موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٢

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357

موسوعة عبد الله بن عبّاس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357
المشاهدات: 55992
تحميل: 3031


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55992 / تحميل: 3031
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 964-319-502-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أن يُجلّ سنّك ، ويُعرَف قدرُك وسابقتك ، ووالله لوددتُ أنّك لم تفعل ما فعلتَ ممّا ترك الخليفتان قبلك ، فإن كان شيئاً تركاه لمّا رأيا أنّه ليس لهما علمتَ أنّه ليس لك كما لم يكن لهما ، وإن كان ذلك لهما فتركاه خيفة أن يُنال منهما مثل الّذي ينل منك تركتَه لما تركاه له ، ولم يكونا أحقّ بإكرام أنفسهما منك باكرام نفسك.

قال : فما منعك أن تشير عليَّ بهذا قبل أن افعل ما فعلتَ؟

قال : وما علمي أنّك تفعل ذلك قبل أن تفعل؟

قال : فهب لي صمتاً حتى ترى رأيي »(1) .

3 ـ كبرياء معاوية في عتابه وأعتداد ابن عباس في جوابه :

روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال : « وقدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك من الشام فأتى مجلساً فيه عليّ بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر فقال لهم : يا معشر الصحابة أوصيكم بشيخي هذا خيراً ، فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلا ورجالا ، ثمّ أقبل على عمّار بن ياسر ، فقال : يا عمّار انّ بالشام مائة ألف فارس كلّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبد انهم لا يعرفون عليّاً ولا قرابته ، ولا عمّاراً ولا سابقته ، ولا الزبير ولا صحابته ، ولا طلحة ولا هجرته ، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله ولا يتقون سعداً ولا دعوته فإياك يا عمّار أن تقع غداً في فتنة تنجلي فيقال هذا قاتل عثمان وهذا قاتل عليّ.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 29 مط الأُمة سنة 1928 م.

٣٤١

ثمّ أقبل على ابن عباس فقال : يا ابن عباس إنّا كنا وإياكم في زمان لا نرجوا فيه ثوأباً ولا نخاف عقاباً ، وكنا أكثر منكم فوالله ما ظلمناكم ولا قهرناكم ولا أخرناكم عن مقام تقدّمناه ، حتى بعث الله رسوله منكم فسبق إليه صاحبكم فوالله ما زال يكره شركنا ويتغافل به عنا حتى ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبنا على صاحبكم لسنّه ، ثمّ غيّر فَنَطق ونُطقَ على لسانه ، فقد أوقدتم ناراً لا تطفأ بالماء.

فقال ابن عباس : كنا كما ذكرت حتى بعث الله رسوله منا ومنكم ثمّ ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبكم على صاحبنا لسنّه ولما هو أفضل من سنّه ، فوالله ما قلنا إلاّ ما قال غيرنا ، ولا نطقنا إلاّ بما نطق به سوانا ، فتركتم الناس جانباً وصيّرتمونا بين إن أقمنا متهمّين ، أو نزعنا مُعتَبن ، وصاحبنا من قد علمتم والله لا يهجهج مهجهج إلاّ ركبه ، ولا برد حوضاً إلاّ أفرطه ، وقد أصبحتُ أحبُ منك ما أحببت وأكره ما كرهت ، ولعلّي لا ألقاك إلاّ في خير »(1) .

4 ـ حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها :

كان عقيل بن أبي طالب قد تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ـ برغبة منها فيه ـ فقالت له : « تصير لي وأنفق عليك ، فكان إذا دخل عليها قالت : أين عتبة بن ربيعة؟ وشيبة بن ربيعة؟ ـ وكانا من المقتولين ببدر ـ فيسكت عنها ، حتى إذا دخل عليها يوماً وهو بَرِم قالت : أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة! قال : عن يسارك في النار إذا دخلتِ ، فشدّت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ،

__________________

(1) نفس المصدر 1 / 27 ، وأنظر مسند أحمد 1 / 57 وهو أوّل حديث فيه من مسند عثمان ، فراجع ، ومرة أخرى / 69.

٣٤٢

فضحك فأرسل إلى ابن عباس ومعاوية ـ وكان يومئذ بالمدينة ـ فقال ابن عباس : لأفرقنّ بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا »(1) .

5 ـ إمامة الصلاة أيام الحصار :

ذكر المؤرخون أن الحصار كان مرتين :

فالحصار الأوّل قالوا ـ باختلاف ـ استمر أربعين يوماً. وذكروا أنّ عثمان لم يستطع الخروج إلى الصلاة بالناس ، كما ذكروا أسماء جماعة من الصحابة تولوا أمر الصلاة بالناس :

أ ـ فذكر ابن جرير طلحة بن عبيد الله(2) .

ب ـ وذكر ابن كثير فقال : « كان يصلي بالناس في هذه الأيام الغافقي بن حرب »(3) .

ج ـ وذكر البخاري وغيره عن عبد الله بن سلام ، قال : « لمّا حصر عثمان ولى أبا هريرة الصلاة »(4) .

وفي الحصار الثاني ، وهو أقصر زماناً من الحصار الأوّل لكنه أشد تضييقاً :

د ـ فقد روى ابن جرير قال : « جاء المؤذن سعد القرظ إلى عثمان فاذنه بالصلاة ، فقال : لا أنزل أصلي ، اذهب إلى من يصلي ، فجاء إلى عليّ فأمر سهل بن حنيف ، فصلّى اليوم الّذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر ، وهو ليلة رؤي هلال

__________________

(1) المصنف لعبد الرزاق 6 / 512 / 513 ، وقارن تفسير الطبري 5 / 45 باختصار.

(2) تاريخ ابن كثير 7 / 177.

(3) نفس المصدر.

(4) نفس المصدر.

٣٤٣

ذي الحجة فصلّى بهم ، حتى إذا كان يوم العيد صلّى عليّ بهم العيد ثمّ صلّى بهم حتى قتل »(1) .

هـ ـ وروى الطبري أيضاً عن ابن عمر قال : « لمّا حصر عثمان صلّى بالناس أبو أيوب أياماً ، ثمّ صلّى بهم عليّ الجمعة والعيد حتى قتل »(2) .

و ـ وروى ابن الديبع الشيباني في تيسير الوصول نقلا عن عبد الله بن سلام قال : « وكان ابن عباس يصلي أحياناً »(3) .

وأمّا ما ذكره فلهاوزن في كتاب (الدولة العربية وسقوطها)(4) وكذلك في ترجمته الأخرى باسم (تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة العربية)(5) : « إنّ الإمام أمَّ الناس في صلاتهم عندما كان عثمان محاصراً ـ كما في الترجمة الأولى ـ وكان في أثناء حصار الدار هو الّذي يصلي بالناس ـ كما في الترجمة الثانية ـ » ، فإن ما ذكره هذا المستشرق الألماني إنّما يعني تلك الأيام الّتي أشتد فيها الحصار من بعد صلاة العيد في 10 ذي الحجة وحتى يوم 18 يوم قتل عثمان.

ز ـ وورد في المحبر ممّن صلّى بالناس في حصار عثمان : « صلّى بالناس عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف »(6) .

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 423.

(2) نفس المصدر 4 / 433.

(3) تيسير الوصول 2 / 63.

(4) الدول العربية وسقوطها / 46 ترجمة الدكتور يوسف العش.

(5) تاريخ الدول العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة العربية / 51 ترجمة محمّد عبد الهادي أبو ريدة.

(6) المحبر لمحمد بن حبيب الهاشمي / 357 ط حيدر آباد.

٣٤٤

خامساً : إمارة الموسم

حوصر عثمان في داره من جراء تلك الأزمات الّتي أحاقت بالمسلمين بسبب سياسته ، وإثر تصاعد السخط والنكير عليه ، صار لا يستطيع الخروج إلى المسجد النبوي الشريف. فضلاً عن إقامة شعائر الحج كما كان يفعله من قبل. وها هو الموسم أقبل ، فماذا عليه ان يفعل؟ فرأى أن يولـّي أمر الموسم عبد الله ابن عباس فله من مكانته وعلمه ما يؤهله لإقامة المناسك في شعائرها بيسرٍ وأمان ، ولنترك الحديث للطبري. قال : ذكر الخبر عن السبب الّذي من أجله أمر عثمانرضي‌الله‌عنه عبد الله بن عباسرضي‌الله‌عنه أن يحج بالناس في هذه السنة 35. ذكر محمّد بن عمر الواقدي أن أسامة بن زيد حدّثه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما حُصِر عثمان الحصرَ الآخر ـ قال عكرمة : فقلت لابن عباس : أو كانا حَصرَين؟ فقال ابن عباس : نعم ، الحصر الأوّل ، حصر أثنتي عشرة ـ وقدم المصريون فلقيهم عليّ بذي خشب ، فردّهم عنه. وقد كان والله عليّ له صاحب صدق ، حتى أوغر نفسَ عليّ عليه ، جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على عليّ فيتحمل ويقولون : لو شاء ما كلّمك أحد ، وذلك أن عليّاً كان يكلّمه وينصحه ، ويغلظ عليه في المنطق في مروان وذويه.

فيقولون لعثمان هكذا يستقبلك وأنت إمامه وسِلفه وابن عمه وابن عمته؟ فما ظنك بما غاب عنك منه؟ فلم يزالوا بعليّ حتى أجمع الاّ يقوم دونه.

فدخلتُ عليه الّذي خرجت فيه إلى مكة ، فذكرت له أنّ عثمان دعاني إلى الخروج.

فقال لي : ما يريد عثمان أن ينصحه أحد ، اتخذ بطانة أهل غشٍّ ، ليس منهم أحد إلاّ قد تسبّب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها.

٣٤٥

فقلت له : أن له رحِماً وحقاَ ، فإن رأيت ان تقوم دونه فعلتَ ، فإنك لا تـُعذر إلاّ بذلك.

قال ابن عباس : فالله يعلم أنّي رأيت فيه الإنكسار والرقة لعثمان ، ثمّ أنّي لأراه يؤتى إليه عظيم.

ثمّ قال عكرمة : وسمعت ابن عباس يقول : قال لي عثمان : يابن عباس ، اذهب إلى خالد بن العاص بمكة فقل له : يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام ، ويقول لك : إنّي محصور منذ كذا وكذا يوماً لا أشرب إلاّ من الأجاج من داري ، وقد مُنعتُ بئراً اشتريتها من صلب مالي رُومة ، فإنما يشر بها الناس ولا أشرب منها شيئاً ، ولا آكل إلاّ ممّا في بيتي ، مُنعتُ أن آكل ممّا في السوق شيئاً وأنا محصور كما ترى ، فأمره وقل له : فليحج بالناس ، وليس بفاعل ، فإن أبى فأحجج أنت بالناس.

هذه رواية الطبري(1) .

وأقدم منه البلاذري في روايته عن عمرو بن دينار قال : « كلـّم أهل المدينة ابن عباس في أن يحج بهم وعثمان محصور فاستأذنه في ذلك فقال : حجّ بهم »(2) .

وأقدم منهما معاً ابن سعد فقد روى في الطبقة الخامسة من طبقاته رواية عمرو بن دينار الآنفة الذكر. ثمّ اتبعها برواية ابن عباس نفسه قال : « دعاني عثمان فاستعملني على الحج فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج »(3) .

ولا مانع من الجمع بين الجميع ، كما لا بُعد فيما قاله المستشرق الألماني ولهاوزن في كتابه الدولة العربية وسقوطها قال : « أمّ ـ عليّ ـ الناس في صلاتهم

__________________

(1) أنظر تاريخ الطبري 4 / 05 ط دار المعارف.

(2) أنساب الأشراف 1ق4 / 588.

(3) طبقات ابن سعد 1 / 173 تح ـ السُلمي.

٣٤٦

عندما كان عثمان محاصراً ، وعيّن أميراً للحج من عنده »(1) . وهذا يمكن قبوله إذا تذكرنا ما مرّ من دخول ابن عباس على الإمام في أوّل حديثنا عن إمارة الموسم ، فيكون هو الّذي عينه أو فلنقل أمضى تعيينه(2) .

ومهما يكن فقد حمد الناس ذلك ، حتى أن عائشة قالت : « من جعل على الموسم العام؟ قالوا : ابن عباس ، قالت : هو أعلم الناس بالحج »(3) .

وروى الذهبي بسنده عن عمرو بن دينار : « إنّ أهل المدينة كلموا ابن عباس أن يحج بهم ، فدخل على عثمان فأمره »(4) .

ومهما يكن نصيب ذلك من الصحة فهو لم يزد على تأمير عثمان له إلاّ بذكر السبب ، حيث كان بطلب من أهل المدينة ، وكان هذا آخر اللقاء بين الرجلين كما سيأتي بيانه.

سادساً : مع عائشة في الصُلصُل

روى الطبري في تاريخه بسنده عن عكرمة قال : « فخرج ابن عباس فمرّ بعائشة في الصُلصُل(5) فقالت يابن عباس أنشدك الله. فإنك قد أعطيت لساناً

__________________

(1) الدول العربية وسقوطها / 46 ترجمة الدكتور يوسف العش.

(2) وهذا اولى بالقبول من قوله كما في الترجمة الثانية لكتابه ترجمة الدكتور محمّد عبد الهادي ابو ربده ، ومراجعة الدكتور حسين مؤنس للترجمة ، فقد جاء في صفحة 51 قوله : (وكان ـ عليّ ـ في اثناء حصار الدار هو الّذي يصلي بالناس ، كما انّه هو الّذي حج بهم ، وهذا من هفوات الترجمة إذ لم يحج الامام بالناس في تلك السنة ، ولا في غيرها سوى في السنة التاسعة الّتي بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتبليغ سورة براءة فقد أقام للناس حجهم وبلغهم ما أمر بتبليغه.

(3) طبقات ابن سعد في ترجمة ابن عباس في الطبقة الخامسة تح السلمي ، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1 / 495.

(4) سير أعلام النبلاء 4 / 450.

(5) الصلصل : موضع على 7 أميال من المدينة.

٣٤٧

إزعيلاً(1) . أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكّك فيه الناس ، فقد بانت لهم بصائرهم ، وأنهجت(2) ورفعت لهم المنار ، وتحلـّبوا من البلدان لأمر قد حُمّ ، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر.

قال ابن عباس. قلت : يا أمّه لو حدث بالرجل حَدَث مافزع الناس إلاّ إلى صاحبنا.

فقالت : إيهاً عنك إنّي لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك »(3) .

وفي رواية ابن أعثم في الفتوح قالت له : « يا بن عباس إنّك قد أوتيت عقلاً وبياناً ، فإياك أن ترد الناس عن قتل هذا الطاغي عثمان فإنّي أعلم أنّه سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر »(4) .

وفي رواية الشيخ المفيد : « قالت له : يا بن عباس إنّك قد أوتيت عقلاً وبياناً وإياك أن تردّ الناس عن قتل الطاغية »(5) .

وفي رواية ابن أبي الحديد نقلاً عن الطبري نجد تفاوتاً في الخبر ، فقد قال : « وروى الطبري أيضاً قال قال ابن عباسرحمه‌الله : لما حججت بالناس نيابة عن عثمان وهو محصور مررت بعائشة بالصُلصُل ، فقالت : يا بن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت فهماً ولساناً وعقلاً أن لا تخذّل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان وأنهجت ، ورفعت لهم المنابر ، وجلبوا من البلدان لأمر عظيم قد حُمّ ،

__________________

(1) الازعيل : الذلق.

(2) أنهج الطريق : وضُح وبان.

(3) تاريخ الطبري 4 / 407 ط محقق.

(4) الفتوح 2 / 226.

(5) النصرة في حرب البصرة / 61 ط الثانية بالحيدرية سنة 1368.

٣٤٨

وإنّ طلحة قد أتخذ رجالاً على بيوت الأموال وأخذ مفاتيح الخزائن وأظنه يسير إن شاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر.

فقال : يا امّه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلاّ الى صاحبنا.

فقالت : إيهاً عنك يا بن عباس إنّي لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك »(1) .

سابعاً : إقامة المناسك

ذكرت مصادر الأحكام السلطانية وظائف أمير الموسم فكان منها :

1 ـ حضوره بمكة قبل اليوم السابع ، فإنّ ولاية الأمير تبدأ بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم.

2 ـ إمامة الحاج في الصلاة.

3 ـ إشعار الناس بوقت إحرامهم ، والخروج إلى مشاعرهم ليكونوا له متبعين وبأفعاله مقتدين.

4 ـ تعليمهم المناسك على ما استقرّ عليه الشرع لأنّه متبوع فيها.

5 ـ إتباعه في إقامة الأركان في المشاعر. والتأمين على أدعيته فيها ، ليكونوا متبعين له قولاً وعملاً.

6 ـ تقدير المواقف بمقامه فيها وسيره عنها ، فيفيضون بإفاضته.

7 ـ حكمه بين الحاج فيما اختلفوا فيه.

8 ـ إقامة الحدّ والتعزير على ولمن وجب عليه ذلك.

9 ـ وعليه أن يكون نفره النفر الآخر ولا يتعجل في اليومين.

10 ـ وعليه أن لا يخرج من مكة إلاّ بعد اليوم الثالث عشر وهو آخر يوم من ولايته ، وكلّ هذه الوظائف كان حبر الأمة القدير على تنفيذها مع علم وعدالة.

__________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 506.

٣٤٩

ولمّا دخل مكة في جو ملتهب بالمشاعر الساخطة على عثمان ، وها هو أمير الحاج من قبله فعليه أن يتجنب كلّ ما يشتـّت الكلمة ويوري نار الفتنة ، لذلك لم يتعرض لأمر عثمان من قريب أو بعيد ، وكأنّه لم يكن خليفته في أمر المناسك ، بل بلغ من إعراضه عن أمره ، أن عثمان بعث معه كتاباً الى الحجاج يدعوهم الى نصرته ليتلوه في مكة قبل التروية بيوم ، فتلاه دون التعليق عليه بقليل أو كثير. وكان كتاباً طويلاً(1) تستدعي فيه بعض الفصول إثارة الفضول ، والتساؤل حول أفعال عثمان وولاة عثمان ، وهو حديث الساعة يومئذ بين الحجاج. لكنه لم يدع مجالاً للخوض في ذلك ، حفظاً للنظام وحفاظاً على إقامة المناسك دون بلبلة.

وزاد من إعراضه أنّ عثمان بعث كتابا مع نافع بن طريف إلى أهل مكة ومن حضر الموسم يستغيثهم ، فوافى به نافع يوم عرفة ، وابن عباس يخطب ، فقام نافع إليه ليقرأ الكتاب ، فلم يقرأه وقطع خطبته وترك نافع يقرأ كتاب عثمان ولمّا أتم قراءته ، عاد ابن عباس فأتم خطبته ولم يعرض لشيء من شأنه(2) .

وهكذا أقام للناس مناسك حجّهم ، ومضت أيام الحج المعلومات ، وألسنة الثناء تطري حبر الأمة وتمجّده ، اذ سحر الناس ببيانه خطيباً ، ومعلماً للأحكام مصيباً ، كما هو شأنه في كلّ عام حتى بلغ من افتتان الناس بكلامه ، قول بعضهم : يا سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل ، لو سمعت هذا الترك لأسلمت.

وقال الآخر ـ وقد سمعه يفسّر سورة النور وهو على المنبر ـ لو فسح لي المجال لقبـّلت رأسه لحلو منطقه. وروى أبو عثمان الجاحظ قول الناس :

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 / 140 ـ 142 ط الحسينية.

(2) تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة / 1166 تح ـ فهيم محمّد شلتوت ، تاريخ الإمامة والسياسة 1 / 33 ـ 34.

٣٥٠

« خطبنا عبد الله بن عباس خطبة بمكة أيام حصار عثمان لو شهدتها الترك والديلم لأسلموا »(1) .

أمّا الآخر من المعجبين الذين لم يخفوا إعجابهم حين سماعه خطبته فكان يقول : ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ، لو سمعته فارس والروم لأسلمت.

وما كادت تنقضي أيام الموسم حتى أقلّ العُرجة وأسرع العودة ، ليتطلـّع إلى أخبار المدينة وما خلـّفه بها من اضطراب في الأمر والأمن ينذر بالخطر المحدق بالأمة. وما إن ودّع البيت الحرام حتى خرج عائداً إلى المدينة مسرعاً فبلغها بعد مقتل عثمان بخمس ليال ـ كما سيأتي ذلك عنه ـ ولما كان مقتله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة ـ على أصح الأقوال ـ وعرفنا ان المسافة بين الحرمين ـ مكة والمدينة ـ فيما قدّرها علماء الجغرافية والبلدان ـ كابن رستة في الأعلاق النفيسة(2) والاصطخري في المسالك والممالك(3) وياقوت في معجم البلدان(4) وغيرهم ـ قالوا : ان بين مكة والمدينة نحو من عشر مراحل في طريق الجادة ، وعرفنا ان المرحلة ما يقطعها المسافر في يومه ـ كما يقولون ـ وتقدر بثمانية فراسخ كما في البلدان لليعقوبي.

وعرفنا ـ كما مرّ ـ أن أمير الحاج لا يخرج إلاّ بعد الثالث عشر من ذي الحجة فإذا أضفنا مدة المسافة وهي عشرة أيام لعشر مراحل فينبغي أن يكون وصوله ليس في أخر الشهر بيوم أو يومين. كما حدّث بنفسه ، حيث قال :

__________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 472.

(2) الأعلاق النفيسة / 180 ط ليدن.

(3) المسالك والممالك / 27 ط ليدن.

(4) معجم البلدان 7 / 300 ط مصر.

٣٥١

قدمتُ من مكة بعد مقتل عثمان بخمس ليال ـ وذلك آخر الشهر ـ وإذا عثمان قد قتل وإذا الناس يتواثبون على رقبة عليّ بن أبي طالب

وسيأتي بقية كلامه في الحديث عن خلافة الإمام.

إذا عرفنا ذلك كلّه عرفنا أنّه ربّما كان يطوي المراحل فلا يقيم بمكان ولا يلوي على شيء فدخل المدينة في الثالث والعشرين أو تاليه بعد مقتل عثمان بخمس ليال.

وبهذا انتهت آخر صفحة من الفترة الّتي عاشها حبر الامة في أيام عثمان ، فرأى منه كما رأى الناس ، وقال فيه كما كان يقول الناس ، ولكن ذلك لم يكن له معذراً عند بني أمية فيما يستقبل في ايام حياته معهم كما سنرى الإتهامات زوراً وبهتاناً ونقرأ الوعيد ظلماً وعدواناً.

وحسبنا في المقام أن نستبق الأحداث فنروي للقاريء ما رواه البلاذري في أنساب الأشراف : « انّ عمرو بن العاص قال لعبد الله بن عباس : يا بني هاشم أما والله لقد تقلـّدتم من دم عثمان كفَرَم الإماء العوارك(1) وأطمعتم فسّاق أهل العراق في عيبه ، وأجزرتموه مرّاق أهل مصر وآويتم قتَلتَه ، وإنما نظر الناس الى قريش ، ونظرت قريش إلى بني عبد مناف ، ونظر بنو عبد مناف الى بني هاشم.

فقال ابن عباس لمعاوية : ما تكلـّم عمرو إلاّ عن رأيك ، وإن أحقّ الناس أن لا يتكلم في قتل عثمان لأنتما ، أمّا أنت يا معاوية فزيّـنت له ما صنع ، حتى إذا حُصِرَ طلب نصرَك فأبطأتَ عنه وتثاقلتَ وأحببتَ قتله ، وتربّصت لتنال ما نلتَ.

__________________

(1) الفرم والفرام والفرامة خرقة الحيض. والعوارك جمع عارك وهي المرأة الحائض.

٣٥٢

وأمّا أنت يا عمرو فأضرمتَ المدينة عليه ناراً ، ثمّ هربتَ إلى فلسطين ، فأقبلت تحرّض عليه الوارد والصادر ، فلمّا بلغك قتله دعتك عداوة عليّ الى أن لحقت بمعاوية ، فبعتَ دينك منه بمصر.

فقال معاوية : حسبك يرحمك الله ، عرّضني لك ونفسَه فلا جُزي خيراً »(1) .

ولنختم الكلام في هذا المقام ، ونجعله نهاية الجزء الثاني من الحلقة الأولى من (موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة) وقد تناولنا فيها حياته قرابة نصف قرن من عمره ، بدءاً من ولادته ومروراً بمراحل حياته في عهد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأيام أبي بكر وأيام عمر وأيام عثمان ، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

(نجز تبييضه بعد تغيير وتطوير من النسخة الاُولى ضحى يوم الثامن والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة 1421 هـ بجوار مولاي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أسأل الله بحقّه أن يعينني على الإتمام والإكمال بالتمام)

__________________

(1) أنساب الأشراف 1ق 4 / 94 تح ـ إحسان عباس ، وذكر هذا الذهبي في تاريخ الإسلام 2 / 238 ط القدسي ، وسير أعلام النبلاء 4 / 252 / 253 ط دار الفكر إلاّ قول معاوية : فلا جزي خيرا ، نحن نقول للقاريء فظن خيرا.

٣٥٣

فهرس الجزء الثاني

تقديم 7

الفصل الأول : 9

فترة بين عهدين 9

فترة بين عهدين : 11

مواقف العباس في تلك الفترة : 28

الفصل الثاني : 43

حبر الأمة في عهد أبي بكر 43

حبر الأمة في عهد أبي بكر : 45

إستخلاف أبي بكر لعمر : 63

الفصل الثالث : 67

حبر الأمة في عهد عمر 67

ثلاث مسائل بين يدي البحث : 69

المسألة الأولى : 70

المسألة الثانية : 73

المسألة الثالثة : 77

الحبر مع عمر : 80

نصوص ذات دلالة : 80

الحبر في مجلس شورى عمر : 82

شواهد الصرامة من الطرفين : 87

تعقيب بلا تثريب : 92

الحبر مع عمر في أسفاره : 101

٣٥٤

لم تغيّر العلاقة الوطيدة في ثوابت الطرفين شيئا : 108

حضور الحبر مقتل عمر وآخر أيامه : 112

ثوابت أهل البيت ومنهم ابن عباس : 117

فيا لله وللشورى : 121

الفصل الرابع : 135

حبر الأمة في عهد عثمان 135

حبر الأمة في أيام عثمان : 137

معرفة الوشائج : 139

فيا لله وللشورى : 146

خدعة الشورى : 147

بدايات غير متفائلة : 149

عثمان أحبّ إلى قريش من عمر : 153

السخط والساخطون أسباب ونتائج : 158

مخالفاته للشريعة في الأحكام : 159

مخالفاته للشريعة في الأموال والمحاباة بالولايات : 171

مخالفته للسيرة العمرية : 174

محاباة عثمانية للقرابة : 178

معرفة الساخطين : 187

تبادل السخط بين الصحابة وبين عثمان : 187

1ـ عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه : 189

2ـ أبو ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) : 192

نهاية مروّعة ومفزعة : 199

4 ـ عائشة اُمّ المؤمنين : 208

مواقف سنمّارية من بعض الصحابة : 217

أوّلاً ـ أبناء عمر بن الخطاب (عبيد الله ـ عبد الله ـ حفصة) : 217

ثانياً ـ الزبير بن العوام : 221

٣٥٥

ثالثاً ـ طلحة بن عبيد الله : 224

رابعاً ـ عبد الرحمن بن عوف : 227

خامساً ـ سعد بن أبي وقاص : 233

سادساً ـ عمرو بن العاص : 235

سابعاً ـ أبو موسى الأشعري : 241

ثامناً ـ أبو هريرة الدوسي : 242

تاسعاً ـ زيد بن ثابت الأنصاري : 244

سخاء عثمان إلاّ مع بني هاشم! 247

مواقف عثمان مع بني هاشم : 250

مظاهر الحب والبغض بين قريش وبين بني هاشم : 278

معرفة نتائج السخط : 297

مواقف محنة واختبار لابن عباس : 302

أوّلاً : مواقف جهادية بحدّ السنان واللسان 304

1 ـ غزاة أفريقية : 307

2 ـ غزاة جرجان وطبرستان : 322

ثانياً : مواقف قرآنية 324

1 ـ جمع القرآن : 325

2 ـ تـحريـق المـصاحـف : 328

3 ـ توحيد القراءة : 332

ثالثاً : مواقف شرعية في الأحكام 335

رابعاً : مواقف اصلاحية 339

1 ـ إلزام ابن عباس لعثمان بالحجة : 339

2 ـ استكشاف للرأي وصراحة نقدية هادئة : 340

3 ـ كبرياء معاوية في عتابه وأعتداد ابن عباس في جوابه : 341

4 ـ حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها : 342

5 ـ إمامة الصلاة أيام الحصار : 343

٣٥٦

خامساً : إمارة الموسم 345

سادساً : مع عائشة في الصُلصُل 347

سابعاً : إقامة المناسك 349

فهرس الجزء الثاني 354

٣٥٧