفرّد بها المجتمع الكوفي دون بقيّة الشعوب فهي :

التناقض في السلوك :

والظاهرة الغريبة في المجتمع الكوفي أنّه كان في تناقض صريح مع حياته الواقعية ؛ فهو يقول شيئاً ويفعل ضدّه ، ويؤمن بشيء ويفعل ما ينافيه ، والحال أنّه يجب أنْ تتطابق أعمال الإنسان مع ما يؤمن به.

وقد أدلى الفرزدق بهذا التناقض حينما سأله الإمام عن أهل الكوفة ، فقال له : خلّفت قلوب الناس معك ، وسيوفهم مشورة عليك. وكان الواجب يقضي أنْ تذب سيوفهم عمّا يؤمنون به ، وأنْ يناضلوا عمّا يعتقدون به ، ولا توجد مثل هذه الظاهرة في تاريخ أيّ شعب مِن الشعوب.

ومِنْ غرائب هذا التناقض أنّ المجتمع الكوفي قد تدخّل تدخّلاً إيجابياً في المجالات السياسية وهامَ في تياراتها ، فكان يهتف بسقوط الدولة الاُمويّة ، وقد كاتبوا الإمام الحُسين لينقذهم مِنْ جور الاُمويِّين وبطشهم ، وبعثوا الوفود إليه مع آلاف الرسائل التي تحثّه على القدوم لمصرهم.

ولمّا بعث إليهم سفيره مسلم بن عقيل قابلوه بحماس بالغ ، وأظهروا له الدعم الكامل حتّى كاتب الإمام الحُسين بالقدوم إليهم ، ولكنْ لمّا دهمهم ابن مرجانة ونشر الرعب والفزع في بلادهم تخلّوا عن مسلم وأقفلوا عليهم بيوتهم ، وراحوا يقولون :

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470