الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 32442
تحميل: 3919

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32442 / تحميل: 3919
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

مما لم تبلغ له قوى الناس وقدراتهم، فعجزوا عنه وعن مثله، ومن أجله سميت المعجزة بالمعجزة ومما كان فيه إظهارا للمنزلة والمكانة، ومن أجله سميت الكرامة بالكرامة.

وليست المعجزة أو الكرامة أمرا مستحيلا، وقد اعترف الفلاسفة بذلك، بل ذكروا أن لها أصولا ثلاثة(1) ، قرروا فيها إمكان ذلك بل وقوعه، على ما شرحوه في كتبهم وأقاموا عليه أدلتهم.

ولسنا بحاجة - بعد القرآن الكريم والروايات المتواترة عن المعصومينعليهم‌السلام - إلى ما ذكروه إلا بعنوان المؤيد لهذه الحقيقة الثابتة، فإن كتاب الله تعالى وروايات أهل البيتعليهم‌السلام قد تكفلت ببيانها بما لا تدع مجالا للريب أو التشكيك.

ويأتي الحبيب المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرتبة الأولى الذي كان في قربه من الله تعالى كـ « قاب قوسين أو أدنى » والذي هو المجلى الأتم لاسم الله الأعظم، والذي ما عرفت ولن تعرف البشرية في تاريخها شخصا في عظمته وكماله ومقامه كالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنهما من نور واحد ويتلوه في المرتبة.

وإنه لمن قصور البيان بل من سوء الأدب أن يقرن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يقاس بسائر الناس، وأنى للناس أن يدركوا مقامه وهو القائلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« كنت نبيا وآدم بين الماء والطين »(2) « علي مني وأنا منه »(3) .

____________________

(1) غرر الفرائد (شرح المنظومة) ص 330 - 333.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 266.

(3) مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 64.

١٨١

وأنى للبشر أن تحوم أفهامهم حول تلك العظمة وذلك الكمال وهو القائلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب علياعليه‌السلام : « يا علي النور اسمي والمشكاة أنت »(1) « أنت مني كروحي من جسدي »(2) «أنت مني كالضوء من الضوء »(3) .

ويتلو مرتبتي المصطفى والمرتضى مرتبة الأئمة المعصومينعليهم‌السلام والصديقة الزهراءعليها‌السلام ، فإنهم الأنوار الذين خلقهم الله وجعلهم بعرشه محدقين، حتى من بهم علينا فجعلهم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليهم وما خصنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا، وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا.

ويتلوهم مقامات الرسل والأنبياء والأولياء على اختلاف منازلهم ومراتبهم.

وغرضنا من ذلك كله الإشارة إلى أن الله تعالى قد أختص بعض عباده بمميزات وقدرات خاصة، ومعاجز وكرامات، هي مظاهر لقدرة الله تعالى، وعلائم على القرب منه، والمنزلة عنده، والوجاهة لديه، وأردنا به الاستطراق إلى ما نحن فيه.

فإن السيدة فاطمة المعصومة وهي بنت ولي من أولياء الله، وأخت ولي من أوليائه، وعمة ولي من أوليائه، وحظيت برعاية المعصوم واهتمامه، وهي أهل لذلك فبلغت من المنزلة والشأن ما قد عرفت، فكان لها من الكرامات نصيب وافر، ولا زال حرمها الشريف ملاذا

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 341.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 246.

(3) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 246.

١٨٢

لذوي الحاجات فتقضي حاجاتهم، ولذوي الدعوات فتستجاب دعواتهم، ولذوي الكربات فتكشف كرباتهم، ولذوي الآمال فتتحقق آمالهم، وذلك من آثار التوسل بها، ووجاهتها عند الله، ولا سيما عند انسداد أبواب الأسباب الطبيعية وتعسر أو تعذر الطرق المألوفة.

وقد تواتر نقل الحوادث المختلفة، حتى أصبح من المألوف أن يسمع الإنسان عن كرامة للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في شفاء مرض مستعص قد عجز الأطباء عن علاجه، أو نجاة من هلكة تبدو محققة الوقوع، أو استجابة دعاء صالح يرى أنه بعيد الاستجابة، أو قضاء حاجة تبدو مستحيلة أو حل مسألة علمية معضلة لا يظهر وجهها، وغير ذلك من القضايا والحوادث، وكم سمعنا من مشايخنا وأساتذتنا عن كثير من العلماء أنهم لجأوا إلى حرمها الشريف ولاذوا بقبرها وتوسلوا بهاعليها‌السلام لكشف ما أبهم واستعصى عليهم من المسائل العلمية الدقيقة فوجدوا آثار ذلك ونالوا ما أرادوا، وكذا نقل الثقاة عن كثير من المؤمنين أنهم قصدوها في كثير من الشؤون المختلفة فظفروا بما كانوا يبتغون، ولا زال اللائذون بحرمها يرون آثار الخير والبركة والألطاف الخفية والجلية عند التوسل بها إلى الله، فإنه تعالى قد جعلها بابا من أبواب الرحمة، وملاذا يلوذ به ذوو الحاجات.

وأما ما أثبتته الأقلام فهو أيضا كثير، ومن ذلك:

ما ذكره المحدث النوري في دار السلام حيث قال: ومن آيات الله العجيبة التي تطهر القلوب عن رجز الشياطين، أنه في أيام مجاورتنا في بلد الكاظمينعليهما‌السلام كان رجل نصراني ببغداد يسمى يعقوب، عرض

١٨٣

له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتد به المرض، وصار نحيفا ضعيفا، إلى أن عجز عن المشي، قال: وكنت أسأل الله تعالى مكررا الشفاء أو الموت إلى أن رأيت ليلة في المنام - وكان ذلك في حدود الثمانين بعد الماءتين والألف، وكنت نائما على السرير - سيدا جليلا نورانيا طويلا حضر عندي فهز السرير، وقال: إن أردت الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمينعليهما‌السلام وتزور فإنك تبرأ من هذا المرض، فانتبهت من النوم، وقصصت رؤياي على أمي، فقالت: هذه من الشياطين، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما علي، ونمت ثانيا، فرأيت امرأة منقبة عليها إزارها، فهزت السرير، وقالت: قم فقد طلع الفجر ألم يشترط عليك أبي أن تزوره فيشفيك؟

فقلت: ومن أبوك؟ قالت: الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقلت: ومن أنت؟ قالت: أنا المعصومة أخت الرضاعليه‌السلام ، فانتبهت متحيرا في أمري ما أصنع وأين أذهب؟ فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيد الأيد السيد الراضي البغدادي، الساكن في محلة الرواق منه، فمشيت إليه فلما دققت الباب نادى من أنت؟ فقلت: افتح الباب، فلما سمع صوتي نادى بنته افتحي الباب، فإنه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام، فقلت له بعد الدخول: من أين عرفت ذلك؟ فقال: أخبرني بذلك جديعليه‌السلام في النوم، فذهب بي إلى الكاظمينعليهما‌السلام ، ودخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبد الحسين الطهراني أعلى الله مقامه فحكيت له القصة، فأمر بي أن يذهب إلى الحرم المطهر، فذهبوا بي إليه وأطافوا بي حول الشباك ولم يظهر لي أثر.

١٨٤

فلما خرجت منه تأملت هنيئة وعرض لي عطش فشربت الماء، فعرض لي اختلاط، فوقعت على الأرض، فكأنه كان على ظهري جبل فحط عني، وخرج نفخ بدني، وبدل اصفرار وجهي إلى الحمرة، ولم يبق في أثر من المرض، فرجعت إلى بغداد لأخذ مؤنتي من مالي، فاطلع أهلي وأقاربي، فأخذوني وذهبوا بي إلى بيت فيه جماعة فيها أمي، فقالت لي: سود الله وجهك، ذهبت وكفرت، فقلت: ترين ما بقي من مرضي أثر، فقالت: هذا من السحر، ونظر سفير الدولة الانگليزية إلى عمي، وقال: إذن لي أن أؤدبه، فإنه قد كفر اليوم، وغدا يكفر جميع طائفتنا، فأمر بي فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرباچ، وهو مشتمل على شعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الأبر، فجرى الدم من أطراف بدني، ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم، إلى أن وقعت أختي نفسها علي فكفوا عني، وقالوا لي: اقبل على شأنك، فرجعت إلى الكاظمينعليهما‌السلام ، ودخلت على الشيخ المعظم فلقنني الشهادتين، وأسلمت على يديه، فلما كان وقت العصر بعث المتعصب العنيد (نامق باشا) رسولا إلى الشيخ ومعه كتاب فيه:

إن رجلا أتى إليك ليسلم، وهو من رعايانا وتبعة الإفرنج، فلا بد أن يسلم عند القاضي، فأجابه: إن الذي ذكرته أتى عندي ثم ذهب لشأنه، وأخفاني وبعثني إلى كربلاء، واختتنت هناك، وزرت المشهد الغروي، ورجعت، ثم بعثني مع رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم، وكنت في القرية المذكورة سنة، فلما دخلت بلد الكاظمعليه‌السلام تحرك في عرق الرحم، واشتقت إلى لقائهم، وذكرت

١٨٥

ذلك للشيخ الأجل الأفقه الشيخ محمد حسن الكاظمي المدعو بياسين جعله الله في درعه الحصين، فمنعني وقال: أخاف أن يلزموك، فإما أن تعذب أو ترجع إلى النصرانية، فرجعت عن قصدي، ورأيت في تلك الليلة في النوم كأني في برية واسعة مخضرة من النبات، وفيها جماعة من السادة وكان رجل واقف فيها، فقال لي: لم لا تسلم على نبيك؟ فسلمت عليهم، فقال لي أحد السيدين اللذين كانا مقدمين على جميعهم أتحب أن ترى أباك؟ فقلت: نعم، فقال لذلك الرجل: إذهب به إلى أبيه ليراه، فذهب بي فرأيت جبلا مظلما يستقبلني، فلما قرب مني استحر الهواء فصار مثل الصيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل نارا يصيبني شررها، واسمع من داخله صياح إنسان، وكان أبي، فاستوحشت فردني إلى السادة، وكانوا يضحكون علي، وقالوا: أتريد أباك بعد هذا؟ فقلت: لا، ثم أمروا بي أن اغتمس في حياض كانت هناك، وهي سبعة فاغتمست بأمرهم في كل واحد منها ثلاث مرات، ثم أتي لي بثياب بيض فلبستها، وانتبهت من النوم، فرأيت بدني يحك وخرجت من محل جميعه دماميل كبار، وذكرت ذلك للشيخ الأجل فقال: ذلك مما في بدنك من لحم الخنزير، وأثر الخمر، يريد الله أن يطهرك منه لما أسلمت، وكان يخرج منها القروح إلى أسبوع، وانصرف عن عزمه زيارة أهله، ورجع إلى محل هجرته وتزوج فيه، واشتغل بذكر قراءة مصائب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهو الآن به، وله أهل وأولاد وتشرف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزيارة

١٨٦

أئمة العراقعليهم‌السلام ثانيا، ثم رجع كثر الله تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله(1) .

وإنما ذكرنا هذه القصة بطولها لأنها اشتملت على ذكر السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام وأنها كانت أحد أسباب اللطف الإلهي لصاحب القضية.

هذا، وقد أحصى بعض الباحثين بعض كرامات السيدة المعصومة فعد منها ماءة كرامة، ونختار نماذج منها.

فمنها: ما كتبه العالم والخطيب القدير الشيخ جوا نمرد، عما جرى من كرامة السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام لإحدى بناته فقال: في عام 1363 هـ ش (أي قبل حوالي خمسة عشر عاما) رزقنا الله بنتا أسميناها (أسماء) وما إن مضى شهران على ولادتها حتى أصيبت بمرض الاختناق وضيق التنفس.

تصورنا في البداية أن المرض هو (ذات الرئة) الربو، فأخذناها إلى طبيب مختص بأمراض الأطفال، وكان تشخيصه الأولي أنها مصابة بالربو، فأدخلناها مستشفى آية الله الگلبيگاني، وبقيت فيه اثني عشر يوما تقريبا، تعالج عن هذا المرض، وقد وضعت في الحاضنة، ولكن لم يظهر أي أثر للعلاج.

وبعد اثني عشر يوما أخذناها إلى طبيب آخر مختص بأمراض الحنجرة والأنف ووصف دواء ولكن بلا فائدة.

____________________

(1) دار السلام ج 2 ص 169 - 171.

١٨٧

ثم انتقلنا إلى طهران فلعل تشخيص المرض يتم هناك، وبعد مراجعة عدة مستشفيات تقرر أخيرا إدخالها مستشفى (إخوان طهران) المتخصص لعلاج الأطفال.

وبقيت راقدة في المستشفى لمدة شهر كامل، كانت تعيش خلالها على التنفس الصناعي والمغذي المائي - المنعش - عن طريق الوريد.

وبعد الفحوصات الطبية أخبرونا عن احتمال وجود جسم غريب في رئتها، وهو السبب في أصابتها بحالة الاختناق وضيق التنفس، وقالوا: لا بد من إجراء عملية بالمنظار لاكتشاف ذلك الجسم الغريب، إلا أن هذا الجهاز غير موجود في المستشفى، وذكروا أيضا أن إجراء هذه العملية ربما يودي بحياة الطفلة نظرا لصغر سنها، خرجنا من المستشفى ولم يكن لنا بد من الرجوع إلى قم، وقد اشتدت حالة الاختناق عندها، فلم تعد قادرة على الأكل والنوم.

وعلى أثر إصرار أمها عدنا بها إلى طهران مرة أخرى، وأدخلناها مستشفى المفيد في طهران، وبقيت على الفراش اثني عشر يوما، وأجريت لها عملية المنظار وتبين أن الرئتين سليمتان، وقالوا لنا: من المحتمل أن تكون عضلات الحنجرة مصابة بارتخاء، وهو السبب في حالة الاختناق وضيق التنفس.

خرجنا من المستشفى بلا فائدة ورجعنا إلى قم ونحن في حالة شديدة من اليأس.

بعد يومين أو ثلاثة قررت أم الطفلة أن تصوم وتلتجئ بها إلى حرم السيدة الجليلة فاطمة المعصومةعليها‌السلام .

١٨٨

صامت الأم في ذلك اليوم، وفي الليل أخذت طفلتها وذهبت بها إلى الحرم الشريف، وكانت قد قالت لأحد أولادها أن يأتي إلى الحرم في الساعة الثانية عشرة ليلا ليرجع بها إلى المنزل.

وفي الموعد ذهب الولد إلى الحرم ليأخذ أمه إلى المنزل فقالت له أمه: إلى الآن لم تظهر أي نتيجة، ارجع وسأبقى إلى الصباح.

تقول الأم: بقيت إلى الصباح في الحرم مشتغلة طيلة الوقت بالدعاء والبكاء، وقد ربطت الطفلة بمنديل في ضريح السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وهي في تلك الحالة من الاختناق وضيق التنفس، وكان كل من يراها فكأنه يرى أن الموت على بعد خطوات منها.

كنت بين حين وآخر أضع في فم الطفلة ملعقة من الماء الممزوج بالسكر، فقالت لي نسوة هناك: لا تؤذي الطفلة ودعيها وشأنها.

حتى إذا أذن لصلاة الصبح تركت الطفلة وابتعدت قليلا عن الضريح، وبعد أن صليت الفريضة اعترتني حالة تغيرت فيها أحوالي وصرت أسائل نفسي: كيف أرجع بهذه الطفلة بلا فائدة؟ هناك قلت:

إلهي لم يبق لي أمل سوى قبر السيدة المعصومة، وإلى هذه اللحظة لم تظهر أي نتيجة.

بكيت قليلا وجئت إلى الطفلة لأفتح المنديل ويا للعجب رأيت الطفلة قد نامت في وقت ما كانت تستطيع فيه أن تنام، لم أخبر أحدا بشئ وفتحت المنديل، ولم تكن الدنيا تسعني من الفرحة والسرور، وأخذت الطفلة وتوجهت بها إلى المنزل.

بقيت الطفلة نائمة إلى الظهر وبعده استيقظت من نومها، فشربت

١٨٩

الحليب وهي في صحة تامة.

وقد من الله سبحانه وتعالى على ابنتي بالشفاء الكامل ببركات قبر السيدة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وقد مضى على هذه الحادثة عشر سنوات وهذه الطفلة في الصف الرابع الابتدائي، وهي تلميذة متفوقة في دراستها كما أنها ملتزمة بالصلاة وسائر المسائل الشرعية، وذلك من ألطاف كريمة أهل البيتعليها‌السلام (1) .

ومنها: ما نقله الميرزا موسى فراهاني عن مسؤول حراسة حرم السيدة المعصومةعليها‌السلام أنة في ليلة من ليالي سنة 1300 هـ، كنت أتولى فيها الحراسة فجئ بامرأة من كاشان مصابة بالشلل للاستشفاء وربطت بالضريح.

وفي الساعة المقررة لإغلاق أبواب الحرم بقيت هذه المرأة في الحرم وأغلقت الأبواب، وكنت خارج الحرم أتولى الحراسة.

بعد منتصف الليل سمعت صوت المرأة وهي تقول: لقد شافتني.

فتحت باب الحرم ورأيت تلك المرأة السعيدة وقد شفيت، فسألتها عن كيفية شفائها، فقالت: أصابني العطش الشديد وخجلت أن أدق الباب وأطلب منك الماء، ولذا نمت بعطشي، فرأيت في منامي أنها أعطتني قدحا من الماء، وقالت: اشربي هذا الماء وستجدين الشفاء.

فشربت الماء وانتبهت من النوم ولا أثر للعطش ولا للمرض(2) .

ومنها: ما نقل متواترا عن المرحوم السيد محمد الرضوي أحد

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 216 - 219.

(2) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 256.

١٩٠

خدام الحرم المطهر، قال: في ليلة رأيت السيدة المعصومة في عالم الرؤيا وهي تقول: قم وأضئ مصابيح المنائر، فانتبهت من نومي، ونظرت إلى الساعة فرأيت أنه بقي أربع ساعات إلى أذان الصبح، فعدت إلى النوم ثانية، فرأيت نفس الرؤيا بعينها، ولكني عدت إلى النوم، وفي المرة الثالثة رأيت نفس الرؤيا وقالت لي بغضب: ألم أقل لك أن تقوم وتضئ مصابيح المنائر؟ قمت وأضأت المصابيح، وكان الجو شديد البرودة والثلج يتساقط بغزارة وقد غطى الأماكن.

وفي اليوم التالي كان الجو صحوا، وكنت واقفا في الصحن المطهر فرأيت جمعا من الزوار يتحدثون وأحدهم يقول للآخر: كم يجب علينا أن نشكر هذه السيدة، ولو تأخرت إضاءة المصابيح دقائق معدودة لهلكنا من شدة البرد.

فتبين أن هؤلاء الزوار على أثر تساقط الثلج بغزارة واختفاء معالم البلد قد ضلوا الطريق، وبقوا في وسط الصحراء، ولكن لما أمرتني السيدة بإضاءة المصابيح بانت معالم المدينة لهم وأوصلوا أنفسهم إليها، ونجوا من أذى البرد وشدته(1) .

ومنها: ما نقله من كتاب قصص العلماء للميرزا الحاج محمد التنكابني المتوفى سنة 1302 هـ، قال: في إحدى زياراتي لحرم السيدة المعصومةعليها‌السلام مرض ولدي وزوجتي مرضا شديدا، وأشرفا على الموت، فجئت إلى حرم ابنة باب الحوائج، وقلت: نحن جئنا من مكان

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 273.

١٩١

بعيد ولذنا بباب بيتك، ولا نتوقع أبدا أن نرجع من عندك بالحزن ورغم الأنف والخيبة، وفي نفس تلك اللحظة شفي كلا المريضين وأنقذا من حافة الموت(1) .

ومنها: ما نقل عن المرحوم الحاج الشيخ محمود علمي الذي كان متوليا على المدرسة الفيضية من قبل آية الله البروجردي، أنه قال: في زمان المرحوم آية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المتوفى في 17 ذي القعدة سنة 1355 هـ، كنت أرى شخصا عاجزا لا يستطيع أن يجمع رجليه، وكان يتكئ على يديه ويسحب بدنه زاحفا على الأرض، وكان يأتي على هذه الحالة إلى الحرم للزيارة من دار الشفاء عن طريق المدرسة الفيضية. فسألته يوما عن حاله، فقال: أنا من أهل القفقاز (آذربيجان) وعروق رجلي يابسة، ولا قدرة لي على المشي، وقد زرت مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام للاستشفاء ولكن بلا فائدة، فجئت ولعلي أجد الشفاء هنا.

وكان من المتعارف في ذلك الوقت أنه إذا حدثت كرامة من كرامات السيدة المعصومةعليها‌السلام تضرب النقارة ويسمع صداها إعلاما لعامة الناس بما وقع.

وفي ليلة من ليالي شهر رمضان رأيت النقارة تضرب، وسمعتهم يقولون إن السيدة المعصومة قد شافت شخصا مصابا بالفالج.

كنت مع بعض الأصدقاء في سفر إلى أراك وركبنا عربة تجرها

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 250.

١٩٢

الخيول، وخرجنا من قم إلى أراك فلما وصلنا إلى مسافة تبعد عن أراك ستة فراسخ وإذا بنا نرى ذلك الشخص الكسيح العاجز عن المشي ورجلاه سليمتان وقد عوفي من مرضه تماما، وكان عازما على زيارة كربلاء مشيا على قدميه، فأركبناه في العربة معنا حتى أوصلناه إلى أراك(1) .

ومنها: ما نقله عن صاحب كتاب أنوار المشعشعين أنه قال: أذكر أن جملا قد آذاه صاحبه، فالتجأ إلى حرم السيدة المعصومة، وبرك مستريحا في أسفل الإيوان حتى جاء صاحبه وأخذه.

وقد جرى نظير ذلك في حرم الإمام الرضاعليه‌السلام حيث التجأ إلى حرمهعليه‌السلام جمل، وذكرت قصته ونشرتها الصحف والجرائد(2) .

وذكر المرحوم الشيخ فرج العمران - أحد أبرز علماء القطيف - المتوفى سنة 1398 هـ في كتابه الأزهار أنه شاهد في حرم الإمام الرضاعليه‌السلام حادثة مشابهة فقال: وفي صبيحة يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر المؤرخ - أي ربيع الثاني عام 1394 هـ - التجأ ستة أباعر إلى مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان مكانها يبعد عن المشهد المقدس أربع ساعات، والموجب إلى التجائها أن أهلها أرادوا ذبحها، ولما وصلت إلى الصحن الشريف عتقت من الذبح، وأمر أن تجعل في بستان من بساتين الإمام الرضا، وقد خير مالكها بين أخذ ثمنها وبين تخلية أمرها، واختار أن يخلوا أمرها فضمن لمالكها مدفن في الصحن الشريف مجانا،

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 277 - 278.

(2) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 292.

١٩٣

وذلك كله من بركات الإمام الرضا ضامن الجنة وممن رآها جمع كثير...

وقد سبق نظير هذه الحادثة أكثر من مرة، ولا عجب من كرامات أهل البيت، فإنهم ملجأ الخائفين وأمان المروعين.

وبمناسبة هذه الكرامة أنشأ الفاضل الشيخ محسن بن الحاج علي بن صالح المعلم من أهل الجارودية هذه الأبيات الآتية:

يا ملاذ الأنام يا حجة الله

على الخلق أنت حاوي المعاجز

عصمة الملتجين والله أنتم

مأمن الخائفين عند الهزاهز

والمطايا ببابكم لاجئات

عائدات منكم بأسنى الجوائز(1)

ونكتفي بهذه النماذج القليلة من كرامات السيدة المعصومةعليها‌السلام ، وأما ما ذكر من كراماتها فهو فوق حد الإحصاء، وهي شواهد على أن هذه السيدة الجليلة بابا من أبواب الرحمة واللطف، وقد جعلها الله تعالى ملاذا للعباد تقضى عندها حوائجهم، وتستجاب عندها دعواتهم، ويحظون بالخير والبركات، فإن لها عند الله شأنا من الشأن.

____________________

(1) الأزهار الأرجية ج 15 ص 254 - 255.

١٩٤

السيدة المعصومةعليها‌السلام في ضمائر الشعراء

والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة

أو حكمة فهو تقطيع وأوزان

وأغراض الشعر كثيرة، منها ما هو حق وصدق، ومنها ما هو باطل وعبث.

وللشعر دور مميز في هز المشاعر، وتحريك العواطف، وتوجيهها نحو الاستقامة، أو نحو المجون.

وما كان منه في خدمة الحق والحقيقة وتوجيه النفوس نحو الفضيلة فهو في نظر أهل البيتعليهم‌السلام موضع عناية وتكريم.

وفي الروايات الواردة عن الأئمةعليهم‌السلام ما يدل على اهتمامهم بالشعراء الذين وظفوا القوافي في خدمة الحق والأخلاق الفاضلة، ولا سيما يوم كان الشعر في قوته ونفاذه أمضى من السيف والسنان، وفي تأثيره أقوى من السحر، وفي طليعة أولئك الشعراء: الكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وآخرون.

وقد حث الأئمةعليهم‌السلام شعراء الشيعة على تجنيد شعرهم وشعورهم في نصرة الحق وأهله، ومقارعة الباطل وأهله، والدعوة إلى الخير والفضيلة والصلاح.

ولسنا في مقام الحديث عن الشعر والشعراء، وإنما أردنا بما ذكرنا أن نصل إلى القول: إن لكريمة أهل البيتعليها‌السلام من شعر الشعراء نصيبا وافرا.

وإذا كان من أهم أغراض شعراء الشيعة نشر الفضيلة والحث عليها امتثالا لنداءات أئمتهمعليهم‌السلام فإن السيدة المعصومةعليها‌السلام قد جسدت

١٩٥

الفضيلة والطهر والعفاف، ولا غرو بعد ذلك أن نجد الشعراء - من العرب وغيرهم - يقررون هذه الحقيقة ويمجدون الطهارة والشرف من خلال قصائدهم التي مدحوا فيها كريمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد اخترت - مما اجتمع لدي من قصائد في شأن السيدة المعصومةعليها‌السلام - قصيدتين تعربان عن صدق الولاء وعمق المودة.

الأولى للأستاذ معروف عبد المجيد محمد، والثانية للسيد محمد بن حمود العمدي.

وإنما اخترت هاتين القصيدتين وآثرت إدراجهما في هذا الكتاب لأن كلا الشاعرين قد امتازا بأنهما ممن بحث عن الحقيقة حتى ظفرا بها في حمى أهل البيتعليهم‌السلام ، واستقر بهما النوى(1) في حريم التشيع، وأصبحا من شيعة آل محمدعليهم‌السلام .

وتلك النعمة الكبرى التي من الله تعالى بها عليهما فهداهما لدينه ووفقهما لما دعا إليه من سبيله، فليحمدا الله عليها كثيرا.

وأما القصيدتان فهما:

فاطمة المعصومة سمية الزهراء(2)

____________________

(1) (واستقر بي النوى) كتاب ألفه شاعرنا السيد محمد بن حمود العمدي وذكر فيه أسباب تشيعه وركوبه سفينة النجاة، صدر الكتاب عن مركز الأبحاث العقائدية في قم، وطبعته الأولى سنة 1420 هـ.

(2) للأستاذ معروف عبد المجيد محمد، وهو من مواليد عام 1952 في مدينة القليوبية بمصر، درس الآداب واللغات السامية في جامعة الأزهر في مصر، والنقوش السامية في جامعة روما في إيطاليا، والآثار الكلاسيكية اليونانية والرومانية في جامعتي زيورخ في سويسرا وغوتنغن في ألمانيا. يجيد عددا من اللغات الحية والقديمة عمل في الترجمة والتدريس الجامعي. اعتنق مذهب أهل البيتعليهم‌السلام سنة 1984. صدر له: « أنا الحسين بن علي » رواية « معلقة على جدار الأهرام » شعر « أحجار لمن تهفو لها نفسي » شعر « وينصبون عندها سقيفة » شعر « بلون الغار... بلون الغدير » شعر.

١٩٦

جرح الأحبة فاغر ما التاما

يفري، ولا ندري له إيلاما

نار الصبابة لا تحرق عاشقا

وتكون بردا فوقه وسلاما

أنا طائر فوق الجبال مقسم

إربا، فمن ذا يجمع الأقساما

لم يمض عصر المعجزات، فعاودي

عهد الوصال وجددي الأياما

بعثي ونشري من يديك، وجنتي

عيناك، طابا للمحب مقاما

* * *

ركب الفواطم ما يزال مسافرا

مروا يريد، وروضة، وإماما

يمضي، فلا الأيام تقطع سيره

ويزيده طول النوى إقداما

وعليه من ألق النبوة مسحة

أضفت عليه المجد والإعظاما

١٩٧

ومن الحسين بقية لدمائه

صبغت بحمرة لونها الأعلاما

يا أيها الحادي حداؤك هدني

لما ذكرت الأهل والأرحاما

عرج على قم، فإن لنا بها

قبرا على كل القبور تسامى

شهد الحوادث منذ أول عهده

ومن الحوادث ما يكون جساما

ظهرت به للعالمين خوارق

تسبي العقول وتدهش الأفهاما

حطوا الرحال، فإن للثاوي به

عهدا يصان وحرمة وذماما

يا قبر فاطمة بقم تحية

من مدنف - يا قبرها - وسلاما

طاب الضريح وضاع من شباكه

أرج النبوة يغمر الآكاما

واصطفت الأملاك في ظلل الحمى

زمرا تسبح سجدا وقياما

وأتى الحجيج من الفجاج قوافلا

تسعى إليه وقد نوت إحراما

حرم أتاه الخائفون فأبدلوا

أمنا، ونال الطالبون مراما

١٩٨

عش لآل محمد يهفو له

أهل الوداد محبة وغراما

يا بنت موسى، والمناقب جمة

لا يستطيع بها الورى إلماما

أخت الرضا، إني أتيتك ناشرا

صحفا تفيض خطيئة وأثاما

يا عمة الجواد، كفك والندى

وأنا ببابك أسأل الأنعاما

أنا زائر يرجو الشفاعة، فاشفعي

لي في الجنان، فقد قصدت كراما

* * *

أنا قادم من مصر أنزف حرقة

أخفي الشقاء وأكتم الآلاما

ودعت زينب غير ناس فضلها

وهي العقيلة كم رعت أيتاما

وهي التي في الطف كم أبدت حجى

تحت السيوف وسفهت أحلاما

ومعي من السبط الشهيد شواهد

علقتها فوق الصدور وساما

لي بالحسين وبالعقيلة لحمة

كانت لنفسي في الخطوب عصاما

شقت لي الدرب العسير، وبددت

في النازلات حلوكة وظلاما

١٩٩

فمضيت أبدع للولاء قصيدة

وأوقع الألحان والأنغاما

وأقيم للدين القويم دعائما

وأحطم الأوثان والأصناما

ومع الحسين أقود أعتى ثورة

كانت لسلطان الطغاة ضراما

وأرى الرعية - رغم ذل - ذروة

وأرى الملوك أمامها أقزاما

وأرى العقيدة عزة وكرامة

وأرى الكفور معرة ورغاما

وأرى التثاقل يوم نفر ردة

وأرى الجهاد تزكيا وصياما

وأرى الإمامة بيعة مفروضة

وأرى الخلاقة فلتة وحراما

وأرى كهوف البائسين عمائرا

وأرى قصور المالكين حطاما

سأقيم في مصر العتيدة قلعة

وأزيل - رغم رسوخها - الأهراما

النيل لن يدع الحسين مجدلا

عطشان يشكو الصد والإحجاما

كلا، ولن يدع الدعي لغيه

يسبي ويحرق حرمة وخياما

٢٠٠