الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب0%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبدالباقي قرنة الجزائري
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: الصفحات: 564
المشاهدات: 77063
تحميل: 4675

توضيحات:

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77063 / تحميل: 4675
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قبل ذلك فلا كلام.

وفي رواية سعيد بن منصور عن الحسن أنّه قال رجل لعمررضي‌الله‌عنه : إنّ فلانا لا يصحو(1) فقال: انظر إلى السّاعة التي يضع فيها شرابه فأتني! فأتاه فقال: قد وضع شرابه! فانطلقا حتى استأذنا عليه، فعزل شرابه ثمّ دخلا فقال عمر: والله إنّي لأجد ريح شراب يا فلان أنت بهذا؟ فقال: يا ابن الخطّاب وأنت بهذا؟ ألم ينهك الله تعالى أن تتجسّس؟ فعرفها عمر فانطلق وتركه.

أقول:

خليفة المسلمين لا يكتفي بالسّماع إلى السّاعي بجاره، بل يدخل معه في الصّفقة ويستعمله في التجسّس وينطلق معه على طريقة الأمن العسكري وأجهزة المخابرات في البلدان العربية ليفاجئ الرّجل، ثمّ يكتشف أنّه خالف نهي الله تعالى وفعل ما لا يحقّ له، فيخرج!

قالوا: لقيت امرأة عمر يقال لها (خولة بنت ثعلبة) وهو يسير مع النّاس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت؛ فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟ قال: ويحك وتدري من هذه؟ قال لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عنّي إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلاّ أن تحضر صلاة فأصلّيها، ثمّ أرجع إليها حتّى تقضي حاجتها(2) .

أقول:

هذا يدلّ على أنّ هذه المرأة عند عمر بن الخطّاب أفضل من فاطمة عليها السلام، لكن الذي

____________________

(1) يريد أن يقول إنّه سكران معظم أوقاته.

(2) أحكام القرآن لابن العربي ج 4 ص 185 وكنز العمال ج 2 ص 220 وحاشية ابن القيم ج 13 ص 17 ومختصر ابن كثير، ج 3 ص 486 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 319 والرد على الجهمية للدارمي ج 1 ص 54. وقال ابن كثير وهو منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطّاب كما.

٥٠١

في نفس الأمر أنّ فاطمة سيّدة النّساء من حوّاء إلى آخر امرأة تقوم عليها السّاعة، فشتّان ما بين ميزان عمر وميزان الإسلام، نعم، هذه المرأة لا تشكّل خطرا على طموح عمر!.

وعن أبي عمران الجوني قال: مرّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه بدير راهب قال فناداه: يا راهب! فأشرف. قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي؛ فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عزّ وجلّ في كتابه: (عاملة ناصبة... تصلى نارا حامية) فذاك الذي أبكاني(1) .

وفي الموطأ أنّ رجلا خطب إلى رجل أخته فذكر الأخ أنّها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فضربه أو كاد يضربه ثم قال: ما لك وللخبر(2) .

أقول:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)، فهل يرضى عمر بن الخطاب لنفسه أن يتزوّج امرأة أحدثت؟ ولماذا يلوم الرّجل على صدقه وتجنّبه التّدليس.

وفي صحيحة الألبانيّ: قال عمر لصهيب: أيّ رجل أنت؛ لو لا خصال ثلاث فيك! قال: وما هنّ: قال اكتنيت وليس لك ولد وانتميت إلى العرب وأنت من الروم وفيك سرف في الطّعام. قال: أمّا قولك: اكتنيت ولم يولد لك؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاني أبا يحيى. وأمّا قولك: انتميت إلى العرب ولست منهم وأنت رجل من الرّوم؛ فإنّي رجل من النّمر بن قاسط فسبتني الرّوم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي. وأما قولك: فيك سرف في الطّعام؛ فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ي قول: (فذكره) قال الألباني: صحيح(3) .

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 - ص 654.

(2) موطأ مالك ج 2 ص 547 والمحلى ج 10 ص 28.

(3) السلسلة الصحيحة، الألباني، ج 1 ص 109.

٥٠٢

أقول:

يلاحظ هنا أنّ عمر بن الخطّاب لم يؤاخذ صهيبا على وجود اسم نبيّ في كنيته، وإنّما لامه على الكنية نفسها وليس له ولد! ولو كان التسمّي والتكنّي بأسماء الأنبياء وكناهم ممنوعا لما أجازه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضلا عن أن يقوم هو نفسه بالإشراف عليه، فإنّ صهيبا يقول: (كنّاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )! فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّى ابنه إبراهيم، وكنّى أكثر من واحد مستعملا أسماء الأنبياء، ومع ذلك خالفه عمر وزعم أنّه لا يجوز التّسمّى والتّكنّي بأسماء الأنبياء، مرجّحا فكرة كعب الأحبار على فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروي أنّ النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطّاب فقال شعرا: فمن مبلغ الحسناء أنّ حليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم إلى أن قال: لعل أميرالمؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال له: أي والله إني ليسوءني ذلك وقد وجب عليك الحدّ فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا ممّا قلت وإنّما كان فضلة من القول وقد قال الله تعالى (وأنّهم يقولون ما لا يفعلون) فقال له عمر: أمّا عذرك فقد درأ عنك الحدّ، ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت(1) .

وعن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف أنّه حرس ليلة مع عمر بن الخطّاب المدينة فبينا هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمّونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال قلت: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى أن قد أتينا ما نهانا الله عنه، قال (ولا تجسّسوا 9 فقد تجسّسنا، فانصرف عمر عنهم وتركهم(2) .

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة، ج 6 ص 447 وج 6 ص 454، والاستيعاب ج 4 ص 1502، والطبقات الكبرى ج 4 ص 140، والسيرة النبوية، ج 5 ص 13، وفتوح البلدان ج 1 ص 378، والوافي بالوفيات، ج 27 ص 84 لسان العرب ج 10 ص 35 ومعجم البلدان ج 5 ص 243.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 232.

٥٠٣

أقول:

لماذا يسأل عن صاحب البيت ما دام الجرم حاصلا. وقد تبيّن أنّ البيت بيت ربيعة بن أميّة بن خلف وهو عزيز منيع وراءه عشيرة قويّة، ولو كان رجلا مستضعفا لقال عبد الرحمن غير هذا القول، ولتصرّف عمر غير هذا التّصرّف!

وعن أبي قلابة أن عمر بن الخطّاب حُدّث أنّ أبا محجن الثّقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتّى دخل عليه فإذا ليس عنده إلاّ رجل! فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إن هذا لا يحلّ لك؛ قد نهاك الله عن التجسّس. فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين، هذا التّجسّس. قال: فخرج عمر(1) .

أقول:

هذه القصّة تشبه القصّة السّابقة، فإن كانت وقعت قبلها لم يكن لعمر أن يقف عند بيت ربيعة بن أميّة، وإن كانت بعدها فسلوكه من باب الإصرار على التجسّس.

عن قيس قال: قال عمر: ألا تخبروني بمنزلتكم هذين ومع هذا إني لا أسألكما وإني لأتبين في وجوهكما أي المنزلتين خير قال فقال له جرير: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، أمّا إحدى المنزلتين فأدنى نخلة بالسّواد إلى أرض العرب، وأمّا المنزل الآخر فأرض فارس وعليها وحرها ولعها يعني المدائن، قال فكذّبني عمّار فقال: كذبت! فقال عمر: أنت أكذب! ثمّ قال عمر: ألا تخبرونني عن أميركم هذا أهجري هو؟ قلت: والله لا هو بهجري ولا كان، ولا عالم بالسياسة فعزله فبعث المغيرة بن شعبة(2) .

أقول:

سلوكه مع عمّار بن ياسر في هذه الواقعة قاس وخال من الأدب، وقد حذّر النبي من أذى عمار.

____________________

(1) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 233.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 203. تحت رقم 30680.

٥٠٤

ودعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليولّيه الكوفة وقال له: (لا تذكره لأحد)، فبلغ المغيرة بن شعبة أنّ عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته وقال لها اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثم قالت ائتيني به فلما استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر وقال بارك الله لك فيمن وليت وأخبره أنه ولى جبير بن مطعم فقال عمر: لا أدرى ما أصنع. فولى المغيرة بن شعبة الكوفة فلم يزل عليها إلى أن مات عمر(1) .

وروى أبو الفرج الأصبهاني بإسناده إلى الشعبي قال كتب عمر إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن استنشد من قبلك من الشعراء عما قالوه في الإسلام قال فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال قد أبدلني الله بهذه في الإسلام مكان الشّعر وجاء الأغلب إلى المغيرة فقال له... أرجزا تريد أم قصيدا... لقد طلبت هيّنا موجودا. فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه انقص من عطاء الأغلب خمسمائة فزدها في عطاء لبيد. ورواه ابن دريد في الأخبار المنثورة عن الرياشي عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء نحوه(2) .

أقول:

ماذنب الرجل إذا كان الخليفة هو نفسه الذي كتب إلى عامله أن يستنشد الشّعراء؟ هل زاد على أن فعل ما طلب منه الوالي الذي يمثّل الخليفة؟ وإذا كان الخليفة وعامله غير جادّين في ما طلبا فإنّ عليهما أن يذكرا ذلك من البداية. ثمّ أين الإساءة في قوله: أرجزا تريد أم قصيدا... لقد طلبت هيّنا موجودا. هل يحتوي هذا الشّعر على هجاء أو تشبيب بالنّساء أو انتهاك للأعراض؟!

عن إبراهيم بن ميمون مولى بني عدي بن كعب قال: دخل عمر على دهقان فقال هل أصبت بشيء قطّ من مالك؟ قال: لا. فأبى أن يأكل من ماله. رواه جرير عن مغيرة

____________________

(1) الثقات، ج 2 ص 234.

(2) الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1 ص 98.

٥٠٥

عن إبراهيم بن يمون حديثه في الكوفيين(1) .

أقول:

لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأل مثل هذه الأسئلة، و ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ..).

قالوا: دعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليولّيه الكوفة وقال له: لا تذكره لأحد. فبلغ المغيرة بن شعبة أنّ عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته وقال لها: اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السّفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثمّ قالت: ائتيني به! فلمّا استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عرم وقال: بارك الله لك فيمن ولّيت، وأخبره أنّه ولّى جبير بن مطعم. فقال عمر: لا أدري ما أصنع! فولّى المغيرة بن شعبة الكوفة، فلم يزل عليها إلى أن مات عمر(2) .

أقول:

المغيرة - حسب ما جاء في القصّة - يمكر بعمر. هذا مع أنّ عمر يقول لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني، وقد خدعه المغيرة فانخدع له! وفي الحقيقة قد تخادع له، لأنّه هو نفسه يقول له: إنك رجل فاسق، ولا يمنعه فسقه من توليته على الصّحابة، علما أنّ من ولّى على النّاس رجلا وهو يعلم أنّ فيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله. وقد تكرّر ذلك من عمر، فقد ولّى على النّاس قدامة بن مطعون لأنّه أخو زوجته، واعترف أنّه ولاه للقرابة فلم يببارك له فيه، وشرب قدامة الخمر، وأقام عليه الحدّ وتغاضبا...

قال ابن عيينة: رأى عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه مع أبيّ جماعة فعلاه بالدّرة فقال أبيّ: أعلم ما تصنع يرحمك الله! فقال عمر: أما علمت أنّها فتنة للمتبوع مذلّة للتّابع(3) .

____________________

(1) التاريخ الكبير، البخاري، ج 1 ص 324.

(2) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 234.

(3) تذكرة الحفاظ، ج 1 ص 8.

٥٠٦

أقول:

لا يحلّ لعمر ولا لغيره أن يهين مسلما بهذا الشّكل أمام النّاس؛ فالذين كانوا مع أبيّ إنما كانوا معه لعلمه، ولا يزال هذا المشهد يرى يوميّا في مكّة والمدينة والنّجف وقمّ والأزهر وغيرها من حواضر العلم. وقد كان بعض طلبة العلم يقدّمون لأبي بكر جابر الجزائريّ نعاله حين ينتهي من درسه، ولم ينكر عليهم لا الشّيخ أبو بكر ولا غيره! لكن يبدو أنّ عمر بن الخطاب حسد أبيّا على ذلك الاحترام والتّوقير الذي لا يحظى هو بمثله. فالذين يأتون إلى عمر بن الخطاب من أمثال المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ومعاوية إنّما يريدون المناصب والمال، وهذا هو الطّمع بعينه؛ ولو لم يكن عمر على بيت المال وتولية المناصب لما جاءه أحد. وأمّا أبيّ بن كعب فلم يكن يشغل منصبا رسميّا، ومع ذلك لا تخلو مجالسه من المستفتين والمستفسرين، وشتّان بين من يقصده النّاس لعلمه، ومن يقصده النّاس لمنصبه!

قالوا: كان نصر بن الحجّاج من بني سليم، وكان جميلا رائعا، فمرّ عمر بن الخطّاب ذات ليلة وهذه المرأة تقول: * ألا سبيل إلى خمر فأشربها * فدعا بنصر بن الحجاج فسيّر إلى البصرة، فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ وعنده امرأته شميلة، وكان مجاشع أمّيا، فكتب نصر على الأرض (أحبّك حبّا لو كان فوقك لأظلّك ولو كان تحتك لأقلّك) فكتبت المرأة (وأنا والله)، فلبث مجاشع آنا، ثمّ أدخل كاتبا فقرأه فأخرج نصرا وطلّقها(1) .

أقول:

ما زاد عمر على أن نقل مشكلة المدينة إلى البصرة، وتسبّب في تخريب بيت مجاشع بن مسعود السّلمي!

عن نافع عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أمراء الجيوش يأمرهم أن يقتلوا من الكفّار كلذ من قد جرت عليهم المواسي ولا تسبوا إلينا

____________________

(1) تاريخ دمشق، ج 40 ص 275 والوافي في الوفيات ج 1 ص 3320.

٥٠٧

من علوجهم أحدا، وكان يقول: لا يحمل إلى المدينة من علوجهم أحد! فلمّا أصيب عمر بن الخطّاب قال: من أصابني؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة فقال: نهيتكم أن تحملوا إلينا من هؤلاء الأعلاج أحدا فعصيتموني(1) .

أقول:

المعروف أنّ المغيرة استأذن عرم في إدخال أبي لؤلؤة إلى المدينة، فلماذا يلوم الناس على أمر إذن فيه؟ لماذا لا يلوم نفسه؟!

قالوا: كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين، وكان قتل النعمان بن مقرن يوم جمعة، ولما جاء نعيه عمر بن الخطّاب خرج فنعاه إلى النّاس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي(2) .

أقول:

هذا عمر يبكي لمقتل النّعمان بن مقرّن ولم يبك لمقتل حمزة ولا لمقتل جعفر، ولا حتّى لوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يعلم منزلة حمزة وجعفر عليهما السلام من قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بكاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين استشهدا، ومن هو النّعمان بن مقرن في جنب حمزة وجعفر؟!

قال النّوويّ: وقد روى في النّهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكنّ حديث عائشة هذا ثابت، فلهذا قال العلماء يكره البول قائما إلاّ لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. قال ابن المنذر في الإشراق: (اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل ابن سعد أنّهم بالوا قياما. قال: وروى ذلك عن أنس وعليّ وأبي هريرةرضي‌الله‌عنه ، وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزّبير، وكرهه ابن مسعود والشّعبي وإبراهيم بن سعد. وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما(3) . وعن أبي النضر أنّ عمر بن الخطّاب سمع ضحك ثقفيّين بعد العتمة فأقبل

____________________

(1) المدونة الكبرى، ج 1 ص 499.

(2) تهذيب الكمال، ج 29 ص 460.

(3) شرح مسلم، النووي، ج 3 ص 166.

٥٠٨

إليهما فقال: من أنتما؟ فقالا: من ثقيف. قال: أمن أهلها؟ قالا: لا. قال: لو أنبأتماني أنّكما من أهلها لبلغت منكما، يريد العقوبة(1) .

وعن مجالد عن الشعبيّ أنّ أبابكر قى بعاصم بن عمر لأمّه وقضى على عمر بالنّفقة. وعن سعيد بن المسيب أنّ عمر بن الخطّاب طلّق أمّ عاصم ثمّ أتاها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر فقال له أبو بكر: يا عمر مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبيّ فيختار(2) .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة (ولا يسرقن) فقالت هند: إنّ أبا سفيان رجل شحّيح، وإنّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرفها فقال لها: وإنّك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم، فاعف عمّا سلف عفا الله عنك. فقال: (ولا يزنين) فقالت هند: أو تزني الحرّة؟ فقال: (ولا يقتلن أولادهنّ) فقالت هند ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فأنتم وهو أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمررضي‌الله‌عنه حتى استلقى وتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (3) .

أقول:

ليس في عمر بن الخطاب دعابة! إلا أنّه يضحك حتّى يستلقي! أو بعبارة أخرى لم يعد يملك نفسه، كل ذلك أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثمّ، ممّ ضحك عمر؟ ليس في قولها ربّيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ما يضحك! لكنّه ضحك من قولها أو تزني الحرّة! وهو يعرفها على حقيقتها في الجاهليّة. فقد نقل ابن أبي الحديد عن الزمخشري قوله في كتاب ربيع الأبرار: (كان معاوية يعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العبّاس بن عبد المطلب، وإلى الصّبّاح، مغنّ كان لعمارة بن الوليد. قال: وقد كان أبو سفيان دميما قصيرا، وكان الصّبّاح عسيفا لأبي

____________________

(1) الجامع في الحديث، ج 2 ص 478.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 4 ص 180 الحديث رقم 19122 والحديث 19123.

(3) تفسير البغوي، ج 1 ص 100.

٥٠٩

سفيان، شابّا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وقالوا: إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصّبّاح أيضا..(1) .

وفي مصنّف ابن أبي شيبة: عن عمرو بن دينار قال: مرّ عمر بن الخطّاب بكاتب يكتب بين النّاس وهو يشهد أكثر من اثنين فنهاه، ثمّ مر بعده فقال: ألم أنهك؟ فقال الرجل: (أطعت الله وعصيتك) وكان في صدقة عمر شهد عبد الله بن الأرقم ومعيقيب، وكان في صدقة عليّ شهد فلان وفلان كتب(2) .

وعن هشام عن أبيه قال: خرج عمر بن الخطّاب من الخلاء وأتي بطعام فقالوا: ندعو بوضوء فقال: إنما آكل بيميني وأستطيب بشمالي، فأكل ولم يمسّ ماء(3) .

أقول:

لأجل أن يصحّحوا هذا العمل رووا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل مثله(4) ، والوجدان يشهد بتقزّز النّفس واشمئزازها لمجرّد التفكير فيه من طرف العوامّ البسطاء، فكيف بالإقدام عليه من طرف صاحب الخلق العظيم. وقد عني الإسلام بالطّهارة والنّظافة عناية كبيرة يدرك عمقها ذوو الذّوق السليم. قال النّووي في شرح مسلم في معرض حديثه عن آداب الطعام: (لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل)(5) . وفي عون المعبود: (قال الخلال: وأخبرنا أبوبكر المروزي قال رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء)(6) .. والقواعد الصحّية الثّابتة في كلّ لمجتمعات المتحضّرة

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 336.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 4 ص 434 تحت رقم 21843.

(3) مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 134 تحت رقم 24462.

(4) رووا عن ابن عباس قال: كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء من الغائط فأتى بطعام فقالوا له ألا تتوضأ فقال لم أصل فأتوضأ. وعن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من الخلاء وقرب إليه الطعام وعرضوا عليه الوضوء فقال إنما أمرت بالوضوء إذا أقيمت الصلاة. وعن ابن عباس قال كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتى بطعام فقيل يا رسول الله ألا تتوضأ فقال لم أصل فأتوضأ. كنز العمال ج 15 ص 180 الأحاديث 41679 و 41680 و 41681.

(5) شرح النووي على صحيح مسلم، ج 13 ص 188.

(6) عون المعبود، ج 10 ص 169.

٥١٠

والمتمدّنة، ووصايا الأطباء والحكماء كلها تذهب إلى خلاف سلوك عمر.

وعن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه إلى عمر بن الخطّاب فكتب عمر أن اقتلوه به؛ فقيل لأخيه حنين: (اقتله) قال: (حتى يجيء الغضب) قال فبلغ عمر أنه من فرسان المسلمين، قال فكتب عمر: (أن لا تقيدوه) قال: فجاءه الكتاب وقد قتل(1) .

عمر يعرّض بعلي عليه السلام:

قالوا: رأى عمر بن الخطّاب سعيد بن العاص وقال له: مالي أراك معرضا أتظنّ أني قتلت أباك؟ ولوددت أنّي قتلته ولا أعتذر إلى الله من قتل مشرك، لكني بصرت به وهو يبحث للقتال كما يبحث الثور، والزبد يرغو على شدقيه فناداني هلمّ إليّ يابن الخطّاب، فحدت عنه وصمد له عليّ فقتله! وفي رواية غير ابن إسحاق والواقديّ: وكان عليّ جالسا فقال: اللّهم غفرا، ذهب الشّرك بما فيه، ومحا الإسلام ما قبله! فعلام تهاج القلوب؟! فسكت عمر! فقال سعيد: ما وددت أن قتل أبي غير ابن عمي(2) .

أقول:

في كلام عمر بن الخطّاب تضارب عجيب، فهو من جهة يقول (ولوددت أنّي قتلته) وقد أتيح له قتاله فلم يفعل، وقال: (فناداني هلمّ إلي يابن الخطّاب، فحدت عنه)، وهذا معناه أنّ عمر نكل عن المبارزة، وهو أمر قبيح عند العرب مسلمهم وكافرهم. ثمّ هو يعرّض بعلي بن أبي طالب عليه السلام، وقد جاء الرّدّ قويّا من طرف سعيد بن العاص.

وعن سيف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال بعث عمر بن الخطّاب إلى حذيفة بعد ما ولاه المدائن وكثر المسلمات أنه بلغني أنّك تزوّجت امرأة

____________________

(1) وفي مصنف ابن أبي شيبة، ج 5 ص 409 تحت رقم 27470.

(2) الطبقات الكبرى، ج 5 ص 31 والسيرة النبوية، ج 3 ص 185 وتاريخ مدينة دمشق ج 21 ص 114، سمط النجوم العوالي ج 2 ص 67.

٥١١

من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلّقها فكتب إليه: لا أفعل حتى تخبرني أحلال أم حرام وما أردت بذلك. فكتب إليه: لا بل حلال ولكن في نساء الأعاجم خلابة فان أقبلتم عليهنّ غلبنكم على نسائكم. فقال: الآن فطلّقها.

أقول:

هذه هي العنصريّة المحضة، ولا يدافع عن عمر في هذا المقام إلاّ مكابر. إضافة إلى أنّ عمر بفعله هذا يتدخّل في شؤون النّاس الخاصّة، وقد كانت إحدى نساء الإمام الحسين عليه السلام فارسيّة وأنجبت سيّد السّاجدين عليّ بن الحسين زين العابدين الذي كان آية في العلم والتّقوى والورع. على أنّ المسلمين لم يعملوا براي عمر في زمن عمر نفسه وتزوّجوا من نساء الأعاجم.

وعن محارب بن دثار قال: لما استخلف أبوبكر قال له عمر بن الخطّاب: أنا أكفيك القضاء، فمكث عمر سنة لا يختلف إليه أحد(1) .

ورووا عن عمر أنه قال لمتمم بن نويرة: لو كنت أقول الشّعر كما تقول لرثيت أخي كما رثيت أخاك(2) .

أقول:

عمر بن الخطاب يقول: (لو كنت أقول الشعر..) لكن المحدّثين والمؤرّخين لا يروق لهم ذلك، فتراهم ينسبون إليه القصائد الطّوال.

وعن محمد بن عبد الله الثقفي أنّ أباه عبد الله بن قارب اشترى جارية بأربعة آلاف قد أسقطت لرجل سقطا فسمع عبد الله عمر بن الخطّاب فأرسل إليه قال وكان أبي عبد الله بن قارب صديقا لعمر بن الخطّاب فلامه لوما شديدا وقال: والله إني كنت لأنزهك عن هذا أو عن مثل هذا! قال: وأقبل على الرّجل ضربا بالدّرّة وقال: الآن حين اختلطت لحومكم ولحومهنّ ودماؤكم ودماؤهنّ تبيعونهن تأكلون أثمانهن؟ قاتل الله يهود

____________________

(1) التنبيه والإشراف، المسعودي، ص 254.

(2) وفيات الأعيان، ابن خلكان، ج 6 ص 16.

٥١٢

حرمت عليهم الشحوم أو قال حرموا شحومها فباعوها وأكلوا أثمانها، ارددها! قال: فرددتها، وأدركت من مالي ثلاثة آلاف درهم(1) .

أقول:

لا يكتفي عمر بن الخطاب بلوم صديقه عبد الله بن قارب لوما شديدا يضرب صديقه بالدّرة

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال خرجت سودة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فرآها عمر بن الخطّاب فقال: إنّك لن تخفي علينا وكان طويلة، فذكر ذلك للنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يأكل عرقا فما وضعه حتى أوحي إليه أن قد رخصتنّ أن تخرجنّ في حوائجكنّ ليلا(2) .

أقول:

ما معني قول عمر: إنك لن تخفي علينا؟

حدثنا هشام بن خالد الأزرق ثنا الحسن بن يحيى الخشني ثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيدالله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدّرداء قال خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأسه يقطر ماء فصلى بنا في ثوب واحد متوشّحا به قد خالف بين طرفيه فلما انصرف قال عمر بن الخطّاب يا رسول الله تصلى بنا في ثوب واحد؟ قال: نعم، أصلى فيه وفيه. أي قد جامعت فيه(3) [!].

أقول:

حاشا لرسول الله أن يجيب عما لم يسأل عنه، وحاشاه أن يتحدّث عن الأمور الحميمية بينه وبين أزواجه لأحد أحمائه، فإنّ حفصة بنت عمر في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن ابن قتيبة أنّ أعرابيّا سأل عمر بن الخطّاب أن يحمله على راحلة وشكا دبر

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق ج 7 ص 296، 13248.

(2) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 361 تحت رقم 8067.

(3) سنن ابن ماجه، ج 1 ص 180 تحت رقم 541.

٥١٣

راحلته فاتّهمه عمر فقال الأعرابيّ: ما مسّها من نقب ولا دبر... أقسم بالله أبو حفص عمر * فاغفر له اللهم إن كان فجر * قال: يعني إن كان نسبني إلى الكذب(1) .

أخلاق عمر - سوء الظن بالآخرين.

وعن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطّاب لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: الحرّة. قال: بأيّها؟ قال: بذات لظى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا! فرجع الرجل، فوجد أهله قد احترقوا(2) .

أقول:

فإنّ معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس شرّ من جمرة بن شهاب ومع ذلك ولاّه عمر على الشّام كله، ولم ير في اسمه وأسماء آبائه شيئا! ثم لماذا احترق أهل الرجل؟! إن كان ذلك لأجل أسمائهم وأسماء مساكنهم فلماذا تأخّر الاحتراق إلى يوم لقاء الرّجل بعمر؟! فإنّ أسماءهم لم تزل معهم منذ ولدوا. وإن كان لسبب آخر فما هو؟ وكيف اطّلع عمر على ذلك دون غيره..

وعن جابر بن عبد الله أنه جاء إلى عمر يشكو إليه ما يلقى من النّساء فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة فتقول لي: ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن(3) .

أقول:

هذا رأي زوجة عمر في عمر، والمرأة أدرى بزوجها.

قال ابن تيمية: كان عند أبي موسى الأشعري مال للمسلمين يريد أن يرسله إلى عمر فمرّ به ابنا عمر فقال: إني لا أستطيع أن أعطيكما شيئا ولكن عندي مال أريد حمله إليه

____________________

(1) التحرير والتنوير، ج 1 ص 4637.

(2) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 126.

(3) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 142.

٥١٤

فخذاه اتجرا به وأعطوه مثل المال، فتكونان قد انتفعتما والمال حصل عنده مع ضمانكما له. فاشتريا به بضاعة فلما قدما إلى عمر قال: أكلّ العسكر أقرّهم مثل ما أقرّكما فقالا: لا. فقال: ضعا الرّبح كلّه في بيت المال؛ فسكت عبد الله وقال له عبيد الله: أرأيت لو ذهب هذا المال أما كان علينا مانه؟ فقال: بلى. قال: فكيف يكون الربّح للمسلمين والضمان علينا؟ فوقف عمر! فقال له الصحابة: اجعله مضاربة بينهما وبين المسلمين، لهما نصف الرّبح وللمسلمين النّصف، فعمل عمر بذلك(1) .

أقول:

هذا عمر بن الخطاب الذي يحدّثه الحقّ في كلّ حين اشتبه عليه الأمر.

قال ابن تيمية: ومما يبين أن مثل ذلك قد يقع فيه التباس ما رواه سعيد في سننه عن جرير عن مغيرة قال قلت لإبراهيم هل كان عمر بن الخطّاب حلّل بين رجل وامرأته؟ فقال: لا، إنما كانت لرجل امرأة ذات حسب ومال فطلقها زوجها تطليقة أو اثنتين فبانت منه ثم إنّ عمر تزوجها فهنئ به، او قالوا لو لا أنها امرأة ليس بها ولد، فقال عمر: وما بركتهن إلاّ أولادهن فطلّقها قبل أن يتزوّجها فتزوّجها زوجها الأوّل. قال مغيرة عن أبي معشر كان زوجها الأوّل الحرث بن أبي ربيعة فهذا مغيرة قد بلغه إمّا عن أبي معشر أو غيره أنّ عمر حلّل امرأة حتى أخبره إبراهيم أنّه إنما كان نكاح رغبة لا أنّه تزوجها للتحلّل، لكن لأنّه طلّقها عقب الدّخول بها أو عقب العقد توّهم من لم يعلم حقيقة الأمر أنّه كان تحليلا(2) .

وقد روى حرب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه أتى جارية له فقالت: إنّي حائض! فكذّبها فوقع عليها فوجدها حائضا! فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر ذلك له فقال له يغفر الله لك أبا حفص تصدّق بنصف دينار(3) .

أقول: أول ما يدعو إلى التّعجّب في القصّة هو أنّ عمر بن الخطّاب كان لديه أكثر

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 30 ص 130. مختصر الفتاوى المصرية ج 1 ص 379.

(2) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج 6 ص 242.

(3) شرح العمدة، ابنة تيمية، 1 ص 468.

٥١٥

من زوجة وأكثر من جارية، فلماذا أصرّ على هذه بالذات؟ وأما ما نسبوه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه القصّة فإنّه محلّ للنّقاش، لأنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخالف القرآن الكريم حال كون عمر أقدم على ما أقدم عليه بعد نزول قوله تعالى( فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّى‏ يَطْهُرْنَ ) وإنّما الكلام في ما قام به عمر، فإن النساء مؤتمنات على فروجهن في مثل هذه القضيّة، لأنها وجدانية، ولا أحد يستطيع أن يعلم الناس عن امرأة ما إن كانت حائضا أو لا؛ لكن المرأة نفسها تعلم ذلك وجدانا، إضافة إلى علمها بوقت عادتها؛ وهذا ابن حجر يقول: (قلت: فعلى هذا يكون [عمر] يوم مات ابن 58 أو تسع وخمسين. وهذا الإسناد على شرط الصحيح، وهو يرجح من الأول بأنّه عن عمر نفسه، وهو أخبر بنفسه من غيره، وبأنه عن آل بيته وآل الرجل أتقن لأمره من غيرهم)(1) . لكن عمر بن الخطاب لم يصدّقها، ولو أن امرأة قالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قالت جارية عمر لعمر لصدّقها. والعجيب أنّه تبيّن لعمر أن الجارية كانت صادقة، ولم يرد في القصة أنه اعتذر إليها، ولعلّه يرى نفسه أكبر من أن يعتذر إلى جارية! ولسائل أن يسأل: (من أين لعمر أن يعلم إن كانت الجارية حائضا أو لا؟).

وعن أبي جعفر محمد بن علي: أبصر عمر بن الخطّاب على عبد الله ابن جعفر ثوبين مضرجين يعني موردين وهو محرم فقال: ما هذا؟ فقال عليّ: ما أخال أحدا يعلمنا بالسنة(2) .

وعن ابن عباس قال ربما قال لي عمر بن الخطّاب ونحن بالمجحفة تعال أباقيك أينا أطول نفسا وفي رواية ربما رامست عمر بن الخطّاب بالجحفة ونحن محرمون(3) .

كان عمررضي‌الله‌عنه يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب(4) .

____________________

(1) تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج 7 ص 386.

(2) شرح العمدة، ابن تيمية، ج 3 ص 98.

(3) شرح العمدة، ابن تيمية، ج 3 ص 113.

(4) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 14 ص 227.

٥١٦

وقال النّخعيّ: كان عمر يتّجر وهو خليفة(1) .

أقول:

لم يثبت أن عمر بن الخطاب كان تاجرا، وإنّما ثبت أنّه كان دلاّلا، وبين الأمرين فرق كبير.

عن سليمان بن حنظلة قال أتينا أبي بن كعب لنحدث إليه فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه فرهقنا عمر فتبعه فربه عمر بالدرة قال فاتقاه بذراعيه فقال يا أمير المؤمنين ما نصنع قال أو ما ترى فتنة للمتبوع مذلة للتابع(2) !!

وقال سعيد الجريري عن أبي نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر طلبت حاجة إلى عمر في خلافته فانتهيت إلى المدينة ليلاً، فغدوت عليه وقد أعطيت فطنة ولساناً أو قال منطقاً فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب، فقال لما فرغت كل قولك كان مقارباً إلا وقوعك في الدنيا، وهل تدري ما الدنيا؟ إن الدنيا فيها بلاغنا، أو قال: زادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، قال: فأخذ في الدنيا رجل وأعلم بها مني. فقلت يا أميرالمؤمنين من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟ قال سيد المسلمين أبي بن كعب(3) .

.. ونظر عمررضي‌الله‌عنه إلى أبي بن كعب وقد تبعه قوم، فعلاه بالدرة وقال: إنها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع(4) .

ضربهم وحبسهم لأنهم ينشرون أحاديث النبي!

عمر حبس ابن مسعود وأبا مسعود الأنصاري وأبا الدرداء لأنهم يحدثون عن رسول الله وغيره.. وغيره(5) . (راجع منعه رواية حديث النبي!!)

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 116.

(2) سنن الدارمي ج: 1 ص: 132.

(3) تهذيب الكمال، ج: 2 ص: 269.

(4) محاضرات الأدباء، ج: 1 ص: 133.

(5) مجمع الزوائد ج: 1 ص: 372 و 376.

٥١٧

وضرب أنس بن مالك!

ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنساً المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمررضي‌الله‌عنه فقال كاتبه فأبى فضربه بالدرة ويتلو عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً فكاتبه(1) .

سنن البيهقي / ج 10 ص 319.

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنبأ يزيد بن هارون أنبأ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال أرادني سيرين عن المكاتبة فأبيت عليه فأتى عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه فذكر ذلك له أقبل على عمررضي‌الله‌عنه يعنى بالدرة فقال كاتبه.

ومعالم التنزيل للبغوي ج 3 ص 343.

وضرب شخصية من الأنصار بحجة أنه اشترى لحماً...!!

كنز العمال ج 5 ص 522.

13797 - عن ميمون بن مهران أن رجلاً من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق لحماً، فقال له عمر: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين، قال: حسن، ثم مر به من الغد ومعه لحم فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي قال: حسن، ثم مر به اليوم الثالث ومعه لحم، فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أميرالمؤمنين، فعلا رأسه بالدرة، ثم سعد المنبر فقال: إياكم والأحمرين اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال. (أبو نعيم في حديث عبد الملك بن حسن السقطي)..

وضرب صديقه المخلص تميم الداري!

(كنز العمال ج 8 ص 183.

22480 - (مسند تميم الداريرضي‌الله‌عنه عن عروة بن الزبير قال: أخبرني تميم الداري

____________________

(1) البخاري ج 3 ص 126.

٥١٨

أنه ركع ركعتين بعد العصر بعد نهي عمر بن الخطاب، فأتاه فضربه بالدرة، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في الصلاة، فجلس عمر حتى فرغ تميم، فقال لعمر: لم ضربتني؟

قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: فإني صليتهما مع من هو خير منك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر: إنه ليس بي إياكم أيها الرهط ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلوا فيها، كما وصلوا ما بين الظهر والعصر، ثم يقولون قد رأينا فلاناً وفلاناً يصلون بعد العصر.

تاريخ المدينة، ابن شبة النميري، ج 3 ص 833.

قالوا: وكان الناس إذا كان الصيف تفرقوا في المغازي، وإذا كان الشتاء اجتمعوا في الشتاء فصلى بهم أبو الدرداءرضي‌الله‌عنه ، فأتاهم عمررضي‌الله‌عنه وقد اجتمعوا في الشتاء، فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى، فلما جنه الليل قال: يا يرفأ انطلق بنا إلى يزيد ابن أبي سفيان أبصره عنده سمار ومصباح مفترشاً ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين، تسلم عليه لا يرد عليك وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، فإذا علم من أنت - فذكر جويرية كراهيته، ولم يحفظ أبو محمد لفظه - قال: فانطلقنا حتى انتهينا إلى بابه، فقال: السلام عليكم، قال: وعليك، قال: أدخل، قال ومن أنت؟ قال يرفأ هذا من يسوؤك، هذا أميرالمؤمنين. ففتح الباب فإذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين. فقال عمررضي‌الله‌عنه : يا يرفأ: الباب الباب، ووضع الدرة بين أذنيه ضرباً، ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا يبرحن منكم أحد حتى أرجع إليكم، ثم خرجنا من عنده فقال:

يا يرفأ انطلق إلى عمرو بن العاص أبصره عنده سمار ومصباح مفترشاً ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين؟ تسلم عليه فيرد عليك وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، فإذا علم - ذكر جويرية: مشقة ذلك على عمرورضي‌الله‌عنه وذكر حلفه

٥١٩

واعتذاره، قال عمررضي‌الله‌عنه : والله يعلم إنه على غير ذلك - قال: فانتهينا إلى بابه، فقال عمررضي‌الله‌عنه : السلام عليكم، قال: وعليك، قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال: يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين، ففتح الباب، فلما دخل إذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين، فقال عمررضي‌الله‌عنه : يا يرفأ: الباب، الباب، ووضع الدرة بين أذنيه ضرباً، وجعل عمرورضي‌الله‌عنه يحلف ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم لا يبرحن منكم أحد حتى أعود إليكم، ثم خرجا من عنده فقال عمررضي‌الله‌عنه : يا يرفأ انطلق بنا إلى أبي موسى أبصره عنده سمار ومصباح مفترشاً صوفاً من فيء المسلمين، فتسلم عليه فيرد عليك، وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، فإذا علم من أنت قال: إن أهل البلد زعموا أن خيراً له أن يلبس، فانطلقنا حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليك، قال: وعليك، قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين، ففتح الباب فإذا سمار ومصباح وإذا هو مفترش صوفاً من فيء المسلمين فقال يا يرفأ: الباب، ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً وقال: وأنت أياً يا أبا موسى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أو قد رأيت ما صنع أصحابي، أما والله لقد أصبت مثل الذي أصابوا، قال: فما هذا؟ قال: زعم أهل البلد أن خيراً له أن يلبس، قال فكور المتاع ووضعه وسط البيت...!!

وفي مصنف عبد الرزاق أن عثمان بن حنيف كان عاملاً لعمر فكلمه وأغضبه، فأخذ عمر من البطحاء قبضة فرجمه بها(1) !!

وعن ربيعة بن دراج أن علياً صلى بعد العصر ركعتين فتغيظ عليه عمر وقال: أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنهما(2) !

... فضربه بحجر على وجهه، فسأل الدم على لحيته(3) !!

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق ج 11 ص 233 ح 20691.

(2) كنز العمال: ج 8 ص 46 رقم 21797.

(3) مجمع الزوائد ج 9 ص 620.

٥٢٠