الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 32424
تحميل: 3918

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32424 / تحميل: 3918
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

الإلهية ومشيئة الخالق الحكيم، وليس إلا التسليم والرضا بما شاء وأراد.

أفول الشمس وبزوغها:

ومرت أيام بطيئة ثقيلة وما أصعب الانتظار.

لقد كانت تشعر بدنو رحيلها عن هذه الدنيا الزائفة، وكانت تستعجل الأيام، فليس وراء لقاء الله ولقاء الآباء والأجداد مطمع، وليس بين عالم نوري علوي وآخر مظلم سفلي قياس.. هكذا كانت السيدة فاطمة في أيامها الأخيرة.

ولئن لم تحظ بلقاء أخيها مذ غاب عنها، وكان لقاؤه من أغلى الأماني، ولكن لن يطول غيابه، وعما قريب سيرحل هو الآخر إليها في عالم غير هذا العالم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

فما خلق أهل البيت للدنيا ولم تخلق الدنيا لهم، وإنما جاؤوا إلى الدنيا ليكونوا منائر هداية، وعلائم حق، ومنابع فيض، وسحائب غيث، ومهابط رحمة، ومصادر علم ومعرفة.

ولئن أعرض أبناء الدنيا عنهم وما عرفوا لهم قدرا فلحظهم ضيعوا ولبنيانهم خربوا، ولآخرتهم أفسدوا، وما كان ذلك يضير بشأن أهل البيتعليهم‌السلام ومكانتهم، فإنهم آل الله وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند الساعة يخسر المبطلون.

١٤١

ولئن جرت الدواهي عليهم تشتت شملهم وتفرقهم في أطراف البلدان، وكان ذلك عند الله عظيما، ولكن لعل في ذلك سرا خفيا حيث تكون مراقدهم الشريفة مواطن الرحمة، والخير والبركة، يلجأ إليها العاني، ويقصدها المحتاج، ويلوذ بها المضطر.

وهكذا كانت كريمة أهل البيتعليهم‌السلام السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام فقد شاءت المقادير الإلهية أن ترحل عن هذه الدنيا في بلدة نائية عن موطن الآباء والأجداد لتكون بابا من أبواب الرحمة إلى العباد، وملاذا يؤمها ذوي الحاجة والاضطرار، وسببا من أسباب اللطف الإلهي للمؤمنين والأخيار.

وأسلمت روحها إلى بارئها راضية مرضية، ولم يتجاوز عمرها الشريف - على أقصى التقادير - الثلاثين ربيعا، وكان ليوم موتها شأن عظيم.

وما أفلت تلك الشمس التي أطلت على مدينة قم بعد سبعة عشر يوما من دخولها إليها إلا لتشرق من جديد، وليكون مثواها موئلا وملاذا ومطافا، وتصبح السيدة فاطمة علامة تحول في تاريخ هذه البلدة وأهلها، ويكون حرمها مصدر خير وبركة لهم ولمن يقصدها من سائر البلدان من شتى بقاع الأرض، منذ يوم وفاتها وإلى يوم الناس هذا.

وذكر بعض الرواة أنها لما توفيت أمر موسى بتغسيلها وتكفينها

١٤٢

وصلى عليها ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها(1) .

وذكر آخرون أنه لما توفيت فاطمة رضي الله عنها وغسلت وكفنت حملوها إلى مقبرة (بابلان) ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن، يقال له (قادر).

فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام، فلما قربا من الجنازة نزلا وصليا عليها ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه ثم خرجا، ولم يكلما أحدا وركبا ولم يدر أحد من هما...(2) .

واعتقد بعض الباحثين أن هذين الراكبين هما الإمامان المعصومان الرضا والجوادعليهما‌السلام ، جاءا ليتوليا أمر الصلاة عليها وإنزالها في قبرها ودفنها، وكان حضورهما عن طريق الإعجاز، وقد طويت لهما الأرض من خراسان حيث كان الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن المدينة حيث كان الإمام الجوادعليه‌السلام (3) .

واستشهد الباحث بحضور الإمام الكاظمعليه‌السلام من المدينة إلى نيشابور ليصلي على جنازة امرأة من شيعته تدعى شطيطة في قصة طويلة ذكرها الرواة، وفي آخرها قال الإمامعليه‌السلام : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم،

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 378 - 379.

(2) تاريخ قم ص 213 وبحار الأنوار ج 48 ص 290.

(3) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 38.

١٤٣

فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار(1) .

أقول: ومما يؤيد ما ذكره الباحث أن للأئمةعليهم‌السلام مقامات شامخة، قصرت عقول الناس عن أن تحوم حولها فضلا عن أن تدرك كنهها، فهم المجالي التامة لعظمة الله وقدرته وسلطانه، ومنحهم الولاية التكوينية المطلقة يتصرفون بها في هذا الكون بما تقتضيه الحكمة والمصلحة وهم الترجمة العملية للقرآن الكريم.

يقول سيدنا الأستاذ آية الله الحجة السيد محمد الرجائي دام ظله في كتابه المنهج القويم: الرابع: قال الله تعالى:( وَلَوْ أَنَّ قُرْ‌آنًا سُيِّرَ‌تْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْ‌ضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) (2) .

قيل: جواب « لو » محذوف، أي: كان هذا القرآن. فإذا كان صدر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام المعصومعليه‌السلام قرآنا، فهم قادرون على تسيير الجبال، وتكليم الموتى، وتقطيع الأرض، ويحتمل أن تكون القدرة على المذكورات بعض ما يكون من الآثار للقرآن، ويكون المراد القدرة على كل تصرف في الكون، فإذا كان صدر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام المعصومعليه‌السلام قرآنا كذلك، فلهم التصرف كذلك، ويسمى ذلك بالولاية التكوينية.

والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدر على الإتيان بالمعجزات من رد الشمس وشق القمر على ما روي وغيرهما، وفي القرآن ذكر بعض من له بعض الولاية

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 178 - 179.

(2) سورة الرعد الآية 31.

١٤٤

التكوينية، فقال عز من قائل:( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْ‌تَدَّ إِلَيْكَ طَرْ‌فُكَ فَلَمَّا رَ‌آهُ مُسْتَقِرًّ‌ا عِندَهُ ) الآيات فأحضر عرش المرأة التي حكى الله تعالى عنها في كتابه، وكان عنده علم بعض الكتاب على ما يقتضيه كلمة من، فكيف بمن كان عنده علم الكتاب كله...(1) .

واستشهد سيدنا الأستاذ - على هامش ما ذكره - بما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورث النبيين كلهم؟ قال: نعم، قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟ قال: ما بعث الله نبيا إلا ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم منه، قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله.

قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله يقدر على هذه المنازل، قال: فقال: إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره:( فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَ‌ى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) (2) حين فقده فغضب عليه، فقال:( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) (3) . وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء. فهذا وهو طاير قد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين [و] المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطير يعرفه. وإن الله يقول في كتابه

____________________

(1) المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم ص 193 - 194.

(2) سورة النمل الآية 20.

(3) سورة النمل الآية 21.

١٤٥

( وَلَوْ أَنَّ قُرْ‌آنًا سُيِّرَ‌تْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْ‌ضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) (1) .

وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال، وتقطع به البلدان، وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به، مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب إن الله يقول:( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (2) ثم قال:( ثُمَّ أَوْرَ‌ثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (3) فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ(4) .

وبعد، فليس من البعيد حضور الإمامين المعصومينعليهما‌السلام إلى قم للصلاة على جنازة السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، فإنها أهل لذلك، وقد حفظ الرواة لنا نظير ذلك، كما في حضور أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى المدائن يوم وفاة سلمان، وكذا حضور الإمام الكاظمعليه‌السلام إلى نيشابور كما ذكرنا، وغيرهما من الحوادث المشابهة.

وبملاحظة ما تقدم من الإشارة إلى مقام السيدة فاطمةعليها‌السلام الشامخ ومنزلتها العالية عند الأئمةعليهم‌السلام حتى أشاد ثلاثة من المعصومينعليهم‌السلام

____________________

(1) سورة الرعد الآية 31.

(2) سورة النمل الآية 75.

(3) سورة فاطر الآية 32.

(4) الأصول من الكافي ج 1 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم الحديث 7 ص 226 والمنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم ص 193 - 194.

١٤٦

بمكانتها، وبما ذكرناه من القول بعصمتها لا يبقى بعد ذلك مجال للتشكيك، ولا غرو في ذلك فإن لها عند الله شأنا من الشأن.

تاريخ الوفاة:

لم يرد في شئ من الروايات تاريخ اليوم أو الشهر الذي رحلت فيه السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام عن الدنيا، وإنما ورد ذكر السنة فقط، فقد جاء في تاريخ قم أنه لما أخرج المأمون الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة مائتين من الهجرة خرجت فاطمة أخته تقصده في سنة إحدى ومائتين، فلما وصلت إلى ساوة مرضت(1) ...

وتقدم أنها مكثت في قم سبعة عشر يوما في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعري. وأما تاريخ اليوم أو الشهر فلم يذكرا.

وقد اختلفت الأقوال في تحديدهما، وذكر أحد الباحثين(2) أنها ثلاثة:

القول الأول: العاشر من ربيع الثاني، وهو المنقول عن كتابي نزهة الأبرار في نسب أولاد الأئمة الأطهار للسيد موسى البرزنجي الشافعي المدني، ولواقح الأنوار في طبقات الأخيار، لعبد الوهاب الشعراني الشافعي.

القول الثاني: الثاني عشر من ربيع الثاني، وهو المذكور في كتاب

____________________

(1) تاريخ قم ص 213.

(2) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 105 - 106.

١٤٧

مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي.

القول الثالث: الثامن من شهر شعبان، وهو المنقول عن كتاب العربية العلوية واللغة المروية، للمحدث الحر العاملي.

وقد رجح بعض الباحثين القول الأول لا اعتمادا على المصدرين المذكورين، وإنما لبعض القرائن والشواهد، وذكر واحدة منها، قد لا تكون موجبة للترجيح عند غيره(1) .

وعلى أي تقدير فقد اختلف في سنة ولادتها كما تقدم فضلا عن اليوم والشهر وما أكثر الاختلافات في التاريخ، وحسبك أن تعلم أن المسلمين اختلفوا في يوم ميلاد النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويوم وفاته، فكيف بأهل بيتهعليهم‌السلام ؟!!

على أن أسباب الاختلاف كثيرة يوم ذاك، فليس من العجيب أن يهمل ذكر اليوم أو الشهر أو السنة التي ولدت فيه السيدة فاطمةعليها‌السلام ، وكذا اليوم أو الشهر الذي رحلت فيه، ولولا أن ذكر السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام قد اقترن بقضية إخراج الإمام الرضاعليه‌السلام من المدينة لأهمل ذكر السنة التي توفيت فيها أيضا، كما أهمل ذكر السنة التي ولدت فيها، إذ لم يكن ثمة مؤرخ يعنى بتسجيل الأحداث وضبطها كما وقعت، وإذا كان هناك من يؤرخ فإنما هو لتسجيل أمور تافهة وحقيرة - كما يقول السيد العاملي - فيسهب في وصف مجلس شراب أو منادمة

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 109 - 110.

١٤٨

حتى لا يفوته شئ منه، أو يختلق ويفتعل أحداثا لم يكن لها وجود إلا في عالم الخيالات والأوهام، أو يتكلم عن أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر بل قد لا يكون لهم وجود أصلا... بينما نراه في نفس الوقت يهمل بالكلية شخصيات لها مكانتها وخطرها في التاريخ، أو يحاول تجاهل الدور الذي لعبته فيه، ويهمل ويشوه أحداثا ذات أهمية كبرى صدرت من الحاكم نفسه أو من غيره، ومن بينها ما كان له دور هام في حياة الأمة ومستقبلها، وأثر كبير في تغيير مسيرة التاريخ، أو يحيطها - لسبب أو لآخر - بستار من الكتمان والإبهام(1) .

____________________

(1) الحياة السياسية للإمام الرضاعليه‌السلام ص 14.

١٤٩

١٥٠

الحرم الشريف

يقع حرم السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في قلب المدينة المقدسة قم، على مساحة واسعة من الأرض تقدر بثلاثة عشر ألفا وخمسماءة وسبعة وعشرين مترا مربعا كما جاء في بعض التحقيقات(1) ، وتحيط به معاهد العلم وأماكن العبادة، فيتصل به من جهة الشمال مسجدان، أحدهما يعرف بمسجد (بالأسر) أي فوق الرأس، والآخر هو المسجد الكبير المعروف بالمسجد الأعظم، الذي تميز منذ تأسيسه عام 1373 هـ بأمر المرجع الديني الكبير زعيم الشيعة الإمامية آية الله العظمى السيد البروجردي (قدس سره)، وتحت إشرافه، إلى يومنا هذا، - إضافة إلى إقامة الجماعات فيه - بأنه معهد للدراسات الدينية العليا، وملتقى الآلاف من الطلاب في موسم الدراسة من مختلف أنحاء العالم، حيث يتلقون العلم في الأصول والفقه والتفسير والحديث والرجال.

ويعد اليوم أكبر مجمع علمي يضم أكبر عدد من الطلاب يقصدونه صباحا ومساءا، حيث تلقى فيه الدروس بانتظام على مدى تسعة أشهر

____________________

(1) مجلة الهادي - العدد الثاني من السنة الثانية ذو القعدة 1392 هـ - ص 109.

١٥١

من السنة تقريبا هي موسم الدراسة من كل عام.

وقد شيد المسجد الأعظم على مساحة من الأرض تقدر بأحد عشر ألف متر مربع، تقوم فوقه قبة عظيمة مزينة بالكاشي من الداخل والخارج، لعلها أعظم قبة في إيران، وله مئذنتان عظيمتان هما أعلى مئذنتين في قم، ومئذنتان صغيرتان وبناء لساعة كبيرة، وقد أنفق على بنائه وبناء سائر مرافقه أكثر من سبعة ملايين تومانا(1) .

وينفتح الحرم الشريف من جهته الجنوبية على فناء واسع يعرف بالصحن الكبير يحوطه سور له أربعة أبواب، ويحوي في أطرافه الثلاثة عددا كبيرا من الحجرات هي أشبه شئ بالفصول الدراسية، حيث تلقى فيها الدروس المختلفة، كما أنها تضم عددا كبيرا من قبور العلماء والمؤمنين.

وأما من جهة الغرب فيتصل به مسجدان أو ثلاثة تمتلئ بحلقات الدروس أيضا، والتي لا تنقطع صباحا ومساء إلا في أوقات الصلاة، حيث تقام فيها الجماعات.

وأما من جهة الشرق فتتصل به مدرستان كبيرتان - الفيضية ودار الشفاء - تشتملان على عدد كبير من الغرف يسكن الطلاب ببعضها، ويدرسون في بعضها الآخر.

ويتوسط بين الحرم وبينهما فناء يعرف بالصحن الصغير، له - من

____________________

(1) مجلة الهادي - العدد الثاني من السنة الثانية ذو القعدة 1392 هـ - ص 109.

١٥٢

جهته الجنوبية - مدخلان ينفتحان على الصحن الكبير، ومدخلان - من جهته الشمالية - ينفتحان على ساحة المسجد الأعظم، وفي زواياه وجهته الشرقية عدد من الغرف.

وأما جهته الغربية ففيها الإيوان الذهبي الذي يتصل بالرواق المتصل بالضريح المقدس.

وإنك لتجد هذا الحرم المقدس كل يوم من قبل طلوع الفجر وإلى ما بعد منتصف الليل في حركة دائبة مستمرة، والناس يغدون ويروحون بين متعبد، وزائر، ومصل، وقارئ للقرآن، وطالب علم.

لذلك كان هذا الحرم الشريف قلب هذه المدينة النابض، ومعلمها البارز، ومهوى الأفئدة.

ويضم الحرم الشريف عددا كبيرا من قبور العلماء والأولياء والصالحين، دفن أصحابها بجوار السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، كما دفن في داخل الحرم عدد من العلويات وغيرهن، وكانت قبورهن متميزة تحت قبتين، وأما اليوم فيضمهن ضريح واحد تحت قبة واحدة، ولا يتميز من تلك القبور إلا مرقد السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام وقد وضع عليه صندوق خشبي.

وذكر صاحب تاريخ قم أن القبة الأولى تضم قبر السيدة المعصومةعليها‌السلام ، وقبر أم محمد بنت موسى أخت محمد بن موسىعليه‌السلام ، وقبر أم إسحاق جارية محمد بن موسى، وتضم القبة الثانية قبر أم

١٥٣

حبيب جارية أبي علي محمد بن أحمد بن الرضاعليه‌السلام ، وكانت هذه الجارية هي والدة أم كلثوم بنت محمد، وقبر أم موسى بنت علي الكوكبي، وقبر ميمونة بنت موسى أخت محمد بن موسىعليه‌السلام (1) .

وقال المحدث القمي في منتهى الآمال: واعلم أنه دفن جمع من البنات الفاطميات والسادات الرضوية في بقعة فاطمةعليها‌السلام ، كزينب، وأم محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ورأيت في نسخة من أنساب المجدي أن ميمونة بنت موسى بن جعفرعليه‌السلام دفنت مع فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، ومن المدفونين أيضا بريهة بنت موسى المبرقع، وأم إسحاق جارية محمد بن موسى، وأم حبيب جارية محمد بن أحمد بن موسى رضوان الله تعالى عليهن، وكانت هذه الجارية والدة أم كلثوم بنت محمد(2) .

هذا، وقد دفن أربعة من سلاطين إيران من السادة الصفوية الموسوية في حرم السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، فإن المحدث القمي - في منتهى الآمال - بعد أن ذكر الشاه عباس الأول وأن وفاته في ليلة 24 من شهر جمادى الأولى سنة 1038 ه، قال: وجاء بعده حفيده الشاه صفي الأول ابن ابنه صفي ميرزا الشهيد، وحكم أربع عشرة سنة، وتوفي في الثاني عشر من شهر صفر سنة 1053 هـ، ودفن بقم، وقبره في جهة القبلة من الروضة المشرفة لفاطمة بنت الإمام موسى الكاظمعليهما‌السلام

____________________

(1) تاريخ قم ص 214.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 379.

١٥٤

وأصبح اليوم داخل الروضة في المكان المخصص لدخول النساء لزيارة السيدة المعصومةعليها‌السلام ...، وجاء بعده ابنه الشاه عباس الثاني وهو في التاسعة من عمره وحكم 26 سنة، وتوفي بدامغان عند رجوعه من مازندران إلى أصفهان في سنة 1078 هـ، ونقل جثمانه إلى قم، ودفن إلى جوار الروضة المقدسة لفاطمة بنت الإمام الكاظمعليهما‌السلام في مساحة واسعة قرب أبيه.

وجاء بعده الشاه صفي الثاني في السادس من شهر شعبان سنة 1078 هـ، وألقى المحقق الخونساري في مسجد جامع شاهي خطبة في تأييده، ولقب بشاه سليمان، وكان عادلا، وهو الذي عمر قبة الإمام الرضاعليه‌السلام في سنة 1086 هـ، وزاد في تذهيبها، وتوفي سنة 1105، ودفن في مكان يقرب من قبر الشاه عباس، وانتقل الملك إلى ابنه الشاه سلطان حسين وهو آخر سلاطين الصفوية... - وذكر قصة مقتله في أصفهان ثم قال: - ولكن الناس حملوا جثمان السلطان حسين بعد مدة من الزمان وجاؤوا به إلى قم، ودفن في جوار عمته فاطمة المعصومةعليها‌السلام جنب قبر أبيه(1) .

وقد ذكر أن السلطان فتح علي شاه القاجاري الذي هيأ تراب قبره من تراب أرض كربلاء، مدفون في إحدى غرف الصحن الصغير، ومن آثاره تذهيب قبة حرم السيدة المعصومة(2) .

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 371 - 372.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 2 ص 439.

١٥٥

ودفن أيضا محمد شاه قاجار، وهو أحد سلاطين إيران.

وممن دفن من الوزراء والأعيان: على أصغر أتابك، الذي كان الصدر الأعظم لإيران في زمان ناصر الدين شاه، ومظفر الدين شاه، وهو الذي بنى الصحن المعروف بالصحن الأتابكي.

ومنهم: كامران ميرزا بن ناصر الدين شاه، الذي كان نائب السلطنة وحاكم طهران.

ومنهم: عين الملك، صهر محمد شاه قاجار الذي يقال إنه تقلد الوزارة.

ومنهم: فرخ أمين الدولة، وزير ناصر الدين شاه.

ومنهم: عبد الصمد عز الدولة ابن محمد شاه الثاني.

ومنهم: الملك المنصور شعاع السلطنة ابن مظفر الدين شاه قاجار حاكم شيراز.

وغيرهم ممن حظي بالدفن في جوار الحرم المقدس وهم كثير(1) .

وذلك يكشف عن أن سلاطين الدنيا وملوكها وأمراءها وإن خضعت لهم البلاد أو أخضعوها - بحق أو بغيره - إلا أن سلطان الآخرة وملكها بيد غيرهم، ومثلهم في ذلك مثل سائر الناس، ولذا فإن بعضهم يتوسل إلى لطف الله ورحمته بجعل مدفنه في جوار الأبرار والصالحين.

ولا زال الدفن في هذه البقعة الطاهرة أمنية تراود كثيرا من العلماء

____________________

(1) مجلة الهادي - العدد الثاني من السنة الثانية ذو القعدة 1392 هـ، - ص 107 - 108.

١٥٦

والمؤمنين للحظوة بهذا الجوار المقدس، ولا شك أن لذلك آثارا عظيمة كما أشارت إليه النصوص الواردة في شأن القبور والدفن في جوار الأولياء.

هذا، وقد مر حرم السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في عمارته بمراحل عديدة حتى بلغ ما هو عليه اليوم من الجلالة والقدسية والعظمة.

وقد رد في بعض الروايات أنه لما توفيت السيدة فاطمةعليها‌السلام ودفنت في روضتها، قام موسى بن خزرج ببناء سقيفة من البواري على قبرها، إلى أن بنت زينب بنت محمد بن علي الجوادعليه‌السلام قبة عليها(1) .

وذكر الباحث الشيخ علي أكبر مهدي پور مختصرا عن مراحل تطور عمران هذا الحرم الشريف فقال ما ترجمته:

بعد دفن كريمة أهل البيت بنى موسى بن الخزرج مظلة - سقيفة - من القصب فوق القبر الشريف.

بعد ذلك بنت زينب بنت الإمام الجوادعليه‌السلام قبة من الآجر فوق القبر.

في سنة 413 هـ زين الحرم المطهر بالآجر الملون النفيس.

في سنة 529 هـ أسست قبة جديدة.

في سنة 592 هـ جدد بناء القبة المطهرة.

في سنة 1218 هـ تم تذهيب القبة المطهرة.

في ذلك التاريخ زين سطح القبة بـ 12000 قطعة من الآجر

____________________

(1) تاريخ قم ص 213.

١٥٧

المذهب.

في سنة 1275 هـ صنع الضريح الفضي.

في سنة 1285 هـ أسست مآذن الإيوان (الشرفة) الذهبي.

في سنة 1301 هـ ذهبت هذه المآذن.

في سنة 1292 هـ صنع الباب المنقوش للروضة المطهرة.

في سنة 1303 هـ أسس الصحن الجديد.

في سنة 1306 هـ صنع الباب الفضي للحرم المطهر(1) .

وجاء في بعض التحقيقات: وأقام أبناء سعد الأشعري على قبرها خيمة من الحصر المصنوعة من القصب، إلى أن جاءت زينب بنت الإمام الجوادعليه‌السلام وبنت على القبر قبة هي أول قبة تقام على ذلك القبر، وكان للبناء باب صغير إلى جهة النهر الذي يفصل بين شطري قم الآن.

واستمر الحال على هذا إلى سنة (350) هـ حيث جاء زيد بن أحمد بن بحر الأصفهاني وبدل ذلك الباب الصغير بباب أكبر منه.

وفي عهد طغرل السلجوقي (429 - 465) هـ هدمت القبة الصغيرة، وبني بدلا عنها قبة أخرى أكبر منها وأعلى وأفخم، وكان الذي قام بهذا العمل الأمير أبو الفضل العراقي من أمراء طغرل، واستمر الحال على هذا فكان يتجدد بناء المرافق والملاحق للمزار من دون أن يتجدد بناء القبة إلى زمان الصفوية حيث بدأت التغييرات والتجديدات في

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 181.

١٥٨

عهدهم بصورة أوسع، فهدمت القبة السلجوقية في سنة (925) هـ وبني مكانها قبة أعلى وأفخم وأحسن منها، تقوم على ثمانية أضلاع، وكانت مزينة من الخارج بالكاشي، وأما من الداخل فقد كانت منقوشة بالذهب واللازورد، وكان الذي قام بهذا العمل امرأة اسمها (شاه بيگم بنت عماد بيك) وكانت هي امرأة الشاه إسماعيل الصفوي أول الملوك الصفوية، وهذه القبة باقية حتى الآن على المرقد الشريف بتغييرات في داخل القبة وخارجها، ولم يكن هناك إيوان ولا صحن ولا وضع ضريح من الداخل.

واستمر الحال على هذا إلى زمان الصفوية حيث بدأت التغييرات والتجديدات من عهدهم وبالتحديد من سنة (906) هـ.

وفي سنة (925) هـ بنى شاه إسماعيل أو امرأته الإيوان الشمالي المتصل بالصحن القديم، وزينه بالكاشي (المعرق) وجعله المدخل الوحيد للحرم، كما أنه أي شاه إسماعيل قد وضع الأساس للصحن القديم، وفي سنة (950) هـ بنى الشاه طهماسب ضريحا على المرقد المطهر وكان من الكاشي، وفي سنة (1077) هـ بنى شاه سليمان الصفوي صحن النساء في الجهة الجنوبية من الحرم، وأصبح هذا الصحن طريقا خاصا لمقبرة الشاه سليمان، والشاه عباس، والشاه سلطان حسين، إذ من المعلوم أن مدخل هذه المقبرة كان من هذا الصحن فقط.

١٥٩

هذا، وقد وضع الشاه عباس على ذلك المرقد المطهر الذي كان قد زين بالكاشي قفصا من الفولاذ الأبيض، وكان لإتقان صنعه بحيث أوجب أن يظن الرحالة المشهور (تاورينه) أنه من الفضة.

كما أن مرتضى قليخان أحد رجال الدولة الصفوية قد جدد بناء إيوان الحرم، وبعد عهد الصفوية وبالتحديد في سنة (1218) هـ رفع الكاشي عن القبة ووضع بدلا عنه لبنات من الذهب، وفي سنة (1236) هـ بني مسجد فوق الرأس، وفي سنة (1266) هـ جدد بناء إيوان الشاه إسماعيل، وفي ذلك الوقت أيضا وسع الصحن العتيق، وبني من الجهة الشمالية منه مئذنة.

وفي سنة (1221) هـ فرشت أرض الحرم وجدرانه بالرخام كما زين الضريح بالذهب، ووضع أول باب ذهبي في الضلع الشمالي للرواق المتصل بإيوان الذهب الشمالي.

وفي سنة (1215) هـ زين داخل القبة بالنقوش البارزة والمرايا والكتابات الجميلة، وفي سنة (1276) هـ زين إيوان الشاه إسماعيل بلبنات الذهب، وفي سنة (1275) هـ ألبس الضريح الفولاذي بالفضة وزين بالنقوش والكتابة.

وبنى شهاب الملك مآذن الإيوان الشمالي وزينها بالكاشي، ووضع (كامران ميرزا) قضبان الذهب في أعلاهما، وشرع أمين السلطان ببناء الصحن الجديد المعروف بالصحن الأتابكي ووضع أسسه، لكن الأجل

١٦٠