موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٢

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357

موسوعة عبد الله بن عبّاس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357
المشاهدات: 56013
تحميل: 3032


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56013 / تحميل: 3032
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 964-319-502-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يُكلم أبا ذر ، فقال له مروان : إيها يا حسن ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك ، فحمل عليّعليه‌السلام على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال : تنحّ نحّاك الله إلى النار.

فرجع مروان مغضباً إلى عثمان فأخبره الخبر ، فتلظـّى على عليّعليه‌السلام ووقف أبو ذر فودّعه القوم ومعه ذكوان مولى أم هاني بنت أبي طالب قال ذكوان : فحفظت كلام القوم وكان حافظاً.

فقال عليّعليه‌السلام : يا أبا ذر إنّك غضبت لله ، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينهم ، فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا ، والله لو كانت السموات والأرض على عبد رَتقاً ثمّ اتقى الله لجعل له منها مخرجاً ، يا أبا ذر لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ولا يوحشنّك إلاّ الباطل.

ثمّ قال لأصحابه : ودّعوا عمّكم وقال لعقيل : ودّع أخاك ، فتكلم عقيل فقال : ما عسى ما نقول يا أبا ذر وأنت تعلم أنا نحبّك وأنت تحبّنا فاتق الله ، فإنّ التقوى نجاة ، واصبر فإنّ الصبر كرم ، واعلم انّ استثقالك الصبر من الجزع ، واستبطاءك العافية من اليأس ، فدع اليأس والجزع.

ثمّ تكلم الحسنعليه‌السلام فقال : يا عمّاه لولا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف وقد أتى من القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها ، وشدة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنك راضِ.

ثمّ تكلم الحسينعليه‌السلام فقال : يا عماه إن الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، الله كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم ، فاسأل الله الصبر والنصر ، واستعذ به من

٢٠١

الجشع والجزع ، فإن الصبر من الدين والكرم ، وإن الجشع لا يُقدّم رزقاً ، والجزع لا يؤخر أجلاً.

ثمّ تكلم عمّار ـ مغضباً ـ فقال : لا آنس الله من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما والله لو أردت دنياهم لأمّنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا والجزع من الموت ، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم القوم دنياهم ، فخسروا الدنيا والآخرة. ألا ذلك هو الخسران المبين.

فبكى أبو ذررحمه‌الله ـ وكان شيخاً كبيراً ـ وقال : رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين(1) فأفسد الناس عليهما فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله ما أريد إلاّ الله صاحباً ، وما أخشى مع الله وحشة.

ورجع القوم إلى المدينة ، فجاء عليّ إلى عثمان ، فقال له ما حملك على ردّ رسولي وتصغير أمري؟

فقال عليّعليه‌السلام أمّا رسولك فأراد أن يردّ وجهي فرددته ، وأمّا أمرك فلم أصغـّره.

قال : أما بُلـّغت نهيي عن كلام أبي ذر؟ قال : أو كلـّما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه؟

__________________

(1) يريد بهما الكوفة والبصرة ، فقد كان واليه على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخاً عثمان لأمه ، وعلى البصرة عبد الله بن عامر وهو ابن خاله.

٢٠٢

قال عثمان : أقد مروان من نفسك ، قال : ممّ ذا؟ قال : من شتمه وجذب راحلته. قال : أمّا راحلته فراحلتي بها ، وأمّا شتمه إياي فوالله لا يشتمني شتمة إلاّ شتمتك مثلها ، لا أكذب عليك ، فغضب عثمان وقال : لم لا يشتمك كأنك خير منه؟ قال عليّ : إي والله ومنك ، ثمّ قام فخرج »(1) .

3 ـ قال الواقدي : ثمّ إنّ عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر ويكلـّموه ، فمكث كذلك أياماً ، ثمّ اتي به فوقف بين يديه. فقال أبو ذر : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأيت أبا بكر وعمر ، هل هديك كهديهم؟ أما إنّك لتبطش بي بطش جبّار ، فقال عثمان : أخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر : ما أبغض إليَّ جوارك فإلى أين أخرج؟ قال : حيث شئت ، قال : أخرج إلى الشام أرض الجهاد ، قال : إنّما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها أفاردّك إليها؟ أفأخرج إلى العراق؟ قال : لا ، إنّك إن تخرج إليها تقدم على قوم أولى شقة وطعن على الأئمّة والولاة. قال : أفأخرج إلى مصر؟ قال : لا. قال : فإلى أين أخرج؟ قال : إلى البادية قال أبو ذر : أصير بعد الهجرة أعرابياً؟ قال : نعم. قال أبو ذر فأخرج إلى بادية نجد؟ قال عثمان : بل إلى الشرق الأبعد أقصى فأقصى ، امض على وجهك هذا فلا تعدونّ الربذة ، فخرج إليها(2) .

فلمّا طلع عن المدينة ومروان يسيّره ، إذ طلع عليه ابن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ومعه إبناه وعقيل أخوه وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر فاعترض مروان فقال : يا عليّ إنّ أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر في مسيره ويشيّعوه ، فان كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك ، فحمل عليه عليّ بن أبي طالب بالسوط بين

__________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 375 ط مصر الأولى.

(2) نفس المصدر 2 / 377.

٢٠٣

أذني راحلته وقال : تنحّ نحّاك الله إلى النار ، ومضى مع أبي ذر فشيّعه ثمّ ودّعه وانصرف فلمّا أراد الانصراف بكى أبو ذر وقال : رحمكم الله أهل البيت إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن كلام لهعليه‌السلام لأبي ذررحمه‌الله لمّا أخرج إلى الربذة : « يا أبا ذر إنّك غضبت لله فارج من غضبت له ، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب منهم بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك وستعلم من الرابح غداً ، والأكثر حسداً ، ولو أن السموات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثمّ اتقى الله لجعل الله منهما مخرجاً ، لا يؤنسك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل ، فلو قبلتَ دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضتَ منها لأمّنوك »(1) . وإلى تمام الحديث في النهاية المروعة.

وفي نهاية المطاف كانت مأساة وفاته بالربذة ، وحديثها فيما رواه ابن سعد في طبقاته بسنده قال : « لمّا نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه فيها قدره ، ولم يكن معه أحدٌ إلاّ إمرأته وغلامه ، فأوصاهما أن أغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمرّ بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعينونا على دفنه فلمّا مات فعلا ذلك به ، ثمّ وضعاه على قارعة الطريق ، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عُمّاراً فلم يرعهم إلاّ بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها ، فقام إليه الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعينونا على دفنه ، فاستهل عبد الله يبكي ويقول : صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ، ثمّ نزل هو وأصحابه فواروه ،

__________________

(1) نفس المصدر / 374.

٢٠٤

ثمّ حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسيره إلى تبوك »(1) .

4 ـ وروى البلاذري : « انّه لمّا بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال : رحمه الله ، فقال عمّار بن ياسر : نعم فرحمه الله من كلّ أنفسنا ، فقال عثمان : يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدُفع في قفاه ، وقال : إلحق بمكانه ، فلمّا تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى عليّ فسألوه أن يكلم عثمان فيه ، فقال له عليّ : يا عثمان أتق الله فإنك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره وجرى بينهما كلام (؟) حتى قال عثمان أنت أحق بالنفي منه ، فقال عليّ : رُم ذلك إن شئت.

واجتمع المهاجرون فقالوا : إن كنت كلما كلمك رجل سيّرته ونفيته ، فإنّ هذا شيء لا يسوغ ، فكفّ عن عمّار »(2) .

3ـ عمّار بن ياسر :

(مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه)(3) كما في حديث ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقال فيه أيضاً : (إنّ عماراً مع الحقّ والحقّ معه يدور عمّار مع الحقّ أينما دار وقاتل عمّار في النار)(4) .

وروى البلاذري من حديث أبي مخنف بإسناده قال : كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلـّى به بعض أهله ، فأظهر

__________________

(1) طبقات ابن سعد 4ق1 / 173.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 544 تح ـ إحسان عباس بيروت.

(3) أنظر تفسير الزمخشري والرازي والخازن والبيضاوي والآلوسي في تفسير قوله تعالى :( إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) .

(4) طبقات ابن سعد 3 / 187.

٢٠٥

الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه ، فخطب فقال : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام.

وفي رواية البلاذري عن الزهري قال : هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت ، فأرغم الله أنف من رغم. فقال عليّ ـ كما في حديث أبي مخنف السابق ـ إذاً تـُمنع من ذلك ويُحال بينك وبينه.

وقال عمّار بن ياسر : أشهد الله أن أنفي أوّل راغم من ذلك.

فقال عثمان : أعليَّ يا بن المتكاءِ(1) تجترئ؟ خذوه ، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ثمّ أخرج فحمل حتى أتى به منزل أم سلمة زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضأ وصلـّى وقال : الحمد لله ليس هذا أوّل يوم أوذينا فيه في الله.

وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي. وكان عمّار حليفاً لبني مخزوم. فقال : يا عثمان أمّا عليّ فاتقيتـّه وبني أبيه. وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف ، أمّا والله لئن مات لأقتلنّ به رجلاً من بني أمية عظيم السرّة. فقال عثمان : وإنّك لههنا يا بن القسرية ، قال : فإنهما قسريتان ـ وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة ـ فشتمه عثمان وأمر به فأخرج ، فأتى أم سلمة وإذا هي غضبت لعمّار.

__________________

(1) المتكاء. البظراء فحش لا ينبغي لمثل عثمان في سنّه وشأنه أن يقوله ، ولكن يبدو أنّه كان يستمرئ الفحش فقد مرّ قوله لعمار أيضاً يا عاض أير أبيه. وهذا يأبى التصديق بما يصفه به علماء التفخيم ورواة المناقب بأنه كان حيياً فأين الحياء من قائل هذا الفحش؟ ولقد أنكر الزهري حديث تستحي منه الملائكة فقد روى عبد الرزاق في المصنف 11 / 233 حديث عائشة ودخول أبي بكر وعمر وعثمان متعاقبين وهي مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرط واحد وانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصلح عليه ثيابه وجلس لمّا دخل عليه عثمان فسألته عن ذلك فقال أن عثمان رجل حيي قال الزهري : وليس كما يقول الكذابون : ألا استحيي من رجل تستحي منه الملائكة.

٢٠٦

وبلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.

وفي رواية أبي هلال العسكري في كتابه الأوائل انّها قالت له : « إنّك بريء من صاحب هذه الحجرات. فقال عثمان : من لي بهذه الحميراء ، انّها لمن شر بيت من قريش »(1) .

وقال عمرو بن العاص ـ كما في حديث الزهري ـ : « هذا منبر نبيّكم وهذه ثيابه وهذا شعره لم يبل فيكم وقد بدلتم وغيرّتم فغضب عثمان غضباً شديداً حتى مادرى ما يقول ، فارتجّ المسجد وقال الناس سبحان الله سبحان الله ».

واغتنمها عمرو بن العاص وقد كان عثمان قال لعمرو قبل ذلك وقد عزله عن مصر : إنّ اللقاح بمصر قد درّت بعدك أبدانها ، فقال : لأنكم أعجفتم أولادها فقال له عثمان : قملت جبتك مذ عُزلت عن مصر ، فقال : يا عثمان إنّك قد ركبت بالناس نهابير وركبوها بك فإمّا أن تعدل وإمّا أن تعتزل ، فقال : يا بن النابغة وأنت أيضاً تتكلم بهذا لأنّي عزلتك عن مصر وتوعدّه.

قال أبو مخنف في حديثه : وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من مخزوم إلى أم سلمة وغضبُها لعمّار فأرسل اليها : ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه : دع ذا عنك يا عثمان ولا تحمل الناس في أمرك على مايكرهون. واستقبح الناس فعله بعمّار ، وشاع فيهم فاشتد انكارهم له(2) .

__________________

(1) الأوائل / 133ط دار المعرفة.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 537 ـ 538 و 580 ـ 581.

٢٠٧

وذكر المحبّ الطبري في الرياض النضرة في الطعن الثاني عشر : « ان أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمع منهم خمسون رجلاً من المهاجرين والأنصار فكتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه في كتاب ، وقالوا لعمّار أوصل هذا الكتاب إلى عثمان ليقرأه فلعله يرجع عن هذا الّذي ينكر ، وخوّفوه فيه بأنّه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره.

قالوا : فلمّا قرأ عثمان الكتاب طرحه ، فقال له عمّار : لا ترم بالكتاب وانظر فيه فإنه كتاب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك ، فقال : كذبت يا بن سميّة ، وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمي عليه وزعموا انّه قام بنفسه فوطأ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمي عليه أربع صلوات ، فقضاها بعد الأفاقة واتخذ لنفسه تبّاناً تحت ثيابه ، وهو أوّل من لبس التبّان لأجل الفتق ، فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمّار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخاً عظيماً يعنون عثمان ، ثمّ أن عمّاراً لزم بيته إلى أن كان من الفتنة ما كان اهـ »(1) .

وهذا ذكره أيضاً البلاذري في أنسابه بصورة مختصرة ، وذكر من أسماء الساخطين الذين كتبوا الكتاب مضافاً إلى عمّار المقداد وطلحة والزبير في عدة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) ، وسنأتي على معرفة مواقفهم بعد ذلك.

4 ـ عائشة اُمّ المؤمنين :

لعل الكثير من الناس الذين لا يعلمون سبب النفرة بين عائشة وعثمان ، وكلّ ماعرفوه عنهما ، أنّها كانت تشنّع عليه في حياته كثيراً ، ثمّ صارت مطالبة بدمه بعد موته.

__________________

(1) الرياض النضرة 2 / 140.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 539.

٢٠٨

أمّا لماذا كانت قبل ذلك كذلك؟ ولماذا صارت بعد ذلك كذلك؟ فقد لا يعرفون جواب ذلك. وهو باختصار ، إنّما هو المال أوّلاً وأخيراً. فقد كان عمر بن الخطاب قد فضّل عائشة وحفصة واُم حبيبة على بقية نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العطاء ففرض للثلاثة في اثنتي عشرة والبقية أمهات المؤمنين ستة آلاف ستة آلاف ولصفية وجويرية في خمسة آلاف خمسة آلاف(1) .

وهذا التفضيل لا يخلو من التدليل على مدى التوافق في السلوك المرضي لعمر ، خصوصاً إذا عرفنا أن عائشة وحفصة كانتا من حزب واحد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عن عائشة : « إنّ نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّ حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسوده ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اهـ »(2) .

ولم يغب عن الذاكرة ما مرّ في فترة بين عهدين عن المرأتين من مواقف خدمت الخالفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال اليعقوبي في تاريخه : « وكان بين عثمان وعائشة منافرة ، وذلك أنّه نقصها ممّا كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيّرها أسوة غيرها من نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ونادت يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل وقد أبلى عثمان سنته. فقال عثمان : ربِّ اصرف عني كيدهنّ إنّ كيدهنّ عظيم اهـ »(3) .

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 1 / 130 ط الغري.

(2) صحيح البخاري كتاب الهبة باب من أهدى إلى صاحبه وتحرّى بعض نسائه دون بعض 3 / 156 ط بولاق.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 152.

٢٠٩

وقد مرّ بنا في معرفة الوشائج ما حكاه المجلسي عن تاريخ الطبري وتاريخ الثقفي أن عائشة جاءت إلى عثمان فقالت أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر ، قال : لا أجد له موضعاً في كتاب الله ولا في السنة ، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما وأنا لا أفعل. قالت : فأعطني ميراثي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : أو لم تجيء فاطمة تطلب ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشهدتِ أنتِ ومالك بن أوس النضري : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث ، وأبطلتِ حقّ فاطمة ، وجئتني تطلبينه لا أفعل(1) . فكان تنقيص العطاء ، هو بدء العناء ، وبالتالي انتهى إلى مزيد من البلاء ، وهو ممّا حمل العقاد على نقد موقف عثمان في ذلك فقال : جاء الخطأ الأوّل في هذه السياسة من القائمين بالأمر في حكومة عثمان ، وكان خطأً عجيباً حقاً ، لأنه لا يفهم على وجه من وجوه المصلحة ، ولا تدعو إليه ضرورة من ضرورات الدولة ، ونعني به نقص العطاء الّذي كان مقدوراً للسيدة عائشة في عهد الفاروق ، أعدل من لاحظ العدل في تقسيم الأعطية على حسب المراتب والحقوق انّ نقص عطاء السيدة كان يكون سائغاً عندها وعند المسلمين والمسلمات إذا دعت إليه حاجة في خزانة الدولة ، ولكنه لا يسوغ ولا تستريح إليه النفس ، والأموال تتدفـّق على خزانة الدولة بالألوف الّتي يحار فيها الإحصاء ، وغنائم افريقية وحدها تبلغ مليونين ونصف مليون من الدنانير ، فيعطى خمسها لبنت الخليفة وزوجها مروان ابن الحكم ، وغير ذلك من القطائع والأعطية الّتي يخص بها القريبات والقريبين ولا يضبط لها حساب(2) .

__________________

(1) بحار الأنوار 8 / 320 ط الكمپاني الحجري.

(2) الصديقة بنت الصديق / 138 سلسلة الهلال.

٢١٠

والآن وقد عرفنا الجواب ، كان من الطبيعي أن تستغلّ عائشة الأحداث الّتي أدين فيها عثمان ، فيرتفع صوتها معلنة سخطها تضامناً مع الساخطين حتى صارت من أشدّ المحرّضين ، وإلى بعض مواقفها :

1 ـ لمّا استدعي ابن مسعود من الكوفة إلى المدينة فدخل المسجد وعثمان على المنبر فقال في ابن مسعود منكراً من القول ، وما كان ينبغي له ، قال : « دويّبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح ».

فنادته عائشة : « أي عثمان أتقول هذا لصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وقد مرّ بنا ذكر ابن مسعود في أوّل قائمة الساخطين.

2 ـ موقفها في حادثة سكر الوليد بن عقبة والي عثمان بالكوفة وخرج الشهود إلى عثمان يشكونه فلم يشكهم بل ضرب بعض الشهود أسواطاً ، فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان ، وأنه زبرهم فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود ـ كما مرّ في أسباب السخط ـ وان الشهود إنّما لجأوا إلى بيت عائشة لأن عثمان توعدهم بالتنكيل بهم.

فقد روى أبو الفرج في الأغاني عن الزهري قال : « خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال : أكلـّما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل؟ لئن اصبحت لأنكلنّ بكم. فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة ، فقال : أما يجد مرّاق اهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلاّ بيت عائشة فسمعت فرفعت نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت : تركتَ سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب هذا النعل.

٢١١

فتسامع الناس فجاؤا حتى ملأوا المسجد ، فمن قائل : أحسنت ، ومن قائل ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال »(1) .

وقال البلاذري في حديثه : « إنّ عائشة أغلظت لعثمان ، وأغلظ لها وقال : وما أنتِ وهذا؟ إنما أَمرتِ أن تقرّي في بيتكِ. فقال قوم مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

3 ـ موقفها من حادثة ضرب عمّار حتى أغمي عليه وفاتته أربع صلوات فبلغ ذلك عائشة فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعده. كما مرّ في ذكر عمّار من الساخطين.

4 ـ موقفها من حصار عثمان فقد روى البلاذري وقال : « وحاصر الناس عثمان وأجلب محمّد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم ، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله ، وكانت عائشة تقرصه كثيراً »(3) .

5 ـ موقفها وقد استنجد بها عثمان وهو محصور فارسل إليها مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فأتياها وهي تريد الحج فقالا لها : لو أقمت فلعلّ الله يدفع بك عن هذا الرجل ، فقالت : قد قرّبت ركابي وأوجبت الحج على نفسي والله لا أفعل. فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول :

حتى إذا أضطرمت أجذما وحرّق قيس عليّ البلاد

__________________

(1) الأغاني 4 / 180.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 522.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 557.

٢١٢

فقالت عائشة : يا مروان وددت والله انّه في غرارة من غرائري هذه ، وأني طـُوّقت حمله حتى ألقيه في البحر. هذا ما رواه البلاذري في الأنساب(1) .

إلاّ أنّ ابن سعد روى في الطبقات أن عائشة قالت : « أيّها المتمثـّل عليّ بالأشعار وددت انّك وصاحبك هذا الّذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحىً وأنكما في البحر ، وخرجت إلى مكة »(2) .

6 ـ موقفها مع ابن عباس وقد ولاه عثمان الموسم ، فقد روى البلاذري في الأنساب قال : « ومرّ عبد الله بن عباس بعائشة ـ وقد ولاه عثمان الموسم ـ وهي بمنزل من منازل الطريق فقالت : يا بن عباس إن الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً ، فإيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية »(3) .

وفي حديث الطبري في تاريخه قال : « فمرّ بعائشة في الصلصل فقالت : يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لساناً إزعيلاً ـ أي ذلقاً ـ أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس ، فقد بانت لهم بصائرهم ، وأنهجت ورفعت لهم المنار ، وتحلّبوا عن البلدان لأمر قد حمّ. وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فان يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر.

قال : يا أمه لو حدث بالرجل حدثٌ ما فزع الناس إلاّ إلى صاحبنا.

فقالت : إيهاً عنك ، إنّي لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك »(4) .

7 ـ موقفها في مكة المكرمة : قال البلاذري في الأنساب : « وكانت عائشة تؤلب على عثمان فلمّا بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في

__________________

(1) نفس المصدر / 565.

(2) طبقات ابن سعد 5 / 25.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 565.

(4) تاريخ الطبري 4 / 407.

٢١٣

المسجد الحرام وقالت : إنّي أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يـوم بـدر »(1) .

8 ـ وأخيراً موقفها في شراف في الطريق عند عودتها من الحجّ وقد بلغها مقتل عثمان فقالت : « بُعداً(2) لنعثل وسحقاً ، وقالت : أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلامٍ للعبيد(3) وقالت : أبعده الله قتله ذنبه وأقاده الله بعمله. يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود »(4) ، إلى غير ذلك من المواقف الّتي أثارت الغضب على عثمان حتى أنّها فيما روى الرواة قالوا : « أوّل من سمى عثمان نعثلاً عائشة وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً »(5) .

بقي الكلام عن موقف طلحة ، وهذا سيأتي في قائمة الصحابة الذين حظوا من عثمان بالحباء والعطاء ولم يحسنوا له الجزاء.

أمّا الكلام عن موقف الإمام عليّعليه‌السلام فكذلك يأتي في موقف بني هاشم من عثمان.

وهذه هي الأسماء الواردة في قول سعيد بن المسيب ، أمّا ما ورد عند غيره ، فقد عرفنا من خلال معرفة مواقف ابن مسعود وأبي ذر وعمّار وعائشة الآنفة الذكر مجموعة أسماء وقبائل سخطت ولاية عثمان وولاته.

فقد عرفنا أنّ بني هذيل وبني زهرة وبني غفّار وأحلافها كلّها غضبت لما جرى على ابن مسعود وأبي ذر.

__________________

(1) أنساب الأشراف 1ق4 / 583.

(2) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 77.

(3) نفس المصدر.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر.

٢١٤

وعرفنا أن بني مخزوم كذلك حنقت على عثمان لحال عمّار حتى قالوا لئن مات عمّار لنقتلن به رجلاً من بني أمية. وكانوا يعنون به عثمان.

وعرفنا سخط الشهود الوافدين من الكوفة يشهدون على الوليد أفعاله المنكرة وما لحقهم من وعيد عثمان حتى استجاروا بعائشة.

وعرفنا ثمة سبعمائة وفد أهل مصر جاؤا يشكون ما يلقون من ظلم ابن أبي سرح.

وعرفنا ثمة أناس من أهل المدينة أيّدوا عائشة في استنكارها فعل عثمان مع أهل العراق ، واضطربوا بالنعال مع أنصار عثمان وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين.

وعرفنا سخط بني تيم وغيرهم ممن أجلب بهم محمّد بن أبي بكر ، وأعانه طلحة بن عبيد الله ومن ورائهما عائشة حيث كانت تقرص عثمان كثيراً.

وعرفنا أنّ المهاجرين اجتمعوا على عثمان فأنكروا عليه صنعه مع عمّار.

وعرفنا أنّ خمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار كتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه ، منهم المقداد وطلحة والزبير.

وأخيراً عرفنا أنّ الناس استقبحوا ما فعله بعمّار وشاع فيهم فاشتد إنكارهم له.

ولم يكن الساخطون من ذكرناهم فقط ، بل هناك آخرون كثيرون حتى جاء في حديث للواقدي : ولا ينكر ما يقال فيه إلاّ نُفَير. وجاء في حديث المسعودي : وغير هؤلاء ممّن لا يحمل كتابنا ذكره ، فلنقرأ ما قاله الواقدي والمسعودي.

٢١٥

قال الواقدي بإسناده : « لمّا كانت سنة 34 كتب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله ، وما الناس فيه من عمّاله ويكثرون عليه ، ويسأل بعضهم أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد. ولم يكن أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفع عن عثمان ، ولا ينكر ما يقال فيه (إلاّ نفير منهم)(1) زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك بن أبي كعب من بني سلمة من الأنصار وحسان بن ثابت الأنصاري »(2) .

وقال المسعودي في مروج الذهب في حديث حصار الثوار ومقتل عثمان بداره : « وأحدقوا بداره بالسلاح وطالبوه بمروان ، فأبى أن يتخلى عنه ، وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود لأنّه كان من أحلافها ، وهذيل لأنّه كان منها ، وبنو مخزوم وأحلافها لعمّار ، وغفار وأحلافها لأجل أبي ذر ، وتيم بن مرّة مع محمّد بن أبي بكر وغير هؤلاء ممّن لا يحمل كتابنا ذكره »(3) .

قال طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى عثمان : « فسياسة عثمان في العزل والتولية لم تكن ملائمة للعهد الّذي أعطاه ، وليس من شك في أنّ الذين ضاقوا بهؤلاء العمّال وثاروا عليهم ونقموا من عثمان توليتهم لم يكونوا مخطئين »(4) .

فالآن إلى معرفة مواقف عثمان من الساخطين :

ونقتصر أوّلاً على ذكر موقفه من الصحابة ، ثمّ نتبعه بموقفه من بني هاشم ، أمّا موقفه من سائر الناس الساخطين فسيأتي عند ذكر مأساة الحصارَين.

__________________

(1) في الطبري وابن الأثير والنويري.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 549 ، وتاريخ الطبري 4 / 336.

(3) مروج الذهب 2 / 353 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد ط مصر.

(4) الفتنة الكبرى 1 / 189 ط دار المعارف.

٢١٦

مواقف سنمّارية من بعض الصحابة :

لقد كان من أسباب السخط على عثمان عزله كبار الصحابة عن مراكزهم القيادية ، وتوليتها أحداث بني أمية ، فنقم الناس ذلك عليه ، وزاد في الكراهية انقطاع درّ الحلوبة عمّن كانوا يرتضعونها حيث وفرة العطاء والإقطاع على حساب المسلمين ، ولمّا كان إحسان عثمان لمن أغدق عليهم في غير محلـّه ، لذلك انقلب الحباء والعطاء إلى سخط وجفاء ، فقوبل على ذلك بعدم الوفاء وهكذا تكون الخدمات مهدورة ، ما دامت الصحبة على غير تقى.

والآن إلى معرفة من حباهم وأعطاهم ، ثمّ قلاهم وبتعبير أصحّ هم كافئوه شرّ مكافأة :

أوّلاً ـ أبناء عمر بن الخطاب (عبيد الله ـ عبد الله ـ حفصة) :

ذكر ابن سعد في الطبقات : « فلمّا ظن ـ عمر ـ أنّه الموت قال : ياعبد الله ابن عمر أنظر كم عليّ من الدين؟ قال : فحسبه ، فوجده ستة وثمانين ألف درهم ، قال : يا عبد الله إن وفـّى لها مال آل عمر فأدّها عني من أموالهم ، وإن لم تف أموالهم فاسأل فيها بني عدي بن كعب ، فان لم تفِ من أموالهم فاسأل فيها قريشاً ولا تعدهم إلى غيرهم »(1) .

وكان عمر إذا احتاج إلى صاحب بيت المال فأستقرضه فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر ، وربما خرج عطاؤه فقضاه(2) .

__________________

(1) راجع طبقات ابن سعد 3ق1 / 244 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 137 ط الغري ، سير أعلام النبلاء 2 / 528 ط دار الفكر بيروت ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي / 91 ط المنيرية وغيرها ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / ط مصر الأُولى ، والفتوح لابن أعثم 2 / 91.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 24 ط بولاق.

٢١٧

فهذه الديون الّتي استدانها وأوصى ابنه بوفائها ، لم يذكر أن ابنه وفاها إلى بيت المال ، بل المذكور في المصادر ذكر وصية عمر بها ، أمّا الوفاء فبقي في الخفاء ، ولا أظن إلاّ أنّ عثمان أغضى عن المطالبة ، فإنّ من يغضي عن دم عبيد الله بن عمر يهون عليه الإغضاء عن مال بذمة عمر. مع ان عمر ـ كما في الفتوح لابن أعثم ـ قال لابنه : « واجعل ذلك في بيت المال ، فإن سألك الخليفة من بعدي أن لا تأتيه بذلك المال فلا تفعل فإن وهبه لك فلا تقبل واذهب به حتى تضعه في بيت المال كما أخذته منه »(1) .

لقد مرّ بنا في أوّل مخالفات عثمان لأحكام الشريعة ، درؤه الحد عن عبيد الله بن عمر ، ومرّ بنا استنكار المسلمين لذلك فلم يعبأ عثمان بذلك ولم يكتف بدرء الحد عنه ، بل أنزله الكوفة وأقطعه داراً عرفت باسم (كويفة بن عمر) وفي ظني أن هناك تزوج بحرية بنت هاني المرادي ، الّتي كانت معه حتى في صفين يوم قتل ، وهي الّتي استوهبت من جيش الإمام جثته ، فأعطوها وحملتها إلى معاوية فصلّى عليها ودفنها.

فعثمان بعد أن كان من أشدّ المنكرين لجريمة عبيد الله لم يعاقبه ثمّ لم يرضَ بذلك حتى أكرمه بإقطاعه في الكوفة ومع هذا الإحسان فلم نسمع عنه حضوراً فاعلاً في الكوفة أو في المدينة نفع به عثمان. فأين كان؟ ولماذا سكت؟

أمّا أخوه عبد الله بن عمر فهذا كان مع عثمان حتى يوم الدار ، ولكنه لم يغن عنه شيئاً ، إذ لم يعرف المصلحة على حقيقتها ـ على أحسن تقدير ـ إذ غشه ـ على أسوء تقدير ـ حين استشاره فيما أشار به المغيرة بن الأخنس ، وإليك

__________________

(1) الفتوح 2 / 91.

٢١٨

حديثه يقول : « قال لي عثمان وهو محصور في الدار : ما ترى فيما أشار به عليَّ المغيرة بن الأخنس؟ قال : قلت : وما أشار به عليك؟ قال : قال : إن هؤلاء القوم يريدون خلعي ، فان خَلعتُ تركوني ، وإن لم أخلع قتلوني.

قال : قلت : أرأيت إن خلعت تترك مخلداً في الدنيا؟ قال : لا ، قال : فهل يملكون الجنة والنار؟ قال : لا : قال : فقلت : ارأيت ان لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال : لا.

قال : فقلت : فلا أرى أن تسنّ هذه السنّة في الإسلام ، فكلـّما سخط قوم أميرهم خلعوه. لا تخلع قميصاً قمصكّه الله اهـ »(1) .

ولولا أنّ ابن عمر لقـّن عثمان حجة قميص الله ، لمّا كان في التاريخ قميص عثمان. فلو أنّه أخذ برأي المغيرة ـ وكان له من الناصحين ـ فخلع نفسه لتفادى القتل ، وجنّب المسلمين ما حاق بهم من شرور الفتنة الكبرى. ولتغير وجه التاريخ. غير ان ابن عمر أشار عليه أن لا يخلع نفسه ولقـّنه حجته لا تخلع قميصاً قمّصكه الله ، فكان عثمان يقول : « لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله (عزّ وجلّ) »(2) .

وليتني كنت أدري كيف لم يعِ قول أبيه في قتل الحاكم إذا جنف! روى الطبري بسنده عن موسى بن عقبة يحدّث أن رهطاً أتوا عمر فقالوا : « كثر العيال واشتدت المؤونة فزدنا في أعطائنا قال : فعلتموها ، جمعتم بين الضرائر ، واتخذتم الخدم في مال الله (عزّ وجلّ)! أما والله لوددت أنّي وإياكم في سفينة في لجة البحر ، تذهب بنا شرقاً وغرباً ، فلن يُعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم ، فان استقام اتبعوه وإن جنَفَ قتلوه ، فقال طلحة : وما عليك لو قلت : إن تعوّج عزلوه! فقال : لا ، القتل أنكل لمن بعده.

__________________

(1) طبقات ابن سعد 3ق1 / 45.

(2) تاريخ الطبري 4 / 375 ط دار المعارف.

٢١٩

احذروا فتى قريش وابن كريمها الّذي لا ينام إلاّ على الرضا ، ويضحك عند الغضب ، وهو يتناول مَن فوقه ومَن تحته »(1) .

روى الذهبي قال : « ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور فقال : ما ترى؟ قال : أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك فقال : دونك عطاءَكَ ـ وكان واجداً عليه ـ فقال : ليس هذا يوم ذاك ، ثمّ خرج ابن عمر إليهم ـ الثوار ـ فقال : إياكم وقتل هذا الشيخ ولقد رأيتنا وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوافرون نقول : أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان »(2) .

وهكذا بدأ ابن عمر يحتل مكانة عند الأمويين فينفحونه بعطاياهم وينفحهم هو على بلاياهم. ألم يرسل إليه معاوية مائة الف لما أراد البيعة لأبنه يزيد(3) ، فكانت هذه النفحة من معاوية هي الّتي أخرجت النفحة من ابن عمر فقال في بيعة يزيد : « إن كان خيراً رضينا وإن كان بلاءً صبرنا »(4) .

وزاد في نفحته حين دعا بنيه وجمعهم وذلك عند خلع أهل المدينة ليزيد فقال : « إنا بايعنا هذا الرجل ـ ويعني به يزيد ـ فلا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد ولا يسرعنّ أحدٌ منكم في هذا الأمر ، فتكون الصيلم بيني وبينه »(5) .

إذن فابن عمر لم ينصر عثمان بما ينفعه يوم الدار فينجيه من القتل ، بل على أحسن تقدير كانت مشورته على عثمان بأن لا يخلع نفسه هي الّتي أودت بحياة عثمان ، ولا يبعد سيء الظن به في التقدير ، لو قال إنّه غشه في ذلك التدبير.

__________________

(1) نفس المصدر 4 / 213.

(2) سير أعلام النبلاء 3 / 604 ط دار الفكر.

(3) أُنظر طبقات ابن سعد 4ق1 / 134.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر.

٢٢٠