الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)0%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف: محمّد علي المعلّم
تصنيف:

الصفحات: 254
المشاهدات: 32452
تحميل: 3919

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32452 / تحميل: 3919
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

البيتعليهم‌السلام وشيعتهم أعنف الرزايا وأكثرها محنة وصعوبة، فسفكت دماؤهم وانتهكت حرماتهم وهدرت كرامتهم، بما لا مجال لوصفه وبيانه.

وقد ذكر المؤرخون أن في عهد موسى الهادي حدثت واقعة فخ التي ضارعت حادثة الطف في كيفيتها وأسماء أشخاصها، وبعض آثارها، وما جرى فيها.

وأما عهد الرشيد فكان أسوء عهد مر على العلويين والشيعة، فقد قابلهم منذ بداية حكمه بكل قسوة وجفاء، وصب عليهم جام غضبه، وأقسم على استئصالهم وقتلهم، فقال: والله لأقتلنهم - أي العلويين - ولأقتلن شيعتهم(1) .

وأمعن الرشيد في التنكيل بالعلويين وشيعتهم، وذكرت المصادر أنه كان يتتبعهم بشتى الوسائل، ويحتال لقتلهم بمختلف الطرق، وكان يرى أن بقاء ملكه وسلطانه لا يستقر إلا بإبادتهم.

لقد كان الرشيد شديد الوطأة على عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا على علم بمقته وبغضه لهم، فحينما علموا بخلافته هاموا على وجوههم في القرى والأرياف متنكرين لئلا يعرفهم أحد، قد أحاط بهم الرعب والفزع، واستولى عليهم الخوف والإرهاب، وكان في طليعة من لقي العناء من أهل البيتعليهم‌السلام الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقد فرض الرشيد عليه رقابة صارمة، ترصد عليه تحركاته وسكناته، حتى ثقل عليه وضاق

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 2 ص 74.

٢١

به ذرعا، فغيبه في سجون البصرة وبغداد، ينقل من سجن إلى آخر، وكان آخرها سجن السندي بن شاهك حيث قضى الإمامعليه‌السلام مسموما(1) .

وقد تمخض عن ذلك تفرق سلالة الإمام الكاظمعليه‌السلام وانتشارهم في مختلف البقاع، ولم يكن هذا الأمر خاصا بأولاد الإمامعليه‌السلام ، بل كان عاما لجميع العلويين وشيعتهم، نعم كان أبناؤهعليه‌السلام من أكثرهم محنة وأشدهم ابتلاء.

وكان من آثار ذلك أن ذهب بعضهم في طي النسيان، فلم يعرف له عقب أو مكان، إذ كان بعضهم يخفي نسبه خشية أن يفاجأ بما يودي بحياته، كما كان من نتائج ذلك أيضا بروز ظاهرة التقية التي فرضت على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم فرضا لم يجدوا مناصا عنها، طلبا للنجاة، وبحثا عن الأمن والأمان.

وقد انعكست مسألة التقية على جميع مظاهر سلوكهم في عباداتهم ومعاملاتهم، ونشأ من ذلك ما يمكن أن يعبر عنه بالفقه الوقائي الذي يعنى بهذه الحالة عند تحقق موضوعها كما بينها الفقهاء، واستندوا في ذلك إلى ما رسمه الأئمةعليهم‌السلام الذين عانوا من تلك الظروف القاسية التي مرت بهم مستثنين منها بعض الموارد حيث تكون المواجهة هي الحل، وقد حددها الفقهاء وضبطوها في دراساتهم الفقهية.

على أن موضوع التقية لا ينحصر بالشيعة الإمامية وحدهم، بل هو أمر

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 2 ص 485 - 520.

٢٢

يعود إلى تأمين الحماية والوقاية من الوقوع في الخطر الذي يتهدد الحياة.

وبعبارة أخرى: إن مسألة التقية قضية فطرية تستوجب درء المخاوف عن النفس، وفق ضوابط محددة مدروسة، مع الاحتفاظ بالثوابت وصيانتها، وليست هي انسلاخا عن المبدأ وإلغاء للمعتقد، وهي عملية موقتة تعالج ظرفا طارئا ليعود الإنسان بعدها إلى طبيعته الأولى التي كان عليها في سلوكه(1) .

ومن خلال ذلك يمكننا أن ندرك أن ما يقوم به خصوم الشيعة من الحملات والتشنيع عليهم في أمر التقية ما هو إلا استغلال لظروف الشيعة الصعبة والتشهير بمحنتهم، وإلا فلو أن هؤلاء عانوا بعض ما عاناه الشيعة لحملوا لواء التقية عاليا، وما يدرينا لعلهم يتقون في بعض أعمالهم من حيث لا نشعر بأنهم يتقون.

السيدة تكتم:

عرفنا مما مر أن الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام - والد السيدة المعصومة - هو أحد الأئمة المعصومين من أهل البيتعليهم‌السلام وإليه تنتمي السلالة الموسوية، ولا بد لنا من التعرف على أم السيدة المعصومة لنتمكن من الخروج بصورة واضحة عن الجو الذي عاشت فيه هذه السيدة الجليلة، والبيت الذي تلقت فيه تربيتها فإن للأب والأم

____________________

(1) عالج سماحة الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري دام ظله مسألة التقية بجميع أبعادها على ضوء المعطيات الشرعية والضوابط العقلية في دراسة مستوعبة ناضجة لم يسبق لها نظير في محاضراته الفقهية العليا فخرجت في ثلاثة أجزاء تحت عنوان « التقية في فقه أهل البيتعليهم‌السلام » بقلم المؤلف.

٢٣

دورهما الكبير الفعال في سلوك الوليد ونشأته وانعكاس أخلاق الأبوين عليه.

وقد ذكر المؤرخون وعلماء الأنساب أن أم السيدة المعصومة هي تكتم، وتسمى نجمة، وأروى، وسمانة، وأم البنين، وخيزران، وصقر، وشقراء، والطاهرة، ولنا حديث حول تعدد الأسماء سيأتي.

وهي وإن كانت جارية أم ولد إلا أن لها من الفضل والجلال والعفة والعبادة ما فاقت به نساء زمانها فكانت بذلك قرينة لإمام معصوم، وأما لإمام معصوم، وسنشير إلى بعض خصائصها ومميزاتها فيما سيأتي.

أمهات أكثر الأئمةعليهم‌السلام من الجواري... لماذا؟!

والذي نريد أن نتناوله بالبحث هنا ظاهرة الجواري وأمهات الأولاد، فإن مما يدعو إلى الالتفات ويثير التساؤل هو أن أكثر أمهات الأئمة جوار من غير العرب، فأم كل من السجاد والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجةعليهم‌السلام أمهات أولاد، وقعن في الأسر، واقترن بهن الأئمةعليهم‌السلام ، مع أنه لا يغيب عن بالنا ما يجري في سوق العبيد والجواري، مضافا إلى أن مسألة الإمامة ليست من المسائل العادية، فإنها تستوجب الحيطة والحذر في كل ما يرتبط بولادة الإمام المعصوم وتربيته ونشأته، وكما أن الأب ينبغي أن يكون في أعلى درجات الكمال الممكن، فكذلك الأم وعلى ذلك قامت

٢٤

الأدلة.

وهذا البحث جدير بالعناية والدراسة، وإنما نذكره هنا لصلته القوية بما نحن فيه، وذلك لما أشرنا إليه من أن السيدة المعصومة شقيقة الإمام الرضاعليه‌السلام فأمهما واحدة وهي السيدة تكتم.

والسؤال الذي يواجهنا هو ما هو السر في اختيار الأئمةعليهم‌السلام للجواري من دون الحرائر العربيات من البيوتات الرفيعة ذات المنزلة الاجتماعية؟ ولماذا يقترن الأئمةعليهم‌السلام بالجواري ليلدن لهم أفضل الأولاد والبنات؟

وللإجابة عن ذلك لا بد أن نسلط الأضواء على بعض المفاهيم العامة والركائز الأساسية ذات الصلة بما نحن فيه لنخرج من خلالها بما يرفع الغموض والإبهام عن هذه المسألة.

والذي يظهر من خلال دراسة بعض المفاهيم العامة والقواعد الأساسية أن وراء اختيار الأئمةعليهم‌السلام الجواري أسبابا أهمها ثلاثة.

الأول: إن مما لا شك فيه أن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام - كما نعتقد وعليه قامت الأدلة - قد أوتوا العلم بحقائق الأمور والأشياء ومعرفة مداخلها ومخارجها، ومنها العلم بأحوال الناس وخصوصياتهم، وقد ورثوا ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أطلعهم الله تعالى عليه لنفوذ بصائرهم، وصفاء نفوسهم وطهارة ذواتهم، ولما كان الأمر يتعلق بالإمامة ومنصب الولاية فلا بد من اختيار الوعاء الطاهر، والأصل الزاكي، والحجر العفيف الذي

٢٥

سيكون حاملا وحاضنا لولي الله، وخليفته على العباد، والحجة على الخلق، ويعد ذلك من المسلمات البديهية في عقيدة الشيعة الإمامية، وإنما وقع اختيار الأئمةعليهم‌السلام على هؤلاء الجواري من دون سائر النساء لعلمهمعليهم‌السلام بأنهن قد جمعن شرائط الاقتران بالمعصومعليه‌السلام وصلاحيتهن للأمومة التي ستنجب الإمام المعصوم إذ كما يشترط أن يكون الآباء طاهرين مطهرين فكذلك الحال بالنسبة للأمهات.

وغني عن البيان مدى تأثير الأم على ولدها، فإن لعامل الوراثة مدخلا كبيرا في التكوين الخلقي المنعكس على الولد من قبل أبويه، كما نصت عليه روايات أهل البيتعليهم‌السلام وأيدته البحوث العلمية التي عنيت بهذا الجانب في حياة الإنسان.

ومما يؤيد هذا الوجه أن الإمامعليه‌السلام قد يختار واحدة بعينها من دون سائر الجواري اللاتي عرضن للبيع، وقد تكون غير صالحة - بحسب المعايير المادية - للبيع والشراء إلا أن الإمامعليه‌السلام لا يختار غيرها، بل تذكر المصادر أن هذه الجارية - مثلا - قد تمتنع عن الاستسلام لأي مشتر يتقدم لشرائها حتى يكون الذي يشتريها هو الإمامعليه‌السلام ، مع أنها في ظروف لا تملك من أمرها شيئا، الأمر الذي يؤكد على أن هناك تخطيطا إلهيا متقنا لأن تكون هذه المرأة قرينة للإمامعليه‌السلام وقد أعدها الله تعالى لتصبح أما للمعصومعليه‌السلام .

روى الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: قال أبو الحسن

٢٦

الأولعليه‌السلام : هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقالعليه‌السلام :

بلى، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسنعليه‌السلام : لا حاجة لي فيها، ثم قال له: اعرض علينا، قال: ما عندي شئ، فقال له: بلى اعرض علينا، قال: لا والله، ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها، فأبى عليه، ثم انصرفعليه‌السلام ، ثم أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا، فقلت: قد أخذتها، وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟

فقلت: رجل من بني هاشم، فقال: من أي بني هاشم؟ فقلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر منه، فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال:

أخبرك عن هذه الوصيفة، إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت:

اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها، قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له علياعليه‌السلام (1) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 17 - 18.

٢٧

ونقل المحدث القمي أنهعليه‌السلام لما ابتاعها (أي تكتم) جمع قوما من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله...(1) .

على أن المرأة التي يقع اختيار الإمامعليه‌السلام عليها لم تكن من عامة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مكانة في قومها، غير أنها وقعت في الأسر وجرها ذلك إلى سوق النخاسين.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن بحير بن سهل الشيباني أنه قال: قال بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى: أتاني كافور الخادم. فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه، فأتيته، فلما جلست بين يديه قال لي: يا بشر إنك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا.

فقال: خذها، وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها، ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس، وشرذمة من

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 406.

٢٨

فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين، تمتنع من العرض ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين: علي ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فاشفق على مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة؟! ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس، وقل له: إن معك كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه، ووقاره، ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسنعليه‌السلام في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة والمغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه

٢٩

مولايعليه‌السلام من الدنانير فاستوفاه، وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاناعليه‌السلام من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدها وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجبا منها: تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟! فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين، تنسب إلى وصي المسيح شمعون أنبئك العجب....(1) .

إلى غير ذلك من القضايا التي دلت على أن الأمر لم يكن بصورة عفوية، أو من القضايا الاتفاقية، بل كانت على وفق تخطيط إلهي محكم، وإن كانت لا تخرج عن ظاهرة الخضوع للأسباب المتعارفة، والتي كانت يبدو فيها أن الأمر طبيعي جدا.

أقول: لا يبعد أن يكون هذا أحد الأسباب التي دعت إلى أن تكون أمهات بعض الأئمةعليهم‌السلام من الجواري.

وحيث أن أم الإمام الرضاعليه‌السلام كانت إحدى الجواري، وإنما وقع اختيار الإمام الكاظمعليه‌السلام عليها لأنها كانت ذات شرف ومكانة وطهر وعفاف، ولما كانت السيدة فاطمة شقيقة الإمام الرضاعليه‌السلام حيث يتحدان في الأب والأم يتبين أن أمها لم تكن امرأة عادية من سائر

____________________

(1) كتاب الغيبة ص 208 - 210.

٣٠

النساء، بل كانت جليلة القدر عظيمة الشأن ذات منزلة رفيعة كما سيأتي بيان ذلك في محله من هذه الصفحات.

الثاني: إن من أعظم الركائز التي قام عليها الدين هو إلغاء الفوارق الطبقية بين أبنائه والمنتسبين إليه، وقد أكد القرآن الكريم في آياته، والرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته على ذلك، وكانت النظرة إلى جميع الناس على أساس من التساوي ونبذ الفوارق العرقية والنسبية، وأن المعيار في التفاضل بين الناس هو مقدار ما يتحلى به الإنسان من الإيمان والتقوى ومكتسباته الشخصية:( إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) « ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى »(2) وليس للعنصر العربي فضل على سواه، وليس لسواه فضل عليه، وليس ثمة ما يميز أحدهما على الآخر إلا مقدار قربه من الله تعالى، أو بعده عنه، ولذا رفع الإسلام من شأن سلمان الفارسي الأصل حتى غدا ينسب إلى أهل بيت العصمة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (سلمان منا أهل البيت)(3) ، ووضع الإسلام أبا لهب العربي الأصل والقرشي النسب، وهو عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى غدا من أشد الناس عداوة لله ولرسوله، ونزل فيه قرآن يتلى:

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿1﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿2﴾ سَيَصْلَىٰ نَارً‌ا ذَاتَ لَهَبٍ ) (4) .

وقد اتخذ هذا المنهج القويم صورا وأشكالا مختلفة، لتثبيت هذه

____________________

(1) سورة الحجرات الآية 13.

(2) مجمع البيان ج 9 ص 138.

(3) بحار الأنوار ج 22 ص 326.

(4) سورة المسد الآية 1 - 4.

٣١

القاعدة، حتى تكون هي المنطلق والأساس في تقييم الأشخاص، وسعى سعيا حثيثا بالقول تارة، وبالفعل أخرى، لبيان أن الإنسان لا يقعد به نسبه، ولا يعيقه عنصره، أو صنفه، عن تسنم أرفع الدرجات، إذا كانت على وفق ما يريد الله ورسوله:( أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) (1) .

ولم يكن الأمر يقتصر على القضايا الرئيسية ذات الأهمية القصوى، بل كانت تشمل الشؤون الجانبية الأخرى، فما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يفاضل بين أحد من المسلمين في العطاء - مثلا -، وكان يرى أن المال مال الله والناس عباد الله، وهكذا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي أتخذ هذه السيرة النبوية منهاجا له، يقتفي خطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تطبيقها على المسلمين معتبرا نفسه واحدا منهم، وأنهم جميعا أخوة في الدين، حتى أصبح هذا المبدأ أحد الأسس التي مهدت السبيل أمام كثير من الناس للالتحاق بهذا الدين والسير في ركابه.

ولو أن هذا المبدأ أخذ مجراه كما أراد الله تعالى ورسوله، وسعى أمير المؤمنينعليه‌السلام لتطبيقه، لما احتجنا إلى حروب الفتوحات التي يعتبرها البعض إحدى إنجازات الإسلام الكبرى.

وما يدرينا فلعل ما يحيق بالمسلمين من خصومهم من الكيد والعدوان إنما هو عمل انتقامي واقتصاص مما جرى في سالف الزمان

____________________

(1) سورة آل عمران الآية 195.

٣٢

من حروب الفتوحات إذ تركت حقدا دفينا تتوارثه الأجيال، حتى إذا أمكنتهم الفرصة للانتقام شنوا حروبا لا هوادة فيها على الدين والأخلاق وبأساليب مختلفة.

على أن هؤلاء القائمين على هذه الفتوحات لم يكونوا إلا ذوي أطماع في الدنيا وتهالك عليها، ولم يكن لهم نصيب من الإسلام.

والذي يؤيد ذلك: ما رواه ابن كثير في تفسيره - عند قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ‌ ) (1) - بسنده عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس، قالت:

بينما نحن بمكة قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الليل فنادى: هل بلغت، اللهم هل بلغت، ثلاثا، فقام عمر بن الخطاب فقال: نعم، ثم أصبح، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤنه، ثم يقولون قرأنا وعلمنا، فمن هذا الذي هو خير منا، فهل في أولئك من خير؟ (وفي رواية أخرى) فما في أولئك من خير، قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم، وهم وقود النار(2) .

أقول: كان هذا المبدأ أحد الركائز التي فتحت الباب على مصراعيه للدخول في دين الله، ولكن سياسة القائمين على الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي التي أوصدت الباب، وأحكمت إغلاقه، حيث رأت غير هذا.

____________________

(1) سورة آل عمران الآية 10.

(2) تفسر القرآن العظيم ج 1 ص 357.

٣٣

وأول من أحدث الطبقية بين المسلمين وأوجد الفوارق وأحيى النعرات الجاهلية بينهم فميز العرب على غيرهم، والقرشيين على سائر القبائل، والمهاجرين على الأنصار، والأحرار على الموالي، وفرق بين المسلمين هو عمر بن الخطاب(1) .

وقد كانت هذه النزعة إحدى الفلتات التي كانت تظهر عليه في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولما آل الأمر إليه اتخذها سياسة أجراها على الناس.

روى الكليني بسنده عن حنان، قال: سمعت أبي يروي عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر ابن الخطاب: أخبرني من أنت؟ ومن أبوك؟ وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا نسبي، وهذا حسبي، قال: فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلمانرضي‌الله‌عنه يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت؟ وما أصلك؟ وما حسبك؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت عائلا فأغناني الله

____________________

(1) الإمام الحسينعليه‌السلام ص 232 - 233.

٣٤

عز ذكره بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا نسبي، وهذا حسبي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال الله عز وجل:( إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ‌ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ‌فُوا إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسلمان:

ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل، وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل(2) .

وكانت هذه السياسة منه طامة كبرى حرفت مسار الإسلام عن طريقه المستقيم، ولو أعطينا التأمل حقه في هذا الأمر لرأينا أن ما أحدثه عمر من التمايز والتفاضل بين المسلمين على أساس من اعتبارات محضة، لا واقع لها أو بإزائها، قد أوجد ثغرة كبيرة، وأحدثت ردة فعل عنيفة راح ضحيتها كثير من المبادئ المشرقة، بل إن ذلك أوجد الخلاف والشقاق بين المسلمين أنفسهم، وما تمرد المتمردين على أمير المؤمنينعليه‌السلام إلا نتيجة طبيعية لهذه السياسة التي أسسها عمر بن الخطاب، وذلك لأن علياعليه‌السلام أراد أن يرجع بالناس إلى سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأباها أكثرهم، وكان الخلاف والشقاق إذ اعترضوا على أمير المؤمنينعليه‌السلام لمساواته بينهم وبين عبيدهم، وهم يرون أن لهم شأنا، ذلك الشأن الذي غرسه عمر في أنفسهم، ووافق هوى في

____________________

(1) سورة الحجرات الآية 13.

(2) الروضة من الكافي - الحديث 203 ص 181 - 182.

٣٥

قلوبهم، فصدقوا، وقد حليت الدنيا في أعينهم فأبوا الحق بل حاربوه.

ولذا فليس من البعيد القول بأن قتل عمر إنما هو نتيجة لسياسته التي انتهجها وطبقها على الناس من تفضيل العرب على غيرهم، فكان الساعي لحتفه بظلفه، وإن كانت المسألة في واقعها أبعد من ذلك.

ولقد استشرت هذه السياسة العمرية، ولا سيما في العصر الأموي وما تلاه من العصور، لأنها وافقت هوى بني أمية الذين تباهوا بأصولهم العربية حتى بلغ الأمر أن ألغي الإسلام، وكانت الجزية تؤخذ ممن أسلم بحجة أنه إنما أسلم هربا من دفع الجزية، فانطمست قيم الدين من نفوس الناس، ولم يبق من الإسلام إلا شكل لا يحمل محتوى، وأصبح هم القائمين على الأمر فرض سيطرتهم وسياستهم على الناس في معزل عن الدين، وأصبح الكتاب والشعراء بعد ذلك يتغنون بهذه الأمجاد الزائفة حيث يتشدقون بأن الإسلام قد ضرب بأطنابه في أقصى الشرق وأقصى الغرب وما علموا أو علموا وتغافلوا أن هذا الإسلام الذي يتحدثون عنه إنما هو قشور خالية من اللباب(1) ، ولذا تلاشى ذلك الإسلام عند أول وثبة من بعض أهل تلك المناطق، فعادت البلدان إلى كفرها بعد أن كانت بحسب الظاهر في عداد البلاد الإسلامية وأهلها في عداد المسلمين.

إذن كانت هذه السياسة خطيرة إلى حد كبير، وقد تربت عليها

____________________

(1) الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب ص 59 - 67.

٣٦

النفوس، وأصبح الذين يرون أنفسهم من سادة القوم أن الاقتران بالجواري عار لا يليق بالأشراف.

ويدل على ذلك ما ورد من معاتبة عبد الملك بن مروان للإمام زين العابدينعليه‌السلام ، واعتراضه عليه حين تزوج بإحدى الجواري، فقد روى الكليني بسنده عن يزيد بن حاتم، قال: كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها، وإن علي بن الحسينعليهما‌السلام أعتق جارية ثم تزوجها، فكتب العين إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام : أما بعد، فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنه كان في أكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت، ولا على ولدك أبقيت، والسلام.

فكتب إليه علي بن الحسينعليهما‌السلام أما بعد، فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، وتزعم أنه كان في نساء قريش من أتمجد به في الصهر، واستنجبه في الولد، وأنه ليس فوق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتقى في مجد ولا مستزاد في كرم، وإنما كانت ملك يميني خرجت متى أراد الله عز وجل مني بأمر التمس به ثوابه، ثم ارتجعتها على سنة، ومن كان زكيا في دين الله فليس يخل به شئ من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمم به النقيصة، وأذهب به اللؤم فلا لؤم على امرء مسلم، وإنما اللؤم لؤم الجاهلية، والسلام.

٣٧

فلما قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان، فقرأه فقال: يا أمير المؤمنين لشد ما فخر عليك علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال: يا بني لا تقل ذلك، فإنه ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إن علي ابن الحسينعليهما‌السلام يا بني يرتفع من حيث يتضع الناس(1) .

وعرض بعض المحققين صورا من هذه السياسة الهوجاء التي اتبعها الحكام في احتقار كل من هو غير عربي فقال: لقد أمر الحجاج أن لا يؤم في الكوفة إلا عربي...، وقال لرجل من أهل الكوفة: لا يصلح للقضاء إلا عربي. كما طرد غير العرب من البصرة والبلاد المجاورة لها، واجتمعوا يندبون: وا محمدا و أحمدا، ولا يعرفون أين يذهبون، ولا عجب أن ترى أهل البصرة يلحقون بهم ويشتركون معهم في نعي ما نزل بهم من حيف وظلم.

بل لقد قالوا: لا يقطع الصلاة إلا حمار، أو كلب، أو مولى.

وقد أراد معاوية أن يقتل شطرا من الموالي عندما رآهم كثروا، فنهاه الأحنف عن ذلك.

وتزوج رجل من الموالي بنتا من أعراب بني سليم، فركب محمد ابن بشير الخارجي إلى المدينة، وواليها يومئذ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، فشكى إليه ذلك، فأرسل الوالي إلى المولى، ففرق بينه وبين زوجته، وضربه ماءتي سوط، وحلق رأسه وحاجبه ولحيته، فقال

____________________

(1) الفروع من الكافي ج 5 - كتاب النكاح - باب آخر منه الحديث 4 ص 344.

٣٨

محمد بن بشير في جملة أبيات له:

قضيت بسنة وحكمت عدلا

ولم ترث الخلافة من بعيد

ولم تفشل ثورة المختار إلا لأنه استعان فيها بغير العرب، فتفرق العرب عنه لذلك.

ويقول أبو الفرج الأصفهاني:... كان العرب إلى أن جاءت الدولة العباسية إذا جاء العربي من السوق ومعه شئ ورأى مولى دفعه إليه فلا يمتنع.

بل كان لا يلي الخلافة أحد من أبناء المولدين الذين ولدوا من أمهات أعجميات.

وأخيرا فإن البعض يقول: إن قتل الحسين كان الكبيرة التي هونت على الأمويين أن يقاوموا اندفاع الإيرانيين إلى الدخول في الإسلام(1) .

ونقل المرحوم السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام عن أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام قوله: الحق أن الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا يسوى فيه بين الناس، ويكافئ المحسن عربيا كان أو مولى ويعاقب المجرم عربيا كان أو مولى، وإنما الحكم فيه عربي، والحكام خدمة للعرب، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية(2) .

ولما كان أهل البيتعليهم‌السلام هم أئمة الدين، أرادوا إظهار فساد هذه

____________________

(1) الحياة السياسية للإمام الرضاعليه‌السلام ص 26 - 27.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام هامش ص 27.

٣٩

السياسة بإجراء عملي، وبدأوا بأنفسهم، وهم وإن لم يعطوا الفرصة ليمارسوا دورهم في تطبيق تعاليم الدين إلا أنهم لا يتخلون عن أداء وظيفتهم مهما أمكن، لذلك اختاروا أمهات الأولاد الجواري - مع ملاحظة سائر الشرائط - ليثبتوا أن لا فرق بين أحد من الناس، وأن ما وضع من الامتيازات لبعض دون بعض لم تكن بحسب المقاييس الإلهية، وإذا كانت الظروف قد قهرت بعض أولئك النسوة فأصبحن يبعن في أسواق الرقيق فلا يعني ذلك أنهن خاليات من الشرف والفضيلة، بل قد يكون العكس صحيحا، فرب جارية أحاطتها العناية الإلهية لتكون قرينة للعصمة وأما للمعصوم، وهذا ما حدث بالنسبة إلى أمهات بعض الأئمةعليهم‌السلام .

ولا يقاس بعد ذلك فضل هذه الجواري والإماء اللاتي أصبحن أوعية لحمل الإمامة بأي امرأة أخرى ممن لم تحظ بهذا الشرف العظيم وإن كانت من أرقى البيوتات العربية بحسب الظاهر.

الثالث: إن مما لا شك فيه أن رسالة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي الخاتمة الناسخة لجميع الرسالات السابقة وهي الشاملة لكافة البشر، فلا دين بعد دين الإسلام،( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) (1) ولا نبي بعد النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وذلك من البديهيات المسلمة التي لا مجال للنزاع فيها، وأيدت ذلك الأدلة والبراهين.

____________________

(1) سورة آل عمران الآية 19.

٤٠