موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 45150
تحميل: 2785


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45150 / تحميل: 2785
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

استنكار البصريين على الناكثين :

روى الطبري : أنّ جارية بن قدامة السعدي أقبل فقال : يا أم المؤمنين لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجكِ من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنّه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكتِِِ سِترَكِ وأبحتِ حرمتكِ ، إنّه من رأى قتالكِ فإنّه يرى قتلكِ ، وإن كنتِ أتيتنا طائعة فأرجعي إلى منزلكِ ، وإن كنتِ أتيتِنا مستكرهة فاستعيني بالناس.

قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : أمّا أنت يا زبير فحواري رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأمّا أنت يا طلحة فوقيت رسول الله بيدك ، وأرى أمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا : لا ، قال فما أنا منكما في شيء واعتزل ، وقال السعدي في ذلك :

صنتم حلائلكم وقدتم أمّكُم

هذا لعمرك قلة الإنصاف

أمرتْ بجرّ ذيولها في بيتها

فهوت تشقّ البيد بالإيجاف

غرضاً يُقاتِلُ دونها أبناؤها

بالنبل والخطَي والأسياف

هُتكتْ بطلحة والزبير ستورها

هذا المخبر عنهم والكافي

وأقبل غلام من جهينة على محمّد بن طلحة ـ وكان محمّد رجلاً عابداً ـ فقال : أخبرني عن قتلة عثمان؟ فقال : نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث ، ثلث على صاحبة الهودج ـ يعني عائشة ـ وثلث على صاحب الجمل الأحمر ـ يعني طلحة ـ وثلث على عليّ بن أبي طالب ، وضحك الغلام وقال : ألا أراني على ضلال! ولحق بعليّ ، وقال في ذلك شعراً.

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يُقبر

١٠١

فقال ثلاثة رهطٍ هَمُ

أماتوا ابن عفان واستعبرِ

فثلث على تلك في خدرها

وثلث على راكب الأحمر

وثلث على ابن أبي طالبٍ

ونحن بدرّيةٍ قرقر

فقلت صدقت على الأولَين

وأخطأت في الثالث الأزهر(1)

مغالطة عائشة لنفسها :

لقد مرّ بنا قولها لأم سلمة : إنّما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر.

فمن كانت تعتقد بذلك لماذا كانت تتم صلاتها في سفرها ذلك؟

فقد ذكر الشوكاني أنّ عائشة كانت تتم صلاتها في السفر ، وقال : « وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء أنّ عائشة كانت تصلي في السفر أربعاً ، فإذا احتجوا عليها تقول : إنّ النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم كان في حروب وكان يخاف فهل أنتم تخافون؟

ثمّ قال : وقيل في تأويل عائشة : أنّها أتمت في سفرها إلى البصرة لقتال عليّ ( عليه السلام ) ، والقصر عندها إنّما يكون في سفر طاعة اهـ »(2) .

ولمّا كان هذا التأويل يصدع القوارير فقد انبرى بعض علماء التبرير وهو ابن حجر في فتح الباري فأبطله من دون بيان وجه البطلان ، وإنّما كان منه دفعاً بالصدر(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 467.

(2) نيل الأوطار 3 / 211 باب من اجتاز في بلد فتزوج فيه صلاة المسافر.

(3) راجع إتمام عثمان الصلاة بمنى.

١٠٢

وقس على هذا موقفها عند ماء الحوأب وقد نبحتها كلابه ، فسألت عن المكان فأخبروها ، فقالت : « ردوني ردوني » ، لولا أنّ عبد الله بن الزبير أتاها بأربعين شاهد زور شهدوا أنّه ليس الحوأب ـ فكانت تلك أوّل شهادة زور في الإسلام ـ فطاوعت وساورت ولم يدر في خلد المسلمين أن أمهم سوف تخرج للقتال مع فئة الناكثين ، فإذا روى أحدٌ لهم في ذلك حديثاً أو أثراً لا يكادون يصدقوه!

ورحم الله حذيفة بن اليمان فقد كان عنده من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعض العلم بأحداث المستقبل ، كما كانت له معرفة بالمنافقين ، فكان يحدّث ويحذّر ، ولكن أين السميع الفهيم.

والآن لنقرأ بعض ما جاء عنه ( رحمه الله ) :

فقد روى أبو البختري قال : « قال حذيفة : أرأيتم لو حدثتكم أن أمّكم تخرج في فئة تقاتلكم أكنتم مصدّقي؟

قال : قلنا : سبحان الله يا أبا عبد الله ولم تفعل؟

قال : أرأيتم لو قلت لكم تأخذون مصاحفكم فتحرقونها وتلقونها في الحشوش أكنتم مصدّقي؟

قالوا : سبحان الله ولم نفعل؟

قال : أرأيتم لو حدثتكم أنكم تكسرون قبلتكم أكنتم مصدّقي؟

قالوا : سبحان الله ولم نفعل؟

قال : أرأيتم لو قلت لكم انه يكون منكم قردة وخنازير أكنتم مصدّقي؟

فقال رجل : يكون فينا قردة وخنازير؟

١٠٣

قال : وما يؤمنك لا أم لك »(1) .

وأخرج البزار من طريق زيد بن وهب قال : « بينما نحن حول حذيفة إذ قال : كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف؟ قلنا : يا أبا عبد الله فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك؟ قال : انظروا إلى الفرقة الّتي تدعو إلى أمر عليّ بن أبي طالب فإنها على الهدى »(2) .

وأخرج ابن أبي شيبة بسنده عن الزبير بن عدي عن حذيفة أنّه قال لرجل : ما فعلت أمك؟ قال : قد ماتت ، قال : أمّا إنك ستقاتلها ، قال : فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة(3) . وقد أورده المتقي الهندي من طريق ابن أبي شيبة(4) .

وأورد ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث(5) في حديث حذيفة انه ذكر خروج عائشة فقال : تقاتل معها ، معها مضر مضرّها(6) الله في النار ، وأزد عُمان سَلَت(7) الله أقدامها ، وإنّ قيساً لن تنفكّ تبغي دين الله شراً حتى يُركبها الله بالملائكة ، ولا يمنعوا ذَنَب تلعة(8) .

____________________

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 15 / 103 ( كتاب الفتن ) ، وعنه السيوطي في جمع الجوامع 2 / 365 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 11 / 333 وكلاهما من طريق ابن أبي شيبة. وأخرجه ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف / 17 ط افست المثنى.

(2) فتح الباري لابن حجر 16 / 165 ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1387 هـ.

(3) المصنف 15 / 256 ( كتاب الجمل ).

(4) كنز العمال 11 / 324.

(5) غريب الحديث 2 / 250.

(6) أي جمعها في النار ، قال ابن قتيبة : أشتق لذلك لفظاً من أسمها

(7) أي قطعها ، قال ابن قتيبة : سلت المرأة الخضاب إذا مسحته وألقته ، وسلت الحلاق رأس الرجل

(8) التلعة : سيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي.

١٠٤

وأخرج الحاكم عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : « كنا عند حذيفة ( رضي الله عنه ) فقال بعضنا حدّثنا يا أبا عبد الله ما سمعت من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قال : لو فعلت لرجمتموني ، قال قلنا : سبحان الله أنحن نفعل ذلك؟!

قال : أرأيتم لو حدثتكم أنّ بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها صدّقتم به؟

قالوا : سبحان الله ومن يصدّق بهذا!

ثمّ قال حذيفة : أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها حيث تسود وجوهكم ، ثمّ قام فدخل مخدعاً »(1) .

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي في تلخيصه.

أقول : وقد روى هذا ابن أبي الحديد ثمّ قال : « قلت : هذا الحديث من أعلام نبوّة سيّدنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، لأنّه إخبار عن غيب تلقّاه حذيفة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وحذيفة أجمع أهل السيرة على أنّه مات في الأيام الّتي قتل عثمان فيها ، أتاه نعيه وهو مريض فمات وعليّ ( عليه السلام ) لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل.

وهذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أصحاب الجمل إلاّ من ثبتت توبته منهم وهم الثلاثة (؟) »(2) .

وذكر المسعودي في مروج الذهب : « أنّه لمّا قتل الأمين دخل إلى زبيدة بعض خدمها فقال لها : ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين محمّد؟ فقالت : ويلك

____________________

(1) مستدرك الحاكم 4 / 471 ط ـ حلب أفست ط حيدرآباد.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 41.

١٠٥

وما أصنع؟ فقال : تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت : إخسأ لا أم لك ، ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الأبطال؟ »(1) .

الإمام مع مستشاريه في المدينة :

قال ابن أعثم : « وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى عليّ ( رضي الله عنه ) :

بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عليّ أمير المؤمنين من أم الفضل بنت الحارث : أمّا بعد فإن طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة ، وقد استنفروا الناس إلى حربك ، ولم يخفّ معهم إلى ذلك إلاّ مَن كان في قلبه مرض ، ويد الله فوق أيديهم ـ والسلام.

قال : ثمّ دفعت أم الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جهينة له عقل ولسان يقال له ظفر(2) ، فقالت : خذ هذا الكتاب وأنظر أن تقتل في كلّ مرحلة بعيراً وعليّ ثمنه ، وهذه مائة دينار قد جعلتها لك فجدّ السير حتى تلقى عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) فتدفع إليه كتابي هذا.

قال : فسار الجهني سيراً عنيفاً حتى لحق أصحاب عليّ ( رضي الله عنه ) وهم على ظهر المسير ، فلمّا نظروا إليه نادوه من كلّ جانب : أيها الراكب ما عندك؟

قال : فنادى الجهني بأعلى صوته شعراً يخبر فيه بقدوم عائشة وطلحة والزبير ـ إلى البصرة ـ.

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 423 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

(2) في تاريخ الطبري 4 / 455 دار المعارف : وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن. فلا يبعد أن يكون هو ظفر وذلك لقبٌ له. ويكون أختيار أم الفضل له لأنه كان مولىً لأبيها الحارث بن حزن وتفاؤلاً باسمه ظفر والخبر في تاريخ ابن خلدون 2 / 408.

١٠٦

قال : فلمّا سمع عليّ ذلك دعا محمّد بن أبي بكر وقال له : ألا ترى إلى أختك عائشة كيف خرجت من بيتها الّذي أمرها الله ( عزّ وجلّ ) أن تقرّ فيه ، وأخرجت معها طلحة والزبير يريد ان البصرة لشقاقي وفراقي؟

فقال له محمّد : يا أمير المؤمنين لا عليك ، فإن الله معك ولن يخذلك ، والناس بعد ذلك ناصروك والله تبارك وتعالى كافيك أمرهم إن شاء الله »(1) .

هذا ما رواه ابن أعثم.

ولكن رواية الشيخ المفيد : « فقال : ولمّا جاءه كتاب يخبره بخبر القوم دعا ابن عباس ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وسهل بن حنيف وأخبرهم بذلك وبما عليه القوم من المسير.

فقال محمّد بن أبي بكر : ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم ( عليه السلام ) وقال : يطلبون بدم عثمان.

فقال محمّد : والله ما قتله غيرُهم.

ثمّ قال عليّ ( عليه السلام ) : أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه.

فقال عمّار : الرأي أن نسير إلى الكوفة فإنّ أهلها لنا شيعة ، وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة.

وقال ابن عباس : الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن نقدّم رجالاً إلى الكوفة فيبايعوا لك ، وتكتب إلى الأشعري أن يبايع لك ، ثمّ بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة ، وتكتب إلى أم سلمة فتخرج معك ، فإنّها لك قوّة.

____________________

(1) كتاب الفتوح لابن أعثم 3 / 285.

١٠٧

فقال أمير المؤمنين : بل أنهض بنفسي ومن معي في اتباع الطريق وراء القوم ، فإن أدركتهم بالطريق أخذتهم ، وإن فاتوني كتبت إلى الكوفة واستمددت الجنود من الأمصار وسرتُ اليهم.

وأمّا أم سلمة فإنّي لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان اخراج عائشة.

فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد وقال لأمير المؤمنين : فداك أبي وأمي لا تسر وحدك وانطلق إلى ينبع وخلّف على المدينة رجلاً ، وأقم بمالك ، فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك.

فقال له ابن عباس : إنّ هذا القول منك يا أسامة على غير غلٍ في صدرك فقد أخطأت وجه الرأي منه ليس هذا برأي بصير ، يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها.

فقال أسامة : فما الرأي؟ قال : ما أشرت به إليه وما رأى أمير المؤمنين لنفسه »(1) .

قال الطبري : « وخرج عليّ يبادرهم في تعبيته الّتي كان تعبّى بها إلى الشام ، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل ، وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج ، وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرّهم ، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة »(2) ، « وكان خروجه من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين »(3) .

____________________

(1) كتاب الجمل للشيخ المفيد / 112 ط الحيدرية سنة 1368 هـ.

(2) تاريخ الطبري 4 / 455.

(3) نفس المصدر 4 / 478.

١٠٨

قال ابن قتيبة : « شخص من المدينة في تسعمائة من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، ومعهم بشر كثير من أخلاط الناس ، واستخلف على المدينة قثم بن عباس ـ وكان له فضل وعقل ـ وأمره أن يشخص إليه من أحبّ الشخوص ، ولا يحمل أحداً على ما يكره ، فخفّ الناس إلى عليّ بعده »(1) . قال السدي : « شهد مع عليّ يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم »(2) .

في الربذة :

قال الشيخ المفيد(3) : ولمّا توجه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى البصرة نزل الربذة ، فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه ، وهو في خبائه.

قال ابن عباس ( رضي الله عنه ) : فأتيته فوجدته يخصف نعلاً ، فقلت له نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع ، فلم يكلّمني حتى فرغ من نعله ثمّ ضمها إلى صاحبتها وقال لي قوّمهما ، فقلت : ليس لهما قيمة ، قال على ذاك ، قلت : كسر درهم ، قال : والله لهما أحبّ إلي من أمركم إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً ، قلت : أنّ الحاج قد أجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلم فإن كان حسناً كان منك ، وإن كان غير ذلك كان مني ، قال : لا أنا أتكلم. ثمّ وضع يده على صدري ـ وكان شثن الكفين ، فآلمني ـ ثمّ قام فأخذت بثوبه وقلت : نشدتك الله والرحم ، قال : لا تنشدني ، ثمّ خرج فاجتمعوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد فإنّ الله تعالى بعث محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وليس في العرب أحد يقرأ كتاباً ولا يدعي

____________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 50 ط مصر سنة 1328 هـ.

(2) أنظر سير أعلام النبلاء 1 ـ 2 / 639 ط دار الفكر.

(3) الإرشاد / 132 ط الحيدرية.

١٠٩

نبوّة ، فساق الناس إلى منجاتهم ، أما والله ما زلت في ساقتها ما غيّرت ولا بدّلت ولا خنت حتى تولّت بحذافيرها ، ما لي ولقريش ، أما والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنّهم مفتونين ، وإنّ مسيري هذا عن عهد إليَّ فيه(1) أما والله لأبقرنّ الباطل حتى يخرج الحقّ من خاصرته ، ما تنقم منا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيّزنا وأنشد :

أدمتَ لعمري شربَك المحض صابحا

وأكلك بالزبد المقشّرةَ التمرا

ونحن وهبناك العَلاءَ ولم تكن

عَلياً وحُطنا حولك الجُرد والسُمرا(2)

قال الطبري في تاريخه : « كان عليّ في همّ من توجه القوم لا يدري إلى أين يأخذون ، وكان أن يأتوا البصرة أحبّ إليه ، فلمّا تيقّن أنّ القوم يعارضون طريق البصرة سرّ بذلك وقال : الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم.

فقال له ابن عباس : إن الّذي يسرّك من ذلك ليسؤوني ، إن الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب ، ولا يحملهم عِدّة القوم ، ولا يزال فيهم من يسمو إلى أمر لا يناله فإذا كان كذلك ، شغب على الّذي قد نال ما يريد حتى تكسر حدته(3) ، وحتى يفشأه فيفسد بعضهم على بعض. فقال عليّ : إنّ الأمر ليشبه ما

____________________

(1) أخرج الحاكم في المستدرك 3 / 139 بسنده عن أبي أيوب قال أمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليّ بن أبي طالب : بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد حدث أبو أيوب بذلك في خلافة عمر. وراجع تاريخ بغداد 8 / 340 ، وأسد الغابة 4 / 32 ، وكنز العمال 6 / 319 ط الأولى حيدر آباد ، والرياض النضرة 2 / 240 وغيرها ، والسيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 138 ط حيدر آباد.

(2) روى الشريف الرضي في النهج الكلام المتقدم من ابن عباس والإمام كان بذي قار وعلى ذلك شراح النهج ، لكن الشيخ المفيد وهو استإذ الرضي وأقدم منه زمناً رواه ـ كما ذكرنا عنه ـ انه كان في الربذة. وهو الصحيح فيما أرى.

(3) أنظرتاريخ ابن الأثير 3 / 86 ط بولاق.

١١٠

تقول ، ولكنّ الأُثرة لأهل الطاعة ، وألحق بأحسنهم سابقة وقُدمه ، فإن أقنعهم ذلك كان خيراً لهم ، وإن لم يقنعهم كلّفونا إقامتهم ، وكان شرّاً على من هو شرّ له.

فقال ابن عباس : إنّ ذلك لأمر لا يدرك إلاّ بالقنوع »(1) .

هذا حديث بين إمام تُحمّله مسؤلية الإمامة مواجهة تداعيات المواقف في المستقبل القريب بما فيها من عناء ، وبين مأموم تُحمّله مسؤلية الطاعة والإخلاص محضَ النصيحة لإمامه ، مضافاً إلى أوامر القربى القريبة ، فهو حديث لا يخلو من مرارة يتجرّعها المشير والمستشير على أختلاف الرأي في المنظور بينهما ، مع بُعد النظر عند كليهما. فعليهما معاً أن يستعدّا لمواجهة المستقبل بما تواتيه الظروف وتحمله المفاجآت.

قال ابن الأثير : « ولمّا قدم عليّ الربذة وسمع بها خبر القوم أرسل منها إلى الكوفة محمّد بن أبي بكر الصديق ومحمّد بن جعفر وكتب إليهم : إنّي اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث ، فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً وانهضوا إلينا فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا »(2) .

ثمّ قال ابن الأثير : « فمضيا وبقي عليّ بالربذة وأرسل إلى المدينة فأتاه ما يريده من دابة وسلاح وأمر أمره »(3) .

وقال ابن الأثير : « وسار عليّ من الربذة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمّد بن الحنفية ، وعليّ على ناقة حمراء يقود فرساً كميتا ، فلمّا نزل بفيد أتته أسد وطيء فعرضوا عليه أنفسهم فقال : الزموا قراركم ، في

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 459.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 95.

(3) نفس المصدر.

١١١

المهاجرين كفاية ، وأتاه رجل بفيد من الكوفة فقال له من الرجل؟ قال : عامر بن مطر الشيباني قال : اخبر عمّا وراءك فأخبره ، فسأله عن أبي موسى فقال : إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبه ، وإن أردت القتال فليس بصاحبه. فقال عليّ : والله ما أريد إلاّ الصلح حتى يردّ علينا »(1) .

وقال ابن الأثير : ولمّا نزل عليّ الثعلبية أتاه الّذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فأخبر أصحابه الخبر فقال : اللّهمّ عافني ممّا ابتليت به طلحة والزبير.

فلمّا انتهى إلى الآساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان فقال : الله أكبر أما ينجيني من طلحة والزبير إن أصابا ثارهما. وقال :

دعا حكيم دعوة الزماع

حل بها منزلة النزاع(2)

وقال ابن الأثير : « فلمّا انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة. وقيل أتاه بالربذة وكانوا قد نتفوا شعر رأسه ولحيته فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد فقال : أصبت أجراً وخيراً وأقام بذي قار ينتظر محمّداً ومحمّدا ، فأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لهما ما قال لطيء وأسد »(3) .

وقال ابن الأثير : « وأمّا محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر فأتيا أبا موسى بكتاب عليّ وقاما في الناس بأمر فلم يجابا إلى شيء فغضب محمّد ومحمّد وأغلظا لأبي موسى فقال لهما : والله أن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما فانطلقا إلى عليّ فأخبراه الخبر وهو بذي قار. فقال للأشتر وكان معه : أنت

____________________

(1) نفس المصدر.

(2) نفس المصدر / 96.

(3) نفس المصدر.

١١٢

صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كلّ شيء. اذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت »(1) .

ماذا عن سفارة ابن عباس إلى الكوفة؟

إنّ اختلاف الرواة بتفاوت الروايات يصكّ الباحث بدوامة من الشك حول سفارة ابن عباس إلى الكوفة فهل كانت مرة واحدة؟ أم كانت متعددة؟

ثمّ هل كانت من الربذة؟ أو من فيد؟ أو من ذي قار؟ أو منها جميعاً؟

من هنا حدثت البلبلة الّتي شوّشت على الباحث حين واجهته روايات المؤرخين المتفاوتة ، وربما كانت متضاربة. فلنقرأ بعض ما وقفت عليه في المقام متسلسلين مع المصادر الأقدم فالأقدم :

أوّلاً : ما رواه أبو مخنف المتوفى سنة 157 هـ في كتاب الجمل قال : « وبعث عليّ ( عليه السلام ) من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة اخي طيء عبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر إلى أبي موسى وكتب معهما :

من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس ، أمّا بعد يا بن الحائك يا عاض أبيه ، فوالله إنّي كنت لأرى أنّ بُعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعلك الله له أهلاً ، ولا جعل لك فيه نصيباً ، سيمنعك من ردّ أمري والانتزاء عليَّ ، وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبي بكر فخلّهما والمصر وأهله ، واعتزل عملنا مذموماً مدحوراً. فإن فعلت وإلاّ فإنّي قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء ، إنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ، فإذا ظهرا عليك قطّعاك إرباً إربا والسلام على من شكر النعمة ، ووفى بالبيعة وعمل برجاء العاقبة.

____________________

(1) نفس المصدر.

١١٣

قال أبو مخنف : فلمّا أبطأ ابن عباس وابن أبي بكر عن عليّ ( عليه السلام ) ولم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها ، فلمّا نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه وعمّار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد بن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة »(1) .

أقول : وسيأتي حديث أبي مخنف برواية البلاذري بسنده عنه بتفاوت عما ذكرناه.

ثانياً : ما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال : « وذكروا أنّ عليّاً لمّا نزل قريباً(2) من الكوفة بعث عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري وإلى أهل الكوفة يستفزهم ( يستنفرهم ظ )

وقال : فلمّا انصرفا إلى عليّ من عند أبي موسى وأخبراه بما قال أبو موسى ـ في تثبيط الناس ـ بعث إليه الحسن بن عليّ وعبد الله بن عباس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد وكتب معهم إلى أهل الكوفة :

أمّا بعد فاني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سامعُه كمن عاينَه : إن الناس طعنوا على عثمان فكنتُ رجلاً من المهاجرين أُقِلّ عيبَه وأُكثِر استعتابَه ، وكان هذان الرجلان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه شدة اللهجة والوجيف ، وكان من عائشة فيه قول على غضب

وقد بعثت ابني الحسن وابن عمي عبد الله بن عباس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد فكونوا عند ظننا بكم والله المستعان »(3) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 291 ط الأولى و 14 / 9 ـ 10ط محققة.

(2) لا يبعد أن يكون هو العذيب لما سيجيء ذكره في كتاب الإمام إلى جرير والعذيب بين القادسية والمغيثة بينه وبين القادسية اربعة أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلاً ، وهو من منازل حاج الكوفة ( معجم البلدان / العذيب ).

(3) الإمامة والسياسة 1 / 59 ـ 60.

١١٤

ثالثاً :

أ ـ ما رواه البلاذري في الأنساب : قال أبو مخنف باسناده : « وبعث عليّ من الربذة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري إلى أبي موسى بكتاب منه يأمره فيه بدعاء الناس واستنفارهم إليه ، فجعل أبو موسى يخذلهم ولم ينهض معه أحد ، وتوعّد هاشماً بالحبس ، فلمّا قدم هاشم على عليّ دعا عبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر فبعثهما إليه وأمرهما بعزله وكتب إليه معهما كتاباً ينسبه وأباه إلى الحياكة ، فعزلاه وصيّرا مكانه قرظة بن كعب الأنصاري.

وارتحل عليّ بن أبي طالب من الربذة حتى نزل بفيد فاتته جماعة طيء ، ووجّه ابنه الحسن بن عليّ وعمّار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفار أهلها ، فلمّا قدما انصرف ابن عباس ومحمّد بن أبي بكر الصديق ، ويقال : بل أقاما حتى كان انصرافهم جميعاً.

ـ قال البلاذري : ـ وقال قوم : كان قيس بن سعد بن عبادة مع الحسن وعمّار. والثبت ان عليّاً ولّى قيساً مصر وهو بالمدينة حين ولّى عبيد الله بن العباس ابن عبد المطلب اليمن وانه لم يوجّه مع الحسن إلاّ عمّار بن ياسر »(1) .

ب ـ وروى البلاذري أيضاً بسنده عن صالح بن كيسان : « قال صالح : ووجّه عليّ من ذي قار إلى اهل الكوفة ـ لينهضوا إليه عبد الله بن عباس وعمّار بن ياسر فلمّا دعا ابن عباس وعمّار الناس إلى عليّ واستنفراهم لنصرته ، قام أبو موسى وجعل يثبط الناس ، فرجع عبد الله بن عباس وعمّار إلى عليّ فأخبراه بذلك ، فكتب إليه يا بن الحائك ، وبعث الحسن بن عليّ ليندب الناس إليه ، وأمر

____________________

(1) أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام ) حديث 291 تح ـ المحمودي.

١١٥

بعزل أبي موسى فعزله وولّى الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري ، فانتدب معه عشرة آلاف أو نحوهم فخرج بهم إلى أبيه »(1) .

رابعاً : ما رواه ابن جرير وابن الأثير وابن كثير وابن مسكويه وتبعهم ابن خلدون وغيره في حوادث سنة 36 هـ في أخبار الجمل أنّ الإمام أرسل ابن عباس إلى الكوفة ومعه الأشتر وذلك بعد رجوع المحمدين ( محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ).

وقد مرّ عن ابن الأثير قول الإمام للأشتر : ( اذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت ) إشارة إلى يوم طلب الأشتر من الإمام إقرار الأشعري على ولاية الكوفة وتعهدّه به.

وهذا ما رواه الطبري وقال : « فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر فقدما الكوفة وكلّما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة ثمّ قال : إنّ ابن عباس رجع إلى عليّ »(2) ولم يصرّح برجوع الأشتر معه. إلاّ أنّ من ذكرنا من المؤرخين آنفاً صرحوا برجوعهما معاً. ثمّ ذكر الطبري أنّ الإمام دعا ابنه الحسن وعمّار بن ياسر وأرسلهما إلى الكوفة بعد ما رجع ابن عباس.

خامساً : ما قاله الشيخ المفيد : « ولمّا سار ( عليه السلام ) من المدينة انتهى إلى فيد(3) وكان قد عدل إلى جبلي طيء حتى سار معه ستمائة مع عدي بن حاتم من قومه. فقال عليّ ( عليه السلام ) لابن عباس : ما الرأي عندك في أهل الكوفة وأبي موسى الأشعري؟

____________________

(1) نفس المصدر حديث / 289.

(2) تاريخ الطبري 4 / 482.

(3) فيد : نصف طريق الحاج من الكوفة إلى مكة قريب من أجاوسُلمى جبلي طيء ( معجم البلدان 4 / 282 ) ط صادر.

١١٦

فقال له ابن عباس : أنفذ عمّاراً فإنّه رجل له سابقة وقد شهد بدراً ، فإنّه إن تكلم هناك صرف الناس إليك وأنا أخرج معه وابعث معنا الحسن ابنك. ففعل ذلك فخرجوا حتى قدموا على أبي موسى. ـ فلمّا وصلوا الكوفة قال ابن عباس للحسن ولعمّار : إنّ أبا موسى عاق فإذا رفقنا به أدركنا حاجتنا منه.

فقالا : افعل ما شئت ـ فقال ابن عباس لأبي موسى : إنّ عليّاً أرسلنا إليك لما يطرقه سرعتك إلى طاعة الله تعالى ورسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومصيرك إلى ما أحببنا أهل البيت ، وقد علمت فضله وسابقته في الإسلام ، ويقول لك أن تبايع له الناس ، ويقرّك على عملك ويرضى عنك.

فانخدع أبو موسى وصعد المنبر فبايع لعليّ ساعة من النهار ثمّ نزل »(1) . ثمّ ذكر خطب عمّار والحسن وابن عباس كما سيأتي.

هذه هي الروايات المتفاوتة زماناً المختلفة نصاً ، كلها ورد فيها أنّ الإمام أرسل ابن عباس إلى الكوفة لاستنفار الناس ، غير أنّها اختلفت في المكان الّذي أرسله منه ، ففي النصوص الأوّل والثالث فقرة ( أ ) والرابع كان ذلك من الربذة. بينما نجد في النص الثاني جهالة المكان غير أنّه قريب من الكوفة ، أمّا النص الثالث فقرة ( ب ) فقد كان ذلك من ذي قار. والنص الخامس فيه أنّه من فيد.

كما أنّها اختلفت في رفقاء السفر معه ، ففي الأوّل والثالث ( أ ) هو وابن أبي بكر ، وفي الثاني هو مع الحسن وعمّار وقيس ، وفي الخامس مثله من دون ذكر قيس. وفي الثالث فقرة ( ب ) هو وعمّار ، وفي الرابع هو والأشتر. وإذا اعتمدنا جميع ذلك فيكون قد تكرر إرساله إلى الكوفة أربع مرات بموجب ذكر الأماكن

____________________

(1) كتاب الجمل / 124 ط سنة 1368 هـ ط الحيدرية.

١١٧

وذكر الرفقة ولا مانع من ذلك ما دام الزمن يسع لذلك ذهاباً وإياباً وإقامة في الكوفة ، فإنّ الزمن المحدود أوّلاً من خروج الإمام من المدينة وذلك في آخر شهر ربيع الآخر ، والمحدود أخيراً بورود البصرة والتقاء العسكرين وذلك في النصف من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين(1) فيمكن أن يقع فيه كلّ ذلك.

وتصوير ذلك فيما أرى : أنّ الإمام ( عليه السلام ) لمّا وصل إلى الربذة بعث أوّلاً هاشم بن عتبة إلى الكوفة مستنفراً أهلها فلم يتمكن من اقناع أبي موسى الأشعري عامل الإمام على الكوفة بالتعاون معه ، بل خذل الناس فأرسل هاشم إلى الإمام كتاباً مع المحل بن خليفة الطائي ـ كما في رواية أبي مخنف ـ فبعث الإمام محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ـ على رواية الطبري ـ ورجعا ولم يتمكنّا من أبي موسى ، فبعث ابن عباس ومعه محمّد بن أبي بكر وكتب معهما إلى أبي موسى الكتاب الّذي أغلظ له فيه وفيه عزله. وأبطأ خبرهما على الإمام فرحل من الربذة إلى ذي قار ويبدو أنّهما رجعا إلى الإمام قبل أن يصل إلى فيد ، وهناك سأل الإمام من ابن عباس : ما الرأي عندك في أهل الكوفة وأبي موسى. وفي هذا مؤشر على أنّ ابن عباس كان قد وصل الكوفة وخُبر أهلها وعرف موقف الأشعري المتصلب العنيد ، وإلاّ فلا معنىً لاستشارة رجل مدني لا يعرف عن الكوفة وعن أبي موسى شيئاً. وفي جواب ابن عباس أيضاً مؤشّر آخر على دخوله الكوفة حيث قال : الرأي أن تنفذ عمّاراً فإنّه رجل له سابقة وقد شهد بدراً ، فإنّه إن تكلم هناك صرف الناس إليك ، وأنا أخرج معه ، وابعث معنا ابنك الحسن.

____________________

(1) الطبري 4 / 478 و 501.

١١٨

فهذا رأي خبير بالداء وما ينفع من الدواء ، فهو يصف للإمام ما ينفع مع أهل الكوفة من تأليف الوفد من عناصر مؤثرةً ، فأخذ الإمام برأيه وكتب معهم كتاباً كشف لهم فيه زيف دعوى الطلب بدم عثمان.

إلاّ أنه قد مرّ في رواية ابن قتيبة(1) وأنه أرسلهم من مكان قريب من الكوفة ، وهذا المكان هو العذيب ـ فيما أرى ـ ويؤيد ذلك ما ورد في كتاب للإمام أرسله إلى جرير بن عبد الله يخبره فيه بما وقع من الأحداث بعد مقتل عثمان فقد جاء فيه : « حتى إذا كنت بالعُذيب بعثت إلى أهل الكوفة الحسن بن عليّ وعبد الله بن عباس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد فاستنفرتهم فأجابوا »(2) .

نعم تبقى النصوص الدالة على ان البعثة الرباعية كانت من ذي قار كما مر في النص الثالث الفقرة ( ب ) ، ولم يذكر فيه سوى ابن عباس وعمّار. فلمّا عادا بعث الإمام ابنه الحسن وكتب إلى أبي موسى : يا بن الحائك ، وفيه ذكر عزله وتولية قرظة بن كعب الأنصاري ، وفي هذا أحسب أنّ خلطاً وخبطاً وقع الرواة في ذلك ، لأنّ الشيخ محمّد بن هاشم ذكر في مصباح الأنوار : أنّ البعثة الأربعة الحسن وابن عباس وعمّار وقيس كانت من ذي قار ومعهم كان الكتاب بعزل أبي موسى وتولية قرظة(3) .

وإلى هنا تيقنا بورود ابن عباس إلى الكوفة مكررا. فلنقرأ ما جرى له هو والوفد بمعيّة الإمام الحسن ( عليه السلام ) وكيف داوى ودارى أبا موسى الأشعري ذلك الأفن الماكر حتى تغلب عليه.

____________________

(1) راجع النص الثاني.

(2) وقعة صفين لنصر بن مزاحم / 19 تح ـ هارون ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 246 ط مصر الأولى.

(3) مصباح الأنوار 2 / باب 34 مخطوط.

١١٩

مع الأشعري في الكوفة :

قال الشيخ المفيد : « فلمّا وصلوا ـ الحسن وابن عباس وعمّار ـ الكوفة قال ابن عباس للحسن ولعمّار : انّ أبا موسى عاق فإذا رفقنا به ادركنا حاجتنا منه. فقالا : إفعل ما شئت.

ويبدو أنّ ابن عباس فتح له هذا التفويض والإذن باستعمال الإستدراج والخداع كما يسميه علماء البيان ، فعمد إلى مخادعة أبي موسى فقال له :

يا أبا موسى إنّ أمير المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) أرسلنا إليك لما يطرقه سرعتك إلى طاعة الله ( عزّ وجلّ ) ومصيرك إلى ما أحبّنا أهل البيت ، وقد علمت فضله وسابقته في الإسلام ، ويقول لك أن تبايع له الناس ، ويقرّك على عملك ويرضى عنك ، فانخدع أبو موسى وصعد عمّار وخطب ثمّ صعد الإمام الحسن ( عليه السلام ) وخطب وأبو موسى بعدُ على مراوغته. فكان دواؤه عند ابن عباس »(1) .

وقال الشيخ المفيد أيضاً : « وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كتب مع ابن عباس كتاباً إلى أبي موسى الأشعري وأغلظ فيه ، فقال ابن عباس : قلت في نفسي أقدم على رجل وهو أمير بمثل هذا الكتاب أن لا ينظر في كتابي. ونظرت أن أشقّ كتاب أمير المؤمنين وكتبت من عندي كتاباً عنه لأبي موسى :

أمّا بعد فقد عرفت مودتك إيانا أهل البيت ، وانقطاعك الينا وإنما نرغب إليك لما نعرف من حسن رأيك فينا ، فإذا أتاك كتابي فبايع لنا الناس والسلام

فدفعته إليه ، فلمّا قرأه أبو موسى قال لي : أنا الأمير أو أنت؟ قلت : أنت الأمير ، ( فانخدع أبو موسى وصعد المنبر )(2) ، فدعا الناس إلى بيعة عليّ ( فبايع

____________________

(1) كتاب الجمل / 124 ط الحيدرية سنة 1368 هـ.

(2) ما بين القوسين من حديث الشيخ المفيد الأوّل.

١٢٠