موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 44570
تحميل: 2698


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44570 / تحميل: 2698
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

٥

٦

تقديم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين ، محمّد وآله الطيبين الطاهرين،ورضي الله عن الصحابة المهتدين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد :

فقد انتهيت بالقارئ في الجزء الثاني إلى نهاية عهد عثمان ، وفارقنا حبر الأمة عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) وهو أمير الموسم في سنة 35 من الهجرة بمكة ، والآن سأتابع المسيرة في قراءة بقية أحداث السيرة ، الّتي عاشها أو عايشها ، بدءاً من أوّل خلافة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وبتعبير أصح من يوم تولّى تصريف الأمور ومبايعة الناس له ، وانتهاءاً بيوم شهادته ( عليه السلام ) في 19 شهر رمضان سنة40 هـ وما بينهما من أحداث جسام زلزلت كيان الإسلام.

ولا أكتم القارئ إنّ هذا الجزء من حياة حبر الأمة عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) هو كسابقه طافح بحوادث تاريخية تستدعي دراسة واعية وقراءة متأنية ، لندرك مدى تأثرها وتأثيرها من خلال معرفة مقوماتها زماناً ومكاناً وشخوصاً. لذلك فقد تغيّرت صورة بعض الأبحاث عمّا كانت عليه في كتابتي الأولى ، نتيجة الإطلاع على كثير من المصادر والمؤلفات الحديثة الّتي لم تكن يوم تأليفي أوّلاً ،

٧

وحمدت الله على هذا التأني إذ أزددت اطمئناناً بنتائج ما توصلتُ إليه سابقاً ، كما أزددت اطلاعاً على ما جدّ نشره فتولّدت بعض الأبحاث ، وأستجدّت بعض الآراء.

فإنّ الأحداث التاريخية ـ أيّ حدث كان ـ لابدّ في تحقق وقوعه خارجاً ، من زمان لحدوثه ، ومكان لوقوعه ، وذوات ترسم معالمه ، ولمّا كانت المصادر المعنية بتسجيله جاءت رواياتها متناثرة ، وأغراض رواتها ـ غالباً ـ متنافرة ، فمن الرواة الغالي ومنهم القالي ، وما بين ذا وذا بقيت حلقات فراغ ، ليس من السهل سدّها بجرّة من القلم. فلابدّ لنا ونحن نستقبل عصر الخلافة الإسلامية المليء بالمفارقات العجيبة بالقياس إلى ما مرّ قبله ، أن نتأنّى طويلاً عند القراءة ، ونتمعّن كثيراً في الدلالة ، ليتسنّى لنا درك الحقيقة كما كانت قد حدثت ، وهذا ما أفصح عنه بعض أصحاب الدراسات الحديثة ومنهم الأستاذ عباس محمود العقاد فقد قال : « وما علينا إذا أردنا أن نمتحن حادثة تاريخية أو سلسلة من الحوادث التاريخية ، إلاّ أن نسأل أنفسنا : كيف ينبغي أن تحدث؟ فإذا ارتسمت لنا على الترتيب الّذي يقبله العقل ويطابق الواقع ، فذلك هو الامتحان الصادق ، وما نستخلصه منه هو الصواب كأصدق ما يمكن أن يصوّره تاريخ الحوادث لمن لم يشهدها شهادة العيان »(1) .

أمّا كيف ترتسم لنا على الترتيب الذي يقبله العقل ويطابق الواقع؟ فهذا ما لم يفصح عنه العقّاد ، أمّا أنا فأحسب أن أيسر السبل هو التجرّد عن الرواسب والشوائب حين القراءة ، ثمّ البدء بالسؤال الّذي طرحه العقّّاد بأن نسأل أنفسنا كيف ينبغي أن تحدث؟

____________________

(1) موسوعة العقاد 1 / 475.

٨

ويكون الجواب على ضوء معرفة مقوّمات الأحداث زماناً ومكاناً وشخوصاً مسبّقا ، وليس من خِلال وحي الخيال ، فكم من بارع يستوحي ما قدّره من خياله وبظنّه ، وصوّره بفنّه ، فكانت الصورة من وحي الخيال ، نسيجاً واهي الظِلال هي عين الضلال. فليست العبرة بتكبير الحبّة كبّة ، ولا بتصرير الناموس دُبّة(1) .

بل العبرة أن يكون الباحث المحقق له ميزانه في البحث لا يحيد عنه ، ولا يُخدع بما قاله مَن قبله كحقيقة ثابتة ، بل عليه توخي قولة الحقّ إرضاء لله سبحانه وتعالى ، وإن لم يعجب قولُه الناس ، فإنّ رضاهم غاية لا تدرك ، وإن ذهبوا إلى خلافه.

فقد روى وابصة وقد أتى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يسأله عن البرّ والإثم فجعل ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنامله الثلاث ينكث بهنّ في صدر وابصة ويقول : ( يا وابصة استفتِ نفسك واستفت نفسك ـ ثلاث مرات ـ البرّ ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في نفسك وتردّد في صدرك وإن أفتاك الناس وأفتوك )(2) .

ولمّا كانت الفترة الزمنية الّتي سنقرأ عنها في هذا الجزء قد اشتملت على أحداث جسام وتراكمات ضارّة ، نخرت بنية المسلمين داخلياً بدءاً من حرب الجمل ثمّ صفين ثمّ النهروان ، ثمّ مقتل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وما تلا ذلك ، ويأتي الكلام عن بدء خلافة الإمام الحسن الزكي الّتي مارس فيها الحكم لمدة ستة أشهر ، وبها أنتهت خلافة النبوّة. ثمّ الموقف الأضطراري الّذي فرض نفسه على إمام الأمة ، فقد هادن معاوية على أن يباشر الحكم ثمّ يعود الأمر من بعده إلى الإمام صاحب الحقّ الشرعي ، ولكن معاوية لم يفِ بشرط واحد من شروط

____________________

(1) دويّبة غبراء كهيئة الذرة ، والدّبة مؤنث الدّب حيوان من السباع.

(2) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 175 ط القدسي ، عن أحمد وأبي يعلى.

٩

الصلح كما سيأتي ذلك مفصلاً ، فاغتال الإمام بالسم وعهد بالأمر لابنه يزيد ، وكانت بلية المسلمين عظيمة إذ بليت براع مثل يزيد ، إذ تولى ثلاث سنين قتل في الأولى الإمام الحسين بن عليّ ( عليه السلام ) سبط النبوة وسيد شباب أهل الجنة ، وأهل بيته وأنصاره في مجزرة كربلاء وسبى عياله ، وفي السنة الثانية كانت وقعة الحرّة حيث أباح المدينة لجيشه ، وفي الثالثة أمر بغزو مكة ورمى جيشه الكعبة بالمنجنيق ، وبدأت تتسع الانقسامات الداخلية سياسياً وفكرياً ، وفي خضمّ جميع تلك الأحداث كان ابن عباس يمارس دوره بما يمليه الواجب عليه إلى أن وافته المنية وهو بالطائف عام 68 هجري. كلّ ذلك نتركه إلى ما بعد هذا الجزء.

وسنجعل الحديث عن ابن عباس في هذه الحقبة في ثلاثة مراحل : المرحلة الأولى وتبدأ من تولي الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحكم في سنة 35 إلى بداية خلافة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، والمرحلة الثانية من بداية خلافة الإمام الحسن ( عليه السلام ) يتضمن فترة أستحواذ معاوية وابنه يزيد على حكومة المسلمين ، والمرحلة الثالثة ما كان بعد ذلك إلى نهاية حياته.

وممّا لا ريب فيه أنّ المراحل التاريخية الّتي مرّ بها ابن عباس ، تداخلت بتداعياتها بعضها في بعض طبيعة تأثر اللاحقة بمواريث السابقة ، خصوصاً في أولها فهي لا تزال تعيش مع بقايا المتقدمة برهة من الزمن ، ثمّ تتلاشى آثار تلك البقايا كلياً أو الكثير منها ليحلّ ما جدّ وأستجدّ محلّها ، وهذه سنّة التطور في كلّ شيء في هذا العالم.

وليكن نظرنا إلى رجال التاريخ الذين عاشوا الأحداث فصيّروها وصوّروها هُم أناسٌ بشرٌ مثلنا ، فيهم المحسن ومنهم المسيء ، وفيهم المخطيء كما فيهم

١٠

المصيب ، فلا تخدعنا الأبازير(1) في النسب والأفاويه في الصحبة ، عن حقيقة الإنسان مهما كان ومَن كان( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (2) ،( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (3) ،( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى ) (4) .

نسأله التوفيق والتسديد إنّه حميد مجيد.

( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (5) .

محمّد مهدي السيد حسن

الموسوي الخرسان

عفي عن

____________________

(1) التوابل ونوافج الطيب ، ومثله الأفاويه.

(2) المدثر / 38.

(3) البقرة / 286.

(4) النجم / 39.

(5) الحشر / 10.

١١

١٢

حبر الأمة

في عهد أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) قبل ولايته على البصرة

١٣

١٤

رحلة العودة إلى المدينة :

ومضت أيام الحج المعلومات وابن عباس يترقّب مفاجأة الأيام بما خلّفه وراءه يوم خرج من المدينة وأتى مكة أمير الموسم. فلمّا قضى المناسك كانت العودة والإسراع بقطع المراحل همّه الأهم ، وما يدرينا لعله تعجّل النفر الأوّل في اليومين. فقد روى الطبري في تاريخه في حديث سيف (؟) جاء فيه : « انّ عثمان قتل في ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه ، وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرمي ، وعلى الموسم يومئذ عبد الله بن عباس ، بعثه عثمان وهو محصور ، فتعجّل أناسٌ في يومين فأدركوا مع ابن عباس فقدموا المدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع عليّ ، وهرب بنو أمية فلحقوا بمكة ، وبويع عليّ لخمس بقين من ذي الحجة يوم الجمعة »(1) .

فهذا الخبر وان كان راويه سيف بن عمر وهو ممّن لا يوثق بأخباره منفرداً ، إلاّ أنّ الحبر بمركزه الإمارتي وطبيعة الأحداث يومئذ ، تقضي أن يتعجّل النَفَر على خلاف العادة لأمير الموسم ، إذ كان لا يخرج من منى إلاّ بعد اليوم الثالث عشر ، ولكن غليان المرجل في المجتمع لتطلّع الأخبار في المدينة وما جرى فيها عجّل بالخروج ، كما قضى بانتهاب الرواحل للمراحل ، فإنّ المسافة بين مكة والمدينة على طريق الجادة نحواً من عشر مراحل(2)

____________________

(1) تاريخ الطبري 5 / 448 ط دار المعارف.

(2) الأعلاق النفسية لابن رستة / 180 ط ليدن والمسالك والممالك للأصطخري / 27 ط ليدن ومعجم البلدان لياقوت الحموي 7 / 300.

١٥

والمرحلة ما يقطعه المسافر في يومه ، وتقدّر بثمانية فراسخ(1) فتكون رحلة العودة تستغرق عشرة أيام ، ولعلّ الإسراع طوى بعض المسافات لأكثر من مرحلة أحياناً ، فقد وصل إلى المدينة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام ، ولما كان قتله لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجة ، فيكون يوم الدخول هو اليوم الثالث والعشرين من ذي الحجة ، وذلك قبل مبايعة الناس لابن عمه بيومين ـ فيما أرى ـ فهو قد أدرك إذا هياج المسلمين وانثيالهم على الإمام يريدون مبايعته ، وأدرك امتناع ابن عمه من قبول دعوة الناس وسمع قوله : اطلبوا غيري لأن أكون وزيراً خيرٌ لكم من أن أكون أميراً. وسيأتي تحقيق عن زمان عودته.

مبايعة المسلمين للإمام :

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « فما راعني إلاّ والناس كعُرف الضُبع إليّ ، ينثالون عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطيء الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم »(2) .

وقال ( عليه السلام ) : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكّرت ، واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعليّ أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً »(3) .

____________________

(1) البلدان لليعقوبي.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 67.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 170.

١٦

قال ابن حجر المكي في الصواعق : « فلم يبق أحد من أهل بدر إلاّ أتى عليّاً فقالوا : ما نرى أحداً أحقّ بها منك ، مدّ يدك نبايعك فبايعوه »(1) .

قال ابن الأثير في الكامل : « اجتمع أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير فأتوا عليّاً فقالوا له : إنه لابدّ للناس من إمام قال : لا حاجة لي في أمركم فمن أخترتم رضيت به. فقالوا ما نختار غيرك وتردّدوا إليه مراراً وقالوا له في آخر ذلك : إنا لا نعلم أحداً أحق به منك لا أقدم سابقة ولا أقرب قرابة من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خيراً من أن أكون أميراً ، فقالوا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإنّ بيعتي لا تكون خفية ولا تكون إلاّ في المسجد ، وكان في بيته وقيل في حائط لبني عمرو بن مبذول ، فخرج إلى المسجد وعليه إزار وطاق(2) وعمامة خزّ ونعلاه في يده متوكئاً على قوس ، فبايعه الناس ، وكان أوّل من بايعه من الناس طلحة بن عبيد الله ، فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال : إنا لله ، أوّل من بدأ البيعة يد له شلاّء ، لا يتم هذا الأمر ، وبايعه الزبير وقال لهما : إن أحببتما أن تبايعاني ، وإن أحببتما بايعتكما؟ فقالا : بل نبايعك ، وقالا : بعد ذلك إنّما فعلنا ذلك خشية على نفوسنا ، وعرفنا انّه لا يبايعنا ، وهربا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر »(3) . ونحو ذلك في الطبري(4) .

وهذا ما اتفق عليه الرواة وأخبت بصحته المؤرخون ، فقد قال ابن قتيبة : « فقام الناس فأتوا عليّاً في داره فقالوا : نبايعك فمدّ يدك لابدّ من أمير فأنت

____________________

(1) الصواعق المحرقة / 116 ط محققة.

(2) الطاق : ضرب من الثياب ، والطيلسان او الأخضر منه ( القاموس ).

(3) الكامل لابن الأثير 3 / 190.

(4) تاريخ الطبري 4 / 428 ـ 429 ط دار المعارف.

١٧

أحق بها ، فقال : ليس ذلك اليكم ، إنّما هو لأهل الشورى وأهل بدر ، فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة ، فنجتمع وننظر في هذا الأمر ، فأبى أن يبايعهم ، فانصرفوا عنه ، وكلّم بعضهم بعضاً فقالوا : يمضي قتل عثمان في الآفاق والبلاد فيسمعون بقتله ولا يسمعون أنّه بويع لأحد بعده فيثور كلّ رجل منهم في ناحية ، فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد ، فارجعوا إلى عليّ فلا تتركوه حتى يبايَع ، فيسير مع قتل عثمان بيعة عليّ فيطمئن الناس ويسكنون فرجعوا إلى عليّ ».

وروى ابن قتيبة ـ عن أبي ثور أحد قتلة عثمان ـ قال : « فلمّا كانت البيعة له ـ لعليّ ـ خرجت في أثره والناس حوله يبايعونه ، فدخل حائطاً من حيطان بني مازن فألجؤه إلى نخلة ، وحالوا بيني وبينه فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراعه تختلف أيديهم على يده »(1) .

وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد : « لمّا قتل عثمان بن عفان ، أقبل الناس يُهرعون إلى عليّ بن أبي طالب ، فتراكمت عليه الجماعة في البيعة ، فقال : ليس ذلك اليكم ، انما ذلك لأهل بدر ليبايعوا ، فقال : اين طلحة والزبير وسعد؟ فاقبلوا فبايعوا ، ثمّ بايعه المهاجرون والأنصار ، ثمّ بايعه الناس ، وذلك يوم الجمعة »(2) .

وروى الطبري عن أبي بشير العابدي قال : « كنت بالمدينة حين قتل عثمان ( رضي الله عنه ) وأجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليّاً فقالوا : يا أبا حسن هلمّ نبايعك ، فقال : لا حاجة لي في أمركم أنا معكم ، فمن أخترتم فقد رضيت به ، فاختاروا والله فقالوا : ما نختار غيرك.

____________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 42 مط الاُمة سنة 1328.

(2) العقد الفريد 4 / 310 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1363.

١٨

قال : فاختلفوا إليه مراراً ثمّ أتوه في آخر ذلك فقالوا له : إنه لا يصلح الناس إلاّ بإمرة وقد طال الأمر ، فقال لهم : إنكم قد اختلفتم إليّ وأتيتم ، واني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه. قالوا : ما قلتَ من شيء قبلناه إن شاء الله.

فجاء فصعد المنبر ، فاجتمع الناس إليه فقال : إني قد كنت كارهاً لأمركم ، فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم ، ألا وإنه ليس لي أمر دونكم ، إلاّ أن مفاتيح ما لكم معي ، ألا وإنّه ليس لي أن آخذ درهماً دونكم ، رضيتم؟ قالوا : نعم ، قال اللّهمّ أشهد عليهم ، ثمّ بايعهم على ذلك قال أبو بشير وأنا يومئذ عند منبر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قائم أسمع ما يقول »(1) .

وهذه المبايعة الإجماعية لم تحصل من قبل لأيّ ممّن سبقه في الحكم ، فبيعة أبي بكر كانت بخمسة نفر في سقيفة بني ساعدة وهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وبشير بن سعد وأسيد بن حضير وسالم مولى أبي حذيفة. ثمّ تمّت بحشر الناس اليها من قبل أولئك وهم محتجزون بالأزر الصنعانية وبأيديهم عسيب النخل يخبطون به الناس كما مرّ ذلك مفصلاً في الجزء الأوّل.

وأمّا بيعة الناس لعمر بالخلافة فقد كانت بوصية أبي بكر وقد غشي عليه فيها قبل أن يتمّها ، فكتب عثمان اسم عمر ، وأبو بكر في غشيته ، فلمّا أفاق وقرأ عليه ذلك أمضاه ، وأمر غلامه شديد أن يخرج إلى المسجد ليقرأ الصحيفة على الناس ومعه عمر بيده جريدته ـ عسيب نخل ـ يُجلس الناس وهو يقول : أيها الناس إسمعوا وأطيعوا لقول خليفة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إنّه يقول لكم إني لم آل

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 427 ـ 428 ط دار المعارف.

١٩

نصحاً(1) وأمّا بيعة عثمان فقد مرّت تفاصيلها وأنّها خدعة أيّما خدعة ، أحكمت باسم الشورى ، ولم تكن ثمة شورى ، بل كانت ترشيح من عمر لستة نفر ثمّ ترجيح منه لكفّة على كفّة ، ثمّ توضيح مَن صاحب الكفّة الراجحة لإثبات عثمان واستبعاد عليّ عن الخلافة ، وقد مرّت بتداعياتها في الجزء الثاني ، فراجع.

فلا بدع بقول من قال : إنّ بيعة الإمام هي أوّل بيعة صحيحة أجتمعت عليها آراء المسلمين في المدينة من مهاجرين وأنصار ثمّ سائر الناس من ممثلي بقية الأقطار الثلاثة : مصر والكوفة والبصرة ، الذين كانوا ـ وهم الثوّار ـ لا يزالون في المدينة.

وجاء في شرح المقاصد عن بعض المتكلمين : « انّ الإجماع انعقد على ذلك ، ووجه انعقاده في زمن الشورى ، على أنّها له أو لعثمان ، وهذا اجماع على أنّه لولا عثمان لكانت لعليّ ، فحين خرج عثمان بقتله من البين علم أنّها بقيت لعليّ إجماعاً ، ومن ثَم قال إمام الحرمين : ولا اكتراث بقول : من قال لا إجماع على إمامة عليّ ، فإنّ الإمامة لم تجحد له ، وإنّما هاجت الفتنة اُمور اُخرى »(2) .

وقال الدكتور طه حسين في كتابه ( عليّ وبنوه ) وهو يستعرض موقف الإمام من حكومة الخلفاء قبله : « فاستبان لعليّ يومئذ ـ يعني يوم بيعة أبي بكر ـ أن بينه وبين المهاجرين من قريش خلافاً واضحاً فهو يرى لنفسه الحقّ في الخلافة والمهاجرون لا يرون له هذا الحقّ

____________________

(1) نفس المصدر 3 / 429.

(2) أنظر الصواعق المحرقة / 117 تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. تحذير العبقري من محاضرات الخضري 1 / 226.

٢٠