الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة0%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة

مؤلف: الشيخ محمد فاضل المسعودي
تصنيف:

ISBN: 1420
الصفحات: 534
المشاهدات: 119161
تحميل: 5531

توضيحات:

الأسرار الفاطميّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119161 / تحميل: 5531
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: 1420
العربية

يا أبتاه من الضعف أي انها أعاذت أباها بالله العلي العظيم من الضعف وإن لا يصيبه الضعف لأن العالم كله بحاجة الىٰ هذه الطاقة الجبارة الخلاقة التي تنضح رحمة وتتفجر خيراً وعطاءً.

*« يا فاطمة إيتيني بالكساء فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنَّه البدر في ليلة تمامه وكماله » .

والسؤال المطروح حول هذا المضمون من هذه الفقرة : هو لماذا طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كساءً يتغطىٰ به لماذا لم يطلب شيئاً آخر كالطعام أو الشراب ؟ لماذا طلب ذلك الكساء ؟ وما هي المناسبة التي جعلت وجهه يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله ؟

إن المناسبة هي تلقي الوحي فهناك عدة شواهد تأريخية تنقل لنا كيفية تغير وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أثناء تلقيه الوحي ، أمّا لماذا طلب الكساء اليماني فذلك ليجمع أهل بيته ويركز عليهم دون غيرهم ، وأنّهم المحور الأساس الذي تدور عليه ولاية الله تعالىٰ ، وأنهم المرتبطين بشأن نزول الوحي أثناء تغطيتهم بالكساء لتكون آية التطهير النازلة وإرادة السماء فيهمعليهم‌السلام ، اذن فالكساء إنّما جاء للحصر وليس لشيء آخر كما حديث يوم المباهلة حيث ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخرج معه إلاّ هؤلاء الذين هم تحت الكساء بالإضافة إلىٰ أنه أراد تأكيد الوصية وصية الغدير.

*« إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول » .

وحديث الكساء فيه تصوير رائع لجمال أهل البيت وطيبة رائحتهم فإنها رائحة طيبة تعبق الشذىٰ وأكثر من ذلك فقد كانت صبات عرق الرسول تتفوح بالعطر كما كان عطر الزهراء ورائحتها عطر الجنَّه والرسول كان يشم فاطمة ويقول كلما اشتقت إلى رائحة الجنَّة شممت رائحة إبنتي فاطمة ، « ريحانة أشمها وتشمني ».

* ويُظهِر الحديث أدب الكلام والمحادثة مع النبي وأدب المعاملة مع أهل البيت بعضهم من بعض في وقوف كل واحد أمام الكساء وطلب الإذن من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم جواب النبي له وهكذا تجري فصول هذا الحديث المقدس وفاطمة ترقبه وتسجله ثم تجيئ به في النهاية لإكمال المشوار.

٢٠١

* وتقول الزهراء لما إكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء ـ وهذا يعني أنهم خمسة أصحاب الكساء لا ينقصون ولا يزيدون بل هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها خمسه لا غير أي قبل دخول فاطمة لم يكتمل النصاب بعد ولم يكتمل العدد بعد والقول « إكتملنا جميعاً » يشير إلىٰ أنهم خمسة أصحاب الكساء ودعاء الرسول لهم هو تسديد من السماء لأنّ الرسول لا ينطق عن الهوىٰ إنه إلا وحيٌ يوحىٰ.

* قولهاعليها‌السلام : أوحىٰ الله إلىٰ ملائكته وسكان سماواته وهذا الحدث بحد ذاته يجعل فاطمة في أعلىٰ قمة في الوجود الامكاني وبالاضافة إلىٰ أنه يكشف لنا عن حقيقة أهل البيت وانه لولاهم لما خلق الله الأكوان والأفلاك.

* وحديث الكساء حينما نعرضه علىٰ الميزان الفكري للإسلام وأساسياته فإنه نجد ان الحديث يسير تماماً مع القرآن الكريم وليس فيه خرق ولا تجاوز عن أساسيات القرآن الكريم ، فهمعليهم‌السلام عدل القرآن وعلىٰ أساس ذلك يكون عدل القرآن معصوم ومحفوظ كما أنَّ القرآن معصوم ومحفوظ ، اذن يكون كل شيء في حديث الكساء هو معصوم من الخطأ والزلل وذلك لكون راوي الحديث ومثبته هو معصوم عن الخطأ والزلل ، وهي فاطمةعليها‌السلام .

* وهناك مسألة مهمة تعرض لها حديث الكساء وهي أنَّ جبرئيل يسأل من الله تعالى ويقول يا رب ومن تحت الكساء ؟

وربما أراد بذلك ـ جبرئيل ـ وعبر انتقال هذا الحديث المبارك عبر الأجيال إلينا أن يؤكد على شرافة أصحاب الكساء وأنهم من الله تعالىٰ يستمدون عصمتهم وقداستهم وتربيتهم. والملفت للنظر عندما يجيب الله تعالىٰ عن أسماء أصحاب الكساء يقول هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ، ولم يقل مثلاً هم رسول الله وعلي وفاطمة كل ذلك للتأكيد علىٰ محورية فاطمة الزهراءعليها‌السلام بالنسبة لأهل بيت النبوة وأنَّها القطب المركزي لدائرة أهل البيتعليهم‌السلام .

* ويشير حديث الكساء الىٰ نزول جبرئيل الىٰ الأرض بعد معرفة اصحاب الكساء والتشرف في خدمتهم وطلب الأذن من الله تعالىٰ في الدخول تحت الكساء

٢٠٢

وكذلك يظهر من الحديث أن الله ورسوله قد أعطوا الاذن لجبرئيل وذلك لكونه معصوم من الخطأ والزلل بالعصمة الربانية الذاتية فلذلك لا ضير أن يكون معهم تحت الكساء لأنه لا يختلف عنهم من جهة العصمة وهذا بخلاف أم سلمة رضوان الله عليها.

* وهناك إشارة لطيفة في الحديث حيث قال الله تعالىٰ هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولم يقل وابنيها ونحن نعلم ان الذي كان تحت الكساء الحسن والحسين وربما أراد بذلك الصلب والذرية الطاهرة للأئمةعليهم‌السلام وأنهم سوف يكونون أيضاً معصومون وامتداد لأصحاب الكساء.

* ويأتي سؤال الإمام عليعليه‌السلام عن الفضل والأجر لهذا الجلوس تحت الكساء ؟ وفضل ذكر هذا الحديث وما له من الأهمية ؟ حيث بين هذا الجواب الذي يظهر من الحديث أنه ـ أي الحديث ـ غذاءاً للروح والعقل والقلب والبدن معاً ، إذ أن حاجات الإنسان مختلفة ومتعددة ومتبانية علىٰ أن الحاجات المادية فيها محدودة كالطعام والشراب واللباس فكمية منها معينة تصل بالإنسان إلىٰ حد الاكتفاء والارتواء والشبع.

أما حاجات الروح والعقل فهي بلا حدود كالصلاة والعلم والتفقه ، فإنّ الروح تبقىٰ في حالة فهم إليها كلما نهلت منها شعرت بانها بحاجة إلىٰ المزيد منها.

لذلك سأل الإمام علي ولذلك كان جواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ففي المرة الاولىٰ كان جواب الرسول الأعظم تحديد لحاجات العقل والروح والنفس « نزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وإستغفرت لهم ». أما في المرة الثانية فقد كان في جواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تحديداً لحاجات الجسد « وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضىٰ الله حاجته ». فتفريج الهموم وكشف الغموم وقضاء الحاجات إنما هي حاجات جسدية بينما الرحمة وإحاطة الملائكة والإستغفار إنما هي هموم عقلية وروحية ونفسية.

* ويكشف الحديث عن السعادة والفوز والنصر والظفر في الحياة لأنّ الذي يمشي في خط أهل البيت لابد أن ينتصر ويظفر لا محالة ولو بعد حين.

* ويقول الحديث أنه ما ذكر في حفل فيه جمع ولم يقل علىٰ فرد واحد. وهي إشارة رائعة إلى أهمية تنظيم المجتمع وتكثير المجالس التي يذكر فيها أهل البيتعليهم‌السلام .

٢٠٣

لأن الإمام الصادق عليه السلام يقول تجلسون وتتحدثون أحيوا أمرنا فإني أحب تلك المجالس والمجلس الذي يذكر فيه هذا الحديث هو قطعاً مجلس في الخير والصلاح ورضوان الله لأنّك تذكر قوماً ما عصوا الله طرفة عين أبداً ، وقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : « أو لعلك رأيتني ألف مجالس البطالين فخذلتني » يقول من ترك الإستماع من ذوي العقول مات عقله لأن الإبتعاد عن مجالس العلم والعلماء يؤدي الىٰ الخذلان ، « أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني ».

* وحديث الكساء يشير الى الأمور والمسائل العلمية التي وافقت القرآن الكريم كالأرض المدحية والسماء المبنية والقمر المنير والشمس المضيئة وهي من الحقائق المطابقة للواقع واللقرآن الكريم. هكذا يقرأ الحديث وهكذا يفهم جواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الأسئلة التي وردت في الحديث عن لسان الإمام علي عليه فلعل الإمام عليعليه‌السلام أراد من خلال طرحه وكذلك ربط حديث الكساء بهموم الناس وحوائجهم حتىٰ لا يبقى مجرد حديث فحسب نقرأه من أجل معلومة نعلمها أو من أجل حديث نتعرف إليه واذا كان الأمر كذلك فما أجدرنا ونحن نقف مع هذا الحديث ان نستغل هذه المضامين ونعيشها بعقولنا وأرواحنا ونفوسنا لكي نجعل من هذا الحديث المبارك حسنة لنا فنصلح به أحوالنا ونقوّم أخلاقنا ونثبت عقائدنا الصحيحة ونربي أبناءنا تربية صالحة لا سيما أن أهل البيت ليسوا بعيدين عنا وطقوسنا ليست جامدة أو فارغة بل هي طقوس هادفة الىٰ تربيتنا تربية إسلامية حقة.

٢٠٤

٢٠٥

٢٠٦

فاطمة سيدة نساء العالمين

إن قيلَ حَوّا قلت فاطِمُ فـخرُها

أو قيل مريَم قُلتُ فاطمُ أفضلُ

أفهل لحوّا والدٌ كمحمّدٍ

أم هل لمريمَ مثلُ فاطمَ أشبُلُ

كلُّ لها عند الولادةِ حالةٌ

منها عُقُولُ ذوي البصائر تَذهلُ

هذي لنخلتِها التجت فتساقطت

رُطباً جنيّاً فهي منه تأكلُ

وضعت بعيسىٰ وهي غيرُ مروعةٍ

أنّىٰ وحارِسُها السَّرِيُّ(1) الأبسلُ

وإلىٰ الجدارِ وصفحةِ الباب التجت

بنتُ النّبيِّ فأسقَطَتْ ما تَحمِلُ

سقطت وأسقَطَتِ الجنينَ وحولَها

من كلِّ ذي حسبٍ لئيم جحفلُ

هذا يَعنِّفُها وذاك يَدُعُّها

وَيَرُدُّها هذا وهذا يَركُلُ

وأمامَها أسدُ الأسودِ يقودهُ

بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضَلُ

ولسوفَ تأتي في القيامة فاطمٌ

تشكو الىٰ ربِّ السماء وتُعْولُ

ولتعرفنَّ جنينها وحنينَها

بشكايةٍ منها السَّما تَتَزلزلُ

ربّاهُ ميراثي وبعلي حقَّه

غصبوا وأبناثي جميعاً قُتِّلوا(2)

__________________

(1) السِّري : السيّد الشريف السّخي ، الأبسَلُ : الموطّن نفسه على الموت.

(2) القصيدة للمرحوم الشيخ محسن أبو الحب الكبير. قال السيّد جواد شبّر في « أدب الطفّ » ج 8 : ص 56 : الشيخ محسن خطيب بارع وشاعرٌ واسع الآفاق خِصْبُ الخيال. ولد سنة 1235 ه‍ ونشأ بعناية أبيه وتربيته ، وتحدّر من أسرةٍ عربية تُعرف بآل أبي الحَب تَمُتُّ بنسبها الىٰ قبيلة خثعم. تدرّج علىٰ نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيّما مجالس أبي الشهداءعليه‌السلام مدارس سيّارة وهي من أقوىٰ الوسائل لنشر الأدب وقرض الشّعر ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فأجاد وأكثر من النوح والبكاء علىٰ سيّد الشهداءعليه‌السلام وصوّر بطولة شهداء الطفّ تصويراً شعريّاً لا زالت الأدباء ومجالس العلماء تترشّفُهُ وتستعيده وتتذوّقه. كتب عنه الشيخ محمّد السماوي في كتاب « الطليعة » فقال : محسن بن محمّد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرّفاً في فنون الكلام اذا ارتقىٰ الأعواد تنقّل في المناسبات.

٢٠٧

٢٠٨

البحث السابع

فاطمةعليها‌السلام سيدة نساء العالمين

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يُسَلّمَ عليَّ ويبشرني بأنَّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة » (1) .

ورد هذا الحديث بسند معتبر في عدة كتب روائية سواء من العامة أو الخاصة والظاهر من خلال مراجعة هذا الحديث أنَّه ممن أتفقت عليه العامة والخاصة حيث

__________________

(1) 5 / 660 ح 7381 ، عنه ذخائر العقبى : 129 ، ومفتاح النجا : 117 ، وجامع الأصول : 10 / 82 وتيسير الوصول : 2 / 154 ، وكنز العمّال : 12 / 96 ح 34158 و ص 102 ح 34192 وص 107 ح 34217 وص 110 ح 34230 وفي ج 13 / 640 ح 37617 وفي ص 675 ح 37728 ، ومنتخب كنز العمّال: 5 / 93 وص 97 عن الحاكم ، والصواعق المحرقة : 185 ص 189 ، والفتح الكبير : 1 / 28 وص 249 وص 426. وسعد الشموس : 203 ، والإدراك : 49 ، وحسن الأسوة : 290 ، وينابيع المودّة : 165 وص 264 ، ومرقاة المفاتيح : 11 / 393 ، وأحمد في مسنده : 5 / 391 ، عنه الفصول المهّمة : 127 وتاريخ دمشق على ما في منتخبه: 4 / 95 وص 206 ، وترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 51 ح 73 ، والخصائص : 118 ، ومقتل الحسين : 1 / 80 و 130 ، وروى في ص 55 « صدره » ، وكفاية الطالب : 422 ، وحلية الأولياء : 4 / 190 ، عنه المنتخب من صحيح البخاري ومسلم : 219 « مخطوط » ، وتاريخ الاسلام : 2 / 90 وص 217 ، وفوائد السمطين : 2 / 20 ح 363. وأخرجه في الحبائك : 105 و 106 ، وتوضيح الدلائل : 348 ، ووسيلة المآل : 161.

ورواه في مصابيح السنّة : 108 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، ومنال الطالب : 22 ، وغالية المواعظ : 2 / 73 ، والبداية والنهاية : 3 / 206 ووسيلة النجاة : 207 ، وابتسام البرق على ما في الإحقاق : 19 / 32 ، والتاج الجامع للأصول : 3 / 317 ، والمطالب العالية : 4 / 67 ، وأشعة اللمعات : 4 / 705 ، وآل محمد 6 : 92 ح 418 وأخرجه في ص 145 ح 662 ، والروض الأزهر : 200 ، والحاوي للفتاوي : 2 / 267 ، وأسد الغابة : 5 / 574 ، وجمع الوسائل : 1 / 269 ، وجامع الأحاديث : 4 / 515 ح 14120. والحاكم في المستدرك : 3 / 151 ، عنه جواهر البحار : 1 / 360 والخصائص الكبرى : 2 / 226 ، وسير أعلام النبلاء : 2 / 123 ، وأرجح المطالب : 241 ، والجامع الصغير : 1 / 71 ، والمختارٍ : 56 ، أخرجه عن بعضها الإحقاق : 10 / 69 ح 1 وج 19 / 31 ، وج 18 / 384. ورواه مرسلاً في طرح التثريب : 1 / 149 ، ورسالة المفاضلة : 216 ، وفي جمع الوسائل : 1 / 270 ، وشرح الفقه : 120 ، عنها الإحقاق : 10 / 102. ورواه مرسلاً أيضاً في تاريخ الإسلام : 2 / 88 ، عنه الإحقاق 10 / 110 ، وفي ج 19 / 25 ، عن سير أعلام النبلاء : 2 / 120 عن العوالم ج 1 ص 137.

٢٠٩

نقلته كتب الفريقين المعتمدة خصوصاً عند السنة وفي الصحاح الستة وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سند هذا الحديث المبارك الذي يُظهر كرامة فاطمة الزهراءعليها‌السلام علىٰ الله وعلىٰ الرسول الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحديث يروي لنا قصة مَلكاً لم ينزل إلىٰ أرض سابقاً استأذن الله تعالىٰ أن يسلم علىٰ رسوله الكريم وإنَّ يبشره بأن فاطمة الزهراءعليها‌السلام هي سيدة نساء هل الجنَّة ، وعليه نقف مع هذا الحديث لنرىٰ مدى شموليته وسعته في دلالته على كون فاطمة الزهراء أفضل من مريمعليها‌السلام أم لا ؟ باعتبار وجود آية قرآنية ذكرت مريمعليها‌السلام في كونها سيدة نساء العالمين في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) فلنقف مع هذه الآية ومع الحديث المبارك :

1 ـ لنعرف ايهما أفضل فاطمةعليها‌السلام ام مريمعليها‌السلام ؟

2 ـ ومن هي سيدة نساء العالمين ؟

3 ـ وما هي الثمرة العقائدية في ذلك ؟

كل هذه الأسئلة تطرح في المقام الذي نحن فيه وعليه لابد لنا أن نجيب عليها لكي تكون لنا قدرة خاصة على الفهم العقائدي لحياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام . فنقول ومن باب مقدمة للبحث في هذا الموضوع المهم إنَّه : ـ

لا شك ولا ريب إنَّه ورد في كتب الفريقين عدة أحاديث تبين أفضل النساء في الدنيا والآخرة وإنَّه لم يكمل من النساء إلاّ أربع وإنَّ الجنَّة إشتاقت إلىٰ أربع من النساء وكذلك ورد أيضاً إنَّ الله اختار من النساء أربع وكثيرة هي الأحاديث التي تظهر هذه المسألة وقد تظافرت الروايات من العامة والخاصة في ذلك. ونحن نذكر في هذه المقدمة ، بعض هذه الأحاديث وعلىٰ أثر ذلك ندخل في صلب الموضوع الذي اخترنا البحث عنه والوقوف معه والاستفاده من دلالته ، أما هذه الاحاديث التي نقلت في طياتها النساء اللواتي إختارهن الله تعالى فمنها :

* ما ورد عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله تعالىٰ اختار

٢١٠

من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجه وفاطمة(1) .

* وروي عن مسلم والترمذي ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد(2) .

* وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : اشتاقت الجنة الىٰ أربع من النساء : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة(3) .

*وعن ابن عباس قال : خط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأرض أربعة خطوط قال : تدرون ما هذا ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم : فقال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل نساء أهل الجنّة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون ، ومريم بنت عمران(4) .

إذن يظهر من هذا الأحاديث أن الإيمان كمل فيهن وإن الله تعالى اختارهن

__________________

(1) الخصائص : 225 ، وسائل الشيعة : 1 / 225 ح 58 ، البحار : 14 / 201 ح 11.

(2) الفصول المهمة ص 127 ، مطالب السؤول ص 10 / شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 511. احقاق الحق 10 / 100 ، 19 / 49.

(3) قلائد الدرر على ما في الاحقاق : 10 / 99.

(4) مسند احمد ج 1 / 293 ، رواه مثله في الإسيتعاب : 4 / 376 ، ومستدرك الحاكم : 2 / 497 ، وج 3 / 160 من طريقين والإصابة : 4 / 378 ، وتهذيب التهذيب : 12 / 441 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، وسير أعلام النبلاء : 2 / 126 ، وتهذيب الكمال : 22 ، وجامع الأحاديث : 685 ، وتفسير القرآن لابن كثير : 9 / 467 ، وكنز العمّال : 12 / 143 ، ومنتخب كنز العمّال : 5 / 284 ، والفتح الكبير : 1 / 214 ، وقصص الأنبياء : 2 / 377 ، وينابع المودة : 172 و 198 من ثلاث طرق ، ومجمع الزوائد : 9 / 223 ، وتهذيب التهذيب : 134 ، وأرجح المطالب : 240 و 243 ، وآل محمّد : ح 106 ، ومشكل الآثار : 1 / 48 ، وأسد الغابة : 5 / 437 ، والبداية والنهاية : 2 / 60 ، وتأريخ الخميس : 1 / 265 ، وذخائر العقبى : 42 ، ووسيلة المآل : 80 ، وإرشاد الساري : 6 / 168 ، وطرح التثريب : 149 ، وخصائص السيوطي : 3 / 362 ، ومسنده ص 57 ح 139 ، والجامع الصغير : 1 / 168 ، والإعتقاد : 165 ، وروضة الاجباب : 626 « مخطوط » والسراج المنير : 271 ، ومفتاح النجا : 102 « مخطوط » وحسن الأسوة : 31 ، والبيان والتعريف : 1 / 123 ، وضوء الشمس : 91 ، وتأريخ الإسلام : 2 / 92 من قوله : أفضل ، عن بعضها الإحقاق : 10 / 52 ، وفي ج 19 / 41 عن ضوء الشمس ، ورواه في ذخائر العقبي : 42 ، وفي سير أعلام النبلاء : 2 / 124 عنه في الإحقاق : 19 / 51 ، وفي وسيلة المآل : 80 ، عنه الإحقاق : 10 / 57 ، وذكره في الدرة اليتيمة على ما في الإحقاق : 19 / 25 ، وكذا في الأنوار المحمّدية على ما في الإحقاق : 10 / 85 عن العوالم ص 119 / ج 1.

٢١١

وفضلهن على كثير من نساء الدنيا والآخرة فهلمَّ معي لنقف معهن لنرى خصوصية كل واحدة منهن ـ وهنَّ آسية ومريم وخديجة وفاطمة ـ بحيث ورد الحديث بأنَّهن خير النساء ، ونقول :

لو نظرنا إلى حياة هؤلاء النسوة صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنة لألفينا ان كل واحدة منهنَّ تختص بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات.

* فآسية إمرأة فرعون آمنت بالله مخلصة له لائذة به وحده وهي في بيت شر العباد ، ورأس الكفر والالحاد ، وقد جاهرت بايمانها منكرة على فرعون كفره وفساده ، متحدية ظلمه وطغيانه ، فأوتد لها الاوتاد ، حتى قضت شهيدة الحق والإيمان ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاثة.

* أما السيدة مريم فقد كرمها بولادة السيد المسيح من غير أب وما عرفت هذه الكرامة لامرأة على وجه الأرض.

* أما السيدة خديجة فأنها أول من آمن وصدّق الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلّت هي وعلي بن أبي طالبعليهم‌السلام أول صلاة أقيمت في الإسلام ، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين ولولا أموالها ، وحماية أبي طالب لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لقضي على الإسلام في مهده ، ولم يكن له عين ولا أثر ولم تكن هذه الكرامة لغيرها من نساء العالمين.

أما فاطمة الزهراءعليها‌السلام فإنها بضعة من رسول الله ، بل هي نفسه خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقىٰ يرضيه ما يرضيها ، ويؤذيها ما يؤذيه ، وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنّة ، وعقيلة سيد الكونين ، بعد رسول الله ولم تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ولا لآسية ولا لمريم(1) . أما التفاضل بينهنَّ فأننا نتركه لئلا يطول المقام بنا ونقف هنا مع حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ومريم بنت عمران لاثبات المراد من هذا البحث.

فمن القضايا العقائدية المهمة لدى الشيعة الإمامية والتي تأخذ حيزاً كبيراً على الصعيد الفكري والعقائدي هي مسألة تفضيل سيدة نساء العالمين على مريم وبقية

__________________

(1) تفسير الكاشف : 2 / 59.

٢١٢

النساء المؤمنات الاخريات ، فنحن باعتبارنا شيعة ونعتقد بأهل البيتعليهم‌السلام وبما ورد من مقامهم ومنزلتهم وقداستهم إنَّ هذه مسألة مسلمة لدينا ولكن هناك من يدعي خلاف ذلك وإن مريمعليها‌السلام هي سيدة العالمين وهي المفضلة على بقية النساء الأخريات والسبب إلى ذهاب بعض من يدعي هذه المقولة هو بما ورد من القرآن الكريم حيث جاء قوله تعالى( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (1) . ليثبت كون مريمعليها‌السلام رمزاً قرآنياً قد طرحه القرآن في الفكر العقائدي لدى المسيحية ، فكيف اذن تُحل هذه القضية وخصوصاً نحن الشيعة يجب علينا أن نحمل عقائدنا عن وعي وإستدلال وبرهان صحيح معتمد على الإستدلالات العقلية المثبوت في محلها ، أما أن نأخذ عقائدنا في هذه القضية أو في قضايا أخرى اعتماداً على العواطف والمديح والمبالغات فهذا مما لا يقبله أهل البيتعليهم‌السلام وخصوصاً نحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل ، وكذلك فإن أهل البيتعليهم‌السلام ليسوا محتاجين مديحنا وقد مدحهم من هو أفضل واحسن وهو القرآن الكريم بأعظم ما يكون ويكون من المدح والثناء العلي حيث وصفهم بأنهم مطهرون( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وكذلك قال فيهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنهم عدل القرآن ، فما يكون كلامنا ومديحنا بعد ذلك ، اذن فالقضية ليست قضية مديح وإطراء مواقف بل هي قضية عقائدية نعم ، إذا أردنا أن نمدحهم ونقدم لهم الذكر والثناء فذلك من باب التقرب إلى الله تعالى وليس من باب رفع مقامهم بل مقامهم رفيع وإذا اوتينا علم وفهم إنما لكي نتعرف على علو مقامهم وشأنهم عند الله تعالى فعليه إذا طرحت هذه الفكرة ، أو القضية بكون فاطمةعليها‌السلام أفضل من مريم يجب أن تكون مدعومة بالدليل العلمي الشرعي والإستدلال المنطقي وخاصة من القرآن الكريم والسنة لكي تكون عقيدتنا في هذه القضية مبنية على المتانة والصحة ، اذن فالسؤال المطروح هو كيفية كون فاطمة أفضل من مريم والحال إن مريم يخاطبها القرآن الكريم( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) والظاهر أنَّ نساء العالمين نص قرآني

__________________

(1) آل عمران : آية 42.

٢١٣

بالصراحة يقول مريم اصطفيت على نساء العالمين فكيف تكون فاطمة أفضل منها ؟ هذا سؤال مطروح فيما نحن فيه وكيف نحمله مع الحديث الذي قدمناه في أول البحث من أن فاطمة سيدة نساء الجنَّة.

ومن جهة أخرى ينقدح سؤال مهم أيضاً وهو أنَّ مريمعليها‌السلام ولدت نبياً وهو عيسىٰ ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وكانت طريقة ولادتها بمعجزة ربانية حيث حملت به من غير أب ، فهي إذن ليست ولدت شخصاً عادياً بل نبي من الأنبياء العظماء وهذا الحال لم يحدث لفاطمةعليها‌السلام لم تولد نبياً من غير زوج فما هو باب التفضيل والحال ان مريم محاطة ومحفوفة بالمعاجز فهذه الأمور تطرح ولابد أن تعالج واحدة بعد واحدة ، ويجب على ذلك ألاَّ نحمل العقائد على السذاجة وعلى العواطف والتقليد لأن التقليد يفيد في الأحكام الشرعية أما في العقائد فيجب على الإنسان أن يحملها عن وعي وإدراك واستدلال وفهم. لذا أصول الدين لا يجب أن يُقلد فيها الآخرين بل التقليد في الفروع باعتبار إنها تحتاج إلى تفحص وإفناء عمر في دراستها والبحث فيها وهذا لا يتسنى ولا يتيسر لكافة الناس فيكون الوجوب الكفائي فيها أما الأصول فيجب على الجميع ان يفهموها بوعي عميق وإستدلال ولا يكون الإنسان المتدين فيها ساذج وتبعى للآخرين بل لابد من أن يصل إليها بالتفكر والإستدلال ، وعليه تكون هذه الأسئلة مهمة من الناحية العقائدية ولابد من فهمها بالدليل القرآني والسنتي فكيف نصل إلى غاية المطلوب وكيف نحصل على الجواب الصحيح فيها ؟ فنقول :

قبل ان نجيب على هذه الأسئلة وكيفية بنائها البناء الصحيح العقائدي وعلى ضوء القرآن والسنة نقدم مقدمة بسيطة وهي أن هذه الأسئلة والإشكالات التي تطرح حول فاطمة الزهراءعليها‌السلام ليست شبهات ولا إشكالات جديدة بل هي كانت مطروحة من زمن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله واللطيفة إن هذه الإشكالات والإثارات والشبهات هي في الحقيقة تخدمنا جداً ، لأنها تكون مربية ومعمقة لعقائدنا فنحن نجد الكثير من العقائد في حياتنا نمر عليها مرور الكرام إما عندما تثار الشبهات حول عقيدة معينة فكما تؤدي إلى زعزعة بعض النفوس الضعيفة كذلك تؤدي إلى أن يكون

٢١٤

أهل الأقلام والفكر والتحقيق يغوصون في فهم العقائد ودعمها قرآنياً أو روائياً وعلى ضوء الاستدلالات الصحيحة وبالنتيجة تكون العقيدة معمقة ودقيقة وتقف بوجه الشبهات والإشكالات التي تطرح عليها ، والأمثله على ذلك كثير جداً مثلما طرحت بعض الإشكالات المغرضة حول وجود صاحب الزمان « عج » وقضية الزهراء بصورة عامة كل هذه الإشكالات بالنتيجة وكما قلنا كانت مفيدة بقدر ما هي مضرة ببعض ضعاف النفوس وعلى كل فالذي نريد القول به هو أن الردود العلمية الدقيقة للاشكالات والشبهات التي تطرح قد أنضجت القضايا العقائدية بشكل أو آخر.

أما الجواب علىٰ مسألة تفضيل الزهراءعليها‌السلام على مريمعليها‌السلام فيكون علىٰ شكل نقاط نذكرها لكي يتبين لنا الحق في ذلك :

1) إن الحديث الذي بدأنا به البحث قال بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وهذا القول يحمل نفس معنى أن فاطمة سيدة نساء العالمين لأن الجنّة فيها المؤمنات فقط والقديسات الطاهرات فتكون فاطمة سيدتهنّ فمن باب الأولوية تكون فاطمة سيدتهنّ في الدنيا كما هي سيدتهنّ في الآخرة فالمعنى واحد سواء في الدنيا أو في الجنَّة.

2) أن ما طرحه القرآن الكريم من كون مريمعليها‌السلام قد إصطفاها الله تعالىٰ علىٰ نساء العالمين كان علىٰ لسان النبي الاكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو الذي أخبرنا بالقرآن وهو الذي أوحيَ إليه من الله تعالىٰ ، ونقول كذلك بإعتبار الرسول ما ينطق عن الهوىٰ إن هو إلا وحي يوحىٰ أخبرنا وبلغنا ان فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ومريم سيدة عالمها فكما بلغنا الرسول القرآن في الآيات الاولىٰ من اصطفاء مريم كذلك بلغنا بقوله حول ابنته فاطمة الزهراءعليها‌السلام والشاهد علىٰ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه القصة هو ما ورد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال : « ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً ذات يوم ، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام » فقال : اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأُحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأُوالي من والاهم وأُعادي من عاداهم إلىٰ أن يقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق فاطمة وإنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك لمريم بنت عمران ؛ فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من

٢١٥

الأولين والآخرين : وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة !( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) 42 ال عمران(1) . الىٰ آخر الحديث.

فيكون الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء الاولين والآخرين.

3) أما القرآن الكريم فلقد وردت كلمة تفضيل علىٰ العالمين ليست لمريم فقط بل جاءت لبني إسرئيل ولانبياء بني إسرائيل فمثلاً قوله تعالىٰ( وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) (2) . فالآية الشريفة بينت أن الله تعالى فضلهم على العالمين هذا هو الظاهر منها ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل من نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يوجد أحد يقول ذلك فنبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء ، بل هناك فرقاً شاسعاً بينه وبينهم وخاصة نحن نرىٰ أن القرآن الكريم يقول( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) إذن بلسان القرآن الكريم ان هناك فرقاً بين الأنبياء وهناك تفضيل بينهم ، وهذا دليل واضح علىٰ أنهم ـ أي هؤلاء الأنبياء ـ أفضل أنبياء زمانهم ، إذ من القرآن الكريم نستفيد أن هذا الاطلاق يحمل تقييده معه أي يحمل قيده.

وهناك شواهد أُخرىٰ تدل علىٰ هذه المسألة المطروحة في المقام ، فهذا القرآن الكريم يقول( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) . فالمعروف أن بني إسرائيل هم اليهود والقرآن يقول فضلتكم علىٰ العالمين فهل هناك إنسان مسلم أو مسيحي يقول أن اليهود أفضل من عليها أو أفضل من المسلمين ؟ لا شك ولا ريب لا أحد يقول بهذه المقالة إلا من كان منهم إذن ما معنىٰ أني فضلتكم علىٰ العالمين ؟ هل لانه في زمانهم كثرة الأنبياء ؟ وهذا في الحقيقة لا يدل علىٰ

__________________

(1) أمالي الصدوق : 393 / ح 18 ، عنه البحار : 43 / 24 ح 20 / تأويل الآيات : 1 / 111 ح 17 نور الثقلين : 1 / 281 ح 135. اثبات الهداة : 1 / 538 ح 166. بشارة المصطفى : 218 روضة الواعظين 180 ، غاية المرام 52 ح 32.

(2) الانعام : آية 86.

٢١٦

الافضلية وإذا كانت ثمة أفضلية في المقام فهي للانبياء لكثرتهم لا لذلك الشعب المتعجرف فبالعكس أن كثرة الأنبياء تدل على كثرة الفساد وشدة الانحراف عن طريق الأنبياء والطغيان الذي ملأهم ، فالانبياء إنما يبعثون لحاجة البشر اليهم ، وهذا ما أخبَرنَا به القرآن الكريم حيث كان اليهود يقتلون الأنبياء بغير حق فكلما كان يقتل نبي يبعث نبي آخر وهكذا وفي ذلك يقول القرآن الكريم :( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) (1) .( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) (2) .

إذن كثرة الأنبياء تدل علىٰ سقوط ذلك الشعب وكفره وإنتشار الفساد فيه وليس تدل علىٰ أفضلية ذلك الشعب ، وبني إسرائيل تلك الأُمة المنحرفه والتي لا زال شرها الىٰ الآن علىٰ العالم الاسلامي بل علىٰ كل العالم كانت في الحقيقة أُمة غير ناجحة وفاشلة جداً والسبب في ذلك هو تمردها علىٰ انبياءها وعلمائها وقدِّيسيها وقادتها وهذا هو السبب في فشلهم ، وعلىٰ هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء على العالمين مثل كلمة التفضيل إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل مريمعليها‌السلام ، فتكون كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ.

4) روي أن زكريا كلما دخل علىٰ مريمعليها‌السلام وهي في محرابها ( وكان آنذاك رئيس الهيكل اليهودي فإهتم بها وتفقد شؤونها ) وجد عندها طعاماً وعهده بها أن لا يدخل عليها أحد ، فسألها متعجباً :أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا !قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ ـ أي لا بواسطة أحد من الناس ـإِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ . ولا شك ولا ريب أن هذه كرامة لمريمعليها‌السلام فهل في فاطمة الزهراءعليها‌السلام موجودة هذه الكرامة أم انها إختصت بمريم فقط فتكون مفضلة علىٰ الصديقةعليها‌السلام ؟ قلنا : نعم حدثت مثل هذه الكرامة لسيدة النساء فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد جاء في تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي عند تفسير قوله تعالىٰ حكاية عن مريم :( هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ ) جاء في هذا التفسير ما نصه

__________________

(1) البقرة : آية 61.

(2) النساء : 155.

٢١٧

بالحرف : « جاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة رغيفين ولحماً فأتاها وإذا بطبق عندها مملوء خبزاً ولحماً ، فقال لها : انىٰ لك هذا ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال : الحمد لله الذي جعلك شبيهه بسيدة بني اسرائيل ، ثم جمع رسول الله علياً والحسنين ، وجمع أهل بيته عليه فأكلوا وشبعوا ، وبقي الطعام كما هو فأوزعت فاطمة علىٰ جيرانها »(1) . وفي كتاب ذخائر العقبىٰ لمحب الدين الطبري « إن علياًعليه‌السلام استقرض ديناراً ليشتري به طعاماً لاهله ، فالتقىٰ بالمقداد بن الاسود في حال ازعاج ولما سأله الإمام قال : تركت أهلي يبكون جوعاً ، فآثره بالدينار على نفسه وأهله وانطلق الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلىٰ خلفه وبعد الصلاة قال النبي لعلي : هل عند شيء تعشينا به ؟ وكأن الله قد أوحى إليه ان يتعشىٰ عند علي ، فأطرق علي لا يحير جواباً ، فأخذ النبي بيده ، وانطلقا الىٰ بيت فاطمة ، وإذا بحفنه من الطعام فقال لها عليعليه‌السلام أنّىٰ لك هذا ؟ قال له النبي : هذا ثواب الدينار ، هذا من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب ، الحمد لله الذي أجراك يا علي مجرىٰ زكريا واجراكِ يا فاطمة مجري مريم ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً »(2) . وعليه قد ثبتت هذه الفضيلة للزهراءعليها‌السلام مثلما ثبتت لمريم سواء من طرق العامة أو الخاصة.

5) واستدل الكثير من العامة والخاصة بأفضلية فاطمةعليها‌السلام علىٰ مريم وخصوصا ما تواتر عن أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الخاصة والعامة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني » فهذا الحديث من المتواترات وفيه دلاله علىٰ كونها من نور الرسول الاعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكونها لحمه ودمه فهو خاتم الرسل فانه تكون ابنته أفضل من ابنت عمران.

أوَما قال خاتَمُ الرسل فيها

فاطمُ بضعتي وِلايَ وِلاها

فاطمُ روحي التي بين جنبي

وريحانتي التي أَهواها

__________________

(1) الخرائج والجرائح : 528 ح 3 ، البحار : 43 / 27 ح 30 ، الثاقب في المناقب : 295 تفسير الثعلبي : 202 / ، فرائد السمطين : 2 / 51 ، ابن كثير البداية والنهاية : 6 / 111 وروح المعاني : 3 / 124 ، الدرر المنثور : 2 / 20 ، واحقاق الحق : 3 / 538.

(2) ذخائر العقبىٰ : 45 ، كفاية الطالب : 367 ، ووسيلة المآل : 89 ، ينابيع المودة : 199 ، كشف الغمة : 1 / 469 ، أمالي الطوسي : 2 / 228 البحار : 43 / 59 ح 51.

٢١٨

أيها الناس بابُ فاطِمَ بابي

مثلَما قد غدا حمايَ حماها

أيُّها الناس فأحفظوني فيها

تاه في الغيِّ من بسوءٍ أتاها

6) إن فاطمة الزهراءعليها‌السلام أفضل من مريم بل هي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين وهذا ما أثبته الحديث المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل : « ولقد كانتعليها‌السلام مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله ، من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة »(1) وكذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أهل بيت العصمة أنه « ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الاولىٰ »(2) . فالذي يظهر من هذين الحديثين ان فاطمة مفروضة الطاعة علىٰ جميع الاولين والاخرين بما فيهم النساء والأنبياء والخلق كلهم وكذلك لا تتكامل نبوة نبي إلاّ أن يقر بفضلها ومحبتها ، فاذا كان حال الصديقة الكبرىٰ هكذا مع الأنبياء فكيف مع مريمعليها‌السلام ولم تكن نبية ؟

7) ويمكن أن نستفيد من الحديث المروي عن شفاعة فاطمة الزهراءعليها‌السلام يوم القيامة وان لها الشفاعة الكبرىٰ كما لأبيها رسول الله انها الافضل وانها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين بينما لا يوجد عندنا نص في شفاعة مريمعليها‌السلام فلذلك يكون هذا الحديث المروي عن شفاعة فاطمة دليل علىٰ كونها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين وإلا كيف يكون لها مقام الشفاعة ؟ واليك الحديث المروي في شفاعتها لمحبيها وشيعتها يوم القيامة.

* عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : لفاطمة وقفة علىٰ باب جهنم فاذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد كثرة ذنوبه الىٰ النار ، فتقرأ بين عينيه محباً ، فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة ، وفطمت بي من تولاني وتولىٰ ذريتي من النار ، ووعدك الحقُّ وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل : صدقتِ يا فاطمة إني سميتكِ فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لا أُخلف الميعاد وإنما

__________________

(1) دلائل الإمامة : 28.

(2) البحار : 43 / 105.

٢١٩

أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك ، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنَّة(1) . إذن لا يبقى أي أشكال في كون فاطمة سيدة نساء الجنّة وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ولا تنافي في كون مريم قد دعمها القرآن الكريم وإن الله قد اصطفاها فإن ذلك كان في زمانها ولا يمتد إلى زمان الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام ، هذا من جهة اصطفاء مريم وكيفية التوفيق بين ذلك ، أمَّا بالنسبة للمعجزة الربانيِّة التي خصت بها مريمعليها‌السلام والكرامة التي أعطاها الله تبارك وتعالى إياها وهي إنها ولدت عيسى من غير أب عيسىٰعليه‌السلام ، وإنه نبي من الأنبياء ، وهذا غير موجود في الصديقة فاطمةعليها‌السلام ولم يقع لها بل ولدت الحسن والحسين وزينبعليها‌السلام بالطريقة الطبيعية فتكون مريم مفضلة علىٰ فاطمة فيكون الجواب علىٰ ذلك :

إننّا لا نتصور ولا نصدق علىٰ أن يكون هذا دليلاً علىٰ أفضلية مريمعليها‌السلام لماذا ؟ لأنّه بالنسبة لولادتها لعيسىٰعليه‌السلام وحملها به من غير أب يكون وحسب رأينا القاصر لسببين :

1 ـ إن مريمعليها‌السلام حملت بعيسىٰ بهذه الطريقة لأنَّه لم يكن في بني إسرائيل كفوء لها فمن من بني إسرائيل يستحق أن يكون زوجاً للقديسة الطاهرة وأباً لعيسىٰعليه‌السلام هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنَّها نذرت نفسها لخدمة بيت الله آنذاك ولذلك كان اصطفاءها من قبل الله تعالى والدليل على عدم وجود كفوء لها إنها عندما حملت بعيسىٰ وولدته فقدوها بني إسرائيل في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج زكريا فأقبلت مريم وعيسىٰ في صدرها وأقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها( يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) أي شيئاً عظيماً في المناهي( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) ومعنى قولهم يا أخت هارون إن هارون هل كان رجلا فاسقاً زانياً فشبهوها به يعني أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني

__________________

(1) البحار : 8 / 51.

٢٢٠