الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 32431
تحميل: 3918

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32431 / تحميل: 3918
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

والثناء عليه.

روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:

خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه خير أمنيته...(1) .

ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري... شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضاعليه‌السلام وله كتب(2) .

ومنهم: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري وكان من خواص الإمام العسكريعليه‌السلام ورأى صاحب الزمان، وهو شيخ القميين ووافدهم(3) .

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين حديثا مبسوطا وجاء في آخره: إنه قال للإمام العسكريعليه‌السلام :... سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

____________________

(1) رجال الكشي ج 2 ص 858.

(2) رجال النجاشي ج ص 217.

(3) الخلاصة ص 15.

٢٢١

قال الراوي: فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا، قال سعد:

(راوي الحديث): فلما انصرفنا من حضرة مولانا من حلوان [المعروف اليوم بـ (پل ذهاب)] على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام ) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله(1) .

ومنهم: سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي الأشعري أبو القاسم، شيخ هذه الطائفة، وفقيهها ووجهها(2) .

ومنهم غيرهم وهم كثير.

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 464 ومنتهى الآمال ج 2 ص 685 - 686.

(2) رجال النجاشي ج 1 ص 401.

٢٢٢

وأما من برز من غير الأشعريين في العلم والتقوى والفضيلة فمن العسير جدا إحصاؤهم، فإن هذه المدينة أشبه شئ بمدرسة كبرى تخرج منها رجال العلم والإيمان، وأصبحوا منائر هدى ورشاد، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، ووالده علي بن الحسين، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم ووالده إبراهيم بن هاشم، وغيرهم كثير ممن كانوا من أجلاء هذه الطائفة وعظمائها وقد تكفلت كتب الرجال ببيان أحوالهم ومختلف شؤونهم ومن أراد المزيد فليراجع.

٢٢٣

قم وأهلها في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

ومن خلال ما تقدم يتبين ما لهذه المدينة المقدسة من المنزلة عند أهل البيتعليهم‌السلام وما لأهلها من الشأن والمكانة.

وقد مر أن قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، في بيان فضلها وأفضليتها على كثير من البقاع.

فمنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه ذكر كوفة، قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائمعليه‌السلام

٢٢٤

ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة(1) .

ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلي يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبل [ما] بين عينيه، وقال: يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب، وفتح إليه بابا من أبواب الجنة(2) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء(3) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 95 وبحار الأنوار ج 60 ص 213.

(2) تاريخ قم ص 94 وبحار الأنوار ج 60 ص 212.

(3) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

(4) تاريخ قم ص 97 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

٢٢٥

ومنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته(1) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(2) .

ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال لي:

أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد - صلوات الله عليه - ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه(3) .

ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بياع السابري قال: كنت يوما عند أبي الحسنعليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم، إلى المهديعليه‌السلام ، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214 - 215.

(2) بحار الأنوار ج 60 ص 215.

(3) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

(4) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

٢٢٦

ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة(1) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أما إنهم أنصار قائمنا، ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة(2) .

ومنها: ما روي عن الرضاعليه‌السلام ، قال: للجنة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(3) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنة قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث(4) ....

ومنها: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه، فرد عليهم وقربهم، ثم قال لهم:

____________________

(1) تاريخ قم ص 99 وبحار الأنوار ج 60 ص 217.

(2) تاريخ قم ص 93 وبحار الأنوار ج 60 ص 218 - 219.

(3) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

(4) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

٢٢٧

مرحبا بكم وأهلا، فأنتم شيعتنا حقا، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(1) .

ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من الله على عباده بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...(2) .

وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدل على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمةعليهم‌السلام لهم، وعنايتهم بهم، مما جعل من هذه المدينة حصنا منيعة للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ورسوخ في الاعتقاد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 260.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 458.

٢٢٨

مفاخر القميين:

وذكر أن لأهل قم مناقب وفضائل أخرى امتازوا بها على سائر الناس، وعدت من مفاخرهم وأولياتهم.

قال الشيخ النمازي: مفاخر أهل قم كثيرة، منها: أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمةعليهم‌السلام .

ومنها: أنهم أول من بعث الخمس إليهم.

ومنها: أنهمعليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان، كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد، وغيرهم، ممن يطول بذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وأنهم اشتروا من دعبل ثوب الرضاعليه‌السلام بألف دينار من الذهب، إلى غير ذلك.

ومنها: قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام وثواب زيارتها(1) .

ومن طريف ما يروى ما جرى لدعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور، وكان من قصته أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقالعليه‌السلام : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقمسا

وأيديهم من فيئهم صفرات

____________________

(1) مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 600.

٢٢٩

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ، وقال له: صدقت يا خزاعي، فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلب كفيه ويقول: أجل، والله منقبضات، فلما بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر، فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال بلى: يا ابن رسول الله فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.

ثم نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه

٢٣٠

بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة، وسأل ثوبا من ثياب الرضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف به، وأنفذ الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له:

خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها(1) .

وفي رواية أخرى: أن دعبل الخزاعي قال: لما قلت (مدراس آيات) قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.

واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني، وسألني عن خبري، ثم قال: يا دعبل أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين، فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا.

فلم تكن إلا ساعة حتى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن (مدارس آيات) فذكر أنه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بقريب من ذلك.

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني،

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 264.

٢٣١

فقال: نعم، ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي:

احفظ هذا تحرس به.

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني.

قال: ثم كررت راجعا إلى العراق، فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد، وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة، ومتفكر في قول سيدي الرضاعليه‌السلام ، إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد: (مدارس آيات خلت من تلاوة) ويبكي، فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذلك ويلك؟ فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت: من هو؟ قال:

دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي، فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الأمر أشهر من ذلك، فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال: قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها، كرامة لك،

٢٣٢

ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده، فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا - أي كنا في حمايته - إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة(1) .

وفي رواية: أن دعبل أخذ الصرة والجبة وانصرف وصار من مرو في قافلة، فلما بلغ (ميان قوهان)، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن علي، قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل، وقال له:

أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد عليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ

____________________

(1) كشف الغمة ج 2 ص 261 - 263.

٢٣٣

كثير، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار، فأبى عليهم وسار عن قم.

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضاعليه‌السلام : إنك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة، وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها، ونجتهد ونرجوا أن تسلم.

فاغتم لذلك دعبل غما شديدا، وجزع عليها جزعا عظيما، ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية، وعصبها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (1) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 265.

٢٣٤

وإنما ذكرنا هذه الرواية بطولها لما فيها الطرافة واللطافة والدلائل، كما أن فيها دلالة على ولاء أهل قم وحبهم لآل محمدعليهم‌السلام .

العلويون في قم:

أشرنا فيما تقدم إلى أن سياسة حكام بني أمية وبني العباس كانت تعتمد على البطش بالعلويين وقهرهم وتشريدهم، وكان بنو العباس هم الأشد في ذلك كما اعترف المأمون العباسي، وقد أدى ذلك إلى نزوح العلويين عن مواطنهم وتفرقهم في أطراف الأرض إلى حيث يجدون الأمن والأمان، وقد مرت علينا نماذج من أولئك الذين اضطرتهم الظروف العصيبة التي عصفت بهم إلى التنكر والتواري عن الأنظار خوفا على أنفسهم وأعراضهم وذويهم.

ولما كانت مدينة قم من المدن السباقة إلى التشيع والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام أصبحت ملاذا لبعض هؤلاء حيث التجأ إليها كثير من العلويين ولا سيما بعد أن دفنت فيها السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وأصبح حرمها الشريف مزارا وملاذا.

ومنذ أن اتخذ بعض العلويين من قم موطنا ومستقرا له بدأ الوجود العلوي بالانتشار، ولا زالت بعض السلالات العلوية التي ينتهي نسبها إلى أولئك الذين سكنوا قم واستوطنوها باقية إلى اليوم كالسادة البرقعيين فقد ذكرت بعض المصادر أن أول من دخل مدينة قم من السادة الرضوية هو موسى بن الإمام الجوادعليه‌السلام في سنة 256 هـ، وهو المعروف بالمبرقع، وكان يضع على وجهه برقعا دائما فلذا لقب بالمبرقع، وتوفي في قم سنة 296 هـ، وقد التحق به أخواته زينب، وأم

٢٣٥

محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ثم جاءت بعدهن بريهة بنت موسى، وتوفين بقم، ودفن عند فاطمة المعصومةعليها‌السلام (1) كما ذكرناه فيما تقدم.

وتنتشر في قم قبور السادة العلويين وهي مزارات يقصدها أهل قم والوافدون إليها، وهي كثيرة.

منها: مزار فيه قبران أحدهما لموسى المبرقع، والثاني قبر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى.

ومنها: مزار كبير يعرف بـ (چهل اختران) ويحوي عدة من قبور السادة العلويين منهم: محمد بن موسى المبرقع، وزوجته بريهة بنت جعفر بن الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وزينب بنت الإمام موسى، وأم محمد بنت موسى، وأبو علي محمد بن أحمد بن موسى، وبناته:

فاطمة، وبريهة، وأم سلمة، وأم كلثوم، وغيرهن من العلويات والفاطميات وكلهن من أعقاب وذراري موسى المبرقع(2) .

هذا وقد انتشر أعقاب موسى المبرقع عدا قم في الري وقزوين وهمدان وخراسان وكشمير والهند وسائر البلدان(3) .

وقد تولى بعضهم النقابة والأمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة، فإن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي كان رجلا فاضلا تقيا ورعا للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحا عاقلا، وكان رئيسا ونقيبا في قم، وأميرا للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في

____________________

(1) تاريخ قم ص 215 - 216.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 570.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 571.

٢٣٦

الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة.

وكان ابنه أحمد بن محمد المعروف بالأعرج سيدا جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيسا نقيبا في قم، وكان رجلا متنسكا متعبدا محببا إلى قلوب الناس، سخيا جوادا واسع الجاه، ولد بقم سنة 311 هـ وتوفي في شهر صفر سنة 358 هـ، وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمي.

وكان ابنه أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعيا حقوقهم، وفوضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم(1) .

وخلاصة القول أنهم كانوا أشراف هذه المدينة وأجلاءها في العلم والعمل.

ومنها: مزار أحمد بن قاسم بن أحمد بن علي بن جعفر العريضي، المعروف بـ (شاه أحمد قاسم)، وهو معروف بالشرف والجلالة، وقبره مزار كافة الناس، وكان عليه سقيفة، فلما جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة 295 هـ إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة 371 هـ أن ساكن هذه البقعة رجل فاضل، وفي زيارته ثواب عظيم، فبني قبره بالخشب وجدد، وأصبح يزار، وقال بعض الثقات: كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 571 - 572.

٢٣٧

والمعلولون ويتوسلون به فيجدون الشفاء ببركة روحه الطاهرة(1) .

أقول: أشار إلى ذلك أحد الأساتذة من السادة العلماء الأجلاء، وأرشدني إلى زيارته والتوسل به، وأن حرمه موضع إجابة، وقد توسل به في بعض المهمات فقضيت حاجته.

وحرمه اليوم أحد المعالم البارزة في قم، وقد دفنت في حرمه أخته فاطمة.

وفي جواره دفن كثير من العلماء والمؤمنين، ويزدحم الزوار عند قبره ولا سيما في ليالي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

ومنها: مزارقيل: إن حمزة بن الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام قد دفن فيه(2) .

وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فنقل العلامة القمي عن بعض كتب العلامة المجلسي أن قبر حمزة بن موسىعليه‌السلام يقرب من قبر (السيد) عبد العظيم(3) (الحسني).

وقد تقدم ما نلقناه من رجال النجاشي أن السيد عبد العظيم الحسني كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وذكر غيره أن قبره في إصطخر من شيراز(4) .

وذكر المحدث القمي أن في مدينة قم الطيبة مزار يعرف بـ (شاهزاده حمزة)، ولأهل هذه البلدة اعتقاد تام فيه ويحترمونه

____________________

(1) تاريخ قم ص 225.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 367.

(4) المجدي في أنساب الطالبيين ص 117.

٢٣٨

ويعظمونه، وله قبة وصحن، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أن هذه الشخص هو حمزة بن موسىعليه‌السلام ، كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها، أنه قال: جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (1) .

وإليه ينتهي نسب السلالة الصفوية الذين حكموا إيران أكثر من قرنين من الزمان(2) ، وذكرنا فيما تقدم أن أربعة من سلاطينهم دفنوا بجوار السيدة المعصومةعليها‌السلام .

ومنها: مزار كبير يعرف اليوم بـ (گلزار) قيل: إن علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام مدفون فيه(3) .

وقد اختلف في ذلك أيضا، وقيل: إنه مدفون في العريض من نواحي المدينة، وسكن فيها، وله أولاد كثيرون، وهم العريضيون(4) .

وقال العلامة المجلسي: وأما كونه مدفونا في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة، لكن أثر قبره الشريف موجود قديم وعليه اسمه مكتوب(5) .

وهناك مزارات أخرى في قم تنسب لأولاد الأئمةعليهم‌السلام وأحفادهم من السادة الحسنيين والحسينيين والموسويين والرضويين وغيرهم

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(4) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(5) بحار الأنوار ج 102 ص 273.

٢٣٩

وقد ذكرهم القمي في تاريخه، والعلوي العمري في مجديه(1) ويقصدهم الزائرون ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة، فعسى أن يتهيأ لها من يسد هذا الفراغ.

والخلاصة أن أرواح الطيبين والصلحاء تحيط بقم وأهلها، وتدفع عنها وعنهم عاديات الزمان.

____________________

(1) تاريخ قم ص 205 - 239 والمجدي في أنساب الطالبيين ص 128 و 220 و 313.

٢٤٠