موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 45143
تحميل: 2785


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45143 / تحميل: 2785
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

قال ابن عباس : نحن علّمناكِ وغيركِ السنّة ، ونحن أولى بها منك ، إنّما بيتكِ البيت الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فخرجتِ منه ظالمة لنفسكِ عاتبة على ربّكِ عاصية نبيّكِ ، فإذا رجعت إليه لم أدخله إلاّ بإذنكِ ولم أجلس على ما فيه إلاّ بأمركِ.

قال : فبكت. فقلت لها : إنّ أميرالمؤمنين بعثني إليك يأمرك بالرحيل عن البصرة والرجوع إلى بيتك. قالت : ومن أمير المؤمنين؟ إنّما كان أمير المؤمنين عمر.

فقلت لها : قد كان عمر يدعى أمير المؤمنين ، وهذا والله عليّ أمير المؤمنين حقاًَ كما سمّاه بذلك رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وهو والله أمسّ برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم رحماً ، وأقدم سلماً ، وأكثر علماً ، وأحلم حلماً من أبيك ومن عمر.

قال : فقالت ما شئت ذلك. قال فقلت لها : أما والله لقد أبؤك ( كذا في النسخة والصواب إباؤك ) ذلك قصير المدة عظيم النبعة ظاهر الشوم بيّن النكاد ( النكد ) وما كان إلاّ كحلب شاة حتى صرت ما تأخذين ولا تعطين ولا كنت إلاّ كما قال أخو بني فهر :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تُركتِ كأن قولكِ عندهم

في كل محتفل طنين ذباب

فأراقت دمعتها ، وأبدت عولتها ، وظهر نشيجها ثمّ قالت : أرحل والله عنكم ، فوالله ما من أبغض إليَّ من دار تكونون بها. قلت : ولِمَ ذلك؟ والله ما ذلك ببلائنا عندك ، ولا بأثرنا عليك وعلى أبيك ، إذ جعلناك اُماً للمؤمنين وأنت بنت أم رومان وجعلنا أباك صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة ، قالت : تمنّون علينا برسول الله ( صلوات

٢٢١

الله عليه وآله )؟ قلت : ولِمَ لا نمن عليكم بمن لو كانت فيك شعرة لمننتِ بها وفخرت ، ونحن منه واليه لحمه ودمه ، وإنّما أنت حشية من تسع حشيات خلّفهن ، لست بأرشحهن عرقاً ، ولا بأنضرهن ورقاً ، ولا بأمدهنّ ظلاً ، وإنّما أنت كما قال أخو بني أسد :

مننت على قوم فأبدوا عداوة

فقلت لهم كفوا العداوة والفكرا

ففيه رضا من مثلكم لصديقه

وأحرى بكم أن تظهروا البغي والكفرا

قال : فسكتت ، وانصرفت إلى عليّ صلوات الله عليه فأخبرته بما جرى بيني وبينها فقال صلوات الله عليه : أنا كنت أعلم بك إذ بعثتك. وتثاقلت عائشة بعد ذلك عن الخروج إلى بيتها فأرسل إليها عليّ صلوات الله عليه : والله لترجعنَ إلى بيتك أو لألفظنّ بلفظة لا يدعوك بعدها أحد من المؤمنين اُماً ، فلمّا جاءها ذلك قالت : أرحلوني أرحلوني ، فو الله لقد ذكرني شيئاً لو ذكرته قبل ما سرت بسيري هذا ، فقال لها بعض خاصتها : ما هو يا أم المؤمنين؟

قالت : إنّ رسول الله ( صلوات الله عليه وآله ) قد جعل طلاق نسائه إليه وقطع عصمتهنّ منه حيّاً وميتاً ، وأنا أخاف أن يفعل ذلك إن خالفته ، فارتحلت »(1) .

6 ـ رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : « جعفر بن معروف قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن النعمان عن أبيه عن معاذ بن مطر قال : سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال حدثني بعض أشياخي قال : لمّا هزم عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عبد الله بن عباس ( رحمة الله عليهما ) إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة(2) .

____________________

(1) شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار 1 / 390 ـ 392 ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(2) العُرجة بالضم والفتح : الإقامة بالمكان.

٢٢٢

قال ابن عباس : فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة ، قال : فطلبت الإذن عليها فلم تأذن ، فدخلت عليها من غير إذنها ، فإذا بيت قفار(1) لم يعدّ لي فيه مجلس فإذا هي من وراء سترين. قال : فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة(2) قال : فمددت الطنفسة فجلست عليها.

فقالت من وراء الستر : يا بن عباس أخطأت السنّة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا.

فقال ابن عباس ( رحمة الله عليهما ) : نحن أولى بالسنّة منك ، ونحن علّمناك السنّة ، وإنّما بيتك الّذي خلّفكِ فيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فخرجتِ منه ظالمة لنفسك ، غاشّةً لدينك ، عاتبة على ربّك ، عاصية لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلاّ بإذنك ، ولم نجلس على متاعكِ إلاّ بأمركِ.

إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعث إليكِ يأمركِ بالرحيل إلى المدينة وقلة العُرجة.

فقالت : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب.

فقال ابن عباس : هذا والله أمير المؤمنين وان تربّدت فيه وجوه ، ورغمت فيه معاطس ، أما والله لهو أمير المؤمنين وأمسّ برسول الله رحماً ، وأقرب قرابة ، وأقدم سبقاً ، وأكثر علماً وأعلى مناراً ، وأكثر آثاراً من أبيك ومن عمر.

فقالت : أبيت ذلك.

فقال : أما والله إن كان إباوك فيه لقصير المدّة ، عظيم التبعة ، ظاهر الشؤم ، بيّن النكَد ، وما كان إباؤك فيه إلاّ حلب شاة ، حتى صرتِ لا تأمرين ولا تنهينَ ،

____________________

(1) الخالي وهو من القفر.

(2) الطنفسة : البساط.

٢٢٣

ولا ترفعين ولا تضعين ، وما كان مثلكِ إلاّ كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد ، حيث يقول :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركتهم كأنّ قلوبهم

في كل مجمعة طنين ذباب

قال : فأراقت دمعتها ، وأبدت عويلها ، وتبدّى نشيجها ثمّ قالت : أخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إليّ من بلد تكونون فيه!

فقال ابن عباس ( رحمه الله ) : فلم؟ فوالله ماذا بلاؤنا عندكِ ، ولا بصنيعتنا إليكِ ، إنا جعلناكِ للمؤمنين أمّاً وانت بنت أم رومان ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة.

فقالت : يا بن عباس تمنّون عليّ برسول الله؟

فقال : ولم لا نمنّ عليكِ بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به ، ونحن لحمه ودمه ، ومنه وإليه ، وما أنتِ إلاّ حشية من تسع حشايا خلّفهنّ بعده ، لستِ بأبيضهنّ لوناً ، ولا بأحسنهنّ وجهاً ، ولا بأرشحهنّ عرقاً ، ولا بأنضرهنّ روقاً ، ( رونقاً / ظ ) ولا بأطراهنّ أصلاً ، فصرتِ تأمرين فتطاعين ، وتدعين فتجابين ، وما مثلكِ إلاّ كما قال أخو بني فهر :

مننت على قومي فأبدوا عداوة

فقلت لهم كفّوا العداوة والشكرا

ففيه رضاً من مثلكم لصديقه

وأحجَ بكم أن تجمعوا البغي والكفرا

قال : ثمّ نهضت وأتيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها.

٢٢٤

فقال : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك »(1) .

نص المحاورة في مصادر القرن الخامس :

1 ـ لقد روى المحاورة الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 هـ في رسالته الكافية في إبطال توبة الخاطئة. ورواها بسندين احدهما من العامة والآخر من الخاصة(2) .

ومن اللافت للنظر خلوّ كتابه الجمل منها (؟) وهو أحرى بذكره فيها ولعل ذلك من نقصان النسخة الّتي وصلت إلينا.

2 ـ الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ روى المحاورة نقلاً عن الواقدي وله الفضل في حفظ شيء من كتاب الواقدي الّذي عفّى الدهر عليه(3) .

3 ـ الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ روى المحاورة أيضاً عن الواقدي ، في كتابه تلخيص الشافي ، وأحسبه أخذها بتوسط الشافي(4) .

نص المحاورة في مصادر القرن السادس :

1 ـ الشيخ هاشم بن محمّد المتوفى بعد سنة 552 هـ. رواها في كتابه مصباح الأنوار ، فقد قال : « وبالإسناد عن شهردار بن شيرويه الديلمي قال : أخبرنا عبدوس ابن عبد الله بن عبدوس ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن طاهر الجعفري بإصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن الحسين ، حدّثنا عليّ بن الحسين بن إسماعيل ، حدّثنا

____________________

(1) رجال الكشي اختيار معرفة الرجال / 57 ـ 60 تح ـ حسن المصطفوي ط جامعة مشهد سنة 1348 شمسي.

(2) اُنظر البحار 8 / 418 ط الكمپاني.

(3) كتاب الشافي / 292 ط حجرية سنة 1300 هـ.

(4) تلخيص الشافي 4 / 153.

٢٢٥

محمّد بن الوليد العقيلي ، حدّثنا قثم بن أبي قباذ الحراني عن وكيع عن خالد النوا عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل

وروى أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال لولده محمّد بن الحنفية

وروى عن عبد الله بن عباس قال : لمّا هزم أصحاب الجمل نزلت عائشة في دار عبد الله بن خلف ، فأرسلني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إليها يأمرها بالمسير عن البصرة والتأهب للمسير إلى المدينة.

قال ابن عباس : فأتيتها فدخلت عليها في بيت قفر لم أجد فيه مجلس إلاّ التراب ، فضربت ببصري ناحية البيت فلم أر شيئاً إلاّ رحلها فتناولت طنفسة فقعدت فوقها.

فقالت : أخطأت السنّة يا بن عباس.

قلت : وما فعلت؟

قالت : دخلت بيتي بغير إذني وتناولت طنفستي بغير أمري.

قلت : نحن علّمناكِ السنّة ، ونحن أحق بها منكِ ، وإنّما بيتك الّذي أجلسكِ الله فيه ورسوله ، لأنّ الله ( عزّ وجلّ ) يقول( يَانِسَاءَ النبيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ ) (1) الآيات ، فخرجتِ من بيتكِ ظالمة لنفسكِ عاتية على ربّك ، عاصية لنبيّك ، فإذا رجعتِ إلى بيتكِ فقعدتِ فيه لم يكن لنا أن ندخله إلاّ بإذنك ، ولم نأخذ متاعك إلاّ بأمركِ ، ان أمير المؤمنين بعثني إليكِ يأمركِ بالمسير إلى المدينة.

فقالت : رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

____________________

(1) الأحزاب / 32.

٢٢٦

قلت : صدقت قد كان عمر أمير المؤمنين رغماً ، وهذا والله أمير المؤمنين حقاً ، أم والله لهو أمسّ برسول الله رحماً ، وأوجب حقاً ، وأعلم علماً ، وأحلم حلماً ، وأقدم سلماً من أبيكِ ومن عمر.

قالت : أبيت ذلك يا بن عباس.

قلت : أم والله لقد كان إباؤك لقصير المدة ، ظاهر الشؤم عليك ، بيّن النكال ، وما كنتِ إلاّ كحلب الشاة حتى ما تأخذين ولا تعطين ، ولا تأمرين ولا تنهين ، ولا كنت إلاّ كما قال أخو بني أسد ( حيث ) يقول :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تُركتِ كأن قولكِ بينهم

في كل مجمعة طنين ذباب

فأوردت دمعتها نشيجها ثمّ قالت : أرحل والله عنكم ، أم والله ما في الأرض بلدة أبغض إليّ من بلدة أراكم فيها يا بني هاشم.

قلت : أم والله ما ذاك ببلائنا عندك ، ولا بأثرنا عليكِ ، جعلناكِ للمؤمنين أمّاً وأنت ابنة أم رومان ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة ، وأنتِ تسمّين بنا أم المؤمنين لا بتيم وعدي.

قالت : تمنّون عليَّ برسول الله يا بن عباس.

قلت : ولِمَ لا نمنّ عليكِ بمن لو كانت فيكِ شعرة منه لمننتِ علينا ، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه ، وإنّما أنتِ حشية من تسع حشايا خلّفها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، لستِ بأرشحهنّ عَرَقاً ، ولا بأنظرهنّ ورقاً ، ولا بأمدهنّ ظلاً ، فصرتِ تأمرين وتنهين فتطاعين ، وتدعين فتجابين ، فما شكرتِ نعمانا عليك ولا كنت إلاّ كما قال أخو بني فهر :

٢٢٧

مننت على قومي فأبدوا عداوة

فقلت لهم كفّوا العداوة والشكرا

ففيه الرضا من مثله لصديقه

وأحجى بكم أن تجمعوا البغي والكفرا

ثمّ نهضت فأتيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان إذا بعث رجلاً لم يزل مقعداً له حتى يأتيه فأخبرته بما كان بيني وبينها من الكلام ، فقال : أنا كنت أعلم بها منك حيث بعثتك إليها.

يا حسن هلمّ فاذهب إلى عائشة فقل لها : قال لك أمير المؤمنين : والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لئن لم ترتحلي الساعة لأبعثنّ إليك بما تعلمين.

فلمّا أتاها الحسن دخل عليها بغير إذن فأخبرها بمقالة أمير المؤمنين فقالت : رحّلوني.

فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أم المؤمنين أتاكِ ابن عباس شيخ بني هاشم فسمعناك تحاوريه حتى علا صوتكِ ، فخرج من عندك مغضباً ، فأتاك غلام فأقلقكِ؟

فقالت : إنّه والله ابن رسول الله ، فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام ، وقد بعث أبوه إليّ بما علّّمنيه.

فقالت الإمرأة سألتك بحق محمّد رسول الله ( كلمات مطموسة ) عليك إلاّ أخبرتني بالّذي بعث إليك؟

قالت : إنّ رسول الله جعل طلاق نسائه بيد عليّ فمن طلّقها عليّ في الدنيا بانت من رسول الله في الآخرة(1) .

فقالت لها الإمرأة : أنتِ قد علمتِ مثل هذا وقاتلتيه؟!

____________________

(1) قارن مناقب آل أبي طالب لابن شهر اشوب 1 / 397 ط الحيدرية.

٢٢٨

قالت : قد كان ما رأيتِ »(1) .

نص المحاورة في مصادر القرن السابع :

1 ـ الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة لمحمّد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المشهور بالبُريّ قال : « وقال عبد الله بن عباس : لمّا فرغ عليّ ( رضي الله عنه ) من أمر الجمل صعد على ربوة من الأرض وخطب فقال : يا أنصار المرأة وأصحاب البيهمة ، رغا فحننتم ، وانخشر ـ هرب جبناً ـ فانهزمتم ، نزلتم شر بلاء ، أبعدها من السماء ، بها مغيض كلّ ماء ، هي البصرة والبصيرة والمؤتفكة وتدمُر ، اين ابن عباس؟ قال : فدعيت له من كلّ جانب ، فلمّا حضرت قال لي : سر إلى هذه المرأة ـ يعني أم المؤمنين عائشة ـ وقل لها : تسير إلى الموضع الّذي أمرها الله أن تقرّ فيه ، قال ابن عباس : فجئتها ، فاستأذنت عليها فلم تأذن لي. فدخلت عليها بغير إذن ، وعمدت إلى وساد كان في البيت فجلست عليه ، فقالت ، تالله ما رأيت مثلك يابن عباس! تدخل بيتي وتجلس على وسادي بغير إذني؟ قال : فقلت لها : والله ما هو بيتك إلاّ الّذي أمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي.

انّ أميرالمؤمنين يأمرك بالمسير إلى المدينة ، فبكت وقالت : رحم الله أميرالمؤمنين ، ذاك عمر بن الخطاب ، فقلت لها : نعم وهذا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فقالت : أبيت أبيت ، فقلت لها : ما كان إباؤك إلاّ مثل فواق ناقة بكيّة(2)

____________________

(1) مصباح الأنوار ( مخطوط ).

(2) من المضحك ما جاء في الهامش : بكية كثيرة البكاء ، والصحيح غير ذلك على الناقة البكية التي قلّ لبنها ( قطر المحيط ).

٢٢٩

ثمّ صرت لا تحلين ولا تُمرين ، فقالت : نعم أسير ، إن أبغض البلاد إليَّ بلد أنتم فيه ، فقلت والله ما كان هذا جزاؤنا منك ، أن صيّرناك للمؤمنين اُماً ، وصيّرنا أباكِ لهم صدّيقاً. فقالت : أتمنّ عليّ برسول الله يابن عباس؟ قلت : بلى والله نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا »(1) .

2 ـ الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية لحميد بن أحمد المحلي الشهيد الزيدي المتوفى سنة 652 هـ قال : « ولمّا انهزم أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالانصراف إلى بيتها بالمدينة الّذي تركها فيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وقال له : قل لها : إن الّذي يردّها خير من الّذي يخرجها »(2) .

3 ـ تذكرة خواص الأئمة لسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 : « قال علماء السير : ثمّ بعث عليّ ( عليه السلام ) عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالمسير إلى المدينة ، فدخل عليها ابن عباس بغير إذن ، فقالت له أخطأت السنّة دخلت علينا بغير إذن.

فقال لها : لو كنتٍ في البيت الّذي خلّفك فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما دخلنا عليك بغير إذنكِ ثمّ قال : ان أمير المؤمنين يأمرك بالمسير إلى البيت الّذي أمرك الله بالقرار فيه ، فأبت عليه ، فشدّد عليها وقال : هو أمير المؤمنين وقد عرفتيه »(3) .

____________________

(1) الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة لمحمّد بن أبي بكر 2 / 295 ـ 296 تح ـ د. محمّد القوشنجي الاستإذ بجامعة حلب ط دار الرفاعي.

(2) الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية / 34 نسخة مخطوطة في مكتبة الإمام كاشف الغطاء بخط المرحوم الحجة والده الشيخ عليّ وفي المطبوعة بصنعاء 1 / 63.

(3) تذكرة خواص الأئمة لسبط ابن الجوزي / 45 ط حجرية سنة 1285 هـ.

٢٣٠

4 ـ شرح نهج البلاغة : « بعث عليّ عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة. قال : فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شيء أجلس عليه ، فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها.

فقالت : يا بن عباس أخطأت السنّة ، قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا ، فقلت : ليس هذا بيتك الّذي أمرك الله أن تقرّي فيه ، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلاّ بإذنك ، ثمّ قلت : إنّ أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمركِ بالرحيل إلى المدينة ، فقالت : وأين أمير المؤمنين ذاك عمر.

فقلت : عمر وعليّ ، قالت : أبيت ، قلت : أما والله ما كان إباؤك إلاّ قصير المدة عظيم المشقة ، قليل المنفعة ، ظاهر الشؤم ، بيّن النكد ، وما عسى أن يكون إباؤك؟ والله ما كان أمرك إلاّ كحلب شاة ، حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ولا تأخذين ولا تعطين ، وما كنتِ إلاّ كما قال أخو بني أسد :

ما زال إهداء الصغائر بيننا

نثّ الحديث وكثرة الألقاب

حتى نزلتِ كأن صوتكِ بينهم

في كل نائبة طنين ذباب

قال : فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ، ثمّ قالت : اني معجّلة الرحيل إلى بلادي ان شاء الله تعالى ، والله ما من بلد أبغض إليّ من بلد أنتم فيه.

قلت : ولم ذاك فوالله لقد جعلناكِ للمؤمنين أمّاً ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً.

قالت : يا بن عباس أتمن عليّ برسول الله؟

قلت : ما لي لا أمُنّ عليك بمن لو كان منك لمننتِ به عليّ.

٢٣١

ثمّ أتيت عليّاً ( عليه السلام ) فأخبرته بقولها وقولي ، فسرّ بذلك وقال لي :( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) وفي رواية : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك »(2) .

نص المحاورة في مصادر القرن التاسع :

1 ـ إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم لمحمّد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي المتوفى سنة 827 هـ أو 828 هـ : « قال ابن عباس : ولمّا انقضى أمر الجمل دخل عليّ البصرة بعد ثلاثة أيام ثمّ خطب خطبته الطويلة الّتي يقول فيها : يا أهل السبخة ، يا أهل المؤتفكة ، إئتفكت بأهلها ثلاث مرات في الدهر وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة ، يا أتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعُقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق وأحلامكم رقاق ، ودينكم نفاق ، نزلتم أشرّ بلاد الله وأبعدها من السماء وسُميت بشرّ الأسماء ، هي البصرة والمؤتفكة وتدمر. أين ابن عباس؟

فدعي له من كلّ جانب. فقال : إئتِ هذه المرأة فلترجع إلى بيتها الّذي أمر الربّ أن تقرّ فيه.

قال : فجئت فاستأذنت فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، ومددت يدي إلى وسادة فجلست عليها.

فقالت : يا ابن عباس ما رأيت مثلك تدخل بيتي بغير إذن ، وتجلس على وسادتي بغير إذن.

____________________

(1) آل عمران / 34.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 81 ـ 82 ط مصر الاُولى.

٢٣٢

فقلت : والله ما هو بيتكِ ، وإنما بيتكِ الّذي أمركِ الله أن تقري فيه فلم تفعليّ ، إنّ أمير المؤمنين يأمركِ أن ترجعي إلى بلدكِ الّذي خرجتِ منه.

قالت : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر.

قلت : نعم وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قالت : أبيت أبيت.

قلت : ما كان إباؤك إلاّ فواق ناقة ثمّ أبتِ ما تحكمين ولا تأمرين ولا تنهين.

فبكت حتى علا نشيجها ثمّ قالت نرجع ، فإن أبغض البلاد إليّ البلاد أنتم فيها.

فقلت : أما والله ما كان جزاؤنا منك أن جعلناكِ أم المؤمنين ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً لهم.

قالت : أتمنّ عليَّ برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟

قلت : نعم أمنّ عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا.

ثمّ أتيت عليّاً فأخبرته ، فقبّل بين عيني ، وقال : بأبي وأمي( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) »(2) .

فنادى ابن عباس؟

ماذا قال سعيد الأفغاني في كتابه ( عائشة والسياسة ) في هذا المقام؟

لقد جعل الفصل الخامس من كتابه في آخر أيام عائشة بالبصرة ، وعنونه : ( دخول عائشة البصرة وتجهيزها إلى الحجاز ). ثمّ بدأ ينقل نصوص الطبري في

____________________

(1) آل عمران / 34.

(2) إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم 6 / 239 ط دار الكتب العلمية بيروت.

٢٣٣

ذلك بانتقاء أحاديث سيف خاصة ، وهي لا تخلو من مناقشة سنداً ومتناً ، ثمّ ختم ذلك بقوله : « وظلت السيدة مدة إقامتها بالبصرة راضية عن سيرة عليّ ، فقد كانت خطته مع المخالفين خطة إجمال وكفّ ، وتغافل في الجملة ، وخاصة مع السيدة نفسها ، فقد صانها عن كلّ أذى ومكروه ، ورعاها وكمّ الأفواه عن قولة السوء فيها ، واشتد في ذلك على أصحابه حتى أمسكوا ».

وهنا فصل بنجوم ثلاث بين ما مرّ وما يأتي ، وتبدلت اللهجة الجادة إلى هزل أدبي ، وكأنه كاتب قصصي يصوّر للقارئ بعض مشاهد مسرحياته الخيالية ، ولعله أصابه السأم من مرويات الطبري لأحاديث سيف ـ المتهم حتى بالزندقة والكذب(1) ـ فاستبدل النغم فقال يخاطب قارءه :

« لعلك اشتقت إلى روايات ابن أبي الحديد الطريفة! فقد طال إمساكنا عن أخباره وإضرابنا عن قصصه ، فها نحن أولاء مطلعوكَ على مشهد ممتع وحوار أمتع :

لمّا فرغ عليّ من القتال دعا بآجرتين : فحمد الله وأثنى عليه وخطب في أهل البصرة قائلاً : ( يا أنصار المرأة ، وأصحاب البهيمة! رغا فجئتم ، وعقر فانهزمتم ، نزلتم شر بلاد ، أبعدها عن السماء إلخ ).

ثمّ نادى(2) ابن عباس فاقبل إليه فقال له :

____________________

(1) قال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات. قال وقالوا انه كان يضع الحديث. وبقية كلام ابن حبان : اتهم بالزندقة وقال البرقاني عن الدار قطني : متروك وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط. تهذيب التهذيب 4 / 296.

(2) هكذا يريد ابن أبي الحديد : نداء وصراخا على رؤوس الأشهاد. تعليقة الأفغاني في كتابه عائشة والسياسة / 193.

٢٣٤

( إئتِ هذه المرأة فمرها أن ترجع إلى بيتها الّذي أمرها الله أن تقرّ فيه ) ، ثمّ تمثل :

إني زلَلتُ زلَة فأعتـذر

سـوف أكيس بعدها وأنشمر

واجمـع الأمر الشـتيت المنـتـشر

قال ابن عباس : فجئت فاستأذنت عليها فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، فمددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها ، فقالت عائشة : تالله ما رأيت مثلك يا بن عباس! تدخل بيتنا بلا إذننا ، وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا؟ ، ( أخطأت السنّة مرتين ).

فقلت : ( نحن علمناكم السنّة )(1) والله ما هو بيتك ، وما بيتك إلاّ الّذي خلّفك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) به وأمرك الله أن تقري فيه فلم تفعليّ. إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الّذي خرجتِ منه.

قالت : رحم الله أمير المؤمنين ، ذاك ابن الخطاب.

قلت : وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قالت : أبيت أبيت.

قلت : ما كان إباؤكِ إلاّ فواق(2) ناقة ، ثمّ صرت ما تُحلين ولا تمرِين ، ولا تأمرين ولا تنهين ، وما كنت إلاّ كما قال أخو بني أسد :

ما زال إهداء الصغائر بيننا

نثّ الحديث وكثرة الألقاب

حتى نزلتِ كأن صوتكِ بينهم

في كل نائبة طنين ذباب

____________________

(1) علق الأفغاني في المقام بقوله : هكذا في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 82.

(2) الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت ، لأنها تحلب ثمّ تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ، ثمّ تحلب ـ مختار الصحاح.

٢٣٥

فبكت حتى علا نشيجها (!!!) ثمّ قالت : نعم أرجع ، فإن أبغض البلدان إليّ بلدٌ أنتم فيه.

قالت ( كذا في المطبوع والصواب قلت ) : أما والله ما كان هذا جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أمّاً ، وجعلنا أباكِ لهم صدّيقاً.

قالت : أتمنّ عليَّ برسول الله يا بن عباس؟.

قلت : نعم ، نمنّ عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا.

قال ابن عباس : فأتيت عليّاً فأخبرته بما كان ، فقبّل بين عينيّ وقال :( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) (1) ، أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك(2) انتهت الرواية.

أمّا الّذي لا يمكن أن يقبله امرؤ ذو روية فما رواه المسعودي المؤرخ الحزبي فقد زعم أن عائشة قالت لعليّ بعد خطب طويل كان بينهما : « إني أحبّ أن أقيم معك فأسير إلى قتال عدوك عند مسيرك.

____________________

(1) آل عمران / 34.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 82 ، وانظر العقد الفريد 3 / 103 ، واليعقوبي 2 / 213 ، ولقد كان هذا الخبر ـ ان صح ـ أجدر أن يوجد في الطبري وأرجّح أنه راج بعده ( مات الطبري سنة 310 ) ولعله علم به وأهمله لكذبه. ومن أمعن في هذه الأقوال استبعد صدورها عن مثل ابن عباس ، فليس ممّا يرضاه ذوق أن تجابه امرأة مهزومة بمثل هذا فكيف بمثل عائشة مكانة وحرمة. والخبر مصنوع بأداة حزبية عصبية طبقية ، والا فابن عباس أصح عقيدة وأتقى لله من أن ينسب إلى أسرته ما هو من صنع الله ، وكلّ مسلم يعلم : أن زواج عائشة كان بوحي من الله ، وأن صديقية أبي بكر كانت هداية من الله وحده ، لا وساماً تمنحه أسرة. وكلّ ما مرّ بك آنفاً وما سيمرّ بك عاجلاً من معاملة عليّ لعائشة ومخالفيه مبعد عن تصديق هذا الخبر الروائي. لقد كان ابن أبي الحديد ( أو صناع بعض أخباره على الأصح ) في كثير ممّا يروى : الصديق الجاهل للإمام كرم الله وجهه. والمشهور من نبل عليّ ودينه وسمو خلقه يجعل المنصفين يضربون بكثير من هذه الروايات عرض الحائط. وقريب منه في ذلك ابن عباس. ( تعليقة سعيد الأفغاني بنصها وفصها ).

٢٣٦

فقال عليّ : بل ارجعي إلى البيت الّذي تركك فيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) »(1) .

وهذا خبر غير معقول البتة وهو مخالف منطق الحوادث ، أمن تجييش الجيوش على عليّ ، إلى القتال معه؟ أهكذا انقلاباً فجائياً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بهذه الخفة والسرعة الخاطفة؟؟! ألا قليلاً من العقل والرويّة أيها المؤرخون العصبيون! ».

ثمّ وضع نجومه الثلاث للفاصلة وقال : « ونعود ـ بعد هذه الاستجمامة المسليّة ـ إلى التاريخ الجدّ :

جهز عليّ عائشة بكلّ شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع »(2)

وقفة مع الأفغاني للحساب :

وهنا لابدّ من وقفة عابرة معه لنحاسبه بعد أن استعاد نشاطه في تلك الاستجمامة المسليّة ، فإن في كلامه متناً وهامشاً مواقع للنظر ، وإلى القارئ بعضاً منها :

أوّلاً : لقد ساق المحاورة موهماً قراءه أنّها نقلاً عن ابن أبي الحديد ، وأكّد ذلك في تعليقه على أوّل جملة منها ( ثمّ نادى ابن عباس ) فقال في الهامش ـ كما مرّ ـ : « هكذا يريد ابن أبي الحديد نداءً وصراخاً على رؤوس الجماهير » ، وزاد في تأكيده بذكر الجزء والصفحة ( 2 / 82 )! وهل يشك بعد هذا أحد بأنّه نقلها عن ابن أبي الحديد؟

ونحن لا نعنّي القارئ كثيراً سوى الرجوع إلى ما مرّ من نص المحاورة الّتي رواه ابن أبي الحديد ، وهي في مدوّنات القرن السابع ، فليقرأها بإمعان فهل

____________________

(1) مروج الذهب 2 / 9 تعليقة سعيد الأفغاني.

(2) عائشة والسياسة / 190.

٢٣٧

يجد فيها جملة ( ثمّ نادى ابن عباس ) كما زعم الأفغاني؟ أو سيجدها تبتديء بجملة : ( بعث عليّ عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل ) فلماذا البهتان والتزوير؟!

وقد يعجب القارئ إذا ما نبّهته إلى إغراق الأفغاني في التعتيم على الواقع حين قال في الهامش بعد ذكر شرح النهج : ( واُنظر العقد الفريد 3 / 103 ، واليعقوبي 2 / 213 ). وهذا يعني أن في المصدرين المذكورَين أيضاً مثل ما سبق نقله عن شرح نهج البلاغة ( 2 / 82 )! وقد مرت المحاورة أيضاً نقلاً عنهما معاً وليس فيهما جملة ( ثمّ نادى ابن عباس ).

نعم ورد في نص العقد الفريد جملة : ( أين ابن عباس ) ولعله أوّل مصدر ترد فيه هذه الجملة ، ثمّ لم ترد بعد إلاّ في نص ورد عند الآبي المالكي في إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم ، وهو من مدونات القرن التاسع. واللافت للنظر أن ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد والآبي صاحب الإكمال كلاهما مغربيّان ، وليست لهما أي صلة بحزبية ابن أبي الحديد كما يحلو للأفغاني رميه بذلك على استحياء كما سيأتي.

وقد يزداد القارئ عجباً إذا أخبرته أن ما ذكره الأفغاني من تمثل الإمام بالشعر الرجز فذكر ثلاثة شطور ليس له في أيّ من المصادر الّتي ذكرها أيّ أثر!! وقد مرّت جميع نصوص المحاورة في مختلف المصادر عبر القرون وليس فيها ذكر لذلك الرجز ، فمن أين أتى به ودسّه سعيد الأفغاني؟

إنّه أتى به من تاريخ الطبري ، ولو أنّه نقله بأمانة لرفع عنه إصر الخيانة ، ولكنه غيّر وبدّل. والأبيات مذكورة في تاريخ الطبري. وهي من حديث سيف ،

٢٣٨

فقد ذكرها في حديث بيعة الإمام بالمدينة قال : « ولمّا فرغ عليّ من خطبته وهو على المنبر قال المصريون :

خذها واحذراً أبا حسن

إنـا نمـرّ الأمر إمرار الرسن

وإنّما الشعر : خذها إليك واحذراً أبا حسن.

فقال عليّ مجيباً : إنّي عجزت عجزة ما اعتذر سوف أكيس بعدها واستمرّ ».

ثمّ قال الطبري : « وكتب إليَّ السري عن شعيب عن سيف عن محمّد وطلحة قالا : ولمّا أراد عليّ الذهاب إلى بيته قالت السبيئة :

خذها واحذراً أبا حسن

إنـا نمـرّ الأمر إمرار الرسن

صولة أقوام كأسداد السفن

بمشرفّيـات كـغدران اللبـنَ

ونطعن الملك بلين كالشطن

حتى يُمرّنَ على غير عـنَن

فقال عليّ : وذكر تركهم العسكر والكينونة على عِدةَ ما منّوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم ، فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى(1)

إنّي عجزت عجزة لا أعتذر

سوف أكيس بعدها واستمر

ارفع من ذيلي ما كنت أجرّ

وأجمع الأمر الشتيت المنتشر

إن لم يشاغبني العجول المنتصر

أو يتركوني والسلاح يبتدر(2)

ثانياً : لقد مرت بنا تعليقة الأفغاني على جملة ( نحن علّمناكم السنّة ) فقال : « هكذا في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( 2 / 82 ) ». وهذا كسابقه محض

____________________

(1) هنا نقص في أصول ط ( عن هامش الطبري 4 / 437 ط دار المعارف ).

(2) تاريخ الطبري 4 / 436 ـ 437 ط دار المعارف.

٢٣٩

بهتان لا ظل له من الحقيقة. وقد مرّت المحاورة برواية ابن أبي الحديد فارجع البصر إليها كرّتين من جديد فلا تجد فيها ما نسبه إليه كذباً وزوراً. وهكذا تتكشف أمانة الأفغاني في النقل!

ثمّ إنّ جملة : ( نحن علمناكم السنّة ) لم ترد بهذا اللفظ نصاً في أيّ مصدر من المصادر الّتي بين يدي وهي أكثر من عشرين مصدراً!

نعم إنّ الّذي ورد فيها جملة : ( نحن علّمناكِ وأباكِ السنّة )(1) ، أو جملة : ( نحن أولى بالسنّة منكِ ، ونحن علّمناك السنّة )(2) ، أو جملة : ( نحن علمناكِ السنّة )(3) . ثمّ لم ترد في بقية المصادر بأيّ صيغة اخرى ، فأين الأمانة يا سعيد الأفغاني؟!

ثالثاً : لقد مرّ بنا تعليقه في نهاية الخبر تشكيكه في صحته ، ورجّح أنه راج بعد الطبري الّذي مات سنة310 ، ثمّ قال : « ولعله علم به وأهمله لكذبه ». وهذا لعمري يدل على مدى لوذعية الأفغاني وبُعدِ غوره في فهم الأخبار التأريخية (؟) فما دام لم يذكره الطبري فهو بترجيحه راج الخبر من بعده ، أو لعله علم به وأهمله لكذبه

أيّ ميزان هذا؟ فإنّ الطبري رجل جمّاع أخبار وليس بصَنّاع ، وهو يعترف في مواضع من تاريخه بأنّه قد لا يذكر من الحقائق التاريخية لعلة هناك ، وقد يذكر العلة أحياناً وقد لا يذكرها!

وإلى القارئ بعض تلك الموارد في خصوص الفترة من زمن عثمان إلى خلافة الإمام لنقرأ تصريحات خطيرة للطبري ، وهي تعني ضياع الكثير من الحقائق التاريخية.

____________________

(1) كما في أخبار الدولة العباسية راجع رقم / 2 من مصادر القرن الثالث.

(2) كما في رجال الكشي راجع رقم / 4 من مصادر القرن الخامس.

(3) كما في مصباح الأنوار راجع رقم / 1 من مصادر القرن السادس.

٢٤٠