موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 45229
تحميل: 2785


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45229 / تحميل: 2785
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

ثمّ التفت إلى عليّ فقال : ( يا عليّ إن وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها ) »(1) .

إذن فعلى الإمام أن يتفرغ لذلك.

قال طه حسين : « وكان من الأمور ذات الخطر الّتي أراد عليّ أن يفرغ منها قبل أن يترك البصرة ، ردّ عائشة إلى المدينة لتقرّ في بيتها كما أمرها الله »(2) .

ولمّا كان قد أنزلها في دار عبد الله بن خلف ، فصارت لجأً لفلول الجرحى وغيرهم من أصحابها ، فكان لابدّ له من إنذارها بالتهيوء للرحيل ، قبل أن يتعاظم الخطب بطول بقائها ، ومن ذا هو الرسول الّذي سيرسله اليها ، وهو يعلم منها ـ لما يبلغه عنها ـ صلابة وعناداً. وهل لها إلاّ ابن عمّه عبد الله بن عباس الّذي سبق له أن كان رسوله اليها قبل الحرب. وله مواقف معها من قبلُ دلّت على كفاءة عالية وقدرة في دحض حججها.

وقد ذكرت بعض المصادر ـ كما سيأتي بيانها ـ بأنّ الإمام استدعاه عقب خطبته في ذم أهل البصرة فقال : ( أين ابن عباس؟ ) فدعي له من كلّ ناحية ، فأقبل إليه فقال : ( إئت هذه المرأة ومرها فلترجع إلى بيتها الّذي أمرها الله أن تقرّ فيه ).

قال ابن عباس : فأتيتها وهي في دار بني خلف فطلبت الإذن عليها فلم تأذن.

وهنا سؤال يفرض نفسه ، لماذا لم تأذن عائشة لابن عباس؟ ولعل في استعراض مواقفه السابقة معها ، وما كان يدور بينهما من تشنج نجد جواب ذلك وهو الّذي فرض على عائشة تصلّب موقفها في عدم الإذن.

____________________

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 2 / 136 وصححه ، كما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره.

(2) الفتنة الكبرى 2 / 59.

٢٠١

وإذا رجعنا نستقرئ مواقف ابن عباس معها ، فعلينا أن نبدأ بها من يوم اجتمع بها في الصلصل سنة 35 هـ حيث ضمّهما المنزل وكلاهما في الطريق إلى مكة ، وكان ابن عباس أمير الموسم في تلك السنة ، فحرّضته على عثمان ودعته إلى الهتاف بطلحة ، وقد مرّ بنا في الجزء الثاني خبر ذلك مفصّلاً.

ومن بعد ذلك كانت مواقف سفارته بين الإمام وبين زعماء الناكثين وهي منهم ، وكلّها كانت مواقف نصيحة لها من ابن عباس أن لا تخوض فيما وضع عنها وعن النساء ، وعليها أن ترجع إلى بيتها وتقرّ فيه كما أمرها الله ، ولكنه لم يجد لديها أذناً صاغية.

وآخر موقف كان قبيل نشوب الحرب ، إذ أرسله الإمام وهو يحمل مصحفاً ليدعو القوم إلى ما فيه فاجتمع بطلحة والزبير ، ولمّا أتى عائشة وكانت في هودجها تحفّها الأزد وضبّة ، وقد أخذ كعب بن سور القاضي بخطام الجمل ، فلمّا رأته نادته ما الّذي جاء بك يا بن عباس ، والله ما سمعت منك شيئاً ، ارجع إلى صاحبك وقل له ما بيننا وبينك إلاّ السيف ، وتعاوت الغوغاء من حولها : ارجع يا بن عباس لا يسفك دمك.

فهذا التشنّج المذموم مع رسول يطلب حكم الكتاب لحقن الدماء ، لا شك له أثره في نفس ابن عباس ، كما لا شك أيضاً له ذكراه الأليمة في نفس قيادة مهزومة.

والآن أتاها وقد تبدّل الموقف على الساحة ، فهي كانت رأساً تقود جيشاً ، وأضحت الآن أسيرة حرب ، ورهينة مغلوبة. وأصبح ابن عباس قائداً منتصراً ، ورسولاً لإمام غدا مظفّرا ، فلعل شعورها بالفشل والخيبة دعاها إلى أن تحجب ابن عباس من الدخول عليها ، لئلا تراه في عزّ النصر ، ويراها في ذل الهزيمة.

٢٠٢

أو لعلها لم تأذن له لئلا يرى بيوتاً في دار ابن خلف ضمت فلول الناكثين ، أخفتهم معها حيث منحها الإمام الحماية الكافية ، فهي تحميهم بكنفها ، وإن شملهم العفو العام.

وما يدرينا لعلهما معاً اعتملا في نفسها فلم تأذن له.

ومهما يكن مردّ ذلك المنع ، فلم يكن منعها برادع لابن عباس وهو رسول الإمام ، وحبر الأمة لا يخفى عليه وجه فقاهة الدخول بغير إذنها ، إلاّ أنّه الأدب القرآني الّذي كان ابن عباس ترجمانه يأمره بالآية( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (1) .

ولعل عائشة أيضاً تخيّلت أنّها بمنعه من الدخول عليها ، ستغلبه بقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (2) .

ولم تدر أنّ ابن عباس أوعى منها لأحكام القرآن كما سيتبين ذلك عند قراءة نص المحاورة.

ماذا عن نص المحاورة؟

هذا موضوع استجدّ عندي بحثه بعد أن قرأت قريباً كتاب ( عائشة والسياسة ) لسعيد الأفغاني الشامي ، والرجل معروف من خلال كتابه ( الإسلام والمرأة ) ومعنّي بعائشة خاصة من خلال تحقيقه لكتاب ( الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ) للزركشي وقد طبعه بدمشق سنة 1358 هـ وتصاعدت حمّى

____________________

(1) النور / 27.

(2) الأحزاب / 53.

٢٠٣

الهيام بها فأخرج كتابه ( عائشة والسياسة ) وطبعه بالقاهرة سنة 1947م. فقرأته من ألفه إلى يائه ـ كما يقولون ـ فرأيته في المقدمة ينأى بنفسه عن التقليد ، ويزعم لنفسه ( التحرّر من كثير من الآراء والمذاهب التاريخية الّتي يتعبد بها بعض الباحثين لعصرنا )(1) .

وقال : « وعلى هذا فلست إذن متبعاً مذهباً ما ، ولن أخضع الحوادث لتفسير ما فأكلّف الأشياء غير طبائعها ، فلا أقول بالعليّة التاريخية المطردّة ، ولا أقرّ ( الجبرية ) في التاريخ ، وأجد أبعد المذاهب عن الواقع وأنآها عن الحقّ والفطرة : مذهب التفسير المادي للتاريخ ».

وهذا نهج جيّد لو استقام على الطريقة ، ويستحق الإجادة حين رأيته قال : « وأحبّ أن أنبّه هنا إلى خطأ يوقع كثيراً من الباحثين في القصور ذلك أنّهم يكتفون في بحوثهم في التاريخ العربي بالمصادر التاريخية فحسب ، فتجيء بحوثهم على ضلع ، ما تكاد تستقل واقفة ، وكم من حقائق تاريخية خلت منها مصادر التاريخ وزخرت بها كتب الأدب ودواوين الشعر وأن ما استفدته أنا من كتب اللغة والفقه والحديث والتفسير والأدب والأخبار لا يقلّ عمّا أصبته في مطوّلات التاريخ ».

فهذا أيضاً جيّد ونهج قويم لو لم يقل : « ولابدّ من الإشارة إلى أنّي جعلت أكثر اعتمادي ـ بعد البحث في المصادر التاريخية ـ على تاريخ الطبري خاصة ، فهو أقرب المصادر من الواقع ، وصاحبه أكثر المؤرخين تحرّياً وأمانة ، وعليه اعتمد كلّ من أتى بعده من الثقات. وليس الكامل لابن الأثير إلاّ تاريخ الطبري منسّقاً مختصراً منه الأسانيد واختلاف الروايات ، وحسبك انّ ابن خلدون فيلسوف

____________________

(1) عائشة والسياسة ، المقدمة / 3.

٢٠٤

المؤرخين نقل عنه حوادث الجمل ثمّ أدلى بهذه الشهادة القيّمة : « هذا أمر الجمل ملخصاً من كتاب أبي جعفر الطبري ، اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين »(1) .

فأين التحرّر الّذي زعمه أوّلاً؟! ثمّ أين الدعوة إلى قراءة الحقائق التاريخية في كتب اللغة والفقه والحديث والتفسير ...؟ ولِمَ نعى على الآخرين الاقتصار على المصادر التاريخية فحسب؟ فما دام قد أكثر الاعتماد على الطبري وليكن الباقي مرجعاً ثانوياً أو لا يكون. وهو لئن قارب الصواب حيناً فقد جانبه أحياناً ولست في مقام المؤاخذة والحساب على ما وجدته من هنات وهفوات في كتابه. ولقد سجلت ما عندي على هوامش صفحاته حين قراءتي له.

لكن ممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام أن أشير إلى زلة من زلاّته ممّا يتعلق بابن عباس وهذا هو الّذي حداني إلى ذكره في المقام.

فالأفغاني ناقش رواية ابن عباس لحديث الحوأب ، وهذه نقطة أولى تقدمت الإشارة إليها في هامش بعض الصفحات قريباً ، واكتفيت برد ابن بلده ناصر الدين الألباني ، فراجع.

أمّا النقطة الثانية : فهي مناقشته حوار ابن عباس مع عائشة بالبصرة وقد أرسله الإمام اليها يأمرها بالتهيؤ للرحيل والعودة إلى بيتها الّذي أمرها الله أن تقرّ فيه. فلابدّ لي من عرض جميع ما وقفت عليه من نصوص المحاورة ثمّ عرض مناقشة الأفغاني بعد ذلك.

____________________

(1) تاريخ ابن خلدون 2 / 425 مطبعة النهضة سنة 1355 هـ.

أقول : لقد مرّ بالقارئ ما ذكرته من شواهد خداع وتضليل المؤرخين ما قاله ابن كثير ، ولدى المقارنة تبيّن ما ارتكبه من الخيانة. فراجع.

٢٠٥

بين يديّ فعلاً من المصادر الّتي روت المحاورة أكثر من عشرين مصدراً ، تختلف في روايتها مسندة ومرسلة ، مختصرة ومفصّلة ، وهي موزّعة على القرون كالآتي :

فمن القرن الثالث :

1 ـ كتاب الجمل للواقدي المتوفى سنة 207 هـ وهذا بتوسط الشافي للمرتضى.

2 ـ أخبار الدولة العباسية ، مجهول المؤلف من القرن الثالث يميل المحققان له أنّه لابن النطّاح المتوفى سنة 252 هـ(1) .

3 ـ تاريخ اليعقوبي المتوفى سنة 292 هـ.

4 ـ كتاب الفتن لنعيم بن حماد المتوفى سنة 229 هـ.

ومن القرن الرابع :

1 ـ تاريخ الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314 هـ.

2 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي المتوفى سنة 328 هـ.

3 ـ البدء والتاريخ لأبي زيد البلخي المتوفى سنة 343 هـ(2) .

4 ـ مروج الذهب للمسعودي المتوفى سنة 346 هـ.

5 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي المتوفى سنة 363 هـ.

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 15 المقدمة ط دار الطليعة بيروت.

(2) قال كاتب جلبي في كشف الظنون : وهو كتاب مفيد مهذب عن خرافات العجائز وتزاوير القصاص لأنه تتبع فيه صحاح الأسانيد أقول : وقد طبع في باريس سنة 1916 ميلادية بعناية كليمان هوار ، وكتب في صفحة العنوان المنسوب إلى أبي زيد أحمد بن سهل البلخي وهو لمطهر بن طاهر المقدسي.

٢٠٦

6 ـ رجال الكشي ( معرفة أخبار الناقلين ) لأبي عمر والكشي المتوفى قبل سنة 368 هـ. وهذا بتوسط اختيار الرجال للطوسي.

ومن القرن الخامس :

1 ـ الشافي للشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ.

2 ـ تلخيص الشافي للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ.

3 ـ اختيار الرجال له أيضاً.

ومن القرن السادس :

1 ـ مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمّد المتوفى بعد سنة 552 هـ.

ومن القرن السابع :

1 ـ الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة لمحمّد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المشهور بالبرّيّ.

2 ـ الحدائق الوردية لحميد بن أحمد المحلي الشهيد المتوفى سنة 652 هـ.

3 ـ تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 هـ.

4 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي المتوفى سنة 655 هـ.

ومن القرن الثامن :

ومن القرن التاسع :

1 ـ شرح صحيح مسلم للأبي المالكي المتوفى سنة 827 هـ.

ومن القرن العاشر :

ومن القرن الحادي عشر :

٢٠٧

ومن القرن الثاني عشر :

1 ـ سمط النجوم العوالي للعصامي المكي المتوفى سنة 1111 هـ.

2 ـ بحار الأنوار للشيخ المجلسي المتوفى سنة 1111 هـ.

3 ـ الدرجات الرفيعة للسيد عليّ خان المدني الشيرازي المتوفى سنة 1120 هـ.

ومن القرن الثالث عشر :

1 ـ شعب المقال لأبي القاسم النراقي المتوفى سنة 1319 هـ.

2 ـ أعيان الشيعة ج3 ق2 للسيد الأمين.

3 ـ أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري من المعاصرين.

4 ـ عائشة والسياسة لسعيد الأفغاني من المعاصرين.

ولمّا كانت مصادر القرون المتأخرة مصادر ثانوية ، خصوصاً القرون 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 فإنّها تستقي معلوماتها من المصادر الأولى لتصريح أربابها بذلك ، إذن لا حاجة بنا إلى الرجوع إليها. إلاّ إذا دعت الحاجة إلى تصحيح المعلومة فيها ، كما سيأتي منا في محاسبة سعيد الأفغاني على ذلك.

أمّا مصادر القرون الأولى من الثالث وحتى التاسع فبعضها يروي المحاورة بسند متصل وقد يختلف عن سند الآخرين ، كما أنّ رواية المحاورة تتفاوت قليلاً أو كثيراً ، وذلك مسؤولية الرواة ولا ضير ، وبمقارنة بين النصوص المتشابهة يجعلنا أكثر إطمئناناً بما ورد في خصوص مصادر القرنين الثالث والرابع.

وسوف نأتي بنص المحاورة نقلاً منها على اختلاف روايتها في القرون الأولى ، ومنها :

٢٠٨

نص المحاورة في مصادر القرن الثالث :

1 ـ قال السيد المرتضى : « فإنّ الواقدي روى بإسناده عن شعبة عن ابن عباس قال : أرسلني عليّ ( عليه السلام ) إلى عائشة بعد الهزيمة وهي في دار الخزاعيين يأمرها أن ترجع إلى بلادها. قال : فجئتها فوقفت على بابها ساعة لا تأذن لي ، ثمّ أذنت ، فدخلت ولم يوضع لي وسادة ولا شيء أجلس عليه ، فالتفت فإذا وسادة في ناحية البيت على متاع فتناولتها ووضعتها ثمّ جلست عليها. فقالت عائشة : يا بن عباس أخطأت السنّة تجلس على متاعنا بغير إذننا ، فقلت لها : ليست بوسادتك ، تركتِِ متاعك في بيتك الّذي لم يجعل الله لكِ بيتاً غيره. فقالت : والله ما أحب أنّي أصبحت في منزل غيره.

قلت : أمّا حين اخترتِ لنفسكِ فقد كان الّذي رأيتِ.

فقالت : أيّها الرجل أنت رسول فهلمّ ما قيل لك؟

قال : فقلت إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يأمرك أن ترحلي إلى منزلكِ وبلدكِ.

فقالت : ذاك أمير المؤمنين عمر.

قال ابن عباس : فقلت : أمير المؤمنين عمر والله يرحمه وهذا والله أمير المؤمنين.

فقالت : أبيتُ ذلك.

فقلت : أما والله ما كان إلاّ فواق ناقة غير غزير حتى ما تأمرين ولا تنهين كما قال الشاعر الأسدي :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

٢٠٩

حتى تركتِ كأنّ أمركِ فيهم

في كل ناحية طنينُ ذباب(1)

قال ابن عباس : فوالله يعلم لبكت حتى سمعت نشيجها. فقالت : أفعل ، ما بلد أبغض إليَّ من بلد لصاحبك مملكة فيه ، وبلد قتل فيه أبو محمّد وأبو سليمان ـ تعني طلحة بن عبيد الله وابنه ـ.

فقلت : أنتِ والله قتلتهما. قالت : وأجلهما إلى سباق.

قلت : لا ولكنكِ لما شجّعوكِ على الخروج خرجتِ ، فلو أقمتِ ما خرجا.

قال : فبكت مرة أخرى أشد من بكائها الأوّل. ثمّ قالت : والله لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن ، نخرج لعمري من بلدك ، فأبغض بها والله بلداً إليَّ وبمن فيها.

فقلت : والله ما هذا جزاؤنا وما هي بأيدينا عندك ولا عند أبيك ، لقد جعلنا أباكِ صدّيقاً وجعلناكِ للناس أمّاً.

فقالت : أتمنّون عليَّ برسول الله.

قلت : إي والله لأمنّن بهِ عليكِ والله لو كان لكِ لمننتِ به.

قال ابن عباس : فقمت وتركتها ، فجئت عليّاً ( عليه السلام ) فأخبرته خبرها وما قلت لها.

فقال ( عليه السلام ) :( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) »(3) .

____________________

(1) ما أستشهد به الحبر ابن عباس من أبيات للحضرمي بن عامر الأسدي وقد ذكرها ابن دريد في المجتنى / 104 بتفاوت يسير ، وأولها :

ما زال إهداءالضغائن بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كأن أمرك فيهم

في كلّ مجمعة طنين ذباب

أهلكت جندك من صديق فالتمس

جنداً تعيش به من الأوغاب

الخ.

(2) آل عمران / 34.

(3) الشافي / 292 ط حجرية.

٢١٠

وهذا رواه الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي أيضاً ملحقاً بالشافي.

2 ـ أخبار الدولة العباسية قال : « لمّا فرغ عليّ رحمة الله عليه ورضوانه من قتال أهل البصرة ، بعث ابن عباس إلى عائشة ( رضي الله عنها ) وهي في ذكر شيء ( والصواب في دار بني خلف ) خلف الستر ، فأتاها ابن عباس فاستأذن في الدخول فلم تأذن له ، فدخل من غير إذن ، فلم تطرح له شيئاً يقعد عليه ، فأخذ وسادة فجلس عليها.

فقالت : أخطأت السنّة يا بن عباس ، دخلتَ علينا من غير إذن ، وجلستَ على مقرمتنا من غير أمرنا.

فقال : ما أنتِ والسنّة ، نحن علّمناكِ وأباكِ السنّة ، ونحن أولى بها منكِ ، والله ما هو بيتكِ ، وإنّما بيتكِ الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم فخرجتِ منه ظالمة لنفسكِ ، فأوردتِ من بنيكِ ممّن أطاعكِ موارد الهلكة ، ولو كنتِ في بيتكِ الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم لم ندخله إلاّ بإذنكِ ، إن أمير المؤمنين يأمرك بتعجيل الرحلة إلى المدينة وقلّة العرجة.

قالت : أردت عمر بن الخطاب؟ قال : عليّ والله أمير المؤمنين وإن تربّدت فيه وجوه ، وأرغمت فيه أنوف ( معاطس ) والله إن كان إباؤك لعظيم الشؤم ، ظاهر النكد ، وما كان مقدار طاعتك إلاّ مقدار حلب شاة ، حتى صرتِ تأمرين فلا تطاعين ، وتدعين فلا تجابين ، وما مثلكِ إلاّ كما قال أخو بني أسد :

ما زال يهدي والهواجر بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كأن أمرك فيهم

في كلّ مجمعة طنين ذباب

فانتحبت حتى سُمع حنينها من وراء الستر ، ثمّ قالت : والله ما في الأرض بلدة أبغض إليَّ من بلدة أنتم بها معاشر بني هاشم.

٢١١

فقال : والله ما ذاك يدنا عندكِ وعند أبيكِ ، لقد جعلنا أباكِ صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة(1) وجعلناكِ للمؤمنين أمّاً وانت ابنة أم رومان(2) .

قالت : أتمنّون عليَّ برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟

قال : إي والله أمّن عليكِ بمن لو كان فيكِ قلامةٌ منه مننتِ به على الخلق ، وإنما نحن دمه ولحمه ، وأنتِ حشية من تسع حشايا خلّفهنّ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، والله ما أنتِ بأطولهنّ طولاً ، ولا أنضرهنّ عوداً.

فانصرف ابن عباس وأخبر عليّاً بالّذي جرى. فقال : أنا كنت سديد الرأي حيث أرسلتك إليها »(3) .

____________________

(1) كان منادي عبد الله بن جدعان على مائدته وأجرته أربعة دوانيق ـ المنمق لمحمّد بن حبيب / 465 ، وإرشاد القلوب بتوسط سفينة البحار ( قحف ).

(2) اختلف مترجموها مع الصحابة في نسبها وفي أسمها وفي وفاتها ، وربّما هناك علة أخرى أغفلوها إكراماً لابنتها ، وإلا فلا معنى لتعبير ابن عباس لها بأمها فيقول لها : وأنت بنت أم رومان. وأكد ذلك تعيير محمّد بن الحنفية لعبد الله بن الزبير بها في المسجد الحرام على رؤوس الأشهاد فلم يردّ عليه. فقد روى اليعقوبي في تاريخه 3 / 8 ط النجف ، والمسعودي في مروج الذهب 3 / 80 ط دار الأندلس واللفظ له : قال : خطب ابن الزبير فنال من عليّ : فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء حتى وضع له كرسي قدّامه فعلاه وقال : يا معشر قريش شاهت الوجوه أينتقص عليّ وأنتم حضور؟ ان عليّاً كان سهماً صادقاً ( صارماً ) احد مرامي الله على أعدائه يقتلهم لكفرهم فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن الحنفية؟ فقال محمّد : يا بن ام رومان وما لي لا أتكلم الخ. وقبل هذين العلمين ـ ابن عباس ومحمّد بن الحنفية ـ كان تعيير أبيها لها كما في مسند أحمد 4 / 271 ـ 272 فقد روى النعمان بن بشير قال جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأذن له فدخل فقال يا ابنة أم رومان وتناولها

فأم رومان التي عيّروا عائشة بها هي غير التي في رواية جابر عند الدارقطني والبيهقي وغيرهما ، ان امرأة ارتدت عن الإسلام يقال لها ( أم رومان ) فبلغ أمرها إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمر أن تستتاب فإن تابت وإلاّ قتلت كما في المجموع للنووي 19 / 226 ط دار الفكر ، والاقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع 2 / 206 ، ونيل الأوطار 8 / 3 ومصادر أخرى.

(3) أخبار الدولة العباسية / 125 تح ـ د عبد العزيز الدوري ود عبد الجبار المطلبي ط دار الطليعة بيروت.

٢١٢

3 ـ تاريخ اليعقوبي : « ووجّه ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالرجوع ، فلمّا دخل عليها ابن عباس قالت : أخطأت السنّة يا بن عباس مرتَين ، دخلت بيتي بغير إذني ، وجلست على متاعي بغير أمري ، قال : نحن علمنا إياك السنّة ، إنّ هذا ليس ببيتكِ ، بيتكِ الّذي خلّفك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) به ، وأمركِ القرآن أن تقرّي فيه.

وجرى بينهما كلام موضعه في غير هذا من الكتاب (؟) »(1) .

4 ـ كتاب الفتن لنعيم بن حماد عن ابن عباس قال : « دخلت على عائشة فقلت : السلام عليك يا أمهُ قالت : وعليك يا بُني قال : قلت لها : ما أخرجك علينا مع منافقي قريش؟ قالت : كان ذلك قدراً مقدوراً »(2) .

نص المحاورة في مصادر القرن الرابع :

1 ـ كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى نحو سنة 314 هـ ( ذكر ما جرى من الكلام بين عبد الله بن عباس وبين عائشة لمّا أنفذه إليها برسالته عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنهم ».

قال : « ثمّ دعا عليّ ( رضي الله عنه ) بعبد الله بن عباس فقال له : اذهب إلى عائشة فقل لها أن ترتحل إلى المدينة كما جاءت ولا تقيم بالبصرة ، فأقبل إلى عائشة فاستأذن عليها ، فأبت أن تأذن له ، فدخل عبد الله بغير إذن ، ثمّ التفت فإذا راحلة عليها وسائد فأخذ منها وسادة وطرحها ثمّ جلس عليها ، فقالت عائشة : يا بن عباس أخطأت السنّة ، دخلتَ منزلي بغير إذني.

فقال ابن عباس : لو كنتِ في منزلكِ الّذي خلّفك فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم لما دخلت عليك إلاّ بإذنكِ ، وذلك المنزل الّذي أمركِ الله ( عزّ وجلّ )

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 159.

(2) كتاب الفتن لنعيم بن حماد نسخة مصورة عن متحف لندن بمكتبتي ( 47 من المطبوع بتحقيق سهيل زكار حديثاً ).

٢١٣

أن تقرّي فيه ، فخرجتِ منه عاصية لله ( عزّ وجلّ ) ولرسوله محمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم. وبعد فهذا أمير المؤمنين يأمركِ بالإرتحال إلى المدينة فارتحلي ولا تعصي.

فقالت عائشة : رحم الله أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب.

فقال ابن عباس : وهذا والله أمير المؤمنين وإن رغمت له الأنوف ، وأربدّت له الوجوه.

فقالت عائشة : أبيتُ ذلك عليكم يا بن عباس.

فقال ابن عباس : لقد كانت أيّامك قصيرة المدة ، ظاهرة الشؤم ، بيّنة النكد ، وما كنتِ في أيامكِ إلاّ كقدر حلب شاة حتى صرتِ ما تأخذين وما تعطين ولا تأمرين ولا تنهَين وما كنت إلاّ كما قال اخو بني أسد حيث يقول :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كأن أمرك فيهم

في كلّ مجمعة طنين ذباب

قال : فبكت عائشة بكاءً شديداً ثمّ قالت : نعم والله أرحل عنكم ، فما خلق الله بلداً هو أبغض إليّ من بلد أنتم به يا بني هاشم.

فقال ابن عباس : ولم ذلك؟ فوالله ما هذا بلاؤنا عندك يا بنت أبي بكر.

فقالت عائشة : وما بلاؤكم عندي يا بن عباس؟

قال : بلاؤنا عندكِ إنّا جعلناكِ للمؤمنين أماً وأنتِ بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة ، وبنا سُمّيت أم المؤمنين لا بتيم وعديّ.

فقالت عائشة : يا بن عباس أتمنّون عليّ برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟

٢١٤

فقال : ولم لا نمنّ عليك برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟ ولو كانت فيك شعرة منه أو ظفر لمننتِ علينا وعلى جميع العالمين بذلك. وبعد فإنما كنتِ احدى تسع حشايا من حشاياه ، لستِ بأحسنهنّ وجهاً ، ولا بأكرمهنّ حسباً ، ولا بأرشحهنّ عرقاً ، وأنتِ الآن تريدين أن تقولي ولا تُعصَين ، وتأمري ولا تخالفين ، ونحن لحم الرسول صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ودمه ، وفينا ميراثه وعلمه.

فقالت عائشة : يا بن عباس ما باذل لك عليّ بن أبي طالب؟

فقال ابن عباس : أما والله أقرّ له وهو أحق به مني وأولى ، لأنه أخوه وابن عمه ، وزوج الطاهرة ابنته وأبو سبطيه ، ومدينة علمه ، وكشاف الكرب عن وجهه ، وأمّا أنتِ فلا والله ما شكرتِ نعماءَنا عليكِ وعلى أبيكِ من قبلكِ.

ثمّ خرج وسار إلى عليّ فأخبره بما جرى بينه وبين عائشة من الكلام.

فدعا عليّ ببغلة رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم فاستوى عليها ، وأقبل إلى منزل عائشة ، ثمّ استأذن ودخل ، فإذا عائشة جالسة وحولها نسوة من نساء أهل البصرة وهي تبكي وهنّ يبكين معها ، قال : ونظرت صفية بنت الحارث الثقفية امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي إلى عليّ ، فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهنّ : يا قاتل الأحبة ، يا مفرّق بين الجمع ، أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله بن خلف.

فنظر إليها عليّ فعرفها فقال : أما إنّي لا ألومك أن تبغضيني وقد قتلت جدك في يوم بدر ، وقتلت عمك يوم أحد ، وقتلت زوجك الآن ، ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين لقتلت مَن في هذا البيت ومن في هذه الدار.

قال : فأقبل عليّ على عائشة فقال : ألا تنحين كلابك هؤلاء عني ، أما إنني قد هممت أن أفتح باب هذا البيت فأقتل مَن فيه ، وباب هذا البيت فأقتل مَن فيه ، ولولا حبّي للعافية لأخرجتهم الساعة ، فضربت أعناقهم صبراً.

٢١٥

قال : فسكتت عائشة وسكتت النسوة فلم تنطق واحدة منهن.

قال : ثمّ أقبل على عائشة فجعل يوبّخها ويقول : أمركِ الله أن تقرّي في بيتك وتحتجبي بستركِ ولا تبرّجي ، فعصيته وخضّبت الدماء ، تقاتليني ظالمة ، وتحرضين عليّ الناس ، وبما ( وبنا / ظ ) شرّفك الله وشرّف أباك من قبلك وسمّاك أم المؤمنين ، وضرب عليكِ الحجاب ، قومي الآن فارحلي ، واختفي في الموضع الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم إلى أن يأتيكِ فيه أجلكِ. ثمّ قام عليّ فخرج من عندها.

قال : فلمّا كان من الغد بعث اليها ابنه الحسن ، فجاء الحسن فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين : أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لأبعثنّ عليك بما تعلمين.

قال : وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر ، فلمّا قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت : رحلوني.

فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أم المؤمنين جاءك عبد الله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبينه حتى علا صوتك ثمّ خرج من عندك وهو مغضب ، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقكِ وقد كان أبوه جاءكِ فلم نرَ منكِ هذا القلق والجزع؟

فقالت عائشة : إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، فمن أحب أن ينظر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم فلينظر إلى هذا الغلام ، وبعد فقد بعث إليّ أبوه بما قد علمت ولابدّ من الرحيل.

فقالت لها المرأة : سألتك بالله وبمحمّد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم إلاّ أخبرتني بماذا بعث إليكِ عليّ ( رضي الله عنه )؟

٢١٦

فقالت عائشة ( رضي الله عنها ) : ويحكِ إنّ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم أصاب من مغازيه نفلاً ، فجعل يقسّم ذلك في أصحابه ، فسألناه أن يعطينا منه شيئاً وألححنا عليه في ذلك ، فلامنا عليّ ( رضي الله عنه ) وقال : حسبكنّ أضجرتنّ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، فتجهمناه وأغلظنا له في القول ، فقال :( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ ) (1) فأغلظنا له أيضاً في القول وتجهّمناه ، فغضب النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم من ذلك وما استقبلنا به عليّاً ، فأقبل عليه ثمّ قال : يا عليّ إنّي قد جعلت طلاقهنّ إليك ، فمن طلقتها منهنّ فهي بائنة ، ولم يوقّت النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم في ذلك وقتاً في حياة ولا موت. فهي تلك الكلمة ، وأخاف أن أبين من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم »(2) .

2 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 328 : « عكرمة عن ابن عباس قال : لمّا انقضى أمر الجمل دعا عليّ بن أبي طالب بآجرتين فعلاهما ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : يا أنصار المرأة ، وأصحاب البهيمة ، رغا فجئتم ، وعقر فهُزمتم ، نزلتم شرّ بلاد ، أبعدها من السماء ، بها مغيض كلّ ماء ، ولها شر

____________________

(1) التحريم / 5.

(2) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 2 / 334 ـ 338 ط أفست دار الندوة الجديدة عن الطبعة الاُولى بحيدر آباد.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 / 234 : وقد قيل ان النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فوّض أمر نسائه بعد موته وجعل إليه أن يقطع عصمة أيّهنّ شاء إذا رأى ذلك ، وله من الصّحابة جماعة يشهدون له بذلك فقد كان قادراً على أن يقطع عصمة ام حبيبة ويبيح نكاحها الرجال عقوبة لها ولمعاوية اخيها فانها كانت تبغض عليّاً كما يبغضه أخوها ولو فعل ذلك لانتهش لحمه ، وهذا قول الإمامية وقد رووا عن رجالهم انه ( عليه السلام ) تهدد عائشة بضرب من ذلك. وقارن مناقب ابن شهر اشوب 1 / 397 ط الحيدرية كلام عائشة في ذلك وقول خطيب خوارزم :

عليّ في النساء له وحي

أمين لـم يمانع بالحجاب

٢١٧

أسماء ، هي البصرة والبصيرة والمؤتفكة وتدمر. أين ابن عباس؟ قال : فدُعيت له من كلّ ناحية ، فأقبلتُ إليه.

فقال : إئتِ هذه المرأة ، فلترجع إلى بيتها الّتي أمرها الله أن تقرّ فيه ، قال : فجئت فاستأذنت عليها فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها.

فقالت : تالله يا بن عباس ما رأيت مثلك ، تدخل بيتنا بلا إذننا ، وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا.

فقلت : والله ما هو ببيتكِ ، ولا بيتكِ إلاّ الّذي أمرك الله أن تقرّي فيه فلم تفعليّ ، إنّ أمير المؤمنين يأمركِ أن ترجعي إلى بلدكِ الّذي خرجتِ منه.

قالت : رحم الله أمير المؤمنين ، ذاك عمر بن الخطاب.

قلت : نعم ، وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قالت : أبيتُ أبيت.

قلت : ما كان إباؤكِ إلاّ فواق ناقة بكيئة(1) ثمّ صرتِ ما تحلين ولا تمرّين ، ولا تأمرين ولا تنهين.

قال : فبكت حتى علا نشيجها ثمّ قالت : نعم ارجع ، فإنّ أبغض البلدان إليَّ بلدٌ أنتم فيه.

قلت : أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منكِ ، إذ جعلناكِ للمؤمنين أمّاً ، وجعلنا أباكِ لهم صدّيقاً.

قالت : أتمنّ عليَّ برسول الله يا بن عباس؟

____________________

(1) الفُواق ( بضم الفاء وفتحها ) : ما بين الحلبتين من الوقت ، لأن الناقة تحلب ثمّ تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدرّ ثمّ تحلب ، والبكيئة من النوق : الّتي قلّ لبنها.

٢١٨

قلت : نعم نمنّ عليكِ بمن لو كان منكِ بمنزلته منّا لمننتِ به علينا.

قال ابن عباس : فأتيت عليّاً فأخبرته ، فقبّل بين عينيّ ، وقال : بأبي( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) »(2) .

3 ـ البدء والتاريخ المنسوب لأبي زيد البلخي المتوفى سنة 340 هـ : « وجاء ابن عباس فقال : إنّما سميتِ أم المؤمنين بنا؟ قالت : نعم ، قال : أولسنا أولياء زوجك؟ قالت : بلى ، قال : فلم خرجت بغير إذننا؟ قالت : قضاء وأمر »(3) .

4 ـ مروج الذهب للمسعودي المتوفى سنة 436 هـ : « وبعث عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالخروج إلى المدينة ، فدخل عليها بغير إذنها ، واجتذب وسادة فجلس عليها.

فقالت له يا بن عباس أخطأت السنّة المأمور بها دخلت إلينا بغير إذننا ، وجلست على رحلنا بغير أمرنا.

فقال لها : لو كنتِ في البيت الّذي خلّفك فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما دخلنا إلاّ بإذنكِ ، وما جلسنا على رحلكِ إلاّ بأمركِ ، وإن أمير المؤمنين يأمركِ بسرعة الأوبة ، والتأهب للخروج إلى المدينة.

فقالت : أبيت ما قلت ، وخالفت ما وصفت.

فمضى إلى عليّ فخبّره بامتناعها ، فردّه اليها وقال : ان أمير المؤمنين يعزم عليكِ أن ترجعي فأنعمت وأجابت إلى الخروج ، وجهّزها عليّ.

وأتاها في اليوم الثاني ودخل عليها ومعه الحسن والحسين وباقي أولاده وأولاد أخوته وفتيان أهله من بني هاشم وغيرهم من شيعته من همدان. فلمّا

____________________

(1) آل عمران / 34.

(2) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي 4 / 328 تح ـ أحمد أمين ورفيقيه ط مصر والآية.

(3) البدء والتاريخ 5 / 215 ط باريس أفست.

٢١٩

بصرت به النسوان صحن في وجهه وقلن : يا قاتل الأحبة. فقال : لو كنت قاتل الأحبة لقتلت مَن في هذا البيت ، وأشار إلى بيت من تلك البيوت قد اختفى فيه مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر وغيرهم. فضرب مَن كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لما علموا مَن في البيت مخافة أن يخرجوا منه فيغتالوه ، فقالت له عائشة بعد خطب طويل كان بينهما : إنّي أحبّ أن أقيم معك فأسير إلى قتال عدوك عند سيرك.

فقال : بل ارجعي إلى البيت الّذي تركك فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم.

فسألته أن يؤمّن ابن اختها عبد الله بن الزبير فأمّنه. وتكلّم الحسن والحسين في مروان فأمّنه ، وأمّن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أمية ، وأمّن الناس جميعاً »(1) .

5 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي المتوفى سنة 363 هـ : « وبآخر ـ أي سند آخر ـ عن عبد الله بن عباس أنّه قال : لمّا استقر أمر الناس بعد وقعة الجمل ، وأقام عليّ صلوات الله عليه في البصرة بمن معه أياماً بعث بي إلى عائشة يأمرها بالرحيل عن البصرة والرجوع الي بيتها.

قال ابن عباس : فدخلت عليها في الدار الّتي أنزلها فيها ، فلم أجد شيئاً أجلس عليه ، ورأيت وسادة في ناحية من الدار فأخذتها فجلست عليها فقالت لي : يا بن عباس ما هذا؟ تدخل عليّ بغير إذني في بيتي ، وتجلس على فراشي بغير إذني؟ لقد خالفت السنّة.

____________________

(1) مروج الذهب للمسعودي 2 / 337 ط السعادة بمصر سنة 1377 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

٢٢٠