الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 32107
تحميل: 3854

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32107 / تحميل: 3854
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

محمد علي المعلم

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

« يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإن لك عند الله شأنا من الشأن »

الإمام الصادقعليه‌السلام :

«... ألا إن حرمي وحرم ولدي بعدي قم، ألا إن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم ».

بحار الأنوار 60: 228

الإمام الرضاعليه‌السلام : «... من زارها فله الجنة »

عيون أخبار الرضا 2: 267

الإمام الجوادعليه‌السلام : « من زار قبر عمتي بقم فله الجنة »

كامل الزيارات: 526

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.

وبعد: فهذه صفحات تشرفت بكتابتها حول ثمرة من ثمرات دوحة النبوة، وغصن من أغصان شجرة الإمامة، وتناولت فيها بعض الجوانب المشرقة من حياة سيدة جليلة من سيدات البيت العلوي الطاهر، وهي كريمة أهل البيت فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام ، والتي تعد - بحق - بابا من أبواب الرحمة، ولا يزال حرمها الشريف مؤئلا وملاذا.

وكان الباعث على هذا الأمر هو ما حدثني به الصديق الوفي والرجل الصالح الحاج عبد الله صالح المدن حفظه الله - من أهل قريتنا المعروفة باسم (الجارودية) إحدى قرى القطيف - أنه رآني - في عالم الرؤيا - أكتب كتابا يتناول حياة هذه السيدة الجليلة، فأحدث حديثه في نفسي الرغبة لتحقيق هذه الرؤيا العزيزة.

٥

والذي أكد هذه الرغبة أنني لا زلت أتفيأ ظلال حرمها الشريف، وأعيش وأتلقى العلم في حماها وحوزتها، ولا زالت ألطافها الجلية والخفية تحوطني وترعاني.

وقد أقدمت على الكتابة أداء لبعض حقها علي، وتصديقا لرؤيا صاحبي العزيز الذي إليه يعود الفضل في تنبيهي لذلك.

وأرجو أن يحالفني التوفيق في التعريف بسيدة عش آل محمدعليهم‌السلام ومنه تعالى ببركاتها استمد العون والتسديد.

والحمد لله رب العالمين محمد علي المعلم قم المقدسة الثلاثاء 4 محرم الحرام 1420 هـ

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الغر الميامين.

الشجرة الطيبة:

يقول الحق تبارك وتعالى:( أَلَمْ تَرَ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ) (1) .

تلك هي شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، إنها شجرة أصلها المصطفى، وفرعها المرتضى، وغصنها الزهراء، وثمرها الأئمة النجبا.

روى علي بن إبراهيم القمي بسنده عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله: (مثل كلمة طيبة الآية) قال:

الشجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونسبه ثابت في بني هاشم، وفرع الشجرة علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ، وغصن الشجرة فاطمة عليها وعلى الأئمة من أولادها السلام، وثمرتها الأئمة من ولد علي وفاطمةعليهم‌السلام ، وشيعتهم ورقها...(2) .

وروى الصدوق بسنده عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام

____________________

(1) سورة إبراهيم الآية 24.

(2) تفسير القمي ج 1 ص 398 - 399.

٧

عن قول الله عز وجل:( كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ) قال: أما الشجرة فرسول الله، وفرعها علي، وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله، وثمرها أولادها، وورقها شيعتنا...(1) .

وروى الكليني بسنده عن عمرو بن حريث، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله:( كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ ) قال: فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصلها، وأمير المؤمنينعليه‌السلام فرعها، والأئمة من ذريتهما أغصانها، وعلم الأئمة ثمرتها، وشيعتهم المؤمنون ورقها...(2) .

إلى غير ذلك من النصوص(3) الدالة على أن هذه الشجرة مباركة، قد ثبت أصلها، وامتد فرعها، وأينع ثمرها، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

لقد شاءت الحكمة الإلهية أن يقترن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكثير من النساء، وكان بعض دواعي وأسباب هذا الاقتران خفيا، وبعضها جليا، ولكن أراد الله لحبيبه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينحدر نسله الطيب، وتنحصر سلالته الطاهرة في بضعته الزهراءعليها‌السلام ، حيث اقترن نورها بنور ابن عمه عليعليه‌السلام ، فكانت الذرية الطيبة والنسل الطاهر، وأئمة الدين، وحملة الشرع، وحفظة الكتاب، وسادات الأنام، وهو النسل الذي لا ينقطع

____________________

(1) معاني الأخبار ج 2 باب نوادر المعاني الحديث 61 ص 380.

(2) الأصول من الكافي ج 1 باب أن الأرض كلها للإمامعليه‌السلام الحديث 80 ص 428.

(3) تفسير نور الثقلين ج 3 ص 535 - 537.

٨

كما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك، فقد روى الإمام الرضاعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي(1) .

السلالة الموسوية:

لما كانت سيدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام واسطة العقد بين شمس النبوة وقمر الإمامة انحدر من نسلها الطاهر أحد عشر كوكبا، يمثلون ولاية الله في أرضه، وخلافة رسول الله على العباد، وأئمة الهدى في الدين الذين انتجبهم الله لنوره (بنوره)، وأيدهم بروحه، ورضيهم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، وأنصارا لدينه، وحفظة لسره، وخزنة لعلمه، ومستودعا لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركانا لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاما لعباده، ومنارا في بلاده، وأدلاء على صراطه، (إذ) عصمهم الله من الزلل، وآمنهم من الفتن، وطهرهم من الدنس، وأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا(2) .

وإلى هؤلاء الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ينتمي الشيعة الإمامية في العقيدة والفقه والإخلاق، وإليهم ينتسبون، وبهم يعرفون، وأصبح اسم الاثني عشرية علما عليهم.

وإنما اعتقد الشيعة الإمامية بإمامة هؤلاء لأنهم أحد الثقلين،

____________________

(1) وسائل الشيعة ج 14 باب 8 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه الحديث 5.

(2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 274.

٩

وأعدال الكتاب، بل هم حقيقة الكتاب ووجوده العيني(1) ، ووراث علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد قامت الأدلة العامة والخاصة على وجوب الاعتقاد بإمامتهم، وضرورة الالتزام بأوامرهم ونواهيهم، والسير على خطاهم، وتفصيل ذلك في الكتب الكلامية التي وضعها علماء الشيعة الإمامية، وتناولوا فيها مسألة الإمامة بأدق تفاصيلها، ومختلف أبعادها وما يترتب عليها من اللوازم.

ويأتي - بحسب تسلسل أئمة أهل البيتعليهم‌السلام - الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، ليكون سابع أئمة الهدىعليهم‌السلام من حيث الترتيب في تولي منصب الإمامة الخطير.

وقد حفلت حياة هذا الإمام العظيم بما يقصر البيان عن وصفه، فإنه أحد أئمة الحق والهدى، وهو خير أهل الأرض، وأجلهم قدرا، وأرفعهم مقاما، وهو المنصوص عليه بالإمامة من بعد أبيه الإمام الصادقعليه‌السلام الذي يعتبر - تأريخيا - واضع حجر الأساس لمعالم الفكر الإمامي على الصعيدين الاعتقادي والفقهي.

وإنما قلنا إن الإمام الصادقعليه‌السلام هو واضع حجر الأساس لمعالم الفكر الإمامي وقيدناه بالناحية التاريخية لأن عهدهعليه‌السلام هو العهد الذي نشأت فيه فكرة المذاهب الفقهية المختلفة، وإلا فإن الفكر الإمامي

____________________

(1) المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم ص 101 - 120.

١٠

- بفقهه وعقيدته وأخلاقه - يقترن باسم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم نص عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإمامة، وبايعه المسلمون قاطبة في غدير خم، في الحادثة المشهورة التي خلدها القرآن الكريم في قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) (1) .

ولم تكن مسألة الإمامة شيئا آخر منفصلا عن تعاليم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به، ولكن الأحداث التي أعقبت وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألقت الستار على هذه القضية ولم تكن الظروف آنئذ لتساعد على إظهارها، وكانت نظرة أمير المؤمنينعليه‌السلام تقتضي بالتزام الصمت برهة من الزمن ليتأكد للناس أنهم أخطأوا الطريق حيث عدلوا عنه إلى غيره، ولذا لم يكن صمت أبي الحسنعليه‌السلام إعراضا وانصرافا، بل كان صمت الحكيم البصير العالم بحقائق الأمور، وقد كانعليه‌السلام على يقين مما ستؤل إليه الأمور.

حتى إذا ألقي الزمام بيده سعى في أن يعيد الأمة إلى رشدها، وينبههم على فداحة الخطأ الذي ارتكبوه، والآثار السيئة التي نجمت عن ذلك، ولم يفته أن يبين لهم أن قيامه بالمهمة لم يكن طمعا في حطام، أو رغبة في سلطان، وإنما من أجل تحقيق إرادة الله والرسول، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.

وقد كانت المهمة صعبة جدا، إلى حد اضطرته للدخول مع مناوئيه في صراعات دموية في حروب ثلاث طاحنة، أعاقته كثيرا عن أداء

____________________

(1) سورة المائدة الآية 67 وراجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب.

١١

مهمته كما يريد هو ويريد الله ورسوله، ذلك لأن الذين ترعرعوا في العهود السابقة ورسخت جذورهم فيها واستطالت فروعهم واستمرؤا الحياة الناعمة المترفة، لم يرق لهم المنهج الجديد الذي وضعه أبو الحسنعليه‌السلام حيث يجعلهم فيه متساوين مع سائر الناس، ويحملهم فيه على المحجة البيضاء، وأن قيمهم - في نظر الحق - هي مقدار ما يحسنون، ولم يكن منهج عليعليه‌السلام جديدا بقدر ما هو إعادة إلى عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته مع الناس، ولكن حب الدنيا والطمع في حطامها أدى بأولئك الذين كانوا ينادون بعلي ويهتفون باسمه، إلى التنكر له ومحاربته، وقد أخطأوا التقدير لأنهم ظنوا أن علياعليه‌السلام سيبقي لهم امتيازاتهم التي ظفروا بها في العهود السابقة، ولكنهم فوجؤا بأنه لا يداهن على حساب الدين وحقوق الناس، ولن يتنازل عن مبادئه مهما آليت إليه الأمور « ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق »(1) وهو على منهاج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل أحواله.

وقد كانعليه‌السلام على التفات إلى هذا الأمر، فإنهم لما طلبوا أن يبايعوه بالخلافة أجابهم بقوله: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم

____________________

(1) نهج البلاغة - الخطبة 15 ص 36.

١٢

وزيراً خير لكم مني أميراً(1) .

وما ذلك إلا لعلمه بواقع الحال ومآله.

هذا عدا الفئات الأخرى التي كانت تعيش الانحراف الذاتي وتشكل خطا موازيا لخط عليعليه‌السلام وأهل بيته في خلاف تاريخي عميق الجذور.

وهكذا توالت الأحداث مريرة مؤلمة، ومن خلالها كان تحديد معالم الخط الذي سار عليه أهل البيتعليهم‌السلام ، يتوارثه الأبناء عن الآباء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا يمثلون الحق والهدى والصلاح.

حتى إذا كان زمان الإمام الصادقعليه‌السلام برزت الفوارق واضحة، وساعد على ذلك الهدوء النسبي في سلسلة المعاناة، واستطاع الإمام الصادقعليه‌السلام في هذه الظروف أن يرفد الفكر الإمامي بشئ من علمه، ويغدق عليه من عطائه، ولا سيما أنه برزت على الساحة الإسلامية الأفكار والآراء المختلفة، فتصدى الإمام الصادقعليه‌السلام إليها ردا أو تصحيحا فتحددت معالم المنهج الذي اتبعه أهل البيتعليهم‌السلام بشكل واضح، الأمر الذي أدى إلى نسبة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام إليه.

ولكن ما إن استقرت الأوضاع السياسية إثر التحول الإداري الأموي إلى العباسي حتى عادت المعاناة بأبشع صورها وشتى أشكالها، وجاء بنو العباس ليكملوا ما بدأه الأمويون من مسلسل الإبادة لأهل البيتعليهم‌السلام بالأساليب المختلفة.

____________________

(1) نهج البلاغة - الخطبة 92 ص 138 - 139.

١٣

ويحدثنا التاريخ بفواجع الخطوب وفوادح المآسي التي لقيها أهل البيتعليهم‌السلام - على أيدي بني عمهم من حملات الإبادة المسعورة - وكل من ينتمي إليهم بسبب.

وفي هذه الظروف العصيبة عاش الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وشاهد ما كان يعانيه أبوه وشيعته من المآسي والآلام، ولسنا في مقام التاريخ لهذه الفترة، وإلا لأسمعناك ما ينصدع به الصخر وتنشق الأرض وتخر له الجبال، وحسبنا هذا الإجمال، وإن شئت التفصيل فعليك بالدراسات التي تناولت حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام وسنشير إلى بعض الروايات التي أرخت تلك الفترة الحرجة.

أقول: ينتمي السادة الموسويون إلى جدهم الأكبر موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وهم أكثر السادة انتشارا في الأرض، وإنما عبر عنهم بالسادة لانتهاء سلسلة أنسابهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد ولد آدم، وإلى الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ينتهي نسب السادة النقويين، وهم العلويون الذين ينحدرون من سلالة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وهكذا الرضويون، وهم الذين ينحدرون من سلالة الإمام الرضاعليه‌السلام ، كما ينتهي نسب السادة الحسينيون إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأما السادة الحسنيون فهم الذين ينتهي نسبهم إلى الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام ، ولكن اصطلح علماء النسب على النسبة إلى الإمام المعصوم الذي هو الأصل بالنسبة لأبنائه وأحفاده ومن ينحدر عنهم، فيقال السادة النقويون لانتهائه إلى الإمام علي النقيعليه‌السلام والموسويون لانتهائه إلى الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، والحسينيون لانتهائه إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، والحسنيون لانتهائه إلى

١٤

الإمام الحسنعليه‌السلام ، وإلا فالنسب كله بفروعه وبطونه ينتهي إلى الإمام عليعليه‌السلام والزهراءعليها‌السلام حيث أنهما مبدأ الذرية الطيبة.

أسباب انتشار السادة الموسويين:

ويمكن إرجاع الأسباب التي أدت إلى انتشار السادة الموسويين في أطراف الأرض إلى عاملين رئيسين:

الأول: إن الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام كان أكثر الأئمة أولادا، فقد ذكر بعض علماء الأنساب أنهعليه‌السلام قد أنجب ستين ولدا بين ذكر وأنثى(1) ، واتفقوا على أن عشرة من أولاده الذكور قد أعقبوا، وقيل إن الإمام موسىعليه‌السلام أعقب من ثلاثة عشر رجلا، أربعة منهم مكثرون، وهم: علي الرضاعليه‌السلام ، وإبراهيم المرتضى، ومحمد العابد، وجعفر، وأربعة منهم متوسطون، وهم: زيد النار، وعبد الله، وعبيد الله، وحمزة، وخمسة مقلون، وهم: العباس، وهارون، وإسحاق، والحسين، والحسن(2) . وذكر آخرون غير هؤلاء ممن أعقب من أولادهعليهم‌السلام .

ولعل الغاية من وراء الإكثار من النسل عند أهل البيتعليهم‌السلام - عدا رجحانه في نفسه - هي الحفاظ على استمرار بقاء هذا الوجود الطيب لذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخصوصا مع العلم بما انطوت عليه نوايا خصومهم من السعي في القضاء عليهم والتخلص منهم على ما سيقف عليه القارئ العزيز.

____________________

(1) مناهل الضرب في أنساب العرب ص 393.

(2) مناهل الضرب في أنساب العرب ص 393.

١٥

هذا، وذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أن لكل واحد من ولد أبي الحسن موسىعليه‌السلام فضلا ومنقبة مشهورة(1) ، ومثله ذكر الطبرسي في إعلام الورى(2) .

وقد ذكروا في بعض أحوال أولاد الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام أنهم كانوا من أهل العلم والحديث والفضل والصلاح، فإن إسماعيل بن موسى هو الذي ولاه أبوه على الوقف، وروي أن الإمام الجوادعليه‌السلام أمره بالصلاة على جنازة صفوان، وله كتب كثيرة يرويها عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام (3) ، وأن محمد بن موسى كان صاحب وضوء وصلاة، وكان ليله كله يتوضأ ويصلي، فيسمع سكب الماء، ثم يصلي ليلا ثم يهدى ساعة، فيرقد ويقوم فيسمع سكب الماء والوضوء، ثم يصلي ليلا، فلا يزال كذلك حتى يصبح. وقال بعضهم: وما رأيته قط إلا وذكرت قول الله تعالى:( كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) (4) .

وغيرهما ممن وصف بالفضل والصلاح والشجاعة.

وقد تنقل أبناء الإمامعليه‌السلام في مختلف البقاع، فقطن بعضهم في مصر، وبعضهم في العراق، وآخرون في إيران، ومنهم انتشرت ذرية موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، ولا زالت هذه الشجرة الطيبة تؤتي أكلها بإذن ربها، فقد ضمت هذه السلالة الشريفة على مر تاريخها المعطاء الأفذاذ من الرجال الذين صنعوا التاريخ، وكانوا غررا في جبين الدهر يفتخر

____________________

(1) الإرشاد ج 2 ص 246.

(2) إعلام الورى ج 2 ص 37.

(3) معجم رجال الحديث ج 4 ص 100 - 102.

(4) الإرشاد ج 2 ص 245.

١٦

بهم الزمان، ونبغ منها رجال حملوا العلم والمعرفة والأخلاق والسيادة، وقد حفلت بذكرهم كتب الرجال والتراجم.

الثاني: - وهو الأهم - الظروف العصيبة التي أحاطت بالإمام موسى ابن جعفرعليهما‌السلام ، فإنه بعد أن استقر الحكم العباسي وتربع المنصور الدوانيقي على دست الحكم بدأ المسلسل الدامي في ضراوة بلغت حدا عاش فيه أهل البيتعليهم‌السلام الرعب بأبشع صوره، وشمر المنصور عن ساعديه لإبادة بني عمه بشتى الأشكال، ووصفه الباحثون بأنه تتبعهم وراء كل حجر ومدر، حتى إذا استشهد الإمام الصادقعليه‌السلام مسموما بإيعاز من المنصور اضطرب أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم اضطرابا شديدا، كما يحدثنا بذلك من أرخ تلك الفترة، حتى كادت معالم التشيع أن تنطمس لولا ظهور الإمام موسىعليه‌السلام في الوقت المناسب مع حراجة الظروف وخطورتها.

ويصور لنا الشيخ القرشي تلك الظروف في عرضه الرواية التي تضمنت كيفية رجوع الشيعة إلى الإمامعليه‌السلام ، فيقول: وحدث هشام بن سالم أحد عيون الشيعة ووجوهها عن كيفية رجوعه ورجوع إخوانه إلى الإمام بعد وفاة أبيه، يقول: كنت بالمدينة مع محمد بن النعمان صاحب الطاق حين وفاة الإمام أبي عبد الله، وقد اجتمع الناس على عبد الله بن جعفر ظانين أنه صاحب الأمر والقائم بعد أبيه، فدخلت عليه مع أصحابي، ولما استقر بنا المجلس، وجهنا له السؤال الآتي: كم تجب الزكاة في المائتين من الدراهم؟

- خمسة دراهم.

١٧

- ففي المائة؟

- درهمان ونصف.

وتعجبوا من هذه الفتوى التي لا تمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، فإن النصاب الأول في نصاب الدراهم ماءتان، وما نقص عنها فليس عليه شئ، وطفق هشام يقول مستهزءا بهذه الفتوى التي لا مدرك لها:

والله ما تقول المرجئة هذا!!

والله ما أدري ما تقول المرجئة؟

وخرج هشام ومحمد من عنده وهما لا يبصران الطريق من الألم والحزن لعدم ظفرهما بالإمام القائم بعد أبي عبد الله، وجعل هشام يقول:

إلى المرجئة، إلى القدرية، إلى المعتزلة، إلى الزيدية، إلى الخوارج؟

وبينما كان هشام ومحمد هائمين في تيار من الهواجس والأفكار لا يعلمان أي مبدأ يعتنقانه إذ أطل عليهما شيخ، فأومأ إلى هشام يشير إليه باتباعه، فتوهم هشام أنه من عيون المنصور وجواسيسه قد فهم حديثهما، فالتفت إلى صاحبه وقد استولى عليه الذعر والارتباك وأمره بالبعد عنه ليكون وحده الذي ينال العقوبة والجزاء، فتبع الشيخ حتى أورده على الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فلما دخل سكن روعه، فلما استقر به المجلس التفت إليه الإمام قائلا بنبرات تفيض لطفا وحنانا:

إلي لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الزيدية... ففرح هشام لأنه ظفر ببغيته حيث أخبره الإمام بما انطوت عليه نفسه، وتلك من أمارة الإمامة وعلائمها، ووجه له هشام السؤال الآتي:

١٨

- جعلت فداك مضى أبوك؟

- نعم.

- مضى موتا؟

- نعم.

- من لنا بعده؟

- إن شاء الله أن يهديك هداك.

- جعلت فداك إن عبد الله أخاك يزعم أنه الإمام بعد أبيه.

- عبد الله يريد أن لا يعبد الله.

- من لنا بعده؟

فأجابه مثل جوابه الأول وطفق هشام يقول:

- أفأنت هو؟

- لا أقول ذلك.

وأخطأ هشام في حديثه، والتفت إلى خطله فقال:

- عليك إمام؟

- لا.

فداخله من الإكبار والإجلال ما لا يعلم به إلا الله، ثم قال له:

- جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل به أباك؟

- سل ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح.

ثم وجه إليه أسئلة كثيرة، فإذا به بحر لا ينزف لكثرة علمه وفضله، وانبرى بعد معرفته ووثوقه بإمامته قائلا:

- جعلت فداك شيعة أبيك في ضلال، فألقي إليهم هذا الأمر

١٩

وأدعوهم إليك فقد أخذت علي الكتمان؟

- من أنست به رشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان، فإن أذاع فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه -.

ثم خرج وهو ناعم الفكر مسرور القلب بما ظفر به، فبادر إليه صاحبه قائلا:

- ما وراءك؟

- الهدى.

ثم حدثه بالأمر... وأقبلت جماهير الشيعة تترى أفواجا نحو الإمام وهي تعقد له الولاء والطاعة وتعترف بإمامته...(1) .

وتلا المنصور ابنه المهدي على دست الحكم، وقد ذكر الباحثون أنه ورث من أبيه المنصور العداء للعلويين وشيعتهم، فقد أترعت نفسه بالبغضاء والكراهية لهم، وكان يغري الشعراء ويغدق عليهم من أجل هجاء أهل البيتعليهم‌السلام ، والحط من شأنهم، والتقليل من أهميتهم، وذكروا عنه أنه أرعب الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام حيث أمر باعتقاله وإرساله من المدينة إلى بغداد، وكاد أن يقتله لولا أن العناية الإلهية حفظت الإمامعليه‌السلام من بطشه.

حتى إذا جاء عهد موسى الهادي ابتدأت سلسلة أخرى من المآسي، لقي منها أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم الأمرين، وعلى الرغم من أن عهده كان قصيرا كعمره، إلا أنه كان ثقيلا مجهدا واجه فيه أهل

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 1 ص 418 - 420.

٢٠